الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد
العباسي البغدادي وأمه اسمها تمني.
مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
وماتت أمه في دولته وقد عجزت سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
وكان أبيض كث اللحية يخضب ديناً عالماً متعبداً وقوراً من جلة الخلفاء
وأمثلهم عده ابن الصلاح في الشافعية تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد
الهروي.
قال الخطيب: كان من الدين وإدامة التهجد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت
عنه وصنف كتاباً في الأصول ذكر فيه فضل الصحابة وإكفار من قال بخلق
القرآن وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث ويحضره
الناس مدة خلافته وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر.
قلت: قام بخلافته بهاء الدولة كما تقدم في سنة إحدى وثمانين واستقدموه
من البطائح فجهزه أميرها مهذب الدولة علي بن نصر وحمله من الآلات
والرخت بما أمكن وأعطاه طياراً فلما قدم واسط أتاه الأجناد وطلبوا رسم
البيعة وهاشوا فوعدهم بالجميل فرضوا فكان مقامه بالبطيحة أزيد من سنتين
فقدم واستكتب أبا الفضل محمد بن أحمد عارض الديلم وجعل أستاذ داره عبد
الواحد الشيرازي وحلف هو وبهاء الدولة كل منهما لصاحبه ثم سلطنه.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن القادر كان يلبس زي العامة ويقصد
الأماكن المباركة وطلب من أبي الحسن بن القزويني أن ينفذ له من طعامه
فنفذ باذنجاناً مقلواً بخل وباقلى ودبسا فأكل منه وفرق وبعث إليه بمئتي
دينار فقبلها ثم طلب منه بعد طعاما فبعث إليه زبادي فراريج ودجاج
وفالوذج فتعجب الخليفة وسأله فقال لم أتكلف ولما وسع علي وسعت على نفسي
فأعجبه وكان يتفقده.
وعملت الرافضة عيد الغدير يعني يوم المؤاخاة فثارت السنة وقووا وخرقوا
علم السلطان وقتل جماعة وصلب آخرون فكفوا.
وفي هذا القرب طلب أمير مكة أبو الفتوح العلوي الخلافة وتسمى بالراشد
بالله ولحق بآل جراح الطائي بالشام ومعه أقاربه ونحو من ألف عبد وحكم
بالرملة فانزعج العزيز بمصر وتلطف بالطائيين وبذل لهم الأموال وكتب
بإمارة الحرمين لابن عم الراشد فوهن أمر الراشد فأجاره أبو حسان الطائي
وتلطف له حتى عاد إلى إمرة مكة.
وفيها استولى بزال على دمشق وهزم متوليها منيراً. ونقص التشيع من بغداد
واستضرت الأمراء على بهاء الدولة وقهروه حتى سلم إليهم أبا الحسن ابن
المعلم الكوكبي فخنق وعظم القحط ببغداد.
وفي سنة 383 تزوج القادر بالله سكينة بنت الملك بهاء الدولة واستفحل
البلاء بالعيارين ببغداد ولم يحج أحد من العراق.
ومات في سنة 87 فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه بالري ووزر له
ابن عباد وكان شهما شجاعا كان الطائع قد لقبه ملك الأمة عاش ستاً
وأربعين سنة وكانت دولته أربع عشرة سنة وترك ألفي ألف دينار وثمان مئة
ألف دينار ومن الجواهر ما قيمته ثلاثة آلاف ألف ومن آنية الذهب ما وزنه
ألف ألف ومن آنية الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ومن فاخر الثياب ثلاثة
آلاف حمل وكانت خزائنه على ثلاثة آلاف وخمس مئة جمل.
وفي سنة ثمان وثمانين هلك تسعة ملوك صاحب مصر العزيز وصاحب خراسان وفخر
الدولة المذكور وصاحب خوارزم مأمون بن محمد وصاحب بست سبكتكين وغيرهم.
وفي سنة تسعين وثلاث مئة ظهر بسجستان معدن الذهب.
وفي سنة إحدى وتسعين عقد القادر بولاية العهد لابنه الغالب بالله وهو
في تسع سنين وعجل بذلك لأن الخطيب الواثق سار إلى خراسان وافتعل كتاباً
من القادر بأنه ولي عهده واجتمع ببعض الملوك فاحترمه وخطب له بعد
القادر ونفذ رسولاً إلى القادر بما فعل فأثبت فسق الواثقي ومات غريباً.
وكان الرفض علانية بدمشق في سنة أربع مئة ولقد أخذ نائبها تمصولت
البربري رجلاً في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة فطيف به على حمار هذا جزاء
من يحب أبا بكر وعمر ثم قتل.
وفي هذا الحين ظهر أبو ركوة الأموي والتف عليه من المغاربة والعرب خلق
وحارب ولعن الحاكم فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفاً فظفروا به وقتل.
وفي سنة أربع مئة عمل ابن سهلان سوراً منيعا على مشهد علي.
وافتتح محمود بن سبكتكين فتحاً عظيماً من الهند.
وفي هذا الوقت انبثت دعاة الحاكم في الأطراف فأمر القادر بعمل محضر
يتضمن القدح في نسب العبيدية وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي
فشهدوا جميعاً أن الناجم بمصر منصور بن نزار الحاكم حكم الله عليه
بالبوار وأن جدهم لما صار إلى الغرب تسمى بالمهدي عبيد الله وهو وسلفه
أرجاس أنجاس خوارج أدعياء وأنتم تعلمون أن أحداً من الطالبيين لم يتوقف
عن إطلاق القول بأنهم أدعياء وأن هذا الناجم وسلفه كفار زنادقة ولمذهب
الثنوية والمجوسية معتقدون عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء
وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكتب في المحضر الشريف
الرضي والشريف المرتضى ومحمد بن محمد بن عمر وابن الأزرق العلويون
والقاضي أبو محمد بن الأكفاني والقاسم أبو القاسم الجزري والشيخ أبو
حامد الإسفراييني وأبو محمد الكشفلي وأبو الحسين القدوري وأبو علي بن
حمكان.
وورد على الخليفة كتاب محمود أنه غزا الكفار وهم خلق معهم ست مئة فيل
وأنه نصر عليهم.
وفي سنة ثلاث وأربع مئة استبيح وفد العراق وقل من نجا فيقال هلك خمسة
عشر ألفاً وتسمى وقعة الفرعاء فسار ابن مزيد ولحقهم بالبرية فقتل منهم
مقتلة وأسر أربعة عشر من كبارهم فأهلكوا ببغداد.
وبعث ابن سبكتكين إلى القادر بأنه ورد إليه الداعي من الحاكم يدعوه إلى
طاعته فخرق كتابه وبصق عليه.
ومات في حدودها أيلك خان صاحب ما وراء النهر الذي أخذ البلاد من آل
سامان من بضع عشرة سنة وكان ظالماً مهيباً شديد الوطأة وقد وقع بينه
وبين طغان ملك الترك حروب فورث أخوه طغان مملكته ومالأه ابن سبكتكين
فتحركت جيوش الصين لحرب طغان في أزيد من مئة ألف خركاة فالتقاهم طغان
ونصره الله.
