ذكر حروف من الأدب من حديث بني مروان وغيرهم

قيل: إذا رَسخَ الرّجُلُ في العِلم رُفِعت عنه الرُّؤْيا الصالحة، مَسْلَمة، قال: كان عند عُمَر بن عبد العزيز رجلان، فجعلا يلحنانِ، فقال الحاجبُ: قُومَا فقد أَوْذَيْتُمَا أمير المؤمنينَ قال عُمَر: أنتَ آذَى لي منهما، المدائني قال: قعد قُدّامَ زياد رجلٌ ضائعي - من قرية باليمن يقال لها ضياعٌ - وزيادٌ يبني داره، فقال له: أيُّها الأمير، لو كنتَ عملت باب مشْرقها قِبَل مغربها، وباب مغربها من قِبَل مشرقها فقال: أنَّى لك هذه الفصاحة؟ قال: إنّها ليست من كتاب ولا حساب، ولكنها من ذكاوة العقل، فقال: ويلك، الثاني شرّ شُعبة، عن الحكم، قال: قال عبدُ الرحمنِ بن أبي ليلَى: لا أُمارِي أخي، فإما أن أكذِبَهُ وإما أن أُغْضِبَه، ابنُ أبي الزِّناد قال: إذا اجتَمعت حُرمَتان تُركَت الصُّغرى للِكُبْرَى، وعن أبي بكر الهُذَلي - واسمه سُلْميٌّ - قال: إذا جَمَع الطّعامُ أربعة فقد كَمُلَ: إذا كان حلالاً، وكثُرَت عليه الأيدي، وسُمّيَ اللَّهُ على أوّلِه، وحُمِد على آخِره: وقال ابن قميئةَ:

وأهوَنُ كفٍّ لا تضِيركَ ضَيْرةَ

 

يَدٌ بينَ أيْدٍ في إناءِ طـعَـامِ

يدٌ مِن قريبٍ أو غريبٍ بقفرةٍ

 

أتتك بها غبراءُ ذاتُ قَـتـامِ

وقال حمّادُ عجردٍ:

حُبَيشٌ أبو الصلتِ ذو خِبرةٍ

 

بما يُصلِحُ المِعدَة الفاسِدَهْ

تخوّفَ تُخْمةَ أصحـابِـه

 

فعوَّدُهم أكـلةً واحـدهْ

وقال سُويدُ المَرَاثد:

إنِّي إذا ما الأمرُ بَـيَّنَ شـكـهُ

 

وبَدَت بصائرهُ لمن يتـأمَّـلُ

وتَبرَّأَ الضعفاءُ من إخوانِـهـم

 

وألحَّ مِن حَرِّ الصَّميمِ الكلكـلُ

أدَعُ التي هي أرفَقُ الخَلاَّتِ بي

 

عند الحفيظةِ للّتي هي أجمـلُ

ومما يكتب في باب العصا

قوله:

قالت أُمـامةُ يوم بـرقةِ واسـطٍ

 

بابنَ الغَدِير لقد جَعلـتَ تَـغَـيَّرُ

أصبحتَ، بعد شبابكَ الماضي الذي

 

ذَهَبتْ بشاشَتُه وغصْنُك أخضُـر

شيخاً دِعامتُكَ العصا ومُشـيَّعـاً

 

لا تبتَغي خَيرا ً ولا تسْتَـخْـبَـرُ

ويُضَمُّ البيت الأخير إلى قوله:

وهُلْكُ الفتى ألاَّ يَراحَ إلى النَّدَى

 

وألاَّ يرى شيئاً عجيباً فيَعجبـا

ومن يَتَتبَّعْ منِّيَ الظّلْع َ يلقَنِـي

 

إذا ما رآني أصلَعَ الرأسِ أشيبا

وقال بعض الحكماء: أعجب مِن العَجَب ترْكُ التعجُّبِ من العَجَب، وقيل لشيخٍ هِمٍّ: أيَّ شيءٍ تشتهي؟ قال: أسمَعُ بالأعاجيب، وأنشد:

عَريضُ البِطانِ جديب الخِوان

 

قريبُ المَرَاثِ من المرتَـع

فنصفُ النَّهارِ لكِـرْياسِـهِ

 

ونِصفٌ لمأكلِـهِ أجـمَـعِ

ومما يضم إلى العصا قوله:

لعَمْري لئن حُلِّئْتُ عن مَنهل الصِّبـا

 

