بالعربيَّة المُبينة على غير التَّلقين والتَّمرين، وعلى غير التَّدريب والتَّدريج، وكيف صار عربيّاً أعجميَّ الأبوين، وأوّل مَن عليه أن يُقِرّ بهذا القَحطانيُّ، فإنه لا بدَّ من أن يكون له أبٌ كان أوَّلَ عربيٍّ من جميع بني آدم صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يكن ذلك كذلك وكان لا يكون عربيّاً حتى يكون أبوه عربياً وكذلك أبوه وكذلك جدُّه، وكان ذلك موجباً لأن يكون نوحٌ صلى الله عليه وسلم عربيّاً، وكذلك آدمُ صلى الله عليه وسلم ، قال أبو عبيدة: حدثنا مِسمَع بن عبد الملك عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن آبائه قال: أول من فُتِق لسانُه بالعربية المُبِينة إسماعيل، وهو ابنُ أربعَ عشْرةَ سنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : شهدتُ الفِجار وأنا ابنُ أربعَ عشرةَ سنة، وكنت أنْبُلُ على عُمومَتي، يريد: أجمع لهم النَّبْل، قال أبو عبيدة: فقال له يونس: صدقت يا أبا يسار هكذا حدّثني نصر بن طريف،وروى قيس بن الربيع، عن بعض أشياخه عن ابن عبَّاس: أنّ اللَّه ألْهَمَ إسماعيل العربيَّةَ إلهاماً، قال اللَّه تبارك وتعالى: "ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" إبراهيم: 4، قال: قد يُرسل اللَّهُ الرّسولَ إلى قومه، ولو أُرسِل في ذلك الوقتِ إلى قومٍ آخرين لَمَا كان الثاني ناقضاً للأوّل، فإذا كان الأمرُ كذلك كان قومُه أوّلَ مَن يَفهم عنه، ثم يصيرون حُجّةً على غيرهم، وإذا كان اللَّه عزّ وجلّ قد بعثَ محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العَجَم فضلاً عن العَرَب، فقَحطانُ وإنْ لم يكونوا من قومِه أحقُّ بلزوم الفَرض من سائر العَجَم، وهذا الجواب جوابُ عوامِّ النِّزاريَّة، فأمّا الخواصُّ الخُلَّص فإنهم قالوا: العرب كلُّهم شيءٌ واحد؛ لأنّ الدارَ والجزيرةَ واحدة، والأخلاق والشِّيَم واحدة، واللغة واحدة، وبينهم من التصاهُر والتشابُك، والاتِّفاق في الأخلاق وفي الأعراق، ومن جهة الخُؤولة المردّدة والعمومة المشتبِكة، ثم المناسَبة التي بُنيت على غريزة التُّربة وطِباع الهواء والماءِ، فهمْ في ذلك بذلك شيءٌ واحد في الطَّبيعة واللغة، والهِمَّة والشمائل، والمَرْعَى والرَّاية، والصِّناعة والشّهوة، فإذا بَعثَ اللّه عزّ وجلّ نبيّاً من العرب فقد بعثه إلى جميع العرب، وكلُّهم قومُه؛ لأنَّهم جميعاً يَدٌ على العجم، وعلى كل من حاربهم من الأمم؛ لأنَّ تناكُحَهم لا يعدوهم، وتصاهُرَهم مقصورٌ عليهم، قالوا: والمشاكلةُ من جهة الاتِّفاق في الطبيعة والعادة، ربَّما كان أبلغَ وأوغَلَ من المشاكلة من جهة الرَّحِم، نعم حتى تراه أغلَبَ عليه من أخيه لأمِّه وأبيه، وربَّما كان أشبَهَ به خَلْقاً وخُلُقاً، وأدَباً ومذهَباً، فيجوز أنْ يكون اللَّه تبارك وتعالى حينَ حَوّلَ إسماعيلَ عربيّاً أن يكون كما حوّلَ طبعَ لسانه إلى لسانهم، وباعَدَه عن لسان العجم، أن يكون أيضاً حوّلَ سائر غرائزه، وسلَخَ سائرَ طبائعه، فنقلها كيف أحبّ، وركّبها كيف شاءَ، ثم فضّله بعد ذلك بما أعطاه من الأخلاق المحمودة، واللِّسان البيِّن، بما لم يخُصَّهم به، فكذلك يخُصُّه من تلك الأخلاق ومن تلك الأشكال بما يفوقُهم ويَرُوقُهم، فصار بإطلاق اللِّسان على غير التلقين والترتيب، وبما نُقِل من طباعه ونقل إليه من طبائعهم، وبالزِّيادة التي أكرمه اللَّه بها، أشْرَفَ شرفاً وأكرَمَ كَرَمَاً، وقد علِمْنا أنّ الخرسَ والأطفال إذا دخلوا الجنّة وحُوِّلوا في مقادير البالغين، وإلى الكمال والتَّمام، لا يَدْخُولونَها إلاّ مع الفصاحة بلسانِ أهل الجنة، ولا يكون ذلك إلاّ على خلافِ التَّرتيب والتدريج، والتَّعليم والتقويم، وعلى ذلك المثالِ كان كلامُ عيسى بنِ مريم، صلى الله عليه وسلم ، في المهد، وإنطاقُ يحيى عليه السلام بالحِكمة صبيّاً، وكذلك القولُ في آدمَ وحوّاء عليهما السلام، وقد قلنا في ذئب أُهبانَ بن أوس، غُراب نوح، وهُدهُد سُليمان، وكلام النملة، وحِمَارِ عُزَير، وكذلك كلُّ شيءٍ أنطَقَه اللّهُ بقُدْرته، وسخَّره لمعرفته، وإنّما يمتنع البالغ مِن المعارف مِن قِبَل أُمورٍ تَعرِض من الحوادث، وأُمورٍ في أصل تركيب الغريزة، فإذا كفَاهم اللّهُ تلك الآفاتِ، وحصّنَهم من تلك الموانع، ووفَّر عليهم الذّكاءَ، وجلَبَ إليهم جياد الخواطر، وصَرَف أوهامَهم إلى التعرُّف، وحبَّب إليهم التبيُّن، وقعت المعرفةُ وتمَّت النّعمة، والموانع قد تكون من قَبِل الأخلاط الأربعة على قدر القِلَّةِ والكثرة، والكثافة والرِّقّة، ومن ذلك ما يكون من جهة سُوء العادة، وإهمالِ النَّفْس، فعندها يستوحِش من الفكرة، ويَستثقِل النَّظَر، ومن ذلك ما يكون من الشَّواغل العارضة، والقُوى المتقسَّمة، ومن ذلك ما يكون من خُرْق المعلِّم، وقلَّة رفق المؤدِّب، وسُوء صَبر المثقِّف، فإذا صفَّى اللَّهُ ذِهنَه ونقّحَه، وهذّبَه وثقَّفَه، وفرّغ بالَه، وكفَاه انتظارَ الخواطر، وكان هو المفيدَ له والقائم عليه، والمريدَ لهدايته، لم يلبث أن يعلم، وهذا صحيحٌ في الأوهام، غيرُ مدفوعٍ في العقول،وقد جَعَل اللَّهُ الخَالَ أباً، وقالوا: الناس بأزمانهم أشبهُ منهم بآبائهم، وقد رأينا اختلاف صُوَر الحيوان، على قدر اختلاف طبائع الأمكان، وعلى قَدْر ذلك شاهدنا اللُّغاتِ والأخلاقَ والشهوات، ولذلك قالوا: فلانٌ ابنُ بَجْدَتها، وفلانٌ بيضَةُ البَلد، يقَعُ ذَمّاً ويقع حمداً، وقال زِياد: واللَّهِ لَلْكوفةُ أشبَهُ بالبصرة من بكر بن وائلٍ بتَميمٍ، ويقولون: ما أشبَهَ الليلةَ بالبارحة، كأنهم قالوا: ما أشبه زمانَ يوسِفَ بنِ عمرَ بزمان الحجّاج، وقال سُهَيل بن عَمرو: أشبَهَ امرأً بعضُ بَزِّه، وقال الأضبطُ بن قُريع: بكلِّ وادٍ بنو سَعد، ولولا أنَّ اللَّه عزَّ وجل أفرَدَ إسماعيلَ من العجم، وأخرجَه بجميع معانيه إلى العرب، لكان بنو إسحاقَ أولى به، وإنَّما ذلك كرجلٍ قد أحاط علمُه بأنّ هذا الطُّفل من نَجلِ هذا الرَّجُل، ولكن لَمَّا كان من سِفاحٍ لم يُجِزْ أنْ يضيفَه إليه ويدعوَه أباه، وقد جعَلَ اللَّهُ نَسبَ ابن الملاعَنَة نسبَ أمِّه، وإنْ كان وُلِد على فراش أبيه، وقد أرسل اللَّه موسى وهارون، إلى فرعون وقومِه وإلى جميع القِبْط، وهما أمَّتان: كَنعانيُّ وقِبطّي، وقد جَعَل اللَّهُ قومَ كلِّ نَبيٍّ هم المبلغين والحجّةَ، ألا تَرَى أنّا نزعمُ أنَّ عَجْزَ العرب عن مِثل نَظْم القرآن حجّةٌ على العجم من جهة إعلام العربِ العجمَ أنَّهم كانوا عن ذلك عَجَزَة، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : خُصِصْت بأمور: منها أنِّي بُعِثت إلى الأحمر والأسود، وأُحِلَّت لي الغنائم، وجُعلت لي الأرضُ طَهُوراً، فدلَّ بذلك على أنَّ غيرَه من الرّسُل إنّما كان يُرسَل إلى الخاصّ، وليس يجوز لمن عَرَف صِدقَ ذلك الرسولِ من الأمَم أن يكذِّبه ويُنكِر دعواه، والذي عليه ترْكُ الإنكارِ والعملِ بشريعة النبيِّ الأوّل، هذا فرق ما بينَ مَن بُعِث إلى البعض، ومن بُعث إلى الجميع، قال: وقال حُبَاب بن المنذِر يوم السَّقيفة: أنا جُذَيلُها المحكَّكُ، وعُذَيقُها المُرجَّب، إن شئتم كَرَرْناها جَذَعةً، منّا أميرٌ ومنكم أمير، فإنْ عمِل المهاجريُّ شيئاً في الأنصاريّ ردَّ ذلك عليه الأنصاريُّ، وإنْ عمل الأنصاريُّ شيئاً في المهاجريّ ردَّ عليه المهاجريّ، فأراد عمرُ الكلام فقال أبو بكر: على رِسْلك، نَحنُ المهاجرون، أوَّلُ النّاسِ إسلاماً، وأوسطهم داراً، وأكرمُ النّاسِ أحساباً، وأحسنُهم وجوهاً، وأكثَرُ النّاسِ ولادةً في العرب، وأمَسُّهم رَحِماً برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أسلَمْنَا قبلكم وقُدِّمنا في القرآن عليكم، فأنتم إخوانُنا في الدِّين وشركاؤُنا في الفَيْء، وأنصارُنا على العدوّ، آويتم ونَصرتُم وآسَيتم، فجزاكم اللَّه خيراً، نحنُ الأمراءُ وأنتم الوُزراء، لا تَدِينُ العربُ إلاّ لهذا الحيِّ من قُريش، وأنتم محقوقون ألاَّ تَنْفَسوا على إخوانكم من المهاجرين ما ساق اللَّه إليهم، قالوا: فإنَّا قد رضينا وسَلَّمْنا، عيسى بن يزيد قال: قال أبو بكر رحمه اللَّه: نحن أهلُ اللَّه، وأقربَ النّاسِ بيتاً من بيت اللَّه، وأمسُّهم رحماً برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، إنَّ هذا الأمرَ إن تطاولَتْ له الخزرجُ لم تقصِّرعنه الأوس، وإن تطاولتْ له الأوسُ لم تقصِّر عنه الخزرج، وقد كان بين الحيَّين قتلَى لا تُنسَى، وجَرْحَى لا تُداوَى، فإنْ نَعقَ منكم ناعقٌ فقد جلس بين لَحْيَيْ أسدٍ، يَضغَمه المهاجريُّ ويجرحُه الأنصاريّ، قال ابن دَأبٍ: فرمَاهم واللَّهِ بالمُسْكِتَة، من حديث ابن أبي سُفيان بن حويطب، عن أبيه عن جده قال: قَدِمْت من عُمرَتي فقال لي أهلي: أعَلِمْتَ أنَّ أبا بكرٍ بالموت؟ فأتيتُه فإذا عيناه تَذرِفان، فقلت: يا خليفةَ رسول اللّه أليس كنتَ أوَّلَ مَن أسلَمَ وثانيَ اثنينِ في الغار، فصَدَقَتْ هجرتُك وحسُنَت نُصْرتُك، ووَلِيتَ فأحسنتَ صُحبتَهم، واستعملتَ خيرَهم عليهم؟ قال: وحسَناً ما صنعتُ؟ قلت: نَعَمْ واللَّه، قال: آللّهِ؟ واللّهُ أشكَرُ له وأعلمُ به، ولا يمَنْعُني ذلك مِن أن أستغفر اللّه، فما خرجتُ حتَّى مات، أبو الخطاب الزُّراريّ، عن حَجناءَ بن جرير قال: قلت يا أبَه، إنَّك لم تَهجُ أحداً إلاّ وضعتَهُ، إلاّ التَّيم؟ قال: لأنِّي لم أجدْ حسَباً فأضَعَه، ولا بناءً فأهدمَه،قال: وقيل للفرزدق: أحسَنَ الكميتُ في مدائحه، في تلك الهاشميّات قال: وجد آجُرّاً وجِصّاً فبنَى، عامر بن الأسود قال: دخل رجلٌ من ولد عامر بن الظَّرِب على عمرَ بن الخطّاب رحمه اللَّه، فقال له: خبِّرْني عن حالك في جاهليّتك، وعن حالك في إسلامك، قال: أمَّا في جاهليَّتي فما نادمت فيها غير لُمة، ولا هممت فيها بأَمَة، ولا خِمتُ فيها عن بُهْمَةٍ، ولا رآني راءٍ إلاّ في نادٍ أو عشيرة، أو حَمْل جريرة، أو خيلٍ مُغيرة، عَوانة قال: قال عمر: الرِّجال ثلاثة: رجل ينظُر في الأمور قبلَ أن تقَعَ فيُصدِرَها مصدرَها، ورجلٌ متوكِّلٌ لا ينظُر فإذا نزلت به نازلةٌ شاوَرَ أهلَ الرّأي وقَبِل قولَهم، ورجلٌ حائر بائر، لا يأتمر رَشَداً، ولا يُطيع مُرِشداً، قال: كَلَّم عِلْباءُ بن الهيثم السَّدوسيُّ عمرَ بنَ الخطّاب في حاجةٍ، وكان أعورَ دميماً، جيِّدَ اللسان حسنَ البيان، فلما تكلم في حاجته فأحسَنَ، صَعَّد عمر بصَرَه فيه وحَدَره، فلما أن قامَ قال: لكلِّ أُناسٍ في جُمَيْلهم خُبْر، أُخبِرنا عن عيسى بن يزيد عن أشياخه قال: قَدِم معاويةُ المدينة فدخل دارَ عثمان، فقالت عائشةُ بنتُ عثمان: وا أبتاه وبكت، فقال معاوية: أَبِنْتَ أخي إنَّ الناس أعطَوْنا طاعةً وأعطيناهم أماناً، وأظهَرْنا لهم حِلماً تحتَه غَضَب، وأظهروا لنا طاعةً تحتها حِقد، ومع كلِّ إنسانٍ سيفهُ، وهو يرى مكانَ أنصارِه، وإنْ نكثْنا بهم نكثوا بِنا، ولا ندري أعليْنا تكون أم لنا، ولأنْ تكوني بنتَ عمِّ أمير المؤمنين خيرٌ من أن تكوني امرأة من عُرْض المسلمين، وقالت عائشة ابنة عثمان في أبان بن سعيد بن العاصي حين خطبها، وكان نزل بأيْلة وترك المدينة:
نزلتَ بيت الضّبّ لا أنتَ ضائر |
|
عدوّاً ولا مستنفِعاً أنت نافـعُ |
أبو الحسن قال: قال سلامة بن رَوح الجُذَاميّ، لعمرو بن العاص: إنّه كان بينكم وبين العرب باب فكسرتموه، فما حملَكم على ذلك؟ قال: أردنا أن نخرِج الحقَّ من جَفِير الباطل، قدم ببيعةِ عليّ إلى الكوفة يزيدُ بن عاصم المحاربيّ، فبايَعَ أبو موسى، فقال عمّارٌ لعليٍّ: واللَّه لينقُضنّ عهدَه، وليَحُلَّن عَقدَه، وليَفِرنّ جَهْدَه، وليُسْلمنّ جُندَه، وقال عليٌّ في رواية الشَّعْبيّ: حملتُ إليكم دِرَّةَ عمر لأضربَكم بها لتنتهوا فأبَيتم، حتى اتخذتُ الخيزُرانةَ فلم تنتهوا، وقد أُرَى الذين تُريدون: السّيف، وإني لا أُصلحُكم بفسادي، كانت العادة في كتب الحيوان أنْ أجعل في كلِّ مُصحفٍ من مصاحفها عَشْرَ ورقاتٍ من مقطَّعات الأعراب، ونوادرِ الأشعار، لِمّا ذَكرتَ عَجَبكَ بذلك، فأحببت أن يكون حظُّ هذا الكتاب في ذلك أوفرَ إن شاء اللَّه، قال هَمّامٌ الرَّقاشيّ:
أبلغْ أَبا مِسمعٍ عنِّي مـغـلـغـلةً |
|
وفي العتابِ حـياةٌ بـينَ أقـوامِ |
قدّمتَ قبلي رجالاً لم يكن لـهـمُ |
|
في الحقِّ أن يَلجُوا الأبوابَ قُدّامي |
لو عُدّ قبرٌ وقبرٌ كنتَ أكرمَـهُـم |
|
قبراً وأبعدَهم من منـزل الـذّامِ |
حتَّى جعلتُ إذا ما حاجتي عرضَتْ |
|
بباب دارِك أدْلُـوهـا بـأقـوامِ |
وقال أبو العَرْفِ الطُّهَويّ:
وَافَى الوفودُ فوافَى من بني حَـمـلٍ |
|
بَكرُ الوِفَادة فاتِي الـسِّـنِّ عُـرزُومُ |
كَزُّ المِلاطَيْن في السِّربال حيثُ مشى |
|
وفي المجالس لَـحَّـاظٌ زرامـيمُ |
لمَّا رأى البابَ والبَـوّابَ أخـرجـه |
|
لُؤمٌ مُخالِطُه جُـبْـنٌ وتَـجْـزيم |
قد كان لي بكُمُ عِلـمٌ وكـان لـكُـمْ |
|
مَمْشىً وراء ظُهورِ القوم معـلـومُ |
وقال الحارث بن حِلِّزة - قال أبو عبيدة: أنشدنيها أبو عمرو، وليست إلا هذه الأبيات، والباقي مصنوع: من السريع
يا أيهُا المُزْمِعُ ثمَّ انثَـنَـى |
|
لا يَثنِك الحازي ولا الشّاحجُ |
ولا قعيدٌ أعْضـبٌ قَـرنُـه |
|
هاجَ لَهُ من مَرتَعٍ هـائجُ |
بينا الفَتَى يَسْعَى ويُسْعَى له |
|
تاحَ لهُ من أمره خَـالـجُ |
يترُكُ ما رَقَّحَ من عَـيشِـه |
|
يعيثُ فيه هَمَـجٌ هـامِـجُ |
قلت لعمرٍو حينَ أرسلـتُـه |
|
وقد حَبا مِن دوننا عـالـجُ |
لا تَكْسَع الشَّوْلَ بأغبارها |
|
إنّك لا تدري مَن الناتجُ |
واصبُبْ لأضيافك ألبانَها |
|
فإنّ شَرَّ اللبنِ الوالـجُ |
وقال زَبّان بن سيّار بن جابر:
تخبَّرَ طِـيرةً فـيهـا زيادٌ |
|
لتخبِرَه وما فيها خـبـيرُ |
أقام كأنَّ لقمـانَ بـنَ عـادٍ |
|
أشار له بحكمته مـشـيرُ |
تعـلّـمْ أنَّـه لا طَــيرَ إلاّ |
|
على متطيِّرٍ وهو الثُّبـورُ |
بَلَى شيءٌ يوافقُ بعض شيءٍ |
|
أحاييناً وباطـلُـه كـثـير |
ومن يُنْزَحُ به لا بـدَّ يومـاً |
|
يجيء به نَعِيٌّ أو بـشـير |
وقال بعض الأَعراب:
نَجيبَة بطَّالٍ لـدُن شَـبَّ هَـمُّـه |
|
لِعَابُ الغَوَاني والمُدَام المُشَعْـشَـعُ |
جَلاَ المسكُ والحَمَّام والبِيضُ كالدُّمَى |
|
وفَرْق المَدَارَى رأسَه فهو أنـزعُ |
أُسَيلِمُ ذاكُم لا خَـفَـا بـمـكـانِـه |
|
لعينِ تَدَحّـى أو لأذن تَـسَـمَّـعُ |
مِن النفَر الشُّمِّ الذين إذا انـتـمَـوْا |
|
وهابَ الرِّجالُ حَلقةَ الباب قعقعوا |
إذا النَّفر ُ السُّود ُ اليَمانون حاولـوا |
|
له حَوكَ بُرديهِ أرقُّوا وأوسَـعـوا |
وقال بعضُ الأعراب:
ألبانُ إبْلِ تَعِلَّةَ بنِ مسـافـرٍ |
|
ما دام يملكُها علـيَّ حـرامُ |
وطعامُ عمرانَ بنِ أوفَى مثلُه |
|
مادام يَسلُكُ في البطون طعامُ |
إنّ الذين يسوغ في أعناقهـم |
|
زادٌ يُمَنُّ عليهـمُ لَـلِـئامُ |
لعنَ الإلهُ تَعِلّةَ بنَ مُسـافـرٍ |
|
لَعناً يُشَنُّ علـيه مـن قُـدّامُ |
وقال بعض الأعراب:
نَجيبَةُ قَرْم شادها القَتُّ والنَّوَى |
|
بيثربَ حتى نَِيُّها متظـاهـرُ |
فقلت لها: سيري فما بكِ عِلَّةٌ |
|
سَنامُك ملمومٌ ونابُك فاطـرُ |
فمثلَك ِ أو خيراً تركت ُ رذِيَّةً |
|
تقلِّب عينيها إذا مـرّ طـائرُ |
وقال بعض الأعراب - مجهولُ الاسم - وهو من جيِّد مُحْدَث أشعارهم:
حَفرْنا على رغم اللهازم حُـفـرةً |
|
ببطن فُلَـيجٍ والأسـنَّةُ جُـنَّـحُ |
وقد غَضِبوا حتى إذا مَلؤوا الرُّبَـا |
|
رأوا أن إقراراً على الضَّيم أروَحُ |
وقال رجلٌ من مُحارِب:
وقائلةٍ: تطوَّفْ فـي جِـدَادٍ |
|
وأنت، إخالُ، معطىً لو تقوم |
فقلت: الضَّارباتُ الطَّلْحِ وَهْناً |
|
على يُمن إذا وضَحَ النجـوم |
قَصَرنَ عَلَيَّ بعد اللَّه فَقـرِي |
|
فلا أسَلُ الصَّديقَ ولا ألـومُ |
وقال بعض الطائيِّين، وهو حاتم:
وإنِّي لأستحِيي حـياءً يسـرُّنـي |
|
إذا اللؤمُ مِن بعض الرِّجال تَطلّعا |
إذا كان أصحـابُ الإنـاء ثـلاثةً |
|
حَيِيّاً ، ومُسْتَحياً وكلْباً مُجَشَّـعَـا |
فإني لأستحيي أكـيلـيَ أن يُرَى |
|
مكانُ يدي من جانب الزَّاد أقرعا |
أكُفُّ يدي من أن تَمَسَّ أكُفُّـهـم |
|
إذا نحن أهْوَينا وحاجتُنـا مـعـا |
وإنَّك مهما تُعطِ بطنَـك سُـؤلَـه |
|
وفَرجَك نالا منتهى الذمِّ أجمعـا |
وقال، وأظنُّها لبعض اليهود:
وإني لأستبقِي، إذا العُسْر مَسَّني، |
|
بشاشةَ وجهي حين تَبلي المنافـعُ |
وأعفِي ثَرَا قَومي، ولو شئت نَوَّلوا |
|
إذا ما تشكَّى المُلحِفُ المتضارِع |
مخافةَ أن أُقلَـى إذا جـئتُ زَائراً |
|
وتَرْجِعَني نحوَ الرِّجال المطامعُ |
فأَسْمَعَ مَنّاً أو أُشَرِّف مُنِـعـمـاً |
|
وكلُّ مُصادِي نعمةٍ متـواضـعُ |
وقال بعضُ بني أسد:
ألاَ جعَلَ اللَّهُ اليمانِينَ كـلَّـهـم |
|
فِدىً لفتَى الفتيان يحيى بنِ حيَّانِ |
ولولا عُرَيقٌ فِيَّ مِنْ عَصَـبـيَّةٍ |
|
لقلتُ وألفاً من مَعدِّ بن عدنـانِ |
ولكنَّ نفسي لم تَطِبْ بعشيرتـي |
|
وطِبتُ له نفساً بأبناءِ قحطـانِ |
وقال ثَرْوان - وابن ثروان - مولى لبني عُذْرة:
لو كنتُ مولَى قيسِ عيلان لم تَجِدْ |
|
عَلَيَّ لإنسانٍ من النّاس درهمـاً |
ولكنَّني مولى قُضاعة كـلِّـهـا |
|
فلستُ أبالي أن أدينَ وتَغـرمـا |
أُولئك قَومي بارَكَ اللَّهُ فـيهـمُ |
|
عَلَى كلِّ حالٍ ما أَعفَّ وأكرَمَا |
جُفاةُ المَحَزِّ لا يُصِيبون مَفصِـلاً |
|
ولا يأكلون اللَّحم إلاّ تَـخَـذُّمـا |
وقال آخر:
أيَا ابنةَ عبـد الـلَّـه وابـنةَ مـالـكٍ |
|
ويا ابنةَ ذِي البُردَينِ والفَرسِ الـوَردِ |
إذا ما عملتِ الزَّادَ فالتـمـسـي لـهُ |
|
أكيلاً فإنـي غـيرُ آكِـلـهِ وَحْـدِي |
كريماً قَصِـيّاً أو قـريبـاً فـإنَّـنـي |
|
أخافُ مَذمّاتِ الأحاديثِ مِن بـعَـدي |
وكيف يُسِيغ الـمـرءُ زاداً وجـارُهُ |
|
خفيفُ المِعَى بادِي الخَصَاصَة والجَهْدِ |
وللموتُ خَـيرٌ مـن زيارةِ بـاخـلٍ |
|
يلاحظ أطرافَ الأكيل على عَـمـد |
وإنِّي لَعبدُ الـضَّـيف مـا دام ثـاوياً |
|
وما فيَّ إلاّ تلكِ من شِيمة الـعَـبـدِ |
وقال ابن عَبدلٍ:
ولو شاء بِشْرٌ كان من دُونِ بَابِـه |
|
طَماطمُ سُودٌ أو صَقالبةٌ حُمـرُ |
ولكنّ بشراً سَهَّل البابَ لـلّـتـي |
|
يكون لبشرٍ غبَّها الحَمدُ والأجْـرُ |
بعيدُ مَرَادِ العين مارَدَّ طـرفَـه |
|
حِذارَ الغَواشِي بابُ دارٍ ولا سِترُ |
وقال بعضُ الحجازيِّين:
لو كنت أحمل خَمراً يوم زرتُكـمُ |
|
لم ينكر الكلبُ أنّي صاحب الدار |
لكن أتيتُ ورِيحُ المسك يَفْعَمنـي |
|
والعنبرُ الوردُ أُذكيه على النَّـارِ |
فأنكر الكلبُ رِيحي حينَ أبصَرني |
|
وكان يعرف ريح الزِّقِّ والقـارِ |
وقال ابن عَبدلٍ: من الخفيف
نِعمَ جَارُ الخنزيرة المُرضع الغَرْ |
|
ثَى إذا ما غَدَا، أبو كـلـثـومِ |
طاوياً قد أصابَ عنـد صـديقٍ |
|
من غِـذاء مُـلـبَّـقٍ مـأدومِ |
ثمَ أنحَى بجَعرِه حاجِب الـشَّـمْ |
|
سِ فألقَى كالمِعلفِ المـهـدومِ |
وقال حبيب بن أوس:
وحياةُ القريض إحياؤُك الـجُـو |
|
دَ فإنْ مات الجُودُ مات القريضُ |
يا مُحبَّ الإحسان في زمنٍ أصب |
|
حَ فيه الإحسان وهو بـغـيض |
وقال:
ثم اطّرَحتم قَرَاباتي وآصِرتـي |
|
