مكحول

عالم أهل الشام يكنى أبا عبد الله وقيل أبو أيوب وقيل أبو مسلم الدمشقي الفقيه وداره بطرف سوق الأحد.

أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وأرسل عن عدة من الصحابة لم يدركهم كأبي بن كعب وثوبان وعبادة بن الصامت وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني وأبي جندل بن سهيل وأبي هند الداري وأم أيمن وعائشة وجماعة. وروى أيضاً عن طائفة من قدماء التابعين ما أحسبه لقيهم كأبي مسلم الخولاني ومسروق ومالك بن يخامر وحدث عن واثلة بن الأسقع وأبي أمامة الباهلي وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وشرحبيل بن السمط وسعيد بن المسيب وعبد الله بن محيريز وجبير بن نفير وأم الدرداء وطاووس وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن مرة وأبي إدريس الخولاني وأبي أسماء الرحبي ووقاص بن ربيعة وكريب وغضيف بن الحارث وعنبسة بن أبي سفيان ويبعد أنه لقيه وأبي سلام الأسود وأبي الشمال بن ضباب وأبي مرة الطائفي وقبيصة بن ذؤيب وقزعة بن يحيى وعبد الرحمن بن غنم وينزل إلى أن يروي عن عمرو بن شعيب ونحوه.

حدث عنه الزهري وربيعة الرأي وزيد بن واقد وسليمان بن موسى وأيوب بن موسى وعامر الأحول وقيس بن سعد وابن عون وابن عجلان وإسماعيل بن أمية وبحير بن سعيد وثابت بن ثوبان وبرد بن سنان وتميم بن عطية وثور بن يزيد وصفوان بن عمرو ومحمد بن الوليد الزبيدي ويزيد بن يزيد بن جابر ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطاة وعبد الله بن العلاء بن زبر وسعيد بن عبد العزيز وأبو معيد حفص بن غيلان وأبو عمرو الأوزاعي وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم وعبد القدوس بن حبيب وعكرمة بن عمار وعلي بن أبي حملة ومحمد بن راشد المكحولي ومحمد بن عبد الله الشعيثي ومعاوية بن يحيى الصدفي وهشام بن الغاز وخلق سواهم ذكرهم صاحب التهذيب شيخنا وذكر فيهم الهيثم بن حميد فوهم وإنما روى عن أصحاب مكحول وكان يفتي بقوله ويدريه.

واختلف في ولاء مكحول فقيل مولى امرأة هذلية وهو أصح وقيل مولى امرأة أموية وقيل كان لسعيد بن العاص فوهبه للهذلية فأعتقته وكان نوبيا وقيل من سبي كابل وقيل من الأبناء ولم يملك وليس هذا بشيء وقيل أصله من هراة وهو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل بن سند بن شروان بن يزدك بن يغوث بن كسرى وأن مكحولا سبي من كابل.

عداده في أوساط التابعين من أقران الزهري قال أبو مسهر لم يسمع من عنبسة وسئل أبو مسهر هل سمع من الصحابة؟ قال سمع من أنس قال أبو حاتم فقلت لأبي مسهر هل سمع من أبي هند الداري يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يلتفت إلى ذلك فقلت له فواثلة بن الأسقع قال من؟ فقلت حدثنا أبو صالح حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة فكأنه أومأ برأسه.

قال ابن وهب عن معاوية عن العلاء عن مكحول قال دخلت على واثلة بن الأسقع وقال أبو عيسى الترمذي سمع من واثلة وأنس وأبي هند يقال لم يسمع من أحد من الصحابة سوى هؤلاء الثلاثة.

يونس بن بكير عن ابن إسحاق سمعت مكحولا يقول طفت الأرض كلها في طلب العلم.

قلت هذا القول منه على سبيل المبالغة لا على حقيقته.

أبو وهب الكلاعي اسمه عبد الله بن عبيد فيما رواه يحيى بن حمزة القاضي عنه عن مكحول قال عتقت بمصر فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى ثم أتيت العراق فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه فيما أرى ثم أتيت المدينة فلم أدع بها علما إلا احتويت عليه ثم أتيت الشام فغربلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحداً يخبرني عنه حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له زياد بن جارية جالسا على كرسي فسألته فقال حدثني حبيب بن مسلمة قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث.

