القسم الثالث: بنو بهدلة بن عوف

بنو بهدلة بن عوف

ومن بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد:

ذو البردين عامر بن أحيمر بن بهدلة

 من واجب الأدب: من حديثه إلى المنذر صاحب الحيرة وقد أبرز يوماً بردي أبيه محرق، وعنده وفود العرب، فقال: ليقم أغر العرب قبيلة، وأكرمهم بيتاً فيأخذهما، فقام عامر فأخذهما! وقال: العز والعدد في معد، ثم في نزار، ثم في مضر، ثم في خندف، ثم في بني تميم، ثم في سعد، ثم في كعب، ثم في عوف، ثم في بهدلة، فمن أنكر فليغير! فسكتوا.

فقال المنذر: هذه عشيرتك كما تزعم، فكيف أنت في أهل بيتك وبدنك؟ فقال: أنا أبو عشرة، وعم عشرة، وخال عشرة، يعينني الأكابر على الأصاغر، والأصاغر على الأكابر. وأما أنا في بدني فشاهد العز شاهدي، ثم وضع قدمه على الأرض وقال: من أزالها فله مائة من الإبل! فلم يقم أحد، فانصرف بالبردين.

بنو عطارد بن عوف

ومن بني عطارد بن عوف بن كعب بن سعد:

 

كرب بن صغوان العطاردي

 

قال البيهقي: كان رئيساً من رؤساء تميم شاعراً بليغاً، وله كانت الإفاضة بالناس من عرفة، وذلك متوارث في آل صفوان. وفيهم يقول أوس بن مغراء:

 

أولا يريمون في التعريف موقفهم

 

حتى يقال: أجيزوا آل صفوانـا

بنو قريع بن عوف

ومن بني قريع بن عوف بن كعب بن سعد:

الأضبط بن قريع

من العقد أنه كان "رئيس تميم يوم ميط". ومن واجب الأدب: كان سيد سعد في الجاهلية، وكانوا يشتمونه ويؤذونه، فانتقل إلى حي آخر، فوجدهم يشتمون سادتهم ويؤذونهم، فقال: "أينما أوجه ألق سعداً"، وقال: "في كل واد بنو سعد".


وأنشد له صاحب الزهر:

 

لكل ضيق من الأمـور سـعـه

 

والصبح والمسي لا بقاء معـه

أزود عن حوضـه ويدفـعـنـي

 

يا قوم، من عاذري من الخدعه؟

قد يجمع المـال غـير آكـلـه

 

ويأكل المال غير من جمـعـه

فاقبل من الدهر مـا أتـاك بـه

 

من قر عيناً بعيشـه نـفـعـه

ولا تعاد الـفـقـير عـلـك أن

 

تركع يوماً والدهر قد رفـعـه

 

ومن الأغاني: "من شعراء الجاهلية، وكان مفركاً، فاجتمع نساؤه ليلة يسمرن، فتعاهدن على أن يصدقن [الخبر] عن قرك الأضبط، فأجمعن أنه بارد الكمرة، فقالت لإحداهن خالتها: أتعجز إحداكن إذا كانت ليلتها أن تسخن كمرته بشيء من دهن؟ فلما سمع قولها صاح: يا ‎آل عوف! يا آل عوف! فثار الناس، وظنوا أنه قد طرق، فقالوا: ما حالك؟ قال: أوصيكم أن تسخنوا كمراتكم، فإنه لا حظوة لبارد الكمرة! فانصرفوا يضحكون، وقالوا: تباً لك، ألهذا دعوتنا"!

أوس بن مغراء القريعي

من واجب الأدب: قال النابغة الجعدي: لم نزل نبتدر أنا وأوس بن مغراء بيتاً إذا قاله أحدنا غلب على صاحبه، فلما قال:

 

لعمرك ما تبلى سرابيل عامـر

 

من اللؤم أو تبلى عليها جلودها

غلب علي.

المخبل السعدي

من معجم الآمدي أنه "من بني لأي بن أنف الناقة". ومن واجب الأدب: بنو لأي أشراف بن تميم، وهم الذين مدحهم الحطيئة بقوله:

 

أتت آل شماس بن لأي وإنـمـا

 

أتاهم بها الأحلام والحسب العد

 

وبنو أنف الناقة هم بنو قريع. قال ابن عبد ربه: "وهم أشرف [بطن] في تميم". قال صاحب الزهر: "وكان يقال لأحدهم: يا ابن أنف الناقة فيغضب، وكانوا ينفرون من هذا اللقب؛ فلما قال الحطيئة في مدحهم:

 

سيري أمام فإن الأطيبين حصى

 

والأكرمين إذا ما ينسبون أبـا

قوم هم الأنف والأذناب غيرهـم

 

ومن يساوي بأنف الناقة الذنبـا

قوم إذا عقدوا عقداً لـجـارهـم

 

شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا

 

[صار أحدهم إذا سئل عن انتسابه لم يبدأ إلا به].


واسم المخبل ربيعة بن ربيع. وكان يهاجي الزبرقان بن بدر، فغلبه المخبل.


وله البيت المشهور:

يبكى علينا ولا نبكي على أحد

 

فنحن أغلظ أكباداً من الإبل

وله:

إذا أنت عادين الرجال فلاقـهـم

 

وعرضك من عيب الأمور سليم

بنو عبشمس بن سعد

ومن عبشمس بن سعد:

نبهان بن علي العبشمي

أنشد له المبرد في كامله:

يقر بعيني أن أرى من مكـانـه

 

ذرا عقدات الأبرق المتـقـاود

وأن أرد الماء الـذي وردت بـه

 

سليمى وقد مل السرى كل واخد

وألصق أحشائي ببـرد تـرابـه

 

وإن كان مخلوطاً بسم الأسـاود

 

ومن المنسوبين إلى سعد من غير تخصيص:

الخنوت السعدي

 من شعراء الجاهلية. من واجب الأدب: اسمه توبة بن مضرس، أنشد له الحاتمي في الحلية، وذكر أن زهيراً استلحقهما:

وأهل خباء صالح ذات بينـهـم

 

قد احتربوا في عاجل أنا آجلـه

فأقبلت في الساعين أسأل عنهـم

 

سؤالك بالشيء الذي أنت جاهله

وله:

ولما التقى الصفان واختلف القنا

 

نهالا وأسباب المنايا نهالـهـا

تبين لـي أن الـقـمـاءة ذلة

 

وأن أشداء الرجال طوالـهـا

المعلوط السعدي

من واجب الأدب: ذكروا أن جريراً ادعى قوله:

 

إن الذين غدروا بلبك غـادروا

 

وشلا بعينك ما يزال معينـا

غيضن من عبراتهن وقلن لي:

 

ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟

 

وله، وينسب إلى عبد الرحمن بن حسان:

 

إذا المرء أعيته السيادة ناشئاً

 

فمطلبها كهلا عليه شديد

مالك بن زيد مناة بن تميم

ذكر ابن حزم أنه كان أحمق مضعفا، وهو الذي أوصى أخاه سعداً بالقيام على إبله، فلم يقم بها حق القيام، فقال:

 

أوردها سعد وسعد مشتمـل

 

ما هكذا تورد يا سعد الإبل

 

ولذلك قيل في الأمثال: "آبل من مالك بن زيد مناة". والنسب إليه على جذمين: حنظلة وفيهم الشرف والعدد، وربيعة.

بنو خنظلة بن مالك

ابن زيد مناة بن تميم، فمنهم البراجم، وهم خمسة من ولد حنظلة، لهم أعلام في الإسلام.


والشرف والعدد في بني يربوع بن حنظلة، وفي بني دارم بن مالك بن حنظلة. ومن بني حنظلة بنو طهية.

بنو يربوع بن حنظلة

كانت منازلهم فيما يلي اليمامة من أرض نجد، وكانت في بني رياح الردافة. وبنو العنبر بن يربوع رهط سجاح التي تنبأت في بني تميم، وتزوجها مسيلمة الكذاب، وله معها حكاية في النكاح حتى قيل: "أغلم من سجاح".

الكلحبة اليربوعي

شاعر جاهلي من بني يربوع، وله البيت المشهور:

 

فقلت لكأس: ألجميها، فـإنـمـا

 

حللت الكثيب من زرود لأفزعا

 

وسيد بني يربوع في الجاهلية وفارسهم:

عتيبة بن الحارث بن شهاب

الذي يقال له: صياد الفوارس، ويضرب به المثل في الشجاعة والفروسية.

بنو دارم بن مالك بن حنظلة

فيهم شرف وجلالة، وفيهم يقول الفرزدق الشاعر:

 

وإذا نظرت رأيت قومك دارماً

 

والشمس حيث تقطع الأبصار

 

بنو زرارة بن عدس ابن عبد الله بن دارم. وفي هذا البيت مركز شرف بني دارم، وكانوا أهل مجوسية يعبدون النار من بين العرب؛ لمخالطتهم لملوك الفرس، واتباع مراضيهم.

زرارة أبوهم

كان سيداً في قومه، وله أمثال وكلام سائر. وهو القائل لأولاده: إن أمرتكم بالحروب ثكلتكم، وإن أمرتكم باجتنابها صبرت على ذلكم، والثكل خير من الذل.


وقال: لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار.


وقال: العزيز منوع، والذليل قنوع؛ والواجد متجن، والطالب متحين.

ابنه حاجب بن زرارة

كان سيد تميم، وهو الذي دخل على كسرى، فرغب إليه في أن يترك العرب تمير من أريافه؛ فقال: إن العرب غدر فجر، وإن دخلت بلادي عاثت فيها! فقال أيها الملك، أنا ضامن لك أنها لا تعيث، وهذه قوسي عندك رهن! فضحك أصحاب كسرى، فقال لهم كسرى: لا تضحكوا فإن للعرب وفاء! وأخذت منه القوس.


ودخلت بنو تميم فامتارت ولم تفسد شيئاً. ومات حاجب فجاء ابنه عطارد بن حاجب إلى كسرى، وأخذ منه القوس؛ فضرب المثل بقوس حاجب، وكان بنو زرارة يفخرون بها.