لقد كنتُ وَرَّاداً لمشرِبِه الـعَـذبِ

لياليَ أغْـدو بـين بُـرْدَينِ لاهـياً

 

أمِيسُ كغُصْنِ البانَةِ النَّاعمِ الرّطْبِ

سلامٌ عَلَى سيرِ القِلاصِ مع الرَّكْبِ

 

ووَصلِ الغواني والمُدامَةِ والشَّربِ

سلامَ امرئٍ لم تَبقَ منـه بـقـيَّةٌ

 

سِوى نظر العينينِ أو شهوة القَلْب

وقال حاجبُ بنُ ذُبيان لأخيه زُرارةَ:

عَجِلْتَ مَجيءَ الموتِ حتَّى هَجَرَتني

 

وفي القبر هجرٌ يا زُرَارُ طـويلُ

وقال الآخر:

ألم تَعلمي عَمَّرتُكِ اللَّـهَ أنـنـي

 

كريمٌ على حِينَ الكـرامُ قـلـيلُ

وأنِّيَ لاَ أخزَى إذا قيل مُـمْـلِـقٌ

 

جَوادٌ، وأخْزَى أن يُقالَ بَـخـيلُ

وإلاَّ يكُن عظمي طويلاً فإنّـنـي

 

له بالخصالِ الصالحاتِ وَصـولُ

إذا كنتُ في القومِ الطِّوالِ فضَلتُهم

 

بعارفَةٍ حتَّـى يقـالَ طـويل

ولا خيرَ في حُسن الْجُسوم وطولها

 

إذا لم يَزن حُسْنَ الجسومِ عقـولُ

وكائِنْ رأينا من فـروعٍ طـويلةٍ

 

تموت إذا لم تُحـيهِـنَّ أُصُـول

ولم أرَ كالمعروف أمّا مَذاقُه

 

فَحُلوٌ، وأمّا وجهُهُ فجميلُ

وقال زيادَةُ بنُ زيد:

إذا ما انتَهى علمي تناهَيتُ عِـنـدَهُ

 

أطالَ فأمْلَى أم تَنَاهَى فأقـصَـرَا

ويُخبرُني عن غَائبِ المرءِ فِعـلُـه

 

كفى الفِعلُ عما غَيّب المرءُ مُخْبِرَا

وقال آخر:

أبَرَّ فـمـا يزدادُ إلاّ حـمـاقةً

 

ونُوكاً وإن كانت كثيراً مخارِجُه

وقال ابنُ الرِّقَاع:

وقصيدةٍ قد بتُّ أجمَعُ بينَـهـا

 

حتَّى أقَوِّمَ مَيلَها وسِـنـادَهـا

نظَرَ المُثَقِّفِ في كُعوب قَناتِـه

 

حتَّى يُقيمَ ثِقافُـه مُـنْـآدَهـا

وعلمتُ حتَّى لستُ أَسألُ واحِداً

 

عن حَرفِ واحدةٍ لكي أَزدادَها

وقال بعضُ الأعراب:

لولا مَسَرَّةُ أقوامٍ تَصعَّدُنـي

 

أو الشّماتةُ من قومٍ ذوي إحَنِ

ما سَرّني أنّ إبْلِي في مَبارِكها

 

وأنّ أمراً قضاهُ اللَّهُ لم يَكُـنِ

وقال الآخر:

وإنِّي لأهوَى ثمّ لا أتْـبَـعُ الـهـوَى

 

وأَكـرِمُ خِـلاَّنِـي وفـيَّ صُـدُودِ

وفي النَّفسِ عن بعضَ التعرُّض غِلظةٌ

 

وفي العين عن بعضِ البُكاءِ جُمُـودُ

وقال كُثيِّر:

ترى القومَ يُخفونَ التبسُّـمَ عـنـدَهُ

 

وينذرُهُم عُورَ الكـلامِ نـذيرُهـا

فلا هاجراتُ القولِ يُؤثَرْنَ عـنـدَهُ

 

ولا كلماتُ النُّصح مُقصىً مُشيرُها

وقال المُقْشَعِرُّ:

يُقِرُّ بعَيني أن أَرَى قِـصَـدَ الـقـنـا

 

وصَرعَى رجالٍ في وَغىً أنا حاضرُهْ

وقال الكميتُ: من المنسرح

أحْسَنُ منها ذِيادُ خـامِـسَةٍ

 

