هاشم بن مرثد

هاشم بن مرثد

أبو سعيد الطبراني الطيالسي مولى بني العباس. سمع: آدم بن أبي إياس والمعافى الرسعني ويحيى بن معين وصفوان بن صالح. وعنه: ابنه سعيد وعبد الملك بن محمد الحراني ويحيى بن زكريا النيسابوري وسليمان الطبراني وهو من كبار شيوخه سمع منه بطبرية في سنة ثلاث وسبعين ومئتين وما هو بذاك المجود. قال ابن حبان: ليس بشيء. مات في شوال سنة ثمان وسبعين ومئتين.

الترمذي

محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك وقيل: هو محمد ابن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن: الحافظ العلم الإمام البارع ابن عيسى السلمي الترمذي الضرير مصنف الجامع وكتاب العلل وغير ذلك. اختلف فيه فقيل: ولد أعمى والصحيح أنه أضر في كبره بعد رحلته وكتابته العلم. ولد في حدود سنة عشر ومئتين. وارتحل فسمع بخراسان والعراق والحرمين ولم يرحل إلى مصر والشام. حدث عن: قتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن عمرو السواق البلخي ومحمود بن غيلان وإسماعيل بن موسى الفزاري وأحمد بن منيع وأبي مصعب الزهري وبشر بن معاذ العقدي والحسن ابن أحمد بن أبي شعيب وأبي عمار الحسين بن حريث والمعمر عبد الله ابن معاوية الجمحي وعبد الجبار بن العلاء وأبي كريب وعلي بن حجر وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي وعمرو بن علي الفلاس وعمران بن موسى القزاز ومحمد بن أبان المستملي ومحمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد الأعلى ومحمد بن رافع ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي رزمة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن يحيى العدني ونصر بن علي وهارون الحمال وهناد بن السري وأبي همام الوليد بن شجاع ويحيى بن أكثم ويحيى بن حبيب بن عربي ويحيى ابن درست البصري ويحيى بن طلحة اليربوعي ويوسف بن حماد المعني وإسحاق بن موسى الخطمي وإبراهيم بن عبد الله الهروي وسويد بن نصر المروزي. فأقدم ما عنده حديث مالك والحمادين والليث وقيس بن الربيع وينزل حتى أنه أكثر عن البخاري وأصحاب هشام بن عمار ونحوه.
حدث عنه: أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي وأبو حامد أحمد ابن عبد الله بن داود المروزي وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ وأحمد ابن يوسف النسفي وأسد بن حمدويه النسفي والحسين بن يوسف الفربري وحماد بن شاكر الوراق وداود بن نصر بن سهيل البزدوي والربيع بن حيان الباهلي وعبد الله بن نصر أخو البزدوي وعبد بن محمد بن محمود النسفي وعلي بن عمر بن كلثوم السمرقندي والفضل بن عمار الصرام وأبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب راوي الجامع وأبو جعفر محمد بن أحمد النسفي وأبو جعفر محمد بن سفيان بن النضر النسفي الأمين ومحمد بن محمد بن يحيى الهروي القراب ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي ومحمد بن مكي بن نوح النسفي ومسبح بن أبي موسى الكاجري ومكحول بن الفضل النسفي ومكي بن نوح ونصر بن محمد بن سبرة والهيثم بن كليب الشاشي الحافظ راوي الشمائل عنه وآخرون.
وقد كتب عنه شيخه أبو عبد الله البخاري فقال الترمذي في حديث عطية عن أبي سعيد يا علي: لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث.
وقال ابن حبان في الثقات: كان أبو عيسى ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر. وقال أبو سعد الإدريسي: كان أبو عيسى يضرب به المثل في الحفظ. وقال الحاكم: سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد. بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين.
ونقل أبو سعد الإدريسي بإسناد له أن أبا عيسى قال: كنت في طريق مكة فكتبت جزأين من حديث شيخ فوجدته فسألته وأنا أظن أن الجزأين معي فسألته فأجابني فإذا معي جزأن بياض فبقي يقرأ علي من لفظه فنظر فرأى في يدي ورقاً بياضاً فقال: أما تستحي مني فأعلمته بأمري وقلت: أحفظه كله قال: اقرأ فقرأته عليه فلم يصدقني وقال: استظهرت قبل أن تجيء فقلت: حدثني بغيره قال: فحدثني بأربعين حديثا ثم قال: هات فأعدتها عليه ما اخطأت في حرف.
قال شيخنا أبو الفتح القشيري الحافظ: ترمذ بالكسر وهو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر وقال المؤتمن الساجي: سمعت عبد الله بن محمد الأنصاري يقول: هو بضم التاء ونقل الحافظ أبو الفتح بن اليعمري أنه يقال فيه: ترمذ بالفتح.
وعن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي قال: قال أبو عيسى صنفت هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به ومن كان هذا الكتاب يعني الجامع في بيته فكانما في بيته نبي يتكلم. قلت: في الجامع علم نافع وفوائد غزيرة ورؤوس المسائل وهو أحد أصول الإسلام لولا ماكدره بأحاديث واهية بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل.
وقال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق: الجامع على أربعة أقسام: قسم مقطوع بصحته وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا وقسم أخرجه للضديه وأبان عن علته وقسم رابع أبان عنه فقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء سوى حديث:" فأن شرب في الرابعه فاقتلوه" وسوى حديث :"جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر". قلت: جامعه قاض له بإمامته وحفظه وفقهه ولكن يترخص في قبول الأحاديث ولا يشدد ونفسه في التضعيف رخو. وفي المنثور لابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل شيخ الإسلام يقول جامع الترمذي أنفع من كتاب البخاري ومسلم لأنهما لا يقف على الفائدة منهما الا المتبحر العالم والجامع يصل إلى فائدته كل أحد. قال غنجار وغيره: مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب سنة تسع وسبعين ومئتين بترمذ.

ابن ماجة

محمد بن يزيد: الحافظ الكبير الحجة المفسر أبو عبد الله ابن ماجة القزويني مصنف السنن والتاريخ والتفسير وحافظ قزوين في عصره. ولد سنة تسع ومئتين. وسمع من: علي بن محمد الطنافسي الحافظ أكثر عنه ومن: جبارة بن المغلس وهو من قدماء شيوخه ومن: مصعب بن عبد الله الزبيري وسويد بن سعيد وعبد الله معاوية الجمحي ومحمد بن رمح وإبراهيم بن المنذر الحزامي ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار ويزيد بن عبد الله اليمامي وأبي مصعب الزهري وبشر بن معاذ العقدي وحميد بن مسعدة وأبي حذافة السهمي وداود بن رشيد وأبي خيثمة وعبد الله بن ذكوان المقرئ وعبد الله بن عامر بن براد وأبي سعيد الأشج وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وعبد السلام بن عاصم الهسنجاني وعثمان بن أبي شيبه وخلق كثير مذكورين في سننه وتآليفه. حدث عنه: محمد بن عيسى الأبهري وأبو الطيب أحمد بن روح البغدادي وأبو عمر وأحمد بن محمد بن حكيم المديني وأبو الحسن علي ابن إبراهيم القطان وسليمان بن يزيد الفامي وآخرون. قال القاضي أبو يعلى الخليلي: كان أبوه يزيد يعرف بماجة وولاؤه لربيعة.
وعن ابن ماجة قال: عرضت هذه السنن على أبي زرعة الرازي فنظر فيه وقال: أظن أن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف أو نحو ذا.
قلت: قد كان ابن ماجة حافظاً ناقداً صادقاً واسع العلم وإنما غض من رتبة سننه ما في الكتاب من المناكير وقليل من الموضوعات وقول أبي زرعة أن صح فأنما عنى بثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف. قال أبو يعلى الخليلي: هو ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة بالحديث وحفظ ارتحل إلى العراقين ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: رأيت لابن ماجة بمدينة قزوين تاريخاً على الرجال والأمصار إلى عصره وفي آخره بخط صاحبه جعفر بن إدريس مات أبو عبد الله يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من رمضان وصلىعليه أخوه أبو بكر وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله وابنه عبد الله. قلت: مات في رمضان سنة ثلاث وسبعين ومئتين وقيل: سنة خمس والأول أصح وعاش أربعاً وستين سنة. وقع لنا رواية سننه بإسناد متصل عال وفي غضون كتابه أحاديث يعلها صاحبه الحافظ أبو الحسن بن القطان. وقد حدث ببغداد أخوه أبو محمد الحسن بن يزيد بن ماجه القزويني في حدود سنة ثمانين ومئتين إذ حج عن إسماعيل بن توبة القزويني الحافظ. سمع منه: الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر.
سمعت كتاب سنن ابن ماجة ببعلبك من القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام ومن ذلك بقراءتي نحو الثلث الأول من الكتاب.
وحدثني بالكتاب كله عن الشيخ الإمام موفق الدين عبد الله بن قدامة سماعاً في سنة أحدى عشرة وست مئة وسمعته كله بحلب من أبي سعيد سنقر الزيني بسماعه من الشيخ موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف بسماعهما من أبي زرعة المقدسي عن محمد بن الحسين المقومي عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب عن أبي الحسن القطان عنه. وعدد كتب سنن ابن ماجة اثنان وثلاثون كتاباً. وقال أبو الحسن القطان: في السنن ألف وخمس مئة باب وجملة ما فيه أربعة آلاف حديث.
فبالإسناد المذكور إلى ابن ماجة قال: حدثنا إسماعيل بن حفص حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دخل الميت القبر مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس يمسح عينيه ويقول دعوني أصلي". أخرجه الضياء الحافظ في المختارة عن موفق الدين بن قدامة.