وأنشد أبو عبيدة في أمثاله لحاجب الأبيات المشهورة:

 

أغركم أني بأحـسـن شـيمة

 

رفيق وأني بالفواحش أخرق

وأنك قد فاحشتني فغلبـتـنـي

 

هنيئاً مريئاً أنت بالفحش أرفق

ومثلي إذا لم يجز أفضل سعيه

 

تكلم نعماه بفيه فـتـنـطـق

أخوه لقيط بن زرارة

كان سيداً مثل أخيه. ومن واجب الأدب أنه القائل يوم جبلة، وتروى لمحمد بن حاجب: إن الشواء والنشيل والرغف والكاعب الحسناء والكأس الأنف للطاعنين الخيل والخيل قطف وكان يوم شعب جبلة لقيس على تميم. وقتل من تميم في هذا اليوم عدد كثير، وكان قد ولد النبي صلى الله عليه.

بنو عمرو بن عدس

ومن بني عمرو بن عدس:

عمرو بن عمرو

 من واجب الأدب: كانت تخته دختنوس بنت لقيط بن زرارة، وكان ذا مال كثير إلا أنه كبير السن، فلم تزل تسأله الطلاق حتى فعل فتزوجها بعده عمير بن سعد بن زرارة، وكان شابا قليل المال. ففاجأتهم غارة والفتى نائم، فنبهته وقالت له: الخيل! فجعل يقول: الخيل! ويضرط حتى مات! فقيل: "أجبن من المنزوف ضرطا".

ولحق دختنوس عمرو بن عمرو، فاستنقذها وأردفها، وقال لها:

أي حليليك وجدت خيرا:

 

أألعظيم فيشة وأيرا أم الذي يلقى العدو ضيرا؟ وردها إلى أهلها. فأصابتهم سنة، ومرت بها إبل عمرو، فقالت لجاريتها: انطلقي فقولي له: أسقنا اللبن! فأبلغته، فقال: "الصيف ضيعت اللبن"، فذهبت مثلا؛ فقالت: "هذا ومذقه خير".

مجاشع بن دارم

من الأغاني: فيها يقول عمرو بن معدي كرب: الله مجاشع! ما أشد في الحرب لقاءها، وأجزل في اللزبات عطاءها، وأحسن في المكرمات بناءها! قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها. وكان قد أتى سيدهم مجاشع بن مسعود المجاشعي، فأمر له بعشرين ألف درهم، وفرس جواد، وسيف صارم، وجارية حسناء، فمر ببني حنظلة، فسألوه عن صاحبهم فقال ذلك.
وهم رهط الفرزدق الشاعر.

بنو نهشل بن دارم

ومن بني نهشل بن دارم:

صخر بن نهشل بن دارم

ذكر أبو عبيدة في الأمثال أنه كان له مرباع بني حنظلة. وقال له الحارث بن عمرو بن حجر الكندي الملك: هل أدلك على غنيمة ولي خمسها؟ قال: نعم؛ فدله على قبيلة فأغار عليها بقومه، فظفر وغنم، فقال له الحارث: "أنجز حر ما وعد"، فذهبت مثلا، ووفى له صخر.
وصخر هو القائل وقد تكلم ابنه بمحضره فأساء: اسكت يا بني، فإن الصمت ستر العي، كما أن الكلام ستر البيان.

الأسود بن يعفر النهشلي

من الكمائم: مشهور في شعراء الجاهلية، كان يفد على النعمان بن المنذر كثيراً وينادمه.


وله الأبيات المشهورة التي أولها:

 

نام الخلي فما أحـس رقـادي

 

وبقيت مطروحاً ببطن الوادي

ومنها:

ماذا أؤمل بـعـد آل مـحـرق

 

تركوا منازلـهـم وبـعـد إياد

أهل الخورنق والسـدير وبـارق

 

والقصر ذي الشرفات من سنداد

أرضاً تخيرهـا لـدار أبـيهـم

 

كعب بن مـامة وابـن أم دؤاد

نزلوا بأنقـرة يسـيل عـلـيهـم

 

ماء الفرات يجيء من أطـواد

جرت الرياح على محل ديارهـم

 

فكأنهم كانوا عـلـى مـيعـاد

أخوه حطائط بن يعفر

أنشد له صاحب حلى العلا:

أريني جواداً مات هزلا لعلني

 

أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا

ذريني فلا أعيا بما حل ساحتي

 

أسود فأكفي أو أعين المسودا

ضمرة بن ضمرة النهشلي

من واجب الأدب: كان من حكماء الجاهلية وخطبائهم، وهو الذي وفد على النعمان بن المنذر، وكان دميماً فاحتقره، وقال: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، فقال: أبيت اللعن، إن الرجال لا تكال بالقفزان، ولا توزن بالميزان، وإنما "المرء بأصغريه: قلبه ولسانه!" فقال: أنت ضمرة بن ضمرة!

سبطه نهشل بن حري بن ضمرة

من شعراء الحماسة، له فيها الأبيات التي منها:

أنا محيوك يا سلمى فـحـيينـا

 

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

إنا بني نهشل لا نـدعـي لأب

 

عنه، ولا هو بالأبناء يشرينـا

 

ورواه الآمدي لبشامة النهشلي.


ومن شعر نهشل قوله:

ويوم كأن المصطـلـين بـحـره

 

وإن لم يكن جمر قيام على الجمر

أقمنا به حتى تـجـلـى وإنـمـا

 

تفرج أيام الكريهة بالـصـبـر

بشامة بن حزن النهشلي

ذكره الآمدي في معجم الشعراء ونسب له البيتين المتقدمين. وهو من شعراء الحماسة أنشده أبو تمام:

ولقد غضبت لخندف ولقيسها

 

لما ونى عن نصرها خذالها

إني امرؤ أسم القصائد للعدى

 

إن القصائد شرها أغفالهـا

بنو فقيم بن جرير بن دارم

ومن بني فقيم بن جرير بن دارم:

الضحاك بن بهلول الفقيمي

من حيلة المحاضرة: قال ابن العلاء: ثلاثة أبيات قالها أصحابها ولم يعرفوا قدر ما خرج من رؤوسهم: قول المرقش:

ومن يلق خيراً يحمد الناس أمـره

 

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

وقول الضحاك الفقيمي:

ما كلف الله نفساً فوق طاقتها

 

ولا تجود يد إلا بما تـجـد

 وقول الآخر:

ألا عائذ بالله من عـدم الـغـنـى

 

ومن رغبة يوماً إلى غير مرغب

بنو طهية

وهي أمهم، وهو بنو عوف [وأبي] سود ابني مالك بن حنظلة.

أبو الغول الطهوي

قال الآمدي: لقب بذلك لأنه زعم أنه قتل غولا، وقال شعراً في ذلك.


وأنشد له أبو تمام في حماسته:

 

فدت نفسي وما ملكت يمـينـي

 

فوارس صدقوا فيهم ظنونـي

فوارس لا يمـلـون الـمـنـايا

 

إذا دارت رحى الحرب الزبون

ولا يجزون من حسن بـسـيء

 

ولا يجزون من عز بـهـون

ولا تبلى بسالـتـهـم وإن هـم

 

صلوا بالنار حيناً بـعـد حـين

 

هم منعوا حمى الوقبى بضرب=يؤلف بين أشتات المنون

فنكب عنهـم درء الأعـادي

 

وداووا بالجنون من الجنون

ولا يرعون أكناف الهوينـى

 

إذا حلوا ولا روض الهدون

وقوله:

لو كنت من مازن لم تستبح إبـلـي

 

بنو اللقيطة من ذهل بن شيبـانـا

إذاً لقام بنصري معشـر خـشـن

 

عند الحفـيظة إن ذو لـوثة لانـا

قوم إذا الشر أبدى ناجـذيه لـهـم

 

طاروا إليه زرافـات ووحـدانـا

لا يسألون أخاهم حـين ينـدبـهـم

 

في النائبات على ما قال برهانـا

لكن قومي وإن عزوا وإن كثـروا

 

ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفـرة

 

وعن إساءة أهل السوء إحسـانـا

كأن ربك لم يخلـق لـخـشـيتـه

 

سواهم من جميع الناس إنسـانـا

فليت لي بهم قـومـاً إذا ركـبـوا

 

شدوا الإغارة ركبانا وفرسـانـا

شماس بن أسود الطهوي

كم شعراء الحماسة، أنشد له أبو تمام:

 

أغـرك يومـاً أن يقـال ابــن دارم

 

وتقصى كما يقصى من البرك أجرب

فأد إلـى قـيس بـن حـسـان ذوده

 

وما نيل منك التمر أو هـو أطـيب

وإلا تصل رحم ابن عـمـرو فـانـه

 

يعلمك وصل الرحم عضب مجـرب

عمرو بن أسود الطهوي

قال الآمدي: هو "شاعر وفارس"، وأنشد له:

 

تلوم ومـا تـدري بـأية بـلـدة

 

هواي ولا وجهي الذي أتـيمـم

ولم تدر ما مطوية قد أجـنـهـا

 

ضميري الذي أطوي عليه وأكتم

فكم خطة في موطن قد فصلتهـا

 

كما طبق العظم اليماني المصمم

ربيعة الجوع

هو ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.

علقمة بن عبدة الربعي

من الأغاني: من شعراء الجاهلية، "يعرف بعلقمة الفحل، سمي بذلك لأنه خلف على امرأة امرئ القيس أم جندب لما حكمت عليه بأنه أشعر منه في صفة الفرس، فطلقها". وهي "امرأة من طيء، وكان امرؤ القيس لما جاورهم تزوجها، فنزل به علقمة، وقال كل واحد منهما لصاحبه: أنا أشعر، فتحاكما إليها؛ فأنشد امرؤ القيس قصيدته خليلي مرا بي على أم جندب حتى بلغ إلى قوله في الفرس:

 

فللسوط أعلاه وللساق ركضـه

 

وللزجر منه وقع أهوج منعب

 

وأنشدها علقمة قصيدته ذهبت من الهجران في غير مذهب حتى انتهى إلى قوله في الفرس:

 

فأدركهن ثانيا من عنـانـه

 

يمر كمر الرائح المتحلب

 

فقالت له: علقمة أشعر منك! قال: وكيف؟ قالت: لأنك زجرت فرسك، وحركته بساقيك، وضربته بسوطك؛ وفرسه جاء الصيد وأدركه ثانياً من عنانه! فغضب امرؤ القيس من قولها، وقال: ليس كما قلت، ولكنك هويته! فطلقها، وتزوجها علقمة".