ومات بهاء الدولة أحمد بن عضد الدولة وتسلطن ابنه سلطان الدولة في ربيع
الأول سنة أربع وجلس القادر لذلك وقبل الأرض فخر الملك الوزير وقرأ ابن
حاجب النعمان العهد وعلم عليه القادر وأحضرت الخلع والتاج والطوق
والسواران واللواءان فعقدهما الخليفة بيده وأعطى سيفا للخادم فقال قلده
به فهو فخر له ولعقبه وبعث بذلك إلى شيراز.
وفيها أبطل الحاكم المنجمين من ممالكه وأعتق أكثر مماليكه وجعل ولي
عهده ابن عمه عبد الرحيم ين إلياس وأمر بحبس النساء في البيوت فاستمر
ذلك خمسة أعوام وصلحت سيرته لا أصلحه الله ومنع ببغداد فخر الملك من
عمل عاشوراء. ووقعت القبة التي على صخرة بيت المقدس وافتتح ابن سبكتكين
خوارزم ووقع ببغداد بين الشيعة والسنة فتن عظمى واشتد البلاء واستضرت
عليهم السنة وقتل جماعة.
واستتاب القادر فقهاء المعتزلة فتبرؤا من الاعتزال والرفض وأخذت خطوطهم
بذلك.
وتزوج سلطان الدولة ببنت صاحب الموصل قرواش.
وقتل الدرزي الذي ادعى ربوبية الحاكم.
وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر فبث السنة بممالكه وتهدد بقتل الرافضة
والإسماعيلية والقرامطة والمشبهة والجهمية والمعتزلة ولعنوا على
المنابر.
وفيها أعني سنة تسع قدم سلطان الدولة بغداد.
وافتتح ابن سبكتكين عدة مدائن بالهند وورد كتابه ففيه صدر العبد من
غزنة في أول سنة عشر وأربع مئة وانتدب لتنفيذ الأوامر فرتب في غزنة
خمسة عشر ألف فارس وأنهض ابنه في عشرين ألفاً وشحن بلخ وطخارستان باثني
عشر ألف فارس وعشرة آلاف راجل وانتخب ثلاثين ألف فارس وعشرة آلاف راجل
لصحبة راية الإسلام وانضم إليه المطوعة فافتتح قلاعا وحصونا وأسلم زهاء
عشرين ألفاً وأدوا نحو ألف ألف من الورق وثلاثين فيلاً وعدة الهلكى
خمسون ألفاً ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها نحو ألف قصر وألف بيت
للأصنام ومبلغ ما على الصنم ثمانية وتسعون ألف دينار وقلع أزيد من ألف
صنم ولهم صنم معظم يؤرخون مدته بجهالتهم بثلاث مئة ألف سنة وحصلنا من
الغنائم عشرين ألف ألف درهم وأفرد الخمس من الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين
ألفاً واستعرضنا ثلاث مئة وستة وخمسين فيلاً.
ونفذت من القادر بالله خلع السلطنة لقوام الدولة بولاية كرمان.
وناب بدمشق عبد الرحيم ولي عهد الحاكم.
وقتل بمصر الحاكم وأراح الله منه سنة إحدى عشرة.
وفي سنة أربع عشرة أقبل الملك مشرف الدولة مصعدا إلى بغداد من ناحية
واسط وطلب من القادر بالله أن يخرج لتلقيه فتلقاه في الطيار وما فعل
ذلك بملك قبله وجاء مشرف الدولة فصعد من زبزبه إلى الطيار فقبل الأرض
وأجلس على كرسي وكان موت مشرف الدولة بن بهاء الدولة في سنة ست عشرة
فنهبت خزائنه وخطب لجلال الدولة ثم إن الأمراء عدلوا إلى الملك أبي
كاليجار ونوهوا باسمه وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة فخطب لهذا ببغداد
وكثرت العملات ببغداد جداً واستباح جلال الدولة الأهواز فنهب منها ما
قيمته خمسة آلاف ألف دينار وأحرقت في أماكن ودثرت.
ومرض القادر بالله في سنة إحدى وعشرين ثم جلس للناس وأظهر ولاية العهد
لولده أبي جعفر.
وكان طاغية الروم قد قصد الشام في ثلاث مئة ألف ومعه المال على سبعين
جمازة فأشرف على عسكره مئة فارس من الأعراب وألف راجل فظنوا أنها كبسة
فلبس ملكهم خفاً أسود لكي يختفي وهرب فنهب من حواصله أربع مئة بغل
بأحمالها وقتل من جيشه خلق وأخذ البرجمي اللص وأعوانه العملات والمخازن
الكبار ونهبوا الأسواق وعم البلاء وخرج على جلال الدولة جنده لمنع
الأرزاق.
وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة مات القادر بالله في أول
أيام التشريق وصلى عليه ابنه القائم بأمر الله وكبر عليه أربعاً ودفن
في الدار ثم بعد عشرة أشهر نقل تابوته إلى الرصافة وعاش سبعاً وثمانين
سنة سوى شهر وثمانية أيام وما علمت أحداً من خلفاء هذه الأمة بلغ هذا
السن حتى ولا عثمان رضي الله عنه.
الخليفة أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن إسحاق بن المقتدر
جعفر العباسي البغدادي.
ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة في نصف ذي القعدة وأمه بدر الدجى
الأرمنية وقيل قطر الندى بقيت إلى أثناء خلافته.
وكان مليحاً وسيماً أبيض بحمرة قوي النفس ديناً ورعاً متصدقا.ً له يد
في الكتابة والأدب وفيه عدل وسماحة.
بويع يوم موت أبيه بعهد له منه في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربع
مئة وأبوه هو الذي لقبه. ولم يزل أمره مستقيماً إلى أن قبض عليه في سنة
خمسين وأربع مئة لأن أرسلان التركي البساسيري عظم شأنه لعدم نظير له
وتهيبته أمراء العرب والعجم ودعي له على المنابر وظلم وخرب القرى
وانقهر معه القائم ثم تحدث بأنه يريد نهب دار الخلافة وعزل القائم
فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه وكان بالري ثم أحرقت دار
البساسيري وهرب وقدم طغرلبك في سنة 447 وذهب البساسيري إلى الرحبة ومعه
عسكر فكاتب المستنصر فأمده من مصر بالأموال ومضى طغرلبك سنة تسع إلى
نصيبين ومعه أخوه ينال فكاتب البساسيري ينال فأفسده وطمع بمنصب أخيه
فسار بجيش ضخم إلى الري فسار أخوه في أثره وتفرقت الكلمة والتقى
الأخوان بهمذان وظهر ينال واضطرب أمر بغداد ووقع النهب وفرت زوجة
طغرلبك في جيش نحو همذان فوصل البساسيري في ذي القعدة إلى الأنبار
وبطلت الجمعة ودخل شاليش عسكره ثم دخل هو بغداد في الرايات المصرية
وضرب سرادقه على دجلة ونصرته الشيعة وكان قد جمع العيارين والفلاحين
وأطمعهم في النهب وعظم القحط واقتتلوا في السفن ثم في الجمعة المقبلة
دعي لصاحب مصر بجامع المنصور وأذنوا بحي على خير العمل وخندق الخليفة
حول داره ثم نهض البساسيري في أهل الكرخ وغيرهم إلى حرب القائم فاقتلوا
يومين وكثرت القتلى وأحرقت الأسواق ودخلوا الدار فانتهبوها وتذمم
القائم إلى الأمير قريش العقيلي وكان ممن قام مع البساسيري فأذمه وقبل
بين يديه فخرج القائم راكباً بين يديه الراية والأتراك بين يديه وأنزل
في خيمة ثم قبض البساسيري على الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة
والقاضي أبي عبد الله الدامغاني وجماعة فصلب الوزير فهلك.