محمد بن جابر

ابن حماد: الإمام الحافظ الفقيه الكبير أبو عبد الله المروزي. سمع: هدبة بن خالد وعلي بن المدين وشيبان بن فروخ وأحمد بن حنبل وأبا مصعب الزهري وحبان بن موسى وعلي بن حجر وإسحاق بن راهويه وأحمد بن صالح وطبقتهم بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام وجمع وصنف وبرع. حدث عنه: البخاري في تاريخه وابن خزيمة وأبو حامد بن الشرقي وأبو العباس الدغولي وأبو العباس المحبوبي وآخرون. ذكره الحاكم وقال: هو أحد أئمة زمانه أدركته المنية في حد الكهولة مات بمرو لسبع بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومئتين رحمه الله قلت قارب سبعين سنة.

المنجم

أبو الحسن علي بن يحيى بن أبي منصور الأخباري الشاعر نديم المتوكل ثم من بعده.وكان ذا فنون وعقليات وهذيان وتوسع في الأدبيات. وله تصانيف منها: كتاب أخبار إسحاق النديم.
مات سنة خمس وسبعين ومئتين وخلف عدة أولاد أدباء وهم أهل بيت.

غلام خليل

الشيخ العالم الزاهد الواعظ شيخ بغداد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غالب بن خالد بن مرداس الباهلي البصري غلام خليل.
سكن بغداد وكان له جلالة عجيبة وصولة مهيبة وأمر بالمعروف واتباع كثير وصحة معتقد إلا أنه يروي الكذب الفاحش ويرى وضع الحديث نسأل الله العافية. روى عن: دينار الذي زعم أنه لقي أنساً وعن قرة بن حبيب وسهل بن عثمان وشيبان وسليمان الشاذكوني وخفي حاله على الكبار أولاً. حدث عنه: محمد بن مخلد وعثمان السماك وأحمد بن كامل وطائفة. قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه فقال: رجل صالح لم يكن عندي ممن يفتعل الحديث. وقال ابن خراش: سرق غلام خليل هذه الأحاديث من عبد الله بن شبيب. وقال الإمام أبو بكر الصبغي: غلام خليل ممن لا أشك في كذبه. وروي عن أبي داود السجستاني أنه قال: ذاك دجال بغداد نظرت في أربع مئة حديث له عرضت علي كلها كذب متونها وأسانيدها. وقال ابن عدي: سمعت أبا عبد الله النهاوندي يقول: كلمت غلام خليل في هذه الأحاديث فقال: وضعناها لترقق القلوب.
وفي تاريخ بغداد: أن أبا جعفر الشعيري قال: قلت لغلام خليل لما روى عن بكر بن عيسى عن أبي عوانة: يا أبا عبد الله هذا شيخ قديم الوفاة لم تلحقه ففكر وخفت أنا فقلت: كأنك سمعت من رجل باسمه فسكت فلما كان من الغد قال لي: أني نظرت البارحة فيمن سمعت منه بالبصرة ممن يقال له: بكر بن عيسى فوجدتهم ستين رجلاً.
قال ابن الأعرابي: قدم من واسط غلام خليل فذكرت له هذه الشناعات يعني خوض الصوفية ودقائق الأحوال التي يذمها أهل الأثر وذكر له قولهم بالمحبة ويبلغه قول بعضهم: نحن نحب ربنا ويحبنا فأسقط عنا خوفه بغلبة حبه فكان ينكر هذا الخطأ بخطأ أغلظ منه حتى جعل محبة الله بدعة وكان يقول: الخوف أولى بنا قال: وليس كما توهم بل المحبة والخوف أصلان لا يخلو المؤمن منها فلم يزل يقص بهم يحذر منهم ويغري بهم السلطان والعامة ويقول: كان عندنا بالبصرة قوم يقولون بالحلول وقوم يقولون بالأباحة وقوم يقولون كذا. فانتشر في الأفواه أن ببغداد يقولون بالزندقة.
وكانت تميل إليه والدة الموفق وكذلك الدولة والعوام لزهده وتقشفه فأمرت المحتسب أن يطيع غلام خليل فطلب القوم وبث الأعوان في طلبهم وكتبوا فكانوا نيفاً وسبعين نفساً فاختفى عامتهم وبعضهم خلصته العامة وحبس منهم جماعة مدة. قلت وهرب النوري إلى الرقة.
قال ابن كامل: مات غلام خليل في رجب سنة خمس وسبعين ومئتين وغلقت الأسواق وخرج الرجال والنساء للصلاة عليه ثم حمل في تابوت إلى البصرة وبنيت عليه قبة قال: وكان فصيحاً معرباً يحفظ علماً كثيراً ويخضب بالحناء ويقتات بالباقلا صرفاً

 

بقي بن مخلد

 

