ثعلب

ثعلب

العلامة المحدث إمام النحو أبو العباس أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم البغدادي صاحب الفصيح والتصانيف.

ولد سنة مئتين وكان يقول: ابتدأت بالنظر وأنا ابن ثماني عشرة سنة ولما بلغت خمساً وعشرين سنة ما بقي علي مسألة للفراء وسمعت من القواريري مئة ألف حديث.

قلت: وسمع من ابراهيم بن المنذر ومحمد بن سلام الجمحي وابن الأعرابي وعلي بن المغيرة وسلمة بن عاصم والزبير بن بكار.

وعنه نفطويه ومحمد بن العباس اليزيدي والأخفش الصغير وابن الأنباري وأبو عمر الزاهد وأحمد بن كامل وابن مقسم الذي روى عنه أماليه.
قال الخطيب: ثقة حجة دين صالح مشهور بالحفظ.

وقيل: كان لا يتفاصح في خطابه.

قال المبرد: أعلم الكوفيين ثعلب فذكر له الفراء فقال: لا يعشره.

وكان يزري على نفسه ولا يعد نفسه.

قال ابن مجاهد: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أقرئ أبا العباس السلام وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل.
قال القفطي: كان يكرر علي كتب الكسائي والفراء ولا يدري مذهب البصريين ولا كان مستخرطاً للقياس.

وقال الدينوري: كان المبرد أعلم بكتاب سيبويه من ثعلب.

وقيل: كان ثعلب يبخل وخلف ستة آلاف دينار.

وكان صحب محمد بن عبد الله بن طاهر وعلم ولده طاهراً فرتب له ألفاً في الشهر.

وله كتاب "اختلاف النحويين" وكتاب "القراءات" وكتاب معاني القرآن وأشياء.

وعمر وأصم صدمته دابة فوقع في حفرة ومات منها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومئتين.

أبو خليفة

الإمام العلامة المحدث الأديب الأخباري شيخ الوقت أبو خليفة الفضل بن الحباب واسم الحباب: عمرو بن محمد بن شعيب الجمحي البصري الأعمى.

ولد في سنة ست ومئتين وعني بهذا الشأن وهو مراهق فسمع في سنة عشرين ومئتين ولقي الأعلام وكتب علماً جماً.

سمع القعنبي ومسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب ومحمد بن كثير وعمرو بن مرزوق وأبا الوليد الطيالسي وشاذ بن فياض والوليد ابن هشام القحذمي وحفص بن عمر الحوضي ومسدد بن مسرهد وعثمان بن الهيثم المؤذن وأبا معمر المقعد وعلي بن المديني وعبد الله ابن عبد الوهاب الحجبي ومحمد بن سلام الجمحي وأخاه عبد الرحمن ابن سلام وعبد الرحمن بن المبارك العيشي وخلقاً كثيراً وتفرد بالرواية عن أكثر هؤلاء ولقد كتب حتى روى عن أبي القاسم الطبراني تلميذه.

وكان ثقة صادقاً ماموناً أديباً فصيحاً مفوها رحل إليه من الآفاق وعاش مئة عام سوى أشهر.

حدث عنه: أبو عوانة في صحيحه وأبو بكر الصولي وأبو حاتم ابن حبان وأبو علي النيسابوري وأبو القاسم الطبراني وأبو أحمد بن عدي وأبو بكر الاسماعيلي وأبو بكر الجعابي وأحمد بن الحسين العكبري وأبو الشيخ وأبو أحمد الغطريفي وعبد الله بن مظاهر وأبو محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي وأبو اسحاق بن حمزة الأصبهاني وعمر بن جعفر البصري وأبو بكر أحمد بن محمد بن السني وإبراهيم بن أحمد الميمذي وعلي بن عبد الملك بن دهثم الطرسوسي ومحمد بن سعيد الاصطخري وإبراهيم بن محمد الأبيوردي نزيل مكة شيخ لحقه أبو عمر الطلمنكي وسهل بن أحمد الديباجي وأحمد بن محمد بن العباس البصري وغيرهم.

قال أبو الحسين بن المحاملي: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي خليفة سمعت أبي يقول: حضرنا يوماً عند خليل أمير البصرة فجرى بينه وبين أبي خليفة كلام فقال له: من أنت أيها المتكلم؟ فقال: أيها الأمير?! ما مثلك من جهل مثلي! أنا أبو خليفة الفضل بن الحباب أفهل يخفى القمر؟ فاعتذر إليه وقضى حاجته ولما خرج سألوه فقال: ما كان إلا خيرا أحضرني مأدبته فأبط وأدج وأفرخ وفولج لوذج ثم أتاني بالشراب فقلت: معاذ الله فعاهدني أن آتي مأدبته كل يوم فكل إنسان يأتي كل يوم فيحمله إلى الأمير.

قال الصولي: كنت أقرأ على أبي خليفة كتاب "طبقات الشعراء" وغير ذلك قال: فواعدنا يوماً وقال: لا تخلفوني فإني اتخذ لكم خبيصة فتأخرت لشغل عرض لي ثم جئت والهاشميون عنده فلم يعرفني الغلام وحجبني فكتبت إليه:

أبا خليفة تجفو من لـه أدب

 

وتؤثر الغر من أولاد عباس

 

وأنت رأس الورى في كل مكرمة

 

وفي العلوم وما الأذناب كالراس

ما كان قدر خبيص لو أذنت لنـا

 

فيه فيختلط الأشراف بالـنـاس

 

فلما قرأها صاح على الغلام ثم دخلت فقال: أسأت إلينا بتغيبك فظلمتنا في تعتبك وإنما عقد المجلس بك ونحن فيما فاتنا بتأخرك كما أنشدني التوزي لمن طلق امرأته ثم ندم فتزوجت رجلاً فمات حين دخل بها فتزوجها الأول فقال:

 

فعادت لنا كالشمس بعد ظلامها

 

على خير أحوال كأن لم تطلق

 

ثم صاح: يا غلام أعد لنا مثل طعامنا فأقمنا عنده يومنا.