وكان القائم فيه خير واهتمام بالرعية وقضاء للحوائج وقيل إنه لما بقي
معتقلاً عند العرب كتب قصة وبعث بها إلى بيت الله مستعديا ممن ظلمه وهي
إلى الله العظيم من المسكين عبده اللهم إنك العالم بالسرائر المطلع على
الضمائر اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي هذا عبدك قد كفر
نعمك وما شكرها أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا اللهم قل الناصر واعتز
الظالم وأنت المطلع الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه فقد
حاكمناه إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك
ووثقنا في كشفها بكرمك فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وأما ما كان من طغرلبك فإنه ظفر بأخيه وقتله ثم كاتب متولي عانة في أن
يرد القائم إلى مقر عزه.
وقيل إن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه السلطان طغرلبك فحصل القائم في
مقر دولته في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين.
ثم جهز طغرلبك عسكرا قاتلوا البساسيري فقتل وطيف برأسه.
فكانت الخطبة للمستنصر ببغداد سنة كاملة.
توفي القائم في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربع مئة.
عبيد
الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين
قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية وبثوا الدعاة
يستغوون الجبلية والجهلة.
وادعى هذا المدبر أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق فقال أنا عبيد الله بن
محمد بن عبد الله بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر ابن محمد.
وقيل: بل قال أنا عبيد الله بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن
جعفر الصادق وقيل: لم يكن اسمه عبيد الله بل إنما هو سعيد بن أحمد وقيل
سعيد بن الحسين.
وقيل: كان أبوه يهودياً.
وقيل: من أولاد ديصان الذي ألف في الزندقة.
وقيل: لما رأى اليسع صاحب سجلماسة الغلبة دخل فذبح المهدي فدخل أبو عبد
الله الشيعي فرآه قتيلاً وعنده خادم له فأبرز الخادم وقال للناس هذا
إمامكم.
والمحققون على أنه دعي بحيث إن المعز منهم لما سأله السيد ابن طباطبا
عن نسبه قال غداً أخرجه لك ثم أصبح وقد ألقى عرمة من الذهب ثم جذب نصف
سيفه من غمده فقال هذا نسبي وأمرهم بنهب الذهب وقال هذا حسبي وقد صنف
ابن الباقلاني وغيره من الأئمة في هتك مقالات العبيدية وبطلان نسبهم
فهذا نسبهم وهذه نحلتهم وقد سقت في حوادث تاريخنا من أحوال هؤلاء
وأخبارهم في تفاريق السنين عجائب. وكان هذا من أهل سلمية له غور وفيه
دهاء ومكر وله همة علية فسرى على أنموذج علي بن محمد الخبيث صاحب الزنج
الذي خرب البصرة وغيرها وتملك بضع عشرة سنة وأهلك البلاد والعباد وكان
بلاء على الأمة فقتل سنة سبعين ومئتين.
فرأى عبيد الله أن ما يرومه من الملك لا ينبغي أن يكون ظهوره بالعراق
ولا بالشام فبعث أولا له داعيين شيطانين داهيتين وهما الأخوان أبو عبد
الله الشيعي وأخوه أبو العباس فظهر أحدهما باليمن والآخر بأفريقية
وأظهر كل منهما الزهد والتأله وأدبا أولاد الناس وشوقا إلى الإمام
المهدي.
ولهم البلاغات السبعة فالأول للعوام وهو الرفض ثم البلاغ الثاني للخواص
ثم البلاغ الثالث لمن تمكن ثم الرابع لمن استمر سنتين ثم الخامس لمن
ثبت في المذهب ثلاث سنين ثم السادس لمن أقام أربعة أعوام ثم الخطاب
بالبلاغ السابع وهو الناموس الأعظم.
قال محمد بن إسحاق النديم: قرأته فرأيت فيه أمراً عظيماً من إباحة
المحظورات والوضع من الشرائع وأصحابها وكان في أيام معز الدولة ظاهرا
شائعا والدعاة منبثون في النواحي ثم تناقص.
قلت: ثم استحكم أمر أبي عبد الله بالمغرب وتبعه خلق من البربر ثم لحق
به أخوه وعظم جمعه حتى حارب متولي المغرب وقهره وجرت له أمور طويلة في
أزيد من عشرة أعوام.
فلما سمع عبيد الله بظهور داعيه سار بولده في زي تجار والعيون عليهما
إلى أن ظفر بهما متولي الإسكندرية فسر بهما وكاشر لهما التشيع فيه
فدخلا المغرب فظفر بهما أمير المغرب فسجنهما ولم يقرا له بشيء ثم التقى
هو وأبو عبد الله الشيعي فانتصر أبو عبد الله وتملك البلاد وأخرج
المهدي من السجن وقبل يده وقال لقواده هذا إمامنا فبايعه الملأ.
ووقع بعد بينه وبين داعييه لكونه ما أنصفهما ولا جعل لهما كبير منصب
فشككا فيه خواصهما وتفرقت كلمة الجنود ووقع بينهم مصاف فانتصر عبيد
الله وذبح الأخوين ودانت له الأمم وأنشأ مدينة المهدية ولم يتوجه لحربه
جيش لبعد الشقة ولوهن شأن الخلافة بإمارة المقتدر وجهز من المغرب ولده
ليأخذ مصر فلم يتم له ذلك.
قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه
أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن
الصحابة فاختاروا الموت فقال سهل الشاعر:
وأحل دار النحر في أغلالـه |
|
من كان ذا تقوى وذا صلوات |
ودفن
سائرهم في المنستير وهو بلسان الفرنج المعبد الكبير.
وكانت دولة هذا بضعاً وعشرين سنة.
حكى الوزير القفطي في سيرة بني عبيد قال كان أبو عبد الله الشيعي أحد
الدواهي وذلك أنه جمع مشايخ كتامة ليشككهم في الإمام فقال إن الإمام
كان بسلمية قد نزل عند يهودي عطار يعرف بعبيد فقام به وكتم أمره ثم مات
عبيد عن ولدين فأسلماهما وأمهما على يد الإمام وتزوج بها وبقي مختفيا
وبقي الأخوان في دكان العطر فولدت للإمام ابنين فعند اجتماعي به سألته
أي الاثنين إمامي بعدك فقال من أتاك منهما فهو إمامك فسيرت أخي
لإحضارهما فوجد أباهما قد مات هو وابنه الواحد فأتى بهذا وقد خفت أن
يكون أحد ولدي عبيد فقالوا وما أنكرت منه قال إن الإمام يعلم الكائنات
قبل وقوعها وهذا قد دخل معه بولدين ونص الأمر في الصغير بعده ومات بعد
عشرين يوماً يعني الولد ولو كان إماما لعلم بموته قالوا ثم ماذا قال
والإمام لا يلبس الحرير والذهب وهذا قد لبسهما وليس له أن يطأ إلا ما
تحقق أمره وهذا قد وطئ نساء زيادة الله يعني متولي المغرب قال فشككت
كتامة في أمره وقالوا فما ترى؟ قال قبضه ثم نسير من يكشف لنا عن أولاد
الإمام على الحقيقة فأجمعوا أمرهم وخف كبير كتامة فواجه المهدي وقال قد
شككنا فيك فائت بآية فأجابه بأجوبة قبلها عقله وقال إنكم تيقنتم
واليقين لا يزول إلا بيقين لا بشك وإن الطفل لم يمت وإنه إمامك وإنما
الأئمة ينتقلون وقد انتقل لإصلاح جهة أخرى قال آمنت فما لبسك الحرير
قال أنا نائب الشرع أحلل لنفسي ما أريد وكل الأموال لي وزيادة الله كان
عاصياً.