إبراهيم بن عبد الله بن العلاء عن أبيه عن الزهري قال العلماء أربعة سعيد بن المسيب بالمدينة والشعبي بالكوفة والحسن بالبصرة ومكحول بالشام.

وقال سعيد بن عبد العزيز كان سليمان بن موسى يقول إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه وإذا جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام.

وروى مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال كان مكحول أفقه من الزهري مكحول أفقه أهل الشام.

وقال عثمان بن عطاء كان مكحول رجلا أعجمياً لا يستطيع أن يقول قل يقول كل فكل ما قال بالشام قبل منه.

وروى أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال لم يكن في زمن مكحول أبصر بالفتيا منه.

وقال محمد بن عبد الله بن عمار مكحول إمام أهل الشام وقال العجلي تابعي ثقة وقال ابن خراش صدوق يرى القدر. وروى مروان بن محمد عن الأوزاعي قال لم يبلغنا أن أحداً من التابعين تكلم في القدر إلا هذين الرجلين الحسن ومكحول فكشفنا عن ذلك فإذا هو باطل قلت: يعني رجعا عن ذلك.

قال أبو حاتم ما بالشام أحد أفقه من مكحول قال ابن يونس ذكر أن مكحولا من أهل مصر ويقال كان لرجل من هذيل مصري فأعتقه فسكن الشام ويقال إنه من الفرس من السبي الذين سبوا من فارس ويكنى أبا مسلم وكان فقيهاً عالماً ورأى أبا أمامة وأنسا وسمع واثلة بن الأسقع.

وفاته مختلف فيها فقال أبو نعيم ودحيم وجماعة سنة اثنتي عشرة ومئة وقال أبو مسهر مات سنة ثلاث عشرة وقال مرة بعد سنة اثنتي عشرة.

وقال مرة أو سنة أربع عشرة وقال سليمان ابن بنت شرحبيل وأبو عبيد مات سنة ثلاث عشرة وقال محمد بن سعد مات سنة ست عشرة ومئة وقال ابن يونس وآخر سنة ثماني عشرة ومئة وهذا بعيد.

أما

مكحول الأزدي البصري

أبو عبد الله فروى عن ابن عمر وأنس وعنه عمارة بن زاذان والربيع ابن صبيح وهارون بن موسى النحوي وثقه يحيى بن معين وقال أبو حاتم لا بأس به قلت: له في الأدب للبخاري أنه قال كنت إلى جنب ابن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال ابن عمر يرحمك الله إن كنت حمدت الله.

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وست مئة أنبأنا عبد المعز بن محمد أخبرنا تميم الجرجاني أخبرنا أبو سعد الكنجروذي أنبأنا أبو عمرو الحيري أنبأنا أبو يعلى الموصلي حدثنا علي بن الجعد حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" هذا حديث عال صالح الإسناد أخرجه الترمذي والقزويني من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه وحسنه الترمذي وعند القزويني عن عبد الله بن عمرو فلم يصنع شيئاً صوابه ابن عمر.

قال عباس: سمعت ابن معين يقول مكحول رأى أبا هند الداري وواثلة وسمع أيضاً من واثلة وفضالة بن عبيد وأنسا وخطأ من روى أنه دخل على أبي أمامة.

وقال يعقوب بن شيبة روى مكحول عن سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة لم يسمع عنهم.

قال إسماعيل بن أمية قال لي مكحول عامة ما أحدثك فعن سعيد بن المسيب والشعبي وقال تميم بن عطية سمعت مكحولا يقول اختلفت إلى شريح ستة أشهر أسمع ما يقضي به قال سعيد بن عبد العزيز قال مكحول ما استودعت صدري شيئاً سمعته إلا وجدته حين أريد ثم قال شعبة كان مكحول أفقه أهل الشام.

