محمد بن زكريا

محمد بن زكريا

الأستاذ الفيلسوف أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب صاحب التصانيف من أذكياء أهل زمانه وكان كثير الأسفار وافر الحرمة صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى وكان واسع المعرفة مكباً على الاشتغال مليح التأليف وكان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلى ثم عمي. أخذ عن البلخي الفيلسوف وكان إليه تدبير بيمارستان الري ثم كان على بيمارستان بغداد في دولة المكتفي بلغ الغاية في علوم الأوائل نسأل الله العافية.
وله كتاب: الحاوي ثلاثون مجلداً في الطب، وكتاب الجامع، وكتاب الأعصاب، وكتاب المنصوري، صنفه للملك منصور بن نوح الساماني.
وقيل: إن أول اشتغاله كان بعد مضي أربعين سنة من عمره ثم اشتغل على الطبيب أبي الحسن علي بن ربن الطبري الذي كان مسيحياً فأسلم وصنف.
وكان لابن زكريا عدة تلامذة ومن تآليفه كتاب: الطب الروحاني، وكتاب: إن للعبد خالقاً، وكتاب: المدخل إلى المنطق، وكتاب هيئة العالم، ومقالة في اللذة، وكتاب: طبقات الأبصار، وكتاب: الكيمياء وأنها إلى الصحة أقرب، وأشياء كثيرة.
وقد كان في صباه مغنياً يجيد ضرب العود.
توفي ببغداد سنة إحدى عشرة وثلاث مئة.

ابن المغلوب

القاضي المعمر أبو عمر ميمون بن عمر بن المغلوب المغربي الإفريقي خاتمة تلامذة سحنون وقد حج وسمع الموطأ من أبي مصعب الزهري.
ذكره القاضي عياض في المالكية.
قال ابن حارث: أدركته شيخاً كبيراً مقعداً ولي قضاء القيروان وقضاء صقلية.
وقال عبد الله بن محمد المالكي في تاريخه كان صالحاً ديناً فاضلاً معدوداً في أصحاب سحنون.
ولي مظالم القيروان ثم قضاء صقلية فأتاها بفروة وجبة وخرج فيه كتبه وسوداء تخدمه فكانت تغزل وتنفق عليه من ذلك ثم خرج من صقلية كما دخل إليها.
توفي سنة عشر وثلاث مئة وكان أسند شيخ بالمغرب.

حامد بن العباس

الوزير الكبير أبو الفضل الخراساني ثم العراقي كان من رجال العالم ذا شجاعة وإقدام ونقض وإبرام.
قال الصولي: تقلد أعمالاً جليلة من طساسيج السواد ثم ضمن خراج البصرة وكور دجلة مع إشراف كسكر مدة في دولة ابن الفرات فكان يعمر ويحسن إلى الأكارين ويرفع المؤن حتى صار لهم كالأب وكثرت صدقاته ثم وزر وقد شاخ.
قلت: وكان قبل على نظر فارس وكان كثير الأموال والحشم بحيث صار له أربع مئة مملوك في السلاح تأمر منهم جماعة فعزل المقتدر ابن الفرات بحامد في سنة ست وثلاث مئة فقدم في أبهة عظيمة ودبر الأمور فظهر منه نقص في قوانين الوزارة وحدة فضموا إليه علي بن عيسى الوزير فمشى الحال ولحامد أثر صالح في إهلاك حسين الحلاج يدل على إسلام وخير.
يقال: مولده في سنة ثلاث وعشرين وسمع من عثمان بن أبي شيبة وما حدث.
وفي سنة ثمان ضمن حامد سائر السواد وعسف وغلت الأسعار فثارت الغوغاء وهموا به فشد عليهم مماليكه فثبتوا له وعظم الخطب وقتل جماعة فاستضرت الغوغاء وأحرقوا الجسر ورجموا حامداً في الطيار.
وكان مع جبروته جواداً معطاءاً.
قال هاشمي: كان من أوسع من رأيناه نفساً وأحسنهم مروءة وأكثرهم نعمة ينصب في داره عدة موائد ويطعم حتى العامة والخدم يكون نحو أربعين مائدة رأى في دهليزه قشر باقلى فقال لوكيله: ما هذا؟ قال: فعل البوابين فسئلوا فقالوا: لنا جراية ولحم نؤديه إلى بيوتنا؟ فرتب لهم ثم رأى بعد قشوراً فشاط وكان يسفه ثم رتب لهم مائدة وقال: لئن رأيت بعدها قشراً لأضربنك بالمقارع.
وقيل: وجد في مرحاض له أكياس فيها أربع مئة ألف دينار كان يدخل للحاجة في كمه كيس فيلقيه فأخذوا في نكبته ولما عزل حامد وابن عيسى وأعيد ابن الفرات عذب حامداً.
قال المسعودي: كان في حامد طيش كلمه إنسان فقلب حامد ثيابه على كتفه وصاح: ويلكم! علي به قال: ودخلت عليه أم موسى القهرمانة وكانت عظيمة المحل فخاطبته في طلب المال فقال: اضرطي والتقطي واحسبي لا تغلطي.
فخجلها وسمع المقتدر فضحك وأمر قيانه فغنين بذلك.
ولقد تجلد حامد على العذاب ثم نفذ إلى واسط فسم في بيض فتلف بالإسهال.
وقيل: تكلم الملأ بما فيه من الحدة وقلة الخبرة فعاتب المقتدر أبا القاسم الحواري وكان أشار به.
وقيل: أقبل حامد على مصادرة ابن الفرات ووقع بينه وبين شريكه ابن عيسى مشاجرات في الأموال حتى قيل:

أعجب من ما تـراه

 

أن وزيرين في بلاد

هذا سواد بلا وزير

 

وذا وزير بلا سواد

ثم عذب حامد المحسن - ولد ابن الفرات وأخذ منه ألف ألف دينار ثم صار أعباء الوزارة إلى ابن عيسى وبقي حامد كالبطال إلا من الاسم وركوب الموكب وبان للمقتدر ذلك فأفرد ابن عيس بالأمر واستأذن حامد في ضمان أصبهان وغيرها فأذن له وقيل:

صار الوزير عاملاً لكاتبه

يأمل أن يرفق في مطالبه

ليستدر النفع من مكاسبه

قال التنوخي: حدثني أبو عبد الله الصيرفي حدثني أبو علي التاجر قال: ركب حامد بواسط إلى بستانه فرأى شيخاً يولول وحوله عائلة قد احترق بيته فرق له وقال لوكيله: أريد منك أن لا أرجع العشية إلا وداره جديدة بآلاتها وقماشها فبادر وطلب الصناع وصب الدراهم ففرغت العصر فرد العتمة فوجدها مفروغة وضجوا له بالدعاء وزاد رأس مال صاحبها خمسة آلاف درهم.
وقيل: إن تاجراً أخذ خبزاً بدرهم ليتصدق به بواسط فما رأى فقيراً يعطيه فقال له الخباز: لا تجد أحداً لأن جميع الضعفاء في جراية حامد.
قال الصولي: وكان كثير المزاح سخياً وكان لا يرغب في استماع الشعر وكان إذا خولف في أمر يصيح ويحرد فمن داراه انتفع به.
قال نفطويه: سمعته يقول: قيل لبعض المجانين: في كم يتجنن الرجل؟ فقال: ذاك إلى صبيان المحلة.
وكان ثالث يوم من وزارته قد ناظر ابن الفرات وجبهه وأفحش له وجذب بلحيته وعذب أصحابه فلما انعكس الدست وعزل بابن الفرات تنمر له ابن الفرات ووبخه على فعاله فقال: إن كان ما استعملته فيكم أثمر لي خيراً فزيدوا منه وإن كان قبيحاً وصيرني إلى التحكم في فالسعيد من وعظ بغيره.
قال الصولي: فسلم حامد إلى المحسن فعذبه بألوان العذاب وكان إذا شرب أخرجه وألبسه جلد قرد ويرقص فيصفع وفعل به ما يستحيى من ذكره ثم أحدر إلى واسط فسقي وصلى الناس على قبره أياماً.
قال أحمد بن كامل: توفي بواسط ثم بعد أيام ابن الفرات نقل فدفن ببغداد وسمعته يقول: ولدت سنة ثلاث وعشرين وأبي من الشهاردة.
قلت: موته كان في رمضان سنة إحدى عشرة وثلاث مئة.

الزجاج

الإمام نحوي زمانه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج البغدادي مصنف كتاب معاني القرآن وله تآليف جمة.
لزم المبرد فكان يعطيه من عمل الزجاج كل يوم درهماً فنصحه وعلمه ثم أدب القاسم بن عبيد الله الوزير فكان سبب غناه ثم كان من ندماء المعتضد.
مات سنة إحدى عشرة وثلاث مئة وقيل: مات في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة عشرة.
وله كتاب: الإنسان وأعضائه، وكتاب الفرس، وكتاب العروض، وكتاب الاشتقاق، وكتاب النوادر، وكتاب فعلت وأفعلت.
وكان عزيزاً على المعتضد له رزق في الفقهاء ورزق في العلماء ورزق في الندماء نحو ثلاث مئة دينار.
ويقال: توفي سنة ست عشرة.
أخذ عنه العربية أبو علي الفارسي وجماعة.

ابن اليزيدي

العلامة شيخ العربية أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي البغدادي كان رأساً في نقل النوادر وكلام العرب إماماً في النحو.
له كتاب: الخيل، وكتاب: مناقب بني العباس، وكتاب: أخبار اليزيديين، ومصنف في النحو.
أدب أولاد المقتدر.
توفي في جمادى الآخرة سنة عشر وثلاث مئة عن ثنتين وثمانين سنة وثلاثة أشهر.

الضبي

العلامة أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي البغدادي الشافعي أكبر تلامذة ابن سريج له ذهن وقاد ومات شاباً.
صنف الكتب وله وجوه في المذهب منها: أنه كفر تارك الصلاة ومنها: أن الولي إذا أذن للسفيه في أن يتزوج لم يجز كالصبي.
وكان ابن سريج يعتني بإقرائه توفي في المحرم سنة ثمان وثلاث مئة.
وكان أبوه:

أبو طالب المفضل بن سلمة

لغوياً أديباً علامة له تصانيف في معاني القرآن والآداب.
أخذ عن ابن الأعرابي وغيره من مشاهير العلماء.
أخذ عنه الصولي وغيره.
ومات بعد التسعين ومئتين.
وأبوه - سلمة بن عاصم النحوي - هو راوية الفراء.
وفي القدماء: المفضل بن محمد الضبي المقرئ - صاحب عاصم.

التستري

الإمام الحجة المحدث البارع علم الحفاظ شيخ الإسلام أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري الزاهد. سمع أبا كريب محمد بن العلاء ومحمد بن حرب النشائي والحسين بن أبي زيد الدباغ ومحمد بن عمار الرازي وعمرو بن عيسى الضبعي ومحمد ابن بشار ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل: وخلقاً كثيراً من أصحاب سفيان ابن عيينة وأبي معاوية الضرير.
وكانت رحلته قبل الخمسين ومئتين.
جمع وصنف وعلل وصار يضرب به المثل في الحفظ.
حدث عنه: أبو حاتم بن حبان وأبو إسحاق بن حمزة وسليمان بن أحمد الطبراني وأبو عمرو بن حمدان وأبو بكر بن المقرئ وآخرون.
قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت جعفر بن أحمد المراغي يقول: أنكر عبدان الأهوازي حديثاً مما عرض عليه لأبي جعفر بن زهير فدخل عليه وقال: هذا أصلي ولكن من أين لك أنت: ابن عون عن الزهري عن سالم؟ فذكر حديثاً فما زال عبدان يعتذر إليه ويقول: يا أبا جعفر إنما استغربت الحديث.
قال الحافظ أبو عبد الله بن مندة: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة وسمعته يقول: ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي جعفر بن زهير التستري.
وقال أبو جعفر: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي.
وقال أبو بكر بن المقرئ: حدثنا تاج المحدثين أحمد بن يحيى بن زهير فذكر حديثاً.
توفي أبو جعفر في سنة عشر وثلاث مئة وكان من أبناء الثمانين.
قرأت على محمد بن عبد السلام التميمي: عن عبد المعز بن محمد البزاز أخبرنا تميم بن أبي سعيد ورجل آخر قالا: أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري أخبرني أحمد بن يحيى بن زهير التستري حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان عن نعيم بن أبي هند عن أبي المسهر عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صام يوماً قبل موته يريد وجه الله دخل الجنة" هذا حديث غريب ولا أعرف هذا التابعي ولا ذكره أبو أحمد في الكنى.
ومات معه في العام: محمد بن جرير.
ومقرئ بغداد أبو علي الحسن بن الحسين الصواف - صاحب أبي حمدون.
وأبو محمد خالد بن محمد بن خالد الصفار - صاحب يحيى بن معين.
ومسند مصر أبو شيبة داود بن إبراهيم البغدادي.
والعباس بن الفضل بن شاذان - مقرئ الري.
وعلي بن أحمد بن بسطام الزعفراني.
وعلي بن العباس البجلي المقانعي.
والحافظ أبو بشر الدولابي.
ومحمد بن أحمد بن عبيد بن فياض الدمشقي.
والمحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني.
ومقرئ الرقة أبو مران موسى بن جرير النحوي.
والحافظ أبو العباس الوليد بن أبان الأصبهاني.