حَتَّى توهمتُ أنِّي من بني أسدِ |
وقال:
وطلعةُ الشِّعر أقلَى في عيونهمُ |
|
وفي صدورهِمُ من طلعةِ الأسَدِ |
وقال:
إيّاكَ يعني القائلُون بقـولـهـم: |
|
إنَّ الشّقِيّ بكلِّ حبـلٍ يُخـنَـقُ |
سِرْ حيثُ شئتَ من البلاد فلي بها |
|
سُورٌ عليك من الرِّجالِ وخندقُ |
وقال:
مِن شاعر وقَفَ الكلامُ ببابِـه |
|
واكتَنَّ في كنفَيْ ذَراهُ المنطقُ |
قد ثَقَّفت منه الشآم، وسَهَّلـت |
|
منه الحجازُ، ورقَّقته المَشرِقُ |
وقال:
بنو عبد الكريم نجومُ لـيل |
|
تُرَى في طيِّئٍ أبداً تَلُوحُ |
إذا كان الهجاءُ لهم ثوابـاً |
|
فخبِّرني لمن خُلِق المديح |
وقال: من الخفيف
أيُّ شيءٍ يكون أحسَنَ من ص |
|
بٍ أديبٍ مـتـيَّمٍ بـــأديب |
وقال:
نَقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ من الهوى |
|
ما الحبُّ إلاّ للـحـبـيبِ الأوّلِ |
كم منزلٍ في الأرض يألفُه الفتى |
|
وحنينُـه أبـداً لأَوّلِ مَـنـزلِ |
وقال:
اشرَبْ فإنَّكَ سوف تعلـمُ أنَّـهُ |
|
قدَحٌ يصيب العِرضَ منه خُمارُ |
غاداك إسوار الكـلام بـشُـرّدٍ |
|
عُونِ القَريض حتُوفُها أبكـارُ |
غُرَرٌ مني ما شئتُ كنَّ شواهدي |
|
إن لم يكن لي والِـدٌ عـطَّـارُ |
وقال سَلَمة بن الخُرشُب الأنماريّ:
أبلغ سُبَـيْعـاً وأنـت سَـيِّدُنـا |
|
قِدْماً وأوفَى رجالـنـا ذِمَـمـا |
أنَّ بغـيضـاً وأنّ إخـوتَـهـا |
|
ذُبيانَ قد ضَرّموا الذي اضطرما |
نُبِّئت أَنْ حـكّـمـوكَ بـينـهـمُ |
|
فلا يقولُنَّ: بئس مـا حـكَـمـا |
إن كنت ذا عِـرفَةٍ بـشـأنِـهـمُ |
|
تعرفُ ذا حَقِّهم ومن ظَـلَـمـا |
وتُنزلُ الأمـرَ فـي مـنـازلـه |
|
حَزماً وعزماً وتُحضِرُ الفَهَـمـا |
ولا تُبالي مِن المحقِّ ولا الـمُـبْ |
|
طِل لا إلَّةً ولا ذِمَـــمـــا |
فاحكمْ وأنتَ الحـكـيمُ بـينـهـمُ |
|
لن يَعدَمُوا الحكمَ ثابتاً صَـتَـمـا |
واصدَعْ أديمَ الـسَّـواءِ بـينـهـم |
|
على رِضا من رَضَِى ومن رَغِما |
إن كان مـالٌ فـقَـضِّ عِـدَّتـه |
|
مالاً بـمـالٍ وإنْ دَمـاً فَـدَمـا |
هذا وإن لم تُطِقْ حُكـومـتَـهـم |
|
فانْبِذْ إليهم أمـورهَـم سَـلَـمـا |
وقال آخر:
أبلغ ضِرَاراً أبا عمرو مغلغَـلةً |
|
أَنْ كانَ قولُك ظَهرَ الغَيب يأتينا |
ارهَن قَبيصةَ إن صلحٌ هممتَ به |
|
إنّ ضراراً لكم رَهْنٌ بما فينـا |
إنّ ضُحَيكاً قتيلٌ من سَرَاتـكـم |
|
وإنّ حِطّان مِنّا، فاعدِلوا الدّينـا |
وانْهَ عُبيداً فلا يؤذِي عشـيرتَـه |
|
نَهيْكُ خيرٌ له من نَهْيِ ناهـينـا |
وقال آخر:
بني عَديٍّ ألاَ يا انهَوْا سَفيهَكمُ |
|
إنَّ السفيهَ إذا لم يُنهَ مأمورُ |
وقال حضرميُّ بن عامر الأسديّ، ومات أخوه فقال جَزْءٌ: قد فرِح بأكل الميراث: من المنسرح
قد قال جَزْءٌ ولم يَقل أَمماً |
|
إنِّي تَرَوّحْتُ ناعماً جَـذِلا |
إن كنتَ أزنَنْتَني بها كذبـاً |
|
جزءُ فلاقيتَ مثلها عَجِلا |
أفرَحُ أنْ أُرزَأ الكرامَ وأنْ |
|
أورَث ذَوداً شصائصاً نُبَلا |
وقال حُرَيث بن سَلَمة بن مُرارة:
تقول ابنةُ العَمْريّ لما رأيتُـهـا: |
|
تنكَّرتَ حتَّى كِدتُ منـك أُهَـالُ |
فإن تعجَبِي منِّي عُمَير فقد أتـت |
|
ليالٍ وأيامٌ عـلـيّ طِـــوَالُ |
وإنِّي لَمِنْ قوم تشِيبُ سَراتُـهـم |
|
كذاكِ، وفيهم نـائلٌ وفَـعَـالُ |
ولو لقيتْ ما كنتُ ألقى من العِدَى |
|
إذاً شابَ منها مَفـرِقٌ وقَـذَالُ |
ولكنها في كِـلّةٍ كُـلَّ شَـتـوةٍ |
|
وفي الصَّيف كِنٌّ باردٌ وحِجـالُ |
تُصَانُ وتُعْلَى المسكَ حتَّى كأنهـا |
|
إذا وَضَعت عنها النَّصيفَ غَزالُ |
وقال بعضُ الخوارج لامرأته وأرادت أن تنفِرَ معَه:
إنَّ الحَرْوريّة الحَرَّى إذا ركِبوا |
|
لا يستطيع لهُمْ أمثالُكِ الطَّلَبـا |
إن يَركبوا فرساً لا تركبي فرساً |
|
ولا تُطيقي مع الرَّجَّالة الخَبَبـا |
وقال خُزَزُ بن لَوْذان لامرأته، في شبيهٍ بهذا:
لا تذكري مُهْرِي وما أطعَمْتُـه |
|
فيكونَ جلدُكُ مثلَ جلدِ الأجربِ |
إنّ الغَبوقَ له وأنتِ مَـسُـوءةٌ |
|
فتَأوَّهي ما شئتِ ثم تَحَـوَّبـي |
كذَبَ العتيقُ وماءُ شـنٍّ بـاردٌ |
|
إن كنتِ سائلتي غَبوقاً فاذهبي |
إنِّي لأخشى أن تقول خليلتـي: |
|
هذا غبَارٌ ساطِعٌ فـتـلـبَّـبِ |
أنَّ العَدوَّ لهـم إلـيكِ وسـيلةٌ |
|
إن يأخذوك تكحَّلِي وتخَضَّبـي |
ويكونُ مركبُك القَعُودَ وحِدجَـهُ |
|
ابنُ النّعامة يوم ذلِكِ مرْكَبـي |
وأنا امرؤٌ إنْ يأخذوني عَـنـوةً |
|
أُقْرَنْ إلى شرِّ الرِّكاب وأُجْنَبِ |
وأراد أعرابيٌّ أن يسافرَ فطلبت إليه امرأتُه أن تكون معه، فقال:
إنَّك لو سافَرتِ قد مَـذِحْـتِ |
|
وحَكَّكِ الحِنوَانِ فانفشَـحـتِ |
وقلتِ: هذا صوتُ ديكٍ تحتِي |
|
|
المَذَح: سَحْج إحدَى الفَخِذين بالأُخرى، وفي شَبيهٍ بالمعنى الأول يقول عمر بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة:
وأعجبَهَا مِن عَيْشِهَا ظلٌّ غرفةٍ |
|
وريّانُ ملتفُّ الحدائِق أخضَرُ |
ووالٍ كفاها كلَّ شيء يَهُمُّهـا |
|
فليست لشيءٍ آخرَ اللّيلِ تَسهرُ |
وقال سلامة بن جندل هذه الأبيات وبعث بها إلى صعصعة بن محمود بن مَرثَد، وكان أخوه أحمر بن جندل أسيراً في يده فأطلقه له:
سأَجزِيكَ بالوُدِّ الـذي كـان بـينـنـا |
|
أصَعصعَ إنِّي سوفَ أجزيك صعصعا |
سأُهدي وإنْ كنّا بـتـثـلـيثَ مِـدحةً |
|
إليك وإن حَلّتْ بيوتُـك لـعـلـعـا |
فإن يكُ مـحـمـودٌ أبـاكَ فـإنَّـنـا |
|
وجدناكَ محمودَ الـخـلائق أرْوعـا |
فإن شئتَ أهـدينـا ثـنـاءً ومِـدحةً |
|
وإن شئتَ أهدينا لكـم مـائةً مَـعـا |
قال: الثناء والمدحة أحبُّ إلينا وقال أوسُ بن حَجَر، حين حُبس وأقام عند فضَالة بن كَلَدة، وتولَّتْ خدمتَه حليمةُ بنتُ فَضالة، شاكراً لذلك:
لعمرك ما مَلّت ثواءَ ثـويِّهـا |
|
حليمةُ ذا ألقى مَرَاسِيَ مُقعَـدِ |
ولكنْ تلقّت باليدينِ ضَمانـتـي |
|
وحلَّ بفلجٍ فالقنـافِـذ عُـوَّدي |
وقد غَبَرتْ شهرَيْ ربيعٍ كليهما |
|
بِحَمل البلايا والخِباء المُـمَـدَّدِ |
ولم تُلْهِهَا تلك التّكاليفُ إنَّـهـا |
|
كما شئتَ من أُكرومة وتخرُّدِ |
هي ابنة أعراقٍ كرامٍ نَمينَـهـا |
|
إلى خلُق عَفٍّ بَـرازَتُـه قَـدِ |
سنَجزيكِ أو يَجزيكِ عنّا مثـوِّبٌ |
|
وحسبُكِ أن يثنَى عليك وتحمَدي |
وقال الخريميّ:
فلم أجْزِه إلاّ المودّة جَاهِـداً |
|
وحسبُك منِّي أن أودّ فأَجهَدَا |
وقال الأسديّ:
فإنِّي أحبُّ الخُلْدَ لو أستطـيعـهُ |
|
وكالخُلْد عندي أن أموت ولم أُلَمْ |
وقال الحادرة:
فأثنُوا علينا لا أبَا لأبـيكـمُ |
|
بأحسابنا، إنَّ الثّنَاءَ هو الخُلْدُ |
وأنشدني الأصمعيُّ لمهلهِل:
فقتلاً بتقتيلٍ وعقراً بعـقـركُـمْ |
|
جزاءَ العُطاسِ لا يموت مَن اتّأرْ |
وضاف أبو شَليل العَنَزيّ بني حكمٍ - فخذاً من عَنَزة - فقال:
أُراني في بني حَكمٍ غريباً |
|
على قَتْر أزور ولا أُزارُ |
أناسٌ يأكلون اللّحمَ دونـي |
|
وتأتيني المعاذِر والقُتَـارُ |
وقال آخر:
إذا مَدَّ أربابُ البيوتِ بيوتَـهـم |
|
على رُجَّح الأكفال ألوانُها زُهرُ |
فإنَّ لنا منها خـبـاءً يحُـقُّـنـا |
|
إذا نحن أمسينا: المجاعة والفَقْرُ |
وقال الآخَر، وهو أبو المُهَوِّش الأسدي:
تراه يطوِّف الآفاقَ حِرصاً |
|
ليأكلَ رأسَ لقمانَ بنِ عادِ |
وقال أيضاً:
وبنو الفُقَيم قليلةٌ أحـلامـهـم |
|
ثُطُّ اللِّحَى متشابهو الألـوانِ |
لو يَسمَعون بأكـلةٍ أو شَـربةٍ |
|
بعُمانَ أصبحَ جمعُهم بعُمَـان |
متأبطين بَنِيهُـمُ وبـنـاتِـهـمْ |
|
صُعْرَ الأنوفِ لريح كلِّ دُخانِ |
وقال الآخر:
وجيرةٍ لن تري في النّاس مثلَهمُ |
|
إذَا يكونُ لهم عيدٌ وإفـطـارُ |
إن يُوقدوا يُوسِعونا من دخانهـمُ |
|
وليس يبدو لنا ما تنضج النـارُ |
وقال أبو الطُّرُوق الضّبّيّ، في خاقان بن عبد اللَّه بن الأهتم:
شكّ النّاسُ في خاقان لـمَّـا |
|
أتى لوِلادِه سـنةٌ وشـهـرُ |
وقالت أختُـه: إنـي بَـرَاءٌ |
|
إلى الرّحمنِ منك وذاك نُكرُ |
ولم تَسمعْ بحملٍ قبـلِ هـذا |
|
أتى مِن دونه دهرٌ ودَهْـرُ |
فنافَرَها فألحقـه شَـبـيبٌ |
|
وأثبَتَه فثاب عـلـيه وَفْـرُ |
وقال مَكِّيُّ بن سوادةَ البُرجُمِيُّ فيه:
تحَيَّر اللُّؤم يَبغي من يُحالِـفُـه |
|
حتَّى تناهى إلى أبناءِ خاقـانِ |
أزْرَى بكم يا بني خاقانَ أنَّكُـمُ |
|
من نسل حَجَّامةٍ من قِنّ هِزَّانِ |
سفّاكةٍ لدِمـاءِ الـقـوم آكـلةٍ |
|
قِدْماً لأموالهم من غير سلطانِ |
لو تسألونَ بها أيّوبَ جـاءكـمُ |
|
على الذي قلتُ أيُّوبٌ ببرهانِ |
أيّامَ تُعطيه خَرْجاً من حِجامتها |
|
يَوْماً فيوما توفّـيه بـأُرْبـانِ |
فإن رَددتمُ عليه ما يقولُ أتـى |
|
على مقالته فيهـا بِـتـبْـيانِ |
ثمَّ اشتراها أبو خاقان حين عَسَت |
|
فالتقطت نُطْفَةً منه بأقطـانِ |
فاستَدخَلتْها و لا تدري بما فعلـت |
|
حتّى إذا ارتكضت جاءت بخاقانِ |
وقال اللَّعين المِنْقريُّ في آل الأهتم:
وكيف تُسامُون الكرامَ وأنـتُـمُ |
|
دوارجُ حِيريُّون فُدْع القـوائِم |
بنو مُلصَقٍ من وُلْدِ حَذْلمَ لم يكن |
|
ظَلُوماً ولا مستنكِراً للمَظالِـم |
وقال الآخر
قالت: عهدتُك مجنوناً، فقلت لها: |
|
إنَّ الشّبابَ جنونٌ بُرؤُه الكبـرُ |
وقال أعرابيٌّ، وهو أبو حيّة النُّميريّ:
رمتني وسِترُ اللًَّه بيني وبينها |
|
عشيّةَ آرامِ الكِنـاسِ رَمـيمُ |
ألا ربَّ يومٍ لو رمتْني رميتُها |
|
ولكنَّ عهدي بالنِّضال قـديمُ |
رميمُ التي قالت لجاراتِ بيتها |
|
ضمِنتُ لكمْ ألاّ يَزَالُ يَهـيمُ |
وقال أبو يعقوب الأعور:
بقلبي سَقَامٌ لستُ أُحسِنُ وصفَه |
|
