تاريخ ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. قال ابن قتيبة: "فيهم العدد"، ومنهم:
الأعشى ميمون بن قيس
من واجب الأدب: من كبار شعراء الجاهلية الوافدين على الملوك، وكان يقال له: صناجة العرب، لكثرة جولانه في الأقطار.
وسمع بأن النبي صلى الله عليه بعث، فصنع قصيدة في مدحه، وسار إليه.
ومن القصيدة:
رسول يرى ما لا ترون وذكره |
|
أغار لعمري في البلاد وأنجدا |
فجعل يسأل في طريقه عن سيرة النبي صلى الله عليه، فعرف أنه يحرم الخمر، فقال: والله مالي عنها صبر، وسأتزود منها هي السنة، وأعود في السنة الآتية. ثم ثنى ناقته إلى قرى اليمامة ليتزود من الخمر، فسقط عنها، فاندقت عنقه.
قالوا: وهو ممن إذا مدح رفع، وإذا هجا وضع؛ ألا تراه كيف نزل بالمحلق وهو خامل في العرب، فلما قام بضيافته، على جهده من الفقر الذي كان فيه، قال فيه قصيدته المشهورة؛ فجل قدر المحلق، وصار ذكره عالياً إلى اليوم! ومن مختار القصيدة:
لعمري لقد لاحت عـيون كـثـيرة |
|
إلى ضوء نار باليفـاع تـحـرق |
تشب لمقرورين بصـطـلـيانـهـا |
|
وبات على النار الندى والمحـلـق |
رضيعي لبان ثـدي أم تـقـاسـمـا |
|
بأسحم داج، عوض لا نـتـفـرق |
نفي الذم عن رهط المحلق جـفـنة |
|
كجابية الشيخ العراقي تـفـهـق |
ترى الجود يجري ظاهراً فوق وجهه |
|
كما زان متن الهند وانـي رونـق |
أبا مالك قد سار ما قد فعلـتـم |
|
وأشأم أقوام بذاك وأعـرقـوا |
به تنفض الأحلاس في كل منزل |
|
وتعقد أطراف المطي وتطلق |
وله أمداح جميلة مشهورة في قيس بن معدي كرب ملك كندة، وفي أبيه، فيها القصيدة التي منها:
عودت كندة عادة فاصبر لها |
|
اغفر لجاهلها ورو سجالها |
ومنها:
وإذا تكون كتيبة مـلـمـومة |
|
شهباء قد كره الشجاع قتالها |
كنت المقدم غير لابس جـنة |
|
بالسيف تضرب أبطالـهـا |
وله أيضاً أمداح مشهورة في هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة، وله في عامر بن الطفيل سيد بني عامر:
علقم، لا أنت إلى عامـر |
|
الناقض الاوتار والواتر |
إن تسد الحوص فلم تعدهم |
|
وعامر ساد بني عامـر |
وبهذا نفر عامر على علقمة بن علاثة الكلابي.
ولما قال في علقمة
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم=وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
بكى علقمة بالدموع من شدة ما آلمه ذلك.
واستحسنوا قوله:
كأن مشيتها من بيت جـارتـهـا |
|
مشي السحابة لا ريث ولا عجل |
وفي هذه القصيدة:
علقتها عرضاً وعلقـت رجـلا |
|
غيري وعلق أخرى ذلك الرجل |
وهو معروف بوصف الخمر والاحسان في ذلك، وهو القائل:
وكأس شربت على لـذة |
|
وأخرى تداويت منها بها |
وذاك ليعلم أنـي امـرؤ |
|
أتيت الفتوة من بابـهـا |
سعد بن مالك بن ضبيعة البكري
من واجب الأدب: هو جد طرفة بن العبد، وهو من فرسان حرب وائل. وله الأبيات التي أنشدها أبو تمام في حماسته يحرض بها الحارث بن عباد على طلب ثأر ابنه بجير من مهلهل:
يا بؤس للـحـرب الـتـي |
|
وضعت أراهط فاستراحوا |
والحرب لا يبـقـى لـجـا |
|
حمها التحيل والـمـراح |
إلا الفتى الصبار ذو النجدات والفرس الوقاح
من صد عن نيرانهـا |
|
فأنا ابن قيس لا براح |
طرفة بن العبد بن سعد البكري
هو أحد الشعراء الستة الجاهلية؛ لقد لخصت ترجمته من عدة كتب.
قيل للبيد: من أشعر الناس؟ فقال: الملك الضليل، والشاب القتيل، ثم الشيخ أبو عقيل _ يعني امرأ القيس، وطرفة، ونفسه.
قالوا: وطرفة أحسن الثلاثة واحدة عند العلماء، وهي إحدى المعلقات التي منها:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تزود |
وكان النبي صلى الله عليه يتمثل بهذا البيت. ومن هذه القصيدة:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونـه |
|
خشاشاً كراس الحية المتـوقـد |
إذا القوم قالوا: من فتى؟ خلت أنني |
|
عنيت فلم أكسل ولـم أتـبـلـد |
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتـى |
|
[لك الطول] المرخى وثنياه باليد |
ومنها في وصف السفينة، وهو من التشبيهات العقم:
يشق حباب الماء حيزومها بها |
|
كما قسم الترب المفايل باليد |
ومنها:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتـى |
|
وجدك لم أحفل متى قام عـودي |
فمنهن سبق العـاذلات بـشـربة |
|
كميت متى ما تعل بالماء تزبـد |
وكري إذا نادى المضاف محنبـاً |
|
كسيد الغضا نبهته الـمـتـورد |
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب |
|
ببهكنة تحت الخباء الـمـمـدد |
ومنها:
رأيت بني غبراء لا ينكروننـي |
|
ولا أهل هذاك الطراف الممدد |
وله:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت |
|
ولن تلين إذا قومتها الخشـب |
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل |
|
وليس ينفع بعد الكبـرة الأدب |
وله:
تقارب أرواح الرجال إذا التقت |
|
فمنهم عدو يتقـى وخـلـيل |
وإن امرأ لم يعف يوماً فكـاهة |
|
لمن لم يرد سوءاً بها لجهول |
وله:
وفرق عن بيتيك سعد بن مـالـك |
|
وعمراً وعوفا ما تشي وتقـول |
فأنت على الأدنى شمـال عـرية |
|
شآمية تزوي الوجـوه بـلـيل |
وأنت على الأقصى صبا غير قرة |
|
تذاءب منها مـرزغ ومـسـيل |
وأعلم علماً ليس بـالـظـن أنـه |
|
إذا ذل مولى المرء فهو ذلـيل |
وإن لسان المرء مالم تكـن لـه |
|
حصاة على عوراتـه لـدلـيل |
وله:
نحن في المشتاة ندعو الجفلى |
|
لا ترى الآدب فينا ينتقـر |
وله:
فسقى ديارك غير مفسدهـا |
|
صوب الربيع وديمة تهمي |
وهذا ينشدونه في بديع التتميم.
ومن حديثه أنه كان ينادم النعمان بن المنذر، فأشرفت المتجردة وفي يده جام زجاج فيه شراب، فرأى ظلها فيه، فقال ولم يعقل سكراً:
ألا باء بي الظبي ال |
|
ذي يبرق شنفـاه |
ولولا الملك القـاع |
|
د قد ألثمني فـاه |
فرفع النعمان رأسه فرآها، وقد كان اتصل به أنه هجاه، فكره أن يقتله بمحضر قومه، فكتب له وللمتلمس لعامله على البحرين بأن يقتلهما. فأما المتلمس فإنه فك صحيفته فأعطاها غلاماً فقرأها، فرأى فيها ما لم يبعد عن ظنه من القتل، فطرحها وقال ذلك لطرفة فلم يصدقه، وقال: إنك حسدتني على ما في كتابي من خير، وأنا لا أفك خاتم الملك! ثم وفد على عامل البحرين، فلما قرأ كتابه قال: اختر أي قتلة أقتلك بها، فاختار الفصد في الأكحل، ففصده وجرى دمه حتى هلك.
