بن عبدوس

بن عبدوس

فقيه المغرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدوس. قال أبو العرب: كان ثقة إماماً في ألفقه ذا ورع وتواضع بذ الهيئة كان أشبه شيء بأحوال شيخه سحنون في فقهه وزهادته وملبسه ومطعمه وكان حسن الكتاب حسن التقييد مات ابن ثمان وخمسين سنة.


قال لقمان بن يوسف: أقام ابن عبدوس سبع سنين يدرس لا يخرج إلا لجمعة. وعن عبد الله بن إسحاق بن التبان أن ابن عبدوس أقام أربع عشرة سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء وكان على غاية من التواضع. وقد فرق مئة دينار من غلة ضيعته في القحط. وقيل: أتاه رجل فقال: ما تقول في الإيمان قال: أنا مؤمن فقال: عند الله قال: أما عند الله فلا أقطع لنفسي بذلك لأني لا أدري بم يختم لي فبصق الرجل في وجهه فعمي من وقته الرجل. توفي قريباً من سنة ستين ومئتين.

أحمد بن بكر

المحدث المفيد أبو سعيد البالسي ويقال له: أحمد بن بكرويه. حدث عن: زيد بن الحباب ومحمد بن مصعب القرقساني وخالد ابن يزيد القسري وحجاج الأعور وجماعة. روى عنه: مطين ويحيى بن صاعد وعبد الملك بن محمد الأسفراييني وأبو إسحاق بن أبي ثابت. له حديث منكر.


قال ابن عدي: حدثنا محمد بن حمدون حدثنا أحمد حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن أبي سعيد مرفوعاً:" من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحبه فقد أحبني عمر معي حيث حللت وأنا مع عمر حيث حل".
قال أبو نعيم بن عدي: روى مناكير عن الثقات. وقال الأزدي: كان يضع الحديث.

أبو زرعة الرازي

الإمام سيد الحفاظ عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ: محدث الري ودخول الزاي في نسبته غير مقيس كالمروزي. مولده بعد نيف ومئتين.


وقد ذكر ابن أبي حاتم أن أبا زرعة سمع من: عبد الله بن صالح العجلي والحسن بن عطية بن نجيح وهما ممن توفي سنة أحدى عشرة ومئتين فيما بلغني فإما وقع غلط في وفاتهما و إما في مولده وإما في لقيه لهما.


وقد سمع من: محمد بن سابق وقرة بن حبيب وأبي نعيم والقعنبي وخلاد بن يحيى وعمرو بن هاشم وعيسى بن ميناقالون وإسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز وعبد الله الأويسي ويحيى بن بكير وعبد الحميد بن بكار وصفوان بن صالح وسليمان بن بنت شرحبيل وأحمد بن حنبل وطبقتهم.


قال لنا أبو الحجاج في تهذيبه: هو مولى عياش بن مطرف بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ثم سرد شيوخه ومنهم: أحمد بن يونس اليربوعي والحسن بن بشر البجلي والحسن بن الربيع البوراني وأبو عمر الحوضي والربيع بن يحيى الأشناني وسهل بن بكار الدارمي وشاذ بن فياض وقبيصة بن عقبة ومحمد بن الصلت الأسدي ومسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل وأبو الوليد الطيالسي وآخرون.


وذكر شيخنا أبو الحجاج فيهم أبا عاصم النبيل وهذا وهم لم يدركه ولا سمع منه ولا دخل البصرة إلا بعد موته بأعوام. وطلب هذا الشان وهو حدث وارتحل إلى الحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة وخرسان وكتب ما لا يوصف كثرة.


حدث عنه: أبو حفص الفلاس وحرملة بن يحيى وإسحاق بن موسى الخطمي ومحمد بن حميد الرازي ويونس بن عبد الأعلى والربيع المرادي وهم من شيوخه وابن وارة وأبو حاتم ومسلم بن الحجاج وخلق من أقرانه وعبد الله بن أحمد وأبو بكر بن أبي داود وأبو عوانة الإسفراييني وأبو بكر بن زياد وأحمد بن محمد بن أبي حمزة الذهبي ومحمد بن حمدون النيسابوري وعدي بن عبد الله والد الحافظ أبي أحمد وموسى بن العباس الجويني ومحمد ين الحسين القطان والحسن بن محمد الداركي وخلق كثير وابن سابق شيخه وهو: محمد بن سعيد بن سابق.


فذكر سعيد بن عمرو البرذعي أن أبا زرعة قال: لا أعلم صفا لي رباط يوم قط أما بيروت: فأردنا العباس بن الوليد بن مزيد وأما عسقلان فأردنا محمد بن أبي السري وأما قزوين: فمحمد بن سعيد بن سابق. قال ابن أبي حاتم: فروخ جد أبي زرعة هو مولى عباس بن مطرف القرشي.


قال أبو بكر الخطيب: سمع أبو زرعة من مسلم بن إبراهيم وأبي نعيم وقبيصة وأبي الوليد ويحيى بن بكير قال: وكان إماماً ربانياً حافظاً متقناً مكثراً جالس أحمد بن حنبل وذاكره وحدث عنه من أهل بغداد: إبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد وقاسم المطرز. قال تمام الرازي: أخبرنا جعفر بن محمد الكندي حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال: قدم علينا جماعة من أهل الري دمشق قديماً منهم: أبو يحيى فرخويه فلما انصرفوا فيما أخبرني غير واحد منهم: أبو حاتم الرازي رأوا هذا الفتى قد كاس يعني أبا زرعة الرازي فقالوا له: نكنيك بكنية أبي زرعة الدمشقي ثم لقيني أبو زرعة الرازي بدمشق وكان يذكرني هذا الحديث ويقول: بكنيتك اكتنيت.


قال أبو عبد الله بن بطة: سمعت النجاد سمعت عبد الله بن أحمد يقول: لما ورد علينا أبو زرعة نزل عندنا فقال لي أبي: يا بني قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ. وقال صالح بن محمد جزرة: سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن إبراهيم ابن موسى الرازي مئة ألف حديث وعن أبي بكر بن أبي شيبة مئة ألف فقلت له: بلغني أنك تحفظ مئة ألف حديث تقدر أن تملي علي ألف حديث من حفظ قال: لا ولكن إذا ألقي علي عرفت.


قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قلت لأبي زرعة: يجوز ما كتبت عن إبراهيم بن موسى مئة ألف قال: مئة ألف كثير قلت: فخمسين ألفاً قال: نعم وستين وسبعين ألفاً حدثني من عد كتاب الوضوء والصلاة فبلغ ثمانية عشر ألف حديث.


وقال أبو عبد الله بن مندة الحافظ: سمعت أبا العباس محمد بن جعفر ابن حمكويه بالري يقول: سئل أبو زرعة عن رجل حلف بالطلاق: أن أبا زرعة يحفظ مئتي ألف حديث هل حنث فقال: لا ثم قال أبو زرعة: أحفظ مئتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان:" قل هو الله أحد "-الإخلاص:1- وفي المذاكرة ثلاث مئة ألف حديث.


هذه حكاية مرسلة وحكاية صالح جزرة أصح روى الخطيب هذه عن عبد الله بن أحمد السوذرجاني أنه سمع ابن مندة يقول ذلك. قال الحافظ أبو أحمد بن عدي: سمعت أبي يقول كنت بالري وأنا غلام في البزازين فحلف رجل بطلاق امرأته: أن أبا زرعة يحفظ مئة ألف حديث فذهب قوم أنا فيهم إلى أبي زرعة فسألناه فقال: ما حمله على الحلف بالطلاق قيل: قد جرى الآن منه ذلك فقال أبو زرعة: ليمسك امرأته فإنها لم تطلق عليه أو كما قال.