والشعر الذي يغنى به من شعر علقمة قوله:

 

هل ما علمت وما استودعت مكتوم

 

أم حبلها إذ تأتك اليوم مصـروم

يحملن أترجة نضخ العبير بـهـا

 

كأن تطيابها في الأنف مشمـوم

قد أشهد الشرب فيهم مزهر صدح

 

والقوم تصرعهم صهباء خرطوم

كأن إبريقهم ظبي علـى شـرف

 

مفدم بسبا الكـتـان مـلـثـوم

 

ومن واجب الأدب: أحد الشعراء الستة الجاهلية، لقب بالفحل لأنه كان في قومه شاعر آخر يقال له: علقمة الخصي.
وقوله: "يحملن أترجة" هو من أبدع ما وقع في باب الوحي والإشارة، وكنى بذلك عن المرأة التي مسها مضض السفر.
وله:

 

وكل بيت وإن طالت إقامـتـه

 

على دعائمه لاشك مهـدوم

وكل قوم وإن عزوا وإن كثروا

 

عريفهم بأثافي الشر مرجوم

ومن تعرض للغربان يزجرها

 

على سلامته لابد مـشـؤوم

 

ومن مشهور شعره قوله:

 

فان تسألوني بالنساء فإننـي

 

بصير بأدواء النساء طبيب

إذا شاب رأس المرء أو قل ماله

 

فليس له من ودهن نـصـيب

يردن ثراء المال حيث علمنـه

 

وشرخ الشباب عندهن عجيب

 

وله وقد أسر أخاه شأساً الحارث بن أبي شمر الغساني:

 

وفي كل حي قد خبطت بنعمة

 

فحق لشأس من نداك ذنوب

 

وفي عقبه شعراء.


ومن المنسوبين إلى تميم من غير تخصيص ولا معرفة عصر:

عطاء بن أسيد التميمي

وهو أبو المرقال؛ أنشد له الآمدي: وصاحب قلت له بنصح: قم فارتحل قدلاح ضوء الصبيح فقام يهتز اهتزاز الرمح

تاريخ ضبة بن أد

ابن طابخة بن خندف بن مضر

ذكر النسابون أن ضبة ولد سعداً وسعيداً وباسلا. أما باسل فلحق بأرض الديلم فمن ولده الديلم والجيل. وأما سعيد فخرج مع سعد أخيه، فرجع سعد ولم يرجع سعيد، فذهل عليه أبوه وكاد يفارق عقله، وجعل يقول: "أسعد أم سعيد"، فجرت مثلا.


ومن الأمثال لابن فارس: بينا ضبة بن أد ومعه الحارث بن كعب في الشهر الحرام إذ قال له الحارث: لقيت بهذا المكان فتيين - ووصفهما - فقتلت أحدهما، وأخذت سيفه هذا! فنظر إليه فإذا سيف ابنه سعيد، فقال: "الحديث [ذو] شجون"، فسارت مثلا. ثم صب عليه ذلك السيف، فقيل له: أقتلته في الشهر الحرام؟ فقال: "سبق السيف العذل"، فسارت مثلا. والعقب له من ابنه سعد.

زيد الفوارس بن حصيص بن ضرار الضبي

من واجب الأدب: سمي بذلك لفروسيته. وهو جاهلي من شعراء الحماسة، أنشد له أبو تمام:

دعاني ابن مرهوب على شنء بيننا

 

فقلت له: إن الرماح مـصـائد

وقلت له: كن عن شمالي فـانـه

 

سأحميك إن ذاد الـمـنـية ذائد

الأخضر بن هبيرة الضبي

من واجب الأدب: هو شاعر فارس من بني السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة، ذكره أبو تمام في الحماسة وأنشد له:

ألا أيها النابح الـسـيد إنـنـي

 

على نأيها مستبسل من ورائها

دع السيد إن السيد كانت قبـيلة

 

تقاتل يوم الروع دون نسائهـا

على ذاك ودوا أنني في ركـية

 

تجذ قوى أسبابها دون مائهـا

أبو ثمامة بن عازب الضبي

من شعراء الحماسة، أنشد له أبو تمام:

رددت لضـبة أمـواهـهـا

 

وكادت بلادهم تسـتـلـب

بكري المطي وإنـضـاءهـا

 

وبالكور أركبها والقـتـب

أخاصمـهـم مـرة قـائمـاً

 

وأجثو إذا ما جثوا للركـب

وإن منطق زل عن صاحبـي

 

تعقبت آخر ذا معـتـقـب

أفر من الشـر فـي رخـوة

 

فكيف الفرار إذا ما اقترب؟

وله:

فجارك عند بيتك لحم ظبي

 

وجاري عند بيتي لا يرام

عماره بن صفوان الضبي

من واجب الأدب: شاعر مجهول العصر، له البيت المشهور ويروى لعنترة:

ما أنعم العيش لو أن الفتى حجر

 

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

وله:

أجارتنا من يجتمـع يتـفـرق

 

ومن يك رهناً للحوادث يغلق

تاريخ مزينة

قال ابن حزم: "ولد عمرو بن أد بن طابخة بن خندف بن مضر عثمان وأوساً، أمهما مزينة بنت كلب بن وبرة، فنسب بنوها إليها".
وهم من بين إخوتهم بني طابخة تهاميون محسوبون من أعراب المدينة النبوية، وكانوا من أنصار رسول الله صلى الله عليه.
ومن الأغاني أن حسان بن ثابت الشاعر قال لرجل من مزينة: والله لولا سوابق قومك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لطوقتك طوق الحمام.


وذكر صاحب الكمائم أن منازل مزينة كانت في الجاهلية بوادي سالم من ضواحي المدينة، ووادي الصفراء والغميم المذكور في الأشعار.
وليس الآن بهذه الأرض من مزينة مذكور بل هي لبني حسن الطالبيين، ومن انضاف إليهم.


والمذكور هنا:

زهير بن أبي سلمى

ربيعة بن رياح بن قرط بن الحارث بن مازن بن حارثة بن ثعلبة بن هذمة بن لاطم بن عثمان؛ وأمه مزينة.

[تاريخ الرباب]

نشوة ابنه الرائش الحارث بن ذي شددالجزء الثاني

 تاريخ قيس عيلان بن مضر

إذا نادت العرب: يال منصور! بأفريقية، يقال: إنها تجتمع في مائة ألف فارس. ولهم هنالك عز وثروة، وتحكم على البلاد والعباد. وهم من صعيد مصر إلى البحر المحيط قد عمروا مسافة نصف المعمورة؛ ولا نعلم في الشرق ولا في الغرب للعرب جمجمة أعظم منها.
وقال لي أحد العارفين من عرب المشرق: إنهم إذا نادوا: يال منصور! في أرض العرب والعراق والجزيرة يجتمع لهم نحو خمسين ألف فارس! وكانت أرضهم في الجاهلية فيما يوالي سروات الحجاز من نجد.


والنسب المذكور في عقب منصور في: هوازن وفيها العدد، وفي سليهم وفيها أيضاً عدد ونباهة، وفي مازن وهي دونهما.

تاريخ هوازن

ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان. قال ابن حزم: الأجذام والبيت والعدد والعقب من ولده في بكر بن هوازن؛ والنسب من ولده في: معاوية وفيه البيت والعدد والنباهة، وفي سعد، وفي ثقيف.


فأما معاوية بن بكر بن هوازن فالنباهة والعدد من ولده في صعصعة، وفي جشم عدد ونباهة، وفي نصر قلة مع نباهة كانت في الجاهلية.
فأما صعصعة بن معاوية فجمهور النسب من ولده والعدد والبيت في عامر، وفي سلول قلة.

تاريخ عامر بن صعصعة

ابن معاوية بن بكر بن هوازن. جمجمة عظيمة فيها البيت والعدد والأجذام، والعقب النابه ومن ولده في هلال ونمير وربيعة.

 هلال بن عامر

فأما هلال بن عامر رهط حميد بن ثور الشاعر، فافترقوا على جذمين عظيمين: زغبة ورياح، وهما بالمغرب في عدد كثير، ولا ذكر لهما بالمشرق. وفيهما يقول الشاعر حين كانا بصعيد مصر وبرقة:

 

إذا كنت تكلف بالمكارم فلتزر

 

ولدي هلال: زغبة ورياحا

لا عيب فيهم غير شح نسائهم

 

ومن المكارم أن يكن شحاحا

 

ومنهم في الجاهلية:

مادر الهلالي

الذي يقال فيه: "ألأم من مادر" سقى إبله، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه، ومدره بالسلح _ أي لطخه _ لئلا ينتفع به أحد بعده.


وفيه قيل:

كما جللت خزياً هلال بن عامر

 

بني عامر طراً بسلحة مادر

بنو نمير بن عامر

وأما نمير بن عامر فكانت إحدى جمرات العرب، وهم رهط الراعي النميري الشاعر. وكان أحدهم يفخر بأن يقول: أنا نميري! فلما قال جرير:

 

فغض الطرف إنك من نمير

 

فلا كعباً بلغت ولا كلابـا

 

صارت تعدل عن النسب إلى نمير وتنسب إلى عامر! ودخل بنو نمير في الإسلام إلى الجزيرة الفراتية، فكان لهم هنالك دولة، ثم خمدوا فليس لهم ذكر.

ربيعة بن عامر

وأما ربيعة بن عامر فيقال لولده: بنو مجد، ومجد أمهم، وفيهم يقول لبيد:

 

سقى قومي بني مجد وأسقى

 

نميراً والقبائل من هـلال

 

قالوا: وبنو مجدهم: كعب وكلاب وعامر بنو ربيعة.