وقد قيل: إن عمرو بن هند هو الذي أمر بقتله، وإياه يخاطب بقوله:
أبا منذر كانت غـروراً صـحـيفـتـي |
|
ولم أعطكم في الطوع مالي ولا عرضي |
فان كنت مأكولا فـكـن أنـت آكـلـي |
|
فبعض منايا القوم أشرف من بـعـض |
قال الحاتمي: "وأخذ هذا عبد الله بن الحجاج الثعلبي، فقال:
فان كنت مأكولا فكن أنت آكلـي |
|
وإن كنت مذبوحاً فكن أنت تذبح" |
فما له أسند رضا الله بغضب يلحقه بناره؟ فما أشد قحته، وأقبح ما عرضه! وطرفة القائل لما أسلمه قومه ومن يعرفه:
أسلمني قومي ولم يغضبوا |
|
لسوءة حلت بهم فادحة |
كل خليل كنت خاللـتـه |
|
لا ترك الله له واضحة |
كلهم أروغ من ثعـلـب |
|
"ما أشبه الليلة بالبارحة" |
عمه المرقش الأكبر
عمرو بن سعد بن مالك، وقيل: عوف بن سعد، وقد تقدم ذكر أبيه.
قال صاحب الكمائم: وإنما لقب بالمرقش لقوله:
النشر مسك والوجوه دنـا |
|
نير وأطراف الأكف عنم |
والدار وحش والرسوم كما |
|
رقش في ظهر الأديم قلم |
وله:
سرى ليلا خيال من سليمي |
|
فأرقني وأصحابي هجود |
فبت أدير أمري كل حـال |
|
وأذكر أهلها وهم بعـيد |
سكن ببلدة وسكنت أخـرى |
|
وقطعت المواثق والعهود |
ابن أخيه عمرو بن حرملة المرقش الأصغر
وقد قيل: إنه خال طرفة. وهو أحد المتيمين، وسار في المثل: "أتيم من المرقش"؛ لأنه عشق أسماء بنت المنذر ملك الحيرة، فقطع إبهامه وجداً عليها، وقال:
ألم تر أن المـرء يجـذم كـفـه |
|
ويجشم من أجل الحبيب المجاشما |
وفي هذه القصيدة البيت النادر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمـره |
|
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما |
وهو من المذكورين في كتاب الأغاني.
عمرو بن قميئة
ابن سعد بن مالك بن ضبيعة، من شعراء الأغاني، وهو صاحب امرئ القيس الكندي، وإياه يخاطب بقوله:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه |
|
وأيقن أنا لاحقـان بـقـيصـرا |
وقال حماد الراوية: أشعر الناس عمرو بن قميئة بقوله:
رمتني صروف الدهر من حيث لا أرى |
|
فما بال مـن يرمـى ولـيس بـرام |
فلو أنـهـا نـبـل إذاً لاتـقـيتـهـا |
|
ولكننـي أرمـى بـغـير سـهـام |
وله:
كانت قناتي لا تلين لـغـامـز |
|
فألانها الإصباح والإمـسـاء |
وسألت ربي في السلامة جاهداً |
|
ليصحني فإذا الـسـلامة داء |
جحدر الضبيعي
ربيعة بن قيس بن ضبيعة، نص البيهقي على أنه من ضبيعة هذه، وأنه فارس بكر يوم تحلاق اللمم من حروب وائل، وهو القائل فيها: ردوا علي الخيل إن ألمت قد علمت والدتي ما ضمت أمخدع اليدين أم أتمت إن لم أناجزهم فجزوا لمتي إذا الكماة بالكماة التفت وكانوا في هذا اليوم (قد تحالفوا على أن يحلقوا شعورهم ليكون ذلك شعاراً لهم، وكان جحدر يعاني من القصر، ولهذا لقب بهذا اللقب، فقال لهم: لا تحلقوا شعري فتشينوني، ولكن اشتريه منكم بأول فارس يطلع من القوم، فطلع ابن عناق فقتله).
الحارث بن عباد الضبيعي
نص ابن قتيبة على أنه من ضبيعة هذه، وهو من المذكورين في الأغاني. ومن الكمائم أنه لما كانت حرب البسوس قال: "لا ناقة لي فيها ولا جمل"، ولم يزل معتزلا عنها إلى أن قتل مهلهل التغلبي ابنه بحير بن الحارث، فقال الحارث: نعم القتيل قتيلا أصلح بين ابني وائل، فكف طيشها، وحقن دماءها! فقيل له: إن مهلهلا قال: "بؤ بشسع كليب!"، فقال الحارث:
قربـا مـربـط الـنـعـــامة مـــنـــي |
|
لقـحـت حــرب وائل عـــن حـــيال |
لا بـجـير أغـنـــى قـــتـــيلا ولا ره |
|
ط كـلـيب تـراجـعـوا عــن ضـــلال |
لم أكن من جناتها علم الله وإني لحرها اليوم صال |
|
|
قربا مربط النعامة مني |
|
إن قـتـل الـغـلام بـالـشـسـع غـــال |
ثم رأس على بكر في حربهم بعد همام بن مرة، وأسر مهلهلا رئيس تغلب وهو لا يعرفه، فقال له: دلني على مهلهل، قال: ولي دمي؟ قال: ولك دمك! قال: ولي دمي وذمة أبيك؟ قال: نعم، قال: فأنا مهلهل! قال: دلني على كفؤ لبجير، قال: لا أعلمه إلا امرأ القيس بن أبان، وذاك علمه؛ فجز الحارث ناصية مهلهل، وقصد نحو امرئ القيس فقتله.
[لجيم بن صعب]
وأما لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل فقد حكى أبو عبيدة صاحب الأمثال أنه القائل في امرأته حذام:
إذا قالت حذام فصدقوهـا |
|
فان القول ما قالت حذام |
وولداه: حنيفة وعجل، وكلاهما قبيل مشهور.
تاريخ حنيفة بن لجيم بن صعب
كان بنو حنيفة أجل قدراً من عجل لما حازوه من بلاد اليمامة، واستمر فيهم الملك المتوارث.
وذكر ابن حزم أنه لبني حنيفة بطون كثيرة، ولكنها غير مشهورة، ولم يبق الآن لحنيفة باليمامة ولا غيرها باقية. وملوك اليمامة قوم من عرب .
[مسيلمة الكذاب]
ثرداً، والدافقات دفقاً؛ لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر.
وكان رسول الله صلى الله عليه إذا غارت بئر فمج فيها من فيه كثر ماؤها؛ كالذي أخرجه البخاري في الصحيح في البئر بالحديبية. وكان إذا وعجت عين فتفل فيها برئت، كما فعل في عين علي يوم خيبر. فأراد مسيلمة أن يفعل كفعله، فتفل في عين فعميت، ومج في بئر فغار ماؤها، ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درها.
ومن المنتظم: ومن قرآن مسليمة: والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنه لعجب محض.
ومن خراج قدامة: لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوك الآفاق سنة ست، كتب إلى شنوءة وأهل اليمامة يدعوهم إلى الإسلام، فبعث وفدهم وكان فيهم مسليمة، فقال لرسول الله صلى الله عليه: إن شئت خلينا لك الأمر وبايعناك، على أنه لنا بعدك، فقال: لا، ولا نعمة عين، ولكن الله قاتلك! وكان هوذة قد كتب إلى رسول الله صلى الله عليه أن يجعل له الأمر بعده، ويسير إليه فينصره، فقال: ولا كرامة، اللهم اكفينه! فمات بعد قليل.
فلما انصرف وفد حنيفة ادعى مسيلمة النبوة، وكتب: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم - هكذا في نسخة مسيلمة - إلى أن ولي أبو بكر رضي الله عنه، فوجه له خالد بن الوليد، فقتله وحشي قاتل حمزة عم النبي صلى الله عليه.
[بنو عجل]
وأما بنو عجل إخوة بني حنيفة فكانت منازلها في الجاهلية ما بين إخوتها بني حنيفة: بين بلاد اليمامة وبين العراق.
ولهم أعلام في الإسلام، وهم أصحاب يوم ذي قار الذي كان للعرب على الفرس.