على أنَّه ما كان فهو شـديد |
تمرُّ به الأيّامُ تَسحب ذيلَـهـا |
|
فتَبلَى به الأيّامُ وهـو جـديدُ |
وقال الثَّقفيّ:
مَن كان ذا عضُدٍ يُدرِك ظُلامتَه |
|
إنّ الذَّليلَ الذي ليست له عَضُدُ |
تنبُو يداه إذا ما قـلَّ نـاصِـرُه |
|
ويأنَف الضَّيمَ إن أثرى له عَدَدُ |
وقال أشجَعُ السُّلَميّ، في هارون أمير المؤمنين:
وعلى عَدُوِّك يابنَ عمِّ محـمـدٍ |
|
رَصَدَانِ: ضوءُ الصبح والإظلامُ |
فإذا تَنـبّـه رُعـتَـهُ وإذا هَـدَا |
|
سَلّت عليه سـيوفَـك الأحـلامُ |
وقال: من المنسرح
انتجِعِ الفضلَ أو تَخَلَّ من الدُّن |
|
يا فهاتان غايتـا الـهِـمـمِ |
وقال:
أبت طَبَرِستانُ إلاّ التي |
|
يَعُمُّ البريّةَ من دائِهـا |
ضَمْمتَ مناكبَها ضمّةً |
|
رمتْك بما بين أحشائها |
قالوا: لم يدَعِ الأوّلُ للآخِر معنىً شريفاً ولا لفظاً بهيّاً إلاّ أخَذَه، إلاّ بيت عنترة:
فَتَرى الذُّبابَ بها يغنِّي وحـدَه |
|
هَزِجاً كفعلِ الشّاربِ المترنِّمِ |
غَرِداً يسُنُّ ذراعَه بـذراعِـه |
|
فِعلَ المكبِّ على الزِّناد الأجذَمِ |
وقال الفُقَيميّ، قاتلُ غالبٍ أبي الفرزدق:
وما كنتُ نَوّاماً ولـكـنّ ثـائراً |
|
أناخَ قليلاً فوق ظَهْرِ سَـبـيلِ |
وقد كنتُ مجرورَ اللسان ومُفحَماً |
|
فأصبحتُ أدرِي اليوم كيف أقول |
وقال أبو المُثلَّم الهُذليّ:
أصخَر بنَ عبدِ اللَّه إن كنتَ شاعراً |
|
فإنّك لا تُهدي القريضِ لمفـحَـمِ |
وقال الهذليّ : مجزوء الوافر
على عبْدِ بن زُهرةَ طو |
|
لَ هذا الليلِ أَنْتَـحِـبُ |
أخٌ لي دون مَن لي من |
|
بني عمٍّ وإن قَـرُبُـوا |
طَوَى مَن كان ذا نَسبٍ |
|
إليّ وزادَه النّـسَـبُ |
أبو الأضـياف والأيتـا |
|
مِ سـاعةَ لا يُعَـدُّ أبُ |
ألاَ لـلَّـهِ دَرُّك مِـن |
|
فَتَى قومٍ إذا ركِـبُـوا |
وقالوا من فَتىً للـثَّـغ |
|
رِ يَرْقُبنا ويرتـقَـبُ |
فكنتَ أَخاهُـمُ حـقّـاً |
|
إذا تُدْعى لها تَـثـبُ |
وقد ظَهرَ السّوَابغُ في |
|
هِمُ والبيضُ واليَلَـبُ |
أقـامَ لـدى مـدينة آ |
|
لِ قُسطنطينَ وانقلبـوا |
نجيباً حين يُدعـى، إنَّ |
|
آباءَ الفتـى نُـجُـبُ |
وقال أدهم بن مُحرزٍ الباهليّ:
لمّا رأيت الشيبَ قد شانَ أهلَه |
|
تفتَّيت وابتعتُ الشَّبابَ بدرهمِ |
وقال آكل المُرارِ الملك: من الخفيف
إنّ مَن غَرّه النساءُ بشـيءٍ |
|
بَعدَ هندٍ لجاهِلٌ مـغـرورُ |
حُلوةُ العينِ واللسانِ، ومُـرٌّ |
|
كلُّ شيءٍ يُجِنُّ منها الضَّمِيرُ |
كلُّ أُنثى وإن بَدَت لك منهـا |
|
آية الحبِّ، حُبُّها خَيتَـعُـورُ |
وقال طُفَيلٌ الغَنَوِيّ:
إنَّ النساءَ كأشجارٍ نبتْـنَ مَـعـاً |
|
منها المُرَارُ وبعضُ المُرِّ مأكولُ |
إنَّ النساءَ متى يُنْهَيْنَ عن خُلُقٍ |
|
فإنَّهُ واجبٌ لا بُدَّ مفـعُـولُ |
لا يَنْثَنين لرُشْدٍ إن صُرِفْن له |
|
وهُنَّ بَعدُ ملاويمٌ مَـخـاذيلُ |
وقال علقمة بن عَبَدة:
فإنْ تسألوني بالنّساء فـإنَّـنـي |
|
بصيرٌ بأدواء النّساء طبـيبُ |
إذَا قلَّ مالُ المرءِ أو شابَ رأسهُ |
|
فليسَ لهُ مِن وُدِّهن نـصـيبُ |
يُرِدْنَ ثَرَاء المال حيثُ عِلمنَـهُ |
|
وشَرخُ الشبابِ عندهنَّ عَجِـيب |
وقال أبو الشَّغْبِ السعديّ:
أبَعْدَ بني الزّهراءِ أرجـو بـشـاشةً |
|
من العَيش أو أرجو رخاءً من الدّهرِ |
غَطارِفةٌ زُهْرٌ مَضَوْا لسـبـيلـهـم |
|
ألهفِي على تلك الغطارفةِ الزُّهْـرِ |
يذَكّـرُنـيهـمْ كـلُّ خـيرٍ رأيتُــه |
|
وشرٍّ فما أنفَكُّ منهم عـلـى ذُكْـرِ |
وقال أبو حُزَابة، في عبد اللَّه بن ناشِرة:
ألا لاَ فتَى بعدَ ابنِ ناشـرةَ الـفـتـى |
|
ولا خَير إلاّ قـد تـولَّـى وأَدبَـرَا |
وكان حَصاداً للمـنـايا ازدرَعَـنـه |
|
فهلاَّ تركنَ النّبتَ ما كان أخـضـرا |
لَحَا اللَّه قوماً أسـلـمـوا ورفّـعـوا |
|
عناجيجَ أعطتها يمـينُـكَ ضُـمَّـرا |
أمَا كان فيهـم فـارسٌ ذُو حـفـيظةٍ |
|
يرى الموت في بعض المواطِن أعذَرا |
يكرُّ كما كرَّ الكـلـيبـيُّ بـعـدمـا |
|
رأى الموت تحدُوه الأسـنَّةُ أحـمـرَا |
فكرَّ علـيه الـوَرْدَ يَدْمَـى لَـبـانُـهُ |
|
ومـا كـر َّ إلا ّ رهـبةً أن يُعَـيَّرا |
وقال أعرابيّ:
رعاكِ ضَمَانُ اللَّهِ يا أُمّ مالكٍ |
|
وللَّه أن يُشْقيكِ أغنَى وأوسَعُ |
يذكِّرُنيكِ الخيرُ والشرُّ والذي |
|
أخاف وأرجو والذي أتوقَّعُ |
وقال دُرَيد بن الصِّمَّة:
وقالوا: ألاَ تبكي أخاكَ، وقـد أَرى |
|
مكانَ الأسى لكنْ بُنِيتُ على الصبر |
فقلتُ: أعبدَ اللَّهِ أبـكـي أم الـذي |
|
على الجَدَثِ النائي قتيلَ أبي بكـرِ |
وعَبدَ يغوثَ أو نـديمـيَ خـالِـداً |
|
وعزّ المُصَابُ وضع قبرٍ حِذَا قبرِ |
أبَى القتـلُ إلاّ آل صِـمَّة إنَّـهـم |
|
أبوْا غيرَه والقَدْر يجري إلى القَدْرِ |
فإمَّا تَـرَينـا لا تـزالُ دمـاؤنـا |
|
لدى واترٍ يسعى بها آخِرَ الدَّهْـرِ |
فإنَّا لَلَحمُ السَّـيفِ، غَـيْرَ نـكـيرَةٍ |
|
ونُلحِمهِ حيناً وليسَ بـذي نُـكْـرِ |
يُغَار علينا واتِرينَ فيُشْـتَـفَـى |
|
بنا إن أُصبِنا أو نُغيرُ علـى وِتْـرِ |
قَسمَنَا بذِاكِ الدّهرَ شَطرين بيْنـنـا |
|
فلا ينقضي إلاّ ونحن على شَطـرِ |
وقال الآخر:
إذا ما تراءَاه الرِّجالُ تحفَّظُـوا |
|
فلم تُنطِق العوراءُ وهو قريبُ |
حَبيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشيانُ بيتـه |
|
جميلُ المحيَّا شَبَّ وهْـوَ أديب |
فَتىً لا يُبالِي أن يكون بجسمِـه |
|
إذا نَال خَلاَّتِ الكِرام شُحُـوب |
حليمٌ إذا ما الحِلمُ زيّنَ أهـلَـهُ |
|
مع الحِلم في عَين العدُوِّ مَهيبُ |
حليف النَّدَى يدعو النَّدَى فيجيبه |
|
قريباً ويدعوه النّدَى فيجـيب |
يَبيت النَّدَى يا أمَّ عمرو ضجيعَه |
|
إذا لم يكن في المنْقيات حَلُوبُ |
يقول: إذا كان الجدب ولم يكن للمال لبنٌ فهو وَهُوبٌ مِطعامٌ في هذا الزمن، والمنْقيات: المهازيل التي ذهب نِقيهنّ؛ والنِّقْي: مخّ العظام وشحم العين، وجمعه أنقاء، وناقة مُنْقية، أي ذات نِقْي، وقال الآخر:
ألاَ تريْنَ وقد قطّعتِـنـي عَـذَلا |
|
ماذا من الفَوْتِ بين البُخْل والجودِ |
إلاّ يكنْ وَرِقٌ يومـاً أجُـودُ بـه |
|
للمعتفِين فإنّـي لَـيِّن الـعُـودِ |
وإلى هذا ذهب ابن يسيرٍ حيث يقولُ:
لا يَعدَمُ السائلونَ الخيرَ أفعَلُـه |
|
إمَّا نَوالي وإمّا حُسنَ مَردُودي |
وقال الهُذَليّ:
وهّابُ ما لا تكادُ النَّفسُ تُرسِلُه |
|
من التّلادِ وَصُولٌ غير منّانِ |
قال أبو عبيدة معمرُ بن المثَنَّى: ومن الشَّوارد التي لا أربابَ لها قَولُه: من مجزوء الكامل
إنْ يفجُرُوا أو يَغدِروا |
|
أو يبخلوا لا يحفِلوا |
وغَدَوْا عليك مرجَّلي |
|
نَ كأنّهمُ لم يفعَلُـوا |
كأبي بَرَاقِشَ كلَّ لَوْ |
|
نٍ لونُـه يتـخـيَّلُ |
ومثله في بعض معانيه:
أكولٌ لأرزاق العيالِ إذا شَتَـا |
|
صَبُورٌ على سُوءِ الثناءِ وَقَاحُ |
وقال:
وما نَفَى عنكَ قوماً أنتَ خائفُـهـم |
|
كمثلِ وقمِكَ جُهَّالاً بـجُـهَّـالِ |
فاقعَسْ إذا حَدِبوا واحدَبْ إذا قَعِسوا |
|
ووازِنِ الشرَّ مثقالاً بـمـثـقـالِ |
وقال الراجز:
وقد تعلَّلت ذَمِيلَ الـعَـنـسِ |
|
بالسَّوطِ في ديمُومَةٍ كالتُّرسِ |
إذ عَرَّج الليلَ بُروحُ الشَّمسِ |
|
|
وقال الراجز:
قد كنتُ إذْ حَبلُ صِباكِ مُدْمَشُ |
|
وإذْ أهاضيبُ الشَّبابِ تبْغَشُ |
وقال الراجز:
طال عليهنَّ تكـالـيفُ الـسُّـرى |
|
والنَّصُّ في حينِ الهجيرِ والضُّحى |
حتَّى عُجَاهُنَّ فما تحتَ العُـجَـى |
|
رواعِفٌ يخْضِبْن مُبيضَّ الحَصَى |
سمع ذلك ابنُ وهيب فرامَ مثله فقال: مخلع البسيط
تخضب مَرْواً دماً نَجـيعـاً |
|
من فَرط ما تُنكَب الحوامى |
وقال عامرٌ ملاعبُ الأسِنَّة:
دفعتُكُمُ عنِّي، ومـا دَفـعُ راحةٍ |
|
بشيءٍ إذا لم تَسْتَعِنْ بالأنـامِـلِ |
يُضَعضِعني حلمي وكثرةُ جهلِكم |
|
عَلَيَّ، وإنِّي لا أصول بجاهـلِ |
وقال آخر:
لا بدَّ للسُّودَدِ من أرماحِ |
|
ومن سفيهٍ دائم النُّبـاحِ |
ومن عدِيدٍ يُتَّقَى بالرَّاحِ |
|
|
وقال أبو نُخَيلَة لبعض ساداتِ بني سعد:
وإنّ بقومٍ سَوَّدوك لفَـاقةً |
|
إلى سيِّدٍ لو يظفرون بسَيِّدِ |
وتمثَّل سُفيان بن عيُينةَ وقد جلس على مَرقَبٍ عالٍ، وأصحابُ الحديث مدَى البصر يكتُبُون، بقول الآخر:
خَلَت الدِّيارُ فسُدتُ غيرَ مُسوَّدِ |
|
ومن الشَّقاء تَفرُّدي بالسُّودَدِ |
وقال الأوّل في الأحنف:
وإنّ مِن السادات مَن لو أطعتَه |
|
دعاك إلى نارٍ يفورُ سعيرُها |
وقال الآخر:
فأصبحتَ بعد الحِلم في الحيِّ ظالماً |
|
تَخمَّطُ فيهم، والمُـسَـوَّدُ يَظـلـمُ |
وقال رجل من بني الحارث بن كعب، يقال له سُوَيْد :
إنِّي إذا ما الأمرُ بـيَّنَ شَـكُّـهُ |
|
وبدت بصائرُه لمـن يتـأمَّـلُ |
وتبرَّأ الضُّعفاءُ من إخوانِـهِـمْ |
|
وألحّ من حَرِّ الصّميم الكلكـلُ |
أدَعُ التي هي أرَفقُ الخَلاتِ بي |
|
عند الحفيظة للتي هيَ أجمـلُ |
وقال الآخر:
ذهب الذين أُحبُّهُم فَـرَطـاً |
|
وبقِيتُ كالمغمُور في خَلْفِ |
من كلِّ مَطويّ على حَنَـقِ |
|
متَضَجّعٍ يُكْفَى ولا يَكْفِـي |
وقال أبو الطَّمَحان القينيُّ:
فكم فيهمُ من سيِّدٍ وابـنِ سـيِّدٍ |
|
وفِيٍّ بعَقد الجار حين يُفارقُـه |
يكادُ الغَمامُ الغُرَّ يَزْعَبُ إنْ رأَى |
|
وجوهَ بنِي لأمٍ وينهلُّ بـارِقـه |
وقال طُفَيلٌ الغَنَويُّ:
وكان هُرَيمٌ من سنانٍ خلـيفة |
|
وعمرٍو ومِن أسماءَ لَمّا تغيّبوا |
نُجومُ سماءٍ كلَّما غاب كوكـبٌ |
|
بدا وانجلَتْ عنه الدُّجُنَّةُ كوكب |
وقال رجلٌ من بني نهشَلٍ:
إنّا لمن مَعْشَرٍ أفنَـى أوائلَـهُـم |
|