وأما عبد الله الشيعي وأخوه فإنهما أخذا يخببان عليه فقتلهما.
وخرج عليه خلق من كتامة فظفر بحيلة وقتلهم.
وخرج عليه أهل طرابلس فجهز ولده القائم فافتتحها عنوة وافتتح برقة ثم
افتتح صقلية وجهز القائم مرتين لأخذ مصر ويرجع مهزوما وبنى المهدية في
سنة ثمان وثلاث مئة. وخلف سنة بنين وسبع بنات وآخرهم وفاة أحمد عاش إلى
سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة بمصر.
وفي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين وأخذوا الحجيج وقتلوا وسبوا
واستباحوا حرم الله وقلعوا الحجر الأسود وكان عبيد الله يكاتبهم
ويحرضهم قاتله الله.
وقد ذكرت في تاريخ الإسلام أن في سنة سبعين ومئتين ظهرت دعوة المهدي
باليمن وكان قد سير داعيين أبا القاسم بن حوشب الكوفي وأبا الحسين ورغم
أنه ابن محمد بن إسماعيل بن الصادق جعفر بن محمد.
ونقل المؤيد الحموي في تاريخه أن المهدي اسمه فيما وكان قيل: سعيد بن
الحسين وأن أباه الحسين قدم سلمية فوصفت له امرأة يهودي حداد قد مات
عنها فتزوجها الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القداح هذا وكان لها
ولد من اليهودي فأحبه الحسين وأدبه ولما احتضر عهد إليه بأمور وعرفه
أسرار الباطنية وأعطاه أموالاً فبث له الدعاة وقد اختلف المؤرخون وكثر
كلامهم في قصة عبيد الله القداح بن ميمون بن ديصان فقالوا إن ديصان هذا
هو صاحب كتاب الميزان في الزندقة وكان يتولى أهل البيت وقال ونشأ
لميمون بن ديصان ابنه عبد الله فكان يقدح العين وتعلم من أبيه حيلا
ومكراً.
سار عبد الله في نواحي أصبهان وإلى البصرة ثم إلى سلمية يدعو إلى أهل
البيت ثم مات فقام ابنه أحمد بعده فصحبه رستم بن حوشب النجار الكوفي
فبعثه أحمد إلى اليمن يدعو له فأجابوه فسار إليه أبو عبد الله الشيعي
من صنعاء وكان بعدن فصحبه وصار من كبراء أصحابه وكان لأبي عبد الله هذا
دهاء وعلوم وذكاء وبعث ابن حوشب دعاة إلى المغرب فأجابته كتامة فنفذ
ابن حوشب إليهم أبا عبد الله ومعه ذهب كثير في سنة ثمانين ومئتين فصار
من أمره ما صار.
فهذا قول ونرجع إلى قول آخر هو أشهر فسير أعني والد المهدي أبا عبد
الله الشيعي فأقام باليمن أعواماً ثم حج فصادف طائفة من كتامة فنفق
عليهم وأخذوه إلى المغرب فأضلهم وكان يقول إن لظواهر الآيات والأحاديث
بواطن هي كاللب والظاهر كالقشر وقال لكل آية ظهر وبطن فمن وقف على علم
الباطن فقد ارتقى عن رتبة التكاليف.
وكان أبو عبد الله ذا مكر ودهاء وحيل وربط وله يد في العلم. فاشتهر
بالقيروان وبايعته البربر وتألهوه لزهده فبعث إليه متولي إفريقية يخوفه
ويهدده فما ألوى عليه فلما هم بقبضه استنهض الذين تبعوه وحارب فانتصر
مرات واستفحل أمره فصنع صاحب إفريقية صنع محمد بن يعفر صاحب اليمن فرفض
الإمارة وأظهر التوبة ولبس الصوف ورد المظالم ومضى غازيا نحو الروم
فتملك بعده ابنه أبو العباس بن إبراهيم بن أحمد ووصل الأب إلى صقلية
ومنها إلى طبرمين فافتتحها ثم مات مبطونا في ذي القعدة سنة تسع وثمانين
ومئتين كانت دولته ثمانيا وعشرين سنة ودفن بصقلية.
وشهر الشيعي بالمشرقي وكثرت جيوشه وزاد الطلب لعبيد الله فسار بابنه
وهو صبي ومعهما أبو العباس أخو الداعي الشيعي فتحيلوا حتى وصلوا إلى
طرابلس المغرب وتقدمهما أبو العباس إلى القيروان وبالغ زيادة الله
الأغلبي في تطلبهما فوقع بأبي العباس فقرره فأصر على الإنكار فحبسه
برقادة وعرف بذلك المهدي فعدل إلى سجلماسة وأقام بها يتجر فعلم به
زيادة الله وقبض متولي البلد على المهدي وابنه ثم التقى زيادة الله
والشيعي غير مرة وينتصر الشيعي وانهزم من السجن أبو العباس ثم أمسك.
وأما زيادة الله فأيس من المغرب ولحق بمصر وأقبل الشيعي وأخوه في جمع
كثير فقصدا سجلماسة فبرز لهما متوليها اليسع فانهزم جيشه في سنة ست
وتسعين ومئتين وأخرج الشيعي عبيد الله وابنه واستولى على البلاد وتمهدت
له المغرب.
ثم سار في أربعين ألفاً براً وبحراً يقصد مصر فنزل لبدة وهي على أربعة
مراحل من الإسكندرية ففجر تكين الخاصة عليهم النيل فحال الماء بينهم
وبين مصر.
قال المسبحي فكانت وقعة برقة فسلمها المنصور وانهزم إلى مصر.
وفيها سار حباسة الكتامي في عسكر عظيم طليعة بين يدي ابن المهدي فوصل
إلى الجيزة فتاه على المخاضة وبرز إليه عسكر ومنعوه وكان النيل زائدا
فرجع جيش المهدي وعاثوا وأفسدوا.
ثم قصدوا مصر في سنة ست وثلاث مئة مع القائم فأخذ الإسكندرية وكثيرا من
الصعيد ثم رجع ثم أقبلوا في سنة ثمان وملكوا الجيزة.
وفي نسب المهدي أقوال حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي. وكان موته قي
نصف ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة وله اثنتان وستون سنة
وكانت دولته خمساً وعشرين سنة وأشهراً.
وقام بعده ابنه القائم.
نقل القاضي عياض في ترجمة أبي محمد الكستراتي أنه سئل عمن أكرهه بنو
عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل. فقال يختار القتل ولا يعذر ويجب
الفرار لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز.
قال القاضي عياض: أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين
والزنادقة.
وقيل: إن عبيد الله تملك المغرب فلم يكن يفصح بهذا المذهب إلا للخواص
فلما تمكن أكثر القتل جداً وسبى الحريم وطمع قي أخذ مصر.
صاحب
المغرب أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله.