قال ابن عدي: سمعت بن عثمان التستري سمعت أبا زرعة يقول: كل شيء: قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت له أصلاً إلا أربعة أحاديث. وقال ابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق يحفظ أقل من مئة ألف حديث. وقال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة.


وقال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الرازي يقول: سمعت محمد بن مسلم بن وارة قال: كنت عند إسحاق بنيسابور فقال رجل من العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبع مئة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ ست مئة ألف حديث.


قلت: أبو جعفر ليس بثقة. ابن عدي: سمعت أحمد بن محمد بن سعيد حدثني الحضرمي سمعت أبا بكر بن أبي شيبة وقيل له: من أحفظ من رأيت قال: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي.


ابن المقرئ: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني: سمعت محمد بن إسحاق الصاغاني يقول: أبو زرعة يشبه بأحمد بن حنبل. وقال علي بن الحسين بن الجنيد: ما رأيت أحداً أعلم بحديث مالك ابن أنس مسندها ومنقطعها من أبي زرعة وكذلك سائر العلوم.


قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن أبي زرعة: فقال: إمام. قال عمر بن محمد بن إسحاق القطان: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أحد أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة. ابن عدي: سمعت أبا يعلى الموصلي يقول: ما سمعنا بذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبا زرعة الرازي فإن مشاهدته كانت أعظم من اسمه وكان قد جمع حفظ الأبواب والشيوخ والتفسير كتبنا بأنتخابه بواسط ستة آلاف حديث.
و قال صالح جزرة: حدثنا سلمة بن شبيب حدثني الحسن بن محمد ابن أعين حدثنا زهير حدثتنا أم عمرو بنت شمر سمعت سويد بن غفلة يقول:" وعيس عين" يريد:"حور عين"-الواقعة:22-. قال صالح: فألقيت هذا على أبي زرعة فبقي متعجباً فقال: أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث قلت: فتحفظ هذا قال: لا.
ابن عدي: سمعت الحسن بن عثمان سمعت أبن وارة سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي فليس له أصل. وقال الحاكم: سمعت الفقيه أبا حامد أحمد بن محمد سمعت أبا العباس الثقفي يقول: لما انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري سألوه أن يحدثهم فامتنع فقال: أحدثكم بعد أن حضر مجلسي أحمد وابن معين وابن المديني وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة قالوا له: فإن عندنا غلاماً يسرد كل ما حدثت به مجلساً مجلساً قم يا أبا زرعة قال: فقام فسرد كل ما حدث به قتيبة فحدثهم قتيبة.
قال سعيد بن عمرو الحافظ: سمعت أبا زرعة يقول: دخلت البصرة فحضرت سليمان الشاذكوني يوم الجمعة فروى حديثاً فرددت عليه ثم قال: حدثنا ابن أبي غنية عن أبيه عن سعد ابن إبراهيم عن نافع بن جبير قال: لا حلف في الإسلام. فقلت: هذا وهم وهم فيه إسحاق بن سليمان وإنما هو: سعد عن أبيه عن جبير قال: من يقول هذا قلت: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا أبن أبي غنية فغضب ثم قال لي: ما تقول فيمن جعل الأذان مكان الإقامة قلت: يعيد قال: من قال هذا قلت: الشعبي قال: من عن الشعبي قلت: حدثنا قبيصة عن سفيان عن جابر عن الشعبي قال: ومن غير هذا قلت: إبراهيم وحدثنا أبو نعيم حدثنا منصور بن أبي الأسود عن مغيرة عنه قال: أخطأت قلت: حدثنا أبو نعيم حدثنا جعفر الأحمر حدثنا مغيرة قال: أخطأت قلت: حدثنا أبو نعيم حدثنا أبو كدينة عن مغيرة قال: أصبت ثم قال أبو زرعة: اشتبه علي وكتبت هذه الأحاديث الثلاثة عن أبي نعيم فما طالعتها منذ كتبتها ثم قال: وأي شيء غير هذا قلت: معاذ بن هشام عن أشعث عن الحسن قال: هذا سرقته مني وصدق كان ذاكرني به رجل ببغداد فحفظته عنه.
قال أبو علي جزرة: قال لي أبو زرعة: مر بنا إلى سليمان الشاذكوني نذاكره قال: فذهبنا فما زال يذاكره حتى عجز الشاذكوني عن حفظه فلما أعياه ألقى عليه حديثاً من حديث الرازيين فلما يعرفه أبو زرعة فقال سليمان: يا سبحان الله حديث بلدك هذا مخرجه من عندكم وأبو زرعة ساكت والشاذكوني يخجله ويري من حضر أنه قد عجز فلما خرجنا رأيت أبا زرعة قد اغتم ويقول: لا أدري من أين جاء بهذا فقلت له: وضعه في القوت كي تعجز تخجل قال: هكذا قلت: نعم فسري عنه.
ابن عدي: سمعت محمد بن إبراهيم المقرئ سمعت فضلك الصائغ يقول: دخلت المدينة فصرت إلى باب أبي مصعب فخرج إلي شيخ مخضوب وكنت ناعساً فحركني وقال: يا مردريك من أين أنت أي شيء تنام قلت: أصلحك الله أنا من الري من بعض شاكردي أبي زرعة فقال: تركت أبا زرعة وجئتني لقيت مالكاً وغيره فما رأت عيناي مثل أبي زرعة.
قال: ودخلت على الربيع بمصر فقال: من أين قلت: من الري قال: تركت أبا زرعة وجئت إن أبا زرعة آية وأن الله إذا جعل إنساناً آية أبانه من شكله حتى لا يكون له ثان. قال ابن أبي حاتم: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: ما رأيت أكثر تواضعاً من أبي زرعة هو وأبو حاتم إماما خرسان. وقال يوسف الميانجي: سمعت عبد الله بن محمد القزويني القاضي يقول: حدثنا يونس بن عبد الأعلى يوماً فقال: حدثني أبو زرعة فقيل له: من هذا فقال: إن أبا زرعة أشهر في الدنيا من الدنيا.
ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أحمد سمعت أحمد بن حنبل يدعو الله لأبي زرعة وسمعت عبد الواحد بن غياث يقول: ما رأى أبو زرعة مثل نفسه. سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت محمد بن يحيى يقول: لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة يعلم الناس وما كان الله ليترك الأرض إلا وفيها مثل أبي زرعة يعلم الناس ما جهلوه. علقها ابن أبي حاتم عن سعيد.
ابن عدي: حدثنا أحمد بن محمد بن سلمان القطان حدثنا أبو حاتم الرازي حدثني أبو زرعة عبيد الله وما خلف بعده مثله علماً وفهماً وصيانة وحذقاً وهذا ما لا يرتاب فيه ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشان مثله.
ابن عدي: سمعت القاسم بن صفوان سمعت أبا حاتم يقول: أزهد من رأيت أربعة: آدم بن أبي إياس وثابت بن محمد الزاهد وأبو زرعة الرازي وذكر آخر. قال النسائي: أبو زرعة رازي ثقة. وقال أبو نعيم بن عدي: سمعت ابن خراش يقول: كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن أبكر عليه فأذاكره فبكرت فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده فأجلسني معه يذاكرني حتى أضحى النهار فقلت: بيني وبين أبي زرعة موعد فجئت إلى أبي زرعة والناس منكبون عليه فقال لي: تأخرت عن الموعد قلت: بكرت فمررت بهذا المسترشد فدعاني فرحمته لوحدته وهو أعلى إسناداً منك وصرت أنت بالدست أو كما قال.
أبو العباس السراج: حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال: رأيت أبا زرعة في المنام فقلت له: ما حالك قال: أحمد الله على الأحوال كلها إني حضرت فوقفت بين يدي الله تعالى فقال لي: يا عبيد الله لم تذرعت في القول في عبادي قلت: يا رب إنهم حاولوا دينك فقال: صدقت ثم أتي بطاهر الخلقاني فاستعديت عليه إلى ربي فضرب الحد مئة ثم أمر به إلى الحبس ثم قال: ألحقوا عبيد الله بأصحابه وبأبي عبد الله وأبي عبد الله وأبي عبد الله: سفيان ومالك وأحمد بن حنبل.
رواها ابن وارة أيضاً ابن أبي حاتم وأبو القاسم ابن أخي أبي زرعة. قال أبو جعفر محمد بن علي وراق أبي زرعة: حضرنا أبا زرعة بماشهران وهو في السوق و عنده أبو حاتم و ابن وارة و المنذر بن شاذان و غيرهم فذكروا حديث التلقين:" لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله" و استحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه فقالوا: تعالوا نذكر الحديث فقال ابن وراة: حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح و جعل يقول: ابن أبي و لم يجاوره و قال أبو حاتم: حدثنا بندار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح و لم يجاوز و الباقون سكتوا فقال أبو زرعة و هو في السوق : حدثنا بندار حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ ابن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة " وتوفي رحمه الله. رواها أبو عبد الله الحاكم وغيره عن أبي بكر محمد بن عبد الله الوراق الرازي عن أبي جعفر بهذا. قال أبو الحسين بن المنادي وأبو سعيد بن يونس توفي أبو زرعة الرازي في آخر يوم من سنة أربع وستين ومئتين ومولده كان في سنة مئتين.
وأما الحاكم فقال في ترجمة أبي الحسين محمد بن علي بن محمد ابن مهدي الرازي المعمر: هذا الشيخ عندي صدوق فإنه قال: رأيت أبا زرعة الرازي فقلت له: كيف رأيته فقال: أسود اللحية نحيف أسمر وهذه صفة أبي زرعة وأنه توفي وهو ابن ست وخمسين سنة. قلت: أحسب أبا عبد الله وهم في مقدار سن أبي زرعة فإنه قد ارتحل بنفسه وسمع من قبيصة وأبي نعيم والظاهر أنه ولد سنة مئتين والله أعلم.