ابن يزيد: الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن الأندلسي القرطبي الحافظ صاحب التفسير والمسند اللذين لا نظير لهما. ولد في حدود سنة مئتين أو قبلها بقليل. وسمع من: يحيى بن يحيى الليثي بن عبد الله بن بكير ومحمد بن عيسى الأعشى وأبي مصعب الزهري وصفوان بن صالح وإبراهيم بن المنذر الحزامي وهشام بن عمار وزهير بن عباد الرؤاسي ويحيى بن عبد الحميد الحماني ومحمد بن عبد الله بن نمير وأحمد بن حنبل مسائل وفوائد ولم يرو له شيئاً مسنداً لكونه كان قد قطع الحديث وسمع من: أبي بكر بن أبي شيبة فأكثر ومن: جبارة بن المغلس ويحيى بن بشر الحريري وشيبان بن فروخ وسويد بن سعيد وهدبة بن خالد ومحمد بن رمح وداود بن رشيد ومحمد بن أبان الواسطي وحرملة بن يحيى وإسماعيل بن عبيد الحراني ويعقوب بن حميد بن كاسب وعيسى بن حماد زغبة وسحنون بن سعيد الفقيه وهريم بن عبد الأعلى ومنجاب بن الحارث وعثمان بن أبي شيبة وعبيد الله القواريري وأبي كريب وبندار وهناد والفلاس وكثير بن عبيد وخلق.
وعني بهذا الشأن عناية لا مزيد عليها وأدخل جزيرة الأندلس علماً جماً وبه وبمحمد بن وضاح صارت تلك الناحية دار حديث وعدة مشيخته الذين حمل عنهم مئتان وأربعة وثمانون رجلاً.
حدث عنه: ابنه أحمد وأيوب بن سليمان المري وأحمد بن عبد الله الأموي وأسلم بن عبد العزيز ومحمد بن وزير ومحمد بن عمر بن لبابة والحسن بن سعد الكناني وعبد الله بن يونس المرادي القبري وعبد الواحد بن حمدون وهشام بن الوليد الغافقي وآخرون. وكان إماماً مجتهداً صالحاً ربانياً صادقاً مخلصاً رأساً في العلم والعمل عديم المثل منقطع القرين يفتي بالأثر ولا يقلد أحداً.
وقد تفقه بافريقية على سحنون بن سعيد. ذكره أحمد بن أبي خيثمة فقال: ما كنا نسميه إلا المكنسة وهل احتاج بلد فيه بقي إلى أن يرحل إلى ها هنا منه أحد.
قال طاهر بن عبد العزيز الأندلسي: حملت معي جزءاً من مسند بقي بن مخلد إلى المشرق فأريته محمد بن إسماعيل الصائغ فقال: ما اغترف هذا إلا من بحر وعجب من كثرة علمه. وقال إبراهيم بن حيون عن بقي بن مخلد قال: لما رجعت من العراق أجلسني يحيى بن بكير إلى جنبه وسمع مني سبعة أحاديث.
وقال أبو الوليد بن الفرضي في تاريخه: ملأ بقي بن مخلد الأندلس حديثاً فأنكر عليه أصحابه الأندلسيون: أحمد بن خالد ومحمد بن الحارث وأبو زيد ما أدخله من كتب الاختلاف وغرائب الحديث فأغروا به السلطان وأخافوه به ثم إن الله أظهره عليهم وعصمه منهم فنشر حديثه وقرأ للناس روايته ثم تلاه ابن وضاح فصارت الأندلس دار حديث وإسناد ومما انفرد به ولم يدخله سواه مصنف أبي بكر بن أبي شيبة بتمامه وكتاب الفقه للشافعي بكماله يعني الأم وتاريخ خليفة وطبقات خليفة وكتاب سيرة عمر بن عبد العزيز لأحمد بن إبراهيم الدورقي وليس لأحد مثل مسنده. وكان ورعاً فاضلاً زاهداً قد ظهرت له اجأبات الدعوة في غير ما شئ. قال: وكان المشاهير من أصحاب ابن وضاح لا يسمعون منه للذي بينهما من الوحشة ولد في شهر رمضان سنة إحدى ومئتين. وقال الحافظ أبو القاسم الدمشقي: لم يقع إلي حديث مسند من حديث بقي.
قلت: عمل له ترجمه حسنة في تاريخه. قال الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري: أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسير بقي لا تفسير محمد بن جرير ولا غيره.
قال: وكان محمد بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس محباً للعلوم عارفاً فلما دخل بقي الأندلس بمصنف أبي بكر بن أبي شيبة وقرىء عليه أنكر جماعة من أهل الرأي مافيه من الخلاف واستبشعوه ونشطوا العامة عليه ومنعوه من قراءته فاستحضره صاحب الأندلس محمد وإياهم وتصفح الكتاب كله جزءاً جزءاً حتى اتى على آخره ثم قال لخازن الكتب: هذا كتاب لا تستغني عنه خزانتنا عنه فأنظر في نسخه لنا ثم قال لبقي: انشر علمك وارو ما عندك ونهاهم أن يتعرضوا له.
قال أسلم بن عبد العزيز: حدثنا بقي بن مخلد قال: لما وضعت مسندي جاءني عبيد الله بن يحيى بن يحيى واخوه إسحاق فقالا: بلغنا أنك وضعت مسنداً قدمت فيه أبا مصعب الزهري ويحيى بن بكير وأخرت أبانا فقال: أما تقديمي أبا مصعب فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قدموا قريشاً ولا تقدموها" وأما تقديمي ابن بكير فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كبر كبر" يريد السن ومع أنه سمع الموطأ من مالك سبع عشر مرة وأبوكما لم يسمعه إلا مرة واحدة. قلت: وله فيه فوت معروف. قال: فخرجنا ولم يعودا وخرجا إلى حد العداوة. وألف أبو عبد الملك أحمد بن محمد بن عبد البر القرطبي الميت في عام ثمانية وثلاثين وثلاث مئة كتاباً في أخبار علماء قرطبة ذكر فيه بقي بن مخلد فقال: كان فاضلاً تقياً صواماً قواماً متبتلاً منقطع القرين في عصره منفرداً عن النظير في مصره كان أول طلبه عند محمد بن عيسى الاعشى ثم رحل فحمل عن أهل الحرمين ومصر والشام والجزيره وخلوان والبصرة والكوفة وواسط وبغداد وخراسان كذا قال فغلط لم يصل إلى خراسان بل ولا إلى همذان وما أدري هل دخل الجزيرة أم لا ويظهر ذلك لمن تأمل شيوخه ثم قال: وعدن والقيروان قلت: وما دخل الرجل إلى اليمن قال: وذكر عبد الرحمن بن أحمد عن أبيه: أن امرأة جاءت إلى بقي فقالت: أن ابني في الأسر ولا حيله لي فلو أشرت إلى من يفديه فأنني والهة قال: نعم انصرفي حتى أنظر في أمره ثم أطرق وحرك شفتيه ثم بعد مده جاءت المرأه بابنها فقال: كنت في يد ملك فبينا أنا في العمل سقط قيدي قال: فذكر اليوم والساعة فوافق وقت دعاء الشيخ قال: فصاح على المرسم بنا ثم نظر وتحير ثم أحضر الحداد وقيدني فلما فرغه ومشيت سقط القيد فبهتوا ودعوا رهبانهم فقالوا: ألك والده قلت: نعم قالوا: وافق دعاءها الإجابة.
هذه الواقعة حدث بها الحافظ حمزة السهمي عن أبي الفتح نصر بن أحمد بن عبد الملك قال: سمعت عبد الرحمن بن أحمد حدثنا أبي فذكرها وفيها: ثم قالوا: قد أطلقك الله فلا يمكننا أن نقيدك فزودوني وبعثوا بي.
قال: وكان بقي أول من كثر الحديث بالأندلس ونشره وهاجم به شيوخ الأندلس فثاروا عليه لأنهم كان علمهم بالمسائل ومذهب مالك وكان بقي يفتي بالأثر فشذ عنهم شذوذاً عظيماً فعقدوا عليه الشهادات وبدعوه ونسبوا إليه الزندقة وأشياء نزهه الله منها وكان بقي يقول: لقد غرست لهم بالأندلس غرساً لا يقلع الا بخروج الدجال.
قال: وقال بقي: أتيت العراق وقد منع أحمد بن حنبل من الحديث فسألته أن يحدثني وكان بيني وبينه خلة فكان يحدثني بالحديث في زي السؤال ونحن خلوة حتى اجتمع لي عنه نحو من ثلاث مئة حديث. قلت: هذه حكاية منقطعة.