مولده بسلمية في سنة ثمان وسبعين ومئتين.
ودخل المغرب مع أبيه فبويع هذا عند موت أبيه في سنة اثنتين وعشرين
وثلاث مئة.
وكان مهيباً شجاعاً قليل الخير فاسد العقيدة.
خرج عليه في سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مئة أبو يزيد مخلد بن كيداد
البربري وجرت بينهما ملاحم وحصره مخلد بالمهدية وضيق عليه واستولى على
بلاده ثم وسوس القائم واختلط وزال عقله وكان شيطاناً مريداً يتزندق.
ذكر القاضي عبد الجبار المتكلم أن القائم أظهر سب الأنبياء وكان مناديه
يصيح العنوا الغار وما حوى وأباد عدة من العلماء وكان يراسل قرامطة
البحرين ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف فتجمعت الإباضية والبربر على
مخلد وأقبل وكان ناسكاً قصير الدلق يركب حماراً لكنهم خوارج وقام معه
خلق من السنة والصلحاء وكاد أن يتملك العالم وركزت بنودهم عند جامع
القيروان فيها لا إله إلا الله لا حكم إلا لله وبندان أصفران فيهما نصر
من الله وفتح قريب وبند لمخلد فيه اللهم انصر وليك على من سب نبيك
وخطبهم أحمد بن أبي الوليد فحض على الجهاد ثم ساروا ونازلوا المهدية
ولما التقوا وأيقن مخلد بالنصر تحركت نفسه الخارجية وقال لأصحابه
انكشفوا عن أهل القيروان حتى ينال منهم عدوهم ففعلوا ذلك فاستشهد خمسة
وثمانون نفساً من العلماء والزهاد.
وخوارج المغرب إباضية منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض الذي خرج
في أيام مروان الحمار وانتشر أتباعه بالمغرب يقول أفعالنا مخلوقة لنا
ويكفر بالكبائر ويقول ليس في القرآن خصوص ومن خالفه حل دمه.
نعم وكان القائم يسمى أيضاً نزاراً ولما أخذ أكثر بلاد مصر في سنة سبع
وثلاث مئة انتدب لحربه جيش المقتدر عليهم مؤنس فالتقى الجمعان فكانت
وقعة مشهورة ثم تقهقر القائم إلى المغرب ووقع في جيشه الغلاء والوباء
وفي خيلهم وتبعه أياماً جيش المقتدر.
وكان موت القائم في شوال سنة أربع وثلاثين محصوراً بالمهدية.
لكن قام بعده ابنه المنصور.
وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح
الذي لا حيلة فيه وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضاً.
وعوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي فقال وكيف لا أخرج
وقد سمعت الكفر بأذني خضرت عقدا فيه جمع من سنة ومشارقة وفيهم أبو
قضاعة الداعي فجاء رئيس فقال كبير منهم إلى هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب
رسول الله يعني أبا قضاعة فما نطق أحد.
ووجد بخط فقيه قال في رجب سنة 331 قام المكوكب يقذف الصحابة ويطعن على
النبي صلى الله عليه وسلم وعلقت رؤوس حمير وكباش على الحوانيت كتب
عليها أنها رؤوس صحابة.
وخرج أبو إسحاق الفقيه مع أبي يزيد وقال هم أهل القبلة وأولئك ليسوا
أهل قبلة وهم بنو عدو الله فإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد
لأنه خارجي.
قال أبو ميسرة الضرير: أدخلني الله في شفاعة أسود رمى هؤلاء القوم
بحجر.
وقال السبائي أي والله نجد في قتل المبدل للدين.
وتسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود وخطبهم في
الجمعة أحمد بن أبي الوليد وحرضهم وقال جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه
رب من دون الله وغير أحكام الله وسب نبيه وأصحاب نبيه فبكى الناس بكاء
شديداً وقال اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله
المدعي الربوبية جاحد لنعمتك كافر بربوبيتك طاعن على رسلك مكذب بمحمد
نبيك سافك للدماء فالعنه لعنا وبيلا واخزه خزيا طويلا واغضب عليه بكرة
وأصيلا ثم نزل فصلى بهم الجمعة. وركب ربيع القطان فرسه ملبساً وفي عنقه
المصحف وحوله جمع كبير وهو يتلو آيات جهاد الكفرة فاستشهد ربيع في خلق
من الناس يوم المصاف في صفر سنة أربع وثلاثين وكان غرض هؤلاء المجوس
بني عبيد أخذه حياً ليعذبوه.
قال أبو الحسن القابسي استشهد معه فضلاء وأئمة وعباد.
وقال بعض الشعراء في بني عبيد:
الماكر الغادر الغاوي لشيعتـه |
|
شر الزنادق من صحب وتباع |
العابدين إذاً عجلاً يخاطبـهـم |
|
بسحر هاروت من كفر وإبداع |
لو قيل: للروم أنتم مثلهم لبكـوا |
|
أو لليهود لسدوا صمخ أسماع |
أبو
الطاهر إسماعيل بن القائم بن المهدي العبيدي الباطني صاحب المغرب.
ولي بعد أبيه وحارب رأس الإباضية أبا يزيد مخلد بن كيداد الزاهد والتقى
الجمعان مرات وظهر مخلد على أكثر المغرب ولم يبق لبني عبيد سوى
المهدية.
فنهض المنصور وأخفى موت أبيه وصابر الإباضية حتى ترحلوا عنه ونازلوا
مدينة سوسة فبرز المنصور من المهدية والتقوا فانكسر جيش مخلد على
كثرتهم وأسر هو في سنة 336 فمات بعد الأسر بأربعة أيام من الجراح فسلخ
وحشي قطنا وصلب.
وبنوا مدينة المنصورية مكان الوقعة فنزلها المنصور.
وكان بطلاً شجاعاً رابط الجأش فصيحاً مفوهاً يرتجل الخطب وفيه إسلام في
الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق.
وقد جمع في قصره مرة من أولاد جنده ورعيته عشرة آلاف صبي وكساهم كسوة
فاخرة وعمل لهم وليمة لم يسمع قط بمثلها وختنهم جميعاً وكان يهب للواحد
منهم المئة دينار والخمسين دينارا على أقدارهم.
ومن محاسنه أنه ولى محمد بن أبي المنظور الأنصاري قضاء القيروان وكان
من كبار أصحاب الحديث قد لقي إسماعيل القاضي والحارث بن أبي أسامة فقال
بشرط أن لا آخذ رزقاً ولا أركب دابة فولاه ليتألف الرعية فأحضر إليه
يهودي قد سب فبطحه وضربه إلى أن مات تحت الضرب خاف أن يحكم بقتله فتحل
عليه الدولة.
وأتى يوماً بيته فوجد سلاف داية السلطان تشفع في امرأة نائحة فاسقة
ليطلقها من حبسه فقال مالك قالت قضيب محبوبة المنصور تطلب منك أن
تطلقها فقال يا منتنة لولا شيء لضربتك لعنك الله ولعن من أرسلك فولولت
وشقت ثيابها ثم ذكرت أمرها للمنصور فقال ما أصنع به ما أخذ منا صلة ولا
نقدر على عزله نحن نحب إصلاح البلد.
خرج في رمضان سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة إلى مكان يتنزه فأصابه برد
وريح عظيمة فأثر ذلك فيه ومرض ومات عدد كثير ممن معه ثم مات هو في سلخ
شوال من السنة وله تسع وثلاثون سنة.
