ابن بكر بن عبد الرحمن شيخ الإسلام وعالم خراسان أبو زكريا التميمي المنقري النيسابوري الحافظ.
كتب ببلده وبالحجاز والعراق والشام ومصر.
لقي صغاراً من التابعين منهم كثير بن سليم وأخذ عنه وعن عبد الله بن جعفر المخرمي ويزيد بن المقدام وزهير بن معاوية ومالك وشريك القاضي وسعير بن الخمس وأبي عقيل يحيى بن المتوكل وسليمان بن بلال والليث بن سعد وعبد الرحمن بن أبي الموال وعطاف بن خالد وإبراهيم بن سعد وابن أبي الزناد والمنكدر بن محمد وداود بن عبد الرحمن العطار ومسلم بن خالد ومعاوية بن عبد الكريم وخلف بن خليفة ويزيد بن زريع وعبثر بن القاسم وأمم سواهم.
وعنه البخاري ومسلم وحميد بن زنجويه ومحمد بن نصر المروزي وأحمد بن سيار وعثمان بن سعيد الدارمي ومحمد بن رافع القشيري ومحمد بن يحيى الذهلي وابنه يحيى حيكان وزكريا بن داود الخفاف ومحمد بن عمرو الجرشي وجعفر بن محمد بن الترك ومحمد بن عبد السلام بن بشار وإبراهيم بن علي الذهلي وداود بن الحسين البيهقي وعلي بن الحسين الصفار وخلائق.
أخبرنا محمد بن عبد السلام الشافعي وزينب بنت عمر قالا انبأتنا زينب بنت أبي القاسم أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم القارىء أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أخبرنا بشر بن أحمد الإسفراييني حدثنا داود بن الحسين بن عقيل حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث ما توجهت به.
ولد يحيى بن يحيى سنة اثنتين وأربعين ومئة نقله أبو عمرو المستملي عن أبي الطيب المكفوف صاحب يحيى بن يحيى. يحيى بن محمد بن يحيى سمعت إسحاق بن راهوية يقول ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا أحسب أنه رأى مثل نفسه.
وقال أبو داود الخفاف سمعت أحمد بن حنبل يقول ما رأى يحيى ابن يحيى مثل نفسه وما رأى الناس مثله رواها أبو عثمان سعيد بن شاذان عنه.
قال أحمد بن سلمة سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول مات يحيى ابن يحيى يوم مات وهو إمام لأهل الدنيا.
أبو العباس السراج سمعت الحسين بن عبدش وكان ثقة سمعت محمد بن أسلم يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت عمت أكتب فقال عن يحيى بن يحيى.
قال خشنام بن سعيد سمعت أحمد بن حنبل يقول كان يحيى بن يحيى عندي إماما ولو كانت عندي نفقة لرحلت إليه.
محمد بن يعقوب الأخرم سمعت يحيى بن محمد يقول كان أبي يرجع في المشكلات إلى يحيى بن يحيى ويقول هو إمام فيما بيني وبين الله.
قال أبو الطيب المكفوف سمعت إسحاق يقول لم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من يحيى بن يحيى والفضل بن موسى ويحيى أحسن حديثا من ابن المبارك قلت ولم قال لأن يحيى أخرج من علمه ما كان ينبعي أن يخرجه وأمسك ما كان ينبغي أن يمسك عنه.
الأثرم سمعت أحمد بن حنبل ذكر يحيى بن يحيى فقال بخ بخ ثم ذكر قتبة فأثنى عليه ثم قال إلا أن يحيى بن يحيى شيء آخر.
قال ابن محمش أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري حدثنا أبو أحمد الفراء سمعت الحسين بن منصور يقول كنا عند أحمد ابن حنبل فروي حديثاً عن سفيان فقلت خالفك يحيى بن يحيى فقال كيف قال يحيى فأخبرته فضرب على حديثه وقال لا خير فيما خالف فيه يحيى بن يحيى.
قال أبو أحمد الفراء سمعت يحيى بن يحيى وكان إماماً وقدوة ونوراً للإسلام.
