القسم الثاني: تاريخ بني كهلان بن سبأ إخوة حمير

هم أهل العدد والقبائل الكثيرة في أقطار المشرق والمغرب. وعظماء قبائلها الكبار: الأزد، وطيء، ومذحج (وهمدان)، ثم كندة، ثم مراد.

تاريخ الأزد

قال الحاتمي: "الأزد هو دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان".


وجاء في الحديث النبوي: "الأزد جرثومة العرب"، وقد جاء ذكرهم والثناء عليهم في غير حديث. وقال صلى الله عليه وسلم: "الأزد أسد الله في الأرض، يريد الناس أن يضعوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم. وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليتني كان أبي أزدياً، أو كانت أمي أزدية".


ومن الكامل للمبرد: "إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال للأزد: أربع ليست لحي: بذل لما ملكت أيديهم، ومنع لحوزتهم، وحي عمارة لا يحتاجون إلى غيرهم، وشجعان لا يجبنون".


فمن الأزد غسان الذين منهم ملوك الشام، ومن غسان الأوس والخزرج. ومن (الأزد) خزاعة، ومنهم بارق، ومنهم دوس، ومنهم العتيك، ومنهم غافق.

من له ذكر في الجاهلية

من الأوس والخزرج ويعرف من أسلم منهم بالأنصار الأوس والخزرج هما ابنا قيلة وهي أمهما، وأبوهما حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن مالك بن الأزد.


وكان حارثة بن ثعلبة قد سار في قضية سيل العرم التي كانت باليمن إلى الشام، فجري لهم مع الروم ما أوجب رجوع حارثة بأهله إلى أرض العرب فنزل المدينة المنورة، وهي حينئذ لليهود وملكهم شريف بن كعب اليهودي، فقال لحارثة: لا تنزلوا علينا إلا على شرط، وهو أن اليهود لغسان حاضرة وغسان لليهود بادية. فكتبوا بذلك عهداً، إلى أن جرى خصام بين يهودي وغساني، فقال شريف للغساني: أنتم معشر غسان لكم أنفة تحملكم على شهادة الزور! فقال أحد غسان: كذبت، بل لنا أحساب تمنعنا من شهادة الزور، ولكن يا شريف، أنتم أذلاء إلا بأرض العرب، فكيف لا تسرع بلسنك إلى سبهم؟ ولو ألسبوك الذلة لعرفت لهم حقهم! ثم إن جذع بن سنان الغساني الفاتك هاج الحرب بين الفريقين. وأعانتهم غيبة ملك اليهود عن يثرب في حصنه - وبينهما عشرة أميال - ففتكت غسان باليهود، وسبت نساءهم، وملكت ديارهم؛ ولم يصل الملك إلا وقد ملكوا المدينة. فطلبوا الصلح، واستنصروا بإخوانهم الذين بخيبر وجهات الشام، فوقع الصلح والهدنة على المشاركة في سكنى يثرب، إلى أن كانت الغلبة للعرب، وأخرجتهم للحصون. وملكت الأوس والخزرج المدينة إلا أنه كانت الحرب كثيراً ما تقع بين الفريقين، ولم يستقم لهم أن يستبد بهم ملك، إلى أن رحل إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة:

عمرو بن الإطنابة الخزرجي

فملكه على المدينة. وكان شاعراً مشهوراً في الجاهلية، وله الأبيات المشهورة التي أنشدها أبو تمام في الحماسة:

أبت لي عفتـي وأبـى بـلائي

 

وأخذي الحمد بالثمن الـربـيح

وإقحامي على المكروه نفسـي

 

وضربي هامة البطل المشـيح

وقولي كلما جشأت وجـاشـت

 

مكانك تحمدي أو تستـريحـي

لأدفع عن مآثـر صـالـحـات

 

وأحمي بعد عن عرض صحيح

قال المسعودي: غلبت الخزرج على الأوس فيما قرب من الإسلام، وهمت أن تتوج عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي، فوافق ذلك مجيء النبي صلى الله عليه، فبطل ملكه.