وقد كان في سنة أربعين جهز جيشه في البحر إلى صقلية فهزموا النصارى
وكانت ملحمة عظمى قتل فيها من العدو ثلاثون ألفاً وأسر منهم ألوف وغنم
الجند ما لا يعبر عنه.
وقيل أنه افتتح مدينة جنوه ونهب أعمال سردانيه.
وحكم على مملكة صقلية وافتتح له نائبه عليها فتوحات وانتصر على العدو
وفرح بذلك المسلمون وتوطد سلطانه.
وخلف خمسة بنين وست بنات.
وذكر المشايخ أنهم ما رأوا فتحا مثله قط.
وكان المنصور محبباً إلى الرعية مقتصراً على إظهار التشيع وقام بعده
المعز ولده.
هو
المعز لدين الله أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم العبيدي
المهدوي المغربي الذي بنيت القاهرة المعزية له كان صاحب المغرب وكان
ولي عهد أبيه.
ولي سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة وسار في نواحي إفريقية يمهد ملكه فذلل
الخارجين عليه واستعمل مماليكه على المدن واستخدم الجند وأنفق الأموال
وجهز مملوكه جوهر القائد في الجيوش.
فسار فافتتح سجلماسة وسار إلى أن وصل إلى البحر الأعظم وصيد له من سمكه
وافتتح مدينة فاس وأسر صاحبها وصاحب سبتة وبعث بهما إلى أستاذه وقيل لم
يقدر على سبتة وكانت لصاحب الأندلس المرواني.
قال القفطي عزم المعز على بعث جيشه إلى مصر فسألته أمه أن يؤخر ذلك
لتحج خفية فأجابها وحجت فأحس بقدومها الأستاذ كافور يعني صاحب مصر فحضر
إليها وخدمها وحمل إليها تحفاً وبعث في خدمتها أجناداً فلما رجعت منعت
ابنها من قصد مصر فلما مات كافور بعث المعز جيشه فأخذوا مصر. قلت قدم
عليهم جوهراً فجنى ما على البربر من الضرائب فكان ذلك خمس مئة ألف
دينار وعمد المعز إلى خزائن آبائه فبذل منها خمس مئة حمل من المال
وساروا في أول سنة ثمان وخمسين في أهبة عظيمة.
وكانت مصر في القحط فأخذها جوهر وأخذ الشام والحجاز ونفذ يعرف مولاه
بانتظام الأمر.
وضربت السكة على الدينار بمصر وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله علي
خير الوصيين والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ وأعلن الأذان بحي على خير
العمل ونودي من مات عن بنت وأخ أو أخت فالمال كله للبنت فهذا رأي
هؤلاء.
ثم جهز جوهر هدية إلى المعز وهي عشرون كجاوة منها واحدة مرصعة بالجواهر
وخمسون فرساً كاملة العدة وخمس وخمسون ناقة مزينة وثلاث مئة وخمسون
جملاً بخاتي وعدة أحمال من نفائس المتاع وطيور في أقفاص سار بها جعفر
ولد جوهر ومعه عدة أمراء إخشيدية تحت الحوطة مكرمين واعتقل أبناء الملك
علي بن الإخشيد في رفاهية وأحسن إلى الرعية وتصدق بمال عظيم.
وأخذت الرملة بالسيف وأسر صاحبها الحسن بن أخي الإخشيد وأمراؤه وبعثوا
إلى المغرب.
وأمر الأعيان بأن يعولوا المساكين لشدة الغلاء.
فتهيأ المعز واستناب على المغرب بلكين الصنهاجي وسار بخزائنه وتوابيت
آبائه وكان دخوله إلى الإسكندرية في شعبان سنة اثنتين وستين وثلاث مئة
وتلقاه قاضي مصر الذهلي وأعيانها فأكرمهم وطال حديثه معهم وعرفهم أن
قصده الحق والجهاد وأن يختم عمره بالأعمال الصالحة وأن يقيم أوامر جده
رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعظ وذكر حتى أعجبهم وبكى بعضهم ثم خلع
عليهم وقال للقاضي أبي الطاهر الذهلي من رأيت من الخلفاء؟ فقال واحداً
قال من هو قال مولانا فأعجبه ذلك.
ثم إنه سار حتى خيم بالجيزة فأخذ عسكره في التعدية إلى الفسطاط ثم دخل
القاهرة وقد بني له بها قصر الإمارة وزينت مصر فاستوى على سرير ملكه
وصلى ركعتين.
وكان عاقلاً لبيباً حازماً ذا أدب وعلم ومعرفة وجلالة وكرم يرجع في
الجملة إلى عدل وإنصاف ولولا بدعته ورفضه لكان من خيار الملوك.
قيل إن زوجة صاحب مصر الإخشيد لما زالت دولتهم أودعت عند يهودي بغلطاقا
من جوهر ثم إنها طلبته منه فأنكره وصمم فبذلت له كمه فأصر فما زالت حتى
قالت خذه وهات كما منه فما فعل فأتت القصر فأذن المعز لها فحدثته
بأمرها فأحضر اليهودي وقرره فلم يقر فنفذ إلى داره من أخرب حيطانها
فوجدوا جرة فيها البغلطاق فلما رآه المعز ابتهر من حسنه وقد نقصه
اليهودي درتين باعهما بألف وست مئة دينار فسلمه إليها فاجتهدت أن يأخذه
هدية منها أو بثمن فأبى فقالت: يا أمير المؤمنين إنما كان يصلح لي إذ
كنا أصحاب البلاد وأما اليوم فلا ثم أخذته ومضت.
قيل: إن المنجمين أخبروا المعز أن عليك قطعا فأشاروا أن يتخذ سربا
يتوارى فيه سنة ففعل فلما طالت الغيبة ظن جنده المغاربة أنه رفع فكان
الفارس منهم إذا رأى غمامة ترجل ويقول السلام عليك يا أمير المؤمنين ثم
إنه خرج بعد سنة فخرج فما عاش بعدها إلا يسيراً.
وللشعراء فيه مدائح.
ومن شعره:
أطلع الحسن من جبينك شمساً |
|
فوق ورد من وجنتيك أطلا |
فكأن الجمال خاف على الور |
|
د ذبولاً فمد بالشعـر ظـلا |
ومن شعره:لله ما صنعت بنا==تلك المحاجر في المعاجر
أمضى وأقضى في النـفـو |
|
س من الخناجر في الحناجر |
ولقد تعـبـت بـبـينـكـم |
|
تعب المهاجر في الهواجر |
قيل
إنه أحضر إلى المعز بمصر كتاب فيه شهادة جدهم عبيد الله بسلمية وفيه
وكتب عبيد الله بن محمد بن عبد الله الباهلي فقال نعم هذه شهادة جدنا
وأراد بقوله الباهلي أنه من أهل المباهلة لا أنه من باهلة.
قلت: ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام
والحجاز والغرب بالدولة العبيدية وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه
وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ثم ضعف بدنه
وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع لله وله السكة والخطبة
وقليل من الأمور فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن.
وكذلك دولة صاحب الأندلس المستنصر بالله المرواني كانت موطدة مستقلة
كوالده الناصر لدين الله الذي ولي خمسين عاماً.
وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل فلله الأمر كله. قيل ما
عرف عن المعز غير التشيع وكان يطيل الصلاة ومات قبله بسنة ابنه عبد
الله ولي العهد وصبر وغلقت مصر لعزائه ثلاثاً وشيعوه بلا عمائم بل
بمناديل صوف فأمهم المعز بأتم الصلاة وأحسنها.
في سنة ستين وثلاث مئة وجد بالسوق قد نسج فيه المعز عز وجل فأحضر
النساج إلى الجوهر فأنكر ذلك وصلب النساج ثم أطلق.
وأخذ المحتسب من الطحانين سبع مئة دينار فأنكر عليه جوهر ورد الذهب
إليهم.
وأبيع تليس الدقيق بتسعة عشر ديناراً ثم انحل السعر في سنة ستين وثلاث
مئة وكان الغلاء أربع سنين.
وقبض جوهر على تسع مئة وأربعين جنديا والإخشيد في وقت واحد وقيدوا.
وثارت عليه القرامطة واستولوا على كثير من الشام وساروا حتى أتوا مصر
فحاربهم جوهر وجرت أمور مهولة.
وعزل سنة 361 من الوزارة ابن حنزابة وأهين.
ووقع المصاف بين جوهر والقرامطة وقتل خلق وذلك بظاهر القاهرة واستمر
ذلك ثلاثة أيام ثم ترحل الأعسم االقرمطي منهزما وذلوا واتهم الأعسم
أمراءه بالمخامرة فقبض عليهم.
وصلى بالناس المعز يومي العيد صلاة طويلة بحيث إنه سبح في السجود نحو
ثلاثين ثم خطبهم فأبلغ وأحبته الرعية.
وصنع شمسية لتعمل على الكعبة ثمانية أشبار في مثلها من حرير أحمر وفيها
اثنا عشر هلالا من ذهب وفي الهلال ترنجة قد رصعت بجواهر وياقوت وزمرد
لم يشاهد أحد مثلها.
وقدم له جوهر القائد تحفا بنحو من ألف ألف دينار فخلع عليه وأعطاه ما
يليق به.
مات المعز في ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاث مئة بالقاهرة المعزية
وكان مولده بالمهدية التي بناها جدهم وعاش ستا وأربعين سنة.
وكانت دولته أربعاً وعشرين سنة.
وقام بعده ابنه العزيز بالله.
وقد جرى على دمشق وغيرها من عساكر المغاربة كل قبيح من القتل والنهب
وفعلوا ما لا يفعله الفرنج ولولا خوف الإطالة لسقت ما يبكي الأعين.
صاحب
مصر أبو منصور نزار بن المعز معد بن إسماعيل العبيدي المهدوي المغربي.
ولد سنة أربع وأربعين وثلاث مئة.
قام بعد أبيه في ربيع الأول سنة خمس وستين.
وكان كريماً شجاعاً صفوحا أسمر أصهب الشعر أعين أشهل بعيد ما بين
المنكبين حسن الأخلاق قريباً من الرعية مغرى بالصيد ويكثر من صيد
السباع ولا يؤثر سفك الدماء وله نظم ومعرفة.
توفي في العيد ولد له فقال:
نحن بنو المصطفى ذوو محن |
|
أولنا مبتلـى وخـاتـمـنـا |
عجيية في الأنام محنـتـنـا |
|
يجرعها في الحياة كاظمنـا |
يفرح هذا الورى بعـيدهـم |
|
طرا وأعيادنا مـآتـمـنـا |
قال
أبو منصور الثعالبي في اليتيمة سمعت الشيخ أبا الطيب يحكي أن الأموي
صاحب الأندلس كتب إليه نزار صاحب مصر كتاباً سبه فيه وهجاه فكتب إليه
الأموي أما بعد فإنك عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك فاشتد هذا على
العزيز وأفحمه عن الجواب يشير أنك دعي لا نعرف قبيلتك.
قال أبو الفرج بن الجوزي كان العزيز قد ولى عيسى بن نسطورس النصراني
أمر مصر واستناب منشا اليهودي بالشام فكتبت إليه امرأة بالذي أعز
اليهود والنصارى بمنشا وابن نسطورس وأذل المسلمين بك إلا ما نظرت في
أمري فقبض على الاثنين وأخذ من عيسى ثلاث مئة ألف دينار.
قال ابن خلكان وغيره أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبيد الله جد
خلفاء مصر حتى إن العزيز في أول ولايته صعد المنبر يوم جمعة فوجد هناك
رقعة فيها:
إذا سمعنا نسبـاً مـنـكـراً |
|
نبكي على المنبر والجامـع |
إن كنت فيما تدعي صادقـاً |
|
فاذكر أبا بعد الأب الرابـع |
وإن ترد تحقيق ما قـلـتـه |
|
فانسب لنا نفسك كالطـائع |
أولا دع الأنساب مسـتـورة |
|
وادخل بنا في النسب الواسع |
فإن أنساب بـنـي هـاشـم |
|
يقصر عنها طمع الطامـع |
وصعد مرة أخرى فرأى ورقة فيها:
بالظلم والجور قد رضينا |
|
وليس بالكفر والحماقـه |
إن كنت أعطيت علم غيب |
|
فقل لنا كاتب البطـاقـه |
ثم
قال ابن خلكان وذلك لأنهم ادعوا علم المغيبات ولهم في ذلك أخبار
مشهورة.
وفتحت للعزيز حلب وحماه وحمص وخطب أبو الذواد محمد بن المسيب بالموصل
له ورقم اسمه على الأعلام والسكة سنة 383 وخطب له أيضاً باليمن وبالشام
ومدائن المغرب. وكانت دولة هذا الرافضي أعظم بكثير من دولة أمير
المؤمنين الطائع ابن المطيع العباسي.
قال المسبحي: وفي سنة ثمانين أسس جامع القاهرة وفي أيام العزيز بني قصر
البحر الذي لم يكن مثله في شرق ولا غرب وجامع القرافة وقصر الذهب.
وفي أيامه أظهر سب الصحابة جهاراً.
وقي سنة 366 حجت جميلة بنت ناصر الدولة صاحب الموصل.
فمما كان معها أربع مئة محمل فكانت لا يدرى في أي محمل هي.
وأعتقت خمس مئة نفس ونثرت على الكعبة عشرة آلاف مثقال وسقت جميع الوفد
سويق السكر والثلج كذا قال الثعالبي وخلعت وكست خمسين ألفاً ولقد خطبها
السلطان عضد الدولة فأبت فحنق لذلك ثم تمكن منها فأفقرها وعذبها ثم
ألزمها أن تقعد قي الحانة لتحصل من الفاحشة ما تؤدي فمرت مع الأعوان
فقذفت نفسها في دجلة فغرقت عفا الله عنها.
وفي سنة 67 جرت وقعات بين المصريين وهفتكين الأمير وقتل خلق وضرب المثل
بشجاعة هفتكين وهزم الجيوش وفر منه جوهر القائد فسار لحربه صاحب مصر
العزيز بنفسه فالتقوا بالرملة وكان هفتكين على فرس أدهم يجول في الناس
فبعث إليه العزيز رسولا يقول أزعجتني وأحوجتني لمباشرة الحرب وأنا طالب
للصلح وأهب لك الشام كله قال فنزل وباس الأرض واعتذر ووقع الحرب وقال
فات الأمر ثم حمل على الميسرة فهزمها فحمل العزيز بنفسه عليه في
الأبطال فانهزم هفتكين ومن معه والقرامطة واستحر بهم القتل ونودي من
أسر هفتكين فله مئة ألف دينار وذهب هفتكين جريحا في ثلاثة فظفر به مفرج
بن دغفل ثم أتى به العزيز فلم يؤذه بل بلغه أعلى الرتب مديدة ثم سقاه
ابن كلس الوزير فأنكر العزيز ذلك فداراه ابن كلس بخمس مئة ألف دينار.