وليس لهم في البادية قائمة. ومنهم في الجاهلية.
ابن قردودة العجلي
ذكر صاحب الكمائم أنه كان من شعراء الجاهلية، وكان ابن عمار البليغ له صديقاً، فاستشاره في أن ينادم النعمان بن المنذر، فحذره من ذلك، وأعلمه ما هو عليه من الغريزة وسوء الأخلاق، فنادمه، وآل أمره معه إلى أن قتله النعمان؛ فقال ابن قردودة:
إني نهيت ابن عمار فقلـت لـه: |
|
لا تقربن أحمر العينين والشعره |
إن الملوك متى تنزل بساحتـهـم |
|
تطر برجلك من نيرانهم شرره |
يا جفنة بازاء الحوض قد كفـأوا |
|
ومنطقاً مثل وشي البردة الحبره |
[بنو زمان بن مالك] وأما زمان بن مالك بن صعب بن علي بن بكر بن وائل فلا ذكر لها بالبادية، ونزلوا بالبصرة، ومنهم:
الفند الزماني
قالوا: اسمه شهل - بالشين المعجمة - ابن شيبان. وهو من شعراء الجاهلية. والفند: القطعة من الجبل، وله الأبيات التي أنشدها أبو تمام في الحماسة:
أيا طعـنة مـا شـيخ |
|
كبـير يفـن بـال |
وما تبقى صروف الده |
|
ر إنساناً على حـال |
والأبيات التي منها:
وبعض الحلم عند الجه |
|
ل لـلـذلة إذعـان |
وفي الشر نـجـاة ح |
|
ين لا ينجيك إحسان |
تاريخ يشكر بن بكر
قال الحازمي: وقد قيل: إنه أخو بكر وابن وائل. ومن أعلامهم في الجاهلية:
المنخل اليشكري
من شعراء الجاهلية المذكورين، وممن ذكرهم صاحب الأغاني. وتلخيص ذكره أنه كان من أجمل أهل زمانه وتوصل إلى أن نادم النعمان بن المنذر ملك الحيرة، فرأته المتجردة زوجة النعمان فأحبته. ورصدت غفلة النعمان إلى أن خرج يوما للصيد، فاستدعته المتجردة، وألقت رجلها مع رجله في قيد، واشتغلا بالشرب واللهو؛ فهجم عليهما النعمان وهما على تلك الحالة، فقتل المنخل بالعذاب.
وله الشعر الذي أنشده أبو تمام في حماسته:
ولقد دخلت علـى الـفـتـا |
|
ة الخدر في اليوم المطـير |
الكاعب الـحـسـنـاء تـر |
|
فل في الدمقس وفي الحرير |
فدفعـتـهـا فـتـدافـعـت |
|
مشي القطاة إلى الـغـدير |
ولثمتـهـا فـتـنـفـسـت |
|
كتنفس الظبـي الـغـرير |
فدنت وقالـت مـا بـجـس |
|
مك يا منخل مـن حـرور |
ما شف جسمي غـير حـب |
|
ك فاهدأي عنـي وسـيري |
ولقد شربـت مـن الـمـدا |
|
مة بالصغير وبالـكـبـير |
فإذا انـتـشـيت فـانـنـي |
|
رب الخورنـق والـسـدير |
وإذا صـحـوت فـانـنـي |
|
رب الشويهة والـبـعـير |
وأحـبـهـا وتـحـبـنــي |
|
ويحب ناقتـهـا بـعـيري |
الحارث بن حلزة اليشكري
قال ابن شرف في رسالة له في الحكم بين أعلام الشعراء: "أما ابن حلزة فسهل الحزون، وقام خطيباً بالموزون؛ والعادة أن يسهل شرح النظم بالنثر، وهو سهل السهل بالوعر، وذلك قوله:
أبرموا أمرهم عشاء فـلـمـا |
|
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء |
من مناد ومن مجيب ومن تص |
|
هاك خيل خلال ذاك رغـاء" |
قال: "ولو اجتمع كل خطيب ناثر، من أول وآخر، يصفون سفراً نهضوا [بالأسحار]، وعسكراً تحركوا لطلب الثار، ما زادوا على هذه البلاغة".
وأول هذه القصيدة، وهي إحدى المعلقات السبع:
آذنتنا بـبـينـهـا أسـمـاء |
|
رب ثاو يمل منه الـثـواء |
آذنتنا ببينـهـا ثـم قـالـت: |
|
ليت شعري متى يكون اللقاء |
ولما أنشدها عمرو بن هند ملك الحيرة كان بينهما سبعة حجب لبرص كان بالحارث، فما زال يرفعها حجاباً حجاباً استحساناً لما يسمع.
ومن مشهور شعره قوله:
من حاكم بـينـي وبـي |
|
ن الدهر مال علي عمدا |
أودى بسـادتـنـا وقـد |
|
تركوا لنا هماً ووجـدا |
فضعي قنـاعـك إن ري |
|
ب الدهر قد أفنى معدا |
وقوله:
ما بين ما تحمد فيه ومـا |
|
تدعو إليك الذم إلا القليل |
[الرقاشيون]
والرقاشيون بطن من بكر واثل، وذكر النسابون أنهم مالك وعمرو وزيد مناة أولاد شيبان بن ذهل بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر، وهذا شيبان غير المتقدم الذكر.
وأشهر الرقاشيين في الجاهلية:
الحارث بن وعلة الرقاشي
من واجب الأدب: كان رئيساً في بكر وائل، وسبطه هو الحضين صاحب راية علي بن أبي طالب. والحارث هو الذي قصده الأعشى فلم يحمده، فهجاه بقوله:
أتيت حريثاً زائراً عـن جـنـابة |
|
فكان حريث عن عطائي جامدا |
إذا ما رأى ذا حاجة فكـأنـمـا |
|
رأى أسداً في بيتـه أو أسـاودا |
لعمرك ما أشبهت وعلة في الندى |
|
شمائلـه ولا أبـاه مـجـالـدا |
ثم مدح هوذة بن علي ملك اليمامة.
ومن مختار شعر الحارث قوله:
قومي هم قتلـوا أمـيم أخـي |
|
فإذا رميت يصيبني سهمـي |
فلئن عفوت لأعفون جـلـلا |
|
ولئن سطوت لأوهنن عظمي |
لا تأمنن قوماً ظلـمـتـهـم |
|
وبدأتهم بالشتـم والـظـلـم |
أن يأبروا نخـلا لـغـيرهـم |
|
والشيء تحقره وقد ينـمـي |
وزعمتم أن لا حـلـوم لـنـا |
|
إن العصا قرعت لذي الحلم |
ووطئتنا وطئاً علـى حـنـق |
|
وطء المقيد نابـت الـهـرم |
وتركتنا لحماً عـلـى وضـم |
|
لو كنت تستبقي من اللـحـم |
كان المبرد يستحسن هذه الأبيات ويكثر إنشادها.
تاريخ تغلب بن وائل
ابن قاسط بن أفصى بن هنب بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. قدمنا أن بلادهم كانت بالجزيرة الفراتية. ولعزتها في ربيعة غلبت على السهل عند حرب وائل، وارتفعت إخوتها بكر إلى الجبال.
وكانت النصرانية غالبة على تغلب لمجاورة النصارى؛ وهم رهط الأخطل النصراني شاعر بني مروان.
ولم يبق لهم الآن بالبرية قائمة؛ وكان منهم بنو حمدان ملوك الجزيرة - في الإسلام - والشام، وكان منهم فرقة عظيمة يقال لهم: بنو أبي الحسين: غلبوا على البحرين وملكوه زماماً، فغلب عليهم بنو عامر الذين هي بأيديهم الآن، وصاروا فلاحين تحت أيديهم.
وفيما بين السرين ومكة في شامة وطفيل - وهما جبلان - بنو شعبة الذين يقطعون الطرقات، وهم من بني تغلب. ولم يبق في البادية ممن ينسب لتغلب وله قائمة غيرهم.