قال ابن حزم: ومسند بقي روى فيه عن ألف وثلاث مئة صاحب ونيف ورتب حديث كل صاحب على أبواب الفقه فهو مسند ومصنف وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وله مصنف في فتاوى الصحابة والتابعين فمن دونهم الذي قد أربى فيه على مصنف ابن أبي شيبة وعلى مصنف عبد الرزاق وعلى مصنف سعيد بن منصور ثم أنه نوه بذكر تفسيره وقال: فصارت تصانيف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام لا نظير لها وكان متخيراً لا يقلد أحداً وكان ذا خاصة من أحمد بن حنبل وجارياً في مضمار البخاري ومسلم والنسائي.
وقال أبو عبد الملك المذكور في تاريخه: كان بقي طوالا أقنى ذا لحية مضبراً قوياً جلداً على المشي لم ير راكباً دابة قط وكان ملازماً لحضور الجنائز متواضعاً وكان يقول أني لأعرف رجلاً كان تمضي عليه الأيام في وقت طلبه العلم ليس له عيش إلا ورق الكرنب الذي يرمى وسمعت من كل من سمعت منه في البلدان ماشياً إليهم على قدمي.
قال ابن لبابة الحافظ: كان بقي من عقلاء الناس وأفاضلهم وكان أسلم بن عبد العزيز يقدمه على جميع من لقيه بالمشرق ويصف زهده ويقول: ربما كنت أمشي معه في أزقة قرطبة فإذا نظر في موضع خال إلى ضعيف محتاج أعطاه أحد ثوبيه.
وذكر أبو عبيدة صاحب القبلة قال: كان بقي يختم القرآن كل ليلة في ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي بالنهار مئة ركعة ويصوم الدهر. وكان كثير الجهاد فاضلاً يذكر عنه أنه رابط اثنتين وسبعين غزوة. ونقل بعض العلماء من كتاب لحفيد بقي عبد الرحمن بن أحمد: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد وكان رجلاً بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل قال: فلما قربت بلغتني المحنة وأنه ممنوع فاغتممت غما شديداً فاحتللت بغداد واكتريت بيتاً في فندق ثم أتيت الجامع وأنا أريد أن أجلس إلى الناس فدفعت إلى حلقة نبيلة فإذا برجل يتكلم في الرجال فقيل لي: هذا يحيى بن معين ففرجت لي فرجة فقمت إليه فقلت: يا أبا زكريا رحمك الله رجل غريب ناء عن وطنه يجب السؤال فلا تستجفني فقال: قل فسألت عن بعض من لقيته فبعضاً زكى وبعضاً جرح فسألته عن هشام بن عمار فقال لي: أبو الوليد صاحب صلاة دمشق ثقة وفوق الثقة لو كان تحت ردائه كبر او متقلداً كبراً ما ضره شيئاً لخيره وفضله فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك رحمك الله غيرك له سؤال فقلت وأنا واقف على قدم: اكشف عن رجل واحد: أحمد بن حنبل فنظر إلي كالمتعجب فقال لي: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل فدللت عليه فقرعت بابه فخرج إلي فقلت: يا أبا عبد الله: رجل غريب نائي الدار هذا أول دخولي هذا البلد وأنا طالب حديث ومقيد سنة ولم تكن رحلتي إلا إليك فقال: ادخل الأصطوان ولا يقع عليك عين فدخلت فقال لي: وأين موضعك قلت: المغرب الأقصى فقال: إفريقية قلت: أبعد من إفريقية أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية بلدي الأندلس قال: أن موضعك لبعيد وما كان شيء أحب إلي من أن أحسن عون مثلك غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك فقلت: بلى قد بلغني وهذا أول دخولي وأنا مجهول العين عندكم فأن أذنت لي أن آتي كل يوم في زي السؤال فأقول عند الباب ما يقوله السؤال فتخرج إلى هذا الموضع فلو لم تحدثني كل يوم إلا بحديث واحد لكان لي فيه كفاية فقال لي: نعم على شرط أن لا تظهر في الخلق ولا عند المحدثين فقلت: لك شرطك فكنت آخذ عصاً بيدي وألف رأسي بخرفه مدنسة وآتي بابه فأصيح: الأجر رحمك الله والسؤال هناك كذلك فيخرج إلي ويغلق ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له وولي بعده من كان على مذهب السنة فظهر أحمد وعلت إمامته وكانت تضرب إليه آباط الإبل فكان يعرف لي حق صبري فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه فكان يناولني الحديث مناولة ويقرؤه علي وأقرؤه عليه واعتللت في خلق معه ذكر الحكاية بطولها.
نقلها القاسم بن بشكوال في بعض تآليفه ونقلتها أنا من خط شيخنا أبي الوليد بن الحاج وهي منكرة وما وصل ابن مخلد إلى الإمام أحمد إلا بعد الثلاثين ومئتين وكان قد قطع الحديث من أثناء سنة ثمان وعشرين وما روى بعد ذلك ولا حديثاً واحداً إلى أن مات ولما زالت المحنة سنة اثنتين وثلاثين وهلك الواثق واستخلف المتوكل وأمر المحدثين بنشر أحاديث الرؤية وغيرها امتنع الإمام أحمد من التحديث وصمم على ذلك ما عمل شيئاً غير أنه كان يذاكر بالعلم والأثر وأسماء الرجال والفقه ثم لو كان بقي سمع منه ثلاث مئة حديث لكان طرز بها مسنده وافتخر بالرواية عنه فعندي مجلدان من مسنده وما فيهما عن أحمد كلمة.
ثم بعدها حكاية أنكر منها فقال: نقلت من خط حفيده عبد الرحمن ابن أحمد بن بقي حدثني أبي أخبرتني أمي أنها رأت أبي مع رجل طوال جداً فسألته عنه فقال: أرجو أن تكوني امرأة صالحة ذاك الخضر عليه السلام. ونقل عبد الرحمن هذا عن جده اشياء الله أعلم بصحتها ثم قال: كان جدي قد قسم أيامه على أعمال البر: فكان إذا صلى الصبح قرأ حزبه من القرآن في المصحف سدس القرآن وكان أيضاً يختم القرآن في الصلاة في كل يوم وليلة ويخرج كل ليلة في الثلث الأخير إلى مسجده فيختم قرب انصنداع الفجر وكان يصلي بعد حزبه من المصحف صلاة طويلة جداً ثم ينقلب إلى داره وقد اجتمع في مسجده الطلبة فيجدد الوضوء ويخرج اليهم فإذا أنقضت الدول صار إلى صومعة المسجد فيصلي إلى الظهر ثم يكون هو المبتديء بالأذان ثم يهبط ثم يسمع إلى العصر ويصلي ويسمع وربما خرج في بقية النهار فيقعد بين القبور يبكي ويعتبر فإذا غربت الشمس أتى مسجده ثم يصلي ويرجع إلى بيته فيفطر وكان يسرد الصوم إلا يوم الجمعة ويخرج إلى المسجد فيخرج إليه جيرانه فيتكلم معهم في دينهم ودنياهم ثم يصلي العشاء ويدخل بيته فيحدث أهله ثم ينام نومة قد أخذتها نفسه ثم يقوم هذا دأبه إلى أن توفي وكان جلداً قوياً على المشي قد مشى مع ضعيف في مظلمة إلى إشبيلية ومشى مع آخر إلى إلبيرة ومع امرأة ضعيفة إلى جيان.
قلت: وهم بعض الناس وقال: مات سنة ثلاث وسبعين ومئتين. بل الصواب أنه توفي لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ومئتين ورخه عبد الله بن يونس وغيره. ومن مناقبه أنه كان من كبار المجاهدين في سبيل الله يقال: شهد سبعين غزوة.
ومن حديثه: أخبرني محمد بن عطاء الله بالإسكندرية أخبرنا عبد الرحمن بن مكي في سنة ست وأربعين وست مئة أنبأنا خلف بن عبد الملك الحافظ أخبرنا أبو محمد بن عتاب أخبرنا الحافظ أبو عمر النمري أخبرنا محمد بن عبد الملك حدثنا عبد الله بن يونس حدثنا بقي بن مخلد حدثنا هانيء بن المتوكل عن معاوية بن صالح عن رجل عن مجاهد عن علي رضي الله عنه قال: لولا أني أنسى ذكر الله ما تقربت إلى الله إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" قال جبريل: يا محمد أن الله يقول: من صلى عليك عشر مرات استوجب الأمان من سخطه".