في الوِردِ، أو فَيْلَقٌ تجالِدُها

وقال صالِحُ بن مخراق في كلامٍ له: لولا أنّ اللَّه قال: "كُتِبَ عَلَيْكُم القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لكم" البقرة: 612 لأنبأتُكُم أنِّي لا أكرَهُه، وقال الآخر:

تركتُ الرِّكـابَ لأربـابـهـا

 

وأكرهتُ نفسي على ابنِ الصَّعِقْ

جَعَـلْـتُ يديّ وِشـاحـاً لـهُ

 

وبعضُ الفوارسِ لا يعـتَـنـقْ

قال: وقال عُمَر بنُ عبد العزيز يوماً في مجلسِهِ: مَن أُمُّ النُّعمان بن المنذِر؟ فقال رَوحُ بن الوليدِ بن عبد الملِك: سَلْمَى بنتُ عُقَاب، قال: إنّهُ ليُقَالُ ذلك، يا حاجبُ أحْسِنْ إذْنَه، وقالوا: عَشْرُ خِصالٍ في عشْرَةِ أصنافٍ من النّاسِ أقبحُ منها في غَيرهم: الضِّيقُ في الملوكِ، والغَدرُ في الأشرافِ، والكذِبُ في القُضاةِ، والخديعة في العُلماءِ، والغَضبُ في الأبرارِ، والحِرْصُ في الأغنياءِ، والسَّفَهُ في الشيوخ، والمرضُ في الأطبّاء، والزَّهو في الفقراء، والفَخرُ في القُرَّاء، وأنشد:

ولا تَقْبَلوا عَقلاً وأُمُّـوا بـغـارَةٍ

 

بني عَبدِ شمسٍ بين دُومةَ والهضْبِ

وهُزُّوا صُدُورَ المَشْرَفيِّ كأنّـمـا

 

يَقَعْنَ بهامِ القومِ في حَنظَلٍ رَطبِ

ويُضَمُّ إلى بيت الكُميت وَبيت الْمُقشَعِرّ قولُ الحَكَميّ: من المنسرح

أحسنُ عندي من انكِبابك بال

 

فِهْرِ مُلحّاً به علـى وَتِـدِ

وُقُوفُ ريحانَةٍ علـى أُذُنٍ

 

وسَير ُ كأسٍ إلى فَـمٍ بـيَدِ

وفي بابٍ غير هذا يقول حسَّانُ بن ثابت: من الخفيف

ما أُبالي أنَبَّ بالْحَزْنِ تَيسٌ

 

أمْ لَحانِي بظَهرِ غَيبٍ لئيمُ

وأنشد:

خُبِّرْتُ أنّ طُوَيلباً يغتـابُـنـا

 

بعضيهةٍ يتنـحَّـلُ الأقـوالا

ما ضَرَّ سادة َ نَهْشَلٍ أهَجَاهُـم

 

أم قامَ في عُرْض الخَويِّ فبالا

وقال الفرزدق في هذا المعنى:

ما ضرّ تَغلِبَ وائِلٍ أهَجوتَها

 

أم بُلْتَ حيثُ تناطَحَ البحرانِ

وقال الآخر في هذا المعنى: من الرمل

ما يَضـيرُ الـبـحــرَ أمـــسَـــى زَاخِـــراً

 

أنْ رَمـى فــيه غـــلامٌ بـــحـــجَـــرْ

ومما يزاد في ذكر باب العصا قولُ جرير بن الخَطَفَى:

 

 

ويُقضَى الأمرُ حين تغيب تَيمٌ

 

ولا يُسـتــأمَـــرُون وهـــم شُـــهـــودُ

وقد سَلَبت عصاك بنو تميم

 

فما تدري بأيِّ عصاً تَذُودُ

 

           

وقال الحسين بن عُرفُطة بن نَضْلَة:

ليَهنيكَ بُغضٌ في الصّـديق وظِـنَّةٌ

 

وتحديثُك الشيءَ الذي أنت كـاذبُـه

وأنَّكَ مِهْدَاءُ الخَنَا نَطِـفُ الـنَّـثَـا

 

شَديد السِّبابِ ورافعُ الصَّوت غالِبُـه

وأنّك مَشنوءُ إلـى كـلِّ صـاحـبٍ

 

بَلاكَ، ومثلُ الشرِّ يُكرَهُ جـانـبُـهْ

ولم أرَ مثلَ الجهل أدنَى إلى الـرّدَى

 