قال أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الاسفراييني - ابن أخت أبي عوانة: سمعت أبي يقول لأبي علي النيسابوري الحافظ: دخلت أنا وأبو عوانة البصرة فقيل: إن أبا خليفة قد هجر ويدعى عليه أنه قال: القرآن مخلوق فقال لي أبو عوانة: يا بني لا بد أن ندخل عليه قال: فقال له أبو عوانة ما تقول في القرآن؟ فاحمر وجهه وسكت ثم قال القرآن: كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر وأنا تائب إلى الله من كل ذنب إلا الكذب فإني لم أكذب قط أستغفر الله قال: فقام أبو علي إلى أبي فقبل رأسه ثم قال أبي قام أبو عوانة إلى أبي خليفة فقبل كتفه.


توفي أبو خليفة في شهر ربيع الآخر أو في الذي يليه سنة خمس وثلاث مئة بالبصرة.


أخبرنا الإمام شمس الدين ابن قدامة وغيره إجازة قالوا: أخبرنا عمر بن محمد أخبرنا أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك وأبو بكر محمد بن عبد الباقي قالا: أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الشافعي حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن الغطريف سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة حدثنا أبو خليفة حدثنا مسلم بن إبراهيم عن همام وشعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالعائد في قيئه".

 

وبه حدثنا أبو خليفة حدثنا عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كان العلم معلقاً بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس".

عبدوس

هو الحافظ الكبير أبو محمد عبد الله بن محمد بن مالك النيسابوري نزيل سمرقند لا أكاد أعرفه لكن ذكره أبو عبد الله غنجار في تاريخه وأنه سمع من يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وعمرو بن زرارة وأبي حفص الفلاس وطبقتهم.


روى عنه: محمد بن محمد بن نصر المروزي وعمر بن محمد بن بجير وسهل بن شاذويه وغيرهم.


قال أبو عمرو محمد بن إسحاق بن جبلة السمرقندي: مات عبدوس الحافظ بسمرقند في سنة اثنتين وثمانين ومئتين وقال غيره: مات في شعبان سنة ثلاث وثمانين ومئتين رحمه الله.


وفيها وقيل: في التي تليها مات شاعر عصره أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي البحتري المنبجي صاحب الديوان المشهور.

صباح

ابن عبد الرحمن بن الفضل الفقيه المحدث المعمر مسند زمانه بالأندلس أبو الغصن العتقي الأندلسي المرسي.


حدث عن: يحيى بن يحيى ويحيى بن بكير وأصبغ بن الفرج وأبي مصعب الزهري وسحنون وطائفة وعمر دهراً طويلاً.
روى عنه حفص بن محمد بن حفص وغيره.


قال ابن الفرضي: لقي بمصر أصبغ بن الفرج فسمع منه وأقام عنده زماناً ثم انصرف وكان يرحل إليه للسماع والتفقه قال: وبلغني أنه توفي ابن مئة وثمانية عشر عاماً ومات في عاشر المحرم سنة أربع وتسعين ومئتين.


وقال أبو سعيد ابن يونس ومحمد بن حارث: عاش مئة وخمس سنين.

عبدان بن محمد

ابن عيسى الإمام الكبير فقيه مرو أبو محمد المروزي الزاهد.


سمع قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر وأبا كريب وعبد الله بن منير وإسماعيل بن مسعود الجحدري وعبد الجبار بن العلاء ومحمد بن بشار وطبقتهم وتفقه بأصحاب الشافعي الربيع وغيره وبرع في المذهب وبعد صيته.


روى عنه: أبو حامد ابن الشرقي والدغولي وعلي بن حمشاذ ويحيى بن محمد العنبري وأبو أحمد العسال وأبو القاسم الطبراني وجماعة.


وصنف كتاب: الموطأ وغير ذلك.


قال أبو نعيم الغفاري: سمعته يقول: ولدت سنة عشرين ومئتين ليلة عرفة.


قلت: لقيه الطبراني في الحج. قال أبو سعد السمعاني في "الأنساب" عبدان الفقيه الجنوجردي وجنوجرد من قرى مرو اسمه: عبد الله وهو أحد من أظهر مذهب الشافعي بخراسان وكان المرجوع إليه في الفتاوى والمعضلات بعد الإمام أحمد بن سيار وكان أحمد قد حمل كتب الشافعي إلى مرو وأعجب بها الناس فأراد عبدان أن ينسخها فلم يعره أحمد فباع ضيعة له بجنوجرد وسار إلى مصر وحصل الكتب على الوجه وأكثر فدخل أحمد بن سيار عليه مسلماً ومهنئاً واعتذر فقال: لا تعتذر فإن لك علي منة في ذلك فلو دفعت إلي الكتب لما رحلت إلى مصر.


قال أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري: توفي عبدان ليلة عرفة أيضاً يعني كما ولد فيها سنة ثلاث وتسعين ومئتين.


وقال أبو بكر الخطيب: كان ثقة حافظاً صالحاً زاهداً.


أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الحداد أخبرنا محمد بن إسماعيل وأخبرنا عبد الله بن أبي العيش أخبرنا إبراهيم بن خليل قالا: أخبرنا يحيى ابن محمود أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزجانية مرتين وأبو عدنان محمد ابن أحمد حضوراً قالا: أخبرنا محمد بن عبد الله أخبرنا أبو القاسم الطبراني حدثنا عبدان بن محمد المروزي بمكة سنة سبع وثمانين ومئتين أخبرنا قتيبة أخبرنا سحبل بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن أبيه عن أبي حدرد الأسلمي قال: كان ليهودي علي أربعة دراهم فلزمني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الخروج إلى خيبر فاستنظرته إلى أن قدم فقلنا لعلنا أن نغنم شيئاً فجاء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطه حقه" مرتين وكان إذا قال الشيء ثلاث مرار لم يراجع وعلي إزار وعلى رأسي عصابة فلما خرجت قلت: اشتر مني هذا الإزار فاشتراه بالدراهم التي له علي. الحديث تفرد به قتيبة.

 

جعفر بن أحمد

ابن أبي عبد الرحمن الشاماتي الإمام المحدث الرحال المصنف أبو محمد النيسابوري الفقيه الشافعي.


تفقه بأبي إبراهيم المزني وسمع إسحاق بن راهويه وإسماعيل بن موسى الفزاري وأبا كريب ومحمد بن رافع وأحمد بن عبدة الضبي ومحمد بن بشار وأبا موسى الزمن وعبد الله بن عمر العابدي وإسحاق الكوسج ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهم بالحجاز ومصر والعراق وخراسان.


روى عنه: أبو عبد الله بن يعقوب الشيباني وأبو الفضل بن إبراهيم وأبو بكر بن جعفر وأبو الوليد جمعان بن محمد وطائفة.