وبطون تغلب وجماهيرها إنما تنسب إليها، وليست من جماجم العرب كما كانت إخوتها بكر.
قال ابن حزم: وأعظم بني تغلب:
الأراقم
وهم مالك وثعلبة ومعاوية والحارث [وعمرو] وجشم بنو بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب؛ قيل لهم ذلك لأن عيونهم كانت في العرب كعيون الأراقم. قال البيهقي: ورؤساء الأراقم بنو جشم المذكور.
[بنو جشم]
ومن بني الحارث بن زهير بن جشم:
كليب بن ربيعة
سيد تغلب الذي جرى فيه المثل "أعز من كليب وائل"، وبسبب قتله قامت حرب وائل بين بكر وتغلب.
من واجب الأدب: كان لكليب حمى ضرية من بلاد نجد إلى جهة الشام والجزيرة الفراتية، وكان لا يحميه إلا الملوك. فمر يوماً فيه، فإذا قبرة تصفر، فقال: يالك من قبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري فاتفق أن مشت ناقة للبسوس _ جارة جساس بن مرة البكري _ في الحمى، فوطئت بيض القبرة، فصعب على كليب ورمى الناقة بسهم فقتلها.
فلما علم بذلك جساس قال: والله لأقتلنه كما قتل ناقة جارتي! ثم وثب عليه فقتله. قالوا: وهنالك قبره بحمى ضرية.
وكان جساس أخاً زوجته، فوقعت بين الفريقين:
حرب وائل
يقال: إنها مكثت بين الفريقين أربعين سنة. وكان المقدم على بكر جساس بن مرة وأخوه همام. فأما جساس فهو آخر من قتل فيها، وذلك أنه سلم على طول مدة الحرب؛ وكان قد ربى ابن أخته جليلة، وهو هجرس بن كليب، فلما كبر زوجه بنته وصار كأنه ولده والحرب قائمة، فسأل عن معنى اتصال هذه الحرب، فأعلم، فقال: أو أبي هو المقتول في أولها، وخالي قاتله لم يقتل إلى الآن؟ ثم اغتال خاله فقتله، ورجع إلى قومه تغلب، وفارق أمه وقومها.
وكذلك طرأ لهمام بن مرة: وجد غلاماً مطروحاً، فالتقطه فرباه وسماه ناشرة. فلما شب تبين أنه من تغلب، فاغتال همام بن مرة وقتله، وعاد إلى قومه.
وقام بحرب وائل في رياسة بني تغلب من أولها إلى آخرها:
مهلهل بن ربيعة
وهو أخو كليب، وسمي مهلهلا لأنه أول من هلهل الشعر، أي رققه.
واسمه امرؤ القيس، وتلخيص ترجمته من الأغاني والكمائم وواجب الأدب.
قيل: إنه أول من غنى بالشعر من العرب وهلهل صوته، فقيل له مهلهل. وقيل: إن اسمه عدي، واحتجوا بقوله:
ضربت صدرها إلي، وقالت: |
|
يا عدياً لقد وقتك الأواقـي |
وبنته هند أم عمرو بن كلثوم سيد تغلب، وأخته أم امرئ القيس الكندي.
وقالوا: إن هذه البداءة قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل له: وأن امرأ القيس الكندي أغار عليها.
ومن يؤثر الأنفة وسهولة الكلام والقدرة على الصنعة والتجويد في فن واحد يقول: الشعراء ثلاثة: جاهلي وهو مهلهل، وإسلامي وهو ابن أبي ربيعة، ومولد وهو ابن الأحنف.
ومن مشهور شعر مهلهل قوله في رثاء أخيه:
أنبئت أن النار بـعـدك أوقـدت |
|
واستب بعدك يا كليب المجلـس |
وتحدثوا في أمر كل عـظـيمة |
|
لو كنت حاضر أمرهم لم ينبسوا |
وكان كليب لعظمته لا توقد نار في حيه غير ناره، ولا يتكلم بمحضره لمهابته. وكان كليب يسميه: زير نساء، ويقول له: ما أنت والحرب؟ فلما قتل كليب، وقام مهلهل بحرب البسوس قال في قصيدته المشهورة:
فلو نبش المقابر عن كليب |
|
فيخبر بالذنائب أي زير! |
ولم يقل في إدراك الثأر أبلغ من قوله:
لقد قتلت بني بكر بـربـهـم |
|
حتى بكيت وما يبكي لهم أحد |
ومن رثائه قوله:
أزجر العين أن تبكي الطـلـولا |
|
إن في الصدر من كليب غليلا |
أنبضوا معجس القسى وأنبـض |
|
نا كما توعد الفحول الفحـولا |
لم يطيقوا أن ينزلوا ونـزلـنـا |
|
وأخو الحرب من أطاق النزولا |
وآل الأمر به إلى أن لم يبق من ينصره ولا من يعينه على القيام بطلب الثأر، ففر إلى اليمن، وجاور جنباً من قبائل اليمن وليست لهم نباهة، فخطبوا بنته فزوجها فيهم، وقال:
أنكحها فقدها الأراقم فـي |
|
جنب، وكان الحباء من أدم |
لو بأبانين جاء خاطـبـهـا |
|
ضرج ما أنف خاطب بدم |
ولما ضعف وأسن خرج في بعض أسفاره مع عبدين له، وكان يكلفهما ما تقتضيه همته مما يشق عليهما، فعزما على قتله. فلما أحس ذلك منهما قال: أوصيكما أن ترويا عني بيت شعر، وهو:
من مبلغ الحيين أن مهلهلا |
|
لله دركما ودر أبيكـمـا |
ثم قتلاه! ولما رجعا إلى أهله وزعما أنه مات، قيل لهما: هل أوصاكما بشيء؟ قالا: نعم، أوصانا أن نروي عنه بيت شعر _ وأنشداه، فقالت بنت له: عليكم هذين العبدين! فانما قال أبي:
من مبلغ الحيين أن مهلهلا |
|
أمسى قتيلا بالفلاة مجدلا |
لله دركما ودر أبـيكـمـا |
|
لا يبرح العبدان حتى يقتلا |
ثم استقرا، فأقرا فقتلا.
قال البيهقي: وبنته التي كان لها هذا الذكاء هي هند، وسمع بقصتها كلثوم سيد تغلب بعد مهلهل، فتزوجها فجاءت بعمرو بن كلثوم.
عمرو بن كلثوم
سيد تغلب. قال البيهقي: هو من بني عتاب بن سعد بن زهير بن جشم التغلبي.
وتلخيص ترجمته من الأغاني والكمائم وواجب الأدب: كان والده كلثوم أفرس العرب، وكذلك مرة بن كلثوم صاحب الحروب مع ملوك الحيرة وملوك غسان، وورث شرفهما والرياسة في وائل عمرو بن كلثوم.
وهو مشهور بالفتك: قتل عمرو بن هند ملك الحيرة في رواقه: وذلك أنه حضر في طعام عند عمرو بن هند، وحضرت أمه عند هند أم عمرو، فأرادت هند أم الملك أن تضع من هند التغلبية، فقالت لها: يا هند، ناوليني ذلك الطبق! فقالت: لتقم صاحبة الحاجة إليها! فألحت عليها فصاحت: وا ذلاه! يا لتغلب! فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، فوثب لسيف كان معلقاً في الرواق، فصبه عليه وقتله؛ فضرب به المثل في الفتك.
وصنع عمرو بن كلثوم قصيدته المعلقة التي أولها:
ألا هبي بصحنك فأصبحينا |
ومنها:
ألا لا يجهلن أحد عـلـينـا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
ورثنا المجد عن آباء صدق |
|
ونورثه إذا متنا بـنـينـا |
ولم تزل بنو تغلب تلهج بانشاد هذه القصيدة، وتكثر من ذكرها، حتى قال أحد شعراء بني بكر:
ألهي بني تغلب عن كل مكرمة |
|
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم |
يفاخرون بها مذ كان أولـهـم |
|
يا للرجال لمجد غير مسؤوم |
ومن القصيدة المذكورة:
بأنا نورد الرايات بـيضـاً |
|
ونصدرهن حمراً قد روينا |
ومن مشهور شعر عمرو بن كلثوم:
معاذ الاله أن تنـوح نـسـاؤنـا |
|
على هالك أو أن نضج من القتل |
قراع العوالي بالعوالي أحـلـنـا |
|
بأرض براح ذي أراك وذي أثل |
وله يخاطب النعمان بن المنذر ملك الحيرة:
ألا أبلغ النعمان عني رسـالة |
|
فمجدك حولي ومجدي قارح |
وكانت الملوك تبعث إلى عمرو بن كلثوم بحبائه وهو في منزله من غير أن يفد عليها، إلى أن ساد ابنه الأسود بن عمرو، فصارك الملوك تساويه به، وتبعث إليه؛ فغضب عمرو وقال: ساواني بولي! والله لا أقمت في الحياة! ثم شرب الخمر صرفاً حتى مات.
وفي ولده نباهة في الإسلام منهم مالك بن طوق صاحب الرحبة.
[ممن لا يعلم عصره]
وممن لا يعلم عصره:
قتادة بن خرجة التغلبي
من شعراء الحماسة:
خليلي بين السلسلين لو انـنـي |
|
بنعف اللوى أنكرت ما قلتما ليا |
ولكنني لم أنس ما قال صاحبـي |
|
نصيبك من ذلك إذا كنت نـائيا |
[عنز بن بكر بن وائل]
وأما عنز بن بكر بن وائل فالباقية الآن لهم، وقد غلبوا على تبالة وجهاتها من اليمن، وليس لهم في القديم ولا الحديث أعلام يذكرون في هذا الكتاب.
ولقيت منهم غلاماً بمكة يحج مع السرو، وفيه فصاحة وكثرة إلحاف في السؤال، فقلت له: ما هكذا تعرف العرب! فقال: لما عدمت الكرام الأولي يرعون حقها صارت إلى ما ترى!
[النمر بن قاسط]
وأما النمر بن قاسط إخوة وائل فكانوا مع بني وائل بالجزيرة الفراتية، وهم رهط منصور النمري الشاعر.
ومنهم في الجاهلية:
ربيعة بن جعشم النمري
من الكمائم أنه شاعر قديم، يقال إنه القائل:
كأن المدام وصوب الغـمـام |
|
وريح الخزامي ونشر القطر |
يعـل بـه بـرد أنـيابـهـا |
|
إذا غرد الطائر المستـحـر |
فاستلحقها امرؤ القيس الكندي في شعره.
تاريخ عبد القيس
ابن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة. قال الحارثي: النسب إليها عبدي، ويقال: عبقسي. قال البيهقي: وهي من أرحية العرب، نزلت بالجزيرة وملكتها زماناً.
وهم رهط الأشج العبدي، والجارود العبدي؛ وقد بلوا من شعراء العرب بأنهم يعيرون بكثرة الفساء.
وجاء الإسلام وهم أصحاب البحرين، ثم غلبت عليهم القرامطة، ثم غلب على البحرين بنو أبي الحسين من تغلب، ثم بنو عامر.
ولها بطون لا ينسب إليها لأنها ليست من جماجم العرب، غير أن شن بن أفصى ابن عامر بن عبد القيس رهط الأعور الشني الشاعر ينسب إليها. وفيها جرى المثل "وافق شن طبقة"، وقيل غير ذلك. والمثل الآخر: "يحمل شن ويفدى لكيز"، وهو أخوه.
الممزق العبدي
من شعراء الجاهلية، كان يفد على ملوك الحيرة، وهو القائل يخاطب أحدهم:
فان كنت مأكولا فكن أنت آكلي |
|
وإلا فأدركني ولمـا أمـزق |
ولعبد القيس أعلام في الإسلام.
تاريخ عنزة
عنزة بن أسد بن ربيعة، وقد قيل: إنها ابن أسد بن خزيمة بن مضر، والأول أشهر.
قال البيهقي: كانت بلادها في الجاهلية وصدر الإسلام عين التمر وهي بليدة بينها وبين الأنبار ثلاثة أيام. وقد انتقلت عنزة عن بلادها تلك إلى جهة خيبر، وهم في عدد وصولة هنالك إلى اليوم. ويلقى الحجاج منهم مشقة.
وذكر النسابون أن عنزة افترقت عن بطنين: يذكر ويقدم ابني عنزة.
[بنو يذكر]
فمن بني يذكر ثم من بني هزان منها:
أم ثواب الهزانية
أنشد لها أبو تمام في ولدها الذي عقها:
ربيته وهو مثل الفرخ أعظـمـه |
|
أم الطعام ترى في ريشه زغبا |
حتى إذا آض كالفحـال شـذبـه |
|
أباره ونفى عن متنه الكـربـا |
أنشا يمزق أثوابي ويضـربـنـي |
|
أبعد شيبي عندي يبتغـي الأدبـا |
إني لأبصر في ترجيل لـمـتـه |
|
وخط لحيته في وجهه عجـبـا |
قالت له عرسه يوماً لتسمعنـي: |
|
مهلا فإن لنا في أمـنـا أربـا |
ولو رأتني في نـار مـسـعـرة |
|
ثم استطاعت لزادت فوقها حطبا |
[بنو يقدم]
ومن بني يقدم بن عنزة:
القارظان
ومن الأمثال لأبي عبيدة: كلاهما من عنزة، فالأكبر هو يذكر بن عنزة لصلبه، والأصغر هو رهم بن عامر بن عنزة.
وكان من حديث الأول أن خزيمة بن نهد كان عشق ابنته فاطمة بنت يذكر، وهو القائل فيها:
إذا الجوزاء أردفت الثريا |
|
ظننت بآل فاطمة الظنونا |
قال: ثم إن يذكر وخزيمة خرجا يطلبان القرظ فمرا بهوة من الأرض فيها نحل، فنزل يذكر ليشتار عسلا، ودلاه خزيمة بحبل. فلما فرغ قال يذكر: أصعدني؛ فقال: لا والله حتى تزوجني ابنتك فاطمة! فقال: أما على هذه الحال فلا يكون أبدا! فتركه حتى مات. ففيه وقع الشر بين قضاعة وربيع.
قال: وأما الأصغر فإنه خرج يطلب القرظ، فلم يرجع، ولا يدرى ما كان من خبره، فصار حديثهما مثلا في انقطاع الغيبة. قال أبو ذؤيب:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما |
|
وينشر في القتلى كليب لوائل |
ومثله: "حتى يؤوب المنخل".
تاريخ ضبيعة بن ربيعة
قال ابن قتيبة: وكان سيد ضبيعة في الجاهلية الحارث بن عبد الله الأضجم، وهو الذي قال: ما قبلتم يدي حتى لطمتم خدي مراراً فصبرت!
المسيب بن علس الضبيعي
من واجب الأدب والكمائم: اسمه زهير، وهو خال الأعشى، وهو من ضبيعة بن ربيعة لا من ضبيعة بكر؛ وكان الأعشى يتوكأ على شعره، وكان كثير الوفادة على ملوك الحيرة وملوك غسان.
وهو القائل، وأنشدها الحاتمي له في حلية المحاضرة.
تبيت الملوك على عتبها |
|
وغسان أن عتبت تعب |
وكالراح بالمسك أخلاقهم |
|
وأخلاقهم منهما أعذب |
وكالمسك ترب مقاماتهم |
|
وترب مقاماتهم أطيب |
وأنشد له أيضاً:
فلأرسلن مع الرياح قصيدة |
|
مني مغلغلة إلى القعقاع |
ترد المياه فلا تزال غريبة |
|
في القوم بين تمثل وسماع |
المتلمس الضبيعي
من واجب الأدب والكمائم: اسمه جرير بن عبد المسيح بن ضبيعة بن ربيعة. وهو خال طرفة بن العبد الشاعر، وكانا قد هجيا عمرو بن هند ملك الحيرة، واشتهر قول المتلمس في أمه هند:
ملك يلاعب أمه وقطينـهـا |
|
رخو المفاصل أيره كالمرود |
بالباب يطلب كل طالب حاجة |
|
فإذا خلا فالمرء غير مسدد |
ثم حمله الحين على أن وفد عليه مع طرفة واستجدياه، فكتب إليهما كتابين لعامله على البحرين بأن يقتلهما. فاستراب المتلمس بالكتاب، وقال: والله ما أحمله بعد أن عرفني هجوته وأحقدته حتى أعلم ما فيه، ثم دفعه إلى غلام من الكتاب، فوجد فيه أمر العامل بأن يقتله، فألقى الكتاب في نهر، وقال:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله |
|
والزاد حتى نعله ألـقـاهـا |
ونجا هارباً. ولم يسمع منه طرفة، فسعى إلى حينه برجله.