الحاكم سمعت محمد بن يعقوب الحافظ سمعت مشايخنا يقولون لو عاش يحيى بن يحيى سنتين لذهب حديثه فإنه إذا شك في حديث أرسله هذا في بدء أمره ثم صار إذا شك في حديث تركه ثم صار يضرب عليه من كتابه.
ابن أبي حاتم أخبرنا عبد الله بن أحمد في كتابه سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى فأثنى عليه خيراً وقال ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثله كنا نسميه يحيى الشكاك من كثرة ما كان يشك في الحديث.
قال عبد الله بن محمد بن مسلم كنت مع أبي عبد الله المروزي فقلت من أدركت من المشايخ على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال ما أعلم إلا أن يكون يحيى بن يحيى.
قال إبراهيم بن أبي طالب قرأ علينا إسحاق عن مشايخه أحاديث وقال حدثنا يحيى بن يحيى وهو أوثق من حدثتكم اليوم عنه.
قال علي بن الحسن الدارابجردي سمعت يحيى الحماني يقول: كنا نعد فقهاء خراسان ثلاثة عبد الله بن المبارك ويحيى بن يحيى وآخر.
قال أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب سمعت الحسين بن منصور قال كنا عند أحمد بن حنبل فروى حديثا عن سفيان فقلت خالفك يحيى بن يحيى فتوقف وقال لا خير فيما يخالف فيه يحيى بن يحيى.
وقال أبو زرعة سمعت أحمد بن حنبل يقول وذكر يحيى بن يحيى النيسابوري فذكر من فضله وإتقانه أمراً عظيماً.
محمد بن أحمد بن شذرة الخطيب سمعت أبا علي أحمد بن عثمان سمعت محمد بن عزرة يقول قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي كثيراً ما يقول وددت أني رأيت يحيى بن يحيى النيسابوري فكنت يوما جالسا أكتب فوقف علي رجل عليه أثر السفر معه عصا وركوة فقال يا بني هذه دار أبي عبد الله قلت نعم قال تراه في البيت قلت من أنت قال أنا يحيى بن يحيى فوثبت مسروراً وأخبرت أبي فأطرق ملياً وقال أبلغه مني السلام وقل أتاك الله ثواب ما نويت فرجعت شبه الخجل فقال أستودعك الله يا بني ومضى.
فهذه حكاية باطلة لم يتم من ذلك شيء وإنما طلب عبد الله بعد موت يحيى بن يحيى وأيضاً فما نعلم أن يحيى دخل بغداد.
الحاكم سمعت محمد بن حامد سمعت أبا محمد المنصوري سمعت محمد بن عبد الوهاب سمعت الحسين بن منصور يقول أراد يحيى بن يحيى الحج فاستأذن عبد الله بن طاهر الأمير فقال أنت من الإسلام بالعروة الوثقى فلا أمن أن تمتحن فتصير إلى مكروه فهذا الإذن وهذه النصيحة فقعد وبلغنا أن يحيى أوصى بثياب يدنه لأحمد بن حنبل فلما قدمت على أحمد أخذ منها ثوباً واحداً للبركة ورد الباقي وقال إنه ليس تفصيل ثيابه من زي بلدنا.
قال محمد بن عبد الوهاب وغيره مات يحيى بن يحيى في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين ومئتين. وقال أبو عمرو المستملي سمعت أبا أحمد الفراء يقول أخبرني زكريا بن يحيى بن يحيى قال أوصى أبي بثياب جسده لأحمد فأتيته بها في منديل فنظر إليها وقال ليس هذا من لباسي ثم أخذ ثوبا واحدا ورد الباقي.
قال محمد بن عبد الوهاب وسمعت الحسين بن منصور سمعت عبد الله بن طاهر الأمير يقول رأيت في النوم في رمضان كأن كتابا أدلي من السماء فقيل لي هذا الكتاب فيه اسم من غفر له فقمت فتصفحت فيه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم يحيى بن يحيى.
قال الحاكم سمعت أبي سمعت أبا عمور العمروي وإلى البلد يقول بينا أنا نائم ذات ليلة على السطح إذ رأيت نورا يسطع إلى السماء من قبر في مقبرة الحسين كأنه منارة بيضاء فدعوت بغلام لي رام.
فقلت أرم ذاك القبر الذي يسطع منه النور ففعل فلما أصبحت بكرت بنفسي فإذا النشابة في قبر يحيى بن يحيى رحمة الله عليه.