أحيحة بن الجلاح الأوسي

ذكر صاحب الكمائم وغيره أنه كان من رؤساء الأوس في الجاهلية ببيته وماله، وكان له بالزوراء في المدينة ما لم يكن لأحد من التمر، فرآه شخص وهو يلقط تمرة فعاتبه، فقال: "التمرة إلى التمرة تمر"، ثم قال:

 

استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب

 

من ابن عم ولا عـم ولا خـال

إني مقيم على الزوراء أعمرهـا

 

إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال

كل النداء إذا نـاديت يخـذلـنـي

 

إلا نداي إذا نـاديت يا مـالـي

 

فاشتهر بالبخل لذلك. وقالت له الأوس: فضحتنا ببخلك، كلما أردنا أن نقدمك قالوا: بخيل لا يصلح للتقديم. فقال: أنتم إنما أردتم تقديمي وإكرامي بسبب مالي، ولم يجتمع إلا من بخل عليه، وأنا لا أريد أن أضيع شيئاً أكرم من أجله.


وأدرك ابنه محمد بن أحيحة الإسلام.

قيس بن الخطيم الأوسي

قال البيهقي: هو وإن كان معروفاً بالشعر في الجاهلية فإنه كان من أبطال الأوس وشجعانها والمشهوين فيها. وقد لخصت ترجمته من كتاب الأغاني.


كان قد قتل أباه الخطيم رجل من الخزرج، وقتل جده عدياً رجل من عبد قيس. وكان في صباه يسأل أمه عن أبيه، فصنعت له قبراً مزوراً وقالت: هذا قبره؛ خفية أن يخرج في طلب الثأر. فلما كبر جرى بينه وبين شخص منازعة، فعيره بقعوده عن طلب أبيه وجده، فبحث عن ذلك، فعلم الحقيقة.


فخرج إلى خداش بن زهير من سادات عبس، وسأله الإعانة، فأعانه حتى بلغ الغرض مما كان في نفسه، وقتل الشخصين اللذين قتلا أباه وجده، وقال أبياته المشهورة المختارة التي أوردتا أبو تمام في حماسته:

 

ثأرت عدياً والخطيم فـلـم أضـع

 

وصية أشياخ جعـلـت إزاءهـا

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثـائر

 

لها نفذ لولا الشعـاع أضـاءهـا

ملكت بها كفي فأنهرت فتـقـهـا

 

يرى قائم من دونها ما وراءهـا

وكنت امرأ لا أسمع الدهـر سـبة

 

أسب بها إلا كشفت غطـاءهـا

وإنا إذا ما ممتر والحرب بلـحـوا

 

أقمنا بأسياد الـعـرين لـواءهـا

متى بأت هذا الموت لا يلف حاجة

 

لنفسي إلا قد قضيت قضـاءهـا

إذا ما شربت أربعاً خـط مـئزري

 

وأتبعت دلوي في السماح رشاءها

 

قال: وكان أجمل أهل زمانه، لا تراه امرأة إلا فتنت به. وكان يتغزل في عمرة زوج حسان بن ثابت، وكان حسان يتغزل في ليلى بنت الخطيم.


وقتل قيس بن الخطيم قبل الهجرة النبوية، قتله الخزرج.


"وقال أنس بن مالك: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس ليس فيه إلا خزرجي، ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم أتعرف رسماً كاطراد المذاهب فأنشدها بعضهم، فلما بلغ إلى قوله:

 

أجالد في يوم الحديقة حـاسـراً

 

كأن يدي بالسيف مخراق لاعب

 

التفت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: هل كان كما ذكر؟ فشهد له (ثابت بن) قيس بن شماس، وقال: والذي بعثك بالحق لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه وعليه غلالة، ومخلقة مورسة، وهو يجالدنا بسيفه كما ذكر".


ولما أنشد النابغة الذبياني هذه القصيدة وأولها:

 

أتعرف رسماً كاطراد المذاهـب

 

لعمرة وحشاً غير موقف راكب

 

قال له: أنت أشعر الناس! ومنها:

تبدت لنا كالشمس تحت غمـامة

 

بدا حاجب منها وضنت بحاجب

 

ومنها:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها

 

خطانا إلى أعدائنا فنضارب

 

ومن واجب الأدب أن جريراً قدمه بقوله:

أني سريت وكنت غير سـروب

 

وتقرب الأحلام غير قـريب

ما تمنعي يقظي فقد نـولـتـه

 

في النوم غير مصرد محسوب

فرأيت مثل الشمس عند طلوعها=في الحسن أو كدنوها لغروب وله:

 

وإذا تكون عظيمة في عامر

 

فهو المدافع عنهم والكافي

أبو صرمة الخزرجي

ذكر البيهقي أنه من بني البخار، شاعر جاهلي، أدرك ابنه صرمة الإسلام فأسلم؛ ومن شعره:

لنا صرم يؤول الحـق فـيهـا

 

وأخلاق يسود بها الـفـقـير

ونصح للعشيرة حيث كـانـت

 

إذا امتلأت من العسر الصدور

وحلم لا يصوب الجـهـل فـيه

 

وإطعام إذا اشتد الـصـبـير

 قال المسعودي: غلبت الخزرج على الأوس فيما قرب من الإسلام، وهمت أن تتوج عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي، فوافق ذلك مجيء النبي صلى الله عليه، فبطل ملكه.

أحيحة بن الجلاح الأوسي

ذكر صاحب الكمائم وغيره أنه كان من رؤساء الأوس في الجاهلية ببيته وماله، وكان له بالزوراء في المدينة ما لم يكن لأحد من التمر، فرآه شخص وهو يلقط تمرة فعاتبه، فقال: "التمرة إلى التمرة تمر"، ثم قال:

 

استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب

 

من ابن عم ولا عـم ولا خـال

إني مقيم على الزوراء أعمرهـا

 

إن الحبيب إلى الإخوان ذو المال

كل النداء إذا نـاديت يخـذلـنـي

 

إلا نداي إذا نـاديت يا مـالـي

 

فاشتهر بالبخل لذلك. وقالت له الأوس: فضحتنا ببخلك، كلما أردنا أن نقدمك قالوا: بخيل لا يصلح للتقديم. فقال: أنتم إنما أردتم تقديمي وإكرامي بسبب مالي، ولم يجتمع إلا من بخل عليه، وأنا لا أريد أن أضيع شيئاً أكرم من أجله.


وأدرك ابنه محمد بن أحيحة الإسلام.

قيس بن الخطيم الأوسي

قال البيهقي: هو وإن كان معروفاً بالشعر في الجاهلية فإنه كان من أبطال الأوس وشجعانها والمشهوين فيها. وقد لخصت ترجمته من كتاب الأغاني.


كان قد قتل أباه الخطيم رجل من الخزرج، وقتل جده عدياً رجل من عبد قيس. وكان في صباه يسأل أمه عن أبيه، فصنعت له قبراً مزوراً وقالت: هذا قبره؛ خفية أن يخرج في طلب الثأر. فلما كبر جرى بينه وبين شخص منازعة، فعيره بقعوده عن طلب أبيه وجده، فبحث عن ذلك، فعلم الحقيقة.


فخرج إلى خداش بن زهير من سادات عبس، وسأله الإعانة، فأعانه حتى بلغ الغرض مما كان في نفسه، وقتل الشخصين اللذين قتلا أباه وجده، وقال أبياته المشهورة المختارة التي أوردتا أبو تمام في حماسته:

 

ثأرت عدياً والخطيم فـلـم أضـع

 

وصية أشياخ جعـلـت إزاءهـا

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثـائر

 

لها نفذ لولا الشعـاع أضـاءهـا

ملكت بها كفي فأنهرت فتـقـهـا

 

يرى قائم من دونها ما وراءهـا

وكنت امرأ لا أسمع الدهـر سـبة

 

أسب بها إلا كشفت غطـاءهـا

وإنا إذا ما ممتر والحرب بلـحـوا

 

أقمنا بأسياد الـعـرين لـواءهـا

متى بأت هذا الموت لا يلف حاجة

 

لنفسي إلا قد قضيت قضـاءهـا

إذا ما شربت أربعاً خـط مـئزري

 

وأتبعت دلوي في السماح رشاءها

 

قال: وكان أجمل أهل زمانه، لا تراه امرأة إلا فتنت به. وكان يتغزل في عمرة زوج حسان بن ثابت، وكان حسان يتغزل في ليلى بنت الخطيم.


وقتل قيس بن الخطيم قبل الهجرة النبوية، قتله الخزرج.


"وقال أنس بن مالك: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس ليس فيه إلا خزرجي، ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم أتعرف رسماً كاطراد المذاهب فأنشدها بعضهم، فلما بلغ إلى قوله:

 

أجالد في يوم الحديقة حـاسـراً

 

كأن يدي بالسيف مخراق لاعب

 

التفت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: هل كان كما ذكر؟ فشهد له (ثابت بن) قيس بن شماس، وقال: والذي بعثك بالحق لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه وعليه غلالة، ومخلقة مورسة، وهو يجالدنا بسيفه كما ذكر".