وقد ذكر الحاكم في كتاب الجامع لذكر أئمة الأعصار المزكين لرواة الأخبار: سمعت عبد الله بن محمد بن موسى سمعت أحمد بن محمد بن سليمان الرازي الحافظ يقول: ولد أبو زرعة سنة أربع وتسعين ومئة وارتحل من الري وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأقام بالكوفة عشرة أشهر ثم رجع إلى الري ثم خرج في رحلته الثانية وغاب عن وطنه أربع عشرة سنة وجلس للتحديث وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة. قال: وتوفي سنة ستين ومئتين وهو ابن أربع وستين سنة. قلت: وهذا القول خطأ في وفاته والصحيح ما مر.
وذكر إبراهيم بن حرب العسكري أنه رأى أبا زرعة الرازي وهو يؤم الملائكة في السماء الرابعة فقلت: بم نلت هذه المنزلة قال: برفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه. وقال إسحاق بن إبراهيم بن عبد الحميد القرشي: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: ذاكرت أبي ليلة الحفاظ فقال: يا بني قد كان الحفظ عندنا ثم تحول إلى خراسان إلى هؤلاء الشباب الأربعة قلت: من هم قال: أبو زرعة ذاك الرزي ومحمد بن إسماعيل ذاك البخاري وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي والحسن بن شجاع ذاك البلخي قلت: يا أبه فمن أحفظ هؤلاء قال: أما أبو زرعة فأسردهم وأما البخاري فأعرفهم وأما عبد الله يعني الدارمي فأتقنهم وأما ابن شجاع: فاجمعهم للأبواب. قال الحاكم: حدثنا أبو حاتم الرازي: سمعت أبا محمد بن أبي حاتم سمعت أبا زرعة يقول: بينا أنا قائم أصلي وأنا أقرأ "وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب" الآية فوقفت متعجباً من هذا الوعيد ساعة ورجعت إلى أول الآية ثلاث مرات فلما كانت المرة الثالثة وقعت هدة من الزلزلة فبلغني أنهم عدوا بضعة عشر ألف جنازة حملت من الغد بالري.
قال أحمد بن محمد بن سليمان: سمعت أبا زرعة يقول: إذا مرضت شهراً أو شهرين تبين علي في حفظ القرآن وأما الحديث فإذا تركت أياماً تبين عليك ثم قال أبو زرعة: نرى قوماً من أصحابنا كتبوا الحديث تركوا المجالسة منذ عشرين سنة أو أقل إذا جلسوا اليوم مع الأحداث كأنهم لا يعرفون أولا يحسنون الحديث ثم قال: الحديث مثل الشمس إذا حبس عن الشرق خمسة أيام لا يعرف السفر فهذا الشان يحتاج أن تتعاهد أبداً.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: اختيار أحمد وإسحاق أحب إلي من قول الشافعي وما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه من أحمد وسمعت أبا زرعة وسئل عن مرسلات الثوري ومرسلات شعبة فقال: الثوري تساهل في الرجال وشعبة لا يدلس ولا يرسل قيل له: فمالك مرسلاته أثبت أم الأوزاعي قال: مالك لا يكاد يرسل إلا عن قوم ثقات مالك متثبت في أهل بلدة جداً فإن تساهل فإنما يتساهل في قوم غرباء لا يعرفهم.
قال الحاكم: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن عبد الوهاب السياري سمعت محمد بن داود بن يزيد الرازي سمعت أبا زرعة يقول: ارتحلت إلى أحمد بن صالح المصري فدخلت عليه مع أصحاب الحديث فتذاكرنا إلى أن ضاق الوقت ثم أخرجت من كمي أطرافاً فيها أحاديث سألته عنها فقال لي: تعود فعدت من الغد ومعي أصحاب الحديث فأخرجت الأطراف وسألته عنها فقال: تعود فقلت: اليس قلت لي بالأمس: تعود ما عندك مما يكتب أورد علي مسنداً أو مرسلاً أو حرفاً مما أستفيد فإن لم أروه لك عمن هو أوثق منك فلست بأبي زرعة ثم قلت: من هاهنا ممن نكتب عنه قالوا: يحيى بن بكير.
ابن جوصا: سمعت أبا إسحاق الجوزجاني يقول: كنا عند سليمان بن عبد الرحمن فلم يأذن لنا أياماً ثم دخلنا عليه فقال: بلغني ورود هذا الغلام يعني أبا زرعة فدرست للالتقاء به ثلاث مئة ألف حديث. وعن أبي حاتم قال: كان أبو زرعة لا يأكل الجبن ولا الخل.
وقال أحمد بن محمد بن سليمان: سمعت أبا زرعة يقول: لا تكتبوا عني بالمذاكرة فإني أخاف أن تحملوا خطأً هذا ابن المبارك كره أن يحمل عنه بالمذاكرة وقال لي إبراهيم بن موسى: لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئاً. وسمعت أبا زرعة يقول: إذا انفرد ابن إسحاق بالحديث لا يكون حجة ثم روى له حديث القراءة خلف الإمام وسمعته يقول: كان الحوضي وعلي بن الجعد وقبيصة يقدرون على الحفظ يجيؤون بالحديث بتمام وذكر عن قبيصة كأنه يقرأ من كتاب. قلت: يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والمخبرة بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جراح.
أخبرنا أبو علي الحسن بن علي ومحمد بن الحسين الفقيه وإبراهيم بن عبد الرحمن الشاهد وست القضاة بنت يحيى قراءة قالوا: أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية أخبرنا أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد الباغبان في كتابه أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن الحسين النيسابوري حدثنا أبو زرعة الرازي حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم أني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك". أخرجه مسلم عن أبي زرعة فوافقناه بعلو درجة ورواه الطبراني عن أبي الزنباع عن ابن بكير ورواه أبو داود عن محمد بن عون عن عبد الغفار بن داود عن يعقوب نحوه. أخبرنا أبو زكريا يحيى بن أبي منصور في كتابه: أخبرنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ أخبرنا مسعود بن الحسن بأصبهان حدثنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق العبدي أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن الحسين القطان حدثنا أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا أبو عبيده عبد الواحد بن واصل حدثنا محمد بن ثابت البناني عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" للأنبياء منابر من ذهب يجلسون عليها ويبقى منبري لا أجلس عليه". أو قال:" لا أقعد عليه فيما بين يدي ربي عز وجل منتصباً مخافة أن يذهب بي إلى الجنة وتبقى أمتي فأقول: رب أمتي أمتي فيقول الله تعالى: وما تريد أن أصنع بأمتك فأقول: يا رب عجل حسابهم. فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي فما أزال أشفع حتى أعطى صكاً برجال قد بعث بهم إلى النار حتى إن مالكاً خازن النار يقول: يا محمد ما تركت للنار ولغضب ربك في أمتك من نقمة ". هذا حديث غريب منكر تفرد به محمد بن ثابت أحد الضعفاء قال البخاري: فيه نظر وقال: يحيى بن معين: ليس بشيء وروى له الترمذي وحده.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبي الحسين: أنبأنا عبد الرحيم بن أبي سعد أخبرنا عبد الله بن محمد الصاعدي أخبرنا عثمان بن محمد وأخبرنا أبو الفضل عن القاسم بن أبي سعد أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن قالا: أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن حدثنا يعقوب بن إسحاق الحافظ حدثنا أبو زرعة الرازي حدثنا عمرو بن مرزوق وبالإسناد إلى يعقوب قال: وحدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا عمر بن يونس قالا: أخبرنا عكرمة بن عمار أخبرنا شداد قال: سمعت أبا أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى".
أنبأنا أحمد بن سلامة عن يحيى بن نوش أخبرنا أبو طالب بن يوسف أخبرنا أبو إسحاق البرمكي أخبرنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار فكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف أحاط بكل شي علماً.
قال أبو الحسن البناني حدثنا محمد بن علي بن الهيثم الفسوي قال: لما قدم حمدون البرذعي على أبي زرعة لكتابة الحديث دخل فرأى في داره أواني وفرشاً كثيرة وكان ذلك لأخيه قال: فهم أن يرجع ولا يكتب فلما كان من الليل رأى كأنه على شط بركة ورأى ظل شخص في الماء فقال: أنت الذي زهدت في أبي زرعة أما علمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال فلما مات أبدل الله مكانه أبا زرعة.
أخبرنا المسلم بن علان ومؤمل بن محمد إجازة أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب أخبرنا أبو نعيم أخبرنا إبراهيم بن عبد الله المعدل حدثنا محمد بن إسحاق السراج سمعت محمد بن مسلم بن وارة يقول: رأيت أبا زرعة في المنام فقلت له: ما حالك يا أبا زرعة قال: أحمد الله على أحواله كلها إني حضرت فوقفت بين يدي الله تعالى فقال: يا عبيد الله لم تذرعت القول في عبادي قلت: يا رب إنهم حاولوا دينك قال: صدقت ثم أتي بطاهر الخلقاني فاستعديت عليه إلى ربي تعالى فضرب الحد مئة ثم أمر به إلى الحبس ثم قال: الحقوا عبيد الله بأصحابه: أبي عبد الله وأبي عبد الله وأبي عبد الله: سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل. قلت: إسنادها كالشمس. أخبرنا ابن الخلال أخبرنا الهمداني أخبرنا السلفي أخبرنا ابن مالك أخبرنا أبو يعلى الحافظ سمعت محمد بن علي الفرضي سمعت القاسم بن محمد بن ميمون سمعت عمر بن محمد بن إسحاق الحافظ سمعت ابن وارة يقول: حضرت أنا وأبو حاتم عند وفاة أبي زرعة فقلنا: كيف تلقن مثل أبي زرعة فقلت: حدثنا أبو عاصم وحدثنا عبد الحميد بن جعفر وقال أبو حاتم: حدثنا بندار في آخرين حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الحميد ففتح عينيه وقال: حدثنا بندار حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد حدثنا صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله ".وخرج روحه معه.

أبو يزيد البسطامي

سلطأن العارفين أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامي أحد الزهاد أخو الزاهدين:آدم وعلي وكان جدهم شروسان مجوسياً فأسلم يقال: أنه روى عن إسماعيل السدي وجعفر الصادق أي: الجد وأبو يزيد فبالجهد أن يدرك أصحابهما. وقل ما روى وله كلام نافع. منه قال: ما وجدت شيئاً اشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لبقيت حائراً. وعنه قال: هذا فرحي بك وأنا اخافك فكيف فرحي بك إذا امنتك ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير أنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير. وعنه وقيل له: أنك تمر في الهواء فقال: واي اعجوبة في هذا وهذا طير ياكل الميتة يمر في الهواء. وعنه: ما دام العبد يظن أن في الناس من هو شر منه فهو متكبر. الجنة لا خطر لها عند المحب لأنه مشغول بمحبته. وقال: ما ذكروا مولاهم إلا بالغفلة ولا خدموه إلا بالفترة. وسمعوه يوما وهو يقول: اللهم لا تقطعني بك عنك. العارف فوق ما نقول والعالم دون ما نقول. وقيل له: علمنا الأسم الأعظم قال: ليس له حد أنما هو فراغ قلبك لوحدانيته فإذا كنت كذلك فارفع له أي اسم شئت من أسمائه اليه. وقال: لله خلق كثير يمشون على الماء لا قيمة لهم عند الله ولو نظرتم إلى من اعطي من الكرمات حتى يطير فلا تغتروا به حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود والشرع.
وله هكذا نكت مليحة وجاء عنه أشياء مشكلة لا مساغ لها الشان في ثبوتها عنه أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر والغيبة والمحو فيطوي ولا يحتج بها اذ ظاهرها إلحاد مثل: سبحاني وما في الجبة إلا الله ما النار لأستندن اليها غداً وأقول: اجعلني فداءً لاهلها وإلا بلعتها ما الجنة لعبة صبيأن ومراد أهل الدنيا ما المحدثون أن خاطبهم رجل عن رجل فقد خاطبنا القلب عن الرب.
وقال في اليهود: ما هؤلاء هبهم لي أي شيء هؤلاء حتى تعذبهم. قال السلمي في تاريخ الصوفية: توفي أبو يزيد عن ثلاث وسبعين سنة وله كلام حسن في المعاملات. ثم قال: ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصح أو يكون مقولاً عليه وكان يرجع إلى احوال سنية ثم ساق بإسناد له عن أبي يزيد قال: من نظر إلى شاهدي بعين الاضطراب وإلى أوقاتي بعين الاغتراب وإلى أحوالي بعين الاستدراج وإلى كلامي بعين الافتراء وإلى عباراتي بعين الاجتراء وإلى نفسي بعين الازدراء فقد أخطأ النظر في. وعنه قال: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها. توفي أبو يزيد ببسطام سنة أحدى وستين ومئتين.

الميموني

الإمام العلامة الحافظ الفقيه أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد بن عبد الحميد بن شيخ الجزيرة ميمون بن مهران الميموني الرقي تلميذ الإمام أحمد ومن كبار الأئمة. سمع: إسحاق بن يوسف الازرق وحجاج بن محمد ومحمد بن عبيد الطنافسي وروح بن عبادة ومكي بن إبراهيم وعبد الله القعنبي وعفان وخلقاً كثيراً. حدث عنه: النسائي في سننه ووثقه وأبو عوانة الإسفراييني وأبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو علي محمد بن سعيد الحراني ومحمد ابن المنذر شكر وإبراهيم بن محمد بن متوية وآخرون. وكان عالم الرقة ومفتيها في زمانه. مات في شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومئتين وهو في عشر المئة رحمة الله عليه.

الواسطي

الشيخ المحدث الثقة أبو الحسين علي بن إبراهيم بن عبد المجيد الواسطي نزيل بغداد. حدث عن يزيد: بن هارون ووهب بن جرير وجماعة. وعنه: ابن صاعد وعثمان بن السماك وأبو سهل العطار وأبو بكر النجاد. وثقة الدار قطني. توفي في رمضان سنة أربع وسبعين ومئتين. قال البخاري: حدثنا علي حدثنا روح فقال الحاكم: هذا هو الواسطي وقال ابن عدي: يشبه أن يكون علي بن إشكاب. قلت: ما المانع من أن يكون هو علي بن المديني.

أبو أمية

الإمام الحافظ المجود الرحال أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم البغدادي ثم الطرسوسي نزيل طرسوس ومحدثها وصاحب المسند والتصانيف. ولد في حدود سنة ثمانين ومئة. وحدث عن: عبد الوهاب بن عطاء وعمر بن يونس اليمامي وروح ابن عبادة وجعفر بن عون وعبد الله بن بكر السهمي وعثمان بن عمر بن فارس وعبيد الله بن موسى والحسن بن موسى الأشيب ويعقوب الحضرمي وشبابة بن سوار وأبي مسهر وطبقتهم. حدث عنه: أبو حاتم وابن صاعد وأبو عوانة وابن جوصا وأبو الدحداح وأبو بكر بن زياد وأبو الطيب بن عبادل وعثمان بن محمد السمرقندي وأبو علي الحضائري وحفيده محمد بن إبراهيم بن أبي أمية وخلق كثير. قال النسائي: هو بغدادي سكن طرسوس. وقال ابن يونس: كان فهما حسن الحديث. وقال أبو داود: ثقة. وقال أبو عبد الله الحاكم: أبو امية صدوق كثير الوهم. وقال أبو بكر الخلال الفقية: أبو أمية رفيع القدر جداً كان إماماً في الحديث. قال ابن يونس: مات بطرسوس في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين ومئتين. وقال أبو الحسين بن المنادى: جاءنا في رمضان نعي أبي أمية سنة ثلاث وسبعين. وقيل: مات في سنة ثمأن وسبعين وهذا وهم. ومات معه في سنة ثلاث: أحمد بن الوليد الفحام وإسحاق بن سيار النصيبي وحنبل بن إسحاق والفتح بن شخرف الزاهد وأبو عبد الله بن ماجة.

الطبقة الخامسة عشرة

أحمد بن طولون

التركي صاحب مصر أبو العباس. ولد بسامراء وقيل: بل تبناه الأمير طولون وطولون قدمه صاحب ما وراء النهر إلى المامون في عدة مماليك سنة مئتين فعاش طولون إلى سنة أربعين ومئتين. فأجاد ابنه أحمد حفظ القرآن وطلب العلم وتنقلت به الأحوال وتأمر وولي ثغور الشام ثم إمرة دمشق ثم ولي الديار المصرية في سنة أربع وخمسين وله:إذ ذاك أربعون سنة. وكان بطلاً شجاعاً مقداماً مهيباً سائساً جواداً ممدحاً من دهاة الملوك. قيل: كانت مؤنته في اليوم ألف دينار وكان يرجع إلى عدل وبذل لكنه جبار سفاك للدماء. قال القضاعي: أحصي من قتله صبراً أو مات في سجنه فبلغوا ثمانية عشر ألفاً. وأنشأ بظاهر مصر جامعاً غرم عليه مئة ألف دينار وكان جيد الإسلام معظماً للشعائر. خلف من العين عشرة آلاف ألف دينار وأربعة وعشرين ألف مملوك وجماعة بنين وست مئة بغل للثقل. ويقال: بلغ ارتفاع خراج مصر في ايامه ازيد من أربعة آلاف ألف دينار وكان الخليفة مشغولا عن ابن طولون بحروب الزنج وكان يزري على أمراء الترك فيما يرتكبونه. قال محمد بن يوسف الهروي: كنا عند الربيع المرادي فجاءه رسول ابن طولون بألف دينار فقبلها. قيل:إن ابن طولون نزل ياكل فوقف سائل فأمر له بدجاجة وحلواء فجاء الغلام فقال: ناولته فما هش لها فقال: علي به. فلما وقف بين يديه لم يضطرب من الهيبة فقال: أحضر الكتب التي معك واصدقني فأنت صاحب خبر هاتوا السياط فأقر فقال بعض الأمراء: هذا السحر فقال: لا ولكن قياس صحيح. قال ابن أبي العجائز وغيره: وقع حريق بدمشق فركب إليه ابن طولون ومعه أبو زرعة وأحمد بن محمد الواسطي كاتبه فقال أحمد لأبي زرعة: ما اسم هذا المكان قال: خط كنيسة مريم فقال الواسطي: ولمريم كنيسة قال: بنوها باسمها فقال ابن طولون: مالك وللاعتراض على الشيخ ثم امر بسبعين ألف دينار من ماله لأهل الحريق فاعطوا وفضل من الذهب وامر بمال عظيم ففرق في فقراء الغوطة والبلد فأقل من أعطي دينار.
عن محمد بن علي المادرائي قال: كنت أجتاز بقبر ابن طولون فأرى شيخاً ملازماً له ثم لم أره مدة ثم رأيته فسألته فقال: كان له علي اياد فأحببت أن أصله بالتلاوة قال: فرأيته في النوم يقول: أحب أن لا تقرأ عندي فما تمر بي آية إلا قرعت بها ويقال لي: أما سمعت هذه. توفي أحمد بمصر في شهر ذي القعدة سنة سبعين ومئتين. وقام بعده ابنه خمارويه ثم جيش بن خمارويه ثم أخوه هارون.

أحمد الخجستاني

جبار عنيد ظالم متمرد خرج عن طاعة صاحب خرسان يعقوب الصفار وتملك نيسأبور وغيرها وأظهر الأنتماء إلى الطاهرية وجعل رافع بن هرثمة أتابكه وجرت له ملاحم وظفر بيحيى بن الذهلي شيخ نيسابور فقتله وعتا ثم ذبحه مملوكان له في سنة ثمان وستين. تملك سبع سنين.


ومن جوره: أنه لما غلب على نيسابور نصب رمحاً وألزمهم أن يزنوا من الدراهم ما يغطي رأس الرمح فأفقر الخلق وعذبهم.

داود بن علي

ابن خلف الإمام البحر الحافظ العلامة عالم الوقت أبو سليمان البغدادي المعروف بالأصبهاني مولى أمير المؤمنين المهدي رئيس أهل الظاهر. مولده سنة مئتين . وسمع: سليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق والقعنبي ومحمد ابن كثير العبدي ومسدد بن مسرهد وإسحاق بن راهويه وأبا ثور الكلبي والقواريري وطبقتهم. وارتحل إلى إسحاق بن راهويه وسمع منه المسند والتفسير وناظر عنده وجمع وصنف وتصدر وتخرج به الأصحاب. قال أبو بكر الخطيب: صنف الكتب وكان إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً وفي كتبه حديث كثير لكن الرواية عنه عزيزة جداً. حدث عنه: ابنه أبو بكر محمد بن داود وزكريا الساجي ويوسف ابن يعقوب الداوودي وعباس بن أحمد المذكر وغيرهم. قال أبو محمد بن حزم: أنما عرف بالأصبهاني لأن أمه أصبهانية وكان أبوه حنفي المذهب. قال أبو عمرو المستملي: رأيت داود بن علي يرد على إسحاق بن راهويه وما رأيت أحداً قبله ولا بعده يرد عليه هيبة له. قال عمر بن محمد بن بجير الحافظ: سمعت داود بن علي يقول: دخلت على إسحاق وهو يحتجم فجلست فرأيت كتب الشافعي فأخذت أنظر فصاح بي إسحاق: أيش تنظر فقلت:" معاذ الله أن ناخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده" -يوسف:75 - قال: فجعل يضحك أو يبتسم.
سعيد بن عمرو البرذعي قال: كنا عند أبي زرعة الرازي فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر داود الأصبهاني والمزني والرجلان: فضلك الرازي وابن خراش فقال ابن خراش: داود كافر وقال فضلك: المزني جاهل فاقبل أبو زرعة يوبخهما وقال لهما: ما وأحد منكما لهما بصاحب ثم قال: ترى داود هذا لو اقتصر على ما يقتصر عليه أهل العلم لظننت أنه يكمد أهل البدع بما عنده من البيان والآلة ولكنه تعدى لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلي محمد بن رافع ومحمد بن يحيى وعمرو بن زرارة وحسين بن منصور ومشيخة نيسابور بما أحدث هناك فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه ولم ابد له شيئاً من ذلك فقدم بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد بن حنبل حسن فكلم صالحاً أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه فاتى صالح أباه فقال: رجل سألني أن يأتيك فقال: ما اسمه قال: داود قال: من أين هو قال: من أصبهان فكان صالح يروغ عن تعريفه فما زال الإمام أحمد يفحص حتى فطن به فقال: هذا قد كتب الي محمد بن يحيى في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. فقال: يا أبه أنه ينتفي من هذا وينكره فقال: محمد بن يحيى اصدق منها لا تأذن له. قال أبو عبد الله المحاملي: رأيت داود بن علي يصلي فما رأيت مسلماً يشبهه في حسن تواضعه. وقد كان محمد بن جرير الطبري يختلف إلى داود بن علي مدة ثم تخلف عنه وعقد لنفسه مجلساً فأنشأ داود يتمثل:

 

فلو أني بليت بهـاشـمـي

 

خؤولته بنوة عبد المـدان

صبرت على أذاه لي ولكن

 

تعالي فأنظري بمن ابتلاني

 

قال أحمد بن كامل القاضي: أخبرني أبو عبد الله الوراق: أنه كان يورق على داود بن علي وأنه سمعه يسأل عن القرآن فقال: أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق.


قلت: هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله فيما علمت وما زال المسلمون على أن القرآن العظيم كلام الله ووحيه وتنزيله حتى أظهر المأمون القول: بأنه مخلوق وظهرت مقالة المعتزلة فثبت الإمام أحمد ابن حنبل وأئمة السنة على القول: بأنه غير مخلوق إلى أن ظهرت مقالة حسين بن علي الكرابيسي وهي: أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الفاظنا به مخلوقة فأنكر الإمام أحمد ذلك وعده بدعة وقال: من قال: لفظي القرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي وقال أيضاً: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع فزجر عن الخوض في ذلك من الطرفين. وأما داود فقال القرآن محدث فقام على داود خلق من أئمة الحديث وأنكروا قوله وبدعوه وجاء من بعده طائفة من أهل النظر فقالوا: كلام الله معنى قائم بالنفس وهذه الكتب المنزلة دالة عليه ودققوا وعمقوا فنسأل الله الهدى واتباع الحق فالقرآن العظيم حروفه ومعانيه والفاظه كلام رب العالمين غير مخلوق وتلفظنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة قال النبي صلى الله عليه وسلم:" زينوا القرآن بأصواتكم" ولكن لما كان الملفوظ لا يستقل إلا بتلفظنا والمكتوب لا ينفك عن كتابه والمتلو لا يسمع إلا بتلاوة تال صعب فهم المسألة وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يعنى به التلفظ فالذهن يعلم الفرق بين هذا وبين هذا والخوض في هذا خطر نسأل الله السلامة في الدين وفي المسألة بحوث طويلة الكف عنها أولى ولا سيما في هذه الأزمنة المزمنة. قال أبو العباس ثعلب: كان داود بن علي عقله أكبر من علمه.
وقال قاسم بن أصبغ الحافظ: ذاكرت ابن جرير الطبري وابن سريج في كتاب ابن قتيبة في الفقه فقالا: ليس بشيء فإذا أردت الفقه فكتب أصحاب الفقه كالشافعي وداود ونظرائهما ثم قالا: ولا كتب أبي عبيد في الفقه اما ترى كتابه في الأموال مع أنه أحسن كتبه.


وقال ابن حزم: كان داود عراقياً كتب ثمانية عشر ألف ورقة ومن أصحابه: أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن رويم وأبو بكر بن النجار وأبو الطيب محمد بن جعفر الديباجي وأحمد بن مخلد الإيادي وأبو سعيد الحسن بن عبيد الله صاحب التصانيف وأبو بكر محمد بن أحمد الدجاجي وأبو نصر السجستاني ثم سرد أسماء عدة من تلامذته.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم: عن أبي اليمن الكندي أخبرنا علي ابن عبد السلام أخبرنا أبو إسحاق الفقيه في طبقات الفقهاء له قال: ذكر فقهاء بغداد ومنهم: أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني ولد في سنة اثنتين ومئتين ومات سنة سبعين ومئتين أخذ العلم عن: إسحاق بن راهويه وأبي ثور وكان زاهداً متقللاً وقيل: إنه كان في مجلسه أربع مئة صاحب طيلسان أخضر وكان من المتعصبين للشافعي وصنف كتابين في فضائله والثناء عليه وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد وأصله من أصفهان ومولده بالكوفة ومنشؤه ببغداد وقبره بها في الشونيزية.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا الحسين بن عبد الله قال: سألت المروذي عن قصة داود الأصبهاني وما أنكر عليه أبو عبد الله فقال: كان داود خرج إلى خرسان إلى ابن راهويه فتكلم بكلام شهد عليه أبو نصر بن عبد المجيد وآخر شهدا عليه أنه قال: القرآن محدث. فقال لي أبو عبد الله: من داود بن علي لا فرج الله عنه قلت: هذا من غلمان أبي ثور قال: جاءني كتاب محمد بن يحيى النيسابوري أن داود الأصبهاني قال ببلدنا: إن القرآن محدث قال المروذي: حدثني محمد بن إبراهيم النيسابوري أن إسحاق بن راهويه لما سمع كلام داود في بيته وثب على داود وضربه وأنكر عليه. الخلال: سمعت أحمد بن محمد بن صدقة سمعت محمد بن الحسين بن صبيح سمعت داود الأصبهاني يقول: القرآن محدث ولفظي بالقرآن مخلوق.
وأخبرنا سعيد بن أبي مسلم: سمعت محمد بن عبدة يقول: دخلت إلى داود فغضب علي أحمد بن حنبل فدخلت عليه فلم يكلمني فقال له رجل: يا أبا عبد الله أنه رد عليه مسألة قال: وما هي قال: قال: الخنثى إذا مات من يغسله قال داود: يغسله الخدم فقال محمد ابن عبدة: الخدم رجال ولكن ييمم فتبسم أحمد وقال: أصاب أصاب ما أجود ما أجابه.
قال محمد بن إسحاق النديم: لداود من الكتب: كتاب الايضاح كتاب الافصاح كتاب الأصول كتاب الدعاوي كتاب كبير في الفقه كتاب الذب عن السنة والأخبار أربع مجلدات كتاب الرد على أهل الإفك صفة أخلاق النبي كتاب الإجماع كتاب إبطال القياس كتاب خبر الواحد وبعضه موجب للعلم كتاب الإيضاح خمسة عشر مجلداً كتاب المتعة كتاب إبطال التقليد كتاب المعرفة كتاب العموم والخصوص وسرد أشياء كثيرة. قلت: للعلماء قولان في الاعتداد بخلاف داود وأتباعه: فمن اعتد بخلافهم قال: ما اعتدادنا بخلافهم لأن مفرداتهم حجة بل لتحكى في الجملة وبعضها سائغ وبعضها قوي وبعضها ساقط ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني وتندر مخالفتهما لإجماع قطعي ومن أهدرهم ولم يعتد بهم لم يعدهم في مسائلهم المفردة خارجين بها من الدين ولا كفرهم بها بل يقول: هؤلاء في حيز العوام أو هم كالشيعة في الفروع ولا نلتفت إلى أقوالهم ولا ننصب معهم الخلاف ولا يعتنى بتحصيل كتبهم ولا ندل مستفتياً من العامة عليهم وإذا تظاهروا بمسألة معلومة البطلان كمسح الرجلين أدبناهم وعزرناهم وألزمناهم بالغسل جزماً.
قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييبي: قال الجمهور: أنهم يعني نفاة القياس لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء. ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي عن أبي علي بن أبي هريرة وطائفة من الشافعية أنه لا اعتبار بخلاف داود وسائر نفاة القياس في الفروع دون الأصول.
وقال إمام الحرمين أبو المعالي: الذي ذهب إليه أهل التحقيق: أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة ولا من حملة الشريعة لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواتراً لأن معظم الشريعة صادر عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها وهؤلاء ملتحقون بالعوام.
قلت: هذا القول من أبي المعالي أداه إليه اجتهاده وهم فأداهم اجتهادهم إلى نفي القول بالقياس فكيف يرد الاجتهاد بمثله وندري بالضرورة أن داود كان يقرئ مذهبه ويناظر عليه ويفتي به في مثل بغداد وكثرة الأئمة بها وبغيرها فلم نرهم قاموا عليه ولا انكروا فتاويه ولا تدريسه ولا سعوا في منعه من بثه وبالحضرة مثل إسماعيل القاضي شيخ المالكية وعثمان بن بشار الأنماطي شيخ الشافعية والمروذي شيخ الحنبلية وابني الإمام أحمد وأبي العباس أحمد بن محمد البرتي شيخ الحنفية وأحمد بن أبي عمران القاضي ومثل عالم بغداد إبراهيم الحربي بل سكتوا له حتى لقد قال قاسم بن أصبغ: ذاكرت الطبري يعني ابن جرير وابن سريج فقلت لهما: كتاب ابن قتيبة في الفقه أين هو عندكما قالا: ليس بشيء ولا كتاب أبي عبيد فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي وداود ونظرائهما.
ثم كان بعده ابنه أبو بكر وابن المغلس وعدة من تلامذة داود وعلى أكتافهم مثل: ابن سريج شيخ الشافعية وأبي بكر الخلال شيخ الحنبلية وأبي الحسن الكرخي شيخ الحنفية وكان أبو جعفر الطحاوي بمصر بل كانوا يتجالسون ويتناظرون ويبرز كل منهم بحججه ولا يسعون بالداودية إلى السلطأن بل ابلغ من ذلك ينصبون معهم الخلاف في تصانيفهم قديماً وحديثاً وبكل حال فلهم اشياء احسنوا فيها ولهم مسائل مستهجنة يشغب عليهم بها وإلى ذلك يشير الإمام أبو عمرو بن الصلاح حيث يقول: الذي اختاره الأستاذ أبو منصور وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود ثم قال ابن الصلاح: وهذا الذي استقر عليه الأمر آخراً كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهورة كالشيخ أبي حامد الإسفراييني والماوردي والقاضي أبي الطيب فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم المشهورة.
قال: وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجلي وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها فاتفاق من سواه إجماع منعقد كقوله في التغوط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة وقوله: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا أو نحوه غير معتد به لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه. قلت: لا ريب أن كل مسالة انفرد بها وقطع ببطلان قوله فيها فأنها هدر وإنما نحكيها للتعجب وكل مسألة له عضدها نص وسبقه إليها صاحب أو تابع فهي من مسائل الخلاف فلا تهدر.
وفي الجملة فداود بن علي بصير بالفقه عالم بالقرآن حافظ للأثر رأس في معرفة الخلاف من أوعية العلم له ذكاء خارق وفيه دين متين وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوي فالكمال عزيز والله الموفق. ونحن: فنحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج وأشباه ذلك ولا نجوز لأحد تقليدهم في ذلك. قال ابن كامل: مات داود في شهر رمضان سنة سبعين ومئتين. فأما ابنه:  محمد بن داود

ابن علي الظاهري: العلامة البارع ذو الفنون أبو بكر: فكان أحد من يضرب المثل بذكائه وهو مصنف كتاب: الزهرة في الآداب والشعر وله كتاب في الفرائض وغير ذلك. حدث عن: أبيه وعباس الدوري وأبي قلابة الرقاشي وأحمد ابن أبي خيثمة ومحمد بن عيسى المدائني وطبقتهم.
وله بصر تام بالحديث وبأقوال الصحابة وكان يجتهد ولا يقلد أحداً. حدث عنه: نفطويه والقاضي أبو عمر محمد بن يوسف وجماعة. ومات قبل الكهولة وقل ما روى. تصدر للفتيا بعد والده وكان يناظر أبا العباس بن سريج ولا يكاد ينقطع معه. قال القاضي أبو الحسن الداوودي: لما جلس أبو بكر بن داود للفتوى بعد والده استصغروه فدسوا عليه من سأله عن حد السكر ومتى يعد الإنسان سكران فقال: إذا عزبت عنه الهموم وباح بسره المكتوم.فاستحسن ذلك منه.
قال أبو محمد بن حزم: كان ابن داود من أجمل الناس وأكرمهم خلقاً وأبلغهم لساناً وأنظفهم هيئة مع الدين والورع وكل خلة محمودة محبباً إلى الناس حفظ القرآن وله سبع سنين وذاكر الرجال بالآداب والشعر وله عشر سنين وكان يشاهد في مجلسه أربع مئه صاحب محبره وله من التآليف: كتاب الإنذار والإعذار وكتاب التقصي في الفقه وكتاب الإيجاز ولم يتم وكتاب الانتصار من محمد بن جرير الطبري وكتاب الوصول إلى معرفة الأصول وكتاب اختلاف مصاحف الصحابه وكتاب الفرائض وكتاب المناسك عاش ثلاثا وأربعين سنه قال: ومات في عاشر رمضان سنه سبع وتسعين ومئتين.
قال أبو علي التنوخي: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن البختري الداوودي حدثني أبو الحسن بن المغلس الداوودي قال: كان محمد بن داود وابن سريج إذا حضرا مجلس أبي عمر القاضي لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن ومن ما يجري بينهما فسأل أبا بكر عن العود الموجب لكفارة الظهار فقال: إعادة القول ثانياً وهو مذهبه ومذهب أبيه فطالبه بالدليل فشرع فيه فقال ابن سريج: يا أبا بكر هذا قول من من المسلمين تقدمكم فيه فغضب أبو بكر وقال: أتظن أن من اعتقدت قولهم إجماعاً في هذه المسألة عندي إجماع أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافاً وهيهات أن يكونوا كذلك فغضب ابن سريج وقال: أنت بكتاب الزهرة أمهر منك بهذه الطريقة قال: وبكتاب الزهرة تعيرني والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم وأنه لمن أحد المناقب لي إذ أقول فيه:

أكرر في روض المحاسن مقلتـي

 

وأمنع نفسي أن تنال مـحـرمـا

وينطق سري عن مترجم خاطري

 

فلولا اختلاسي رده لتـكـلـمـا

رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم

 

فما أن أرى حبا صحيحا مسلمـا

فقال ابن سريج: فأنا الذي أقول:

ومشاهد بالغنج من لحظاتـه

 

قد بت أمنعه لذيذ سـبـاتـه

ضنا بحسن حديثه وعتـابـه

 

وأكرر اللحظات في وجناته

حتى إذا ما الصبح لاح عموده

 

ولى بخاتم ربـه وبـراتـه

فقال أبو بكر: أيد الله القاضي قد أخبر بحالة ثم ادعى البراءة مما توجبه فعليه البينة فقال ابن سريج: من مذهبي أن المقر إذا أقر إقراراً ناطه بصفة كان إقراره موكولاً إلى صفته تلك.
قال محمد بن يوسف القاضي: كنت أساير محمد بن داود فإذا بجارية تغني بشيء من شعره وهو:

أشكو غليل فؤاد أنت متلفـه

 

شكوى عليل إلى ألف يعللـه

سقمي تزيد مع الأيام كثرتـه

 

وأنت في عظم ما ألقى تقلله

الله حرم قتلي في الهوى سفهاً

 

وأنت يا قاتلي ظلما تحلـلـه

وقيل: كان ابن داود خصماً لابن سريج في المناظرة كانا يترادان في الكتب فلما بلغ ابن سريج موت محمد بن داود حزن له ونحى مخاده وجلس للتعزية وقال: ما آسى إلا على تراب يأكل لسأن محمد بن داود. قال محمد بن إبراهيم بن سكرة القاضي: كان محمد بن جامع الصيدلاني محبوب محمد بن داود وكان ينفق على ابن داود وما عرف معشوق ينفق على عاشقه سواه ومن شعره:

حملت جبال الحب فـيك وأنـنـي

 

لأعجز عن جمل القميص وأضعف

وما الحب من حسن ولا من سماحة

 

ولكنه شيء به الروح تـكـلـف

قال إبراهيم بن عرفة نفطويه: دخلت على محمد بن داود في مرضه فقلت: كيف تجدك قال: حب من تعلم أورثني ما ترى. فقلت: ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه قال: الاستمتاع على وجهين أحدهما: النظر وهو أورثني ما ترى والثاني: اللذة المحظورة ومنعني منها ما حدثني به أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس رفعه قال:"من عشق وعف وكتم وصبر غفر الله له وأدخله الجنة". ثم أنشد لنفسه:

أنظر إلى السحر يجري في لواحظه

 

وأنظر إلى دعج في طرفه الساجي

وأنظر إلى شعرات فوق عارضـه

 

كأنهـن نـمـال دب فـي عـاج

قال نفطويه: ومات من ليلته أو في اليوم الثاني. رواها جماعة عن نفطويه.
قال أبو زيد علي بن محمد: كنت عند يحيى بن معين فذكرت له حديثاً سمعته من سويد بن سعيد فذكر الحديث المذكور فقال: والله لو كان عندي فرس ورمح لغزوت سويداً في هذا الحديث.
قلت: هو مما نقموا على سويد. قال توفي أبو بكر في عاشر رمضان سنة سبع وتسعين ومئتين.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم عن الكندي وقرأت على أبي الحسن علي بن الموفق الشافعي: أخبركم محمد بن علي بن النشبي قال: أخبرنا زيد بن الحسن الكندي أخبرنا علي بن هبة الله الكاتب سمعت أبا إسحاق الشيرازي يقول: ثم انتهى الفقه بعد ذلك في جميع البلاد التي انتهى اليها الإسلام إلى أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد وداود وانتشر عنهم الفقه في الآفاق وقام بنصرة مذاهبهم أئمة ينتسبون إليهم وينصرون أقوالهم.
وبه: قال أبو إسحاق رحمه الله: وأما داود: فقام بنقل فقهه جماعه من أصحابه منهم: ابنه أبو بكر محمد وكان فقيهاً أديباً شاعراً ظريفاً وكان يناظر إمام أصحابنا أبا العباس بن سريج وخلف أباه في حلقته وسمعت شيخنا القاضي أبا الطيب الطبري يقول: سمعت أبا العباس الخضري قال: كنت جالساً عند أبي بكر محمد بن داود فجاءته امرأة فقالت: ما تقول في رجل له زوجة لا هو يمسكها ولا هو يطلقها فقال أبو بكر: اختلف في ذلك أهل العلم فقال قائلون: تؤمر بالصبر والاحتساب وتبعث على الطلب والاكتساب وقال قائلون: يؤمر بالإنفاق وإلا حمل على الطلاق فلم تفهم المرأة قوله فأعادت سؤالها عليه فقال: يا قد هذه أجبتك ولست بسلطان فأمضي ولا قاض فأقضي ولا زوج فأرضي فانصرفي.
قال لنا ابو العباس بن الظاهري عن ابن النجار قال: وهب بن جامع ابن وهب العطار الصيدلاني صاحب محمد بن داود كان قد أحبه وشغف به حتى مات من حبه ومن أجله صنف كتاب: الزهرة. حدث عن ابن داود: محمد بن موسى البربري روى عنه ابنه قاسم.
أنبأنا أحمد بن سلامة عن أحمد بن محمد التيمي أنبأنا عبد الغفار بن محد النيسابوري أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد الشيرازي الحافظ سنة سبع وأربعين وأربع مئة بالدامغان حدثنا الجد محمد بن جعفر الظاهري حدثنا أحمد بن محمد بن صالح المنصوري القاضي أخبرنا القاسم بن وهب الداوودي حدثني وهب بن جامع العطار حدثنا أبو بكر محمد بن داود بن علي حدثنا أبو سعيد البصري حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرضيع:"ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية".
وقال عبد الكريم بن محمد الحافظ: حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الفارسي الواعظ إملاء بالري حدثنا محمد بن إسماعيل العلوي حدثني جدي سمعت وهب بن جامع العطار صديق ابن داود قال: دخلت على المتقي لله: فسألني عن أبي بكر بن داود: هل رأيت منه ما تكره قلت: لا يا أمير المؤمنين إلا أني بت عنده ليلة فكان يكشف عن وجهي ثم يقول: اللهم أنك تعلم أني لأحبه وأني لأراقبك فيه. قال: فما بلغ من رعايتك من حقه قلت: دخلت الحمام فلما خرجت نظرت في المرآة فاستحسنت صورتي فوق ما اعهد فغطيت وجهي واليت أن لا ينظر إلى وجهي أحد قبله وبادرت إليه فكشف وجهي ففرح وسر وقال: سبحان خالقه ومصوره وتلا:" هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء".الآية.