قال النسائي ثقة ثبت.
وقال أحمد بن سيار المروزي يحيى بن يحيى من موالي بني منقر كان ثقة حسن الوجه طويل اللحية خيرا فاضلاً صائناً لنفسه.
وقال النسائي أيضاً يحيى بن يحيى النيسابوري الثقة المأمون.
قال عثمان بن سعيد الدارمي ذهبت يوماً أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم وفي مجلسه يومئذ حسين ابن عيسى البسطامي وأحمد بن الحريش القاضي ومحمد بن رافع وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب وغيرهم من المشايخ فزبرني يحيى بغضب وقال اسكت وأنكر على أولئك استعظاماً أن أحكي كلامهم وإنكاراً.
وقال نصر بن زكريا بإسبيجاب سمعت محمد بن يحيى الذهلي سمعت يحيى بن معين يقول الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله فقلت ليحيى الرجل ينفق ماله ويتعب نفسه ويجاهد فهذا أفضل منه قال نعم بكثير.
قال
إبراهيم بن إسحاق الغسيلي حدثني صالح بن أحمد بن حنبل قال لي أبي ما
أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى.
وقال أبو العباس السراج سمعت النبيل أبا الطيب المكفوف وقد جالس يحيى
بن يحيى يقول قال لي إسحاق بن راهوية يوما أصبح يحيى ابن يحيى إمام أهل
الشرق والغرب.
قلت لم يكن بخراسان بعده مثله إلا إسحاق ولا بعد إسحاق مثل الذهلي ولا بعد الذهلي كمسلم ولا بعد مسلم كمحمد بن نصر المروزي ولا بعد ابن نصر كابن خزيمة ولا بعده كأبي حامد بن الشرقي ولا بعده كأبي بكر الصبغي.
يحيى بن يحيى بن كثير
ابن وسلاس بن شملال بن منغايا الإمام الكبير فقيه الأندلس أبو محمد الليثي البربري المصمودي الأندلسي القرطبي. مولده في سنة اثنتين وخمسين ومئة.
سمع أولا من الفقيه زياد بن عبد الرحمن شبطون ويحيى بن مضر وطائفة.
ثم ارتحل إلى المشرق في أواخر أيام مالك الإمام فسمع منه الموطأ سوى أبواب من الاعتكاف شك في سماعها منه فرواها عن زياد شبطون عن مالك وسمع من الليث بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم العتقي وحمل عن ابن القاسم عشرة كتب سؤالات ومسائل وسمع من القاسم بن عبد الله العمري وأنس بن عياض الليثي.
ويقال إنه لحق نافع بن أبي نعيم مقرىء المدينة وأخذ عنه وهذا بعيد فإن نافعاً مات قبل مالك بعشر سنين.
ولازم ابن وهب وابن القاسم ثم حج ورجع إلى المدينة ليزداد من مالك فوجده في مرض الموت فأقام إلى أن توفاه الله وشهد جنازته ورجع إلى قرطبة بعلم جم وتصدر للاشتغال وازدحموا عليه وبعد صيته وانتفعوا بعلمه وهديه وسمتهز وكان كبير الشأن وافر الجلالة عظيم الهيبة نال من الرئاسة والحرمة ما لم يبلغه أحد .
روى عنه ولده أبو مروان عبيد الله ومحمد بن العباس بن الوليد ومحمد بن وضاح وبقي بن مخلد وصباح بن عبد الرحمن العتقي وخلق سواهم.
كان أحمد بن خالد بن الحباب الحافظ يقول لم يعط أحد من أهل العلم بالأندلس من الحظوة وعظم القدر وجلالة الذكر ما أعطيه يحيى ابن يحيى.
وبلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس رحمه الله فمر على باب مالك الفيل فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل سوى يحيى بن يحيى فلم يقم فأعجب به مالك وسأله من أنت وأين بلدك ثم لم يزل بعد مكرماً له.