كعب بن ربيعة

فأما كعب بن ربيعة بن عامر فإن العدد والبيت والأجذام فيه. قال ابن قتيبة: "وولده عقيل، وقشير، وجعدة، والحريش، وعبد الله".

تاريخ عقيل بن كعب

ابن ربيعة بن عامر. وكان لها في الجاهلية ذكر وأعلام وكثرة، ثم عظم ظهورها في الدولة العباسية، واستولت على بلاد الموصل مع ما كان لها من العراق، وكان من سلاطينها شرف الدولة مسلم بن قريش ملك الجزيرة والشام. ولم يبق معها بالجزيرة لربيعة الفرس قائمة، ولا بالعراق لبني أسد ذكر، ولا دولة للعرب في البادية بالمشرق أعظم من دولتها.


قال ابن حزم: وأما عقيل فيقال: إن عددها يفي بجميع عدد مضر. وأجذام عقيل العظيمة ثلاثة: عبادة، وعمرو، وعامر.

عبادة بن عقيل

فأما عبادة بن عقيل فهو الأخيل. وكان بنوه في القديم يعرفون بالأخايل، وهم رهط ليلى الأخيلية الشاعرة. وقد ذكر ابن قتيبة أن مجنون ليلى العامري من بني الأخيل. وقد تركوا هذا النسب، والمعروف الآن عبادة.


ولا قائمة لها في جزيرة العرب، وأرضها الآن بالجزيرة الفراتية وما والاها من العراق. وهم أهل عافية وأموال تصل إخوتهم خفاجة، والحرب بينهم قائمة.

عمرو بن عقيل

وأما عمرو بن عقيل فالنسب المشهور منهم إلى خفاجة بن عمرو. وقد انتقلوا إلى العراق؛ والدولة الآن في بادية العراق لهم، وهم أصحاب صولة وعيث في الأرض.


ومشهورهم في الجاهلية:

توبة بن الحمير الخفاجي

 من الكمائم: كان فارساً عاشقاً شاعراً، وقتلته في الجاهلية بنو عوف بن عامر أبناء عمه. ومن مشهور شعره قوله في ليلى الأخيلية:

حمامة بطـن الـواديين تـرنـمـي

 

سقاك من الغر الغوادي مطيرهـا

أبيني لنـا لازال ريشـك نـاعـمـاً

 

ولازلت في خضراء غض نضيرها

يقـول أنـاس: لا يضـيرك نـأيهـا

 

بلى كل ما شف النفوس يضيرهـا

بلى قد يضير العين أن تكثر البـكـا

 

ويمنع عنها نومهـا وسـرورهـا

وأشرف بالقور اليفـاع لـعـلـنـي

 

أرى نار ليلى أو يراني بصـيرهـا

وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقـعـت

 

فقد رابني منها الغداة سـفـورهـا

وقد زعمت ليلـى بـأنـي فـاجـر

 

لنفسي تقاها أو عليها فـجـورهـا

وقوله:

قالت مخافة بيننا وبكـيت لـه

 

والبين مبعوث على المتخوف

لو مات شيء من مخافة فرقة

 

لأماتني للبين طول تخوفـي

ملأ الهوى قلبي فضقت بحمله

 

حتى نطقت به بغير تكلـف

 

ومن الأغاني: "كان توبة قد رحل إلى الشام فمر ببني عذرة، فرأته بثينة فجعلت تنظر إليه، فعز ذلك على جميل، فقال: هل لك في الصراع؟ فقال: ذلك إليك. فشدت عليه بثية ملحفة مورسة فائتزر بها، ثم صارعه فصرعه جميل! ثم قال له: هل لك في النضال؟ فقال: نعم؛ فناضلة فنضله جميل، ثم سابقة فسبقه؛ فقال له توبه: يا هذا، إنما تفعل هذا بريح هذه الجالسة، ولكن اهبط إلى هذا الوادي لتعلم. فهبط، فصرعة توبة ونضله وسبقه".


هكذا جاء هذا الخبر، وقد ذكر البيهقي أنه قتل في الجاهلية.

عامر بن عقيل

وأما عامر بن عقيل فهم بطون، امتاز منها بالشهرة المنتفق بن عامر بن صقيل، وهو نحو ألف فارس، ولهم صولة، وكم غارة لهم على البصرة والحجاج! ومنهم بنو خويلد، وهم فرسان عقيل، وهم الآن بجهة البحرين، ومنهم في عبادة 

 

[تاريخ جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن]

 [دريد بن الصمة]

0"فلقيه ابن جدعان بسوق عكاظ، فحياه وقال: هل تعرفني يا دريد؟ قال: لا، قال: فلم هجوتني، قال: من أنت؟ قال: عبد الله بن جدعان، قال: هجوتك لأنك كنت [امرأ] كريما، فأحببت أن أضع شعري موضعه! فقال له: لئن كنت هجوت لقد مدحت! وكساه، وحمل إليه ناقتين برحليهما، فقال يمدحه:

إليك ابن جدعان أعلمـتـهـا

 

مسومة للسرى والنصـب

فلا خفض حتى تلاقي امـرأ

 

جواد الرضا وحليم الغضب"

وله تغزل في الخنساء الشاعرة.

ومن السيرة: أنه "لما فتح رسول الله صلى الله عليه مكة، وسمعت به هوازن، جمعها مالك بن [عوف] النصري، واجتمعت إليه ثقيف؛ وأخرجت بنو جشم دريد بن الصمة، وهو يومئذ شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه، ومعرفته بالحرب.

فلما أجمع مالك للمسير حط مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم فلما نزلوا بأوطاس اجتمع إليه الناس ومنهم دريد، فقال لهم دريد: بأي واد أنتم؟ فقالوا: بأوطاس، فقال: نعم مجال الخيل! ليس بالحزن الضرس، ولا السهل الدهس! مالي أسمع رغاء الإبل ونهاق الحمير وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك بن [عوف] مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، قال: أين مالك؟ فدعي به، فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا اليوم له ما بعده من الأيام، فلم سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأولادهم؟ قاله: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم! فقال دريد: هذا رأي راعي ضأن، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه؛ وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك! فارفعهم إلى أعالي بلادهم، وعليا قومهم، والق القوم بالرجال على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك، ولم تفضح في حريمك.

فقال: والله لا أفعل ذلك أبداً، إنك قد خرفت، وخرف رأيك وعلمك، والله لتطيعنني أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري! ونفس على دريد أن يكون له في ذلك ذكر أو رأي؛ فقالوا: قد أطعناك وخالفنا دريداً، فقال دريد: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ثم قال:  

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع

 

قال: "فلما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انهزموا، فأتى بعضهم الطائف ومعهم مالك رئيسهم، وأقام بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم إلى نخلة. وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه من سلك نخلة، فأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، فأناخ به فإذا شيخ كبير، ولم يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت؟ قال له ربيعة بن رفيع السلمي. ثم ضربه بسيفه فلم يصنع شيئاً، فقال له: بئس ما سلحك أبوك! خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل في القراب، فاضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فاني كذلك كنت أضرب الرجال! فإذا أتيت أملك فأعلمها أنك قتلت دريد بن الصمة، فرب يوم قد منعت فيه نساءك! فلما ضربه ربيعة سقط فتكشف، فإذا عجانه وبطن فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل. فلما رجع إلى أمه، وأخبرها بقتله إياه قالت: لقد أعتق قتيلك ثلاثاً من أمهاتك!".


ومن مشهور شعر دريد قصيدته التي منها:

أرث جديد الحبل من أم معبـد

 

يعاقبة أم أخلفت كل موعـد

وبانت ولم أحمد إليها جوارهـا

 

ولم تزج فينا ردة اليوم أو غد

ومنها:

فقلت لهم: ظنوا بألفـي مـدجـج

 

سراتهم بالفارسي الـمـسـرد

أمرتهم أمري بمنعـرج الـلـوى

 

فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم وقد أرى

 

غوايتهم وأنني غـير مـهـتـد

وهل أنا إلا من غزية إن غـوت

 

غويت وإن ترشد غزية أرشـد

نصر بن معاوية

وأما نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن فهم رهط مالك بن عوف النصري، سيد هوازن يوم حنين؛ وهو مذكور في تاريخ الإسلام.

سعد بن بكر بن هوازن

وأما سعد بن بكر بن هوازن فيقال لهم: أظآر رسول الله صلى الله عليه، استرضع فيهم، وهم أفصح العرب.

تاريخ ثقيف

وهو عمرو بن منبه بن بكر هوازن؛ وقيل، اسمه قسي، وقيل: قسي لقب له؛ لأنه مر بأبي رغال - وكان مصدقا - فقتله، فقيل: قسا عليه.
وقال أحد بني ثقيف: نحن قسي وقسا أبونا وقد قيل: إنه من إياد، وقيل: إنه من بقايا ثمود، والأشهر الذي تقدم ذكره.


وكان بنو عدوان يسكنون الطائف، فغلب عليهم بنو ثقيف وسكنوه إلى اليوم؛ وهم أهل مدر.


قال البيهقي: الطائف مدينة صغيرة من بلاد نجد، وإن كانت في الولاية كثيراً ما تضاف إلى مكة لقربها منها، ليس بينهما إلا [مرحلتان].
وأنشد صاحب الورقة لمنقذ الهلالي:

للـه در ثـقـيف أي مـنـــزلة

 

حلوا بها بين سهل الأرض والجبل

قوم تخير خفض العـيش رائدهـم

 

فأصبحوا يلحفون الأرض بالحلل

ليسوا كمن يصبح الترحال همـتـه

 

أقبل بعيش على حل ومرتـحـل

 

ولثقيف أعلام في الإسلام، وهم رهط المغيرة بن شعبة أحد دهاة العرب، ورهط الحجاج. ومنهم في الجاهلية:

أبو الصلت عبد الله بن أبي ربيعة الثقفي

من واجب الأدب: كان من المشهورين من شعراء الجاهلية ومن رؤساء ثقيف، ووفد على سيف بن ذي يزن يهنئه بغلبته على اليمن وإخراج الحبشة منها، وأنشده القصيدة التي منها:

 

فاشرب هنيئاً عليك التاج مرتفـعـاً

 

في رأس غمدان داراً منك محلالا

ابنه أمية بن أبي الصلت

من الأغاني: "أمه رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف"، وكان قد قرأ كتب الله عز وجل، وكان يأتي في شعره بأشياء لا يعرفها العرب: كان يسمي الله في شعره السليطيط، وفي مكان آخر التغرور، فقال: "إن السليطيط فوق الأرض مقتدر" قال ابن قتيبة: "علماؤنا لا يحتجون بشعره لهذه العلة".


