مهذب الدين عبد الرحيم بن علي

توفي 628 هـ/ 1230م

هو الشيخ الإمام الصدر الكبير، العالم الفاضل مهذب الدين أبو محمد عبد الرحيم بن علي بن حامد ويعرف بالدخوار.

كان أوحد عصره، وفريد دهره، وعلامة زمانه، وإليه انتهت رياسة صناعة الطب ومعرفتها على ما ينبغي، وتحقيق كلياتها وجزئياتها، ولم يكن في اجتهاده من يجاريه، ولا في علمه من يماثله، أتعب نفسه في الاشتغال، وكد خاطره في تحصيل العلم حتى فاق أهل زمانه، في صناعة الطب، وحظي عند الملوك، ونال من جهتهم من المال والجاه ما لم ينله غيره من الأطباء إلى أن توفي.

ولده ونشأ بدمشق، وكان أبوه علي بن حامد كحالاً مشهوراً، وكذلك كان أخوه وهو حامد بن علي كحالاً، وكان الحكيم مهذب الدين أيضاً في مبدأ أمره يكحل، وهو مع ذلك مواظب على الاشتغال والنسخ، وكان خطه منسوباً، وكتب كتباً كثيرة بخطه، واشتغل بالعربية على الشيخ تاج الدين الكندي أبي اليمن، ولم يزل مجتهداً في تحصيل العلوم وملازمة القراءة والحفظ حتى في أوقات خدمته وهو في سن الكهولة، وكان في أول اشتغاله بصناعة الطب قد قرأ شيئاً من المكي على الشيخ رضي الدين الرحبي رحمه اللّه، ثم بعد ذلك لازم موفق الدين بن المطران وتتلمذ له، واشتغل عليه بصناعة الطب، ولم يزل ملازماً له في أسفاره وحضره إلى أن تميز ومهر، واشتغل بعد ذلك أيضاً على فخر الدين المارديني لما ورد إلى دمشق في سنة تسع وسبعين وخمسمائة بشيء من القانون لابن سينا، وكان فخرالدين المارديني كثير الدراية لهذا الكتاب والتحقيق لمعانيه وخدم الحكيم مهذب الدين الملك العادل أبا بكر بن أيوب بصناعة الطب، وكان السبب في ذلك أنه في أول أمره كان يعاني صناعة الكحل ويحاول أعمالها، وخدم بها في البيمارستان الكبير الذي أنشأه ووقفه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي، ثم بعد ذلك لما اشتغل على ابن المطران، ووسم بصناعة الطب، أطلق له الصاحب صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل أبي بكر بن أيوب جامكية على الطب وخدم بها، وهو مع ذلك يشتغل ويتزيد في العلم والعمل، ولا يخل بخدمة الصاحب صفي الدين بن شكر والتردد إليه. وعرف الصاحب منزلته في صناعة الطب وعلمه وفضله، ولما كان في شهر شوال سنة أربع وستمائة كان الملك العادل قد قال للصاحب بن شكر نريد أن يكون مع الحكيم موفق الدين عبد العزيز حكيم آخر، برسم خدمة العسكر والتردد إليهم في أمراضهم، فإن الحكيم عبد العزبز ما يلحق لذلك، فامتثل أمره وقال ههنا حكيم فاضل في صناعة الطب يقال له المهذب الدخوار يصلح أن يكون في خدمة مولانا، فأمره باستخدامه. ولما حضر مهذب الدين عند الصاحب قال له إني شكرتك للسلطان وهذه ثلاثون ديناراً ناصرية لك في كل شهر وتكون في الخدمة، فقال يا مولانا الحكيم موفق الدين عبد العزيز له في كل شهر مائة دينار ورواتب مثلها، وأنا أعرف منزلتي في العلم وما أخدم بدون مقرره، وانفصل عن الصاحب ولم يقبل، ثم إن الجماعة ذمت مهذب الدين على امتناعه، وما بقي يمكنه أن يعاود الصاحب ليخدم، وكان مقرره في البيمارستان شيء يسير، واتفق المقدورأن بعد ذلك الحديث بنحو شهر، وكان يعاود الموفق عبد العزيز قولنج صعب فعرض له وتزايد به ومات منه، ولما بلغ الملك العادل موته قال للصاحب كنت قد شكرت لنا حكيماً يقال له المهذب نزله على مقرر الموفق عبد العزيز فتنزل على جميع مقرره، واستمرفي خدمة الملك العادل من ذلك الوقت، ثم لم تزل منزلته عنده، وتترقى أحواله، حتى صار جليسه وأنيسه وصاحب مشورته.

توفي مهذب الدين في الليلة التي صبيحتها يوم الاثنين خامس عشر صفر ودفن بجبل قاسيون ولم يخلف ولداً.

لمهذب الدين عبد الرحيم بن علي من الكتب اختصار كتاب الحاوي في الطب للرازي، اختصار كتاب الأغاني الكبير لأبي الفرج الأصفهاني، مقالة في الاستفراغ ألفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وستمائة، كتاب الجنينة في الطب، تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طبية ورد أجوبتها له، كتاب الرد على شرح ابن صادق لمسائل حنين، مقالة يرد فيها على رسالة أبي الحجاج يوسف الإسرائيلي في ترتيب الأغذية اللطيفة والكثيفة في تناولها.


المرجع: عيون الأنباء في طبقات الأطباء