قَولُ الكُماةِ لهم أين المُحامُونَـا |
لو كان في الألفِ مِنَّا واحدٌ فدَعَوا |
|
مَن عاطِفٌ خالَهُم إيّاه يَعنُـونـا |
وليس يذهب مـنّـا سـيّدٌ أبـداً |
|
إلاّ افتَلَيْنا غلامـاً سَـيِّداً فـينـا |
وقال بعض الحجازيِّين:
إذا طَمَعٌ يوماً عَراني قريتُهُ |
|
كتائبَ بأسٍ كرَّهَا وطرَادَها |
أكدُّ ثمادي والمياهُ كـثـيرةٌ |
|
أعالجُ منها حفرَها واكتدادَها |
وأرضى بها من بحرِ آخـرَ إنّـه |
|
هو الرِّيُّ أنْ ترضَى النفوسُ ثِمادَها |
وقال أبو مِحْجَنٍ الثَّقَفيّ:
ألم تَسَلِ الفوارسَ مِـن سُـلَـيْمٍ |
|
بنَضْلةَ وهْوَ موتـورٌ مُـشِـيحُ |
رأَوْهُ فازدَرَوهُ وهـوَ خِـرقٌ |
|
ويَنفعُ أهلَهُ الرَّجلُ الـقـبـيح |
فلم يَخْشَوا مَصالتَـهُ عـلـيهـمْ |
|
وتحْتَ الرّغوة اللَّبنُ الصَّـريحُ |
فكَرّ عليهمُ بالسـيفِ صَـلْـتـاً |
|
كما عَضَّ الشَّبا الفَرسُ الجموحُ |
فَأَطْلَقَ غُلَّ صاحِـبـهِ وأرْدَى |
|
جَريحاً منهُمُ ونَـجـا جَـريحُ |
وقال بعض اليهود:
سَئِمتُ وأمسَيتُ رَهْنَ الفِـرا |
|
شِ مِن حَملِ قومٍ ومِن مَغْرَم |
ومِن سَفَهِ الرّأْيِ بَعدَ النُّهـى |
|
ورُمتُ الرَّشادَ فلمْ يُفْهَـمِ |
فلوْ أنَّ قوْمي أطاعُوا الحلـيمَ |
|
ولم يُتَـعَـدَّ ولـم يُظْـلَـمِ |
ولكنَّ قوْمي أطاعُوا السَّفَـيه |
|
حتى تَعـكَّـظ أهْـلُ الـدَّمِ |
فأودَى السّفِيهُ برَأْيِ الحـلـيمِ |
|
فانتشَـرَ الأمـر لـمْ يُبْـرَمِ |
وقال بعض الشعراء:
وكنتُ جليسَ قَعَقَاعِ بنِ شَورٍ |
|
ولا يَشْقَى بقَعقاعٍ جَـلـيسُ |
ضَحوكُ السِّنِّ إنْ نَطقوا بخيرٍ |
|
وعِندَ الشرِّ مِطراقٌ عَبوسُ |
وقال الآخر:
وليستُ بدُمَّيجةٍ في الفِـرَاش |
|
وَجَّابةٍ يَحتمـي أنْ يُجـيبَـا |
ولاَ ذي قَلاَزِمَ عِندَ الحِـياضِ |
|
إذا ما الشَّرِيبُ أرَابَ الشَّريبا |
وقال حَجْلُ بنُ نضْلة: من السريع
جاء شقيقٌ عارضاً رُمْحَـهُ |
|
إنّ بَني عمِّكَ فيهم رِمـاحْ |
هَلْ أَحْدَثَ الدَّهرُ لنا نـكْـبةً |
|
أم هل رَقَتْ أُمُّ شَقيقٍ سِلاَحْ |
وقال:
ويلُ أمِّ لذَّاتِ الشَّبـابِ مَـعـيشةً |
|
مع الكُثْرِ يُعطاهُ الفتى المُتْلفُ النَّدِ |
وقد يَقصُرُ القُلُّ الفتَى دُونَ هَمِّـه |
|
وقد كانَ لوْلاَ القُلُّ طَلاَّع َ أَنجُـدِ |
وقال الآخر:
قامَتْ تَخاصِرنُي بقُبَّتِها |
|
خَوْدٌ تأطَّرُ غادةٌ بِكرُ |
كلٌّ يَرى أنّ الشّبابَ لَه |
|
في كلِّ مُبْلغِ لذَّةٍ عُذْرُ |
وقال سعد بن ربيعة بن مالك بن سعد بن زيد مناة، وهو من قديم الشعر وصحيحه:
ألاَ إنّما هذا السُّلالُ الـذي تَـرى |
|
وإدْبارُ جسمي مِنْ رَدَى العَثراتِ |
وكم من خَليلٍ قد تجلَّدْتُ بَـعـدَهُ |
|
تَقطَّعُ نفسي بَعـده حَـسَـراتِ |
وقال الطرِمَّاحُ في هذا المعنى:
وشَيَّبَني أن لاَ أزالُ مُناهِـضـاً |
|
بغيرِ ثَراً أسْـرُو بـه وأبُـوعُ |
أمُخْتَرِمِي رَيْبُ المَنُونِ ولم أنَلْ |
|
مِن المالِ ما أعصِي بهِ وأُطِيعُ |
وقال الأضبَطُ بنُ قُرَيع: من المنسرح
لِكلِّ هَمٍّ مِن الهمُـومِ سَـعَـهْ |
|
والمُسْيُ والصُّبحُ لا فَلاحَ مَعَهْ |
فَصِلْ حِبالَ البَعيدِ إنْ وَصَلَ الْ |
|
حَبْلَ وأَقْصِ القريبَ إنْ قَطَعَهْ |
وخُذْ مِن الدَّهر ما أتَـاكَ بـه |
|
مَن قَرَّ عيناً بعيشه نـفـعَـهْ |
لا تَحْقِرَن ّ الفقير عَـلَّـكَ أنْ |
|
تَركَعَ يوماً والدَّهرُ قد رَفَعْـه |
قد يَجمَعُ المالَ غـيرُ آكِـلِـه |
|
ويأْكلُ المالَ غيرُ مَن جَمَعـه |
وقال أعرابيٌّ، ونحر ناقة في حُطْمةٍ أصابتهم:
أكَلْنا الشَّوَى حتى إذا لم نجدْ شَوىً |
|
أشَرْنا إلى خَيراتِها بالأصابِـع |
وللَسَّيفُ أحْرَى أن تُباشِـرَ حَـدَّهُ |
|
من الجوعِ لا تُثْنَى عليه المضاجع |
لعَمْرُكَ ما سَلَّيْتَ نفساً شـحـيحةً |
|
عن المالِ في الدُّنيا بمثلِ المجاوعِ |
وقدّم ناقةً له أخرى إلى شجرة ليكون المحتطَب قريباً من المِنحَر، فقال:
أدنْيتُها من رأْسِ عَشَّاءَ عَـشَّةٍ |
|
مُفصَّلةِ الأفنانِ صُهْبٍ فُرُوعُها |
وقُلْتُ لها لمّا شَدَدْتُ عِقالـهـا |
|
وبالكفِّ مُمْهاةٌ شديدٌ وُقوعُهـا |
لقد غنِيَت ْ نفسي عليكِ شَحِـيحةً |
|
ولكن يُسَخِّي شَحّةَ النفسِ جُوعُها |
وقال أُسقُفُّ نجران:
مَنعَ البَقَاءَ تصرُّفُ الشَّمْـس |
|
وطُلوعُها من حيْثُ لا تُمْسِي |
وطُلوعُها بَيضاءَ صـافـيَةً |
|
وغُرُوبُها صفراءَ كالوَرْسِ |
اليَومُ نعلَمُ مـا يَجـيءُ بـه |
|
ومضَى بفَصْلِ قضائِه أمْسِ |
وقال الآخر:
وهُلْكُ الفتَى أنْ لا يَرَاحَ إلى النَّدَى |
|
وأنْ لا يَرى شيئاً عَجيباً فيَعْجَبَـا |
ومَن يتَتبَّعْ منِّيَ الظَّلعَ يَلْـقـنِـي |
|
إذا ما رآني أصلعَ الرّأْسِ أشْيَبـا |
وقال سُحَيمُ بنُ وَثيل الرِّياحيُّ: من المنسرح
تقولُ حَدْراءُ ليس فيكَ سِوَى الخَمْ |
|
رِ مَـعـيبٌ يَعـيُبـه أحَــدُ |
فقلت ُ أَخْطَأْتِ بَلْ معاقرَتي الخَم |
|
رَ وبَذْلي فـيهـا الَّـذي أجِـدُ |
هُوَ الثَّناءُ الذي سَمِـعـتِ بـه |
|
لا سَبَدٌ مُخْـلـدِي ولا لَـبَـدُ |
ويْحَكِ لولا الخمورُ لم أحْفِل العَيْ |
|
شَ ولا أن يضُمَّـنـي لَـحَـدُ |
هي الحَيَا والحَيَاةُ واللَّـهْـوُ لاَ |
|
أنـتِ ولا ثَـرْوَةٌ ولا وَلـدُ |
وقال عبدٌ راعٍ:
غضَبتْ عَلَيَّ لأنْ شَرِبْتُ بِجِزَّةٍ |
|
فلئِنْ أَبَيْتِ لأشرَبَنْ بخَـرُوفِ |
ولئن نطَقْتِ لأشْرَبَنَّ بِنـعـجةٍ |
|
حَمْراءٍ من آلِ المُذَالِ سَحُوفِ |
وقال:
نَاحتْ رُقيَّةُ من شاةٍ شَرِبْتُ بها |
|
ولا تَنوحُ على ما يأكلُ الذِّيبُ |
قد تغَرَّبتُ للشَّقـاوةِ حِـينـاً |
|
حينََ بُدِّلتُ بالسعادة نُـوقـا |
يومَ فارَقتُ بَلْدَتي وقَـرَاري |
|
وتبدَّلتُ سوءَ رَأْيٍ ومُوقـا |
ليْتَ عِندي بخيْر مِعزَايَ عَشْرٍ |
|
طَيْلَساناً مِن الطِّرازِ عَتيقـا |
وبخَمْسٍ مِنهُنَّ أيضاً قمِيصـاً |
|
سابرِيّاً أمِيسُ فيه رَقـيقـا |
قد هجرْتُ النَّبيذَ مُذْ هُنَّ عِندي |
|
وتمزَّزْتُ رِسْلَهُـنَّ مَـذِيقـا |
فوجَدْتُ المَذِيقَ يُوجِعُ بَطْنِـي |
|
ووَجْدتُ النَّبيذَ كان صَـدِيقـا |
يَعِدُ النَّفْسَ بالعشيِّ مُـنـاهَـا |
|
ويَسُلُّ الهُمُومَ سَلاًّ رَفـيقـا |
وكان فتىً طيِّب من وُلد يقطينَ لا يصحو، وكان في أهله روافض يخاصمون في أبي بكر وعمر، وعثمان وعليّ، وطلحة والزبير، رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين، فقال: من السريع
رُبّ عُقَـارٍ بـاذَرَنـجـيَّةٍ |
|
اصْطَدْتها من بيتِ دِهْقـانِ |
جَنْدَرْتُ أرواحاً وطَيَّبتُـهـا |
|
بَعدَ اتّساخٍ طالَ في الحـانِ |
سَكْتاً وسَلْتاً لم نَخُضْ في أذىً |
|
مِن قَتْلِ عُثمان بن عَـفـانِ |
ولا أبي بكْـرٍ ولا طَـلْـحَةٍ |
|
ولا زُبـيرٍ يومَ عُـثـمـانِ |
اللَّهُ يَجزيهِمْ بأعمـالِـهـمْ |
|
لَيْسَ علينا عِلْمُ ذا الـشَّـانِ |
وقال المُنَخَّلُ اليَشكُرِيُّ: مجزوء الكامل
ولقد شربتُ مِن المُـدَا |
|
مةِ بالقليل وبالكـثِـيرِ |
ولقد شرِبتُ مِن المُـدَا |
|
مَةِ بالصَّغير وبالكبيرِ |
ولقد شربتُ الخمرَ بال |
|
خَيلِ الإنَاثِ وبالذكورِ |
فإذا سَكِرْتُ فإنَّـنـي |
|
رَبُّ الخورْنَقِ والسَّدِيرِ |
وإذا صَحَوْتُ فإنـنـي |
|
رَبُّ الشّويَهةِ والبعيرِ |
يا رُبَّ يومٍ لِـلْـمُـنَ |
|
خَّلِ قدْ لها فيه قَصيرِ |
وقال بعضهم لزائرٍ له ورآه يُومِئ إلى امرأته، وهو أبو عَطاءٍ السنديّ: من الخفيف
كُلْ هَنيئاً وما شَرِبْتَ مَريئاً |
|
ثمْ قُم صاغراً فغَيْرُ كَـريمِ |
لا أُحِبُّ النَّديمَ يُومِضُ بالعَيْ |
|
نِ إذا ما خلا بعِرْسِ النديم |
وقال الآخر، وتعرّضت له امرأة صاحبه: من الخفيف
رُبَّ بيْضاءَ كالقضيبِ تَثَنَّـى |
|
قد دعتْنِي لوَصْلِها فأبيْت |
ليس شأني تحرُّجاً غيْرَ أنِّـي |
|
كنتُ نَدْمانَ زوجِها فاستحَيتُ |
وقال الآخر:
فلا واللّهِ لا أُلْفَـى وشَـرْبـاً |
|
أُنَازِعهم شراباً مـا حَـييتُ |
ولا واللَّهِ ما ألـفَـى بـلَـيْلٍ |
|
أُراقِبُ عِرْسَ جاري ما بَقيتُ |
سأترُكُ ما أخافُ عَلَيَّ مـنـهُ |
|
مَقالتَهُ وأجْمَلُهُ الـسُّـكـوتُ |
أبَـى لِـي ذاكَ آبـاءٌ كـرامٌ |
|
وأجدادٌ بمـجْـدِهِـمُ رَبـيتُ |
وقال السُّحيميّ:
ما لِيَ وَجْهٌ فـي الـلّـئامِ ولا يَدٌ |
|
ولكنَّ وجْهِِي في الكرامِ عريَضُ |
أهَشُّ إذا لاقيْتُهُـم وكـأنَّـنـي |
|
إذا أنا لاقيتُ الـلّـئامَ مَـريضُ |
وقال ابن كُناسة: من المنسرح
فيَّ انقِباضٌ وحَشْمةٌ فإذَا |
|
لاقيتُ أهلَ الوَفاءِ والكََرَمِ |
خَلَّيتُ نفسي على سَجِيَّتِهـا |
|
وقُلْتُ ما قلتُ غيرَ مُحْتشِمِ |
وقال عبد الرحمنِ بنُ الحكَم:
وكأسٍ تَرَى بين الإناءِ وبينَهـا |
|
قَذَى العَيْنِ قد نازَعْتُ أمَّ أبـانِ |
تَرَى شارِبَيْها حِينَ يَعتَقِبانِـهـا |
|
يَميلانِ أحـيانـاً ويَعـتَـدِلانِ |
فما ظَنُّ ذا الوَاشِي بأبيْضَ ماجدٍ |
|
وبَدَّاءَ خَوْدٍ حـينَ يلـتَـقِـيانِ |
وقال رمّاح بنُ مَيّادة - وكان الأصمعي يقول: خُتم الشعر بالرماح، وأظنُّ النابغَة أحدَ عمومته:
ألاَ رُبَّ خَمَّارٍ طَرَقتُ بِـسُـدْفةٍ |
|
مِن الليلِ مُرتاداً لنَدْمانيَ الخمْرَا |
فأَنهلتُهُ خمراً وأَحْلِفُ أنَّـهـا |
|
طِلاءٌ حلالٌ كي يُحمِّلَني الوِزْرَا |
وقال آخر:
ولقد شَرِبتُ الخمَرَ حتَّى خِلْتُنِي |
|
لمّا خرجْتُ أجُرُّ فضْلَ المِئزَرِ |
قابُوسَ أو عَمْرَو بنَ هندٍ قاعِداً |
|
يُجْبَى له ما بينَ دَارةِ قَيْصـرِ |
في فِتَيةٍ بيضِ الوُجُوهِ خَضارِمٍ |
|
عند النِّدَامِ عَشيرُهُم لم يَخْسَـرِ |
وقال ابنُ مَيَّادة:
ومُعتَّقٍ حُرِمَ الوَقُودَ كَـرَامَةً |
|
كدمِ الذَّبيحِ تمُجُّـه أوداجُـه |
ضَمِنَ الكُروم ُ لهُ أوائلَ حَمْلِه |
|
وعلى الدِّنانِ تَمامُه ونَتَاجُـه |
وأنشد اللائحُ لبعض الرّوافض:
إذا المُرْجيُّ سَرَّك أنَّ تَـرَاهُ |
|
يموتُ بدائه مِن قَبْلِ مَوْتِـه |
فَجَدِّدْ عنْدَه ذِكرى عَـلِـيّ |
|
وصلِّ عَلَى النبيِّ وأهلِ بيتِه |
وقال بعضُهم في البرامكة:
إذا ذُكِر الشِّرْكُ في مجلِسٍ |
|
أنَارَتْ وُجوهُ بَني بَرْمَـكِ |
وإنْ تُلِيَتُ عنـدَهُـمْ آيةٌ |
|
أتَوْا بالأحاديثِ عَن مَرْوَكِ |
وقال آخر: من الخفيف
لعن اللَّه آل بـرمـكَ إنّـي |
|
صرتُ مِن أجْلِهمْ أخا أسفـارِ |
إنْ يكُ ذُو القرْنَيْنِ قد مَسَحَ الأرْ |
|
ضَ فإنَّني مُوَكَّلٌ بـالـعِـيارِ |
وقال آخر: من المجتث
إنّ الفراغَ دَعـانـي |
|
إلى ابتناء المساجِـدْ |
وإنّ رَأْييَ فـيهــا |
|
كرأْيِ يحيى بنِ خالِدْ |
وقال أبو الهول في جعفر بن يحيى بن خالد: من السريع
أصبحتُ محتاجاً إلى الضَّرْبِ |
|
في طَلَبِ العُرْفِ إلى الكَلْبِ |
إذا شكا صَبٌّ إليه الـهَـوَى |
|
قال له: ما لي وللـصَّـبِّ |
أعْني فتىً يُطعَنُ فـي دِينِـهِ |
|
يَشِبُّ معهُ خشب الصَّلْـبِ |
قد وقّح السبّ لـه وجـهَـه |
|
فصارَ لا ينحاش للـسـبّ |
وقال رجل شآمٍ:
أبَعْدَ مَرْوانَ وبعدَ مَسْلـمَـه |
|
وبعد َ إسحاقَ الذي كانَ لُمَـهْ |
صارَ علَى الثَّغْرِ فُرَيخُ الرَّخَمَه |
|
إنَّ لنا بفِعْل يحيى نَـقِـمَـه |
مُهلكةً مُبيرةً مُـنـتـقِـمـه |
|
أكلاً بني بَرْمَكَ أكْلَ الْحُطَمه |
إنَّ لهذا الأَكْلِ يوماً تُخَـمـه |
|
أيسَرُ شيءٍ فيه حَزُّ الغَلْصَمه |
وقال الشاعر:
ما رَعَى الدهرُ آلَ برمَكَ لمّا |
|
إنْ رَمَى مُلكَهُم بأمرٍ فظيعِ |
إنّ دهراً لم يَرْعَ حقّاً ليَحْيى |
|
غيرُ راعٍ ذِمامَ آلِ الرَّبـيعِ |
وقال سهلُ بنُ هارون في يحيى بنِ خالد:
عَدُوُّ تِلادِ المالِ فيمـا يَنُـوبـهُ |
|
مَنُوعٌ إذا ما مَنْعُه كان أحْزَما |
مُذلَّلُ نَفْسٍ قد أبت غيرَ أن تَرى |
|
مَكارِهَ ماتأتي مِن الحقِّ مَغْنَما |
وقال إسحاق بن حسان:
مَن مُبلِغٌ يحيى ودُونَ لِقـائه |
|
زَبَراتُ كلِّ خُنابِسٍ هَمْهـامِ |
يا راعيَ السلْطانِ غيرَ مُفرِّطٍ |
|
في لِينِ مُختَبَطٍ وطِيبِ شِمامِ |
يُعذِي مََسارحَهُ ويُصْفِي شِرْبَهُ |
|
ويَبيتُ بالرَّبَوَاتِ والأعـلامِ |
حتى تبحبَحَ ضارباً بجِرَانِـه |
|
ورستْ مَراسيهِ بدارِ سـلامِ |
في كلِّ ثَغرٍ حارِسٌ مِن قَلبِهِ |
|
وشُعاعُ طَرفٍ لا يُفتَّرُ سـامِ |
وهذا شبيه بقول العتّابيّ في هارون:
إمامٌ لـه كـفٌّ يَضُـمُّ بَـنـانُـهـا |
|
عصا الدِّينِ ممنوعاً من البَرْيِ عودُها |
وعَينٌ مُحيطٌ بالـبـرِيَّةِ طَـرْفُـهـا |
|
سَواءٌ عليهِ قُرْبُهـا وبَـعِـيدُهـا |
وأَصْمَعُ يَقْظانٌ، يَبـيتُ مُـنـاجـياً |
|
لهُ في الحَشا مُستَودَعاتٌ يَكـيدُهـا |
سميعٌ إذَا ناداهُ مِـنْ قَـعْـرِ كُـرْبةٍ |
|
مُنادٍ كَـفَـتْـهُ دَعْـوةٌ لا يُعـيدُهـا |
وقال أيضاً كُلثُومُ بنُ عَمْرٍ العَتَّابي:
تَلُومُ عَلَى تَرْكِ الغِنَـى بـاهِـلـيّةٌ |
|
زوَى الدَّهرُ عَنها كُلَّ طِرفٍ وتالِدِ |
رأتْ حَوْلَهَا النِّسوانَ يرْفُلنَ في الكُسَا |
|
مُقـلَّـدةً أجـيادُهـا بـالـقـلائدِ |
يَسُرُّكِ أنِّي نِلْتُ ما نال جـعـفـرٌ |
|
مِن المُلكِ أو ما نالَ يحيى بنُ خالِدِ |
وأنَّ أميرَ المُؤمِنـينَ أغَـصَّـنِـي |
|
مُغصَّهُما بالمُرهَفـاتِ الـبـوارِدِ |
ذَريني تجئْني مِيتتـي مـطْـمـئنَّةً |
|
ولم أتَجَشَّمْ هَوْلَ تِلْـك الـمَـواردِ |
فإنّ كرِيمَاتِ المعالِـي مـشُـوبةٌ |
|
بِمُستودَعاتٍ فِي بُطـونِ الأَسَـاودِ |
وقال الحسن بن هانئ:
عجبْتُ لهارون الإمامِ ومـا الَّـذي |
|
يُروِّي ويرجُو فيكَ يا خِلْقة السِّلْقِ |
قَفاً خَلفَ وَجْهٍ قد أُطِـيلَ كـأنَّـهُ |
|
قفا مَلِكٍ يقضِي الحقوقَ على بَثْقِ |
وأَعْظَمُ زَهواً مِن ذبابٍ على خِراً |
|
وأَبْخَلُ مِن كلبٍ عَقورٍ على عَرْقِ |
أرَى جعفـراً يزدادُ بُـخْـلاً ودِقَّةً |
|
إذَا زَادهُ الرّحمنُ في سَعَة الرِّزقِ |
ولوْ جاءَ غَيرُ البُخْلِ مِن عِندِ جَعفَرٍ |
|
لما وَضَعُوهُ الناسُ إلاَّ على الحُمْقِ |
ولما أنشد ابنُ أبي حَفْصَةَ الفضلَ بن يحيى بن خالد:
ضَرَبت َ فلا شُلَّتْ يَدٌ خـالـديَّةُ |
|
رَتَقْتَ بها الفتقَ الذي بين هاشِمِ |
قال له الفضلُ: قل: فلا شُلّت يد برمكيَّة؛ فخالد كثير، وليس برَمكُ إلاّ واحداً، وقال سَلْمٌ في يحيى، ويحيى يومئذ شابٌّ: مجزوء الكامل
وفَتىً خَلاَ مِن مـالـهِ |
|
ومِنَ المُروءَةِ غيرُ خالِ |
وإذَا رَأى لكَ مَـوعِـداً |
|
كان الفَعالُ مع المَقالِ |
للَّهِ دَرُّكَ مِـنْ فَـتـىً |
|
ما فيكَ مِنْ كَرمِ الخِلالِ |
أعطاكَ قَبل َ سُـؤالِـه |
|
فكفاك مكْرُوهَ السـؤالِ |
ومن جيِّد ما قيل فيهم:
لِلفضْلِ يَوْمُ الطَّالَقانِ، وقَبْـلَـه |
|
يومٌ أناخَ بهِ علـى خَـاقـانِ |
ما مِثلُ يَوْمَيْهِ اللَّذَيْنِ تَـوَالَـيا |
|
في غَزْوَتْينِ حَواهما يَوْمَـانِ |
عَصَمَتْ حُكومَتُه جماعةَ هاشمٍ |
|
مِن أنْ يجرَّدَ بَينَها سَـيفـانِ |
تِلكَ الحُكومةُ لا الَّتي عَنْ لَبْسِها |
|
عَظُمَ الثَّأَى وتفرَّقَ الحُكْمـانِ |
وقال الحسنُ بنُ هانئ، في جعفر بن يحيى:
ذاك الوَزيرُ الَّذِي طالتْ عِلاوَتُهُ |
|
كأنَّهُ ناظرٌ في السَّيفِ بالطولِ |
ذكروا أن جعفر بن يحيى كان أول من عَرَّض الجُرِبَّانَات لطول عنقه، وقال مَعْدَانُ الأعمى، وهو أبو السَّرِيِّ الشُّميطيّ:
يومَ تُشْفَى النفوسُ مِن يَعْصُرِ اللْؤ |
|
م ويُثنَـى بِـسـامةَ الـرَّحَّـالِ |
وعـدِيٍّ وتَـيْمِـهـا وثَـقـيفٍ |
|
وأُمَيّ وتَـغْـلـبٍ وهِـلالِ |
لا حَرُورَا وَلا النَّوَابتُ تـنـجُـو |
|
لا ولا صَحبُ واصِلِ الغـزَّالِ |
غيرَ كَفتِي ومَن يلُوذُ بكـفـتِـي |
|
فهُمُ رَهْطُ الأعْـوَر الـدَّجَّـالِ |
وبَنو الشَّيْخِ والـقـتـيلُ بـفَـخٍّ |
|
بَعْدَ يحيى ومُـوتِـمِ الأََشْـبـالِ |
سَنَّ ظُلْمَ الإمامِ في القومِ بِـشْـرٌ |
|
إنَّ ظُلْـمِ الإمـامِ ذو عُـقَّـالِ |
وقال الكميت:
آمَتْ نِسَاءُ بَني أُمَيَّة مِنـهُـمُ |
|
وبنُوهُـمُ بـمَِـيعَةٍ أَيْتَـامُ |
نامَتْ جُدُودُهُمُ وَأَسقِطَ نَجْمُهُمْ |
|
والنَّجمُ يَسقُطُ وَالجُدودُ تَنـامُ |
خَلَتِ المنَابر والأَسِرّةُ مِنهُـمُ |
|
فَعليْهِمُ حَتَّى المَمَاتِ سَـلامُ |
وقال خليفة، أبو خلف بن خليفة: من الخفيف
أعْقِبِـي آل هـاشِـمٍ يا أُمـيَّا |
|
جعلَ اللَّهُ بيْتَ مـالِـكِ فَـيَّا |
أنْ عَصَى اللَّهَ آلُ مرْوانَ والعا |
|
صِي لقد كان للرّسُولِ عَصِيَّا |
وقال الرَّاعي في بني أميّة:
بني أُميَّةَ إنَّ اللَّه مُلحِقُكـمْ |
|
عمَّا قَلِيلٍ بعثمانَ بنِ عَفّانِ |
وقال خلف بن خليفة: من الخفيف
لو تصفّحتَ أولياءَ علـيّ |
|
لم تجد في جميعهم باهليّا |
وقال كعبٌ الأشْقَرِيٌّ لعمر بن عبد العزيز:
إنْ كنتَ تحفظُ ما يَليكَ فإنما |
|
عُمَّالُ أرضِكَ بالبلادِ ذِئابُ |
لن يستجيبُوا لِلَّذِي تدعُو لـهُ |
|
حتَّى تُجلَّدَ بالسُّيوفِ رِقابُ |
بأَكُفِّ مُنْصلِتينِ أَهلِ بصائرٍ |
|
في وقْعهنَّ مَزاجِرٌ وعِقابُ |
هلاَّ قُريش ذُكِّرتْ بثُغُورِها |
|
حزمٌ وأحْلامٌ هُناكَ رِغابُ |
لوْلاَ قرَيْشٌ نَصْرُهَا ودِفاعُها |
|
أُلْفِيتُ مُنْقَطِعاً بيَ الأَسْبابُ |
فلما سمع هذا الشعر قال: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من أزْد عمان، يقال له كعب الأشقريّ قال: ما كنت أظنُّ أهل عمان يقولون مثل هذا الشعر، قال أبو اليقظان: وقام إلى عمر بن عبد العزيز رجل وهو على المنبر فقال:
إنَّ الَّذِين بَعثْتَ في أقْطارِهـا |
|
نبذُوا كتابَكَ واستُحِلَّ المَحـرَمُ |
طُلْسُ الثِّيابِ على منابِر أرضِنا |
|
كُلٌّ يجوز وكلُّهُمْ يتـظَـلَّـمُ |
وأردتَ أن يَليَ الأَمانةَ منهُـمُ |
|
عَدلٌ، وهيهاتَ الأَمِينُ المُسلِمُ |
وكان زيد بن عليّ كثيراً ما يتمثَّل بقول الشاعر:
شرَّدهُ الخـوفُ وأَزرَى بِـه |
|
كذاك من يَكرهُ حَرَّ الجِـلادْ |
مُنخَرِقُ الخفَّين يشكُو الوجَى |
|
تَنكُبهُ أَطْرافُ مَـرْوٍ حِـدَادْ |
قد كان في الموتِ لـه راحة |
|
والموت حتمٌ في رقاب العبادْ |
وقال عبد اللَّه بن كثيِّر السَّهميّ، وكان يتشيَّع، لولادِة كانت نالته، وسمع عمّالَ خالد بنِ عبدِ اللَّه القسْريّ يلعنون علياً والحسينَ على المنابر: من الخفيف
لَعن اللَّهُ مَن يَسُبُّ عـلـيّاً |
|
وحسيناً من سُوقةٍ وإمـامِ |
أَيسَبُّ المَطَيَّبـونَ جُـدوداً |
|
والكِرامُ الأخْوال والأعمامِ |
يأْمنُ الظبيُ والحمامُ، ولا يأْ |
|
مَنُ آلُ الرَّسولِ عندَ المَقامِ |
طِبتَ بيتاً وطاب أهلُكَ أَهلاً |
|
أهلُ بيتِ النَّبيِّ والإسـلامِ |
رحمةُ اللَّهِ والسَّلامُ عليهِـمْ |
|
كلّما قـام قـائمٌ بِـسَـلامِ |
وقال حين عابوه بذلك الرَّأي:
إنَّ امرأً أَمْست مَعايبهُ |
|
حُبَّ النَّبيِّ لَغَيرُ ذِي ذَنبِ |
وبَنِي أبِي حسَـنٍ ووالِـدِهِـمْ |
|
مَن طَابَ في الأرْحَامِ والصُّلْبِ |
أيُعَـدُّ ذَنـبـاً أن أُحِـبَّـهُـمُ |
|
بل حُبُّهُمْ كـفَّـارةُ الـذَّنـبِ |
وقال يزيدُ بنُ أبي بكرِ بن دَأْبٍ اللَّيثِي:
اللَّهُ يَعلمُ في عليّ عِلمَـهُ |
|
وكَذَاكَ علمُ اللَّهِ في عثمانِ |
وقال السيِّدُ الحِمْيرِيُّ:
إنِّى امرُؤٌ حِمَيريٌّ غيرُ مُؤْتَشَبٍ |
|
جَدِّي رُعَينٌ وَأخوالِي ذَوُو يَزَنِ |
ثُمَّ الوَلاءُ الَّذي أَرْجُو النَّجَاةَ بِـه |
|
يومَ القيامةِ للهادِي أبي الحَسَنِ |
وقال ابنُ أُذينَةَ:
سَمينُ قُريشٍ مانعٌ منْكَ لَحْمَهُ |
|
وَغَثُّ قُرَيْشٍ حيْثُ كان سمينُ |
وقال ابنُ الرُّقَيَّاتِ: من المنسرح
ما نَقَمُوا مِنْ بَني أُميَّةَ إلاَّ |
|
أنَّهُمْ يَحلُمُونَ إن غَضِبُوا |
وأنَّهُمْ مَعدِنُ الملوكِ ولا |
|
تصلُحُ إلاّ عليهمُ العربُ |
وقال عُرْوَةُ بنُ أُذَيْنَة:
إذا قريشٌ تَولَّى خيرُ صالحِـهـا |
|
فاسْتيْقِنَنَّ بأَن لا خير فـي أَحـدِ |
رهْطُ النَّبيِّ وأوْلَى الناسِ مَنـزلةً |
|
بِكلِّ خَيرٍ وأَثْرَى الناسِ في العَددِ |
وقال حسَّانُ بن ثابت، يرثي أبا بكر الصدِّيقَ رضي اللَّه تعالى عنه:
إذا تذَكَّرْتَ شَجواً مِن أخِي ثِـقَةٍ |
|
فاذكُرْ أخاكَ أبا بكر بما فَعـلا |
التَّالِيَ الثَّانِيَ المحمودَ مَشـهـدُهُ |
|
وأوَّلَ الناسِ مِنهمْ صَدَّقَ الرُّسُلا |
وثانيَ اثنينِ في الغارِ المُنيفِ وقد |
|
طاف العدُوُّ بهِ إذْ صَعَّدَ الجبَـلا |
وكان حِبَّ رسولِ اللِّهِ قد عَلِموا |
|
خَيْرِ البريَّةِ لم يَعدِلْ به رَجُـلاَ |
وقال بعض بني أسد:
لمّا تخيَّرَ ربِّي فارْتَضى رَجُلاً |
|
مِنْ خَلْقِهِ كانَ مِنَّا ذلِكَ الرجُلُ |
لَنا المساجدُ نَبنِيها وَنَعْمُـرُهَـا |
|
وفي المَنابرِ قِعْدَانٌ لنَا ذُلُـلُ |
وقال يزيدُ بن الحكَم بنِ أبي العاص، في شأن السَّقيفة:
قدِ اخْتصَمَ الأقْوَامُ بَعْدَ مُـحَـمَّـدٍ |
|
فَسَائلْ قُرَيْشاً حِينَ جَدَّ اخْتصامُهـا |
ألمْ تَكُ مِـنْ دُونِ الـخَـلـيقَةِ أُمَّةً |
|
بِكفِّ امرِئٍ مِنْ آلِ تَيْمٍ زِمَامُـهـا |
هَدىَ اللَّهُ بالصِّـديقِ ضُـلاَّلَ أُمَّةٍ |
|
إلَى الحَقِّ لمَّا ارْفَضَّ عَنها نِظامُها |
وقالت صَفِيّةُ في ذلك اليوم:
قد كانَ بَعْدَكَ أنبـاءُ وهَـنْـبَـثَةٌ |
|
لوْ كُنْتَ شاهِدَها لم تكثُرِ الخُطَبُ |
إنَّا فَقَدناكَ فَقدَ الأرضِ وَابِلَـهـا |
|
واختَلَّ قومُكَ فاشْهَدهُمْ فقد سَغِبوا |
وقال الفَرَزدَق:
صَلَّى صُهَيبٌ ثلاثاً ثمَّ أَسْلَمَـهـا |
|
إلى ابنِ عَفَّانَ مُلكاً غَيرَ مَقصورِ |
وِلايَةً مِنْ أبي حَفْصٍ لِثالِـثِـهـمْ |
|
كانوا أَخِلاَّءَ مَهْدِيّ ومَحْـبـورِ |
وقال مزرّدُ بنُ ضِرارٍ يرثي عمرَ بنَ الخطَّاب رضي اللَّه تعالى عنه:
عليكَ السّلامُ مِنْ إمَامٍ وبـارَكـتْ |
|
يَدُ اللَّهِ في ذَاكَ الأديمِ المُمَـزَّقِ |
قَضَيتَ أُموراً ثمَّ غادَرْتَ بَعْدَهَـا |
|
بوائِقَ في أكمامِها لم تُـفَـتَّـقِ |
وما كُنتُ أخشى أَنْ تكون وفاتُـه |
|
بِكَفَّيْ سَبَنْتَى أَزْرَقِ العينِ مُطْرِقِ |
قال: وسمعوا في تلك الليلة هاتفاً يقول:
لِيَبْكِ على الإسْلام مَنْ كانَ باكِياً |
|
فقد أوشَكُوا هُلكاً وما قَدُمَ العَهْدُ |
وأَدْبَرتِ الدُّنيا وأدبَر خَـيرُهَـا |
|
وقد مَلَّها منْ كانَ يُوقِنُ بالوَعدِ |
وعن أبي الجحّاف، عن مُسلمٍ البَطِين:
إنَّا نُعاقبُ لا أَبا لَـكَ عُـصـبةً |
|
عَلِقوا الفِرَى وبَرَوْا مِن الصِّدِّيقِ |
وَبَرَوْا سَفاهاً مِنْ وَزِيرِ نَبِـيِّهـمْ |
|
تبّاً لِمَنْ يبْرَا مِـن الـفـارُوقِ |
إنِّي على رَغْمِ العُداةِ لقائِلٌ |
|
دِنَّا بدِينِ الصَّادِقِ المَصدُوقِ |
وقال الكميت:
فقُلْ لبني أُميَّةَ حيثُ حَلُّـوا |
|
وإنْ خِفتَ المُهنَّدَ والقَطِيعا |
أجاع اللَّه مَن أشبعتُـمـوهُ |
|
وأَشبَعَ مَن بجَوْرِكُمُ أُجِيعا |
بمرْضِيِّ السِّياسةِ هاشِميّ |
|
يكونُ حَيّاً لأُمَّتِهِ رَبـيعـا |
وقال حرب بن المنذر بن الجارود، وكان يتَفتَّى ويتشَّىع، وفي كلمةٍ له:
فحسْبي من الدنيا كَفَافٌ يُقيمُني |
|
وأثوابُ كَتَّانٍ أزُورُ بها قبري |
وحُبِّي ذَوِي قُرْبَى النبيِّ محمدٍ |
|
فما سالَنا إلاّ المَودَّةَ من أَجْرِ |
وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوِيَ مؤلِّفُه نشاطَ القارئ له، ويسوقَه إلى حظِّه بالاحتيال له، فمِن ذلك أن يخرجه من شيءٍ إلى شيء، ومن بابٍ إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفنّ، ومن جُمهور ذلك العِلم، وقد يجب أن نذكرَ بعض ما انتهى إلينا من كلام خُلفائنا من وَلَد العباس، ولو أن دولتَهم عجميّة خُراسانيّة، ودولة بني مَرْوان عربيّة أعرابيّة وفي أجناد شاميّة، والعرب أوعى لما تسمع، وأحفظ لما تأتي، ولها الأشعار التي تقيِّد عليها مآثرَها، وتخلّد لها محاسنَها، وجَرَت من ذلك في إسلامها على مثل عاداتها في جاهليّتها، فبنَت بذلك لبني مَرْوانَ شرفاً كثيراً ومجداً كبيراً، وتدبيراً لا يُحصى، ولو أنّ أهلَ خُراسان حفِظوا على أنفسهم وقائعَهم في أهل الشام، وتدبير ملوكهم، وسياسة كبرائهم، وما جرى في ذلك من فرائد الكلام وشريف المعاني، كان فيما قال المنصور وما فعل في أيامه، وأسّس لمن بَعده ما يَفي بجماعة ملوك بني مروان، ولقد تتبّع أبو عُبيدةَ النحويّ، وأبو الحسن المدائنيّ، وهِشام بن الكلبيّ، والهيثمُ بنُ عدَيّ، أخباراً قد اختلَفت، وأحاديث قد تقطّعت، فلم يدرِكوا إلاّ قليلاً من كثير، وممزوجاً من خالص، وعلى كلِّ حالٍ فإنّا إذَا صرنا إلى بقية ما رواه العباس بن محمد، وعبد الملك ابن صالح، والعباس بن موسى، وإسحاق بن عيسى، وإسحاق بن سليمان، وأيوبُ بن جعفر، وما رواه إبراهيم بن السّنديّ عن السَّنديّ، وعن صالحٍ صاحب المصلَّى، عن مشيخة بني هاشم ومواليهم - عَرفتَ بتلك البقية كثرةَ ما فاتَ، وبذلك الصحيح أين موضعُ الفساد مما صَنَعه الهيثم بن عديّ، وتكلّفه هِشامُ بن الكلبيّ، وسنذكر جملاً مما انتهى إلينا من كلام المنصور ومن شأن المأمون وغيرهما وإن كنا قد ذكرنا من ذلك طَرَفاً؛ ونقصِد من ذلك إلى التخفيف والتقليل، فإنه يأتي من وراء الحاجة، ويُعرَفُ بجملته مراد البقيَّة، قال: وكان المنصورُ داهياً أريباً، مصيباً في رأيه سديداً، وكان مقدَّماً في علم الكلام، ومكثِراً من كِتاب الآثار، ولكلامه كتابٌ يدور في أيدي الورّاقين معروفٌ عندهم، ولمّا همّ بقتل أبي مُسْلم سقَطَ بين الاستبداد برأيه والمشاورةِ فيه، فأرِقَ في ذلك ليلتَه، فلما أصبحَ دعا بإسحاق بنِ مُسْلم العُقيلي، فقال له: حدّثني حديث الملِك الذي أخبرتني عنه بحَرَّان، قال: أخبَرني أبي عن الحُضَين بن المنذر أنّ ملكاً من ملوك فارس - يقال له سابورُ الأكبر - كان له وزيرٌ ناصح قد اقتبس أدباً من آداب الملوك، وشابَ ذلك بفهم في الدين، فوجَّهه سابور داعيةً إلى أهلِ خُراسان، وكانوا قوماً عَجَماً يعظمون الدنيا جهالةً بالدِّين، ويُخِلُّونَ بالدِّين استكانةً لقُوتِ الدنيا، وذُلاًّ لجبابرتها، فجمعهم على دعوةٍ من الهوى يَكيد به مطالبَ الدنيا، واغترَّ بقتل ملوكهم لهم وتخوُّلهم إياهم- وكان يقال: لكل ضعيف صَولة، ولكل ذليل دَولة - فلما تلاحمت أعضاءُ الأمور التي لَقَّحَ، استحالت حَرْباً عواناً شالت أسافلُها بأعاليها، فانتقل العزُّ إلى أَرْذَلِهِم، والنباهة إلى أخملهم، فأُشرِبوا له حبّاً مع خَفْض من الدنيا افتُتِح بدعوة من الدين، فلما استوسقتَ له البلاد بلغ سابورَ أمرُهم وما أحال عليهم من طاعتهم، ولم يأمَنْ زوالَ القلوب وغَدَرات الوُزراء، فاحتال في قطْع رجائه عن قلوبهم؛ وكان يقال:
وما قُطع الرَّجاءُ بمثل يأسٍ |
|
تُبادهه القلوب على اغترارِ |
فصمَّم على قتله عند وُروده عليه برؤساء أهل خُراسان وفُرسانهم، فقتَلَه، فبغتَهم بحدَثٍ، فلم يرُعْهم إلاّ ورأسُه بين أيديهم، فوقف بهم بين الغُربة ونأي الرَّجعة، وتخطُّف الأعداء، وتفرُّق الجماعة، واليأْسِ مِن صاحبهم، فرأوا أن يستتموا الدّعوة بطاعة سابور، ويتعوَّضوه من الفُرقة، فأذعنوا له بالمُلْك والطاعة، وتبادَرُوه بمواضع النَّصيحة، فملَكهم حتَّى ماتَ حتْفَ أنفِه، فأطرق المنصور مَلِيّاً ثم رفع رأسَه وهو يقول:
لِذِي الحِلمِ قبلَ اليومِ ما تُقَرَعُ العصا |
|
وما عُلِّمَ الإنسانُ إلاَّ لِـيَعـلَـمـا |
وأمر إسحاقَ بالخروج ودعا بأبي مسلم، فلما نظر إليه داخلاً قال:
قد اكْتنفتكَ خَلاَّتٌ ثـلاثٌ |
|
جَلبنَ عليكَ محذُورَ الحِمامِ |
خِلافُكَ، وامتنانُكَ ترتميني، |
|
وقَوْدُكَ للجماهِيرِ العِظامِ |
ثم وثب إليه ووثَب معه بعضُ حَشَمِهِ بالسيُّوف على أبي مسلم، فلمّا رآهم وثَب، فبدره المنصور فضربه ضَربةً طَوَّحَه منها، ثم قال: من السريع
اشربْ بِكأسٍ كُنتَ تَسْقِي بها |
|
أَمَرَّ فِي الحَلقِ مِنَ العَلقَـمِ |
زعمتَ أَنَّ الدَّينَ لا يُقتضَى |
|
كَذَبتَ فاستَوفِ أبا مُجْـرِمِ |
ثم أمر فحُزَّ رأسُه وبعث به إلى أهل خراسانَ وهم ببابه، فجالوا حولَه ساعةً ثم رَدَّ من شغبهم انقطاعُهم عن بلادهم، وإحاطةُ الأعداء بهم، فذَلُّوا وسلَّموا له، فكان إسحاق إذا رأى المنصورَ قال:
وما أحذو لك الأمـثـالَ إلاَّ |
|
لِتَحْذُوَ إنْ حَذَوتَ على مِثالِ |
وكان المنصور إذا رآه قال:
وخَلَّفها سابُورُ لِلنَّاسِ يُقـتـدَى |
|
بأَمثالِها فِي المُعْضِلاتِ العظائِم |
وكان المهديُّ يحبّ القِيان وسَماع الغِناء، وكان معجباً بجاريةٍ يقال لها جوهر، وكان اشتراها من مروانَ الشّاميّ، فدخل عليه ذاتَ يومٍ مروان الشاميُّ وجوهرُ تغنيِّه، فقال مروان: من الرمل
أَنْتِ يا جَوهَرُ عِندِي جَوهرهْ |
|
فِي بياضِ الدُّرَّةِ المُشْتَهِرَهْ |
فإذا غَنّتْ فَنارٌ ضُـرِّمـتْ |
|
قدَحت في كلِّ قَلبٍ شَرَرَهْ |
فاتّهمه المهديّ، وأمر به فدُعَّ في عنقه إلى أن أُخرج، ثم قال لجوهر: أطربينِي، فأنشأت تقول:
وأنتَ الذي أَخلفتَني ما وعدْتَني |
|
وأشمتَّ بي مَن كان فيكَ يلُومُ |
وأَبرَزتَني للنّاسِ ثم ترَكْتَنـي |
|
لهم غَرَضاً أُرْمَى وأنتَ سَليمُ |
فلوْ أنّ قولاً يَكلِمُ الجسمَ قد بَدا |
|
بجسميَ مِن قولِ الوُشاةِ كُلومُ |