ابن خزيمة

محمد بن إسحاق بن خزيمة بن صالح بن بكر الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام إمام الأئمة أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي صاحب التصانيف.
ولد سنة ثلاث وعشرين ومئتين وعني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.
سمع من إسحاق بن راهويه ومحمد بن حميد ولم يحدث عنهما لكونه كتب عنهما في صغره وقبل فهمه وتبصره وسمع من محمود بن غيلان وعتبة بن عبد الله المروزي وعلي بن حجر وأحمد بن منيع وبشر بن معاذ وأبي كريب وعبد الجبار بن العلاء وأحمد بن إبراهيم الدورقي وأخيه يعقوب وإسحاق بن شاهين وعمرو بن علي وزياد بن أيوب ومحمد بن مهران الجمال وأبي سعيد الأشج ويوسف بن واضح الهاشمي ومحمد بن بشار ومحمد بن مثنى والحسين بن حريث ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني ومحمد بن يحيى وأحمد بن عبدة الضبي ونصر بن علي ومحمد بن علي ومحمد بن عبد الله المخرمي ويونس بن عبد الأعلى وأحمد بن عبد الرحمن الوهبي ويوسف بن موسى ومحمد بن رافع ومحمد بن يحيى القطعي وسلم بن جنادة ويحيى بن حكيم وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي والحسن بن محمد الزعفراني وهارون بن إسحاق الهمداني وأمم سواهم ومنهم: إسحاق بن موسى الخطمي ومحمد بن أبان البلخي. حدث عنه: البخاري ومسلم في غير الصحيحين ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم - أحد شيوخه وأحمد بن المبارك المستملي وإبراهيم بن أبي طالب وأبو حامد بن الشرقي وأبو العباس الدغولي وأبو علي الحسين بن محمد النيسابوري وأبو حاتم البستي وأبو أحمد بن عدي وأبو عمرو بن حمدان وإسحاق بن سعد النسوي وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن مهران المقرئ وحفيده محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة ومحمد بن أحمد بن علي بن نصير المعدل وأبو بكر بن إسحاق الصبغي وأبو سهل الصعلوكي والحسين بن علي التميمي حسينك وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري والخليل بن أحمد السجزي القاضي وأبو سعيد محمد بن بشر الكرابيسي وأبو أحمد محمد بن محمد الكرابيسي الحاكم وأبو نصر أحمد بن الحسين المرواني وأبو العباس أحمد بن محمد الصندوقي وأبو الحسن محمد بن الحسين الآبري وأبو الوفاء أحمد بن محمد ابن حمويه المزكي وخلق كثير.


أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله - فيما قرأت عليه سنة ست وتسعين وست مئة - عن عبد المعز بن محمد الهروي: أخبرنا تميم بن أبي سعيد القصار أخبرنا محمد بن عبد الرحمن سنة تسع وأربعين وأربع مئة أخبرنا محمد بن محمد النيسابوري الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق حدثنا علي بن حجر حدثنا عبد العزيز بن حصين عن أبي أمية: أن حبيباً أخبره عن زر بن حبيش: أنه أتى صفوان بن عسال وكان من الصحابة فقال له: ما جاء بكم؟ قالوا: خرجنا من بيوتنا لابتغاء العلم قال: إنه من خرج من بيته لابتغاء العلم فإن الملائكة تضع أجنحتها لمبتغي العلم فسأله عن المسح على الخفين قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة لا أقول من جنابة ولكن من غائط أو بول أو نوم قال محمد بن محمد الحافظ: غريب من حديث حبيب بن أبي ثابت لا أعلم حدث به غير أبي أمية عبد الكريم بن أبي المخارق واسم أبيه قيس.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد عن عبد المعز بن محمد أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا أبو سعد الكنجروذي حدثنا بشر بن محمد الحاكم أخبرنا ابن خزيمة أخبرنا أحمد بن نصر المقرئ أخبرنا محمد بن الحسن البصري محبوب حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة قال: كانت الركبان تأتينا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتلقى منهم الآية والآيتين فكانوا يخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليؤمكم أكثركم قرآناً" وكنت أؤم قومي وأنا صغير السن.


وبه إلى ابن خزيمة: حدثنا أبو حصين بن أحمد بن يونس حدثنا عبثر بن القاسم حدثنا حصين عن الشعبي عن محمد بن صيفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: "أمنكم أحد أكل اليوم؟ قالوا: منا من صام ومنا من لم يصم قال: فأتموا بقية يومكم وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم" هذا حديث صحيح غريب أخرجه النسائي عن أبي حصين فوافقناه.
قال الحاكم في تاريخه: أخبرني محمد بن أحمد بن واصل الجعفي ببيكند حدثني أبي حدثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمد حدثنا أحمد بن سنان حدثني مهدي - والد عبد الرحمن بن مهدي قال: كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام أو أكثر لا يجيء إلى البيت فإذا جاءنا ساعة جاء رسول سفيان فيذهب ويتركنا.


وقال الحاكم: محمد هو ابن إسحاق بن خزيمة بلا شك فقد حدثنا أبو أحمد الدارمي حدثنا ابن خزيمة بالحكاية.


قال الحاكم: قرأت بخط مسلم: حدثني محمد بن إسحاق - صاحبنا حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا إسماعيل بن ربيعة بحديث في الاستسقاء.


قال الحاكم: كتب إلي أحمد بن عبد الرحمن بن القاسم من مصر: أن محمد بن الربيع الجيزي حدثهم: حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثني محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا موسى بن خاقان حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد عن ابن عباس قال: لما أخرجوا نبيهم قال أبو بكر رضي الله عنه: علمت أنه سيكون قتال. قال أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري: حدثنا ابن خزيمة قال: كنت إذا أردت أن أصنف الشيء أدخل في الصلاة مستخيراً حتى يفتح لي ثم أبتدئ التصنيف ثم قال أبو عثمان: إن الله ليدفع البلاء عن أهل هذه المدينة لمكان أبي بكر محمد بن إسحاق.
الحاكم: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر سمعت ابن خزيمة وسئل: من أين أوتيت العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ماء زمزم لما شرب له".


وإني لما شربت سألت الله علماً نافعاً.


الحاكم: سمعت أبا بكر بن بالويه سمعت أبا بكر بن إسحاق وقيل له: لو حلقت شعرك في الحمام؟ فقال لم يثبت عندي أن رسول الله صلىالله عليه وسلم دخل حماماً قط ولا حلق شعره إنما تأخذ شعري جارية لي بالمقراض.
قال الحاكم: وسألت محمد بن الفضل بن محمد عن جده؟ فذكر أنه لا يدخر شيئاً جهده بل ينفقه على أهل العلم وكان لا يعرف سنجة الوزن ولا يميز بين العشرة والعشرين ربما أخذنا منه العشرة فيتوهم أنها خمسة.
الحاكم: سمعت أبا بكر القفال يقول: كتب ابن صاعد إلى ابن خزيمة يستجيزه كتاب الجهاد فأجازه له.
قال محمد بن سهل الطوسي: سمعت الربيع بن سليمان وقال لنا: هل تعرفون ابن خزيمة؟ قلنا: نعم قال: استفدنا منه أكثر ما استفاد منا.