"وكان قد لبس المسوح، وتبع _ على زعمه _ دين إبراهيم وإسماعيل، وحرم الخمر، وشك في الأوثان، وطمع في النبوة؛ لأنه قرأ في الكتب أن نبياً سيبعث من العرب، وكان يرجو أن يكون هو. فلما بعث النبي عليه السلام، فقيل له: هذا الذي كنت تقول فيه، فحسده وقال: إنما كنت أرجو أن أكونه؛ فأنزل الله عز وجل "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها" (الآية)، وهو القائل:

 

كل دين يوم القيامة عند ال

 

له إلا دين الخنيفة زور

وكان يحرض قريشاً بعد وقعة بدر، وكان يرثي من قتل فيها من قريش: فمن ذلك قوله:  

ماذا ببـدر والـعـقـن

 

قل من مرازبة جحاجح

 

وهي قصيدة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن روايتها".


"وقال الزهري: خرج أمية في سفر، فنزلوا منزلا، فأم أمية وجها وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع، فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر؛ قال: فأي الثياب أحب إليك أن يلقك فيها؟ قال: السواد، قال كدت والله أن تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك؛ فإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه تابعه من شقه الأيمن، وأحب الثياب أن يلقاه فيها البياض".


ومن مشهور شعر أمية قوله يعاتب ابناً له:

غذوتك مولوداً وعلـتـك يافـعـاً

 

تعل بما أجبي إليك وتـنـهـل

إذا ليلة نالتك بالشكـو لـم أبـت

 

لشكواك إلا ساهراً أتمـلـمـل

كأني أنا المطروق دونك بـالـذي

 

طرقت به دوني فعيناي تهمـل

تخاف الردى روحي عليك وإنهـا

 

لتعلم أن الموت وقت مـؤجـل

فلما بلغت السن والغـاية الـتـي

 

إليها مدى ما كنت فـيك أؤمـل

جعلت حبائي منك جبهاً وغلـظة

 

كأنك أنت المنعم المـتـطـول

وسميتني باسم الـمـفـنـد رأيه

 

وقلت ولم تصدق: أنا منك أفضل

فليتك إذ لم تـرع حـق أبـوتـي

 

فعلت كما الجار المجاور يفعـل

فأوليتني حق الجوار ولـم تـكـن

 

علي بمالي دون مالك تبـخـل

تراخ معداً لـلـخـلاف كـأنـه

 

برد على أهل الصواب موكـل

 

"ولما مرض أمية مرضه الذي مات فيه جعل يقول: قد دنا أجلي، وهذه المرضة آخر مدتي، وأنا أعلم علماً يقيناً أن الحنيفة حق، ولكن الشك يداخلني في محمد! ولما دنت وفاته أغمي عليه قليلا، وأفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما هأنذا لديكما لا مالي يفديني! ولا عشيرتي تحميني! ثم أغمي عليه بعد ذلك ساعة أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما هأنذا لديكما لا بري فأعتذر، ولا قوي فأنتصر! ثم أغمي عليه حتى ظنوا أنه قضي نحبه، ثم أفاق وهو يقول: لبيكما لبيكما هأنذا لديكما محفوف بالنعم

 

إن تغفر اللهم تغفر جما

 

وأي عبد لك لا ألمـا

 

ثم أقبل على القوم وقال: قد جاء وقتي، فكونوا في أهبتي! وحدثهم قليلا حتى أيس القوم من موته، ثم أنشأ يقول:

كل عيش وإن تـطـاول دهـراً

 

قصـره مـرة إلـى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قـد بـدا لـي

 

في قلال الجبال أرعى الوعولا

اجعل الموت نصب عينيك واحذر

 

غولة الدهر إن للدهـر غـولا

 

ثم قضى نحبه، ولم يؤمن بالنبي عليه السلام".


ومن قطب السرور للرقيق أنه كان ينادم عبد الله بن جدعان جواد قريش، فرأى عنده جارية ذهبت بعقله، فكتب إليه:

 

أأذكر حاجتي أم قد كفـانـي

 

حياؤك إن شيمتك الـحـياء

وعلمك بالحقوق وأنت فـرع

 

لك الأصل المهذب والسناء

كريم لا يغـيره صـبــاح

 

عن الخلق الجميل ولا مساء

إذا أثنى عليك المـرء يومـاً

 

كفاه من تعرضه الثـنـاء

تباري الريح مكرمة وجـوداً

 

إذا ما الكلب أحجره الشتاء

ابنه قاسم بن أمية

من الكمائم أنه شاعر مثل أبيه وجده. ومن مشهور شعره قوله:

قوم إذا نزل الحريب بأرضهم

 

تركوه رب صواهل وقيان

لا ينكتون الأرض عند سؤالهم

 

لتطلب العلات بالـعـيدان

الحارث بن كلدة الثقفي

طبيب العرب؛ ذكر صاحب الاستيعاب أنه "كان طبيباً حكيماً، ومات في أول الإسلام، ولم يصح إسلامه. وروي أن رسول الله صلى الله عليه أمر سعد بن أبي وقاص أن يأتيه يستوصفه في مرض نزل به؛ فدل ذلك على جواز تشاور أهل الكفر في الطب إذا كانوا من أهله".
وولده الحارث بن الحارث صحابي من أشراف قومه، وولده أبو بكرة الصحابي رضي الله عنه.

تاريخ سليم

ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر. قال ابن حزم: هي جمجمة عظيمة، ومنهم قبائل ليست بالمشهورة، وأشهرهم: رعل وذكوان.


قال البيهقي: والشريد أشهر من قبائل جميع سليم، وأما رعل وذكوان فانهما مشهوران في الكتب، ولا نعلم أعلاماً ينتسبون إليهما.
وقبائل سليم ليست لها الآن بالمشرق شهرة ولا ذكر، وإنما هي بالمغرب، ومشاهيرهم: الشريد، وعوف، ورواحة، وذباب، وزغب.

بنو الشريد

 فأما الشريد فهو ابن رياح بن ثعلبة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة ابن سليم.

عمرو بن الشريد

من واجب الأدب: كان في الجاهلية سيد بني سليم، وكان يمسك بيدي ابنيه صخر ومعاوية في الموسم، فيقول: أنا أبو خيري مضر، فمن أنكر فليغير! فلا يغير ذلك أحد.

معاوية بن عمرو

وأما معاوية بن عمرو فهو المشهور عند العرب بفارس الجون.

صخر بن عمرو

وأما صخر بن عمرو فمن واجب الأدب أنه الذي اشتهر ببكاء الخنساء عليه؛ وكان موته من طعنة، وبقي بها مريضاً مدة طويلة حتى ضجرت منه زوجه، فسمعها تقول لمن سأل عنه: لا ميت فينعى، ولا حي فيرجي! فقال:

 

أرى أم صخر لا تمل عـيادتـي

 

وملت سليمى مضجعي ومكاني

إذا ما امرؤ سوى بـأم جـلـيمة

 

فلا عاش إلا في شقا وهـوان

أهم بأمر الحزم لو أستطـيعـه

 

وقد حيل بين العير والنـزوان

لعمري لقد أيقظت من كان نائماً

 

وأسمعت من كانت لـه أذنـان

وما كنت أخشى أن أكون جنازة

 

عليك ومن يغتر بالحـدثـان؟

 

ورثى أخاه معاوية بالأبيات التي في الحماسة ومنها:

 

وطيب نفسي أنني لم أقل له

 

كذبت ولم أبخل عليه بماليا

وكم إخوة قطعت أقران بينهم

 

كم تركوني واحداً لا أخا ليا

 

وذكر أبو بكر بن القوطية أن قاتل صخر وعلة الجرمي، وذلك أن صخراً لقيه، فحمل عليه وفي يد وعلة رمح نسيه بالدهش، فقال له صخر: ألق الرمح؛ فقال وعلة: ألا لا أرى معي رمحاً وأنا لا أشعر! "ذكرتني الطعن وكنت ناسياً"؛ ثم كر على صخر، فطعنه الطعنة التي مات منها.
وفي أمثال أبي عبيدة أن قاتله يزيد بن الصعق.


ورثاء الخنساء لأخيها صخر كثير، وهو مذكور في تاريخ الإسلام. 

بنو عوف

وأما عوف فهو ابن بهثة بن سليم، وهم في خلق عظيم بأفريقية، وقد انقسموا على جذمين: علاق ومرداس، وفيهم الحرب القائمة.

بنو هيب

وإخوتهم هيب بن بهثة بن سليم تركب في نحو خمسة عشر ألف فارس في أرض برقة، لها من طلمثيه إلى درنة إلى عقب الاسكندرية.

بنو رواحة

ورواحة في جوارها إلى إفريقية، تركب في نيف على ألف فارس. ولا أتحقق اتصال نسبها بهيب كيف مر.

بنو ذباب

وأما ذباب فإنهم خلق كثير، إذا سئلوا قالوا: نحن من سليم، ولا أعلم اتصال نسبهم كيف هو.


ومنازلهم برأس أفريقية في جهة طرابلس.

بنو زغب

وأما زغب فانهم الآن بأفريقية لهم شوكة وفرسان يزيدون على ألف، وذكرهم ابن ماكولا، وضبطهم بكسر الزاي وإهمال العين، وقال: هم خلق كثير بين مكة والمدينة، وهم من بني زغب بن مالك بن بهثة بن سليم.


وسألت عنهم بين الحرمين فلم أجد منهم إلا قليلا في جوار بني علي وغيرهم؛ وعددهم بالمغرب.