للمتلمس البيت السائر:
قليل المال تصلحه فيبقـى |
|
ولا يبقى الكثير مع الفساد |
وقال أحد الشعراء في أديب بخيل يكثر التمثل بهذا البيت:
ولا يروي من الأشعـار شـيئاً |
|
سوى البيت الثقيل على الفؤاد |
قليل المال تصلحه فيبقى=ولا يبقى الكثير مع الفساد ومن مشهور شعر المتلمس قوله:
ولا يقيم عـلـى ذل يراد بـه |
|
إلا الأذلان: عير الدار والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمته |
|
وإذ يشخ فما يرثي لـه أحـد |
وله القصيدة ذات الحكم التي منها:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا |
|
وما علم الإنسان إلا ليعـلـمـا |
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتـي |
|
جعلت لهم فوق العرانين ميسمـا |
وما كنت إلا مثل قاطـع طـفـه |
|
بكف له أخرى فأصبح أجـذمـا |
يداه أصابت هـذه حـتـف هـذه |
|
فلم تجد الأخرى عليها تقـدمـا |
أحارث إنا لو تـشـاط دمـاؤنـا |
|
تزايلن حتـى لا يمـس دم دمـا |
وله:
تفرق أهلي من مقيم وظاعن |
|
فلله قلبي أي إلفي يتـبـع |
أقام الذين لا أبالي فراقهـم |
|
وشط الذين بينهم أتـوقـع |
تاريخ إياد
ابن نزار بن معد بن عدنان ليست من جماجم العرب؛ لأنها ليست لها قبائل تنتسب إليها. وكان إياد قد خرج من الحرم مع بنيه - كما تقدم - إلى جهة العراق والجزيرة. وكانت من منازلهم المشهورة في الجاهلية عين أباغ والعذيب وبارق.
وكانت لهم حروب مع جذيمة الأبرش ملك عرب العراق، ومع غيره من الملوك. وكانوا مع كسرى أبرويز على العرب يوم ذي قار، فأرسلوا في الباطن لقبائل بكر أنهم ينهزمون بالعجم عند اللقاء، ففعلوا ذلك، وكانت الكسرى على الفرس.
ثم لم يبق من إياد باقية في البادية، وتفرقوا على البلدان شرقاً وغرباً؛ ومنهم أعلام في المشرق والمغرب.
كعب بن مامة الإيادي
يضرب به المثل في الكرم. وفي حديثه أنه سافر مع قوم في حمارة القيظ، فاضطروا لأن قسموا الماء وكانوا يتناوبونه، وكان في القسمة مع كعب عربي من النمر بن قاسط، فكانت كلما جاءت نوبة كعب أشار له النمري أنه هالك بالعطش، وأن قسمة له يروه، فيؤثره بحظه ويقول: "اسق أخاك النمري"، إلى أن هلك كعب بالعطش، فضربت العرب به المثل.
لقيط بن بكر الإيادي
كان من شعراء إياد في الجاهلية وبلغائهم، وهو مذكور في الأغاني. وتلخيص ترجمته أن كسرى جمع جمعاً عظيماً أراد به إيادة إياد، وطردهم عن البلاد، فقام لقيط فيهم خطيباً وقال:
يا قوم لا تأمنوا إن كـنـتـم غـيراً |
|
على نسائكم كسرى وما جـمـعـا |
قوموا قياماً على أمشاط أرجـلـكـم |
|
ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعـا |
وقـلـدوا أمـركـم لـلـه دركــم |
|
رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا |
لا مترفاً إن رخاء العـيش سـاعـده |
|
ولا إذا حل مكروه بـه خـشـعـا |
مازال يحلب هذا الدهـر أشـطـره |
|
يكون متبعاً طـوراً ومـتـبـعـا |
حتى استمرت على شزر مـريرتـه |
|
مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعا |
فتراخت إياد عن قوله، فهجمت عليها جموع كسرى، وعاثت فيها أشد العيث، وشردت فلهم إلى أطرار الشام.
أبو دودا الايادي
جارية بن الحجاج. قال صاحب الأغاني: هو "شاعر جاهلي قديم، وكان وصافاً للخيل"؛ وهو القائل:
حاولت حين صرمتـنـي |
|
والمرء يعجز لا المحالة |
والدهر يلعب بالـفـتـى |
|
والدهر أروغ من ثعالة |
والعبد يقرع بالعصـا |
|
والحر تكفيه المقالة |
ابنه دواد
من شعراء الجاهلية أيضاً، وهو القائل في رثاء أبيه:
فبات فينا وأمسى تحت هـادية |
|
لا يستطيع كلاماً بعد إفصاح |
لا يدفع الموت إلا أن تـفـديه |
|
ولو قدرنا دفعنا الموت بالراح |
قس بن ساعدة الايادي
كان قد لزم العبادة في كعبة نجران، فقيل له: قس نجران. وقد لخصت ترجمته من واجب الأدب والكمائم ونثر الدر والبيان للجاحظ: هو أول من اتكأ على عصا، وأول من كتب: من فلان إلى فلان، وأول من قال: أما بعد.
ولما وفد وفد عبد القيس على النبي صلى الله عليه قال: أيكم يعرف قس بن ساعدة؟ قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله؛ قال: لست أنساه بعكاظ على جمل أحمر وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في الأرض لعبرا، وإن في السماء لخبرا، آيات محكمات: مطر ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ونجوم تمور، وبحر لا يغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ليل داج، وسماء ذات أبراج.
مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا أم حبسوا فناموا! يا معشر إياد، أين ثمود وعاد؟ أين الظلم الذي لم ينكر؟ أين العرف الذي لم يشكر؟ يقسم بالله قس أن لله ديناً هو خير من دينكم هذا.
ثم أنشد:
في الـذاهـلـين الأولـي |
|
ن من القرون لنا بصـائر |
لمــا رأيت مـــوارداً |
|
للموت ليس لها مصـادر |
ورأيت قومي نـحـوهـا |
|
يمضي الأكابر والأصاغر |
لا يرجع الـمـاضـي ولا |
|
يبقى من الباقين غـابـر |
أيقـنـت أنـي لا مـحـا |
|
لة حيث صار القوم صائر |
فقال رجل: لقد رأيت منه عجباً: انتحيت وادياً فإذا أنا بعين خرارة، وروضة مرهامة، وشجرة عادية، وإذا به قاعد إلى أصل الشجرة وبيده قضيب وقد ورد على العين سباع كثيرة، فكلما ورد سبع وأقام ضربه وقال: تنح حتى يشرب صاحبك! فلما رأيت ذلك ذعرت، فالتفت إلي وقال: لا تخف، فالتفت فإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت: ما هذان القبران؟ قال: هنا قبرا أخوين كانا لي، وكنا نعبد الله في هذا الموضع، فمرا وبقيت، وأنا أعبد الله بينهما حتى ألحق بهما. فقلت له: أفلا تلحق بقومك فتكون في خيرهم! فقال: ثكلتك أمك أما علمت أن ولد إسماعيل تركت دين أبيها، واتبعت الأضداد، وعظمت الأنداد؟ ثم أقبل على القبرين، فقال:
خليلي هبا طالما قد رقـدتـمـا |
|
أجدكما ما تقضيان كراكـمـا |
[ألم تعلما أني بسمعان مـفـرد |
|
وما لي فيه من حبيب سواكما |
أقيم على قبريكما لست بارحـاً |
|
طوال الليالي أو يجيب صداكما |
كأنكما والمـوت أقـرب غـاية |
|
بجسمي من قبريكما قد أتاكما |
فلو جعلت نفس لنفـس وقـاية |
|
لجدت بنفسي أن تكون فداكما] |
قال البيهقي: وقبره مشهور بجبل سمعان من جهة حلب. وفي قطب السرور أن قيصر قال له: أي الأشربة أفضل؟ فقال: ما صفا في العين، ولذ في الذوق، وطاب في النفس _ شراب الخمر. قال: فما تقول في مطبوخه؟ قال: "مرعى ولا كالسعدان"! قال: فما تقول في نبيذ الزبيب؟ قال: ميت أحيي وفيه بعض المنفعة؛ قال: فما تقول في نبيذ العسل؟ قال: نعم شراب الشيخ للأبردة والمعدة الفاسدة؛ قال: فنبيذ التمر؟ قال: أوساخ تدعو إليها ضرورات تذم في الأبدان؛ قال: فما الذي يذهب الهموم عند الشرب؟ قال: جوهر فيه لا تناله عقول العباد؛ قال: فما أصلح لوقت الشرب؟ قال: الأصيل؛ قال: فمن أي شيء يكون الخمار؟ قال: من ضعف قوة الجوارح عن بث ما يصعد إلى الدماغ من البخار حتى يغشيه الهواء قليلا قليلا؛ قال: فالصرف خير أم الممزوج؟ قال: الصرف سلطان جائر، والممزوج سلطان عادل؛ قال: أتشربه أنت؟ قال: نعم، ولا أبلغ ما يغير عقلي؛ قال: ولم؟ قال: أخبئه لسؤال مثلك!