ولا مِثل بُغض الناس غُمِّصَ صاحِبُهْ

وقال قَتادة بن خرجة الثَّعْلبيّ، من بني عَجَب:

خليلَيَّ يومَ السِّلسِلين لو أنّنـي

 

بَهبْر اللّوَى أنكَرْتُ ما قلتما لِيا

ولكنّني لم أنسَ ما قال صاحبي

 

نصيبَك من ذُلٍّ إذا كنتَ نائبـا

قال خالد بن نَضلة:

إذا كنتَ في قومٍ عِدىً لستَ منهُم

 

فكُلْ ما عُلِفْتَ من خَبيثٍ وطيِّبِ

وقال أحمد بن يوسف، وكان يتعشَّق يحيى بن سعيد بن حَمَّاد: مجزوء الكامل

إنّ يحيى بنَ سعيدٍ

 

يشتهي أنْ أشتهيهِ

فهو يلقاني بتَوْرِي

 

مٍ وأحياناً بـتـيهِ

وقال أبو سَعْدٍ دَعِيُّ بني مخزوم، في مُهَاجاة دِعبِل:

ولولا نَزَارٌ لَضَاقَ الفضاءُ

 

ولم يَبقَ حرزٌ ولا مَعْقِـلُ

وأخرجت الأرضُ أثقالَهـا

 

وأُدخلَ في است أمِّه دعِبِلُ

وقال: من المديد

حدَقُ الآجـال آجــالُ

 

والهوى للمرء قـتَّـال

والهوى صعبٌ مراكبـه

 

وركوب الصعب أهوالُ

ليس من شكلي فأشْتُمَـه

 

دِعْبلٌ، والنَّاس أشكـالُ

هِمَّتي في التاج أَلبَسُـه

 

وله في الشِّعْرِ آمـالُ

وقال: من المجتث

هذا اللُّبابـيُّ يَحـوي

 

جوائز الخـلـفـاءِ

ففي حِرِ امّ مَديحـي

 

وفي حِرِ امِّ هجـائي

وفي حِرِ امِّي وإن كُنْ

 

تُ سيِّدَ الشـعَـراءِ

وقال محمد بن يسير: من المديد

في حِرِامِّ الناسِ كُلّهِـمِ

 

وأنا في ذا مِنَ أوِّلِهـمْ

لستَ تدرِي حين تَخْبُرهم

 

أين أدناهُم مِن أفضلهمْ

وقال:

إذا ما جاوَزَ النُّدَمَاءُ خَمْسـاً

 

بربِّ البيت والسّاقي اللَّبيبِ

فأيرٌ في حِرِ امِّ فتىً دَعَانـا

 

وأيرٌ في حِرِ امِّ فتىً مجيبِ

وقال سَلْمٌ الخاسر:

بهارون قرّ الملكُ في مستقَرِّه

 

وأَبْهَجت الدُّنيا وأشرق نورُها

وليسَ لأيّام المَكـارمِ غـاية

 

تتمّ بها إلاّ وأنت أمـيرُهـا

وقال بشَّار بن بُرد: من الخفيف

مِن فَتاةٍ صُبَّ الجمال عَلَيهـا

 

في حديث كلَذَّةِ النّـشـوانِ

ثم فارقتُ ذاك غـيرَ ذمـيمٍ

 

كلُّ عيشِ الدُّنيا وإن طال فَانِ

وقال مُزاحِمٌ العُقْْيلي:

يزَينُ سَنَا الـمـاوِيِّ كـلَّ عَـشـيَّةٍ

 

عَلَى غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجـمَّـلِ

وجوه ٌ لو ان َّ المُدْلِجِينَ اعتَشَوْا بهـا

 

صَدَعْن الدُّجَى حتَّى ترَى الليلَ ينجلي

وقال المسعوديّ: مجزوء الكامل

إن الكرام مُنـاهـبـو

 

ك المجدَ كلّهم فناهِـبْ

أخْلِفْ وأتِلفْ، كلُّ شـي

 

ءٍ زعزعته الرِّيحُ ذاهِبْ

وقال شيخ من الأطباء: الحمدُ للَّه، فلانٌ يزاحمنا في الطِّبِّ ولم يختلف إلى البِيمارِستانات تمامَ خمسين سنةً، وحدثني محمد بن عبد الملك - صديقٌ لي - قال: سمعتُ رجلاً من فُرسان طَبَرِستان يقول: فلانٌ يدَّعي الفروسيَّة، ولو كُلِّفَ أن يُخْلِيَ فُرُوجَ فَرسِه منحدِراً لما قَدَر عليه، وقال بعض العبيد:

أيبعَثُني في الشَّاء وابنُ مُوَيلِـكٍ

 

على هَجْمةٍ قد لوّحَتها الطَّبائخُ

مَتَى كان حُمرَانُ الشَّبابيّ رَاعياً

 

وقد راعه بالدّوِّ أسودُ سالـخ

وقال كثيِّر في عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه:

تكلَّمتَ بالحقِّ المبينِ وإنـمـا

 

تَبيَّنُ آياتُ الهُدَى بالتَّـكـلّـمِ

ألا إنَّما يكفي القَنا بعدَ زَيغِـه

 

من الأوَدِ الباقي ثِقَافُ المُقَوِّم

الأصمعي قال: قال يُونس بن عبد الأعلى: لا يزال الناسُ بخير ما داموا إذا تخَلَّج في صَدْر الرّجُل شيءٌ وَجَدَ مَن يُفرِّجُ عنه، وقال البَعِيث، في إبراهِيمَ بن عَرَبيٍّ:

ترى مِنبرَ العبدِ اللَّئِيم كأنّما

 

ثلاثةُ غربَانٍ عليه وُقُوعُ

وقال الأعشى:

رُبّ رِفدٍ هَرقتَه ذلك الـيَوْ

 

مَ وأسرى من مَعْشَرٍ أقيالِ

وقالوا: لا وَكْسَ ولا شَطَط، وقا الشاعر:

ومُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ

 

لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مستسلمِ

وقال زهير:

دُون السَّماء وفوقَ الأرض قدرُهُما

 

عند الذُّنابَى فـلا فَـوْتُ ولا دَرَكُ

وقالوا: خير الأمور أوساطها، وشرّ السَّير الحَقحقة، قال: والمَثلُ السائر، والصوابُ المستعمَل: لا تكُنْ خُلْواً فتُزدَرَدَ، ولا مُرّاً فتلْفَظ، وقال عمر بن الخطّاب رحمه اللّه: إنّ هذا الزمرَ لا يُصْلِحُه إلاّ لِينٌ في غير ضَعف، وشِدّةٌ في غير عُنف، وكان الحجّاج يُجاوز العُنف إلى الخُرق، وكان كما وصف نفسه، فإنّه قال: أنَا حديدٌ حقُودٌ، وذو قَسوةٍ حَسُود، وذكره آخر فقال: كان شرّاً من صبيٍّ، وقال أكثم بن صَيفيّ: تناءَوا في الدِّيار، وتواصلوا في المَزَار، وكان ناسئُ الشُّهورِ، يقول: اللهُمَّ باعِدْ بين نسائِنا، وقارِبْ بين رِعائنا، واجعل الأموال في سُمَحائنا، وقال آخر:

شَتَّى مَراجِلُهم فوضَى نساؤُهُمُ

 

وكلُّهم لأبيه ضَيزَنٌ سَـلِـفُ

وقال الآخر: تركُ الوطن أَحَدُ السِّبَاءَين، وقالوا: من أجدَبَ انتجع، وقال آخر:

مَن أمّـل امـرأ هـابَــهُ

 

ومن قصَّر عن شيءٍ عابَهُ،

وقال الآخر:

رجعنا سَالمين كما بدَأْنـا

 

وما خابت غنيمةُ سالمينا

وقال امرؤ القيس بن حُجْر:

لقد نقّبتُ في الأفاق حَتَّـى

 

رضِيتُ من الغنيمة بالإيَابِ

وقيل لابن عباس: أيُّما أحَبُّ إليك، رجل يُكثِرُ من الحسنات ويكثُر من السّيّئات، أو رجلٌ يُقِلُّ من الحسنات والسِّيئات؟ قال: ما أعْدِلُ بالسّلامة شيئاً وقالت أعرابية:

فلا تَحمَدوني في الزِّيارة إنّني

 

أزوركمُ إلا أَجدْ مُتـعَـلَّـلا

يعقوب بن داود قال: ذَمَّ رَجُلٌ الأشْترَ فقال له رجلٌ من النَّخَع: اسكتْ فإنَّ حيَاتُهُ هَزَمتْ أهلَ الشّام، وموتَه هَزَم أهل العراق، أبو الحسن قال: أُرسِلت الخيلُ أيّامَ بِشر بن مروان، فسبقَ فرسُ عبدِ الملك بن بشرٍ، فقال له إسماعيل بن الأشعث: واللَّه لأُرْسِلَنَّ غداً مع فرسك فرساً لا يَعرِفُ أنّ أباكَ أمير العراق فجاء فرسُ إسماعيل سابقاً، فقال: ألم أُعلِمْك؟، وقال أبو العتاهية:

أيا مَن لي بأُنـسـكَ يا أخَـيَّا

 

ومَن لي أن أَبُثَّـك مـا لـديّا

كفى حَزَناً بِدفنْـكَ ثـم إنِّـي

 

نَفَضْتُ تُرابَ قَبرِكَ عـن يَديَّا

طَوتْكَ خُطُوبُ دَهركَ بعد نَشرٍ

 

كذاك خُطوبُهُ نشـراً وطَـيّا

فلو نَشرتْ قواكَ ليَ المـنـايا

 

شكوتُ إليك ما صنعَتْ إلـيّا

بكيتُك يا أُخَيَّ بـدَرِّ عـينِـي

 

فلم يُغنِ البكاءُ عـلـيك شـيّا

وكانت في حياتك لي عِظـاتٌ

 

وأنت اليومَ أوعَظُ منك حـيَّا

وقال الآخر:

أبعْدَ الذي بالنَّعْف نعفِ كُويكبٍ

 

رَهينَةُ رمسٍ بين تُرب وجندَلِ

أُذكَّرُ بالبُقْيا على مَن أصابنـي

 

وبُقيَاي أنِّي جَاهِدٌ غير مؤتَـلِ

يقول: هذه بُقياي، قال: قيل لشَريك بن عبد اللَّه: كان معاويةُ حليماً، قال: لو كان حليماً ماسَفِهَ الحقّ، ولا قاتلَ عليّاً، ولو كان حليماً ما حَملَ أبناء العبيدِ على حُرمه، ولَمَا أنكح إلاّ الأكْفاء، وأصوَبُ من هذا قول الآخر، قال: كان معاويةُ يتعرَّض ويحلُم إذا أُسْمِعَ، ومَنْ تَعرَّضِ للسّفيه فهو سفيه، وقال الآخر: كان يحبُّ أن يُظهِرَ حلمَه وقد كان طار اسمُه بذلك، فكان يحبُّ أن يزداد في ذلك، وقال الفرزدق:

وكان يُجير النّاسَ من سَيفِ مالكٍ

 

فأصبح يبغي نفسَه مَن يُجيرها

وكان َ كعَنْز السَّوء قامت بظِلْفِها

 

إلى مُديةٍ تحتَ التُّراب تُثِيرُهـا

وقال التُّوتُ اليمانيّ:

على أيِّ بابٍ أطلُبُ الإذنَ بَعْدما

 

حُجِبْتُ عن الباب الذي أنا حاجِبُه

وهذا مثل قوله:

والسَبَبُ المانعُ حَظَّ العاقِـل

 

هو الذي سَبَّب رِزْقَ الجاهلِ

ومثله:

ورُبَّتَ حزمٍ كان للسُّقمِ عِلّةً

 

وعلَّةُ بُرءِ الدَّاء حظُّ المغفَّلِ

وقال آخر:

يَخيبُ الفتى مِن حـيثُ يُرزَق غَـيرُه

 

ويُعطَى الفتى من حيث يُحرمَ صاحبُه

وقال عثمان بن الحُويرث، لعمرو بن العاصي:

لهُ أبَوانِ فهو يُدعَى إلـيهـمـا

 

وشرّ العبَادِ مـن لَـهُ أبَـوانِ

وقد حَكَّما فيه لتـصـدُقَ أُمُّـه

 

وكان لها عـلـمٌ بـه بـبـيانِ

فقالت: صُراحٌ، وهي تعلم غيرَهُ

 

ولكنّها تَهذِي بـغـير لـسـانِ

وقال الآخَر:

يَطلُبْن بالقومِ حاجاتٍ تضمَّنـهـا

 

بَدرٌ بكلِّ لسانِ يَلُبَسُ الـمِـدَحـا

كَأنّ فيضَ يَديه قبـلَ مـسـأَلَةٍ

 

بابُ السماء إذا ما بالحَيَا انفتَحـا

وكّلتَ بالدَّهر عيناً غير غـافـلةٍ

 

من جُودِ كفِّك تأسو كُلَّ ما جَرَحا

ومثله:

إذا افتقر المِنهالُ لم يُرَ فـقـرُه

 

وإن أيْسَر المنهال أيسر صاحبُه

وقال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه: من أفضل العبادة الصَّمت، وانتظارُ الفَرَج، وقال يزيد بن المُهَلَّب، وكان في سجن الحجّاج: لهفي على طَلِيَّةٍ بمائة ألف، وفرج في جَبْهَةٍ أسَد، وأنشدَ:

رُبَّما تَجزَعُ النُّفوسُ من الأم

 

ر له فِرْجةٌ كحَلِّ العِقَـالِ

وأنشد:

كَرِهتُ وكان الخَيرُ فيما كرِهتُه

 

وأحبَبتُ أمراً كان فيه شَبَا القتلِ

مثلُ قول اللَّه تبارك وتعالى: "وَعَسَى أنْ تَكْرَهوا شَيْئاً وهو خَيْرٌ لَكُم وَعَسَى أن تُحِبُّوا شَيئاً وهو شَرٌّ لَكُمْ" البقرة: 216، وكان يقال: خُذْ مقتصِدَ العِراق، ومجتهدَ الحجاز، وقال الآخر:

لكلِّ كريمٍ مـن ألائم قـومـه

 

على كلِّ حالٍ حاسدون وكُشَّحُ

وقال جرير:

إنِّي لآمُلُ منك خَيراً عاجلاً

 

والنّفسُ مُولعةٌ بحُبِّ العاجِل

وقال اللَّه تبارك وتعالى: "قُلْ مَا أسألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكلِّفين" ص: 86، وقال ابنُ هَرْمة:

أشَمُّ مـن الَّـذِينَ بـهـم قـريشٌ

 

تُدَاوِي بينها غَـبَـنَ الـقَـبـيلِ

كأنّ تلألُؤ الـمـعـروفِ فـيهِ

 

شُعاع الشَّمْس في السَّيف الصَّقِيلِ

وقال امرؤ القيس:

أجارتَنا إنّ المَزارَ قـريبُ

 

وإنِّي مُقيمٌ ما أقامَ عَسِـيبُ

أجارتنا إنّا غريبانِ هاهنـا

 

وكلّ غريبٍ للغريب نسيبُ

وقال بشار:

وإذا اغتربتَ فلا تكن جَشِعاً

 

تسمُو لغَثِّ الكسب تكسِبُه

وقال حَسّان بن ثابت:

أهدَى لهمْ مِدَحي قلبٌ يوازِرُهُ

 

فيما أحَبَّ لسانٌ حائكٌ صَنَعُ

وقال الأصمَعيُّ: أنشدنا أبو مَهديّة:

ضَحَّوْا بأشمَطَ عُنوانُ السُّجودِ به

 

يُقطِّعُ اللَّيلَ تسبيحـاً وقُـرآنـا

وقال الخزرَجيُّ، يردُّ على أبي قيس بن الأسْلَتِ، واسمُه صَيْفيّ:

أتفخر صيْفيُّ فيمـا تَـقُـو

 

لُ أن نِلتُم غِـيلةً أرْبَـعَـهْ

عَرَانينَ كـلُّـهُـمُ مـاجِـدٌ

 

كثيرُ الدّسائعِ والمنْفَـعَـهْ

فهَلاَّ حضرتَ غداةَ الـبَـق

 

يعِ لمَّا استمات أبو صَعْصَعَهْ

ولكنْ كرهتَ شُهودَ الوَغَـى

 

وكنتم كذلك في المَعْمَـعـهْ

سِرَاعاً إلى القَتلِ في خِفْـيةٍ

 

بطاءً عن القَتْلِ في المجمعَهْ

وأنشد الأصمعي:

آتِي النَّديَّ فلا يُقَرَّب مجلسي

 

وأقود للشرفِ الرّفيع حِمارِيَا

وقال حبيبُ بن أوْس: من المنسرح  

كالخُوط في القَدِّ والغَزَالةِ في البَهْ

 

جِة وابنِ الغـزالِ فـي غَـيَدِه

وما حـكـاه، ولا نـعِـيمَ لَـهُ،

 

في جِيدِه بل حَكـاهُ فـي جَـيَدِه

إلى المُـفـدَّى أبـي يزيدَ الّـذي

 

يَضِلّ غَمْرُ المُلوك في ثَـمَـدِهْ

ظِلُّ عُـفَـاةٍ، يُحـــب زَائرَهُ

 