قال أبو عبد الله الحاكم: حدثني أبو بكر بن جعفر قال حدثنا جعفر بن أحمد الشاماتي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا الهيثم بن عدي قال: سمعت أبي يقول: سعى رجل برجل إلى الحجاج وقال: أعز الله الأمير هذا رجل خارجي يشتم علي بن أبي سفيان ويقع في معاوية بن أبي طالب.


فقال الحجاج: لا أدري بأيهما أنت أعلم بالأنساب أو بالأديان.


قال: وحدثني أبو محمد بن أبي عبد الله عن أبيه: أن الشاماتي مات في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين ومئتين.


وفيها مات محمد بن إبراهيم بن شبيب وعلي بن محمد الجكاني بهراة وأبو سعد يحيى بن منصور بهراة وأبو مسلم الكجي وأبو خازم عبد الحميد القاضي ويحيى بن عبد الباقي الأذني وأبو بكر أحمد بن عمرو البزار وإدريس بن عبد الكريم الحداد وطاهر بن عيسى بن قيرس وأبو الآذان عمر بن إبراهيم وأحمد بن الحسن المصري وأحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين.

 

علي بن الحسين بن الجنيد

الإمام الحافظ الحجة أبو الحسن النخعي الرازي المعروف في بلده بالمالكي لكونه جمع حديث مالك الإمام وكان من أئمة هذا الشأن.


سمع أبا جعفر النفيلي والمعافى بن سليمان وصفوان بن صالح وهشام بن عمار وأبا مصعب الزهري ومحمد بن عبد الله بن نمير والقاسم بن عثمان الجوعي والوليد بن عتبة وأحمد بن صالح المصري وخلائق.


حدث عنه: ابن أبي حاتم وأبو حامد بن الشرقي وأبو بكر بن إسحاق الصبغي وأحمد بن الحسن بن ماجة ودعلج السجزي وأبو أحمد العسال وأبو جعفر العقيلي وإسماعيل بن نجيد وآخرون.


وثقه ابن أبي حاتم وسماه حافظ حديث الزهري ومالك.


قال أبو الشيخ: توفي سنة إحدى وتسعين ومئتين بالري.


وأما الخليلي فأرخ موته في سنة ثمان وثمانين ومئتين وقال هو حافظ علم مالك صاحب ديانة.


قلت: الأصح وفاته في آخر سنة إحدى وتسعين ومئتين.


وفيها مات عدة من العلماء منهم مقرئ مكة أبو عمر محمد بن عبد الرحمن بن جرحة قنبل المكي في عشر المئة. ومقرئ دمشق هارون بن موسى بن شريك الدمشقي الأخفش تلميذ ابن ذكوان.

 

هارون بن خمارويه

 

ابن أحمد بن طولون التركي الملك صاحب مصر أبو موسى.


تملك إذ خلع أخوه جيش فحشد عمه ربيعة بن أحمد وأقبل من الإسكندرية فالتقوا فقتل جماعة وجرح فرس ربيعة فسقط فأسروه فسجن ثم ضرب ومات سنة أربع وثمانين.


وناب لهارون على الشام بدر الحمامي ثم إن المكتفي الخليفة بعث محمد بن سليمان الكاتب فانضم إليه بدر وغيره فتهيأ هارون للحرب وخرج عن الطاعة والتقوا فقتل خلق من الفريقين ودامت الفتنة وضعف أمر هارون فقتله عماه شيبان وعدي بأخيهما في صفر سنة اثنتين وتسعين ومئتين.


وكانت دولته ثمانية أعوام وأشهراً وقتل شاباً وتملك عمه شيبان أبو المقانب ثم تلاشى أمره بعد أيام وزالت دولة آل طولون وطرد من بقي منهم بمصر نحو من عشرين نفراً.

 

القاسم بن عبيد الله

 

ابن سليمان بن وهب بن سعيد الحارثي الوزير.

 

ولي الوزارة للمعتضد بعد موت والده الوزير الكبير عبيدالله في سنة ثمان وثمانين وظهرت شهامته وزاد تمكنه فلما مات المعتضد في سنة تسع وثمانين ومئتين قام القاسم بأعباء الخلافة وعقد البيعة للمكتفي وكان ظلوما عاتيا يدخله من أملاكه في العام سبع مئة ألف دينار وإنما تقدم بخدمته للمكتفي وكان سفاكاً للدماء أباد جماعة ولما مات شمت الناس بموته.


وقال النوفلي: كنت أبغضه لكفره ولمكروه نالني منه.


قال ابن النجار: أخذ البيعة للمكتفي وكان غائبا بالرقة وضبط له الخزائن فلقبه ولي الدولة وزوج ولده بابنه القاسم على مئة ألف دينار ثم قال ابن النجار كان جواداً ممدحاً إلا أنه كان زنديقاً وكان مؤدبه أبو إسحاق الزجاج فنال في دولته مالا جزيلا من الرشوة فحصل أربعين ألف دينار هلك القاسم عن ثلاث وثلاثين سنة لا رحمه الله قال الصولي حدثنا شادي المغني قال كنت عند القاسم وهو يشرب فقرأ عليه ابن فراس من عهد أردشير فأعجبه فقال له ابن فراس هذا والله وأومأ إلي أحسن من بقرة هؤلاء وآل عمر أنهم وجعلا يتضاحكان.


قال الصولي: وأخبرنا ابن عبدون حدثني الوزير عباس بن الحسن قال: كنت عند القاسم بن عبيد الله فقرأ قارئ "كنتم خير أمة أخرجت" آل عمران فقال ابن فراس بنقصان ياء فوثبت فزعاً فردني القاسم وغمزه فسكت.

الصولي

أخبرنا علي بن العباس النوبختي قال: انصرف ابن الرومي الشاعر من عند القاسم بن عبيد الله فقال لي ما رأيت مثل حجة أوردها اليوم الوزير في قدم العالم وذكر أبياتاً.
قلت: هذه أمور مؤذنة بشقاوة هذا المعثر نسأل الله خاتمة خير.
مات هذا في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومئتين ووزر بعده العباس بن الحسن الذي قتل مع ابن المعتز.
وقال شاعر:

شربنا عشية مات الوزير

 

سروراً ونشرب في ثالثه

فلا رحم الله تلك العظـام

 

ولا بارك الله في وارثه

قاتل قتيبة

الإمام الرحال أبو بكر عبد الصمد بن هارون القيسي النيسابوري المشهور بقاتل قتيبة.