ابن قتيبة

العلامة الكبير ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل: المروزي الكاتب صاحب التصانيف. نزل بغداد وصنف وجمع وبعد صيته. حدث عن: إسحاق بن راهويه ومحمد بن زياد بن عبيد الله الزيادي وزياد بن يحيى الحساني وأبي حاتم السجستاني وطائفة. حدث عنه: ابنه القاضي أحمد بن عبد الله بديار مصر وعبيد الله السكري وعبيد الله بن أحمد بن بكر وعبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي وغيرهم. قال أبو بكر الخطيب: كان ثقة ديناً فاضلاً ذكر تصانيفه: غريب القرآن غريب الحديث كتاب المعارف كتاب مشكل القرآن كتاب مشكل الحديث كتاب أدب الكاتب كتاب عيون الأخبار كتاب طبقات الشعراء كتاب إصلاح الغلط كتاب الفرس كتاب الهجو كتاب المسائل كتاب أعلام النبوة كتاب الميسر كتاب الإبل كتاب الوحش كتاب الرؤيا كتاب الفقه كتاب معاني الشعر كتاب جامع النحو كتاب الصيام كتاب أدب القاضي كتاب الرد على من يقول بخلق القرآن كتاب إعراب القرآن كتاب القراءات كتاب الأنواء كتاب التسوية بين العرب والعجم كتاب الأشربة. وقد ولي قضاء الدينور وكان رأساً في علم اللسان العربي والأخبار وأيام الناس. وقال أبو بكر البيهقي: كان يرى رأي الكرامية. ونقل صاحب مرآة الزمان بلا إسناد عن الدارقطني أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه. قلت: هذا لم يصح وأن صح عنه فسحقاً له فما في الدين محاباة. وقال مسعود السجزي: سمعت أبا عبد الله الحاكم يقول: أجمعت الأمة على أن القتبي كذاب. قلت: هذه مجازفة وقلة ورع فما علمت أحدا اتهمه بالكذب قبل هذه القولة بل قال الخطيب: أنه ثقة.
وقد أنبأني أحمد بن سلامة عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة ويقول: ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب. قلت: عهدي بالحاكم يميل إلى الكرامية ثم ما رأيت لأبي محمد في كتاب مشكل الحديث ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول فالله أعلم. وكان ابنه أحمد حفظة فحفظ مصنفات أبيه وحدث بها بمصر لما ولي قضاءها من حفظه واجتمع لسماعها الخلق سنة نيف وعشرين وثلاث مئة وكان يقول: أن والده أبا محمد لقنه إياها.
وما أحسن قول نعيم بن حماد الذي سمعناه بأصح إسناد عن محمد ابن إسماعيل الترمذي أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.
قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف فإذا كان الموصوف تعالى:" ليس كمثله شيء"- الشورى:11- في ذاته المقدسة فكذلك صفاته لا مثل لها إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات وهذا هو مذهب السلف.
قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: مات أبو محمد بن قتيبة فجاءه صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمي عليه وكان أكل هريسة فأصاب حرارة فبقي إلى الظهر ثم اضطرب ساعة ثم هدأ فما زال يتشهد إلى السحر ومات سامحه الله وذلك في شهر رجب سنة ست وسبعين ومئتين.
والرجل ليس بصاحب حديث وأنما هو من كبار العلماء المشهورين عنده فنون جمة وعلوم مهمة.
قرأت على مسند حلب أبي سعيد سنقر بن عبد الله: أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف أخبرنا أحمد بن المبارك المرقعاتي أخبرنا جدي لأمي ثابت بن بندار أخبرنا عبد الله بن إسحاق اللبان في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق الحافظ أخبرنا الهيثم بن كليب ببخارى سنة حدثنا أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة حدثني الزيادي حدثني عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال: قال علي بن أبي طالب: ما كنت أرى أن أعلى القدم أحق من باطنها حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على قدميه.
قال قاسم بن أصبغ: سمعت ابن قتيبة يقول: أنا أكثر أوضاعاً من أبي عبيد له اثنان وعشرون وضعاً ولي سبعة وعشرون.ثم قال قاسم: وله في الفقه كتاب وله عن ابن راهويه شيء كثير.
قيل لابن أصبغ: فكتابه في الفقه كان ينفق عنه قال لا والله لقد ذاكرت الطبري وابن سريج وكانا من أهل النظر وقلت: كيف كتاب ابن قتيبة في الفقه فقالا: ليس بشيء ولا كتاب أبي عبيد في الفقه أما ترى كتابه في الأموال وهو أحسن كتبه كيف بني على غير أصل واحتج بغير صحيح ثم قالا: ليس هؤلاء لهذا بالحرى أن تصح لهما اللغة فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي وداود ونظرائهما.قال قاسم بن أصبغ: كنا عند ابن قتيبة فأتوه بأيديهم المحابر فقال: اللهم سلمنا منهم فقعدوا ثم قالوا: حدثنا رحمك الله قال: ليس أنا ممن يحدث إنما هذه الأوضاع فمن أحب قالوا له: ما يحل لك هذا فحدثنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه فإنا لا نجد فيه إلا طبقتك وأنت عندنا أوثق قال: لست أحدث ثم قال لهم: تسألوني أن أحدث وببغداد ثمان مئة محدث كلهم مثل مشايخي لست أفعل فلم يحدثهم بشيء.

الكديمي

الشيخ الإمام الحافظ الكبير المعمر أبو العباس محمد بن يونس بن موسى بن سليمان بن عبيد بن ربيعة بن كديم القرشي السامي الكديمي البصري الضعيف.ولد سنة ثلاث وثمانين ومئة وقيل: سنة خمس.وهو ابن امرأة روح بن عبادة فسمع بسبب ذلك من الكبار في حداثته.روى عن: أبي داود الطيالسي وعبد الله الخريبي وأزهر السمان وأبي زيد الانصاري وروح بن عبادة وأبي عاصم والأصمعي وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي والحميدي وأبي نعيم وخلق كثير.حدث عنه: أبو بكر بن الأنباري وإسماعيل الصفار وأبو بكر الشافعي وأحمد بن يوسف بن خلاد وأحمد بن الريان اللكي وخيثمة ابن سليمان وعثمان بن سنقة وأبو عبد الله بن محرم وعمر بن سلم الختلي وأبو بكر القطيعي وخلق سواهم.
روى ابن خلاد النصيبي عن الكديمي قال: قال لي علي بن المديني: عندك ما ليس عندي.
وقال الكديمي: كتبت عن ألف شيخ ومئة وستة وثمانين وحججت سنة ست ومئتين فرأيت عبد الرزاق ولم أسمع منه. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كان محمد بن يونس الكديمي حسن الحديث حسن المعرفة ما وجد عليه إلا صحبته لسليمان الشاذكوني. وروى الحسن الصائغ: حدثنا الكديمي قال: خرجت نا وعلي بن الديني وسليمان الشاذكوني نتنزه ولم يبق لنا موضع غير بستان الأمير وكان الأمير قد منع من الخروج إلى الصحراء فكما قعدنا وافى الأمير فقال خذوهم فأخذونا وكنت أصغرهم فبطحوني وقعدوا على أكتافي فقلت أيها الأمير اسمع حدثنا الحميدي أخبرنا سفيان عن عمرو عن أبي قابوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء قال أعده فأعدته فقال قوموا عنه وقال أنت تحفظ مثل هذا وتخرج تتنزه

كذا فيه ابن عباس وصوابه عبد الله بن عمرو. قال ابن عدي اتهم الكيديمي بوضع الحديث. وقال ابن حبان لعله قد وضع اكثر من ألف حديث. قال ابن عدي وادعى رؤية قوم لم يرهم ترك عامة مشايخنا الرواية عنه. وقال أبو الحسين بن المنادي كتبنا عن الكديمي ثم بلغنا كلام أبي داود فيه فرمينا بما سمعنا منه. قال أبو عبيد الآجري رأيت أبا داود يطلق في محمد بن يونس الكذب وكان موسى بن هارون ينهى الناس عن السماع من الكديمي وقال موسى وهو متعلق بأستار الكعبة اللهم إني أشهدك أن الكديمي كذاب يضع الحديث. قال القاسم بن زكريا المطرز انا أجاثي الكديمي بين يدي الله. وأقول كان يكذب على رسولك وعلى العلماء. وأما إسماعيل الخطبي فتبارد وقال كان ثقة ما رأيت ناساً أكثر من مجلسه. مات الكديمي في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين ومئتين فإن كان مولده كما مر فقد جاوز مئة عام. يقع عواليه لابن البخاري ونحوه. العسكري