محمد بن إسماعيل السكري: سمعت ابن خزيمة يقول: حضرت مجلس المزني فسئل عن شبه العمد فقال له السائل: إن الله وصف في كتابه القتل صنفين: عمداً وخطأ فلم قلتم: إنه على ثلاثة أقسام وتحتج بعلي بن زيد بن جدعان؟ فسكت المزني فقلت لمناظره: قد روى الحديث أيضاً أيوب وخالد الحذاء فقال لي: فمن عقبة بن أوس؟ قلت شيخ بصري قد روى عنه ابن سيرين مع جلالته فقال للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ قال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني ثم أتكلم أنا.
قال محمد بن الفضل بن محمد: سمعت جدي يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة فقال: اقرإ القرآن أولاً حتى آذن لك فاستظهرت القرآن فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة ففعلت فلما عيدنا أذن لي فخرجت إلى مرو وسمعت بمروالروذ من محمد بن هشام - صاحب هشيم فنعي إلينا قتيبة.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: لم أر أحداً مثل ابن خزيمة.
قلت: يقول مثل هذا وقد رأى النسائي.
قال أبو أحمد حسينك: سمعت إمام الأئمة أبا بكر يحكي عن علي بن خشرم عن ابن راهويه: أنه قال: أحفظ سبعين ألف حديث فقلت لابن خزيمة: كم يحفظ الشيخ؟ فضربني على رأسي وقال: ما أكثر فضولك! ثم قال: يا بني! ما كتبت سوداء في بياض إلا وأنا أعرفه.