سمع قتيبة وأبا مصعب وأحمد بن حنبل وابن راهويه وهشام بن عمار والعدني.


وعنه: أبو حامد بن الشرقي ومؤمل بن الحسين ومحمد بن صالح بن هانئ وأحمد بن إسحاق الصيدلاني وآخرون.


قال الحاكم: مات في شوال سنة أربع وثمانين ومئتين.

محمد بن عثمان بن أبي شيبة

الإمام الحافظ المسند أبو جعفر العبسي الكوفي.
سمع أباه وعميه أبا بكر والقاسم وأحمد بن يونس اليربوعي وعلي بن المديني ويحيى الحماني وسعيد بن عمرو الأشعثي ومنجاب بن الحارث والعلاء بن عمرو الحنفي وأبا كريب وهناداً وخلقاً سواهم.
وعنه: ابن صاعد وابن السماك والنجاد وجعفر الخلدي وابن أبي دارم وإسماعيل الخطبي وأبو بكر الشافعي وسعد بن محمد الناقد وأبو علي بن الصواف وأبو القاسم الطبراني والحسين بن عبيد الدقاق والإسماعيلي وخلق.
وجمع وصنف وله تاريخ كبير ولم يرزق حظاً بل نالوا منه وكان من أوعية العلم.
وقال: صالح جزرة ثقة.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً فأذكره.
وأما عبد الله بن أحمد بن حنبل فقال: كذاب.
وقال عبد الرحمن بن خراش: كان يضع الحديث.
وقال مطين: هو عصا موسى يتلقف ما يأفكون.
وقال أبو الحسن الدارقطني: إنه أخذ كتاب غير محدث. وقال أبو بكر البرقاني لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه.
وعن عبدان قال: لا بأس به.
قال أبو الحسين بن المنادي: كنا نسمع الشيوخ يقولون: مات حديث الكوفة لموت محمد بن أبي شيبة ومطين وموسى بن إسحاق وعبيد بن غنام.
قلت: اتفق موت الأربعة في عام.
مات ابن أبي شيبة في جمادى الأولى سنة سبع وتسعين ومئتين وقد قارب التسعين.


أخبرنا إسحاق بن طارق أخبرنا يوسف بن خليل أخبرنا مسعود الجمال وأحمد بن محمد التيمي ونبأني عنهما ابن سلامة أن أبا علي الحداد أخبرهم أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا سعد بن محمد حدثنا محمد بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون حدثنا الحكم بن ظهير عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين فما وضعته عن ظهري حتى جمعت القرآن.


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه المقدسي في كتابه: أخبرنا عمر بن محمد أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق حدثنا أبو جعفر محمد بن عثمان سنة ست وتسعين ومئتين حدثنا حمزة بن مالك حدثني عمي سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الناس دثار والأنصار شعار ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار.." الحديث.


ومات مع ابن أبي شيبة مطين وعبيد بن غنام وعبد الرحمن بن القاسم الرواس بدمشق وإبراهيم بن هاشم البغوي وإسماعيل بن محمد ابن قيراط الدمشقي والفقيه محمد بن داود الظاهري ويوسف بن يعقوب القاضي وموسى بن إسحاق الأنصاري وأحمد بن أبي عوف البزوري ومحمد بن أحمد بن أبي خيثمة ومحمد بن داود بن عثمان الصدفي.

صالح بن محمد

ابن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبي الأشرس واسم أبي الأشرس عمار مولى لبني أسد بن خزيمة الإمام الحافظ الكبير الحجة محدث المشرق أبو علي الأسدي البغدادي الملقب جزرة بجيم وزاي نزيل بخارى.
مولده سنة خمس ومئتين ببغداد.
وسمع سعيد بن سليمان سعدويه وخالد بن خداش وعلي بن الجعد وعبيد الله بن محمد العيشي وعبد الله بن محمد بن أسماء وأبا نصر التمار ويحيى بن عبد الحميد الحماني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهدبة بن خالد ومنجاب بن الحارث وأبا خيثمة والأزرق بن علي وخلف بن هشام البزار وهشام بن عمار وطبقتهم بالحرمين والشام والعراق ومصر وبخراسان وما وراء النهر وجمع وصنف وبرع في هذا الشأن.


حدث عنه مسلم بن الحجاج خارج "الصحيح" وهو أكبر منه بقليل وأحمد بن علي بن الجارود الأصبهاني وأبو النضر محمد بن محمد الفقيه وخلف بن محمد الخيام وأبو أحمد علي بن محمد الحبيبي وبكر ابن محمد بن حمدان الصيرفي والهيثم بن كليب الشاشي وأحمد بن سهل ومحمد بن محمد بن صابر وخلق سواهم.


واستوطن بخارى من سنة ست وستين ومئتين وملكه أمير بخارى بالإحسان والاحترام.


قال الدارقطني: هو من ولد حبيب بن أبي الأشرس أقام ببخارى وحديثه عندهم قال: وكان ثقة حافظاً غازياً.


وقال الحافظ أبو سعد الإدريسي: صالح بن محمد ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله دخل ما وراء النهر فحدث مدة من حفظه وما أعلم أخذ عليه مما حدث خطأ ورأيت أبا أحمد بن عدي يفخم أمره ويعظمه.


وقال محمد بن عبد الله الكتاني: سمعته يقول: أنا صالح بن محمد فساق نسبه كما قدمنا وكذلك ساقه الخطيب وقال: حدث من حفظه دهراً طويلاً ولم يكن استصحب معه كتاباً وكان صدوقاً ثبتاً ذا مزاح ودعابة مشهوراً بذلك.


وقال أبو حامد بن الشرقي: كان صالح بن محمد يقرأ على محمد بن يحيى في "الزهريات" فلما بلغ حديث عائشة: أنها كانت تسترقي من الخرزة فقال: من الجزرة فلقب به رواها الحاكم عن أبي زكريا العنبري عنه ثم قال: أبو بكر الخطيب هذا غلط لأنه لقب بجزرة في حداثته يعني قبل ارتحاله إلى محمد بن يحيى بزمان.