الإمام المحدث أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري السمسار مؤلف مسند أبي هريرة.
حدث عن: القعنبي وعارم وإبراهيم بن حميد الطويل وأبي الوليد الطيالسي ومسدد وعلي بن عثمان اللاحقي وسهل بن عثمان وأبي معمر المقعد وحجاج بن منهال ويعقوب بن كاسب وعبيد الله بن عائشة وعلي بن بحر القطان وعدة. حدث عنه: أبو الحسين أحمد بن سهل بن عمر بن سهل بن بحر العسكري شيخ الحافظ أبي نعيم وذكر ابن سهل انه قدم عليهم البصرة في سنة اثنتين وثمانين ومئتين.
أخبرنا أحمد بن سلامة وعلي بن أحمد إجازة عن أحمد بن محمد التيمي أخبرنا أبوعلي الحداد سنة إحدى عشرة وخمس مئة أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أحمد بن سهل حدثنا إبراهيم بن حرب حدثنا القعنبي حدثنا ابن أبي ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركوب البدنة قال:" اركبها" قال: يا رسول الله إنها بدنة قال:" اركبها ويلك".
وبه: حدثنا إبراهيم بن حرب حدثنا علي بن حرب حدثنا حكام حدثنا عنبسة عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال لي جبريل: لو رأيتني يا محمد وأنا أغطه بإحدى يدي وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة ربه فيغفر له". حديث غريب وكثير فيه جهالة. والعسكري: نسبة إلى مدينة عسكر مكرم: قريبة من البصرة.

المصيصي

الإمام المحدث أبو محمد عبد الله بن الحسين بن جابر البغدادي ثم المصيصي الثغري البزاز.
حدث بدمشق وبالثغور عن: هوذة وعفان وموسى بن داود وآدم وأبي اليمان وسعيد بن أبي مريم وعبد الله بن جعفر الرقي ومحمد بن سابق والحسن الأشيب وعلي بن عياش وخلق وكان صاحب رحلة وفضل. روى عنه: ابن حذلم وخيثمة ومحمد بن محمد بن أبي حذيفة وأبو عوانة الحافظ وأبو الميمون راشد وأحمد بن عيسى السكين وخلق آخرهم: أبو القاسم الطبراني. قال ابن حبان: كان يقلب الأخبار ويسرقها لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. قلت: توفي بعد الثمانين ومئتين.

أبو العيناء

العلامة الأخباري أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد البصري الضرير النديم. ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة. وأخذ عن: أبي عبيدة وأبي زيد وأبي عاصم النبيل والأصمعي. وعنه: الحكيمي وأبو بكر الصولي وأبو بكر الأدمي وأحمد بن كامل وابن نجيح وآخرون. قال الدارقطني: ليس بالقوي. أضر أبو العيناء وله أربعون سنة وكان يخضب بالحمرة. مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين ومئتين وقد جاوز التسعين. قلما روى من المسندات ولكنه كان ذا ملح ونوادر وقوة ذكاء. قال له الوزير أبو الصقر: ما أخرك عنا قال: سرق حماري قال: وكيف سرق قال: لم أك مع اللص فأخبرك قال: فهلا جئت على غيره قال: أخرني عن السرى قلة يساري وكرهت ذلة العواري ونزق المكاري. وقيل: عاش اثنتين وتسعين سنة.

هلال بن العلاء

ابن هلال بن عمر بن هلال بن أبي عطية: الحافظ الإمام الصدوق عالم الرقة أبو عمر الباهلي مولى قتيبة بن مسلم الأمير الرقي الأديب. سمع: أباه أبا محمد العلاء وحجاج بن محمد الأعور ومحمد بن مصعب القرقساني وحسين بن عياش وعبد الله بن جعفر الرقي وأبا جعفر النفيلي وخلقاً سواهم. حدث عنه: النسائي وخيثمة بن سليمان وأبو بكر النجاد والعباس ابن محمد الرافقي ومحمد بن أيوب الصموت وعدة. قال النسائي: ليس به بأس روى أحاديث منكرة عن أبيه ولا أدري: الريب مه أو من أبيه. قيل: توفي يوم عيد النحر سنة ثمانين ومئتين وقيل: مات في ربيع الأول سنة إحدى وثمانين ومئتين. وله شعر رائق لائق بكل ذائق فمنه:

سيبلى لسان كان يعرب لفظـه

 

فيا ليته من وقفة العرض يسلم

وما تنفع الآداب إن لم يكن تقى

 

وما ضر ذا تقوى لسان معجم

وله مما رواه عنه خيثمة بن سليمان:

اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ً== إن بر عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من أرضاك ظاهره

 

وقد أجلك من يعصيك مستترا

وكان من أبناء التسعين وقع لنا جملة من حديثه. ومات أخوه:

أحمد بن العلاء

قاضي ديار مصر كالرقة وغيرها في سنة ست وسبعين ومئتين على القضاء. حدث عن: عبد الله بن جعفر وعبيد بن جناد.
وعنه: ابن حذلم وخيثمة بن سليمان وأبو الميمون البجلي وعدة.

الأنطاكي

الإمام الثبت الرحال أبو الوليد محمد بن أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي.
حدث عن: رواد بن الجراح والهيثم بن جميل ومحمد بن كثير الصنعاني ومحمد بن عيسى بن الطباع وجماعة. وعنه: أحمد بن المنادي وإسماعيل الصفار وأبو بكر الشافعي وآخرون. وثقه الدارقطني. حج وقدم فمات في سنة ثمان وسبعين ومئتين بأنطاكية من أبناء التسعين.