وعن يحيى بن يحيى قال أخذت بركاب الليث فأراد غلامه أن يمنعني فقال الليث دعه ثم قال لي خدمك العلم قال فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك. وقيل إن عبد الرحمن بن الحكم المرواني صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهاراً فلم يملك نفسه أن واقعها ثم ندم وطلب الفقهاء وسألهم عن توبته فقال يحيى بن يحيى صم شهرين متتابعين فسكت العلماء فلما خرجوا قالوا ليحيى مالك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنه مخير بين العتق والصوم والإطعام قال لو فتحنا له هذا الباب لسهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.
قال أبو عمر بن عبد البر قدم يحيى بن يحيى الأندلس بعلم كثير فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار الفقيه عليه وانتهى السلطان والعامة إلى رأيه وكان فقيها حسن الرأي وكان لا يرى القنوت في الصبح ولا في سائر الصلوات ويقول سمعت الليث بن سعد يقول سمعت يحيى ابن سعيد الأنصاري يقول إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من أربعين يوماً يدعو على قوم ويدعو لاخرين قال وكان الليث لا يقنت.
ثم قال ابن عبد البر وخالف يحيى بن يحيى مالكاً في اليمين مع الشاهد فلم ير القضاء به ولا الحكم وأخذ بقول الليث بعد سعد.
قال وكان يرى جواز كراء الأرض بجزء مما يخرج منها على مذهب الليث ويقول هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر.
وقضى برأي أمينين إذا لم يوجد في أهل الزوجين حكمان يصلحان لذلك.
قال أبو عمر وكان يحيى بن يحيى إمام أهل بلده والمقتدى به منهم والمنظور إليه والمعول عليه وكان ثقة عاقلاً حسن الهدي والسمت يشبه في سمته بسمت مالك قال ولم يكن له بصر بالحديث.
قلت نعم ما كان من فرسان هذا الشأن بل كان متوسطا فيه رحمه الله.
قال ابن الفرضي كان يفتي برأي مالك وكان إمام وقته وواحد بلده وكان رجلاً عاقلاً.
قال محمد بن عمر بن لبابة فقيه الأندلس عيسى بن دينار وعالمها عبد الملك بن حبيب وعاقلها يحيى بن يحيى.
ثم قال ابن الفرضي في تاريخه وكان يحيى بن يحيى ممن أتهم ببعض الأمر في الهيج يعني في القيام والإنكار على أمير الأندلس قال فهرب إلى طليطلة ثم استأمن فكتب له الحكم الأمير المعروف بالربضي أمانا فرد إلى قرطبة.
قال عبد الله بن محمد بن جعفر رأيت يحيى بن يحيى نازلا عن دابته ماشياً إلى الجامع يوم جمعة وعليه عمامة ورداء متين وأنا أحبس دابة أبي.
قال أبو القاسم بن بشكوال الحافظ كان يحيى بن يحيى مجاب الدعوة فقد أخذ نفسه في هيئته ومقعده هيئة مالك الإمام بالأندلس فإنه عرض عليه قضاء الجماعة فامتنع فكان أمير الأندلس لا يولي أحداً القضاء بمدائن إقليم الأندلس إلا من يشير به يحيى بن يحيى فكثر لذلك تلامذة يحيى بن يحيى وأقبلوا على فقه مالك ونبذوا ما سواه.
نقل غير واحد وفاة يحيى بن يحيى في شهر رجب سنة أربع وثلاثين ومئتين وبعضهم قال في سنة ثلاث والأول أصح.
أخبرنا بكتاب الموطأ الإمام المعمر مسند المغرب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي كتابة من مدينة تونس قال أخبرنا القاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن بقي المالكي قراءة عليه في سنة عشرين وست مئة قال أخبرنا محمد بن عبد الحق القرطبي قراءة قال أخبرنا الإمام محمد بن فرج مولى ابن الطلاع قال أخبرنا القاضي أبو الوليد يونس ابن عبد الله بن مغيث سماعاً أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن يحيى ابن يحيى بن يحيى اليثي قراءة وتوفي في رجب سنة سبع وستين وثلاث مئة قال أخبرنا عم أبي الفقيه أبو مروان عبيد الله بن يحيى بن يحيى وتوفي في رمضان سنة ثمان وتسعين ومئتين قال أخبرنا أبي قال حدثنا مالك بن أنس سوى فوته من الاعتكاف فذكر الموطأ.