قال: فأخبرنا الماليني حدثنا ابن عدي سمعت محمد بن أحمد بن سعدان سمعت صالح بن محمد يقول: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام وكان عنده عن حريز بن عثمان فقرأت عليه حدثكم حريز بن عثمان قال: كان لأبي أمامة خرزة يرقي بها المريض فقلت: جزرة فلقبت جزرة. وقال أحمد بن سهل البخاري الفقيه: سمعت أبا علي وسئل لم لقبت جزرة؟ فقال: قدم عمر بن زرارة الحدثي بغداد فاجتمع عليه خلق فلما كان عند فراغ المجلس سئلت من أين سمعت؟ فقلت: من حديث الجزرة فبقيت علي.


وقال خلف بن محمد الخيام: حدثنا سهل بن شاذويه: أنه سمع الأمير خالد بن أحمد يسأل أبا علي لم لقبت جزرة قال: قدم علينا عمر بن زرارة فحدثهم بحديث عن عبد الله بن بسر: أنه كان له خرزة للمريض فجئت وقد تقدم هذا الحديث فرأيت في كتاب بعضهم وصحت بالشيخ يا أبا حفص يا أبا حفص كيف حديث عبد الله بن بسر أنه كانت له جزرة يداوي بها المرضى فصاح المحدثون المجان فبقي علي حتى الساعة.


قلت: قد كان صالح صاحب دعابة ولا يغضب إذا واجهه أحد بهذا اللقب.


قال أبو بكر البرقاني: أخبرنا أبو حاتم بن أبي الفضل الهروي قال: كان صالح ربما يطنز كان ببخارى رجل حافظ يلقب بجمل فكان يمشي مع صالح بن محمد فاستقبلهما بعير عليه جزر فقال: ما هذا يا أبا علي قال: أنا عليك هذه حكاية منقطعة.
وروى الحاكم: أخبرنا بكر بن محمد الصيرفي سمعت صالح بن محمد قال: كنت أساير الجمل الشاعر بمصر فاستقبلنا جمل عليه جزر.