أبو زرعة الدمشقي

الشيخ الإمام الصادق محدث الشام أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن عبد الله بن صفوان بن عمرو النصري بنون الدمشقي وكانت داره عند باب الجابية. ولد قبل المئتين.
وروى عن: أبي نعيم الفضل بن دكين وهوذة بن خليفة وعفان بن مسلم وأبي مسهر الغساني وأحمد بن خالد الوهبي وسليمان بن حرب وعلي بن عياش وأبي اليمان الحكم بن نافع وأبي بكر الحميدي وأبي غسان النهدي وسعيد بن سليمان سعدويه وعبد الغفار بن داود وأبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي وإسحاق بن إبراهيم الفراديسي وسعيد بن منصور وسليمان بن داود الهاشمي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهشام بن عمار ويحيى بن صالح الوحاظي وخلق كثير بالشام والعراق والحجاز. وجمع وصنف وذاكر الحفاظ وتميز وتقدم على أقرانه لمعرفته وعلو سنده.
حدث عنه: أبو داود في سننه ويعقوب الفسوي وأحمد بن المعلى القاضي وأبو بكر بن أبي داود واسحاق بن أبي الدرداء الصرفندي وأبو الحسن بن جوصا ويحيى بن صاعد وأبو العباس الأصم وأبو الحسن بن حذلم وأبو يعقوب الأذرعي وعلي بن أبي العقب وأبو جعفر الطحاوي وأبو القاسم الطبراني وخلق كثير. أنبأنا أحمد بن سلامة عن أبي المكارم أحمد بن محمد عن عبد الغفار بن محمد بن شيرويه أخبرنا أبو بكر الحيري حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا أبو زرعة حدثنا أحمد بن خالد حدثنا ابن إسحاق عن عياض بن دينار قال: دخلت المسجد وأبو هريرة يخطب الناس خليفة لمروان أيام الحج في يوم الجمعة فقال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم:" أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر ثم التي تليها على أشد نجوم السماء إضاءة". قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان أبو زرعة الدمشقي رفيق أبي و كتبت عنه انا وأبي وكان ثقة صدوقاً. قال أبو الميمون بن راشد: سمعت أبا زرعة يقول: أعجب أبو مسهر بمجالستي إياه صغيراً. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: ذكر أحمد بن أبي الحواري أبا زرعة الدمشقي فقال: هو شيخ الشباب وسئل أبي عنه فقال: صدوق. قلت لأبي زرعة تاريخ مفيد في مجلد ولما قدم أهل الري إلى دمشق أعجبهم علم أبي زرعة فكنوا صاحبهم الحافظ عبيد الله بن عبد الكريم بكنيته.
أخبرتنا نخوة بنت محمد أخبرنا ابن خليل أخبرنا محمد بن إسماعيل الطرسوسي وأنبأني أحمد بن أبي الخير عن الطرسوسي أخبرنا أبو علي المقرئ أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أبو زرعة حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال :قال طاووس قلت: لابن عباس ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنباً وأصيبوا من الطيب". فقال: أما الغسل فنعم وأما الطيب: فلا أدري. أخرجه البخاري عن أبي اليمان.
قال أبو القاسم بن عساكر: قرأت في كتاب أبي الحسين الرازي يعني والد تمام قال: سمعت جماعة قالوا: لما اتصل الخبر بأبي أحمد الواثق أن أحمد بن طولون قد خلعه بدمشق أمر بلعن أحمد بن طولون على المنابر فلما بلغ أحمد أمر بلعن الموفق على المنابر بمصر والشام وكان أبو زرعة محمد ابن عثمان القاضي ممن خلع الموفق يعني من ولاية العهد ولعنه ووقف عند المنبر بدمشق ولعنه وقال: نحن أهل الشام نحن أهل صفين وقد كان فينا من حضر الجمل ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام وأنا أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق يعني أبا أحمد كما يخلع الخاتم من الإصبع فالعنوه لعنه الله.
قال الرازي: وحدثني إبراهيم بن محمد بن صالح قال: لما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق من محاربة خمارويه بن أحمد بن طولون يعني بعد موت أبيه أحمد وذلك في سنة إحدى وسبعين قال لأبي عبد الله الواسطي: انظر ما انتهى إليك ممن كان يبغضنا فليحمل. فحمل يزيد بن عبد الصمد وأبو زرعة الدمشقي والقاضي أبو زرعة بن عثمان حتى صاروا بهم مقيدين إلى أنطاكية فبينا أحمد بن أبي الموفق وهو المعتضد يسير يوماً إذ بصر بمحامل هؤلاء فقال للواسطي: من هؤلاء قال: أهل دمشق قال: وفي الأحياء هم إذا نزلت فاذكرني بهم.
قال ابن صالح: فحدثنا أبو زرعة الدمشقي قال: فلما نزل أحضرنا بعد أن فكت القيود وأوقفنا مذعورين فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق قال: فربت ألسنتنا حتى خيل إلينا أننا مقتولون فأما أنا: فأبلست وأما ابن عبد الصمد: فخرس وكان تمتاماً وكان أبو زرعة القاضي أحدثنا سناً فقال: أصلح الله الأمير فالتفت إليه الواسطي فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك ثم عطف علينا وقال: ماذا عندكم فقلنا: أصلحك الله هذا رجل متكلم يتكلم عنا قال: تكلم: فقال: والله ما فينا هاشمي ولا قرشي صحيح ولا عربي فصيح ولكنا قوم ملكنا حتى قهرنا.
وروى أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة في المنشط والمكره وأحاديث في العفو والإحسان وكان هو الذي تكلم بالكلمة التي نطالب بخزيها ثم قال: أصلح الله الأمير وأشهدك أن نسواني طوالق وعبيدي أحرار ومالي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة ورءانا عيال وحرم وقد تسامع الناس بهلاكنا وقد قدرت وإنما العفو بعد المقدرة.
فقال للواسطي: يا أبا عبد الله أطلقهم لا كثر الله في الناس مثلهم. فأطلقنا فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن خرزاذ في نزه أنطاكية وطيبها وحماماتها وسبق أبو زرعة القاضي إلى حمص. قال ابن زبر والدمشقيون: مات أبو زرعة النصري سنة إحدى وثمانين ومئتين وغلط من قال: سنة ثمانين.

الشعراني

الإمام الحافظ المحدث الجوال المكثر أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب بن موسى بن زهير بن يزيد بن كيسان بن الملك باذان صاحب اليمن الذي أسلم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراساني النيسابوري الشعراني عرف بذلك لكونه كان يرسل شعره وهو من قرية ريوذ: من معاملة بيهق.
سمع بمصر: سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن صالح وسعيد بن عفير وطبقتهم وبالبصرة: سليمان بن حرب وسهل بن بكار وقيس ابن حفص وعدة وبالكوفة: أحمد بن يونس ووضاح بن يحيى وضرار بن صرد وبالمدينة: قالون وإسماعيل بن أبي أويس وإسحاق الفروي وبحلب: أبا توبة الربيع بن نافع وبحمص: حيوة بن شريح.
وبالثغر: سنيد بن داود وبخراسان: يحيى بن يحيى التميمي وابن راهويه وبواسط: عمرو بن عون وبحران: أبا جعفر النفيلي وتخرج: بعلي بن المديني وابن معين وبرع في هذا الشأن وسأل أحمد بن حنبل وأخذ اللغة عن ابن الأعرابي وتلا على خلف بن هشام وقدم بعلم جم.
حدث عنه: ابن خزيمة وأبو العباس الثقفي والمؤمل بن الحسن وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري وأبو حامد بن الشرقي ومحمد بن هانئ شيخ الحاكم وأبو منصور محمد بن القاسم العتكي وعلي بن حمستاذ ومحمد بن يعقوب الشيباني ومحمد بن المؤمل الماسرجسي وأحمد بن إسحاق الصيدلاني وحفيده إسماعيل بن محمد بن الفضل وعدة. وجمع وصنف. قال أبو نصر بن ماكولا: قرأ القرآن على خلف وعنده عن أحمد ابن حنبل تاريخه وعن سنيد المصيصي تفسيره. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: تكلموا فيه. وقال أبو عبد الله بن الأخرم: صدوق غال في التشيع.
قال الحاكم: لم أر خلافاً بين الأئمة الذين سمعوا منه في ثقته وصدقه رضوان الله عليه وكان أديباً فقيهاً عالماً عابداً كثير الرحلة في طلب الحديث فهما عارفاً بالرجال تفرد برواية كتب لم يروها أحد بعده التاريخ الكبير عن أحمد والتفسير عن سنيد والقراءات عن خلف والتنبيه عن يحيى بن اكثم والمغازي عن إبراهيم الحزامي والفتن عن نعيم بن حماد. سمعت إسماعيل بن محمد يقول: توفي جدي الفضل في المحرم سنة اثنتين وثمانين. وسمعت محمد بن المؤمل يقول: كنا نقول: ما بقي في الدنيا مدينة لم يدخلها الفضل في طلب الحديث إلا الأندلس. سمعت محمد بن القاسم العتكي سمعت الفضل الشعراني سمعت يحيى بن أكثم يقول: من قال: القرآن مخلوق يستتاب فان تاب وإلا ضربت عنقه. وقال ابن الأخرم: كان ابن خزيمة يتولى الانتخاب على الفضل بن محمد. وقال مسعود السجزي: سألت الحاكم عن الفضل بن محمد فقال: ثقة مأمون لم يطعن في حديثه بحجة. وأما الحسين القباني فرماه بالكذب فبالغ.