[أنمار بن نزار]
وأما أنمار بن نزار فإنه أنسل باليمن، فحسب ولده منهم. وقد قيل: إن نسبه في اليمانية، وقد تقدم ذكر ذلك.
من وجدت له من العرب كلاماً فصيحاً ولم نعلم عصره ولا تمييزه
سئل أعرابي عن زوجته وكان حديث عهد بعرس: كيف رأيت أهلك؟ فقال: أفنان أثلة، وجني نحلة، ومس رملة، ورطب نخلة، وكأني كل يوم آئب من غيبة.
وقال آخر في ذم إنسان: أنت والله ممن إذا سأل ألحف وإذا سئل سوف، وإذا حدث خلف، وإذا وعد أخلف؛ تنظر نظرة حسود، وتعرض إعراض حقود.
ووصف أعرابي مرح فرس فقال: كأنه شيطان في أشطان.
وقال أعرابي: خرجت في ليلة حندس قد ألقت أكارعها على الأرض، فعميت صور الأبدان، فما كنا نتعارف إلا بالآذان، فسرنا حتى أخذ الليل ينفض صبغه.
وقال آخر: فصح الألسنة برد السائل، جذم الأكف عن النائل.
وقال أعرابي لقومه وقد ضافوا بعض أصحاب السلطان: يا قوم، لا أغركم من نشاب معهم في جعاب كأنها نيوب الفيلة، وقسي كأنها الحواجب، ينزع أحدهم حتى يتفرق شعر إبطه، ثم يرسل نشابة كأنها رشاء منقطع؛ فما بين أحدكم وبين أن يصدع قلبه منزلة! قال: فطاروا رعباً قبل اللقاء.
وقف أعرابي على قبر عامر بن الطفيل، فقال: كان والله لا يضل حتى يضل النجم، ولا يعطش حتى يعطش البعير، ولا يهاب حتى يهاب السيل. وكان والله خير ما يكون حين لا تظن نفس بنفس شيئاً.
وقيل لأعرابي قد أسن: ما فعل بك الدهر؟ فقال: ضعضع قناتي، وجرأ علي عداتي.
ذكر أعرابي ظلم وال وليهم، فقال: ما ترك لنا فضة إلا فضها، ولا ذهباً إلا أذهبه، ولا غلة إلا غلها، ولا ضيعة إلا ضيعها، ولا عقاراً إلا عقره، ولا علقاً إلا اعتلقه، ولا عرضاً إلا عرض له، ولا ماشية إلا امتشها، ولا جليلا إلا جله، ولا دقيقاً إلا دقه.
وذكروا أن قوماً أضلوا الطريف، فاستأجروا أعرابياً يدلهم عليه، فقال: إني والله ما أخرج معكم حتى أشرط لكم وعليكم. قالوا: هات مالك، قال: يدي مع أيديكم في الحار والقار، ولي موضعي من النار؛ وذكر والدي محرم عليكم. قالوا: هذا لك، فما لنا عليك إن أذنبت؟ قال: إعراضة لا تؤدي إلى عتب، وهجرة لا تمنع من مجامعة السفرة، قالوا: فإن لم تعتب؟ قال: حذفة بالعصا أصابت أم أخطأت! وقال أعرابي في وصف بليغ: كان لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.
وسأل أعرابي رجلاً فمنعه، فقال الحمد لله الذي أفقرني من معروفك، ولم يغنك عن شكري.
وقال أعرابي لولده: ابذل لصديقك كل المودة، ولا تبذل له كل الطمأنينة؛ وأعطه من نفسك كل المواساة، ولا تفض إليه بكل الأسرار.
وشتم رجل أعرابياً فلم يجبه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أدخل في حرب الغالب فيها شر من المغلوب.
وقال أعرابي: أكثر الناس بالقول مدل، ومن الفعل مقل.
* وقال أعرابي: وهو بعيد لا يفقد بره، وقريب لا يؤمن شره.
وقال آخر: أبين العجز قلة الحيلة، وملازمة الحليلة.
وقال آخر: ألم أكن نهيتك أن تريق ماء وجهك لمن لا ماء في وجهه؟ قال أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.
وصف آخر رجلاً، فقال: إن أتيته احتجب، وإن غبت عنه عتب، وإن عاتبته أبدى الغضب.
وقال أعرابي: لو عاونني الحال ما استبطأتك إلا بالصبر، ولا استزدتك إلا بالشكر.
وقال أعرابي: إن يسير مال أتاني عفواً لم أبذل فيه وجهاً، ولم أبسط إليه كفاً، ولم أغضض له طرفاً، أحب إلي من كثير مال أتاني بالكد واستفراغ الجهد.
وقال أعرابي: لا تصغر أمر من حاربت أو عاديت؛ فانك إن ظفرت لم تحمد، وإن عجزت لم تعذر.
هنأ بعض الأعراب فتى أراد البناء على أهله، فقال: بالبركة، وشدة الحركة، والظفر في المعركة.
وقال أعرابي: هو أفرح من المطل الواجد، والظعان الوارد، والعقيم الوالد.
وقال أعرابي: عليك بالأدب؛ فإنه يرفع المملوك حتى يجلسه في مجالس الملوك.
وقيل لبعض الأعراب: ما بال فلان يتنقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة.
وقال أعرابي: عباد الله، الحذر الحذر، فوالله لقد أسر من كان غفر.
وشكا أعرابي ركود الهواء، فقال ركد حتى كأنه أذن تسمع.
وقال آخر: كل مقدور عليه مختور أو معلول.
وقيل لأعرابي له أمة اسمها زهرة: أيسرك أنك الخليفة، وأن زهرة ماتت؟ قال: لا والله! قيل: ولم؟ قال: تذهب الأمة، وتضيع الأمة.
ومدح أعرابي قوماً، فقال: يقتحمون الحرب كأنما يلقونها بنفوس أعدائهم.
وقال أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظاً للسر، صابراً على السهر.
وقال أعرابي: لا يقوم عن الغضب بذل الاعتذار.
ووصف أعرابي رجلاً، فقال: ذا ممن ينفع سلمه، ويتواصف حلمه، ولا يستمرأ ظلمه.
وقال آخر: فلان حتف الأقران غداة النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.