فقال: ما هذا يا أبا علي؟ قلت: أنا عليك.
قال خلف الخيام: سمعت صالحاً يقول: اختلفت إلى علي بن الجعد أربع سنين وكان لا يقرأ إلا ثلاثة أحاديث كل يوم أو كما قال وفي رواية كان يحدث لكل إنسان بثلاثة أحاديث عن شعبة.
وعن جعفر الطستي: أنه سمع أبا مسلم الكجي يقول وذكر عنده صالح جزرة فقال: ما أهونه عليكم ألا تقولون سيد المسلمين.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول لأبي زرعة حفظ الله أخانا صالح بن محمد لا يزال يضحكنا شاهداً وغائباً كتب إلي يذكر أنه مات محمد بن يحيى الذهلي وجلس للتحديث شيخ يعرف بمحمد بن يزيد محمش فحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا عمير ما فعل البعير".
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصحب الملائكة رفقة فيها خرس فأحسن الله عزاءكم في الماضي وأعظم أجركم في الباقي.
وروى البرقاني عن أبي حاتم بن أبي الفضل الهروي قال: بلغني أن صالحاً سمع بعض الشيوخ يقول: إن السين والصاد يتعاقبان فسأل بعض تلامذته عن كنيته فقال له أبو صالح: قال فقلت للشيخ يا أبا سالح: أسلحك الله هل يجوز أن تقرأ: "نحن نقس عليك أحسن القسس" فقال لي بعض تلامذته: تواجه الشيخ بهذا؟ فقلت: فلا يكذب إنما تتعاقب السين والصاد في مواضع.
وروي عن صالح بن محمد قال: الأحول في البيت المبارك يرى الشيء شيئين.
قال بكر بن محمد الصيرفي: سمعت صالحاً يقول: كان عبد الله ابن عمر بن أبان يمتحن أصحاب الحديث وكان غالياً في التشيع فقال لي من حفر بئر زمزم؟ قلت: معاوية قال: فمن نقل ترابها؟ قلت: عمرو بن العاص فصاح في وقام.
قال أبو النضر الفقيه: كنا نسمع من صالح بن محمد وهو عليل فبدت عورته فأشار إليه بعضنا بأن يتغطى فقال: رأيته لا ترمد أبداً.
قال أبو أحمد علي بن محمد: سمعت صالح بن محمد يقول: كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ فدخلت عليه يوماً فقال: يا أبا علي حدثني فقلت: حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: علم مجاناً كما علمت مجاناً فقال: تعرض بي؟ فقلت: لا بل قصدتك.
قال الحاكم: سمعت أبا النضر الطوسي يقول: مرض صالح جزرة فكان الأطباء يختلفون إليه فلما أعياه الأمر أخذ العسل والشونيز فزادت حماه فدخلوا عليه وهو يرتعد ويقول: بأبي أنت يا رسول الله ما كان أقل بصرك بالطب.
قلت: هذا مزاح لا يجوز مع سيد الخلق بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالطب النبوي الذي ثبت أنه قاله على الوجه الذي قصده فإنه قاله بوحي "فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء" فعلم رسوله ما أخبر الأمة به ولعل صالحاً قال هذه الكلمة من الهجر في حال غلبة الرعدة فما وعى ما يقول أو لعله تاب منها والله يعفو عنه.
قال علي بن محمد المروزي: حدثنا صالح بن محمد سمعت عباد ابن يعقوب يقول: الله أعدل من أن يدخل طلحة والزبير الجنة قلت: ويلك ولم؟ قال: لأنهما قاتلاً علياً بعد أن بايعاه. قال ابن عدي: بلغني أن صالح بن محمد وقف خلف الشيخ أبي الحسين عبد الله بن محمد السمناني وهو يحدث عن بركة الحلبي بتلك الأحاديث فقال: يا أبا الحسين ليس ذا بركة ذا نقمة.
قلت: كان بركة يتهم بالكذب.
قال الحاكم: أخبرنا أحمد بن سهل الفقيه سمعت أبا علي يقول: كان بالبصرة أبو موسى الزمن في عقله شيء فكان يقول: حدثنا عبد الوهاب أعني ابن عبد الحميد حدثنا أيوب يعني السختياني فدخل عليه أبو زرعة فسأله عن حديث فقال: حدثنا حجاج فقلت: يعني ابن منهال.
فقال أبو زرعة: أي شيء تعذب المسكين؟ وقال: كنا في مجلس أبي علي فلما قام قال له رجل من المجلس: يا شيخ ما اسمك؟ قال: واثلة بن الأسقع. فكتب الرجل حدثنا واثلة بن الأسقع.
قال أبو الفضل بن إسحاق: كنت عند صالح بن محمد ودخل عليه رجل من الرستاق فأخذ يسأله عن أحوال الشيوخ ويكتب جوابه فقال: ما تقول في سفيان الثوري؟ فقال: ليس بثقة. فكتب الرجل ذلك فلمته فقال لي ما أعجبك! من يسأل عن مثل سفيان لا تبالِ حكى عنك أو لم يحكِ.
قال أحمد بن سهل: كنت مع صالح بن محمد جالساً على باب داره إذ أقبل ابنه عن يمينه رجل أقصر منه وعن يساره صبي فقال لي صالح: يا أبا نصر! تبت؟.
ويقال كان ولد صالح مغفلاً فقال صالح: سألت الله أن يرزقني ولداً فرزقني جملاً.
قال أبو عبد الله الحاكم في تاريخه: صالح بن محمد أبو علي أحد أركان الحفظ سمع سعيد بن سليمان الواسطي قلت: هذا سعدويه وهو أقدم شيخ له ثم سمى له الحاكم علي بن الجعد وجماعة وقال: فهؤلاء من أتباع التابعين ورحلته الدنيا بأسرها كتب من مصر إلى سمرقند.
ورد نيسابور سنة ثلاث وخمسين ومئتين فاستوطنها مدة فلما توفي الذهلي كان في نفسه من أحاديث يسمعها من محمد بن عبد الله بن قهزاذ فرحل إليه ذكروا له بمرو أحاديث عن عمر بن محمد البخاري أفراد فخرج إليه قال: فثبطه الأمير إسماعيل بن أحمد ببخارى وأقبل عليه فتأهل وولد له ومات بها في آخر سنة ثلاث وتسعين ومئتين.
وسمعت محمد بن العباس الضبي سمعت بكر بن محمد الصيرفي سمعت أبا علي صالح بن محمد قال: دخلت مصر فإذا حلقة ضخمة فقلت: من هذا؟ قالوا: صاحب نحو فقربت منه فسمعته يقول: ما كان بصاد جاز بالسين فدخلت بين الناس وقلت: صلام عليكم يا أبا سالح سليتم بعد؟ فقال لي: يا رقيع أي كلام هذا؟ قلت: هذا من قولك الآن قال: أظنك من عياري بغداد قلت: هو ما ترى.
قال ابن عدي: سمعت عصمة بن بجماك سمعت صالح بن محمد جزرة يقول: حضرت مجلس أحمد بن صالح فقال: حرج على كل مبتدعٍ وماجن أن يحضر مجلسي فقلت: أما الماجن فأنا هو وكان يقال له صالح الماجن قد حضر مجلسك.
ثم إن الحاكم مد النفس في ترجمة صالح بالغرائب والسؤالات وحدث عن جماعة كثيرة سمعوا من صالح بن محمد آخرهم وفاة أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر بقي إلى سنة نيف وسبعين وثلاث مئة ببخارى وكانت وفاة صالح في ذي الحجة لثمان بقين منه سنة ثلاث وتسعين ومئتين وله تسع وثمانون سنة.
وفيها مات عمر بن حفص السدوسي.
ومحمد بن عبدوس بن كامل.
وعبدان بن محمد الفقيه بمرو.
وأبو بكر محمد بن جعفر بن أعين بمصر.
وسليمان بن المعافى بن سليمان توفي بالثغر.
وداود بن الحسين.
قرأت على أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الفقيه سحنون بالثغر أخبرنا عبد الرحمن بن عبدالمجيد الصفراوي سنة إحدى وثلاثين وست مئة أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني سنة إحدى وخمس مئة أخبرنا عبدالصمد بن أبي نصر العاصمي ببخارى أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد إملاء حدثنا أبو علي صالح بن محمد البغدادي حدثنا سريج بن يونس أبو الحارث حدثنا سلم بن قتيبة أخبرنا عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة بن أنس عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بالكلمة أعادها ثلاث مرات لتفهم عنه أخرجه البخاري. أخبرنا عيسى بن أبي محمد أخبرنا جعفر أخبرنا السلفي أخبرنا المبارك بن الطيوري سمعت الصوري سمعت أبا بكر بن نوح سمعت أبا أحمد العسال سمعت صالحاً جزرة يقول: يحتاج المحدث أن يكتب مئة ألف ومئة ألف فلم يزل يقول: ومئة ألف ويرفع رأسه إلى فوق حتى كادت قلنسوته أن تسقط حديث بعلو ومئة ألف ومئة ألف وجعل يخفض رأسه حتى عادت القلنسوة حديث بنزول حتى يقال: إنه صاحب حديث.