ولما أنشد النابغة الذبياني هذه القصيدة وأولها:

 

أتعرف رسماً كاطراد المذاهـب

 

لعمرة وحشاً غير موقف راكب

 

قال له: أنت أشعر الناس! ومنها:

 

تبدت لنا كالشمس تحت غمـامة

 

بدا حاجب منها وضنت بحاجب

ومنها:

إذا قصرت أسيافنا كان وصلها

 

خطانا إلى أعدائنا فنضارب

 

من واجب الأدب أن جريراً قدمه بقوله:

 

أني سريت وكنت غير سـروب

 

وتقرب الأحلام غير قـريب

ما تمنعي يقظي فقد نـولـتـه

 

في النوم غير مصرد محسوب

فرأيت مثل الشمس عند طلوعها=في الحسن أو كدنوها لغروب وله:

 

وإذا تكون عظيمة في عامر

 

فهو المدافع عنهم والكافي

أبو صرمة الخزرجي

ذكر البيهقي أنه من بني البخار، شاعر جاهلي، أدرك ابنه صرمة الإسلام فأسلم؛ ومن شعره:

لنا صرم يؤول الحـق فـيهـا

 

وأخلاق يسود بها الـفـقـير

ونصح للعشيرة حيث كـانـت

 

إذا امتلأت من العسر الصدور

وحلم لا يصوب الجـهـل فـيه

 

وإطعام إذا اشتد الـصـبـير

بذات يد على ما كان منها

 

تجود به قليل أو كثـير

ثابت بن المنذر بن حرام

ذكر صاحب الكمائم أنه من بني النجر، وهو أبو حسان بن ثابت، كان شاعراً، وأبوه حرام شاعراً، وابنه حسان، ثم عبد الرحمن بن حسان، ثم سعيد بن عبد الرحمن، كلهم شعراء على نسق.


ومات ثابت قبل الإسلام. ومن شعره قوله في أبيات في عمرو بن الإطنابة الخزرجي، لما ملكه النعمان بن المنذر على المدينة:

 

ألكني إلى النعمان قولا محضته

 

وفي النصح للألباب يوماً دلائل

بعثت إلينا بعضنا وهو أحـمـق

 

فيا ليته من غيرنا وهو عاقـل

الفريعة بنت خالد الخزرجية

ذكر البيهقي أنها من بني ساعدة من الخزرج، وهي أم حسان بن ثابت. كانت من شواعر الجاهلية، وهي القائلة فيمن كانت تحبه:

 

للناس بيت يديمون الطواف به

 

ولي بمكة لو يدرون بيتـان

فواحد لجلال الله أعظـمـه

 

وآخر لي به شغل بانسـان

 

ومن العقد لابن عبد ربه: قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لعطاء بن [أبي] صيفي: إن أصبت زكرة مملوءة بالبقيع خمراً، ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أعرضها في بني النجار، فإن لم تكن لهم فهي لك، ولكن أخبرني: الفريعة أكبر أم ثابت؟ قال: لا أدري، قال: فلم تساب الناس وأنت لا تدري هذا؟ وقد تزوجها قبل ثابت أربعة، كلهم يلقاها بمثل ذراع ألبكر، ثم يطلقها عن قلى؛ فيقال لها: لم تطلقين وأنت جميلة وحلوة؟ فتقول: يريدون الضيق ضيق الله عليهم"!.

فاطمة بنت الأحجم الخزرجية

من واجب الأدب: هي من بني النجار، شاعرة جاهلية، لها الأبيات التي أنشدها أبو تمام في حماسته:

 

قد كنت لي جبلا ألوذ بـظـلـه

 

فتركتني أضحى بأجرد ضـاح

?قد كنت ذات حمية ما عشت لي

 

أمشي البراز وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذلـيل وأتـقـي

 

منه وأدفع ظالمـي بـالـراح

 

قال: وكان لها إخوة سبعة، فاطلعت في بئر، فسقطت لها مدرى من فضة، فنزل أحدهم يخرجها، فأسن فمات. ومازال ذلك دأبهم واحداً بعد واحد إلى أن هلك السبعة. وفيهم تقول الأبيات التي أنشدها صاحب الأغاني:

 

إخوتي لا تـبـعـدوا أبـدا

 

وبلى والله قـد بـعـدوا

لو تملتهـم عـشـيرتـهـم

 

لاصطناع العرف أو ولدوا

هان من بعد الـتـذكـر أو

 

هان من وجدي الذي أجد