قال أبو علي الحافظ: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة.
أخبرنا أبو علي الحسن بن علي أخبرنا عبد الله بن عمر أخبرنا أبو الوقت أخبرنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن صالح حدثنا أبي حدثنا أبو حاتم بن حبان التميمي قال: ما رأيت على وجه الأرض من يحفظ صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط.
قال أبو الحسن الدارقطني: كان ابن خزيمة إماماً ثبتاً معدوم النظير.
حكى أبو بشر القطان قال: رأى جارلا بن خزيمة - من أهل العلم - كأن لوحاً عليه صورة نبينا صلى الله عليه وسلم وابن خزيمة يصقله فقال المعبر: هذا رجل يحيى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو العباس بن سريج - وذكر له ابن خزيمة - فقال: يستخرج النكت من حديث رسول الله بالمنقاش.
وقد كان هذا الإمام جهبذاً بصيراً بالرجال فقال - فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر - شيخ الحاكم: لست أحتج بشهر بن حوشب ولا بحريز بن عثمان لمذهبه ولا بعبد الله بن عمر ولا ببقية ولا بمقاتل بن حيان ولا بأشعث بن سوار ولا بعلي بن جدعان لسوء حفظه ولا بعاصم بن عبيد الله ولا بابن عقيل ولا بيزيد بن أبي زياد ولا بمجالد ولا بحجاج بن أرطاة إذا قال: عن ولا بأبي حذيفة النهدي ولا بجعفر بن برقان ولا بأبي معشر نجيح ولا بعمر بن أبي سلمة ولا بقابوس بن أبي ظبيان ثم سمى خلقاً دون هؤلاء في العدالة فإن المذكورين احتج بهم غير واحد.
وقال أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري: سمعت ابن خزيمة يقول: ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر. قال الحاكم: سمعت محمد بن صالح بن هانئ سمعت ابن خزيمة يقول: من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئاً.
قلت: من أقر بذلك تصديقاً لكتاب الله ولأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به مفوضاً معناه إلى الله ورسوله ولم يخض في التأويل ولا عمق فهو المسلم المتبع ومن أنكر ذلك فلم يدر بثبوت ذلك في الكتاب والسنة فهو مقصر والله يعفو عنه إذ لم يوجب الله على كل مسلم حفظ ما ورد في ذلك ومن أنكر ذلك بعد العلم وقفا غير سبيل السلف الصالح وتمعقل على النص فأمره إلى الله نعوذ بالله من الضلال والهوى.
وكلام ابن خزيمة هذا - وإن كان حقاً فهو فج لا تحتمله نفوس كثير من متأخري العلماء.
قال أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه: سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله تعالى ومن قال: إنه مخلوق فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا يدفن في مقابر المسلمين.
ولابن خزيمة عظمة في النفوس وجلالة في القلوب لعلمه ودينه واتباعه السنة.
وكتابه في التوحيد مجلد كبير وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا. رحم الله الجميع بمنه وكرمه.
قال الحاكم: فضائل إمام الأئمة ابن خزيمة عندي مجموعة في أوراق كثيرة ومصنفاته تزيد على مئة وأربعين كتاباً سوى المسائل والمسائل المصنفة أكثر من مئة جزء قال: وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء.
قال حمد بن عبد الله المعدل: سمعت عبد الله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة فقال: ويحكم! هو يسأل عنا ولا نسأل عنه! هو إمام يقتدى به.
قال الإمام أبو بكر محمد بن علي الشاشي: حضرت ابن خزيمة فقال له أبو بكر النقاش المقرئ: بلغني أنه لما وقع بين المزني وابن عبد الحكم قيل للمزني: إنه يرد على الشافعي فقال المزني: لا يمكنه إلا بمحمد بن إسحاق النيسابوري فقال أبو بكر: كذا كان.
وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المضارب قال: رأيت ابن خزيمة في النوم فقلت: جزاك الله عن الإسلام خيراً فقال كذا قال لي جبريل في السماء.
قال الحاكم: حدثني أبو بكر محمد بن حمدون وجماعة من مشايخنا - إلا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة قال: لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي وهو أول من حمل علوم الشافعي ودقائق ابن سريج إلى خراسان ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق يعني الضبعي خليفة ابن خزيمة في الفتوى وأحسن الجماعة تصنيفاً وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين وأبي بكر بن أبي عثمان وهو آدبهم وأكثرهم جمعاً للعلوم وأكثرهم رحلة وشيخ المطوعة والمجاهدين وأبي محمد يحيى بن منصور وكان من أكابر البيوتات وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء قال: فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه وهو معتزلي وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم حسدهم واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري فإنهم على مذهب الكلابية فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.
قال الحاكم: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله تعالى أن الحاكم أبا سعيد لما توفي أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته هو وجماعة من أصحابه - جهلاً منهم - فسألوه أن يتخذ ضيافة وكان لابن خزيمة بساتين نزهة قال: فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها. وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي: أن الضيافة كانت في جمادى الأولى سنة تسع وثلاث مئة وكانت لم يعهد مثلها عملها ابن خزيمة فأحضر جملة من الأغنام والحملان وأعدال السكر والفرش والآلات والطباخين ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب فاجتمعوا بجنزروذ وركبوا منها وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقاً سوقاً يسألهم أن يجيبوه ويقول لهم: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم فكانوا يجيئون فوجاً فوجاً حتى لم يبق كبير أحد في البلد - يعني نيسابور - والطباخون يطبخون وجماعة من الخبازين يخبزون حتى حمل أيضاً جميع ما وجدوا في البلد من الخبز والشواء على الجمال والبغال والحمير والإمام - رحمه الله - قائم يجري أمور الضيافة على أحسن ما يكون حتى شهد من حضر أنه لم يشهد مثلها فحدثني أبو بكر أحمد بن يحيى المتكلم قال: لما انصرفنا من الضيافة اجتمعنا عند بعض أهل العلم وجرى ذكر كلام الله: أقديم هو لم يزل أو نثبت عند إخباره تعالى أنه متكلم به؟ فوقع بيننا في ذلك خوض قال جماعة منا: كلام البارئ قديم لم يزل وقال جماعة: كلامه قديم غير أنه لا يثبت إلا بإخباره وبكلامه فبكرت إلى أبي علي الثقفي وأخبرته بما جرى فقال: من أنكر أنه لم يزل فقد اعتقد أنه محدث وانتشرت هذه المسألة في البلد وذهب منصور الطوسي في جماعة إلى ابن خزيمة وأخبروه بذلك حتى قال منصور: ألم أقل للشيخ: إن هؤلاء يعتقدون مذهب الكلابية؟ وهذا مذهبهم قال: فجمع ابن خزيمة أصحابه وقال: ألم أنهكم غير مرة عن الخوض في الكلام؟ ولم يزدهم على هذا ذلك اليوم.
قال الحاكم: وحدثني عبد الله بن إسحاق الأنماطي المتكلم قال: لم يزل الطوسي بأبي بكر بن خزيمة حتى جرأه على أصحابه وكان أبو بكر ابن إسحاق وأبو بكر بن أبي عثمان يردان على أبي بكر ما يمليه ويحضران مجلس أبي علي الثقفي فيقرؤون ذلك على الملأ حتى استحكمت الوحشة سمعت أبا سعيد عبد الرحمن بن أحمد المقرئ سمعت ابن خزيمة يقول: القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ومن قال: شيء منه مخلوق أو يقول: إن القرآن محدث فهو جهمي ومن نظر في كتبي بان له أن الكلابية - لعنهم الله - كذبة فيما يحكون عني بما هو خلاف أصلي وديانتي قد عرف أهل الشرق والغرب أنه لم يصنف أحد في التوحيد والقدر وأصول العلم مثل تصنيفي وقد صح عندي أن هؤلاء - الثقفي والصبغي ويحيى بن منصور - كذبة قد كذبوا علي في حياتي فمحرم على كل مقتبس علم أن يقبل منهم شيئاً يحكونه عني وابن أبي عثمان أكذبهم عندي وأقولهم علي ما لم أقله.
قلت: ما هؤلاء بكذبة بل أئمة أثبات وإنما الشيخ تكلم على حسب ما نقل له عنهم فقبح الله من ينقل البهتان ومن يمشي بالنميمة.
قال الحاكم: وسمعت محمد بن أحمد بن بالويه سمعت ابن خزيمة يقول: من زعم بعض هؤلاء الجهلة: أن الله لا يكرر الكلام فلا هم يفهمون كتاب الله إن الله قد أخبر في مواضع أنه خلق آدم وكرر ذكر موسى وحمد نفسه في مواضع وكرر" فبأي آلاء ربكما تكذبان" سورة الرحمن ولم أتوهم أن مسلماً يتوهم أن الله لا يتكلم بشيء مرتين وهذا قول من زعم أن كلام الله مخلوق ويتوهم أنه لا يجوز أن يقول: خلق الله شيئاً واحداً مرتين. قال الحاكم: سمعت أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: لما وقع من أمرنا ما وقع وجد أبو عبد الرحمن ومنصور الطوسي الفرصة في تقرير مذهبهم واغتنم أبو القاسم وأبو بكر بن علي والبردعي السعي في فساد الحال انتصب أبو عمرو الحيري للتوسط فيما بين الجماعة وقرر لأبي بكر بن خزيمة اعترافنا له بالتقدم وبين له غرض المخالفين في فساد الحال إلى أن وافقه على أن نجتمع عنده فدخلت أنا وأبو علي وأبو بكر بن أبي عثمان فقال له أبو علي الثقفي: ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره حتى طال الخطاب بينه وبين أبي علي في هذا الباب فقلت: قد جمعت أنا أصول مذاهبنا في طبق فأخرجت إليه الطبق فأخذه وما زال يتأمله وينظر فيه ثم قال: لست أرى ها هنا شيئاً لا أقول به فسألته أن يكتب عليه خطه أن ذلك مذهبه فكتب آخر تلك الأحرف فقلت لأبي عمرو الحيري: احتفظ أنت بهذا الخط حتى ينقطع الكلام ولا يتهم واحد منا بالزيادة فيه ثم تفرقنا فما كان بأسرع من أن قصده أبو فلان وفلان وقالا: إن الأستاذ لم يتأمل ما كتب في ذلك الخط وقد غدروا بك وغيروا صورة الحال فقبل منهم فبعث إلى أبي عمرو الحيري لاسترجاع خطه منه فامتنع عليه أبو عمرو ولم يرده حتى مات ابن خزيمة وقد أوصيت أن يدفن معي فأحاجه بين يدي الله تعالى فيه وهو: القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته ليس شيء من كلامه مخلوق ولا مفعول ولا محدث فمن زعم أن شيئاً منه مخلوق أو محدث أو زعم أن الكلام من صفة الفعل فهو جهمي ضال مبتدع وأقول: لم يزل الله متكلماً والكلام له صفة ذات ومن زعم أن الله لم يتكلم إلا مرة ولم يتكلم إلا ما تكلم به ثم انقضى كلامه كفر بالله وأنه ينزل تعالى إلى سماء الدنيا فيقول:" هل من داع فأجيبه" فمن زعم أن علمه تنزل أوامره ضل ويكلم عباده بلا كيف" الرحمن على العرش استوى" طه:5 لا كما قالت الجهمية: إنه على الملك احتوى ولا استولى وإن الله يخاطب عباده عوداً وبدءاً ويعيد عليهم قصصه وأمره ونهيه ومن زعم غير ذلك فهو ضال مبتدع وساق سائر الاعتقاد.
قلت: كان أبو بكر الصبغي هذا عالم وقته وكبير الشافعية بنيسابور حمل عنه الحاكم علماً كثيراً.
ولابن خزيمة ترجمة طويلة في تاريخ نيسابور تكون بضعاً وعشرين ورقة من ذلك وصيته وقصيدتان رثي بهما وضبط وفاته في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مئة عاش تسعاً وثمانين سنة وقد سمعنا مختصر المختصر له عالياً بفوت لي.
وفيها مات: أبو جعفر بن حمدان الحيري - صاحب الصحيح وأبو جعفر أحمد بن عمرو الإلبيري - حافظ أهل الأندلس وشيخ الحنابلة أبو بكر الخلال وشيخ الصوفية بالعراق أبو محمد أحمد بن محمد الجريري وقيل: اسمه حسن وشيخ العربية أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج البغدادي وصدر الوزراء حامد بن العباس وحماد بن شاكر النسفي - صاحب البخاري ومسند بغداد أبو محمد عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي وحافظ هراة أبو محمد عبد الله بن عروة وحافظ مرو عبد الله بن محمود ومحدث أنطاكية أبو طاهر بن فيل الهمداني وشيخ الطب محمد بن زكريا الرازي الفيلسوف ومسند نيسابور أبو العباس محمد بن شادل بن علي مولى بني هاشم.
أخبرنا أحمد بن هبة الله عن عبد المعز بن محمد أخبرنا زاهر المستملي أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم المقرئ أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة أخبرنا جدي حدثنا أبو موسى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها".