محمد بن نصر

ابن الحجاج المروزي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله الحافظ.
مولده ببغداد في سنة اثنتين ومئتين ومنشؤه بنيسابور ومسكنه سمرقند كان أبوه مروزيا ولم يرفع لنا في نسبه.
ذكره الحاكم فقال: إمام عصره بلا مدافعة في الحديث.
سمع بخراسان من يحيى بن يحيى التميمي وأبي خالد يزيد بن صالح وعمر بن زرارة وصدقة بن الفضل المروزي وإسحاق بن راهويه وعلي بن حجر وبالري محمد بن مهران الحمال ومحمد بن مقاتل.
ومحمد بن حميد وطائفة وببغداد محمد بن بكار بن الريان وعبيد الله ابن عمر القواريري والطبقة وبالبصرة شيبان بن فروخ وهدبة بن خالد وعبدالواحد بن غياث وعدة وبالكوفة محمد بن عبد الله بن نمير وهناد وابن أبي شيبة وطائفة وبالمدينة أبا مصعب وإبراهيم بن المنذر الحزامي وطائفة وبالشام هشام بن عمار ودحيماً.
قلت: وبمصر من يونس الصدفي والربيع المرادي وأبي إسماعيل المزني وأخذ عنه كتب الشافعي ضبطاً وتفقهاً وكتب الكثير وبرع في علوم الإسلام وكان إماماً مجتهداً علامة من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين قل أن ترى العيون مثله.
قال أبو بكر الخطيب: حدث عن عبدان بن عثمان ثم سمى جماعة وقال: كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم "في الأحكام".
قلت: يقال: إنه كان أعلم الأئمة باختلاف العلماء على الإطلاق.
حدث عنه: أبو العباس السراج ومحمد بن المنذر شكر وأبو حامد بن الشرقي وأبو عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم وأبو النضر محمد ابن محمد الفقيه وولده إسماعيل بن محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق السمرقندي وخلق سواهم.
قال أبو بكر الصيرفي من الشافعية: لو لم يصنف ابن نصر إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس.
وقال أبو بكر بن إسحاق الصبغي: وقيل له: ألا تنظر إلى تمكن أبي علي الثقفي في عقله فقال: ذاك عقل الصحابة والتابعين من أهل المدينة قيل: وكيف ذاك قال إن مالكاً كان من أعقل أهل زمانه وكان يقال: صار إليه عقل الذين جالسهم من التابعين فجالسه يحيى بن يحيى النيسابوري فأخذ من عقله وسمته ثم جالس يحيى بن يحيى محمد بن نصر سنين حتى أخذ من سمته وعقله فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل من ابن نصر ثم إن أبا علي الثقفي جالسه أربع سنين فلم يكن بعده أعقل من أبي علي.
قال عبد الله بن محمد الإسفراييني: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: كان محمد بن نصر بمصر إماماً فكيف بخراسان؟.
وقال القاضي محمد بن محمد: كان الصدر الأول من مشايخنا يقولون: رجال خراسان أربعة: ابن المبارك وابن راهويه ويحيى بن يحيى ومحمد بن نصر.
ومن كلام محمد بن نصر قال: لما كانت المعاصي بعضها كفراً وبعضها ليس بكفر فرق تعالى بينها فجعلها ثلاثة أنواع: فنوع منها كفر ونوع منها فسوق ونوع منها عصيان ليس بكفر ولا فسوق وأخبر أنه كرهها كلها إلى المؤمنين ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان وليس فيها شيء خارج عنه لم يفرق بينها فما قال: حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات بل أجمل ذلك فقال: "حبب إليكم الإيمان" "الحجرات:7" فدخل فيه جميع الطاعات لأنه قد حبب إليهم الصلاة والزكاة وسائر الطاعات حب تدين ويكرهون المعاصي كراهية تدين ومنه قوله عليه السلام: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن".
وقال أبو عبد الله بن الأخرم: انصرف محمد بن نصر من الرحلة الثانية سنة ستين ومئيتن فاستوطن نيسابور فلم تزل تجارته بنيسابور أقام مع شريك له مضارب وهو يشتغل بالعلم والعبادة ثم خرج سنة خمس وسبعين إلى سمرقند فأقام بها وشريكه بنيسابور وكان وقت مقامه بنيسابور هو المقدم والمفتي بعد وفاة محمد بن يحيى فإن حيكان يعني يحيى ولد محمد بن يحيى ومن بعده أقروا له بالفضل والتقدم. قال ابن الأخرم الحافظ: أخبرنا إسماعيل بن قتيبة سمعت محمد بن يحيى غير مرة إذا سئل عن مسألة يقول سلوا أبا عبد الله المروزي.
وقال أبو بكر الصبغي: أدركت إمامين لم أرزق السماع منهما أبو حاتم الرازي ومحمد بن نصر المروزي فأما ابن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه لقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك.
وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد ابن نصر كان الذباب يقع على أذنه فيسيل الدم ولا يذبه عن نفسه ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيئته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره فينتصب كأنه خشبة منصوبة قال: وكان من أحسن الناس خلقاً كأنما فقئ في وجهه حب الرمان وعلى خديه كالورد ولحيته بيضاء.
قال أحمد بن إسحاق الصبغي: سمعت محمد بن عبد الوهاب الثقفي يقول: كان إسماعيل بن أحمد والي خراسان يصل محمد بن نصر في العام بأربعة آلاف درهم ويصله أخوه إسحاق بمثلها ويصله أهل سمرقند بمثلها فكان ينفقها من السنة إلى السنة من غير أن يكون له عيال فقيل له: لو ادخرت لنائبة؟ فقال: سبحان الله! أنا بقيت بمصر كذا وكذا سنة قوتي وثيابي وكاغدي وحبري وجميع ما أنفقه على نفسي في السنة عشرون درهما فترى إن ذهب ذا لا يبقى ذاك!.
قال الحافظ السليماني: محمد بن نصر إمام الأئمة الموفق من السماء سكن سمرقند سمع يحيى بن يحيى وعبدان وعبد الله المسندي وإسحاق وله كتاب: "تعظيم قدر الصلاة" وكتاب: "رفع اليدين" وغيرهما من الكتب المعجزة كذا قال السليماني ولا معجز إلا القرآن ثم قال: مات هو وصالح جزرة في سنة أربع وتسعين.
أنبأني أبو الغنائم القيسي وجماعة سمعوا أبا اليمن الكندي: أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن حيوية حدثنا عثمان بن جعفر اللبان حدثني محمد بن نصر قال: خرجت من مصر ومعي جارية فركبت البحر أريد مكة فغرقت فذهب مني ألفا جزء وصرت إلى جزيرة أنا وجاريتي فما رأينا فيها أحداً وأخذني العطش فلم أقدر على الماء فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلماً للموت فإذا رجل قد جاءني ومعه كوز فقال لي: هاه فشربت وسقيتها ثم مضى فما أدري من أين جاء ولا من أين راح.
وفي "الطبقات" لأبي إسحاق: ولد محمد بن نصر ببغداد ونشأ بنيسابور واستوطن سمرقند.
روي عنه "أنه" قال: لم يكن لي حسن رأي في الشافعي فبينا أنا قاعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أغفيت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم "في المنام" فقلت: يا رسول الله أكتب رأي؟ الشافعي فطأطأ رأسه شبه الغضبان وقال: تقول رأي ليس هو بالرأي هو رد على من خالف سنتي فخرجت في أثر هذه الرؤيا إلى مصر فكتبت كتب الشافعي.
قال أبو إسحاق: وصنف ابن نصر كتباً ضمنها الآثار والفقه وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام وصنف كتاباً فيما خالف أبو حنيفة علياً وابن مسعود قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يصنف إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس كيف وقد صنف سواه؟!.
قال الوزير أبو الفضل محمد بن عبيد الله البلعمي: سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند فجلست يوماً للمظالم وجلس أخي إسحاق إلى جنبي إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر فقمت له إجلالاً للعلم فلما خرج عاتبني أخي وقال: أنت والي خراسان تقوم لرجل من الرعية هذا ذهاب السياسة قال: فبت تلك الليلة وأنا متقسم القلب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأني واقف مع أخي إسحاق إذ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بعضدي فقال لي: ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك محمد بن نصر ثم التفت إلى إسحاق فقال ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه بمحمد بن نصر.
قلت: كان محمد بن نصر زوج أخت يحيى بن أكثم القاضي واسمها: خنة بمعجمة ثم نون مات بعد أيام قلائل من موت صالح بن محمد بن جزرة وذلك في المحرم سنة أربع وتسعين ومئتين.
قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في مسألة الإيمان: صرح محمد بن نصر في كتاب "الإيمان" بأن الإيمان مخلوق وأن الإقرار والشهادة وقراءة القرآن بلفظه مخلوق ثم قال: وهجره على ذلك علماء وقته وخالفه أئمة خراسان والعراق. قلت: الخوض في ذلك لا يجوز وكذلك لا يجوز أن يقال: الإيمان والإقرار والقراءة والتلفظ بالقرآن غير مخلوق فإن الله خلق العباد وأعمالهم والإيمان: فقول وعمل والقراءة والتلفظ: من كسب القارئ والمقروء الملفوظ: هو كلام الله ووحيه وتنزيله وهو غير مخلوق وكذلك كلمة الإيمان وهي قول "لا إله إلا الله محمد رسول الله". داخلة في القرآن وما كان من القرآن فليس بمخلوق والتكلم بها من فعلنا وأفعالنا مخلوقة ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفوراً له قمنا عليه وبدعناه وهجرناه لما سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن مندة ولا من هو أكبر منهما والله هو هادي الخلق إلى الحق وهو أرحم الراحمين فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة.
قال أبو محمد بن حزم في بعض تواليفه: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن وأضبطهم لها وأذكرهم لمعانيها وأدراهم بصحتها وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه.
قال: وما نعلم هذه الصفة - بعد الصحابة - أتم منها في محمد بن نصر المروزي فلو قال قائل: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث ولا لأصحابه إلا وهو عند محمد بن نصر لما أبعد عن الصدق.
قلت: هذه السعة والإحاطة ما ادعاها ابن حزم لابن نصر إلا بعد إمعان النظر في جماعة تصانيف لابن نصر ويمكن ادعاء ذلك لمثل أحمد بن حنبل ونظرائه والله أعلم.