ومن وجدته منسوباً إلى سليم من غير تخصيص، وهو جاهلي وله شعر:

نشيبة بن حبيب السلمي

من الأغاني أنه قاتل ربيعة بن مكدم الكناني، والقائل فيه:

ولقد طعنت ربيعة بـن مـكـدم

 

يوم الكديد فخر غـير مـجـدل

تمشي النعـام بـه خـلاء وحـده

 

مشي النصارى حول بيت الهيكل

 

وفي هذا الشعر:

 

فاحذر محل السوء لا تلمم به

 

وإذا نبا بك منزل فتحـول

 

وقيل: إن قائل هذا الشعر أهبان بن عاديا؛ وقيل: عنترة، وقيل عبد القيس بن خفاف البرجمي.

نضلة السلمي

من واجب الأدب: هو من شعراء قيس في الجاهلية وفرسانها، وله الشعر المشهور الذي منه:

ألم تسل الفوارس يوم غول

 

بنضلة وهو موتور جريح

رأوه فازدروه وهو خرق

 

وينفع أهله الرجل القبيح

بنو مازن

وأما مازن بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان فهم رهط عتبة بن غزوان المازني صاحب رسول الله صلى الله عليه، وهو الذي اختط البصرة؛ ولا ذكر لهم بالبادية.

بنو محارب

وأما محارب بن خصفة بن قيس عيلان فهي قبيلة محقورة عند العرب، ولها قيل:

 

وقيس عيلان لا أريد لـهـا

 

من المخازي سوى محاربها

 

ولا ذكر لها الآن بالبادية؛ ولها شعراء في الإسلام.


ومنها ممن جهل عصره:

أم الضحاك المحاربية

قال البيهقي: هي شاعرة بدوية مذكورة، لها في الضبابي الذي كانت تهواه:  

هل القلب إن لاقي الضبابي خالـياً

 

لدى الركن أو عند الصفا متحرج

وأعجلنا قرب الرحـيل وبـينـنـا

 

حديث كتنشيج المريضين مزعج

حديث لو ان اللحم يصلى بـجـره

 

طرياً أتى أصحابه وهو منضـج

سعد بن أبي عيلان

وأما سعد بن قيس عيلان فولد: غطفان وأعصر؛ والعز والعدد في غطفان.

تاريخ غطفان

ابن سعد بن قيس عيلان. هي جمجمة عظيمة، وكانت لها ديار منفسحة. ذكر البيهقي أنها خصت من قبائل قيس بالبلاد النجدية التي توالي وادي القرى وجهاتها. ومن حرارها حرة النار، ومن معالمها المشهورة: أبانان والحاجر والهباءة. قال ياقوت في معجم البلدان: "أبان الأبيض شرقي الحاجر فيه نخل وماء، وهو العلم [لبني فزارة وعبس]؛ وأبان الأسود لبني فزارة، وبينهما ميلان". قال: "وأبرق الحنان المذكور في الأشعار ماء لبني فزارة لا يزال يسمع فيه الحنين، ويقال إنه حنين الجن".


وليس لغطفان اليوم في هذه البلاد ذكر، بل تفرقوا على بلاد الإسلام، وغلبت على أرضهم بالحجاز بطون طيئ.


وأجذام غطفان المشهور بالنسب إليها: عبس وذبيان وأشجع.

بنو عبس بن بغيض

أما عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان فإن بطونها اقتصرت في النسب إليها، وليست من الجماجم.


قال البيهقي: وعبس إحدى جمرات العرب.


ولها أعلام في الجاهلية والإسلام.

زهير بن جذيمة

من بني رواحة بن الحارث بن قطيعة بن عبس؛ كان سيد غطفان في الجاهلية، وقتله خالد بن جعفر بن كلاب. وهو القائل: الحرب ثكل، والدعة مذلة.

ورقاء بن زهير

ورث ياسة غطفان عن أبيه. وكان لما قتل أباه خالد في الجاهلية أقبل ورقاء بسيفه على خالد، وكان عليه درع، فنبا السيف، فقال ورقاء:

 

رأيت زهيراً تحت كلكل خالد

 

فأقبلت أسعى كالعجول أبادر

فشلت يميني حين أضرب خالداً

 

فيمنعه مني الحديد المظاهر

أخوه قيس الحفاظ بن زهير

من واجب الأدب: فارس حرب داحس، وصاحب تدبيرها، والمشار إليه فيها.


وسبب حرب داحس - وهي من أعظم حروب الجاهلية، تفانت فيها رؤساء عبس وذبيان - أن قيس بن زهير سيد عبس، وحذيفة بن بدر الفزاري سيد ذبيان تخاطرا على سباق، فأجرى قيس داحساً والغبراء، وأجرى حذيفة قزرلا والخطار والخيفاء؛ فجلس أهل حذيفة على الطريق _ وكان المضمار أربعين ليلة، والغاية مائة غلوة - فجاءت الغبراء سابقة فلطموها وردوها، فقال قيس: سبقت! فدفعوه عن ذلك وتشاجروا، فقال قيس: أعطونا بعيراً واحداً ننحره لأهل الماء؛ فقال جذيفة: ما كنا لنقر لك بالسبق! فرحل عنهم، وكان ذلك سبب الحرب.
وقتل قيس حذيفة وأخاه حملا، وقال:

 

شفيت النفس من حمل بن بدر

 

وسيفي من حذيفة قد شفاني

فان أك قد بردت بهم غليلـي

 

فلم أقطع بهم إلا بنـانـي

 

ولم يرث أحد من قتله إلا قيس.


وقال في حمل بن بدر:

 

تعلم أن خير النـاس مـيت

 

على جفر الهباءة ما يريم

ولولا بغيه مازلت أبـكـي

 

عليه الدهر ما بدت النجوم

ولكن الفتى حمل بن بـدر

 

بغى والبغي مرتعه وخيم

أظن الحلم دل علي قومـي

 

وقد يستجهل الرجل الحليم

 

وقتل في هذه الحرب مالك بن زهير أخو قيس، وكان من عظماء غطفان، ورثاه الربيع بن زياد، وعنترة بقوله:

 

فلله عينا من رأى مثل مالك

 

عقيرة قوم أن جرى فرسان

فليتهما لم يجريا نصف غلوة

 

وليتهما لم يرسلا لـرهـان

وليتهما ماتا جميعاً بـبـلـدة

 

وليتهما غـابـا فـلا يريان

ويضرب المثل بقيس بن زهير في الدهاء، ومن كلامه، أربعة لا يطاقون: عبد إذا ملك، ونذل إذا شبع، وأمة إذا ورثت، وقبيحة إذا تزوجت.
وتغرب قيس وأسن، وضعف عن طلب الحرب. وحكى العسكري في الرسالة الشاملة أنه لما أسن، وقعد عن الغارات، اشتدت فاقته؛ فخرج يوماً وأبصر قوما يشتوون لحماً، فلما وجد رائحة القتار دب إليهم، فسألهم أن يطعموه _ ولم يعرفوه _ فردوه أقبح رد؛ فقال: إن بطناً حملتني على هذه الخطة لحقيق ألا يدخلها طعام ولا شراب! وأمسك عن ذلك حتى مات.

 ومن نثر الدر: لما قتل قيس بن زهير أهل الهباءة، وخرج حتى لحق بالنمر بن قاسط، قال: يا معشر النمر، أنا قيس بن زهير، غريب حديب طريد شريد موتور، فانظروا لي امرأة قد أدبها الغنى، وأذلها الفقر؛ فزوجوه امرأة منهم. فقال: إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي: إني فخور غيور آنف، ولست أفخر حتى أبتلى، ولا أغار حتى أرى، ولا آنف حتى أظلم! فرضوا أخلاقه، وأقام فيهم حتى ولد له، ثم أراد التحول فقال: إني أرى لكم علي حقاً بمصاهرتي إياكم، ومقامي بين أظهركم، وإني أوصيكم بخصال آمركم بها، وأنهاكم عن خصال: عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة وتنال الفرصة، وتسويد من لا تعابون بتسويده، والوفاء فان به يعيش الناس، وإعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة، ومنع ما تريدون منعه قبل [الإلحاح]، وإجارة الجار على الدهر، وتنفيس البيوت عن منازل الأيامى، وخلط الضيف بالعيال. وأنهاكم عن الرهان ففيه ثكلت مالكاً أخي، وعن البغي فإنه صرع زهيراً أبي، وعن السرف في الدماء فإن قتلي أهل الهباءة أورثني العار، ولا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق، وأنكحوا الأيامى الأكفاء فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور. واعلموا أني أصبحت ظالماً مظلوماً: ظلمتني بنو بدر بقتلهم مالكاً، وظلمتهم بقتلي من لا ذنب له.

ثم رحل عنهم فلحق بعمان، فتنصر بها، وأقام حتى مات. وقيل: إنه احتاج فكان يأكل الحنظل حتى قتله، ولم يخبر أحداً بحاجته.

الجمانة بنت قيس

من نثر الدر: قالت لجدها الربيع بن زياد لما أخذ درع أبيها، وشجر ما بينهما: البادئ أظلم، وليس قيس من يخوف بالوعيد، ولا يردعه التهديد؛ فلا تركنن إلى منابزته فالحزم في مشاركته؛ والحرب متلفة للعباد، ذهابة بالطارف والتلاد؛ والسلم أرخى للبال، وأبقى لنفوس الرجال.

الكملة من بني عوذ

ابن قطيعة بن عبس، وهم: ربيع الحفاظ، وعمارة الوهاب، وأنس الفوارق؛ وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية إحدى المنجبات. يقال: إنها رأت في منامها قائلا يقول لها: أعشرة هدرة أحب إليك أم ثلاثة كعشرة؟ فقالت: ثلاثة كعشرة؛ فولدت هؤلاء الثلاثة.
فأما أنس فأضيف إلى الفوارس لكثرة زحفه بهم وغاراته، وأما عمارة فسمي الوهاب لأنه حلف بالله لا يسمع صوت أسير بليل إلا فكه، ووهب له نفسه؛ وفيه يقول عنترة:

 

أحولي تنفض استك مذرويها

 

لتقتلني؟ فهأنذا عـمـارا

 

وكان قد حسد عنترة على صيته في الشجاعة، وقال لمن حدثه بشأنه: والله لقد أكثرت من ذكر هذا العبد، ووالله لوددت أني لقيته خاليا?

الربيع بن زياد العبسي

أحد الأعزة الثلاثة الذين تقدم ذكرهم. من واجب الأدب: كان يلقب بربيعة الحفاظ لمحافظته على قومه، ومن يلوذ به؛ وكان يلقب أيضاً بدالق لكثرة غاراته.


واستوزره النعمان بن المنذر مالك الحيرة، ونادمه، وغلب عليه إلى أن أسقطه عنده ليد بن ربيعة الكربي، حين قال مخاطباً النعمان:

 

مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه

إن استه من برص ملمعه

وإنه يولج فيها إصبعه

 

والحكاية مذكورة في ترجمة لبيد. وهجا النعمان، وانفصل عنه إلى قومه.


ومن شعر الربيع أبياته التي أنشدها أبو تمام في حماسته يرثي بها مالك بن زهير العبسي، وهي:

 

من كان مسروراً بمقتل مالـك

 

فليأت نسوتنا بضوء نـهـار

يجد النساء حواسراً ينـدبـنـه

 

قد قمن قبل تبلج الأسـحـار

قد كن يخبأن الوجوه تسـتـراً

 

فالآن حين بدون للـنـظـار

يضربن حر وجوههن على فتى

 

عف الشمائل طيب الأخبـار

 

قال: وكانوا لا يبكون على قتيل حتى يأخذوا بثأره.


وكان عند قيس بن زهير درع يستجيدها، ويضن بها، فاستعارها منه الربيع، فحبسها وأبى ردها؛ فعرض قيس لأم ربيع سفرها، فأراد أن يذهب بها رهناً في الدرع؛ فقالت: أين عزب عقلك؟ أترى بني زياد مصالحيك وقد ذهبت بأمهم يمينا وشمالا، فقال الناس ما شاءوا؟ "وحسبك من شر سماعه"، فذهب مثلا.

عروة بن الورد العبسي

من بني عوذ.

من الأغاني: "هو من شعراء الجاهلية وفرسانها، وصعلوك جواد؛ كان يلقب عروة الصعاليك لجمعه إياهم، وقيامه عليهم".
"وكان عبد الملك بن مروان يقول: من قال إن حاتماً أسمح الناس، فقد ظلم عروة ابن الورد".

 وقال عبد الله بن جعفر لمعلم ولده: لا تروهم قصيدة عروة بن الورد التي يقول فيها:

دعيني للغني أسعى فانـي

 

رأيت الناس شرهم الفقير

 

ويقول: إنها تدعوهم للاغتراب عن أوطانهم".


وقيل: "إنه أصاب امرأة من بني كنانة باكراً، يقال لها: سليمي وتكنى أم وهب، فاعتقها واتخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة، وولدت له الأولاد وهو لا يشك أنها من أرغب الناس فيه؛ وهي تقول: لو حججت فأمر على أهلي فأراهم! فحج بها، وأتى مكة، ثم أتى المدينة، فأتت سليمى قومها، وقالت إنه خارج بي قبل أن تخرج الأشهر الحرم، فتعالوا إليه، وأخبروه أنكم تستحيون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحة الحسب سبية، وافتدوني منه، فإنه يظن أني لا أفارقه، ولا أختار عليه أحداً. فسقوه الشراب، فلما ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا؛ فإنها وسيطة النسب فينا معروفة، وإن علينا سبة في أن تكون سبية، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها، فاخطبها إلينا فإننا ننكحك إياها! فقال لهم: لكم ذلك، ولكن لي الشرط في أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختارتكم انطلقتم بها؛ قالوا: ذاك لك. فقال: دعوني ألهو بها الليلة، أودعها، وأفاديها غداً! فلما أصبح جاءوه، فامتنع عن فدائها، فقالوا له: قد فاديتها مذ البارحة، وشهد عليك بذلك جماعة من حضر؛ فلم يقدر على الامتناع، وفاداها. ثم خيروها، فاختارت أهلها؛ ثم أقبلت عليه، فقالت: يا عروة، أما إني أقول فيك - وإن فارقتك - الحق: والله ما أعلم أن امرأة من العرب ألقت سترها إلى بعل خير منك، وأغض طرفاً، وأقل فحشاً، وأجود يداً، وأحمى حقيقة؛ وما مر علي يوم مذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك؛ لأني لم أكن أشاء أن اسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته، ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبداً، فارجع راشداً إلى ولدك، وأحسن إليهم، فقال عروة في ذلك:

سقوني الخمر ثم تكنفوني

 

عداة الله من كذب وزور

"وقال ابن الأعرابي: إن سلمى لما فارقته جاءته تثني عليه، فقالت: والله إنك ما علمت ضحوك السن مقبلا، كسوب مدبراً، خفيف على متن الفرس، ثقيل على قلب العدو، طويل العماد، كثير الرماد، راضي الأهل والجانب، ثم فارقته. فتزوجها ابن عم لها، فقال لها يوما: يا سليم، أثني علي كما أثنيت على عروة؛ فقالت: لا تكلفني ذلك؛ فاني إن قلت الحق غضبت، ولا - واللات والعزى - أكذب عليك! قال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين علي بما تعلمين! وخرج فجلس في ندي القوم.

وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحاً، إن هذا عزم علي أن أثني عليه بما أعلم؛ ثم أقبلت عليه، فقالت: والله إن شملتك لالتحاف، وإن شربك لاشتفتف، وإن لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب! ثم انصرفت.
فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها! ومن حديث عروة أنه "خرج حتى دنا من ديار هذيل، فكان منها على نحو ميلين وقد جاع، فإذا هو بأرنب فرماها، ثم أورى ناراً واشتواها وأكلها، ودفن النار على مقدار ثلاث أذرع، وقد ذهب الليل، وغارت النجوم. ثم أتى سرحة فصعدها، وتخوف الطلب، فإذا الخيل قد جاءك، وتخوفوا البيات. قال: فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس، فجاء حتى ركز رمحه في موضع النار، وقال: لقد رأيت النار ها هنا! فجاء رجل فحفر قدر ذراع، فلم يجد شيئاً، وأكب القوم يعذلونه ويقولون: عنيتنا في مثل هذه الليلة القرة، وزعمت لنا شيئاً كذبت فيه! قال: ما كذبت، ولقد رأيت النار في موضع رمحي! قالوا: ما رأيت شيئاً لكن تحذلقك وتداهيك هو الذي حملك على هذا، وما العجب إلا منا حين أطعناك! ولم يزالوا بالرجل حتى رجع الجميع.

واتبعهم عروة حتى إذا وردوا منازلهم، جاء عروة فكمن في كسر بيت، وجاء الرجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود، وعروة ينظر، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال: اشربي؛ فقالت: لا، أو تبدأ! فبدأ العبد فشرب. فقال للرجل حين جاء: لعن الله صلفك، عنيت قومك منذ الليلة؛ قال: لقد رأيت ناراً؛ ثم دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليكرع: ريح جل ورب الكعبة! فقالت المرأة: وهذه أخرى، أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك؟ ثم صاحت، فجاء قومها، فأخبرتهم خبره، وقالت: يتهمني ويظن بي الظنون! فأقبلوا عليهم باللوم؛ فقال عروة: هذه ثانية! ثم آوى الرجل إلى فراشه، ووثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وزمجر، فرجع عروة إلى موضعه؛ ووثب الرجل فقال: ما كنت لتكذبني! فأقبلت عليه امرأته باللوم. قال: فصنع ذلك عروة ثلاثاً، وصنعه الرجل؛ ثم آوى إلى فراشه، وضجر من كثرة ما يقوم، وقال: لا أقوم إليك الليلة! وأتاه عروة، فحله، وحال في متنه، وخرج ركضاً. وأحس الرجل بذلك، فركب فرساً عنده أنثى. قال عروة: فسمعته خلفي يقول: الحقي فانك من نسله. فلما انقطع من البيوت قلت: أيها الرجل قف، فانك لو عرفتني لم تقدم علي _ أنا عروة بن الورد، وقد رأيت الليلة منك عجباً (وأخبره بشأن النار والأسود)، ثم قال: فرأيتك في هذه الخصال من أكمل الناس، ولكن تنثني وترجع! قال: فضحك وقال: ذلك لأخوال السوء، والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل، وما رأيت في كعاعتي فمن قبل أخوالي وهم خزاعة، والمرأة التي رأيتها عندي منهم، وأنا نازل عليهم، وذلك ما يثنيني عن أشياء كثيرة، وأنا لاحق بقومي، وخارج عن أخوالي، وأخلي سبيل المرأة؛ ولولا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأتي أحد من العرب! فقال عروة: خذ فرسك راشداً؛ فقال: ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة خيل، فخذه مبارك لك فيه".