الباغندي

محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الإمام الحافظ الكبير محدث العراق أبو بكر ابن المحدث أبي بكر الأزدي الواسطي الباغندي أحد أئمة هذا الشأن ببغداد.
ولد سنة بضع عشرة ومئتين وكان أول سماعه بواسط في سنة سبع وعشرين ومئتين. سمع علي بن المديني وشيبان بن فروخ وأبا بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسويد بن سعيد ومحمد بن الصباح الجرجرائي والصلت بن مسعود الجحدري وأبا نعيم عبيد بن هشام الحلبي وعبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي ومحمد بن سليمان لوين ودحيماً وأحمد ابن أبي الحواري وعثمان بن أبي شيبة وعبد الملك بن شعيب بن الليث والحارث بن مسكين ومحمد بن زنبور المكي ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمود بن خالد الدمشقي وخلقاً كثيراً.
وجمع وصنف وعمر وتفرد.
حدث عنه: ابن عقدة، والقاضي، المحاملي، ومحمد بن مخلد، ودعلج السجزي، وأبو بكر الشافعي، والطبراني، وأبو علي بن الصواف، وأبو عمر بن حيوية، وأبو حفص بن شاهين، وعلي بن عمر السكري، ومحمد بن المظفر، وأبو أحمد الحاكم، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو بكر أحمد بن عبدان، وأبو بكر الإسماعيلي، وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري النيسابوري، وخلق سواهم.
قال أبو بكر الخطيب: رحل في الحديث إلى الأمصار البعيدة وعني به العناية العظيمة وأخذ عن الحفاظ والأئمة وكان حافظاً فهماً عارفاً فسمعت أحمد بن علي البادا مذاكرة يقول: سمعت أبا بكر الأبهري يقول: سمعت أبا بكر الباغندي يقول: أنا أجيب في ثلاث مئة ألف مسألة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت ابن المظفر بقول الأبهري فقال: صدق سمعته منه.
قال الخطيب: وسمعت هبة الله اللالكائي يقول: إن الباغندي كان يسرد الحديث من حفظه ويهذه مثل تلاوة القرآن السريع القراءة وكان يقول: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان وحدثنا فلان وهو يحرك رأسه حتى تسقط عمامته.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم أخبرنا عبد الصمد بن محمد القاضي حضوراً أخبرنا أبو الحسن السلمي أخبرنا ابن طلاب أخبرنا ابن جميع حدثنا أحمد بن محمد بن شجاع بالأهواز قال: كنا عند إبراهيم بن موسى الجوزي ببغداد وكان عنده أبو بكر الباغندي ينتقي عليه فقال له إبراهيم: هوذا تضجرني أنت أكثر حديثاً مني وأحفظ وأعرف فقال له: لقد حبب إلي هذا الحديث حسبك أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فلم أقل له: ادع لي وقلت يا رسول الله! أيما أثبت في الحديث: منصور أو الأعمش؟ فقال: منصور، منصور.
وقال العتيقي: سمعت عمر بن شاهين يقول: قام أبو بكر الباغندي ليصلي فكبر ثم قال: أخبرنا محمد بن سليمان لوين فسبحنا به فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين.
قال حمزة السهمي: سألنا الوزير جعفر بن الفضل بمصر عن الباغندي فقال: لم أسمع منه ولحقته وكان للوزير الماضي حجرتان إحداهما للباغندي يجيئه ويقرأ له والأخرى لليزيدي ثم قال جعفر: فسمعت أبي يقول: كنت يوماً مع الباغندي في الحجرة يقرأ لي كتب أبي بكر بن أبي شيبة فقام إلى الطهارة فأخذ جزءاً من حديث أبي بكر بن أبي شيبة فإذا على ظهره مكتوب: مربع والباقي محكوك فرجع فرأى في يدي الجزء فتغير وجهه فقلت: أيش هذا مربع؟ فغير ذلك ولم أفطن له لأني أول ما كنت دخلت في كتب الحديث ثم سألت عنه فإذا الكتاب لمحمد بن إبراهيم مربع فحكه وترك مربع فبرد عندي ولم أخرج عنه شيئاً.
قال عمر بن حسن الأشناني: سمعت محمد بن أحمد بن أبي خيثمة - وذكر عنده أبو بكر الباغندي - فقال: ثقة كثير الحديث لو كان بالموصل لخرجتم إليه ولكنه يتطرح عليكم ولا تريدونه.
قال الدراقطني في كتاب المصحفين: حدثني أبي أنه سمع أبا بكر الباغندي أملى عليهم في الجامع في حديث ذكره" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض" هوياً بالياء وضم الهاء.
وقال الدارقطني في الضعفاء: الباغندي مدلس مخلط يسمع من بعض رفاقه ثم يسقط من بينه وبين شيخه وربما كانوا اثنين وثلاثة. وهو كثير الخطأ.
قال البرقاني: سألت أبا بكر الإسماعيلي عن ابن الباغندي فقال: لا أتهمه في قصد الكذب ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضاً كأنه تعلم من سويد التدليس.
وقال حمزة السهمي: سألت أبا بكر بن عبدان عن محمد بن محمد الباغندي هل يدخل في الصحيح فقال: لو خرجت الصحيح لم أدخله فيه كان يخلط ويدلس وليس ممن كتبت عنه آثر عندي ولا أكثر حديثاً منه إلا أنه شره وهو أحفظ من أبي بكر بن أبي داود وسألت أبا الحسن الدارقطني عنه فقال: كثير التدليس يحدث بما لم يسمع وربما سرق. قال الخطيب: لم يثبت من أمر الباغندي ما يعاب به سوى التدليس ورأيت كافة شيوخنا يحتجون به ويخرجونه في الصحيح.
قلت: يقع حديثه عالياً للفخر بن البخاري وطبقته.
قال ابن شاهين: مات في يوم الجمعة في عشرين شهر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مئة.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر أنبأنا أبو روح الهروي أخبرنا أبو القاسم المستملي أخبرنا أبو سعد الكنجروذي أخبرنا أبو الحسين البحيري أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا شيبان حدثنا حماد حدثنا ثابت وسليمان التيمي عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أتيت - ليلة أسري بي - على موسى - عليه السلام - عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره" أخرجه مسلم عن شيبان.
أخبرنا علي بن أحمد في كتابه أخبرنا عمر بن محمد أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرنا محمد بن المظفر حدثنا أبو بكر الباغندي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا البراء بن عبد الله الغنوي عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا أنبئكم بشرار هذه الأمة؟ هم الثرثارون المتفيهقون ألا أنبئكم بخياركم؟ أحسنكم خلقاً "تفرد به البراء أخرجه البخاري في كتاب الأدب له.
وفيها مات الحافظ أحمد بن عمرو الإلبيري الأندلسي وأحمد بن محمد بن الأزهر والحسن بن علي بن نصر الطوسي والوزير أبو الحسن ابن الفرات وعبدوس بن أحمد بن عباد الهمذاني وعلي بن الحسن بن قديد بمصر ومحمد بن سليمان بن فارس الدلال وأبو بكر محمد بن هارون ابن المجدر وشيخ الطريق أبو محمد الجريري.