الناشي

الكبير العلامة أبو العباس عبد الله بن محمد بن شرشير الأنباري الملقب بالناشي.
من كبار المتكلمين وأعيان الشعراء ورؤوس المنطق.
له التصانيف.
وكان قوي العربية والعروض أدخل على قواعد الخليل شبها ومثلها بغير أمثلة الخليل وصنف في المنطق وله قصيدة في عدة فنون نحو أربعة آلاف بيت وكان من أذكياء العالم.
سكن مصر وبها مات في سنة ثلاث وتسعين ومئتين.

مطين

الشيخ الحافظ الصادق محدث الكوفة أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الملقب بمطين.
رأى أبا نعيم الملائي وسمع أحمد بن يونس ويحيى بن بشر الحريري وسعيد بن عمرو الأشعثي ويحيى الحماني وبني أبي شيبة وعلي بن حكيم وطبقتهم.
حدث عنه أبو بكر النجاد وابن عقدة والطبراني وأبو بكر الإسماعيلي وعلي بن عبد الرحمن البكائي وعلي بن حسان الجديلي وأبو بكر بن أبي دارم.
وقال ابن أبي دارم: كتبت بأصبعي عن مطين مئة ألف حديث.
وسئل عنه الدارقطني فقال: ثقة جبل.
قلت: صنف المسند والتاريخ وكان متقناً وقد تكلم فيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة وتكلم هو في ابن عثمان فلا يعتد غالباً بكلام الأقران لا سيما إذا كان بينهما منافسة فقد عدد ابن عثمان لمطين نحوا من ثلاثة أوهام فكان ماذا ومطين أوثق الرجلين ويكفيه تزكية مثل الدارقطني له عاش خمساً وتسعين سنة.
وقال الخليلي: ثقة حافظ سمعت جماعة سمعوا جعفرا الخلدي: قلت لمطين: لم لقبت بهذا؟ قال: كنت صبياً ألعب مع الصبيان وكنت أطولهم فنسبح ونخوض فيطينون ظهري فبصر بي يوماً أبو نعيم فقال لي: يا مطين! لم لا تحضر مجلس العلم؟ فلما طلبت الحديث مات أبو نعيم وكتبت عن أكثر من خمس مئة شيخ.
توفي في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومئتين.

عبد الله بن المعتز بالله

محمد بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدي الأمير أبو العباس الهاشمي العباسي البغدادي الأديب صاحب النظم الرائق.
تأدب بالمبرد وثعلب وروى عن مؤدبه أحمد بن سعيد الدمشقي.
روى عنه مؤدبه ومحمد بن يحيى الصولي وغيرهما.
مولده في سنة تسع وأربعين ومئتين وفي سنة ست وتسعين أنفت الكبار من خلافة المقتدر وهو حدث فهاجوا وتوثبوا على المقتدر وقتلوا وزيره ونصبوا ابن المعتز في الخلافة فقال: على شرط أن لا يقتل بسببي رجل مسلم وكان حول المقتدر خواصه فلبسوا السلاح وحملوا على أولئك فتفرق عن ابن المعتز جمعه وخاف فاختفى ثم قبض عليه وقتل سراً في ربيع الآخر سنة ست سلموه إلى مؤنس الخادم فخنقه ولفه في بساط وبعث به إلى أهله.
وكان شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد.
ورثاه علي بن بسام:

لله درك من ملـك بـمـضـيعة

 

ناهيك في العقل والآداب والحسب

ما فيه لولا ولا ليت فتنـقـصـه

 

وإنمـا أدركـتـه حـرفة الأدب

وله نثر بديع منه:

من تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار

كلما عظم قدر المنافس عظمت الفجيعة به

ربـمـا أورد الـطـمـع ولـم يصـدر

من ارتحله الحرص أنضـاه الـطـلـب

الحظ يأتي من لا يأتيه أشقى الناس أقربهم من السلطان كما أن أقرب الأشياء من النار أسرعها احتراقاً.
من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة.