القسم الثاني: تاريخ العرب العاربة

القسم الثاني

تاريخ العرب العاربة

 

وهم القحطانية في حال الجاهلية ذكروا في معرفتهم بالعرب من أجل أنهم ينتسبون إلى يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام، هكذا في كتاب التيجان لابن هشام، وفي مروج الذهب وغيره: يعرب بن قحطان بن عابر المذكور.
وكثير من النسابين يجعلون العرب العاربة من ولد إسماعيل ابن إبراهيم، قال المسعودي: ويستدلون بقول النبي عليه السلام للأنصار: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً". وإنما نسبهم من جهة الأمهات، و"سائر قحطان تأبى النسبة إلى إسماعيل وتنكر هذا القول" إلى الآن.
وعرفت بنو قحطان بالعاربة؛ لأنهم أعربوا كلامهم، وقالوا الأشعار الحسنة بخرف المبلبلة البائدة.

قحطان بن هود عليه السرم

قيل: إنه أول من ملك اليمن، وأول من تتوج، وإنه الذي حارب بني يافث وبني سام على جزيرة العرب حتى طردهم عنها وحازها دونهم. وزحف النمرود بن كنعان بن مازيغ بن كنعان ابن حام ملك أرض كنعان إلى البيت، فقاتل العمالقة، فأقبل عليه قحكان بن هود، وكان قد دوخ البلاد إلى سمرقند على ما ذكره صاحب التيجان، فأخذ قحطان النمرود أسيراً وصلبه على بيت المقدس.
ولما مات قحطان صار الملك إلى ابنه:

يعرب بن قحطان

وقد ذكر الأكثرون - ومنهم صاحب تواريخ الأمم، وصاحب المعارف: إنه "أول من نطق البينة، وأول من تتوج باليمن، وحياه بنوه تحية الملك، وهي: أبيت اللعن، وأنعم صباحا".

 قال ابن هشام صاحب كتاب التيجان الذي صنعه في الملوك المتوجة من حمير: "إن يعرب هو الذي خرج بالعرب إلى اليمن، ونزلها، فسميت به لأن اسمه يمن". قال البيهقي: يعرب أول من تكلم بالعربية المبينة، وخرج عن نمط العرب المبلبلة، وكان له ولنسله الظفر، فأورثهم الله بلاد اليمن. وكان منهم الملوك التبابعة الذين دوخوا أقطار الأرض. ولهم الشرف على العدنانية بهذا القدر، والعدنانية تفخر عليهم بالنبوة المحمدية.   

ومن التيجان: "كان بنو حام لما تبلبلت الألسن قد سبقوا إلى الأرض العالية من اليمن وغيرها، ثم جاورهم القوط من بني يافث".             

"ثم أتى هود النبي عليه السلام آت في المنام وهو ببابل، فقال له: إذا (حدثت) رائحة المسك لأحد ولدك من ناحية من النواحي فليتبعها، حتى إذا ركدت عنه فلينزل فذلك مستقره، ولله فيه علم وقضاء مكنون. فقص الرؤية على ولده وقومه، وعاد له الآتي في الليلة الثانية، وأكد عليه ذلك".

"ثم إن يعرب بن قحطان وجد رائحة المسك، فقال له جده هود: أنت أيمن ولدي، مر فإذا سكنت الرائحة فانزل على اليمن والايمان فإنها خير وطن، وجاور بيت الله بأحسن جوار".

"فسار يعرب بمن تبعه من بني قحطان وبني عابر ومن خف معه من بني أرفخشد في جميع عظيم من وجوه بابل، وكان أحسن غلام ببابل، فنطق حينئذ بالعربية البينة، والناس مختلطو الألسن قد تبلبلوا، فقال يعرب:

أنا الغلام ذو النصيب الأجزل

الأيمن المعروف بالتجمل

أنا ابن قحطان الهمام الأقيل

أعربت والأمة في تبلبل

 

‎بالمنطق الأبين غير المشكل

ومنطق الأملاك بعدي الكمل

 

قال: وأراد بالكمل التبابعة من ولده. ثم قال:

يا قوم سيروا في الرعيل الأول

فحظنا الأوفر غير الأرذل

 

ثم بشر بالنبي عليه السلام، فقال:

محمد الهادي النبي المرسل

لله در الماجد المستقبل

 

قال: "ثم سكنت رائحة المسك على رأس العالية من أرض اليمن، فنزل بجوار بني حام، وتشاجروا فغلب يعرب، ونفاهم إلى غربي الأرض. فأتاه القوط من بني يافث مذعنين له، فأمرهم بالإقامة، ورفع عنهم الخراج الذي كانوا يؤدونه لبني حام".                       

   
قال: "وأقام يعرب هنالك يغرس ويجري الأنهار. وكان أول من قال الشعر في العرب ووزنه، وتفنن في أعاريضه وأنواعه: فمدح وافتخر وتغزل، فتعلم منه إخوته وبنو عمه، فوصل ذلك إلى المقيمين ببابل وغيرها، فأعجبهم الشعر، وحسدوا يعرب وأصحابه على ما هم فيه. فيقال: إن ذلك كان سبب خروج عاد من أرض بابل، ونزولها بجوار اليمن في الأحقاب".                                    

 
قال: "وكان يعرب يرى الأسباب في نومه، فأتاه آت ودلة على معدن الذهب في أرض برهوت، وبشرقية معدن لجين، ثم أخرج معادن كثيرة جوهرية باليمن، وبلغ ذلك عاداً فحسدته، وطمعت في أرضه، فوقعت الحرب بينهم، فهزمهم على بارق، وقال في ذلك شعراً منه:

 

لعمري لقد أودت بعاد وملكـهـم

 

سيوف بني قحطان في يوم بارق

 

قال: "وحج يعرب مع أبيه قحطان وجده هود والبيت غير مبني، فأراد يعرب أن يبنيه، فنبهه هود على أن بانيه إبراهيم عليه السلام، فتركه". ثم إن يعرب نفى بني يافث عن أرض العرب، وولى إخوته على البلاد، واستقل بالملك بعد أبيه، وطال عمره إلى أن مات. وذكر صاحب التيجان: "أنه كان ليعرب عشرة إخوة هو أكبرهم وأرأسهم؛ والمشهورون منهم جرهم وعاد وناعم وأيمن وحضرموت. فولى على الحجاز جرهم بن قحطان فورثها ولده. وهي جرهم الثانية أخوال العدنانية، وسنذكر دولتهم. وولى على بلاد عاد الأولى، وهي الشحر، عاد بن قحطان. وقيل: إنه ولاه أيضاً على بابل لما صارت له، وقيل: إن عاد بن قحطان هم عاد الثانية. وولى على بلاد حضرموت حضرموت بن قحطان فسميت باسمه وتناسل ولده إلى اليوم. وولى على عمان ناعم بن قحطان، وقيل: إن اسمه عمان وبه سميت. وولى على اليمن أيمن بن قحطان، قيل: وبه سميت. وقد قيل: إن ذلك اسم ليعرب.
قال: واشتغل يعرب بالخروب وتدويخ الأرض، وصار في مرتبة ملك الملوك".