حُبَّ الكبيرِ الصغيرَ مـن وَلَـدِه

إذا أَنـاخُـوا بـبـابـهِ أخَـذُوا

 

حُكْمَهُـمُ مـن لـسـانِـه ويَدِه

وقال أيضاً:

لعمرُك ما كانوا ثلاثةَ إخوةٍ

 

ولكنهم كانوا ثَلاثَ قبـائِل

ومن خطباء الخوارج

قَطرِيُّ بن الفُجَاءَة، أحدُ بني كابِيةَ بن حُرقُوص، وكنيته أبو نعامة في الحرب، وفي السلم أبو محمد، وهو أحد رؤساء الأزارقة، وكان خطيباً فارساً، خرج زَمن مُصعب بن الزُّبير، وبقي عشرين سنةً، وكان يَدِين بالاستعراض والسِّباء، وقتل الأطفال، وكان آخرُ من بُعِث إليه سفيان بن الأبرد الكلبيّ وقَتلَه سَورَة بن أبْجَر الدارمي، من بني أبان بن دارم،

ومن خطباء الخوارج

وشعرائهم وعلمائهم: حَبيب بن خُدرة، عِدَاده في بني شَيبان، وهو مولىً لبني هلال بن عامر، ومن علمائهم وخطبائهم وأئمتهم: الضحَّاك بن قيس، أحد بني عمرو بن مُحلِّم بن ذُهْل بن شَيبان، ويكنى أبا سعيد، ملَكَ العراقَ، وصَلَّى خَلفَه عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز، وعبد الواحد بن سليمان، وقال شاعرهم:

ألم تر أنَ اللّـه أظـهـر دينَـه

 

وصلَّتْ قريشٌ خلف بكر بن وائِل

ومن علمائهم: وخطبائهم: نصر بن مِلْحان، وكان الضَّحَّاك ولاّه الصلاةَ بالناس، والقضاءَ بينهم، ومن علمائهم: مُليلٌ، وأصغرُ بن عبد الرحمن، وأبو عبيدة كورين، واسمه مُسلِم، وهو مولىً لعروة بن أذينة، ومن علمائهم وخطبائهم وشعرائهم وقَعَدِهم وأهل الفقه: عِمران بن حِطّان ويكنى أبا شهاب، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، ومن الخوارج من بني ضَبَّة ثم أحد بني صَبَّاح: القاسم بن عبد الرحمن بن صُدَيقة، وكان ناسباً عالماً داهياً، وكان يشوب ذلك ببعض الظَّرف، ومن علمائهم ونُسَّابهم وأهل اللَّسَن منهم: الجَون بن كِلاب، وهو من أصحاب الضّحَّاك، ومن رجالهم وأهل النَّجْدة والبيان منهم: خُرَاشة، وكان ركّاضاً، ولم يكن اعتَقَد، أخبرني أبو عبيدة قال: كان مِسمارٌ مستخفياً بالبَصرة، فتخلّصت إليه فأخبرني أنه الذي طعن مالكَ بن عليٍّ في فيه، وذلك أنه فتح فاه يقول: أنا أبو علي فشَحا بها فاهُ، فطعنتُه في جوف فمه، ومن شعرائهم عِتبان بن وَصيلَة الشّيباني، وهو الذي يقول:

ولا صُلحَ ما دامَتْ منابرُ أرضنا

 

يقوم عليها من ثقيفَ خطـيبُ

وعن عيسى بن طلحة قال: قلتُ لابن عبَّاس: أخبِرْني عن أبي بكر، قال: كان خيراً كلّه، على الحِدَّة وشدّة الغضب، قال: قلتُ: أخبرني عن عمر، قال: كان كالطائر الحِذِر قد عَلِم أنه قد نُصب له في كلِّ وجهٍ حِبالة، وكان يعمل لكلِّ يوم بما فيه، على عُنْفِ السِّباق، قال: قلت: أخبِرْني عن عثمان، قال: كان واللَّه صَوَّاماً قوَّاماً، لم يخدعه نومُه عن يَقَظته، قال: قلت: فصاحبُكم؟ قال: كان واللّه مملوءاً حِلماً وعِلماً، غَرَّته سابقتُه وقرابته، وكان يَرََى أنه لا يطلبُ شيئاً إلاّ قَدرَ عليه، قلت: أكنتم تُرَونَه محدوداً، قال: أنتم تقولون ذاك،