السراج

محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الإمام الحافظ الثقة شيخ الإسلام محدث خراسان أبو العباس الثقفي مولاهم الخراساني النيسابوري صاحب المسند الكبير على الأبواب والتاريخ وغير ذلك وأخو إبراهيم المحدث وإسماعيل.
مولده في سنة ست عشرة ومئتين.
رأى يحيى بن يحيى التميمي ولم يسمعه وسمع من إسحاق وقتيبة بن سعيد ومحمد بن بكار بن الريان وبشر بن الوليد الكندي وأبي معمر القطيعي وداود بن رشيد ومحمد بن حميد الرازي ومحمد ابن الصباح الجرجرائي وعمرو بن زرارة وأبي همام السكوني وهناد ابن السري وأبي كريب ومحمد بن أبان البلخي والحسن بن عيسى ابن ماسرجس ومحمد بن عمرو زنيج وأحمد بن المقدام ومحمد بن رافع ومجاهد بن موسى وأحمد بن منيع وزياد بن أيوب ويعقوب الدورقي وسوار بن عبد الله وهارون الحمال وعقبة بن مكرم العمي وابن كرامة وعبد الجبار بن العلاء وعبد الله بن عمر بن أبان وأبي سعيد الأشج وعبد الله بن الجراح وأحمد بن سعيد الدارمي وعباد بن الوليد وخلق سواهم وينزل إلى أحمد بن محمد البرتي ومحمد بن إسماعيل الترمذي والحسن بن سلام.
وسكن بغداد مدة طويلة وحدث بها ثم رد إلى وطنه.
حدث عنه البخاري ومسلم بشيء يسير خارج الصحيحين وأبو حاتم الرازي أحد شيوخه وأبو بكر بن أبي الدنيا وعثمان بن السماك والحافظ أبو علي النيسابوري وأبو حاتم البستي وأبو أحمد بن عدي وأبو إسحاق المزكي وإبراهيم بن عبد الله الأصبهاني وأبو أحمد الحاكم وعبيد الله بن محمد الفامي وحسينك بن علي التميمي وأبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي وأبو بكر محمد بن محمد بن هانئ البزاز والخليل بن أحمد السجزي القاضي والقاضي يوسف بن القاسم الميانجي وعبد الله بن أحمد الصيرفي وسهل بن شاذويه البخاري ومات قبله وأبو العباس بن عقدة وأبو سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان ويحيى بن محمد العنبري وأبو بكر بن مهران المقرئ وأبو حامد أحمد بن محمد بن بالويه وأبو الحسين أحمد بن محمد البحيري وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن محفوظ العابد وبشر بن محمد بن محمد بن ياسين الباهلي والحسن بن أحمد بن محمد والد أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري والحافظ أبو علي الحسين بن محمد الماسرجسي وعبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني وأبو عمرو بن حمدان الحيري وأبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة وأبو الحسين محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي ومحمد بن محمد بن سمعان الواعظ ويحيى ابن إسماعيل المزكي - عرف بالحربي وخلق آخرهم موتاً الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف القنطري - راوي بعض مسنده عنه.
قال الخطيب: كان من الثقات الأثبات عني بالحديث وصنف كتباً كثيرة وهي معروفة. أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر قراءة عليه أنبأنا المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر النيسابوري ابن الصفار أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي سنة تسع وثلاثين وخمس مئة أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري ويعقوب بن أحمد الصيرفي وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عبد الأعلى حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قالك سألت علقمة: هل كان عبد الله بن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا وكنا معه ليلة ففقدناه فبتنا بشر ليلة فلما أصبحنا إذا هو جاء من حراء فقال:" إنه أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن" فانطلق بنا حتى أرانا آثارهم ونيرانهم فسألوه عن الزاد فقال:" لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدكم أوفر ما يكون لحماً وكل بعرة علف لدوابكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن".
هذا حديث صحيح عال أخرجه مسلم وأبو داود وأبو عيسى والنسائي من حديث عبد الله بن إدريس وابن علية وجماعة سمعوه من داود بن أبي هند وفي روايتنا اختصار وصوابه: فقال ابن مسعود: كنا معه.
ويقع حديث السراج عالياً بالاتصال لابن البخاري.
أنبأنا المسلم بن علان والمؤمل بن محمد أخبرنا الكندي أخبرنا الشيباني أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا أحمد بن أبي عمران أخبرنا علي بن الحسن بن خالد المروزي أخبرنا محمد ابن إسماعيل البخاري أخبرنا محمد بن إسحاق السراج حدثنا أخي إبراهيم حدثنا محمد بن أبان حدثنا جرير بن حازم عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى الجمعة فليغتسل".
قال أبو بكر بن جعفر المزكي: سمعت السراج يقول: نظر محمد بن إسماعيل البخاري في التاريخ لي وكتب منه بخطه أطباقاً وقرأتها عليه.
وروي عن أبي العباس السراج: أنه أشار إلى كتب له فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك ما نفضت عنها الغبار مذ كتبتها.
قال أبو الوليد حسان بن محمد: دخل أبو العباس السراج على أبي عمرو الخفاف فقال له: يا أبا العباس! من أين جمعت هذا المال؟ قال بغيبة دهر أنا وأخواي إبراهيم وإسماعيل غاب أخي إبراهيم أربعين سنة وغاب أخي إسماعيل أربعين سنة وغبت أنا مقيماً ببغداد أربعين سنة أكلنا الجشب ولبسنا الخشن فاجتمع هذا المال لكن أنت يا أبا عمرو! من أين جمعت هذا المال؟ - وكان لأبي عمرو مال عظيم - ثم قال متمثلاً:

أتذكر إذ لحافك جـلـد شـاة

 

وإذ نعلاك من جلد البـعـير

فسبحان الذي أعطاك ملـكـاً

 