"وخرج عروة مرة مع أصحاب له حتى أتوا ماء، فنزل وكنف عليهم كنيفاً من الشجر، وفي ذلك يقول:

تنالوا الغنى أو تبلغوا بنفـوسـكـم

 

إلى مستراح من عناء مـبـرح

ومن يك مثلي ذا عيال ومـقـتـراً

 

من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبـلـغ عـذراً أو ينـال رغـيبة

 

ومبلغ نفس عذرها مثل منـجـح

 

ثم مضى يبتغي لهم شيئاً وقد جهدوا، فإذا هم بأبيات شعر وبامرأة وشيخ كبير مكتن في كسر البيت، وقد أجدب الناس، وهلكت الماشية، فإذا هو في البيت بشي، فأكله، وقويت به نفسه. فإنه لكذلك عند المساء إذا هو بابل سدت الأفق، وإذا هي تلفت فرقاً، قال: فعلمت أن راعيها جلد شريد الضرب لها. فلما أتت المناخ وبركت مكث الراعي قليلا، ثم نفى ناقة منها فمرى أخلافها، ثم وضع العلبة على ركبته، وحلب حتى ملأها، وسقى الشيخ؛ ثم أتى ناقة أخرى، ففعل مثل ذلك، وسقى العجوز؛ ثم أتى أخرى فسقى نفسه، ثم تلفع واضطجع ناحية. فقال الشيخ _ وأعجبه ذلك _ للمرأة: كيف ترين ابني؟ فقالت: ليس بابنك! قال: فابن من هو ويلك؟ قالت: ابن عروة بن الورد! قال: ومن أين؟ قالت: أتذكر يوم مر بنا ونحن نريد سوق ذي المجاز وقلت: هذا عروة بن الورد، ووصفته لي، فسكت فاني استطرفته! قال عروة: فسكت، حتى إذا نوم الناس وثبت فصحت بالإبل، فاقتطعت نصفها ومضيت، ورجوت ألا يتبعي الغلام _ وهو حين بدا شاربه _ فلم أشعر إلا به! قال: فتواخذنا فضرب بي الأرض، فتخوفته على روحي، فبادرته وقلت: أنا عروة بن الورد! فارتدع؛ ثم قال: ويلك لست أشك أنك قد سمعت ما كان من أمي؛ قال: فقلت له: ما قلت لك إلا ما يظهر برهانه، فاذهب معي أنت وأمك وهذه الإبل، ودع الشيخ! فقال: الذي بقي من عمره القليل، وأنا مقيم عنده ما بقي فإن له حقاً وذماماً، فإذا مضى فما أسرعني إليك! وخذ من هذه الإبل بعيراً؛ قال: فقلت: ما يكفيني فإن معي أصحاباً، قال: فثان، قلت: لا، قال: فثالث والله لازدتك على ذلك شيئاً! فأخذتها ومضيت إلى أصحابي. قال: ثم إن الغلام لحق بي بعد هلاك الشيخ".


ومن شعر عروة قوله:

وخل كنت عين الرشد منـه

 

إذا نظرت ومستمعاً سميعا

أطاف بغيه فنهيت عنـهـا

 

وقلت له: أرى أمراً فظيعا

أردت رشاده حتـى إذا مـا

 

عصا أمري أتيناها جميعا

ومن واجب الأدب: من مشهور شعره قوله:  

ذريني للغنى أسعى فانـي

 

رأيت الناس شرهم الفقير

وأدناهم وأهونهم علـيهـم

 

وإن أمسى له نسب وخير

يباعده الغـريب وتـزدريه

 

حليلته وينهره الصغـير

وتلقى ذا الغنى وله جـلال

 

يكاد فؤاد صاحبه يطـير

قليل ذنبه والـذنـب جـم

 

ولكن للغنى رب غفـور

وقوله:

دعيني أطوف في البلاد لعلنـي

 

أفيد غنى فيه لذي الحق مجمل

أليس عظيماً أن تـلـم مـلـمة

 

وليس علينا في الزمان معول

فان نحن لم نحسن دفاعاً لحادث

 

يلم بنا فالموت بالحر أجـمـل

وله:

تقول سليمى: لو أقمت بأرضنا

 

ولم تدر أني للمقام أطـوف

 

ومن بني بجاد بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس:

خالد بن سنان العبسي

الذي قال فيه النبي صلى الله عليه: "ذاك نبي ضيعه قومه". قال البيهقي: وكان على قرب من المبعث النبوي، وكانت العنقاء قد عاثت في بلاد بني عبس حتى صارت تخطف صبيانهم؛ فدعا الله يرفعها من الأرض، فلا توجد إلا في التصوير.


ومن بني بجاد:

عنترة بن شداد العبسي

أحد الشعراء الستة الجاهليين، وقد اشتهر في العامة بالفروسية شهرة حاتم بالجود.


ومن الأغاني: من فحول شعراء الجاهلية، "وإنما ادعاه أبوه عبد الكبر؛ لأن العرب كانت في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من أمة استعبده. وكان لعنترة إخوة من أمه عبيد. وكان سبب إلحاق أبيه إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على بني عبس فاستاقوا إبلا، فتبعهم العبسيون فقاتلوهم ومنهم عنترة؛ فقال له أبوه: كر يا عنترة! فقال: العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلب والرعي! قال: كر وأنت حر! فكر وهو يقول: أنا الهجين عنتره كل امرئ يحمي حره أسوده وأحمره فقاتل يومئذ قتالا شديداً، وأبلى بلاء حسناً؛ فادعاه أبوه بعد ذلك، وألحق نسبه به".


"وهو أحد أغربة العرب"؛ وأنشد النبي صلى الله عليه قول عنترة:

 

ولقد أبيت على الطوى وأظلله

 

حتى أنال به كريم المأكـل

 

فقال: "ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة".


"وقيل له: أنت أشجع العرب وأشدها؟ قال: لا، قيل فبم شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل موضعاً لا أرى منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان، فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأنثني إليه فأقتله".


"وكان عمرو بن معدي كرب يقول: ما أبالي من لاقيت من العرب إذا لم يلقني صريحاها وهجيناها؛ يعني بالصريحين: عامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث بن شهاب؛ وبالهجينين: عنترة، والسليك".


ومن واجب الأدب: كانت امرأة أبيه قد اشتكت إليه، وزعمت أنه راودها، فضربه وغضب عليه؛ فقال عنترة:

 

المال مالكم والعـبـد عـبـدكـم

 

فهل عذابك عني اليوم مصروف؟

 

وحمى أعقاب الناس في يوم من أيام حرب داحس، فقال قيس بن زهير سيد بني عبس: أحمى أعقاب الناس اليوم ابن السوداء؟ وكان قيس أكولا، فقال عنترة معرضا به:

 

ولقد أبيت على الطوى وأظلـلـه

 

حتى أنال به كريم الـمـأكـل

فأجبتها: إن المـنـية مـنـهـل

 

لابد أن أسقى بكأس المنـهـل

فاقني حياءك لا أبالك واعلـمـي

 

أني امرؤ سأموت إن لم أقتـل

إن المنية إن تمـثـل مـثـلـت

 

مثلي إذا نزلوا بضنك المنـزل

إني امرؤ من خير عبس منصبـاً

 

شطري وأحمى سائري بالمنصل

 

ومن قصيدته المختارة التي أولها:

 

هل غادر الشعراء من متـردم

 

أم هل عرفت الدار بعد توهم

قوله:

ولقد نزلت فلا تظنـي غـيره

 

مني بمنزلة المحب المكـرم

إن كنت أزمعت الفراق فإنمـا

 

زمت ركابكم بليل مـظـلـم

يا شاة ما قنص لمن حلـت لـه

 

حرمت علي وليتها لم تحـرم

فبعثت جاريتي وقلت لها: اذهبي

 

فتحسسي أخبارها لي واعلمي

قالت: رأيت من الأعادي غـرة

 

والشاة ممكنة لمن هو مرتـم

 

ومن التشبيه العقيم قوله:

 

جادت عليه كـل عـين ثـرة

 

فتركن كل حديقة كالـدرهـم

وخلا الذباب بها فليس ببـارح

 

هزجاً كفعل الشارب المترنم

غرداً يحك ذراعـه بـذراعـه

 

فعل المكب على الزناد الأجذم

وإذا شربت فإنني مستـهـلـك

 

مالي وعرضي وافر لم يكلـم

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

 

وكما علمت شمائلي وتكرمي

ومنها:

أثني علي بما علمت فإنني

 

سهل مخالقتي إذا لم أظلم

فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل

 

مر مذاقته كطعم العلقـم

ومنها:

هلا سألت الخيل يا ابنة مـالـك

 

والخيل تعثر في القنا المتقـوم

يخبرك من شهد الوقيعة أنـنـي

 

أغشى الوغى وأعف عند المغنم

ومنها:

ومدجج كرة الكمـاة لـقـاءه

 

لا ممعن هرباً ولا مستسلـم

جادت يداي له بعاجل طعـنة

 

بمثقف صدق الكعوب مقوم

فشككت بالرمح الطويل إهابه

 

ليس الكريم على القنا بمحرم

بطل كأن ثيابه فـي سـرحة

 

يحذى نعال السبت ليس بتوأم

إذ يتقون بي الأسنة لـم أخـم

 

عنها ولكني تضايق مقدمي

 

دعون عنتر والرماح كأنها=أشطان بئر في لبان الأدهم

 

مازلت أرميهم بغـرة نـحـره

 

ولبانه حتى تسـربـل بـالـدم

فازور من وقع القنا بلـبـانـه

 

وشكا إلي بعبرة وتحـمـحـم

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى

 

أو كان يدري ما الكلام تكـلـم

ومنها:

نبئت عمراً غير شاكر نعمتي

 

والكفر مخبثة لنفس المنعم

 

ومن المنسوبين إلى عبس من غير تخصيص:

أبو الأبيض العبسي

من واجب الأدب: من شعراء عبس في الجاهلية، تنسب له الأبيات التي أنشدها أبو تمام في حماسته، وتروى لعروة بن الورد:

لحا الله صعلوكاً إذا جـن لـيلـه

 

مصافي المشاش آلفاً كل مجزر

ولكن صعلوكاً صحيفة وجـهـه

 

كمثل شهاب البارق المتـنـور

مطل على أعـدائه يزجـرونـه

 

بساحتهم زجر المنيح المشهـر

إذا بعدوا لا يأمنون اقـتـرابـه

 

تشوف أهل الغائب المتنـظـر

فذلك إن يلق المنـية يلـقـهـا

 

حميداً، وإن يستغن يوماً فأجدر

 

وممن جهل عصره:

أبي بن حمام العبسي

له الأبيات التي في حماسة أبي تمام التي منها:

دفعناكم بالقول حتى بـطـرتـم

 

وزدتم إلى أن كان دفع الأصابع

أبو وهب طريف العبسي

أنشد له أبو تمام في الحماسة:

فلهفي وقد واروه ثمت أقبلـت

 

أكفهم تحثي مـعـا وتـهـيل

وظلت بي الأرض الفضاء كأنما

 

تصعد بي آكامهـا وتـجـول