اللفظ والاستعارة وشواهد تحليلية للمعنى

اعلم أنه لما كان الغلط الذي دخل على الناس في حديث اللفظ كالداء الذي يسري في العروق، ويفسد مزاج البدن، وجب أن يتوخى دائباً فيهم ما يتوخاه الطبيب في الناقه من تعهده بما يزيد في منته، ويبقيه على صحته، ويؤمنه النكس في علته. وقد علمنا أن أصل الفساد وسبب الآفة هو ذهابهم عن أن من شأن المعاني أن تختلف عليها الصور، وتحدث فيها خواص ومزايا من بعد أن لا تكون، فإنك ترى الشاعر قد عمد إلى معنى مبتذل، فصنع فيه ما يصنع الصانع الحاذق إذا هو أغرب في صنعة خاتم، وعمل شنف وغيرهما من أصناف الحلي. فإن جهلهم بذلك من حالها هو الذي أغواهم واستهواهم، وورطهم فيما تورطوا فيه من الجهالات، وأداهم إلى التعلق بالمحالات، وذلك أنهم لما جهلوا شأن الصورة، وضعوا لأنفسهم أساساً، وبنوا على قاعدة، فقالوا: إنه ليس إلا المعنى واللفظ ولا ثالث. وإنه إذا كان كذلك وجب إذا كان لأحد الكلامين فضيلة لا تكون للآخر، ثم كان الغرض من أحدهما هو الغرض من صاحبه أن يكون مرجع تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة، وأن يكون لها مرجع إلى المعنى من حيث إن ذلك زعموا يؤدي إلى التناقض، وأن يكون معناهما متغايراً وغير متغاير معاً. ولما أقروا هذا في نفوسهم حملوا كلام العلماء في كل ما نسبوا فيه الفضيلة إلى اللفظ على ظاهره، وأبوا أن ينظروا في الأوصاف التي أتبعوها نسبتهم الفضيلة إلى اللفظ مثل قولهم: لفظ متمكن غير قلق ولا ناب به موضعه. إلى سائر ما ذكرناه قبل، فيعلموا أنهم لم يوجبوا للفظ ما أوجبوه من الفضيلة، وهم يعنون نطق اللسان وأجراس الحروف. ولكن جعلوا كالمواضعة فيما بينهم أن يقولوا اللفظ، وهم يريدون الصورة التي تحدث في المعنى، والخاصة التي حدثت فيه، ويعنون الذي عناه الجاحظ حيث قال: وذهب الشيخ إلى استحسان المعاني، والمعاني مطروحة وسط الطريق يعرفها العربي والعجمي والحضري والبدوي، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير. وما يعنونه إذا قالوا: إنه يأخذ الحديث، فيشنفه ويقرطه، ويأخذ المعنى خرزة فيرده جوهرة، وعباءة فيجعله ديباجة، ويأخذه عاطلاً فيجعله حالياً. وليس كون هذا مرادهم بحيث كان ينبغي أن يخفى هذا الخفاء، ويشتبه هذا الاشتباه. ولكن إذا تعاطى الشيء غير أهله، وتولى الأمر غير البصير به، أعضل الداء، واشتد البلاء.

ولو لم يكن من الدليل على أنهم لم ينحلوا اللفظ الفضيلة وهم يريدونه نفسه، وعلى الحقيقة إلا واحد وهو وصفهم له بأنه يزين المعنى، وأنه حلي له لكان فيه الكفاية. وذاك أن الألفاظ أدلة على المعاني، وليس للدليل إلا أن يعلمك الشيء على ما يكون عليه. فأما أن يصير بالدليل على صفة لم يكن عليها، فمما لا يقوم في عقل، ولا يتصور في وهم.

ومما إذا تفكر فيه العاقل أطال التعجب من أمر الناس ومن شدة غفلتهم قول العلماء حيث ذكروا الآخذ والسرقة: إن من أخذ معنى عارياً فكساه لفظاً من عنده كان أحق به. وهو كلام مشهور متداول يقرؤه الصبيان في أول كتاب عبد الرحمن. ثم لا ترى أحداً من هؤلاء الذين لهجوا بجعل الفضيلة في اللفظ يفكر في ذلك فيقول: من أين يتصور أن يكون هاهنا معنى عار من لفظ يدل عليه، ثم من أين يعقل أن يجيء الواحد منا لمعنى من المعاني بلفظ من عنده، إن كان المراد باللفظ نطق اللسان، ثم هب أنه يصح له أن يفعل ذلك، فمن أين يجب إذا وضع لفظاً على معنى أن يصير أحق من صاحبه الذي أخذه منه، إن كان هو لا يصنع بالمعنى شيئاً، ولا يحدث فيه صفة، ولا يكسبه فضيلة. وإذا كان كذلك فهل يكون لكلامهم هذا وجه سوى أن يكون اللفظ في قولهم: فكساه لفظاً من عنده كان عبارة عن صورة يحدثها الشاعر أو غير الشاعر للمعنى؟ فإن قالوا: بلى يكون، وهو أن يستعير للمعنى لفظاً قيل: الشأن في أنهم قالوا: إذا أخذ معنى عارياً، فكساه لفظاً من عنده كان أحق به.

والاستعارة عندكم مقصورة على مجرد اللفظ، ولا ترون المستعير يصنع بالمعنى شيئاً وترون أنه لا يحدث فيه مزية على وجه من الوجوه. وإذا كان كذلك فمن أين ليت شعري يكون أحق به، فاعرفه.

ثم إن أردت مثالاً في ذلك فإن من أحسن شيء فيه ما صنع أبو تمام في بيت أبي نخيلة. وذلك أن أبا نخيلة قال في مسلمة بن عبد الملك، من الطويل:

أمسلم إني يابن كـل خـلـيفة

 

ويا جبل الدنيا ويا واحد الأرض

شكرتك إن الشكر حبل من التقى

 

وما كل من أوليته صالحاً يقضي

وأنبهت لي ذكري وما كان خاملاً

 

ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

فعمد أبو تمام إلى هذا البيت الأخير فقال، من الطويل:

لقد زدت أوضاحي امتداداً ولم أكـن

 

بهيماً ولا أرضى من الأرض مجهلا

ولكن أياد صادفتنـي جـسـامـهـا

 

أغر فأوفت بي أغـر مـحـجـلا

وفي كتاب الشعر والشعراء للمرزباني فصل في هذا المعنى حسن، قال: ومن الأمثال القديمة قولهم: "حراً أخاف على جاني كمأة لا قراً" يضرب مثلاً للذي يخاف من شيء، فيسلم منه ويصيبه غيره مما لم يخفه، فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال، من الكامل:

وحذرت من أمر فمر بجانبي

 

لم ينكني ولقيت مالم أحـذر

وقال لبيد، من المنسرح:

أخشى على أربد الحتوف ولا

 

أرهب نوء السماك والأسـد

قال: وأخذه البحتري فأحسن وطغى اقتداراً على العبارة، واتساعاً في المعنى، فقال، من الكامل:

لو أنني أوفي التجارب حقها

 

فيما أرت لرجوت ما أخشاه

وشبيه بهذا الفصل فصل آخر من هذا الكتاب أيضاً.

أنشد لإبراهيم بن المهدي، من السريع:

يامن لقلب صيغ من صخرة

 

في جسد من لؤلؤ رطـب

جرحت خديه بلحظي فـمـا

 

برحت حتى اقتص من قلبي

ثم قال: قال علي بن هارون: أخذه أحمد بن فنن معنى ولفظاً فقال، من الكامل:

أدميت باللحظات وجنتـه

 

فاقتص ناظره من القلب

قال: ولكنه بنقاء عبارته وحسن مأخذه قد صار أولى به.

ففي هذا دليل لمن عقل أنهم لا يعنون بحسن العبارة مجرد اللفظ، ولكن صورة وصفة وخصوصية تحدث في المعنى، وشيئاً طريق معرفته على الجملة العقل دون السمع، فإنه على كل حال لم يقل في البحتري إنه أحسن فطغى اقتداراً على العبارة من أجل حروف أنني أوفي التجارب حقها.
وكذلك لم يصف ابن أبي فنن بنقاء العبارة من أجل حروف:

أدميت باللحظات وجنته

واعلم أنك إذا سبرت أحوال هؤلاء الذين زعموا أنه إذا كان المعبر عنه واحداً والعبارة اثنتين، ثم كانت إحدى العبارتين أفصح من الأخرى وأحسن، فإنه ينبغي أن يكون السبب كونها أفصح وأحسن اللفظ نفسه، وجدتهم قد قالوا ذلك من حيث قاسوا الكلامين على الكلمتين. فلما رأوا أنه إذا قيل في الكلمتين إن معناهما واحد لم يكن بينهما تفاوت، ولم يكن المعنى في إحداهما حال لا يكون له في الأخرى، ظنوا أن سبيل الكلامين هذا السبيل ولقد غلطوا فأفحشوا لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين مثل صورته في الآخر البتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة منه لفظة معناها، ولا يعرض لنظمه وتأليفه، كمثل أن يقول في بيت الحطيئة، من البسيط:

دع المكارم لا ترحل لبغيتـهـا

 

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

ذر المفاخر لا تذهب لمطلبهـا

 

واجلس فإنك أنت الآكل اللابس

وما كان هذا سبيله كان بمعزل من أن يكون به اعتداد، وأن يدخل في قبيل ما يفاضل فيه بين عبارتين، بل لا يصح أن يجعل ذلك عبارة ثانية، ولا أن يجعل الذي يتعاطاه بمحل من يوصف بأنه أخذ معنى. ذلك لأنه لا يكون بذلك صانعاً شيئاً يستحق أن يدعى من أجله واضع كلام ومستأنف عبارة، وقائل شعر. ذاك لأن بيت الحطيئة لم يكن كلاماً وشعراً من أجل معاني الألفاظ المفردة التي تراها فيه مجردة معراة من معاني النظم والتأليف، بل منها متوخى فيها ما ترى من كون المكارم مفعولاً لدع، وكون قوله: لا ترحل لبغيتها جملة أكدت الجملة قبلها، وكون اقعد معطوفاً بالواو على مجموع ما مضى، وكون جملة أنت الطاعم الكاسي معطوفة بالفاء على اقعد. فالذي يجيء فلا يغير شيئاً من هذا الذي به ن كلاماً وشعراً، لا يكون قد أتى بكلام ثان وعبارة ثانية، بل لا يكون قد قال من عند نفسه شيئاً البتة.
 وجملة الأمر أنه كما لا تكون الفضة أو الذهب خاتماً أو سواراً أو غيرهما من أصناف الحلي بأنفسهما، ولكن بما يحدث فيهما من الصورة. كذلك لا تكون الكلم المفردة التي هي أسماء وحروف كلاماً وشعراً من غير أن يحدث فيها النظم الذي حقيقته توخي معاني النحو وأحكامه. فإذاً ليسلمن يتصدى لما ذكرنا من أن يعمد إلى بيت، فيضع مكان كل لفظة منها لفظة في معناها إلا أن يسترك عقله ويستخف ويعد معد الذي حكي أنه قال: إني قلت بيتاً هو أشعر من بيت حسان. قال حسان، من الكامل:

يغشون حتى ماتهر كلابهم

 

لايسألون عن السواد المقبل

وقلت:

يغشون حتى كما تهر كلابهم

 

أبداً ولا يسلون من ذا المقبل

فقيل: هو بيت حسان، ولكنك قد أفسدته! واعلم أنه إنما أتي القوم من قلة نظرهم في الكتب التي وضعها العلماء في اختلاف العبارتين على المعنى الواحد، وفي كلامهم في أخذ الشاعر من الشاعر، وفي أن يقول، الشاعران على الجملة في معنى واحد، وفي الأشعار التي دونوها في هذا المعنى. ولو أنهم كانوا أخذوا أنفسهم بالنظر في تلك الكتب وتدبروا ما فيها حق التدبر لكان يكون ذلك قد أيقظهم من غفلتهم، وكشف الغطاء عن أعينهم.

وقد أردت أن أكتب جملة من الشعر الذي أنت ترى الشاعرين فيه قد قالا في معنى واحد. وهو ينقسم قسمين: قسم أنت ترى أحد الشاعرين فيه قد أتى بالمعنى غفلاً ساذجاً، وترى الآخر قد أخرجه في صورة تروق وتعجب. وقسم أنت ترى كل واحد من الشاعرين قد صنع في المعنى وصور.

وأبدأ بالقسم الأول الذي يكون المعنى في أحد البيتين غفلاً وفي الآخر مصوراً مصنوعاً، ويكون ذلك إما لأن متأخراً قصر عن متقدم، وإما لأن هدي متأخر لشيء لم يهتد إليه المتقدم، ومثال ذلك قول المتنبي، من السريع:

بئس الليالي سهدت من طربي

 

شوقاً إلى من يبيت يرقدهـا

مع قول البحتري، من الكامل:

ليل يصادفني ومرهفة الحشا

 

ضدين أسهره لها وتنامـه

وقول البحتري، من البسيط:

ولو ملكت زماعاً ظل يجذبنـي

 

قوداً لكان ندى كفيك من عقلي

مع قول المتنبي، من الطويل:

وقيدت نفسي في ذراك محبة

 

ومن وجد الإحسان قيداً تقيدا

وقول المتنبي، من الكامل:

إذا اعتل سيف الدولة اعتلت الأرض

 

ومن فوقها والبأس والكرم المحض

مع قول البحتري، من الكامل:

ظللنا نعود الجود من وعكك الـذي

 

وجدت وقلنا: اعتل عضو من المجد

وقول المتنبي، من الكامل:

يعطيك مبتدئاً فإن أعجـلـتـه

 

أعطاك معتذراً كمن قد أجرما

مع قول أبي تمام، من الكامل:

أخو عزمات فعله فعل محسن

 

إلينا ولكن عذره عذر مذنب

وقول المتنبي، من الطويل:

كريم متى استوهبت ما أنت راكب

 

وقد لقحت حرب فإنـك نـازل

مع قول البحتري، من البسيط:

ماض على عزمه في الجود لو وهب ال

 

شباب يوم لقاء الـبـيض مـا نـدمـا

وقول المتنبي، من الخفيف:

والذي يشهد الوغى ساكن القل

 

ب كأن القتال فـيهـا ذمـام

مع قول البحتري، من الطويل:

لقد كان ذاك الجأش جأش مسالم

 

على أن ذاك الزي زي محارب

وقول أبي تمام، من الكامل:

الصبح مشهور بغير دلائل

 

من غيره ابتغيت ولا أعلام

مع قول المتنبي، من الوافر:

وليس يصح في الأذهان شيء

 

إذا احتاج النهار إلى دلـيل

وقول أبي تمام، من الوافر:

وفي شرف الحديث دليل صدق

 

لمختبر على الشرف القـديم

مع قول المتنبي، من البسيط:

أفعاله نسب لو لـم يقـل مـعـهـا

 

جدي الخصيب عرفنا العرق بالغصن

وقول البحتري، من الكامل:

وأحب آفاق البلاد إلى الفتـى

 

أرض ينال بها كريم المطلب

مع قول المتنبي، من الطويل:

وكل امرىء يولي الجميل محبب

 

وكل مكان ينبت العـز طـيب

وقول المتنبي، من الطويل:

يقر له بالفضـل مـن لا يوده

 

ويقضي له بالسعد من لا ينجم

مع قول البحتري، من الكامل:

لا أدعي لأبي العلاء فضيلة

 

حتى يسلمها إلـيه عـداه

وقول خالد الكاتب، من المتقارب:  

رقدت ولم ترث للساهر

 

وليل المحب بلا آخـر

مع قول بشار، من الطويل:

لخديك من كفيك في كـل لـيلة

 

إلى أن ترى ضوء الصباح وساد

تبيت تراعي الليل ترجو نـفـاده

 

وليس لليل العاشـقـين نـفـاد

وقول أبي تمام، من الوافر:

ثوى بالمشرقين لهم ضجاج

 

أطار قلوب أهل المغربين

وقول البحتري، من الطويل:

تناذر أهل الشرق منـه وقـائعـاً

 

أطاع لها العاصون في بلد الغرب

مع قول مسلم، من البسيط:

لما نزلت على أدنى ديارهم

 

ألقى إليك الأقاصي بالمقاليد

وقول محمد بن بشير، من البسيط:

افرغ لحاجتنا مادمت مشغـولاً

 

فلو فرغت لكنت الدهر مبذولا

مع قول أبي علي البصير، من الطويل:

فقل لسعيد أسعد الـلـه جـده:

 

لقد رث حتى كاد ينصرم الحبل

فلا تعتذر بالشغل عنا فـإنـمـا

 

تناط بك الآمال ما اتصل الشغل

وقول البحتري، من الكامل:

من غادة منعت وتمنع وصلها

 

فلو أنها بذلت لنا لم تـبـذل

مع قول ابن الرومي، من مجزوء الكامل:

ومن البلـية أنـنـي

 

علقت ممنوعاً منوعا

وقول أبي تمام، من الطويل:

لئن كان ذنبي أن أحسن مطلبـي

 

أساء ففي سوء القضاء لي العذر

مع قول البحتري، من البسيط:

إذا محاسني الـلاتـي أدل بـهـا

 

كانت ذنوبي فقل لي: كيف اعتذر؟

وقول أبي تمام، من البسيط:

قد يقدم العير من ذعر على الأسد

مع قول البحتري، من الطويل:

فجاء مجيء العير قادتـه حـيرة

 

إلى أهرت الشدقين تدمى أظافره

وقول معن بن أوس، من الطويل:

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد

 

إليه بوجه آخر الـدهـر تـقـبـل

مع قول العباس بن الأحنف، من البسيط:

نقل الجبال الرواسي من أماكنها

 

أخف من رد قلب حين ينصرف

وقول أمية بن أبى الصلت، من الطويل:

عطاؤك زين لامرىء إن أصبته

 

بخير وما كل العطـاء يزين!

مع قول أبي تمام، من البسيط:

تدعى عطاياه وفراً وهي إن شهرت

 

كانت فخاراً لمن يعفوه مؤتنـفـاً

ما زلت منتظراً أعجوبة عـنـنـاً

 

حتى رأيت سؤالاً يجتنى شـرفـا

وقول جرير، من الطويل:

بعثن الهوى ثم ارتمين قلوبنا

 

بأسهم أعداء وهن صـديق

مع قول أبي نواس، من الطويل:

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت

 

له عن عدو في ثياب صديق

وقول كثير، من الطويل:

إذا ما أرادت خلة أن تزيلنا

 

أبينا وقلنا: الحاجبـية أول

مع قول أبي تمام، من الكامل:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

 

ما الحب إلا للـحـبـيب الأول

وقول المتنبي، من الطويل:

وعند من اليوم الوفاء لصاحب

 

شبيب وأوفى من ترى أخوان

مع قول أبي تمام، من الطويل:

فلا تحسبا هنداً لها الغدر وحدها

 

سجية نفسة كل غانية هـنـد

وقول البحتري، من الطويل:

ولم أر في رنق الصرى لي مورداً

 

فحاولت ورد النيل عند احتفـالـه

مع قول المتنبي، من الطويل:

قواصد كافور تـوارك غـيره

 

ومن قصد البحر استقل السواقيا

وقول المتنبي، من المنسرح:

كأنما يولد الندى معهـم

 

لا صغر عاذر ولا هرم

مع قول البحتري، من الطويل:

عريقون في الإفضال يؤتنف الندى

 

لناشئهم من حيث يؤتنف العمـر

وقول البحتري، من الطويل:

فلا تغلين بـالـسـيف كـل غـلائه

 

ليمضي، فإن الكف، لا السيف، تقطع

مع قول المتنبي، من الطويل:

إذا الهند سوت بين سيفي كريهة

 

فسيفك في كف تزيل التساويا

وقول البحتري، من الكامل:

ساموك من حسد فأفضل منهـم

 

غير الجواد وجاد غير المفضل

فبذلت فينا ما بذلت سـمـاحة

 

وتكرماً، وبذلت ما لـم يبـذل

مع قول أبي تمام، من الطويل:

أرى الناس منهاج الندى بعدما عفت

 

مهايعه المثلى ومحت لـواحـبـه

ففي كل نجد في البلاد وغـائر

 

مواهب ليست منه وهي مواهبه

وقول المتنبي، من البسيط:

بيضاء تطمع فيما تحت حلتها

 

وعز ذلك مطلوباً إذا طلبـا

مع قول البحتري، من الكامل:

تبدو بعطفة مطمع حـتـى إذا

 

شغل الخلي ثنت بصدفة مؤيس

وقول المتنبي، من الكامل:

إذكار مثلك ترك إذكاري له

 

إذ لا تريد لما أريد مترجما

مع قول أبي تمام، من الخفيف:

وإذا المجد كان عوني على المر

 

ء تقاضيته بترك التقـاضـي

وقول أبي تمام، من الكامل:

فنعمت من شمس إذا حجبت بدت

 

من خدرها فكأنها لم تحـجـب

مع قول قيس بن الخطيم، من المنسرح:

قضى لها الله حين صورها ال

 

خالق ألا يكـنـهـا سـدف

وقول المتنبي، من الخفيف:

راميات بأسهم ريشها الهـد

 

ب تشق القلوب قبل الجلود

مع قول كثير، من الطويل:

رمتني بسهم ريشه الكحل لـم يجـز

 

ظواهر جلدي وهو في القلب جارح

وقول بعض شعراء الجاهلية، ويعزى إلى لبيد، من الكامل:

ودعوت ربي بالسلامة جاهداً

 

ليصحني فإذا السـلامة داء

مع قول أبي العتاهية، من الرجز:

أسرع في نقص امرىء تمامه

 

تدبر في إقبـالـهـا أيامـه

وقوله، من مجزوء الكامل:

أقلل زيارتك الـحـبـي

 

ب تكون كالثوب استجده

إن الـصـديق يمـلـه

 

أن لا يزال يراك عنـده

مع قول أبي تمام، من الطويل:

وطول مقام المرء في الحي مخلق

 

لديباجتيه فاغـتـرب تـتـجـدد

وقول الخريمي، من الرمل:

زاد معروفك عندي عظمـاً

 

أنه عندك محقور صـغـير

تتنـاسـاه كـأن لـم تـأتـه

 

وهو عند الناس مشهور كبير

مع قول المتنبي، من المنسرح:

تظن من فقدك اعتدادهم

 

أنهم أنعموا وماعلمـوا

وقول البحتري، من الوافر:

ألم تر للنوائب كيف تسمـو

 

إلى أهل النوافل والفضول؟

مع قول المتنبي، من البسيط:

أفاضل الناس أغراض لذا الزمن

 

يخلو من الهم أخلاهم من الفطن

وقول المتنبي، من الطويل:

تذلل لها واخضع على القرب والنوى

 

فما عاشق مـن لا يذل ويخـضـع

مع قول بعض المحدثين، من مجزوء الرمل:

كن إذا أحببت عبـداً

 

للذي تهوى مطيعـا

لن تنال الوصل حتى

 

تلزم النفس الخضوعا

وقول مضرس بن ربعي، من الطويل:

لعمرك إني بالخليل الذي لـه

 

علي دلال واجب لمفـجـع

وإني بالمولى الذي ليس نافعي

 

ولا ضائري فقدانه لممـتـع

مع قول المتنبي، من الطويل:

أما تغلط الأيام في بأن أرى

 

بغيضاً ثنائي أو حبيباً تقرب

وقول المتنبي، من البسيط:

مظلومة القد في تشبيهه غصنـاً

 

مظلومة الريق في تشبيهه ضربا

مع قوله، من الطويل:

إذانحن شبهناك بالبدر طـالـعـاً

 

بخسناك حظاً أنت أبهى وأجمـل

ونظلم إن قسناك بالليث في الوغى

 

لأنك أحمى للحـريم وأبـسـل

القسم الثاني: ذكر ما أنت ترى فيه في كل واحد من البيتين صنعة وتصويراً وأستاذية على الجملة فمن ذلك وهو من النادر قول لبيد، من الرمل:

واكذب النفس إذا حدثـتـهـا

 

إن صدق النفس يزري بالأمل

مع قول نافع بن لقيط، من الكامل:

وإذا صدقت النفس لم تترك لها

 

أملاً ويأمل ما اشتهى المكذوب

وقول رجل من الخوارج أتي به الحجاج في جماعة من أصحاب قطري فقتلهم ومن عليه ليد كانت عنده، وعاد إلى قطري فقال له قطري: عاود قتال عدو الله الحجاج فأبى وقال، من الكامل:

أأقاتل الحجاج عن سلـطـانـه

 

بيد تقر بـأنـهـا مـولاتـه؟

ماذا أقـول إذا وقـفـت إزاؤه

 

في الصف واحتجت له فعلاته؟

وتحدث الأقوام أن صـنـائعـاً

 

غرست لدي فحنظلت نخلاته؟

مع قول أبي تمام، من الطويل:

أسربل هجر القول من لو هجوته

 

إذا لهجاني عنه معروفه عنـدي

وقول النابغة، من الطويل:  

إذا ما غدا با لجيش حلق فوقـه

 

عصائب طير تهتدي بعصائب

جوانح قد أيقـن أن قـبـيلـه

 

إذا ما التقى الصفان أول غالب

مع قول أبي نواس، من مجزوء الرمل:

وإذا مج القـنـا عـلـقـاً

 

وتراءى الموت في صوره

راح في ثنيي مفاضـتـه

 

أسد يدمى شبـا ظـفـره

تتـأيا الـطـير غـدوتـه

 

ثقة بالشبع مـن جـزره

المقصود البيت الأخير. وحكى المرزباني قال: حدثني عمرو الوراق: رأيت أبا نواس ينشد قصيدته التي أولها:

أيها المنتاب عن عفره

فحسدته. فلم بلغ إلى قوله:

تتأيا الطير غـدوتـه

 

ثقة بالشبع من جزره

قلت له: ما تركت للنابغة شيئاً حيث يقول: إذا ما غدا بالجيش: البيتين فقال اسكت، فلئن كان سبق فما أسأت الاتباع.

وهذا الكلام من أبي نواس دليل بين في أن المعنى ينقل من صورة إلى صورة. ذاك لأنه لو كان لا يكون قد صنع بالمعنى شيئاً لكان قوله: فما أسأت الاتباع: محالاً. لأنه على كل حال لم يتبعه في اللفظ. ثم إن الأمر ظاهر لمن نظر في أنه قد نقل المعنى عن صورته التي هو عليها في شعر النابغة إلى صورة أخرى، وذلك أن هاهنا معنيين: أحدهما أصل، وهو علم الطير بأن الممدوح إذا غزا عدواً كان الظفر له، وكان هو الغالب. والآخر فرع، وهو طمع الطير في أن تتسع عليها المطاعم، من لحوم القتلى. وقد عمد النابغة إلى الأصل الذي هو علم الطير بأن الممدوح يكون الغالب، فذكره صريحاً، وكشف عن وجهه. واعتمد في الفرع الذي هو طمعها في لحوم القتلى. وإنها لذلك تحلق فوقه على دلالة الفحوى. وعكس أبو نواس القصة فذكر الفرع الذي هو طمعها في لحوم القتلى صريحاً، فقال كما ترى:

ثقة بالشبع من جزره

وعول في الأصل الذي هو علمها بأن الظفر يكون للممدوح على الفحوى، ودلالة الفحوى على علمها أن الظفر يكون للممدوح هي في أن قال: من جزره. وهي لا تثق بأن شبعها يكون من جزر الممدوح، حتى تعلم أن الظفر يكون له. أفيكون شيء أظهر من هذا في النقل عن صورة إلى صورة؟ أرجع إلى النسق. ومن ذلك قول أبي العتاهية، من الخفيف:

شيم فتحت من المدح ما قد

 

كان مستغلقاً على المداح

مع قول أبي تمام، من الكامل:

نظمت له خرز المديح مواهب

 

ينفثن في عقد اللسان المفحـم

وقول أبي وجزة، من الوافر:

أتاك المجد من هنا وهنـا

 

وكنت له كمجتمع السيول

مع قول منصور النمري، من البسيط:

إن المكارم والمعروف أودية

 

أحلك الله منها حيث تجتمع

وقول بشار، من البسيط:

الشيب كره وكره أن يفـارقـنـي

 

أعجب بشيء على البغضاء مودود

مع قول البحتري، من الوافر:

تعيب الغانيات علي شيبـي

 

ومن لي أن أمتع بالمعيب؟

وقول أبي تمام، من الوافر:

يشتاقه من كمالـه غـده

 

ويكثر الوجد نحوه الامس

مع قول ابن الرومي، من الطويل:

إمام يظل الأمس يعمل نحوه

 

تلفت ملهوف ويشتاقه الغد

لا تنظر إلى أنه قال: يشتاقه الغد، فأعاد لفظ أبي تمام، ولكن النظر إلى قوله يعمل نحوه تلفت ملهوف.
وقول أبي تمام، من الطويل:

لئن ذمت الأعداء سوء صباحهـا

 

فليس يؤدي شكرها الذئب والنسر

مع قول المتنبي، من المتقارب:

وأنبت منهم ربيع السباع

 

فأثنت بإحسانك الشامل

وقول أبي تمام، من البسيط:

ورب نائي المغاني روحـه أبـداً

 

لصيق روحي، ودان ليس بالداني

مع قول المتنبي، من الوافر:

لنا ولأهله أبـداً قـلـوب

 

تلاقى في جسوم ما تلاقى

وقول أبي هفان، من الرمل:

أصبح الدهر مسيئاً كلـه

 

ما له إلا ابن يحيى حسنه

مع قول المتنبي، من الطويل:

أزالت بك الأيام عتبي كأنمـا

 

بنوها لها ذنب وأنت لها عذر

وقول علي بن جبلة، من الكامل:

وأرى الليالي ما طوت من قوتي

 

ردته في عظتي وفي إفهامـي

مع قول ابن المعتز، من المتقارب:

وما ينتقص من شباب الرجال

 

يزد في نهاها وألبـابـهـا

وقول بكر بن النطاح، من الطويل:  

لو لم يكن في كفه غير روحه

 

لجاد بها فليتق الله سـائلـه

مع قول المتنبي، من المنسرح:

إنك من معشر إذا وهبـوا

 

ما دون أعمارهم فقد بخلوا

وقول البحتري، من الطويل:

ومن ذا يلوم البحر أن بـات زاخـراً

 

يفيض وصوب المزن أن راح يهطل

مع قول المتنبي، من البسيط:

وما ثناك كلام النـاس عـن كـرم

 

ومن يسد طريق العارض الهطل؟

وقول الكندي، من الكامل:

عزوا وعز بعزهم من جاوروا

 

فهم الذرى وجماجم الهامـات

إن يطلبوا بتراتهم يعطوا بهـا

 

أو يطلبوا لا يدركوا بتـرات

مع قول المتنبي، من الطويل:

تفيت الليالي كل شيء أخذته

 

وهن لما يأخذن منك غوارم

وقول أبي تمام، من الطويل:

إذا سيفه أضحى على الهام حاكمـاً

 

غدا العفو منه وهو في السيف حاكم

مع قول المتنبي، من الكامل:

له من كريم الطبع في الحرب منتض

 

ومن عادة الإحسان والصفح غامـد

فانطر الآن نظر من نفى الغفلة عن نفسه، فإنك ترى عياناً أن للمعنى في كل واحد من البيتين من جميع ذلك صورة وصفة غير صورته وصفته في البيت الآخر. وأن العلماء لم يريدوا حيث قالوا: إن المعنى في هذا هو المعنى في ذاك، أن الذي تعقل من هذا لا يخالف الذي تعقل من ذاك. وأن المعنى عائد عليك في البيت الثاني على هيئته وصفته التي كان عليها في البيت الأول، وأن لا فرق ولا فصل ولا تباين بوجه من الوجوه، وأن حكم البيتين مثلاً حكم الاسمين قد وضعا في اللغة لشيء واحد كالليث والأسد. ولكن قالوا ذلك على حسب ما يقوله العقلاء في الشيئين يجمعهما جنس واحد، ثم يفترقان بخواص ومزايا وصفات كالخاتم والخاتم، والشنف والشنف، والسوار والسوار، وسائر أصناف الحلي التي يجمعها جنس واحد، ثم يكون بينها الاختلاف الشديد في الصنعة والعمل.

ومن هذا الذي ينظر إلى بيت الخارجي وبيت أبي تمام فلا يعلم أن صورة المعنى في ذلك غير صورته في هذا. كيف والخارجي يقول: واحتجت له فعلاته. ويقول أبو تمام:

إذا لهجاني عنه معروفه عندي

ومتى كان احتج وهجا واحداً في المعنى، وكذلك الحكم في جميع ما ذكرناه، فليس يتصور في نفس عاقل أن يكون قول البحتري:

وأحب آفاق البلاد إلى الفتـى

 

أرض ينال بها كريم المطلب

وقول المتنبي:

وكل مكان ينبت العز طيب

سواء.

واعلم أن قولنا: الصورة، إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا. فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان، وفرس من فرس، بخصوصية تكون في صورة هذا لا تكون في صورة ذاك. وكذلك كان الأمر في المصنوعات، فكان تبين خاتم من خاتم، وسوار من سوار بذلك. ثم وجدنا بين المعنى في أحد البيتين وبينه في الآخر بينونة في عقولنا، وفرقاً عبرنا عن ذلك الفرق وتلك البينونة بأن قلنا: للمعنى في هذا صورة غير صورته في ذلك. وليس العبارة عن ذلك بالصورة شيئاً نحن ابتدأناه، فينكره منكر، بل هو مستعمل مشهور في كلام العلماء. ويكفيك قول الجاحظ: وإنما الشعر صناعة وضرب من التصوير.

واعلم أنه لو كان المعنى في أحد البيتين يكون على هيئته وصفته في البيت الآخر وكان التالي من الشاعرين يجيئك به معاداً على وجهه لم يحدث فيه شيئاً، ولم يغير له صفة لكان قول العلماء في شاعر: إنه أخذ المعنى من صاحبه فأحسن وأجاد. وفي أخر: إنه أساء وقصر لغواً من القول من حيث كان محالاً أن يحسن أو يسيء في شيء لا يصنع به شيئاً وكذلك كان يكون جعلهم البيت نظيراً للبيت ومناسباً له خطأ منهم، لأنه محال أن يناسب الشيء نفسه، وأن يكون نظيراً لنفسه. وأمر ثالث وهو أنهم يقولون في واحد: إنه أخذ المعنى فظهر أخذه، وفي آخر: إنه أخذه فأخفى أخذه. ولو كان المعنى يكون معاداً على صورته وهيئته، وكان الآخذ له من صاحبه لا يصنع شيئاً، غير أن يبدل لفظاً مكان لفظ لكان الإخفاء فيه محالاً. لأن اللفظ لا يخفي المعنى، وإنما يخفيه إخراجه في صورة غير التي كان عليها. مثال ذلك أن القاضي أبا الحسن ذكر فيما ذكر فيه تناسب المعاني بيت أبي نواس، من مجزوء الرمل:

حليت والحسن تأخذه

 

تنتقي منه وتنتخب

 وبيت عبد الله بن مصعب، من الوافر:

كأنك جئت محتكماً عليهم

 

تخير في الأبوة ما تشاء

وذكر أنهما معاً من بيت بشار، من الطويل:

خلقت على مافي غير مخـير

 

هواي، ولو خيرت كنت المهذبا

والأمر في تناسب هذه الثلاثة ظاهر. ثم إنه ذكر أن أبا تمام قد تناوله فأخفاه، وقال، من الوافر:

فلو صورت نفسك لم تزدها

 

على مافيك من كرم الطباع

ومن العجب في ذلك ما تراه إذا أنت تأملت قول أبي العتاهية، من الكامل:

جزي البخيل علي صـالـحة

 

عني لخفته على ظـهـري

أعلى وأكـرم عـن يديه يدي

 

فعلت ونزه قـدره قـدري

ورزقت من جدواه عـافـية

 

أن لايضيق بشكره صـدري

وغنيت خلواً من تفـضـلـه

 

أحنو عليه بأحسن الـعـذر

ما فاتني خير امرىء وضعت

 

عني يداه مؤونة الـشـكـر

ثم نظرت إلى قول الذي يقول، من المنسرح:

أعتقني سوء ما صنعت من الر

 

رق فيا بردها على كـبـدي

فصرت عبداً للسوء فيك ومـا

 

أحسن سوءاً قبلي إلـى أحـد

ومما هو في غاية الندرة من هذا الباب ما صنعه الجاحظ بقول نصيب، من الطويل:

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

حين نثره فقال: وكتب به إلى ابن الزيات: نحن أعزك الله نسحر بالبيان، ونموه بالقول. والناس ينظرون إلى الحال، ويقضون بالعيان. فأثر في أمرنا أثراً ينطق إذا سكتنا، فإن المدعي بغير بينة متعرض للتكذيب.

وهذه جملة من وصفهم للشعر وعمله وإدلالهم به: أبو حية النمري، من الكامل:

إن القصائد قد علمن بـأنـنـي

 

صنع اللسان بهن لا أتنـحـل

وإذا ابتدأت عروض نسج ريض

 

جعلت تذل لما أريد وتسـهـل

حتى تطاوعني، ولو يرتاضهـا

 

غيري لحاول صعبة لا تقبـل

تميم بن مقبل، من الطويل:

إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى

 

لها قائلاً بعدي أطب وأشـعـرا

وأكثر بيتاً سائراً ضـربـت لـه

 

حزون جبال الشعر حتى تيسـرا

أغر غريباً يمسح الناس وجـهـه

 

كما تمسح الأيدي الأغر المشهرا

عدي بن الرقاع، من الكامل:

وقصيدة قد بت أجمع بينهـا

 

حتى أقوم ميلها وسنـادهـا

نظر المثقف في كعوب قناته

 

حتى يقيم ثقافه مـنـآدهـا

كعب بن زهير، من الطويل:

فمن للقوافي شانها من يحوكها

 

إذا ما ثوى كعب وفوز جرول

يقومها حتى تلين متـونـهـا

 

فيقصر عنها كل ما يتمـثـل

بشار، من الطويل:

عميث جنيناً والذكاء من العمـى

 

فجئت عجيب الظن للعلم موئلا

وغاض ضياء العين للعلم رافـداً

 

لقلب إذا ما ضيع الناس حصلا

وشعر كنور الروض لاءمت بينه

 

بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا

وله، من المنسرح:

زور ملـوك عـلـيه أبـهة

 

يغرف من شعره ومن خطبه

لله ما راح في جـوانـحـه

 

من لؤلؤ لا ينام عن طلـبـه

يخرج من فيه للندي كـمـا

 

يخرج ضوء النهار من لهبه

أبو شريح العمير، من الوافر:

فإن أهلك فقد أبقيت بعدي

 

قوافي تعجب المتمثلـينـا

لذيذات المقاطع محكمـات

 

لو أن الشعر يلبس لارتدينا

الفرزدق من الوافر:

بلغن الشمس حين تكون شرقاً

 

ومسقط قرنها من حيث غابا

بكل ثنـية وبـكـل ثـغـر

 

غرائبهن تنتسب انتـسـابـا

ابن ميادة، من الطويل:

فجرنا ينابيع الكـلام وبـحـره

 

فأصبح فيه ذو الرواية يسـبـح

وما الشعر إلا شعر قيس وخندف

 

وشعر سواهم كلفة وتـمـلـح

وقال عقال بن هشام القيني يرد عليه، من الطويل:

ألا بلغا الرماح نقـض مـقـالة

 

بها خطل الرماح أو كان يمـزح

لئن كان في قيس وخندف ألسـن

 

طوال وشعر سائر لـيس يقـدح

لقد خرق الحي اليمانون قبلـهـم

 

بحور الكلام تستقى وهي طفـح

وهم علموا من بعدهم فتعلـمـوا

 

وهم أعربوا هذا الكلام وأوضحوا

فللسابقين الفضل لاتجحدونه

 

وليس لمسبوق عليهم تبجح

أبو تمام، من الطويل:

كشفت قناع الشعر عن حر وجهه

 

وطيرته عن وكره وهو واقـع

بغر يراها من يراها بسـمـعـه

 

ويدنو إليها ذو الحجا وهو شاسع

يود وداداً أن أعضاء جـسـمـه

 

إذا أنشدت شوقاً إليها مسـامـع

وله، من الكامل:

حذاء تمـلأ كـل أذن حـكـمة

 

وبـلاغة، وتـدر كــل وريد

كالدر والمرجان ألف نـظـمـه

 

بالشذر في عنق الفتـاة الـرود

كشقيقة البرد المنمـنـم وشـيه

 

في أرض مهرة أو بلاد تـزيد

يعطي بها البشرى الكريم ويرتدي

 

بردائها في المحفل المشـهـود

بشرى الغني أبي البنات تتابعـت

 

بشراؤه بالفـارس الـمـولـود

وله، من الكامل:

جاءتك من نظم اللسان قلادة

 

سمطان فيها اللؤلؤ المكنون

أحذاكها صنع الضمير يمده

 

جفر إذا نضب الكلام معين

أخذ لفظ الصنع من قول أبي حية: بأنني صنع اللسان بهن لا أتنحل، ونقله إلى الضمير. وقد جعل حسان أيضاً اللسان صنعاً وذلك في قوله، من البسيط:

أهدى لهم مدحاً قلب مؤازره

 

فيما أحب لسان حائك صنع

ولأبي تمام، من الطويل:

إليك أرحنا عازب الشعر بعـدمـا

 

تمهل في روض المعاني العجائب

غرائب لاقت في فنائك أنـسـهـا

 

من المجد فهي الآن غير غرائب

ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت

 

حياضك منه في السنين الذواهب

ولكنه صوب العقول إذا انجـلـت

 

سحائب منه أعقبت بـسـحـائب

البحتري، من الطويل:

ألست الموالي فيك نظم قـصـائد

 

هي الأنجم اقتادت مع الليل أنجما

ثناء كأن الروض منـه مـنـوراً

 

ضحى، وكأن الوشي منه منمنما

وله، من البسيط،:

أحسن أبا حسن بالشعر إذ جعلت

 

عليك أنجمه بالمدح تنـتـثـر

فقد أتتك القوافي غـب فـائدة

 

كما تفتح غب الوابل الزهـر

وله، من الطويل:

إليك القوافي نازعات قواصد

 

يسير ضاحي وشيها وينمنـم

ومشرقة في النظم غر يزينها

 

بهاء وحسناً أنها لك تنـظـم

وله، من الطويل:

بمنقوشة نقش الدنانير ينـتـقـى

 

لها اللفظ مختاراً كما ينتقى التبر

وله، من الطويل:

أيذهب هذا الدهر لم ير موضعـي

 

ولم يدر ما مقدار حلي ولا عقدي؟

ويكسد مثلي وهو تـاجـر سـؤدد

 

يبيع ثمينات المكارم والـمـجـد

سوائر شعر جامع بدد الـعـلـى

 

تعلقن من قبلي وأتعبن من بعـدي

يقدر فيها صـانـع مـتـعـمـل

 

لإحكامها تقدير داود في الـسـرد

وله، من الكامل:

الله يسهر في مديحك لـيلـه

 

متململاً، وتنام دون ثـوابـه

يقظان ينتحل الكـلام كـأنـه

 

جيش لديه يريد أن يلقى بـه

فأتى به كالسيف رقرق صيقل

 

ما بين قائم سنخـه وذبـابـه

ومن نادر وصفه للبلاغة قوله من الخفيف:

في نظام من الـبـلاغة مـاشـك

 

ك امـرؤ أنـه نـظـام فـريد

وبديع كأنـه الـزهـر الـضـا

 

حك في رونق الربـيع الـجـديد

مشرق في جوانب السمع مـا يخ

 

لقه عودة على الـمـسـتـعـيد

حجج تـخـرس الألـد بـألـفـا

 

ظ فرادى كالجوهر الـمـعـدود

ومعان لو فصلتهـا الـقـوافـي

 

هجنت شعـر جـرول ولـبـيد

حزن مستعمل الكـلام اخـتـياراً

 

وتجنبـن ظـلـمة الـتـعـقـيد

وركبن اللفظ الـقـريب فـأدرك

 

ن به غاية الـمـراد الـبـعـيد

كا لعذارى غدون في الحلل الصف

 

ر إذا رحن في الخطوط السـود

الغرض من كتب هذه الأبيات الاستظهار، حتى إن حمل حامل نفسه على الغرر والتقحم على غير بصيرة، فزعم أن الإعجاز في مذاقة الحروف، وفي سلامتها مما يثقل على اللسان، علم بالنظر فيها فساد ظنه وقبح غلطه، من حيث يرى عياناً أن ليس كلامهم كلام من خطر ذلك منه ببال ولا صفاتهم صفات تصلح له على حال، إذ لا يخفى على عاقل أن لم يكن ضرب تميم لحزون جبال الشعر لأن تسلم ألفاظه من حروف تثقل على اللسان، ولا كان تقويماعدي لشعره، ولا تشبيهه نظره فيه بنظر المثقف في كعوب قناته لذلك، وأنه محال أن يكون له جعل بشار نور العين قد غاض فصار إلى قبله، وأن يكون اللؤلؤ الذي كان لا ينام عن طلبه، وأن ليس هو صوب العقول الذي إذا انجلت سحائب منه أعقبت بسحائب، وأن ليس هو الدر والمرجان مؤلفاً بالشذر في العقد، ولا الذي له كان البحتري مقدراً تقدير داود في السرد.

كيف، وهذه كلها عبارات عما يدرك بالعقل، ويستنبط بالفكر، وليس الفكر الطريق إلى تمييز ما يثقل على اللسان مما لا يثقل، إنما الطريق إلى ذلك الحس. ولولا أن البلوى قد عظمت بهذا الرأي الفاسد، وأن الذين قد استهلكوا فيه قد صاروا من فرط شغفهم به يصغون إلى كل شيء يسمعونه. حتى لو أن إنساناً قال: باقلى حار يريهم أنه يريد نصرة مذهبهم لأقبلوا بأوجههم عليه، فألقوا أسماعهم إليه، لكان اطراحه وترك الاشتغال به أصوب، لأنه قول لا يتصل منه جانب بالصواب البتة.

ذلك لأنه أول شيء يؤدي إلى أن يكون القرآن معجزاً، لا بما به كان قرآناً وكلام الله عز وجل، لأنه على كل حال إنما كان قرآناً وكلام الله عز وجل بالنظم الذي هو عليه. ومعلوم أن ليس النظم من مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان في شيء. ثم إنه اتفاق من العقلاء أن الوصف الذي به تناهى القرآن إلى حد عجز عنه المخلوقون هو الفصاحة والبلاغة وما رأينا عاقلاً جعل القرآن فصيحاً أو بليغاً بأن لا يكون في حروفه ما يثقل على اللسان، لأنه لو كان يصح ذلك لكان يجب أن يكون السوقي الساقط من الكلام، والسفساف الرديء من الشعر فصيحاً إذا خفت حروفه. وأعجب من هذا أنه يلزم منه أنه لو عمد عامد إلى حركات الإعراب، فجعل مكان كل ضمة وكسرة فتحة فقال: الحمد لله بفتح الدال واللام والهاء، وجرى على هذا في القرآن كله أن لا يسلبه ذلك الوصف الذي هو معجز به، بل كان ينبغي أن يزيد فيه لأن الفتحة كما لا يخفى أخف من كل واحدة من الضمة والكسرة. فإن قال: إن ذلك يحيل المعنى. قيل له: إذا كان المعنى والعلة في كونه معجزاً خفة اللفظ وسهولته فينبغي أن يكون مع إحالة المعنى معجزاً. لأنه إذا كان معجز الوصف يخص لفظه دون معناه كان محالاً أن يخرج عن كونه معجزاً مع قيام ذلك الوصف فيه.