الدارمي

عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد: الإمام العلامة الحافظ الناقد شيخ تلك الديار أبو سعيد التميمي الدارمي السجستاني صاحب المسند الكبير والتصانيف. ولد قبل المئتين بيسير وطوف الأقاليم في طلب الحديث.
وسمع: أبا اليمان ويحيى بن صالح الوحاظي وسعيد بن أبي مريم ومسلم بن إبراهيم وعبد الغفار بن داود الحراني وسليمان بن حرب وأبا سلمة التبوذكي ونعيم بن حماد وعبد الله بن صالح كاتب الليث ومحمد بن كثير ومسدد بن مسرهد وأبا توبة الحلبي وعبد الله ابن رجاء الغداني وأبا جعفر النفيلي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وفروة بن المغراء وأبا بكر بن أبي شيبة ويحيى الحماني وسهل بن بكار وأبا الربيع الزهراني ومحمد بن المنهال والهيثم بن خارجة وخلقاً كثيراً بالحرمين والشام ومصر والعراق والجزيرة وبلاد العجم.
وصنف كتاباً في الرد على بشر المريسي وكتاباً في الرد على الجهمية رويناهما. وأخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد وفاق أهل زمانه وكان لهجاً بالسنة بصيراً بالمناظرة.
حدث عنه: أبو عمرو: أحمد بن محمد الحيري ومحمد بن إبراهيم الصرام ومؤمل بن الحسين وأحمد بن محمد بن الأزهر ومحمد بن يوسف الهروي وأبو إسحاق بن ياسين ومحمد بن إسحاق الهروي وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي وأبو النضر محمد بن محمد الطوسي الفقيه وحامد الرفاء وأحمد بن محمد العنبري وأبو الفضل يعقوب القراب وخلق كثير من أهل هراة وأهل نيسابور. قال الحاكم: سمعت محمد بن العباس الضبي سمعت أبا الفضل يعقوب بن إسحاق القراب يقول: ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأى عثمان مثل نفسه أخذ الأدب عن ابن الأعرابي والفقه عن أبي يعقوب البويطي والحديث عن ابن معين وابن المديني وتقدم في هذه العلوم رحمه الله.
وقال أبو حامد الأعمشي: ما رأيت في المحدثين مثل محمد بن يحيى وعثمان بن سعيد ويعقوب الفسوي.
وقال أبو عبد الله بن أبي ذهل: قلت لأبي الفضل القراب: هل رأيت أفضل من عثمان بن سعيد الدارمي فأطرق ساعة ثم قال: نعم إبراهيم الحربي وقد كنا في مجلس الدارمي غير مرة ومر به الأمير عمرو بن الليث فسلم عليه فقال: وعليكم حدثنا مسدد ولم يزد على رد السلام.
قال ابن عبدوس الطرائفي: لما أردت الخروج إلى عثمان بن سعيد يعني إلى هراة أتيت ابن خزيمة فسألته أن يكتب لي اليه فكتب إليه فدخلت هراة في ربيع الأول سنة ثمانين ومئتين فأوصلته الكتاب فقرأه ورحب بي وسأل عن ابن خزيمة ثم قال: يا فتى متى قدمت قلت: غداً قال: يا بني فارجع اليوم فإنك لم تقدم بعد حتى تقدم غداً.
قال أحمد بن محمد الأزهر: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: أتاني محمد بن الحسين السجزي وكان قد كتب عن يزيد بن هارون وجعفر بن عون فقال: يا أبا سعيد إنهم يجيؤوني فيسألون أن أحدثهم وأنا أخشى أن لا يسعني ردهم قلت: ولم قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار". فقال: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علم تعلمه وأنت لا تعلمه.
قال يعقوب القراب: سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول: قد نويت أن لا أحدث عن أحد أجاب إلى خلق القرآن قال: فتوفي قبل ذلك. قلت: من أجاب تقية فلا بأس عليه وترك حديثه لا ينبغي.
قلت: كان عثمان الدارمي جذعاً في أعين المبتدعة وهو الذي قام على محمد بن كرام وطرده عن هراه فيما قيل. قال عثمان بن سعيد: من لم يجمع حديث شعبة وسفيان ومالك وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة فهو مفلس في الحديث يريد أنه ما بلغ درجة الحفاظ.
وبلا ريب أن من جمع علم هؤلاء الخمسة وأحاط بسائر حديثهم وكتبه عالياً ونازلاً وفهم علله فقد أحاط بشطر السنة النبوية بل بأكثر من ذلك وقد عدم في زماننا من ينهض بهذا وببعضه فنسأل الله المغفرة وأيضاً فلو أراد أحد أن يتتبع حديث الثوري وحده ويكتبه بأسانيد نفسه على طولها ويبين صحيحه من سقيمه لكان يجيء مسنده في عشر مجلدات وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة ومسند أحمد بن حنبل وسنن البيهقي وضبط متونها وأسانيدها ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه ويديدن بالحديث فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكياً فقد عاد الإسلام المحض غريباً كما بدأ فليسع امرؤ في فكاك رقبته من النار فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم العلم ليس هو بكثرة الرواية ولكنه نور يقذفه الله في القلب وشرطه الاتباع والفرار من الهوى والابتداع وفقنا الله وإياكم لطاعته. قال المحدث يحيى بن أحمد بن زياد الهروي صاحب ابن معين: رأيت في النوم كأن قائلاً يقول: إن عثمان يعني الدارمي لذو حظ عظيم. وقال محمد بن المنذر شكر: سمعت أبا زرعة الرازي وسألته عن عثمان بن سعيد فقال: ذاك رزق حسن التصنيف. وقال أبو الفضل الجارودي: كان عثمان بن سعيد إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته.
قال محمد بن إبراهيم الصرام: سمعت عثمان بن سعيد يقول: لا نكيف هذه الصفات ولا نكذب بها ولا نفسرها. وبلغنا عن عثمان الدارمي انه قال له رجل كبير يحسده: ماذا أنت لولا العلم فقال له: أردت شيناً فصار زيناً.
أخبرنا الحسن بن علي أخبرنا عبد الله بن عمر أخبرنا أبو الوقت السجزي أخبرنا أبو إسماعيل الانصاري حدثنا محمد ابن أحمد الجارودي ويحيى بن عمار ومحمد بن جبريل أملوه وأخبرنا محمد بن عبد الرحمن قالوا: أخبرنا أبو يعلى أحمد بن محمد الواشقي هروي أخبرنا عثمان بن سعيد الدارمي أخبرنا يحيى الحماني عن ابن نمير عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل ولو كان حياً ثم أدرك نبوتي لاتبعني". هذا حديث غريب ومجالد ضعيف الحديث.
ومن كلام عثمان رحمه الله في كتاب النقض له: اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى فوق عرشه فوق سماواته. قلت: أوضح شيء في هذا الباب قوله عز وجل:" الرحمن على العرش استوى"- طه:5- فليمر كما جاء كما هو معلوم من مذهب السلف وينهى الشخص عن المراقبة والجدال وتأويلات المعتزلة" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول"- آل عمران:53-.
قال يعقوب بن إسحاق: سمعت عثمان بن سعيد يقول: ما خاض في هذا الباب أحد ممن يذكر إلا سقط فذكر الكرابيسي فسقط حتى لا يذكر وكان معنا رجل حافظ بصير وكان سليمان بن حرب والمشايخ بالبصرة يكرمونه وكان صاحبي ورفيقي يعني فتكلم فيه فسقط. وقال الحسن بن صاحب الشاشي: سألت أبا داود السجستاني عن عثمان بن سعيد فقال: منه تعلمنا الحديث.
قال أبو إسحاق أحمد بن محمد بن يونس: توفي عثمان الدارمي في ذي الحجة سنة ثمانين ومئتين. وهكذا أرخه إسحاق القراب وغيره وما رواه أبو عبد الله الضبي عن شيوخه أنه مات سنة اثنتين وثمانين ومئتين فوهم ظاهر.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم قراءة عن أبي القاسم بن الحرستاني عن أبي نصر أحمد بن عمر الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن الأحنف أخبرنا إسحاق بن يعقوب القراب أخبرنا محمد بن الفضل المزكي أخبرنا محمد بن إبراهيم الصرام حدثنا عثمان بن سعيد الحافظ حدثنا عبد الله ابن صالح عن ليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن خالد بن أبي عمران عن أبي عياش بن أبي مهران عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل". هذا حديث غريب جداً والمتن قد روي من وجوه وهو في صحيح مسلم.
قال الحاكم أبو عبد الله: والدارمي سجزي سكن هراة سمع: ابن أبي مريم وأبا صالح بمصر وابن أبي أويس بالحجاز وسليمان بن حرب ومحمد بن كثير وأبا سلمة بالبصرة وأبا غسان وأحمد بن يونس بالكوفة ويحيى بن صالح والربيع بن روح ويزيد بن عبد ربه بالشام.