فقال المهديّ: من الهزج
ألاَ يا جَوهَرَ القـلـبِ |
|
لقد زِدْتِ على الجوْهرْ |
وقد أكمـلَـكِ الـلَّـهُ |
|
بحُسْنِ الدَّلّ والمنظَـرْ |
إذا ما صُلْتِ، يا أَحْـسَ |
|
نَ خَلْق اللَّه، بالمِزْهَرْ |
وغَنَّيْتِ ففـاحَ الـبـي |
|
تُ مِن ريحكِ بالعَنْبَـرْ |
فلا واللَّهِ ما المَـهْـدِيُّ |
|
أوْلَى منكِ بالمِنْـبَـرْ |
فإنْ شِئتِ فَفِـي كَـفِّ |
|
كِ خَلْعُ ابنِ أبي جَعفَرْ |
قال الهيثم: أنشدت هارون وهو وليُّ عهدٍ أيامَ موسى، بيتين لحمزة بن بِيض في سليمان بن عبد الملك:
جازَ الخِلافَة وَالدِاكَ كِلاهُـمـا |
|
مِن بيْنِ سَخطةِ ساخطٍ أو طائعِ |
أبَواكَ ثمَّ أخوكَ أصبَحَ ثـالِـثـاً |
|
وعلى جَبينكَ نُورُ مُلْكٍ ساطعُ |
قال: يا يحيى، اكتب لي هذين البيتين، ولما مدح ابن هَرْمة أبا جعفر المنصور، أمر له بألفَيْ درهم، فاستقلَّها، وبلغ ذلك أبا جعفر فقال: أما يَرضَى أنِّي حقَنْت دمَه وقد استوجبَ إراقَته، ووفَّرت ماله وقد استحقَّ تلفَهُ، وأقررته وقد استأهل الطَّرْد، وقرَّبته وقد استجزى البعد؟ أليس هو القائل في بني أمية:
إذا قيلَ مَن عند رَيبِ الزَّمانِ |
|
لِمُعتَرِّ فِهْرٍ ومُحْتـاجِـهـا |
ومَن يُعْجِلُ الخيلَ يومَ الوَغَى |
|
بإلجامها قبلَ إسـراجِـهـا |
أشارَتْ نساءُ بَنـي مـالِـكٍ |
|
إليكَ به قبـلَ أزْواجِـهـا |
قال ابن هَرْمة: فإنِّي قد قلت فيك أحسنَ من هذا قال: هاته قال: قلت:
إذا قُلْتُ أيَّ فَتىً تعلمـونَ |
|
أهَشَّ إلى الطَّعْن بالذّابـلِ |
وأضرَبَ لِلقِرْنِ يومَ الوَغَى |
|
وأطعَمَ في الزَّمَن الماحِلِ |
أشارتْ إليكَ أكُفُّ الوَرَى |
|
إشارَةَ غَرقَى إلى ساحِلِ |
قال المنصور: أما هذا الشعر فمستَرقٌ، وأما نحن فلا نكافئُ إلاّ بالتي هي أحسن، ولما احتال أبو الأزهر المهلَّبُ لعبد الحميد بن رِبعيّ بن خالد بن معدان، وأسلمه حميدٌ إلى المنصور قال: لا عُذرَ فأعتذرَ، وقد أحاط بيَ الذّنْبُ وأنت أولى بما ترى قال: لستُ أقتل أحداً من آل قَحْطَبة، بل أهب مسيئَهم لمحسِنِهم، وغادرَهم لوفيهِّم قال: إنْ لم يكن فيَّ مصطنعٌ فلا حاجة لي في الحياة، ولست أرضى أن أكون طليقَ شفيعٍ، وعتيقَ ابنِ عمّ قال: اسكتْ مقبوحاً مشقوحاً، واخرجْ فإنّك أَنْوَكُ جاهل، أنت عتيقُهم وطليقُهم ما حيِيت، ولما داهن سفيانُ بن معاوية بن يزيد بن المهلَّب في شأن إبراهيم بن عبد اللَّه، وصار إلى المنصور، أمر الربيعَ بِخَلْعِ سواده والوقوف به على رأس اليمانية في المقصورة يومَ الجمعة ثم قال: قُل لهم: يقول لكم أمير المؤمنين: قد عرفتم ما كان من إحساني إليه، وحسنِ بلائي عنده، وقديمِ نعمتي عليه، والذي حاوَلَ من الفتنة، ورامَ من البغْي، وأراد من شقِّ العصا ومعاونةِ الأعداء، وإراقة الدماء، وإنه قد استحقَّ بهذا من فعله أليمَ العقاب، وعظيمَ العذاب، وقد رأى أميرُ المؤمنين إتمامَ بلائه الجميلِ لديه، ورَبَّ نَعمائه السابقة عنده، لما يتعرَّفهُ أمير المؤمنين من حسن عائدة اللَّه عليه، وما يؤمِّله من الخير العاجل والآجل، عند العفو عمن ظلَم، والصفح عمن أساء، وقد وهب أمير المؤمنين مسيئَكم لمُحْسِنِكُم، وغادرَكم لوفيِّكم، وقال سهل بن هارون يوماً، وهو عند المأمون: من أصناف العلم ما لا ينبغي للمسلمين أن يرغَبوا فيه، وقد يُرغَب عن بعض العلم كما يرغَب عن بعض الحلال قال المأمون: قد يسمَّى بعض الشيء علماً وليس بعِلم، فإن كنتَ هذا أردتَ فوجهُه الذي ذكرناه، ولو قلتَ: العلم لا يُدْرك غَوره، ولا يُسبَر قعرُه، ولا تُبلغ غايتُه، ولا يستقصى أصنافُه، ولا يضبَط آخرهُ، فالأمر على ما قلت، فإذا كان الأمر كذلك فابدؤوا بالأهمّ فالأَهمّ، وابدؤوا بالفرض قبل الفضْل، فإذا فعلتُمْ ذلك كان عَدلاً، وقولاً صِدقاً، وقد قال بعض العلماء: اقصد من أصناف العلم إلى ماهو أشهَى إلى نفسك وأخفُّ على قلبك، فإنّ نفاذَك فيه على حسَب شهوتك له، وسهولتِه عليك، وقال أيضاً بعضُ الحكماء: لست أطلب العلم طمعاً في بلوغ غايته، والوقوفِ على نهايته، ولكن التماسَ ما لا يسع جهله، ولا يَحْسُنُ بالعاقل إغفالُه، وقال آخرون: عِلْم الملوك: النَّسبُ والخبر وجمل الفقه، وعِلم التُّجّار: الحسابُ والكِتاب، وعلم أصحاب الحرب: درس كُتُبِ المغازي وكتب السِّيرَ، فأمّا أنْ تسمِّيَ الشيءَ علماً وتَنهى عَنه من غير أن يكونَ يشغلُ عما هو أنفَعُ منه، بل تَنهى نهياً جَزْماً، وتأمر أمراً حتماً والعلم بصر، وخِلافهُ عمىً، والاستبانة للشّرِّ ناهيةٌ عنه، والاستبانة لخير آمرةٌ به، ولما قرأ المأمونُ كتبي في الإمامة فوجدها على ما أَمَر به، وصرتُ إليه وقد كان أمر اليزيديَّ بالنظر فيها ليخبره عنها، قال لي: قد كان بعضُ من يُرتَضَى عقلُه ويُصدَّق خبرُه خبَّرنا عن هذه الكتب بإحكام الصنعة وكثرة الفائدة، فقلنا له: قد تربي الصِّفة على العِيان، فلما رأيتُها رأيتُ العِيانَ قد أرْبى على الصِّفة، فلما فَلَيتها أربَى الفَلْيُ على العِيان كما أربى العِيان على الصفة، وهذا كتابٌ لا يحتاج إلى حضور صاحبه، ولايفتقر إلى المحتجِّين عنه، قد جَمَع استقصاءَ المعاني، واستيفاءَ جميعِ الحقوق، مع اللفظ الجَزْل، والمخرج السَّهل، فهو سوقيّ ملوكيّ، وعامّيّ خاصّيّ، ولما دخل عليه المرتدُّ الخراسانيّ وقد كان حمله معه من خُراسان حتَّى وافى به العراقَ، قال له المأمون: لأنْ أستحييَك بحقٍّ أحبُّ إليَّ من أن أقتُلَكَ بحقّ، ولأن أَقبَلك بالبرَاءة أحبُّ إليَّ من أن أدفعَك بالتهمة، قد كنتَ مسلِماً بعد أن كنتَ نصرانيّاً، وكنت فيها أَتْنَخَ وأيامُك أطول، فاستوحشتَ ممّا كنت به آنِساً ثم لم تلبثْ أن رَجعت عنّا نافراً، فخبِّرْنا عن الشّيء الذي أوْحَشَكَ من الشيء الذي صار آنَسَ لك من إلفكَ القديم، وأُنِسك الأوَّل، فإن وجدتَ عندنا دواءَ دائك تعالَجْتَ به، والمريضُ من الأطبّاء يحتاج إلى المشاورة، وإن أخطَأَك الشِّفاء ونبا عن دائك الدواء، كنت قد أعذرت ولم ترجِعْ على نفسك بلائمة، فإن قَتلناك قتلناك بحكم الشّريعة، أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثِّقة، وتعلم أنّك لم تقصِّرْ في اجتهاد، ولم تفرِّط في الدخول في باب الحزم، قال المرتدّ: أوحَشَني كثرةُ ما رأيت من الاختلاف فيكم قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كالاختلاف في الأَذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التشهُّد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق، ووجوهِ القراءات واختلاف في وجوه الفُتيا وما أشبَهَ ذلك، وليس هذا باختلاف، إنما هو تخييرٌ وتوسِعةٌ، وتخفيفٌ مِن المحنة، فمن أذَّن مَثنَى وأقام مثنى لم يُؤثَّم، ومَن أذّن مثنَى وأقام فُرادَى لم يُحَوَّب، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عِياناً وتشهد عليه بتاتاً، والاختلاف الآخَر كنحو اختلافِنا في تأويل الآيةِ من كتابنا، وتأويلِ الحديث عن نبيِّنا، مع إجماعنا على أصل التنزيل، واتِّفاقنا على عين الخَبر، فإنْ كان الذي أوحشَكَ هذا حتّى أنكرتَ من أجله هذا الكتابَ، فقد ينبغي أن يكون اللفظُ بجميع التَّواراة والإنجيل مُتَّفَقاً على تأويله، كما يكون مُتَّفَقاً على تنزيله، ولا يكونَ بين جميعِ النَّصارى واليهودِ اختلافٌ في شيء من التأويلات، وينبغي لك أن لا ترجعَ إلاّ إلى لغةٍ لا اختلاف في تأويل ألفاظها، ولو شاء اللُّهُ أن يُنزِلَ كتبَه ويَجعلَ كلامَ أنبيائه وورثَةِ رسله لا يحتاج إلى تفسيرٍ لفَعَل، ولكنّا لم نَرَ شيئاً من الدِّين والدُّنيا دُفِع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البَلوَى والمحنة، وذهبت المسابقَة والمنافسة، ولم يكن تفاضل، وليس على هذا بَنَى اللَّه الدنيا، قال المرتدّ: أشهد أنّ اللَّه واحد لا نِدَّ له ولا وَلَد، وأنَّ المسيح عبدُه، وأنّ محمداً صادقٌ، وأنك أميرُ المؤمنين حقّاً فأقبل المأمونُ على أصحابه فقال: فِرُوا عليه عِرضَه، ولا تَبرُّوه في يومه ريثما يَعتُقُ إسلامُه؛ كي لا يقولَ عدوّه إنّه أسلم رغبة، ولا تَنْسَوْا بعدُ نصيبكم من بِرِّه وتأنِيسه ونُصرتِه، والعائدةِ عليه، حدثنا أحمد بن أبي داود قال: قال لي المأمون: لا يستطيع الناسُ أن يُنصِفوا الملوكَ من وزرائهم، ولا يستطيعون أن ينظُروا بالعدل بين الملوك وحُماتهم وكُفاتهم، وبين صنائعهم وبِطانتهم، وذلك أنهم يرون ظاهرَ حرمةٍ وخدمةٍ، واجتهادٍ ونصيحة، ويرون إيقاعَ الملوك بهم ظاهراً، حتى لا يزالُ الرّجل يقول: ما أوقَعَ به إلاّ رغبةً في ماله، أو رغبةً في بعض ما لا تجود النفس به، ولعل الحسَد والملالة وشهوةَ الاستبدال، اشتركَتْ في ذلك، وهناك خياناتٌ في صُلب المُلْك، أو في بعض الحُرَم، فلا يستطيع الملكُ أن يكشف للعامّة موضعَ العورة في المُلْك، ولا أن يحتجَّ لتلك العقوبة بما يستحقُّ ذلك الذنب، ولا يستطيع الملكُ تركَ عقابِه، لما في ذلك من الفساد، على علمه بأنّ عُذرَه غير مبسوطٍ للعامّة، ولا معروفٍ عند أكثر الخاصّة، ونزل رجلٌ من أهل العسكر، فغَدَا بين يَدَي المأمون، وشكا إليه مَظْلِمتَه، فأشار بيده: أنْ حسبُك فقال له بعضُ مَن كان يقرُب من المأمون: يقول لك أميرُ المؤمنين: اركبْ، قال المأمون: لا يقال لمثل هذا: اركب، إنما يقال له: انصرف وحدّثني إبراهيم بن السَّنْدِيّ قال: بينا الحسن اللؤلؤيّ يحدِّث المأمونَ ليلاً وهو بالرَّقَّة، وهو يومئذ وليُّ عهد، وأطالَ الحسنُ الحديثَ حتى نَعَس المأمون، فقال الحسن: نَعَستَ أيُّها الأمير ففتح عينَيه وقال: سوقيٌّ وربِّ الكعبة يا غلام خُذ بيده،