وقال أعرابي عن شخص: لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
وقال آخر: فلان أفصح خلق الله كلاماً إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأسكتهم عن الملاحاة إذا خولف؛ يعطي صديقه الناقلة، ولا يسأله الفريضة؛ له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الأبريز الذي يفيد كل أوان، والشمس المنيرة التي لا تخفى بكل مكان؛ وهو النجم المضيء للحيران، والبارد العذب للعطشان.
وقال أعرابي: فلان ليث إذا عدا، وغيث إذا غدا، وبدر إذا بدا، ونجم إذا هدى، وسهم إذا أردى.
وقال آخر: الاغتراب يرد الجدة ويكسب الجدة.
وقيل لأعرابي: كيف ابنك؟ فقال: عذاب رعف به الدهر، فليتني أودعته القبر؛ فإنه بلاء لا يقاومه الصبر، وفائدة لا يجب فيها الشكر.
وقال أعرابي: لا تضع سرك عند من لا سر له عندك.
وقال أعرابي لرجل: ويحك! إن فلاناً وإن ضحك إليك فإن قلبه يضحك منك، ولئن أظهر الشفقة عليك فإن عقاربه لتسري إليك. فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تتخذه صديقاً في سريرتك.
وحذر أعرابي آخر رجلاً، فقال: احذر فلاناً؛ فإنه كثير المسألة، حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول عقاربه لتسري إليك. فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك، فلا تظهرن له المخافة فيرى أنك قد تحرزت، وباثه مباثة الآمن وتحفظ منه تحفظ الخائف. واعلم أن من يقظة المرء إظهار الغفلة مع الحذر.
ومدح أعرابي نفسه، فقيل له: أتمدح نفسك؟ فقال: إلى من أكلها؟ وقال أعرابي: هلاك الوالي في صاحب يحسن القول، ولا يحسن الفعل.
وقال أعرابي: نبو النظر عنوان الشر.
وقال آخر: الحسود لا يسود.
وقال أعرابي: العبوس بؤس، والبشر بشرى، والحاجة تفتق الحيلة، والحيلة تشحذ الطبيعة.
وقال أعرابي: مجالسة الأحمق خطر، والقيام عنه ظفر.
وقال آخر: العذر الجميل أحسن من المطال الطويل، فإن أردت الإنعام فأنجح، وإن تعذرت الحاجة فأفصح.
وقيل لأعرابي: ما وقوفك ها هنا؟ فقال: وقفت مع أخ لي يقول بلا علم، ويأخذ بلا شكل، ويرد بلا حشمة.
وقال آخر في دعاء: لا رد لسانك عن البيان، ولا أسكتك الزجر والهوان.
وقال أعرابي: حاجتي إليك حاجة الضال إلى المرشد، والمضل إلى المنشد.
وقال آخر: بالفحول تدرك الذحول.
وقال أعرابي: من جاد بماله فقد جاد بنفسه، إلا يكن جاد بها فقد جاد بقوامها.
وذكر رجل عند أعرابي بشدة العبادة، فقال: هذا والله رجل سوء، أيظن أن الله لا يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب! وقال أعرابي في الفخر بتمره: تمرنا جرد فطس عراض كأنها ألسن الطير، تمضغ التمرة في شدقك، فتجد حلاوتها في عقبك.
وقال أعرابي: سألت فلاناً حاجة أقل من قيمته، فردني رداً أقبح من خلقته.
ووصف أعرابي النساء، فقال: عليك منهن بالجاليات العيون، الآخذات بالقلوب، وتوخ بارع الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين السرة، ودقة الأنامل، وسبوطة [القصب] وجزالة الأسوق، وجثولة الفروع، ونجالة العيون مع الحور، وسهولة الخدود، وامتداد القوام، ورخامة المنطق، وحسن الثغور، وصغر الأفواه، وصفاء الألوان.
ووصف أعرابي امرأة، فقال: هي خالية من ألا وليت.
وقيل لأعرابي: "كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.
وقيل لأعرابي: كيف تغلب الناس؟ قال: أبهت بالكذب، واستشهد بالموتى.
وقال أعرابي لأخيه: إن لم يكن مالك لك كنت له، وإن لم تفنه أفناك، فكله قبل أن يأكلك.
وقال أعرابي في رجل: صغره في عيني كبر الدنيا في عينه.
وقيل لأعرابي: كيف تقدر على جمع الضرائر؟ فقال: كنا لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصيرهن لنا؛ ثم قد بقي لنا خلق حسن، فنحن نتعايش به.
وقال أعرابي: مع الشعاب التحاب، والإفراط في الزيارة ممل، والتفريط فيها مخل.
وقيل لأعرابي عمر مائة وعشرين سنة: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت؟ وقال آخر في عيي: رأيت عورات الناس بين أرجلهم، وعورة هذا بين فكيه.
وقيل لأعرابي: ما تلبس؟ قال: الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس.
وسئل أعرابي عن ألوان الثياب، فقال: الصفرة أشكل، والحمرة أجمل، والخضرة أنبل، والسواد أهول، والبياض أفضل.
وسئل رجل عن نسبه، فقال: أنا ابن أخت فلان، فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولا، وأنت تنتسب عرضا.
وقيل لأعرابي: بم تعرفون السودد في الغلام؟ قال: إذا كان سابل الغرة، طويل الغرلة، ملتاث الأزرة، وكانت فيه لوثة فلسنا نشك في سودده.
قال أعرابي: اكتب لابني تعويذاً، فقال: ما اسمه؟ قال: فلان، قال: فما اسم أمه؟ قال: ولم عدلت عن اسم أبيه؟ قال: لأن الأم لا يشك فيها؛ قال: اكتب: فإن كان ابني عافاه الله، وإن لم يكن فلا شفاه الله ولا عافاه! قيل لأعرابي: ما تقول في ابن العم؟ قال: عدوك، وعدو عدوك؟ وقيل لأعرابي: أتشرب النبيذ؟ فقال: أنا لا أشرب ما يشرب عقلي.
وقيل لآخر: والله ما أرضى عقلي مجتمعاً، فكيف أفرقه؟ وقال بعضهم: رأيت أعرابياً في إبل قد ملأت الوادي، فقلت: لمن هذه؟ فقال: لله في يدي.
وأثنى أعرابي على رجل، فقال: إن خيرك لصريح. وإن منعك لمريح، وإن رفدك لربيح.
وقيل لأعرابي: ما أعددت للشتاء؟ فقال: شدة الرعدة.
وقال أعرابي: ما النار بأحرق للفتيلة من التعادي للقبيلة.
وقال آخر: مع القرابة والثروة يكون التناكر والتحاسد، ومع الغربة والخلة يكون التناصر والتحاشد.
وقال أعرابي لابن عم له: مالك أسرع إلى ما أكره من الماء إلى قرارة، ولولا ضني باجتنابك لما أسرعت إلى عتابك! فقال الآخر: والله ما أعرف تقصيراً فأقلع، ولا ذنباً فأعتب؛ ولست أقول لك كذبت، ولا أقر أني أذنبت.
وقال أعرابي: مازال يغطيني حتى حسبته يردعني، وما ضاع مال أودع حمداً.
وقيل لأعرابي: على من البرد أشد؟ قال: على خلق في خلق.
وقال أعرابي: ما رأيت كفلان إن طلب حاجة غضب قبل أن يرد عنها، وإن سئل رد صاحبها قبل أن يفهمها.
وذم رجل آخر فقال: لم يقنع كمياً سيفاً، ولا قرى يوماً ضيفاً، ولا حمدنا له شتاء ولا صيفاً.
ووقف أعرابي في بعض المواسم، فقال: اللهم إن لك حقوقاً فتصدق بها علي، وللناس تبعات قبلي فتحملها عني؛ وقد أوجبت لكل ضيف قرى وأنا ضيفك، فاجعل قراي في هذه الليلة الجنة.
ووقف سائل أعرابي فقال: رحم الله امرأ أعطى من سعة، وآسى من كفاف، وآثر من قوت.
وقال أعرابي في دعائه: اللهم إن كان رزقي في السماء فأحدره، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان نائياً فقربه، وإن كان قليلا فكثره، وإن كان كثيراً فبارك فيه.