وعلمك الجلوس على السرير

قال أبو العباس بن حمدان شيخ خوارزم: سمعت السراج يقول: رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل فصعدت تسعاً وتسعين درجة فكل من أقصها عليه يقول: تعيش تسعاً وتسعين سنة قال ابن حمدان: فكان كذلك.
قلت: بل بلغ سبعاً أو خمساً وتسعين سنة فقد قال أبو إسحاق المزكي عنه: ولدت سنة ثماني عشرة ومئتين وختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألف ختمة وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية.
قلت: دليله حديث شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال: رأيت علياً رضي الله عنه يضحي بكبشين فقلت له: ما هذا؟ قال:" أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي عنه". زاد الترمذي: واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم وواحد عن نفسه.
أخبرنا المسلم بن علان والمؤمل بن محمد كتابة قالا: أخبرنا الكندي أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب أخبرنا رضوان بن محمد بالدينور أخبرنا حمد بن عبد الله الأصبهاني حدثنا أبو العباس بن أحمد الأردستاني حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي: سمعت أحمد بن سعيد الدرامي يقول: عادني محمد بن كثير الصنعاني فقال: أقالك الله عثرتك ورفع جنتك وفرغك لعبادة ربك.
بلغنا أنه قيل لأبي العباس السراج وهو يكتب في كهولته عن يحيى ابن أبي طالب: إلى كم هذا؟ فقال: أما علمت أن صاحب الحديث لا يصبر؟! قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أبو العباس السراج صدوق ثقة.
وقال أبو إسحاق المزكي: كان السراج مجاب الدعوة. قال محمد بن أحمد الدقاق: رأيت السراج يضحي كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصيح بأصحاب الحديث فيأكلون.
وكان أبو سهل الصعلوكي يقول: حدثنا أبو العباس السراج الأوحد في فنه الأكمل في وزنه.
قال الحافظ أبو علي بن الأخرم الشيباني: استعان بي السراج في التخريج على صحيح مسلم فكنت أتحير من كثرة الحديث الذي عنده وحسن أصوله وكان إذا وجد حديثاً عالياً يقول: لا بد أن تكتبه فأقول: ليس من شرط صاحبنا فيقول: فشفعني في هذا الحديث الواحد.
قال إسماعيل بن نجيد: رأيت أبا العباس السراج يركب حماره وعباس المستملي بين يديه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقول: يا عباس! غير كذا اكسر كذا: قال أبو عبد الله الحاكم: سمعت أبي يقول: لما ورد الزعفراني وأظهر خلق القرآن سمعت السراج يقول: العنوا الزعفراني فيضج الناس بلعنته فنزح إلى بخارى.
قال الصعلوكي: كنا نقول: السراج كالسراج.
قال الحاكم: أخبرنا أبو أحمد بن أبي الحسن: أرسلني ابن خزيمة إلى السراج فقال: قل له أمسك عن ذكر أبي خليفة وأصحابه فإن أهل البلد قد شوشوا فأديت الرسالة فزبرني.
قال الحاكم: وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر يقول: لما وقع من أمر الكلابية ما وقع بنيسابور كان أبو العباس السراج يمتحن أولاد الناس فلا يحدث أولاد الكلابية فأقامني في المجلس مرة فقال: قل: أنا أبرأ إلى الله تعالى من الكلابية فقلت: إن قلت هذا لا يطعمني أبي الخبز فضحك وقال: دعوا هذا.
أبو زكريا العنبري: سمعت أبا عمرو الخفاف يقول لأبي العباس السراج: لو دخلت على الأمير ونصحته قال فجاء وعنده أبو عمرو فقال أبو عمرو: هذا شيخنا وأكبرنا وقد حضر ينتفع الأمير بكلامه فقال السراج: أيها الأمير! إن الإقامة كانت فرادى وهي كذلك بالحرمين وهي في جامعنا مثنى مثنى وإن الدين خرج من الحرمين قال: فخجل الأمير وأبو عمرو والجماعة إذ كانوا قصدوا في أمر البلد فلما خرج عاتبوه فقال: استحييت من الله أن أسأل أمر الدنيا وأدع أمر الدين.
قال أبو الوليد حسان بن محمد: سمعت أبا العباس السراج يقول: واأسفي على بغداد! فقيل له: ما حملك على فراقها؟ قال أقام بها أخي إسماعيل خمسين سنة فلما توفي ورفعت جنازته سمعت رجلاً على باب الدرب يقول لآخر من هذا الميت؟ قال: غريب كان ها هنا فقلت: إنا لله بعد طول مقام أخي بها واشتهاره بالعلم والتجارة يقال له: غريب كان هنا فحملتني هذه الكلمة على الانصراف إلى الوطن.
قلت: كان أخوه إسماعيل السراج ثقة عالماً مختصاً بأحمد ابن حنبل يروي عن يحيى بن يحيى وجماعة روى عنه: إسماعيل الخطبي وابن قانع وطائفة.
أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك أخبرنا أبو روح بهراة أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول:" من يسألني فأعطيه" فهو زنديق كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
قلت: لا يكفر إن علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند - نسأل الله الهدى وإن اعترف إن هذا حق ولكن لا أخوض في معانيه فقد أحسن وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه فهو طريقة معروفة.
وقد كان السراج ذا ثروة وتجارة وبر ومعروف وله تعبد وتهجد إلا أنه كان منافراً للفقهاء أصحاب الرأي والله يغفر له.
قال الحاكم: سمعت أبا سعيد المقرئ سمعت السراج يقول عند حركاته إذا قام أو قعد: يا بغداد! واأسفى عليك متى يقضى لي الرجوع إليك.
نقل الحاكم وغيره: أن أبا العباس السراج مات في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وثلاث مئة بنيسابور أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي وأحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء قراءة عن عبد المعز بن محمد البزاز أخبرنا محمد بن إسماعيل الفضيلي أخبرنا سعيد بن أبي سعيد العيار أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد أخبرنا أبو العباس السراج أخبرنا قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أنه قال:" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبينها وزوجها وأن العقل على عصبتها" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة.
وقال أبو يعلى الخليلي في إرشاده: محمد بن إسحاق بن إبراهيم ابن مهران بن عبد الله بن العباس الثقفي ثقة متفق عليه من شرط الصحيح سمع حتى كتب عن الأقران ومن هو أصغر منه سناً لعلمه وتبحره سمعت أنه كتب عن ألف وخمس مئة وزيادة.
سمع منه البخاري وأبو حاتم والحسن بن سفيان وابن خزيمة.
ومات مع السراج الثقة أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق ومسند نيسابور أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي والعلامة أبو القاسم ثابت بن حزم بن مطرف السرقسطي اللغوي ومحدث الكوفة أبو محمد عبد الله بن زيدان بن بريد البجلي العابد وأبو عمر عبد الله بن عثمان العثماني - صاحب ابن المديني والفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن بشار البغدادي الزاهد والمحدث أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون النسوي وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي وأبو لبيد محمد بن إدريس بن إياس السامي السرخسي والحافظ أبو قريش محمد بن جمعة القهستاني والقاضي أبو عبيد الله محمد بن عبدة بن حرب وليس بثقة وإمام جامع واسط يوسف ابن يعقوب الواسطي.