ودع هذا، وهب أنه لا يلزم شيء منه. فإنه يكفي في الدلالة على سقوطه وقلة تمييز القائل به أن يقتضي إسقاط الكناية والاستعارة والتمثيل والمجاز والإيجاز جملة، واطراح جميعها رأساً، مع أنها الأقطاب التي تدور البلاغة عليها، والأعضاد التي تستند الفصاحة إليها، والطلبة التي يتنازعها المحسنون، والرهان الذي تجرب فيه الجياد، والنضال الذي تعرف به الأيدي الشداد، وهي التي نوه بذكرها البلغاء، ورفع من أقدارها العلماء، وصنفوا فيها الكتب، ووكلوا بها الهمم، وصرفوا إليها الخواطر، حتى صار الكلام فيها نوعاً من العلم مفرداً، وصناعة على حدة، ولم يتعاط أحد من الناس القول في الإعجاز إلا ذكرها، وجعلها العمد والأركان فيما يوجب الفضل والمزية، وخصوصاً الاستعارة والإيجاز. فإنك تراهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون، وأول ما يوردون، وتراهم يذكرون من الاستعارة قوله عز وجل: "واشتعل الرأس شيباً"، وقوله: "وأشربوا في قلوبهم العجل"، وقوله عز وجل: "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" وقوله عز وجل: "فاصدع بما تؤمر"، وقوله: "فلما استيأسوا منه خلصوا نجياً"، وقوله تعالى: "حتى تضع الحرب أوزارها"، وقوله: "فما ربحت تجارتهم"، ومن الإيجاز قوله تعالى: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء"، وقوله تعالى: "ولا ينبئك مثل خبير"، وقوله: "فشرد بهم من خلفهم". وتراهم على لسان واحد في أن المجاز والإيجاز من الأركان في أمر الإعجاز. وإذا كان الأمر كذلك عند كافة العلماء الذين تكلموا في المزايا التي للقرآن، فينبغي أن ينظر في أمر الذي يسلم نفسه إلى الغرور، فيزعم أن الوصف الذي كان له القرآن معجزاً هو سلامة حروفه مما يثقل على اللسان. أيصح له القول بذلك إلا من بعد أن يدعي الغلط على العقلاء قاطبة فيما قالوه، والخطأ فيما أجمعوا عليه؟ وإذا نظرنا وجدناه لا يصح له ذلك إلا بأن يقتحم هذه الجهالة. اللهم إلا أن يخرج إلى الضحكة فيزعم مثلاً أن من شأن الاستعارة والإيجاز إذا دخلا الكلام أن يحدث بهما في حروفه خفة، ويتجدد فيها سهولة ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق.

واعلم أنا لا نأبى أن تكون مذاقة الحروف وسلامتها مما يثقل على اللسان، داخلاً فيما يوجب الفضيلة، وأن تكون مما يؤكد أمر الإعجاز. وإنما الذي ننكره ونفيل رأي من يذهب إليه أن يجعله معجزاً به وحده، ويجعله الأصل والعمدة، فيخرج إلى ما ذكرنا من الشناعات ثم إن العجب كل العجب ممن يجعل كل الفضيلة في شيء، هو إذا انفرد لم يجب فضل البتة، ولم يدخل في اعتداد بحال. وذلك أنه لا يخفى على عاقل أنه لا يكون بسهولة الألفاظ وسلامتها مما يثقل على اللسان اعتداد حتى يكون قد ألف منها كلام. ثم كان ذلك الكلام صحيحاً في نظمه، والغرض الذي أريد به. وأنه لو عمد عامد إلى ألفاظ فجمعها من غير أن يراعي فيها معنى، ويؤلف منها كلاماً، لم تر عاقلاً يعتد السهولة فيها فضيلة. لأن الألفاظ لا تراد لأنفسها، وإنما تراد لتجعل أدلة على المعاني. فإذا عدمت الذي له تراد، اختل أمرها فيه لم يعتد بالأوصاف التي تكون في أنفسها عليها، وكانت السهولة وغير السهولة فيها واحداً. ومن هاهنا رأيت العلماء يذمون من يحمله تطلب السجع والتجنيس على أن يضم لهما المعنى، ويدخل الخلل عليه من أجلهما، وعلى أن يتعسف في الاستعارة بسببهما، ويركب الوعورة، ويسلك المسالك المجهولة، كالذي صنع أبو تمام في قوله، من البسيط:

سيف الإمام الذي سمته هيبـتـه

 

لما تخرم أهل الأرض مخترمـا

قرت بقران عين الدين وانتشـرت

 

بالأشترين عيون الشرك فاصطلما

وقوله، من الكامل:

ذهبت بمذهبه السماحة والتوت

 

فيه الظنون أمذهب أم مذهب

ويصنعه المتكلفون في الأسجاع، وذلك أنه لا يتصور أن يجب بهما ومن حيث هما فضل، ويقع بهما مع الخلو من المعنى اعتداد. وإذا نظرت إلى تجنيس أبي تمام: أمذهب أم مذهب فاستضعفته، وإلى تجنيس القائل، من البسيط:

حتى نجا من خوفه وما نجا

وقول المحدث، من الخفيف:

ناظراه فيما جنى ناظـراه

 

أو دعاني أمت بما أودعاني

فاستحسنته، لم تشك بحال أن ذلك لم يكن لأمر يرجع إلى اللفظ، ولكن لأنك رأيت الفائدة ضعفت في الأول، وقويت في الثاني. وذلك أنك رأيت أبا تمام لم يزدك ب مذهب ومذهب على أن أسمعك حروفاً مكررة لا تجد لها فائدة إن وجدت إلا متكلفة متمحلة. ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك في الفائدة، وقد أعطاها. ويوهمك أنه لم يزدك، وقد أحسن الزيادة ووفاها. ولهذه النكتة كان التجنيس وخصوصاً نمستوفى منه مثل: نجا ونجا من حلي الشعر. والقول فيما يحسن وفيما لا يحسن من التجنيس والسجع يطول. ولم يكن غرضنا من ذكرهما شرح أمرهما، ولكن توكيد ما انتهى بنا القول إليه من استحالة أن يكون الإعجاز في مجرد السهولة وسلامة الألفاظ مما يثقل على اللسان.
وجملة الأمر أنا ما رأينا في الدنيا عاقلاً اطرح النظم والمحاسن التي هو السبب فيها في الاستعارة والكناية والتمثيل وضروب المجاز والإيجاز وصد بوجهه عن جميعها، وجعل الفضل كله، والمزية أجمعها في سلامة الحروف مما يثقل، كيف وهو يؤدي إلى السخف والخروج من العقل كما بينا.

واعلم أنه قد آن لنا أن نعود إلى ما هو الأمر الأعظم والغرض الأهم، والذي كأنه هو الطلبة، وكل ما عداه ذرائع إليه، وهو المرام، وما سواه أسباب للتسلق عليه. وهو بيان العلل التي لها وجب أن يكون لنظم مزية على نظم، وأن يعم أمر التفاضل فيه ويتناهى إلى الغايات البعيدة. ونحن نسأل الله تعالى العون على ذلك والتوفيق له والهداية إليه.