قال سعيد كان إذا سئل عن شيء لا يجيب حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله هذا رأي والرأي يخطىء ويصيب قال تميم بن عطية العبسي كثيراً ما كان مكحول يسأل فيقول ندانم يعني لا أدري.

قال سعيد بن عبد العزيز لم يكن عندنا أحد أحسن سمتا في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد.

قلت هذا هو ربيعة بن يزيد الدمشقي القصير أحد الأئمة الثقات تابعي صغير يروي عن أنس وعدة.

قال الأوزاعي وغيره عن مكحول لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن ألي القضاء ولأن ألي القضاء أحب إلي من أن ألي بيت المال.

وروى الأوزاعي وسعيد عنه قال إن يكن في مخالطة الناس خير فالعزلة أسلم.

أبو المليح الرقي عن أبي هريرة الشامي قال جلست إلى مكحول فقال بأي وجه تلقون ربكم وقد زهدكم في أمر فرغبتم فيه ورغبكم في أمر فزهدتم فيه؟.

الوليد بن مسلم عن سعيد أن مكحولا أعطي مرة عشرة ألاف دينار فكان يعطي الرجل من أصحابه خمسين دينارا ثمن الفرس.

الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال أقبل يزيد بن عبد الملك إلى مكحول في أصحابه فلما رأيناه هممنا بالتوسعة له فقال مكحول دعوه يجلس حيث أدرك يتعلم التواضع.

وقال سعيد بن عبد العزيز كانوا يؤخرون الصلاة زمن الوليد ويستحلفون الناس أنهم ما صلوا فأتى عبد الله بن أبي زكريا فاستحلف ما صلى فحلف وأتى مكحول فقال فلم جئنا إذا قال فترك.

قال أبو حازم المديني كتب عمر بن عبد العزيز إلى الشام أن انظروا الأحاديث التي رواها مكحول في الديات فأحرقوها فأحرقت.

قال الأوزاعي كان الزهري ومكحول يقولان أمروا هذه الأحاديث كما جاءت.

وقال ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة عن أبي عبيد مولى سليمان قال ما سمعت رجاء بن حيوة يلعن أحداً إلا رجلين يزيد بن المهلب ومكحولا قلت: أظنه لأجل القدر. ضمرة عن علي بن حملة قال كنا على ساقية بأرض الروم والناس يمرون وذلك في الغلس ورجل يقص فدعا فقال اللهم ارزقنا رزقا طيبا واستعملنا صالحا فقال مكحول وهو في القوم إن الله لا يرزق إلا طيبا ورجاء بن حيوة وعدي بن عدي ناحية فقال أحدهما لصاحبه أسمعت؟ قال نعم فقيل لمكحول إن رجاء وعديا سمعاك فشق عليه فقال له عبد الله بن زيد أنا أكفيك رجاء فلما نزلوا جاء ابن زيد فأجرى ذكر مكحول فقال رجاء دعه عنك أليس هو صاحب الكلمة فقال ما تقول رحمك الله في رجل قتل يهوديا فأخذ منه ألف دينار فكان يأكل منها حتى مات أرزق رزقه الله إياه فقال رجاء كل من عند الله.

وقال ابن أبي حملة لمكحول يجالسك غيلان فقال إنما لنا مجلس فلا أستطيع أن أقول لهذا قم ولهذا اجلس.

وقال رجاء بن أبي سلمة عن عاصم بن رجاء قال جاء مكحول إلي أبي فقال يا أبا المقدام إنهم يريدون دمي قال قد حذرتك القرشيين ومجالستهم ولكنهم أدنوك وقربوك فحدثتهم بأحاديث فلما أفشوها عنك كرهتها فراح فجاء الذين يعيبونه فذكروه فقال أبي دعوه فقد كنتم حديثاً وأنتم تحسنون ذكره.

قال رجاء قال مكحول ما زلت مستقلا بمن بغاني حتى أعانهم علي رجاء وذلك أنه رجل أهل الشام في أنفسهم.

قال عبد الرزاق كان مكحول يقوله يعني القدر وبلغنا أن مكحولاً تنصل من القدر فرضي عنه الدولة وكان سعيد بن عبد العزيز يبرئه من القدر.