كلام في الأدب

قال معاوية: ما رأيتُ سَرَفاً قطُّ إلاّ وإلى جَنبِه حقٌّ مضَيّع، وقال عثمانُ بن أبي العاص: الناكح مغترِس، فلينظر امرؤٌ أينَ يضع غَرْسه، وقالت هندُ بنت عُتبة: المرأة غُلٌّ، ولا بدَّ للعنق منه، فانظر مَن تضعُه في عنقك، وقال ابن المُقَفَّع: الدَّينُ رِقٍّ فانظر عند مَن تضَعُ نفسَك، وقال عمرو بن مَسْعَدة، أو ثابتٌ أبو عَبَّاد: لا تستصحِبْ من يكون استمتاعُه بمالك وجاهك أكثر من إمتاعه لك بِشُكر لسانه، وفوائد علمه، ومن كانت غايتُه الاحتيالَ على مالِكَ، وإطراءَك في وجهك فإنّ هذا لا يكون إلاَّ رديَّ الغَيب، سريعاً إلى الذمّ،

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

قد قلنا في صدر هذا الجزء الثالث في ذكر العصا ووجوهِ تصرُّفِها، وذكَرْنا من مقطَّعات كلام النُّسَّاك، ومن قِصار مواعظ الزُّهَّاد، وغير ذلك مما يجوز في نوادر المعاني وقِصار الخُطَب، ونحن ذاكرون، على اسم اللّه وعونِه، صدراً من دُعاء الصَّالحين والسَّلَف المتقدِّمين، ومن دُعاء الأعراب؛ فقد أجْمَعوا على استحسان ذلك واستجادته؛ وبعضَ دعاءِ الملهوفين، والنُّسَّاك المتبتِّلين، وقال اللَّه لنبيّه صلى الله عليه وسلم : "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُم رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُم" الفرقان: 77، وقال: "ادْعُونِي أستَجِبْ لَكُمْ" غافر: 60، وقال: "يَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً" الأنبياء: 90، وقال: "والمستَغْفِرينَ بالأسْحَار" آل عمران: 17، قالوا: كان عمر بن معاويةَ العُقَيليّ يقول: اللهمَّ قِني عَثَرات الكِرَام والكلام، وقال أعرابيُّ لرجل سألَه: جَعلَ اللَّه الخيرَ عليك دليلاً، ولا جعل حَظَّ السّائِل منك عِذْرَةً صادقة، وقال بعضُ: كِرام الأعراب ممّن يقرِض الشّعر ويؤثر الشَّكر:

لعلَّ مُفَيداتِ الزّمـانِ يُفِـدنَـنـي

 

بني صامتٍ في غيرشيءٍ يَضيرُهَا

قال شيخٌ أعرابيّ: اللهمَّ لا تُنزِلْني ماءَ سَوء، فأكونَ امرأَ سَوءٍ، قال: وسمعت عُمر بن هُبَيْرة يقول في دعائه: اللّهم إني أعوذ بك من صديقٍ يُطِري، وجَليسٍ يُغْرِي، وعَدُو يَسرِي، قال: وكتب ابن سَيَابة إلى صديق له، إمّا مُستقرِضاً وإمّا مستفرِضاً، فذكر صديقُه خَلّةً شديدة، وكثرةَ عيالٍ، وتعذُّرَ الأمور عليه، فكتب إليه ابن سَيَابة: إن كنتَ كاذباً فجعلك اللَّه صادقاً، وإن كنتَ مَليماً فجعلك اللَّه معذوراً، وقال الأصمعيّ: سمعتُ أعرابيّاً يقول: أعوذ بك من الفَواقر والبواقر، ومن جَارِ السَّوء في دار المُقامة والظَّعْنِ، وما ينكِّس برأس المرء ويُغْرِي به لئامَ النّاس، قال الأصمعي: قيل لخالد بن نَضْلَة: قال عبد يغوث بن وَقّاص ما أذُمُّ، ما فيها إلاّ عَطْنَى، ليس خالدَ بنَ نَضْلة، يعني مُضر، قال خالد: اللهمّ إن كان كاذباً فاقتله على يد ألأمِ حيٍّ في مُضَر فقتَلتْه تَيم الرِّباب، قالوا: وقف سائلٌ من الأعراب على الحسن فقال: رحم اللَّه عبداً أعطى من سَعَة، وآسَى من كَفاف، وآثر من قِلَّة، وقال: في الأثر المعروف: حصِّنوا أموالَكم بالزّكاة، وادفعوا أمواج البَلاء بالدُّعاء، ومن دعائهم: أعوذُ بك من بَطر الغِنى، وذِلَّة الفقر، قال: ومن دعاء السَّلَف: اللهمّ احمِلْنا من الرُّجلْة، وأغْنِنَا من العَيْلة، وسأل أعرابيٌّ فقيل له: بُورِكَ فيك فتوالى ذلك عليه من غير مكان، فقال: وَكَلَكم اللَّهُ إلى دعوةٍ لا تحضُرها نِيّة، وقال أعرابيّ: أعوذُ بك من سُقْم وعَدْوَاه، وذِي رحِم ودَعْواه، ومن فاجرٍ وجَدْواه، ومن عملٍ لا ترضاه، وسأل أعرابيٌّ فقال له صبيٌّ من جَوف الدار: بُورِك فيك؟ فقال: قَبح اللَّه هذا الفم، لقد تعوّد الشرّ صغيراً وهذا السَّائل هوالذي يقول:

رُبّ عجُوزٍ عِرمِسٍ زَبُونِ

 

سريعةٍ الرّدِّ على المسكين

تحسَبُ أنَّ بُورِكاً يكفينـي

 

إذا غدوتُ باسطاً يمينـي

وقال آخر: اللهمّ أعِنِّي على الموت وكُربته، وعلى القبر وغُمّته، وعلى الميزان وخِفّته، وعلى الصِّراط وزَلَّته، وعلى يوم القيامة ورَوْعته، وقالت عجوزٌ وبلَغَها موتُ الحجّاج: اللهمَّ إنّكَ أمَتَّه فأمِتْ سُنّته، قال: وكان محمد بن علي بن الحسين بن عليّ يقول: اللهمَّ أعنِّي على الدنيا بالغنى، وعلى الآخرة بالتَّقوى، وقال عَمرو بن عُبيَد: اللهمَّ أغْنِنِي بالافتقار إليك، ولا تُفْقِرْني بالاستغناء عنك، وقال عمرو بن عُبيَد: اللهمَّ أغْنِنِي على الدُّنيا بالقناعة، وعلى الدِّين بالعِصمة، قال: ومرض عوفُ بن أبي جَميلة، فعاده قومٌ فجعلوا يُثنون عليه، فقال: دَعُونا من الثَّناء، وأمِدُّونا بالدُّعاء، قال: وسمعتُ عمرَ بنَ هبيرةَ يقول: اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن طُول الغفلة وإفراط الفِطنة، اللهمَّ لا تجَعْل قولي فوقَ عملي، ولا تجعل أسوأَ عملي ما قاربَ أجلي،وقال أبو مَرْجَحٍ: اللهمَّ اجعل خيرَ عملي ما وَلِيَ أجلي، قال: ودعتْ أعرابيَّةٌ لرجل فقالت: كبَتَ اللَّه كلَّ عدوٍّ لك، إلاّ نفسَك، وقال يزيد بن جَبَل: احرُسْ أخاك إلاّ من نَفْسِه، قال: ودعا أعرابيٌّ فقال: اللهمَّ هب لي حقَّك، وأرضِ عَنِّى خلقك، قال: وكان قومٌ نُسّاكٌ في سفينةٍ في البحر، فهاجت الرِّيح بأمرٍ هائل، فقال رجلٌ منهم: اللهمَّ قد أريتَنا قدرتَك فأرِنا عفوَك ورحمتَك، قال: وسمع مُطَرِّف بن عبد اللَّه رجلاً يقول: أستغفر اللَّه وأتوبُ إليه فأخَذَ بِذراعه وقال: لعلَّك لا تفعل مَن وعَدَ فقد أوجب، وقال رجلٌ لابن قُثم: كيف أصبحت؟ قال: إنْ كان من رأيك أن تَسُدَّ خَلَّتي، وتقضِيَ دَيني، وتكسُوَ عُرْيِي خَبَّرتك، وإلاّ فليس المجيب بأعجب من السائل، وقال آخَر: اللهم أمِتعْنا بخيارنا، وأعِنَّا على شِرارنا، واجعل الأموالَ في سُمحائنا، وقال أعرابيّ: اللهمَّ إنّك قد أمرتنا أن نَعفُوَ عمّن ظلمنا، وقد ظلَمْنا أنفسَنا فاعفُ عنَّا، وقال أعرابيٌّ ورأى إبلَ رجلٍ قد كثُرَت بعدَ قِلّة، فقيل له: إنَّه قد زَوَّج أمَّه فجاءته بنافجة، فقال: اللهمَّ إنّا نعوذ بك مِن بعض الرِّزق، أبو مجيب الرّبعي قال: قال أعرابيّ: جنَّبكَ اللّه الأَمَرَّين، وكفاك شَرَّ الأجوفَين، الأجوفان: البَطْن والفرْج، والأَمَرَّانِ: الجوع والعُرْي، وجاء في الحديث: من وُقِيَ شرّ قَبقَبه وذَبْذَبِه ولَقْلَقِه فقد وُقِيَ الشَّرَّ كُلَّه، وقال الأعرابيّ: مَنَحكم اللَّه مِنحةً ليست بِجَدَّاءَ ولانَكْداء، ولا ذاتِ داء، قال: قيل لإبراهيم المحلِّميّ: أيُّ رجل أنت لولا حِدّةٌ فيك؟ قال: أستغفر اللَّه مِمَّا أملك، وأستصلِحُه ما لا أملك، وقال أعرابيٌّ وماتَ ابنٌ له: اللَّهمَّ إنِّي قد وهبتُ له ما قصَّر فيه مِن بِرّي، فهَبْ لي ما قصَّرَ فيه من طاعتك، الفضل بن تميم قال: قال أبو حازم: لأَنَا مِنْ أن أُمنَع الدّعاءَ أخوَفُ منِّي من أن أُمنَع الإجابة، قال: ولما صَافَّ قتيبةُ بن مسلمٍ التُّرْكَ وهاله أمرُهم سأل عن محمد بن واسع، وقال: انظروا ما يصنع؟ فقالوا: ها هو ذاك في أقصى الميْمنة جانحاً على سِيَة قوسه، يُنَضنض بإصبعه نحو السَّماء، قال قتيبة: تلك الإصبعُ الفاردة أحبُّ إليّ من مائةِ ألفِ سيفٍ شهير، وسنانٍ طرير، وقال سعيد بن المسِّيبِ، ومرَّ به صِلَةُ بن أَشْيَمَ: يا أبا الصَّهباء، ادعُ اللَّه لي بدَعوات، قال: زهَّدك اللّهُ في الفاني، ورغَّبك في الباقي، وَوَهَب لك يقيناً تسكُنُ إليه، أبو الدَّرداء قال: إنّ أبغضَ الناس إليَّ أنْ أظلِمَه مَنْ لم يستعن عليَّ إلاّ باللَّه، وقال خالد بن صفوان: احذروا مَجَانيق الضَّعفاء يعني الدُّعاء، وقال: لا يُسْتجاب إلاّ لمُخْلصٍ أو مظلوم، قال: وكان عليُّ بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه يقول: اللهمَّ إنّ ذُنوبي لا تضُرُّك، وإنّ رحمتَك إيَّاي لا تنقُصك، فاغفِر لي ما لا يضرُّك، وأعطِني ما لا ينقُصك، وقال أعرابيّ: اللهمّ إنك حَبسْت عنّا قطرَ السماء، فَذَابَ الشّحم، وذهب اللَّحم، ورقّ العَظْم، فارحم أنين الآنَّة، وحنين الحانَّة، اللهمّ ارحَمْ تحيُّرَها في مراتعها، وأنينَها في مَرابِضها، قال: وحجَّت أعرابيَّة فلما صارت بالموقِف قالت: أسألك الصُّحبةَ، يا كريمَ الصُّحبة، وأسأَلُك سِتْرك الذي لا تُزيلُه الرِّياح، ولا تُخَرِّقه الرّماح، وقيل لعليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه: كم بيْنَ الأرض والسماء؟ قال: دعوة مُستجابة، قالوا: كم بين المشرق إلى المغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، ومن قال غيرَ هذا فقد كذب، قال: وحجّ أعرابيٌّ فقال: اللّهمّ إن كان رزقي في السماء فأنْزِلْه، وإن كان في الأرض فأخرِجْه، وإن كان نائياً فقرِّبْهُ، وإن كان قريباً فيسِّره، أبو عثمان البَقطُريّ عن عبد اللَّه بن مسلم الفِهري قال: لمّا وَلِيَ مسروقٌ السِّلسِلة انبرى له شابٌّ فقال له: وقَاك اللَّه خشيةَ الفقر وطُولَ الأمل، حتى لا تكونَ درِيّة للسُّفَهاء، ولا شَيناً على الفقهاء، وقال أَعرابيٌّ في دعائه: اللّهم لا تُخَيِّبْنِي وأنا أرجوك، ولا تعذِّبْني وأنا أدعوك، اللَّهمّ فقد دعوتُك كما أمرتَني، فأجِبْني كما وعدتَني،  وقال عبدُ اللَّه بنُ المبارك: قالت عائشة: يا بَنِيَّ لا تطُلبوا ما عند اللَّه مِن عندِ غير اللَّه بما يسخِط اللَّه، قال: وقال رجلٌ من النُّسَّاك: إن ابتُلِيتَ أن تدخل مع ناسٍ على السُّلطان فإذا أخَذُوا في الثَّناءِ فعليك بالدُّعاء، وكان الفضل بن الربيع يقول: مسألة الملوك عن حالهم من تحيَّة النَّوْكَى وتَقَرُّبِ الحمقَى، عليكم بأوجَزِ الدُّعاء، وقال الكذَّاب الحِرْمازيّ:

لا هُمَّ إن كانت بنو عَمِـيره

 

رهط التِّلِبّ دعوةً مستوره

قد أجمعوا لِحِلْفة مَصْبُـوره

 

واجتمعوا كأنَّهُـم قـارُورَه

في غَنَـمٍ وَإبـلٍ كـثـيرَهْ

 

فابعثْ عليهم سَنةً قاشُـورَه

تحتلق المالَ احتلاقَ النُّورَه

 

 

وقال أعرابيّ:

لا هُمَّ أنتَ الربُّ تُسْتَغـاثُ

 

لَكَ الحيَاةُ ولَكَ المِـيرَاثُ

وقد دَعاك الناسُ فاستغاثوا

 

غَياثَهُمْ وعِندك الـغِـياثُ

ولم يكن سَيَبُك يُسْـتَـراثُ

 

لم يبقَ إلاّ عِكرِشٌ أنكاثُ

وشيجةٌ أُصولُها مُثَـاثُ

 

وطاحت الألبان والأرماثُ

وكان سعد بن أبي وقّاص يسمَّى: المستجابَ الدَّعوة، وقال لعمر حِين شاطره مالَه: لقد هممتُ، فقال له عمر: لتدعو اللَّه عليّ؟ قال: نعم، قال: إذن لا تجدُني بدعاءِ ربِّي شقيّاً، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : كم مِن ذي طِمْرينِ لا يُؤْبَهُ له لو أَقسَمَ على اللَّه لأبَرَّه، منهم البَرَاء بن مالك، واجتمعَ الناسُ إليه وقد دَهَمهم العدوّ، فأقسَم على اللَّه، فمنحهم اللَّهُ أكتافَهم، الأصمعيّ وأبو الحسن قالا: أخبرنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن أبيه، أو عن غيره، قال: بلغ سعداً شيءٌ فعَلهُ المهلَّب في العدوّ، والمهلَّب يومَئذٍ فتىً، فقال سعد: اللهمّ لا تُرِه ذُلاًّ، فيَرَوْنَ أنَّ الذي ناله المهلَّب بتلك الدّعوة، وقال الآخر:

الموت خَيرٌ من ركوب العارِ

 

والعارُ خيرٌ من دخول النَّارِ

واللَّه من هذا وهذا جارِي

 

 

قالها الحسَن بن عليّ رضي اللَّه عنهما، وقال الآخَر، وكان قد وقَع في الناس وباءٌ جارفٌ، وموتٌ ذريع، فهرَب على حِماره، فلمّا كان في بعض الطَّريق ضَربَ وجهَ حمارِه إلى حَيِّه وقال:

لن يُسبَقَ اللَّه على حمـارِ

 

ولا على ذي مَيْعةٍ مُطَارِ

أو يأتيَ الحتفُ على مقدارِ

 

قد يصبحُ اللُّهُ أمامَ السّارِي

قال: سمع مُجاشِعٌ الرَّبَعيُّ رجلاً يقول: الشَّحيح أعذَرُ من الظالم فقال إنّ شيئين خيرهُما الشُّحُّ لنَاهيك بهما شرّاً، قال المغيرة بن عُيَيْنةَ: سمع عمرُ بن الخطاب رحمه اللَّه رجلاً يقول في دعائه: اللهمّ اجعلني من الأقلِّينَ قال له عمر: ما هذا الدُّعاء؟ قال: سمعت اللّه يقول: (وقليلٌ ما هُمْ) صلى الله عليه وسلم :42، وسمعتُه يقول: "وقَليلٌ مِن عبادِيَ الشَّكُور" سبأ: 13 فقال عُمر: عليك من الدُّعاء بما يُعرَف، وقال ناسٌ من الصحابة لِعُمر: ما بالُ النّاس كانوا إذا ظُلِموا في الجاهليّة فدَعَوا استُجيب لهم ونحنُ لا يستجاب لنا وإنْ كُنّا مظلومين؟ قال: كانوا ولا مَزَاجِرَ لهم إلاّ ذاك، فلَّما أنزَلَ اللَّه عزّ وجلّ الوعدَ والوعيد، والحُدود، والقَوَد والقِصاص، وَكَلَهم إلى ذلك، وقال عمر بن الخطاب: إنَّ في يوم كذا وكذا من شهر كذا لساعةً لا يدعُو اللَّه فيها أحدٌ إلاّ استُجيب له، فقال له قائل: أرأيت إن دعا فيها منافق؟ قال: فإنَّ المنافق لن يُوفَّقَ لتلك السّاعة، ولمّا صعِد المنبرَ قابضاً على يد العبّاس يوم الاستسقاء، لم يزدْ على الدُّعاء والاستغفار فقيل له: إنَّك لم تستسقِ وإنّما كنتَ تستغفر، قال: قد استسقيتُ بمَجادِيح السماء، ذهبَ إلى قوله: (استغفِروُا رَبَّكُم إنّه كانَ غَفَّاراً، يُرسِلِ السّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) نوح: 10-11، وكان عُمرُ حَمَل الهُرمُزان مع جماعةٍ في البحر فغرِقوا، قال ابنُ سيرين: لو كان دعا عليهم بالهلاك لَهَلكوا، قال: وقال محمّد بن عليّ لابنه: يا بُنيَّ إذا أنعَمَ اللَّهُ عليك نعمةً فقل:  الحمدُ للَّه، وإذا حَزَبَكَ أمرٌ فقل: لا حَول ولا قُوّة إلاّ باللَّه، وإذا أبطأ عنك رزقٌ فقل: أستغفِرُ اللَّه، قالوا: كان محمّد بن علي لا يُسمِع المبتلَى الاستعاذةَ من البلاء، قال: وقال قومٌ ليزيد بن أسد: أطال اللَه بقاءك؟ قال: دَعُوني أمُتْ وفيَّ بقيَّةٌ تبكون بها عليّ، ورأى سالمُ بنُ عبد اللَّه سائلاً يسأل يوم عرفةَ فقال: يا عاجزُ، في هذا اليوم تَسأل غيرَ اللَّه؟ قال: وكان رجلٌ من الحكماء يقول في دعائه: اللهمَّ احفَظْني من الصَّديق، وكان آخر يقول: اللهمّ اكفِنِي بَوائق الثِّقات، وحدّثني صديقٌ لي كان قد ولي ضِياع الرّيّ قال: قرأتُ على باب شيخٍ منهم: جزَى اللَّه من لا نعرفُ ولا يعرفُنَا أحسنَ الجزاء، ولا جزَى مَن نعرِفُ ويعرفُنا إلاّ ماهو أهلُه، إنّه عَدْلٌ لا يَجُور، وكان على رُشوم عُمَر بن مِهرانَ التي كان يَرشُم بها على الطّعامِ: اللهم احفَظْه ممن يحفظُه، وقال المغيرة بن شعبة في كلامٍ له: أنّ المعرفة لتنفع عند الكلب العقور، والجمل الصَّؤُول، فكيف بالرجل الكريم، أبو الحسن قال: قالت امرأة من الأعراب: اللهمّ إنِّي أعوذ بك من شرِّ قريشٍ وثَقيف، وما جَمَعتْ من اللَّفيف؛ وأعوذُ بك من عبدٍ مَلَك أمرَه، ومن عبدٍ مَلأ بطنَه، قال: مرَّ عمرُ بن عبد العزيز برجلٍ يُسَبِّح بالحَصَى فإذا بلغ المائةَ عَزلَ حصاة، فقال له عمر: ألقِ الحصَى وأخْلِصِ الدُّعاء، وكان عبدُ الملك بن هلال الهُنَائيّ عنده زِنَبيلٌ ملآنُ حصىً، فكان يسبِّح بواحدةٍ واحدة، فإذا مَلَّ شيئاً طَرح ثنتين ثنتين، ثم ثلاثاً ثلاثاً، فإذا مَلَّ قَبض قَبضة وقال: سبحانَ اللَّه بعدَدِ هذا، فإذا مَلَّ شيئاً قبض قُبضتين وقال: سبحانَ اللَّهِ بعدد هذا، فإذا ضَجِر أخذ بِعُرْوَتَي الزَّنبيل وقَلَبه، وقال: سُبحانَ اللَّهِ بعدد هذا كلِّه، وإذا بَكَّرَ لحاجة لحَظ الزَّنبيل لحظةً وقال: سبحان اللَّهِ عددَ ما فيه، قال غَيلان: إذا أردت أن تتعلم الدُّعاء، فاسمَعْ دعاءَ الأعراب، قال سعيد بن المُسِيَّب: مَرَّ بي صِلةُ بن أَشْيَم، فما تمالكت أن نهضت إليه فقلت: يا أبا الصَّهباء، ادعُ اللّه لي، فقال: رَغّبكَ اللّه فيما يبقى، وَزَهَّدَكَ فيما يفنَى، ووهب لك اليقينَ الذي لا تسكُن النُّفوس إلاّ إليه، ولا تُعَوِّلُ في الدِّين إلاّ عليه، أبو الحسن قال: سمع رجلٌ بمكّةَ رجلاً يدعو لأمِّه، فقال له: ما بال أبيك؟ قال:هو رجلٌ يحتالُ لنفسه، أبو الحسن بن عُروة بن سليمان العَبديّ قال: كان عندنا رجلٌ من بني تميم يدعو لأبيهِ ويَدَعُ أمَّه، فقيل له في ذلك، فقال: إنَّها كَلْبيَّة ورفع أعرابيٌّ يدَه بمكة قبل الناس فقال: اللهمَّ اغْفِرْ لي قبل أن يدهمَكَ النّاس وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنّ اللَّه يحبُّ المُلحِّينَ في الدُّعاء، وقال آخر: دعوتانِ أرجو إحداهما وأخاف الأخرى: دعوةُ مظلومٍ أعَنْتُه، ودعوةُ ضعيفٍ ظلمتُه، قال: كان من دُعاء أبي الدَّرداء: اللهمَّ أمِتعْنا بخيارِنا، وأعِنّا على شِرارنا، واجعلنا خياراً كلَّنا، وإذا ذهب الصالحون فلا تُبْقِنا، وقال آخر لبعض السَّلاطين: أسألك بالذي أنت بين يديه أذَلُّ منِّي بين يديك، وهو على عِقابك أقدَرُ منك على عقابي، إلاّ نَظرتَ في أمرِي نَظَرَ مَن بُرئي أحبُّ إليه من سُقْمي، قالوا: وكان مُطرِّف بن عبد اللَّه بن الشِّخّير يقول: اللهمَّ إنّك أمرتَنا بما أمرتنا به ولا نَقوَى عليه إلاّ بعونك، ونهيتنا عمَّا نهيتنا ولا ننتهي عنه إلاّ بعصمتك، واقعةٌ علينا حُجّتُك، غيرُ معذورين فيما بيننا وبينك، ولا مَبخوسين فيما عمِلْنا لوجهك، عبد العزيز بن أُبان، عن سفيان، في قوله: "دَعْواهُمْ فِيها سُبحانَكَ" يونس: 10: كان أحدُهم إذا أراد أن يدعُوَ قال: سبحانك اللّهمّ، سفيان عن ابن جُريج، عن عِكرمة، قال في قوله تعالى: "قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكما" يونس: 89 قال: كان موسى عليه السلام يدعُو وهارونُ يُؤمِّن، فجعلهما اللَّه داعِيَيْن،قال: ولمّا وقَع يونُس في البحر وقد وُكِّل به حوتٌ، فلمَّا وقَع ابتلعَه فأهوى به إلى قَرار الأرض، فسمع تسبيحَ الحصى، فنادَى يونُس في الظُّلمات "أنْ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالمِين" الأنبياء: 87 قال: ظُلمةُ بَطنِ الحوت، وظلمةُ البحر، وظلمةُ الليل، وقال اللَّه تبارك وتعالى: "فَلَوْلاَ أنَّهُ كَانَ مِنَ المسبِّحِينَ، لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثون" الصافات: 143-144 وفي الحديث المرفوع، أنّ مِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بك من قلبٍ لا يخشع، وبطنٍ لا يشبَع، ودُعاءٍ لا يُسمع، عليّ بن سليم، أن قيس بن سعد قال: اللهم ارزقني حمداً ومجداً، فإنّه لا حَمدَ إلاّ بفَعال، ولا مَجدَ إلاّ بمال، عوفٌ قال: قال رجلٌ في مجلس الحَسَن: ليهِنئْك الفارس؟ قال له الحسن: فلعلَّه حَامِر، إذَا وهَبَ اللَّهُ لرجلٍ ولداً فقل: شكرتَ الواهب، وبُورِك لك في الموهوب، وبَلَغَ أشُدَّه، ورُزقتَ بِرَّه، أبو سَلمة الأنصاريّ قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: ما أحسن تعزيةَ أهلِ اليمن؟ وتعزيتُهم: لا يحزُنْكُم اللَّه ولا يَفتِنْكم، وأثابَكَم ما أثاب المتقين الشاكرين، وأوجَبَ لكمُ الصَّلاَةَ والرّحمة، قال: وكان أبو بكر - رحمه اللَّه - إذا عزَّى رجلاً قال: ليس مع العَزاء مُصيبة، ولا مع الجزَع فائدة، الموتُ أشدُّ ما قبْلَه، وأهونُ ما بعدَه، اذكروا فَقْدَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تَهُنْ عندكم مصيبتكم صلَّى اللَّه على محمَّدٍ، وعظّم اللَّه أجرَكم، وكان عليُّ بن أبي طالب - رحمه اللَّه - إذا عَزّى قوماً قال: إنْ تجزعوا فأهلُ ذلك الرّحِم، وإن تصبروا ففي ثواب اللَّه عِوَضٌ من كلِّ فائت، وإنَّ أعظمَ مصيبةٍ أُصيب بها المسلمون محمّد، صلى الله عليه وسلم ، وعَظَّم أجركم، وعَزّى عبد اللَّه بن عبّاس، عمرَ بن الخطاب رحمهما اللَّه، على بنيٍّ له مات فقال: عَوّضك اللَّه منه ما عَوَّضه منك، وهذا الصبيُّ الذي مات هو الذي كان عمر بن الخطاب قال فيه: ريحانةٌ أشُّمُّها، وعن قريب ولد بارٌّ، أو عدوٌّ حاضر، سفيان قال: كان أبو ذرٍّ يقول: اللهمّ أمِتعْنا بخيارنا، وأعنَّا على شِرارنا، قال: ودعا أعرابيٌّ فقال: اللهمّ إني أعوذ بك مِنَ الفقر المُدْقع، والذلِّ المُضْرِع، عَزَّت امرأةٌ المنصور على أبي العباس، مَقدمَه مكة فقالت: عظّم اللَّه أجرَك، فلا مصيبةَ أعظَمُ من مصيبتك، ولا عِوضَ أعظم من خِلافتك، قالوا: وقال عمر بن عبد العزيز، وقد سمعوا وقع الصّواعق، ودَوِيّ الريح، وصوت المطر، فقال وقد فزِع الناس: هذه رحمتُه فكيف نِقمتُه وقال أبو إسحاق: اللهمّ إن كان عذاباً فاصرفْه، وإن كان صلاحاً فزِدْ فيه، وهَبْ لنا الصّبرَ عند البلاء، والشكر عند الرخاء، اللهم إن كانت محنةً فمُنَّ علينا بالعصمة، وإن كان عقاباً فمُنَّ علينا بالمغفرة، قال أبو ذَرّ: الحمد للَّه الذي جعلنا من أمةٍ تُغفَر لهم السيِّئات، ولا تُقبل من غيرهم الحسنات، وكان الفضلُ بن الرَّبيع يقول: المسألة للموك من تحية النوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبحتَ؟ فقل: صبّحك اللَّه بالخير، وإذا أردت أن تقول: كيف تجدك؟ فقل: أنزَلَ اللّه عليك الشِّفاء والرحمة، قال أحمد الهُجَيميّ أبو عُمر، أحد أصحاب عبد الواحد بن زيد: اللهمَّ يا أجودَ الأجودِينَ ويا أكرم الأكرمِينَ، ويا أعفى العافين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم الحاكمين، ويا أحسن الخالقين، فرِّج عني فرَجاً عاجلاً تامّاً، هنيئاً مباركاً لي فيه، إنّك على كل شيءٍ قدير، وكان عبد اللَّه الشَّقَرِي، وهو الكعبيّ، أحد أصحاب المِضمار من غِلمان عبد الواحد بن زيد - وكنية عبد الواحد أبو عبيدة - يقول: اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أمَتِك، ناصيتي بيدك، اللهمَّ هَبْ لي يقيناً، وأَدِمْ لي العافية، وافتح عليَّ بابَ رزقي في عافية، وأعوذ بك من النار والعار، والكذِب والسُّخْف، والخَسف والقَذْف والحِقْد والغضب، وحَبِّبْنِي إلى خلقك، وحَبِّبْهمْ إليّ، وأسألُك فَرَجاً عاجلاً في عافية، إنّك على كلِّ شيءٍ قدير،