وفي سنة 368 توثب على دمشق قسام الجبيلي التراب والتف عليه أحداث البلد
وشطارها ولم يبق لأميرها معه أمر.
وجاء رسول العزيز إلى أمير الوقت عضد الدولة ليخطب له فأجابه بتلطف وود
وإتحاف ولم يتهيأ ذلك.
وفيها أي سنة 69 سلطن الطائع عضد الدولة وبلغه أقصى الرتب وفوض إليه
أمور الرعية شرقاً وغرباً وعقد بيده له لواءين وزاد في ألقابه تاج
الملة.
وتزوج الطائع ببنته على مئة ألف دينار.
وفي سنة سبعين رجع عضد الدولة من همذان فخرج الطائع لتلقيه أكره على ذا
وما جرت عادة لخليفة بهذا.
وفي سنة إحدى وقع حريق عظيم ببغداد وذهبت الأموال.
وفي سنة اثنتين مات السلطان عضد الدولة والسيدة المحجبة سارة أخت
المقتدر وقد قاربت التسعين ولطموا أياما في الأسواق على العضد وتملك
ابنه صمصام الدولة.
وفي سنة تهيأ العزيز لغزو الروم فأحرقت مراكبه فغضب وقتل مئتي نفس
اتهمهم ثم وصلت رسل طاغية الروم بهدية تطلب الهدنة فأجاب بشرط أن لا
يبقى في مملكتهم أسير وبأن يخطبوا للعزيز بقسطنطينية في جامعها وعقدت
سبعة أعوام.
ومات متولي إفريقية يوسف بلكين وقام ابنه المنصور وبعث تقادم إلى
العزيز قيمتها ألف ألف دينار.
واشتد القحط ببغداد وابتيعت كارة الدقيق بمئتين وستين درهماً.
وغلب شرف الدولة على بغداد وقبض على أخيه الصمصام.
وفي سنة عزل من الخلافة الطائع وولي القادر.
وفي سنة ست وثمانين في رمضان مات العزيز ببلبيس في حمام من القولنج
وعمره اثنتان وأربعون سنة وأشهر وقام ابنه الحاكم الزنديق.
صاحب
مصر الحاكم بأمر الله أبو علي منصور بن العزيز نزار بن المعز معد بن
المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدي العبيدي المصري الرافضي بل
الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية.
مولده في سنة خمس وسبعين وثلاث مئة.
وأقاموه في الملك بعد أبيه وله إحدى عشرة سنة فحكى هو قال ضمني أبي
وقبلني وهو عريان وقال امض فالعب فأنا في عافية قال ثم توفي فأتاني
برجوان وأنا على جميزة في الدار فقال انزل ويحك الله الله فينا فنزلت
فوضع العمامة بالجوهر على رأسي وقبل الأرض ثم قال السلام عليك يا أمير
المؤمنين وخرج بي إلى الناس فقبلوا الأرض وسلموا علي بالخلافة. قلت
وكان شيطاناً مريدا جبارا عنيدا كثير التلون سفاكا للدماء خبيث النحلة
عظيم المكر جوادا ممدحا له شأن عجيب ونبأ غريب كان فرعون زمانه يخترع
كل وقت أحكاما يلزم الرعية بها أمر بسب الصحابة رضي الله عنهم وبكتابة
ذلك على أبواب المساجد والشوارع وأمر عماله بالسب وبقتل الكلاب في سنة
خمس وتسعين وثلاث مئة وأبطل الفقاع والملوخيا وحرم السمك الذي لا فلوس
عليه ووقع ببائع لشيء من ذلك فقتلهم.
وفي سنة اثنتين وأربع مئة حرم بيع الرطب وجمع منه شيئاً عظيماً فأحرقه
ومنع من بيع العنب وأباد الكروم وأمر النصارى بتعليق صليب في رقابهم
زنته رطل وربع بالدمشقي وألزم اليهود أن يعلقوا في أعناقهم قرمية في
زنة الصليب إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه وأن تكون عمائمهم سودا وأن
يدخلوا الحمام بالصليب وبالقرمية ثم أفرد لهم حمامات وأمر في العام
بهدم كنيسة قمامة وبهدم كنائس مصر.
فأسلم عدة ثم إنه نهى عن تقبيل الأرض وعن الدعاء له في الخطب وفي الكتب
وجعل بدله السلام عليه.
وقيل: إن ابن باديس أمير المغرب بعث ينقم عليه أموراً فأراد أن يستميله
فأظهر التفقه وحمل في كمه الدفاتر وطلب إلى عنده فقيهين وأمرهما بتدريس
فقه مالك في الجامع ثم تغير فقتلهما صبرا.
وأذن للنصارى الذين أكرههم في العود إلى الكفر.
وفي سنة 404 نفى المنجمين من بلاده.
ومنع النساء من الخروج من البيوت فأحسن وأبطل عمل الخفاف لهن جملة وما
زلن ممنوعات من الخروج سبع سنين وسبعة أشهر.
ثم بعد مدة أمر بإنشاء ما هدم من الكنائس وبتنصر من أسلم.
وأنشأ الجامع بالقاهرة وكان العزيز ابتدأه.
وقد خرج عليه أبو ركوة الوليد بن هشام العثماني الأندلسي بأرض برقة
والتف عليه البربر واستفحل أمره فجهز الحاكم لحربه جيشاً فانتصر أبو
ركوة وتملك وجرت خطوب ثم أسر وقتل من جنده نحو من سبعين ألفاً وحمل إلى
الحاكم في سنة 397 فذبحه صبراً.
وقد حبب في الآخر إلى الحاكم العزلة وبقي يركب وحده في الأسواق على
حمار ويقيم الحسبة بنفسه وبين يديه عبد ضخم فاجر فمن وجب عليه تأديب
أمر العبد أن يولج فيه والمفعول به يصيح.
وقيل: إنه أراد ادعاء الإلهية وشرع في ذلك فكلمه الكبراء وخوفوه من
وثوب الناس فتوقف.
وفي سنة إحدى وأربع مئة أقام الدعوة قرواش بن مقلد بالموصل للحاكم
فأعطى الخطيب نسخة بما يقوله الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغصب
وانقهرت بقدرته أركان النصب وأطلع بأمره شمس الحق من الغرب ومحى بعدله
جور الظلمة فعاد الحق إلى نصابه الباين بذاته المنفرد بصفاته لم يشبه
الصور فتحتويه الأمكنة ولم تره العيون فتصفه.
ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم علي أمير المؤمنين وسيد
الوصيين وعماد العلم وعلى أغصانه البواسق اللهم وصل على الإمام المهدي
بك والذي جاء بأمرك وصل على القائم بأمرك والمنصور بنصرك وعلى المعز
لدينك المجاهد في سبيلك وصل على العزيز بك واجعل نوامي صلواتك على
مولانا إمام الزمان وحصن الإيمان صاحب الدعوة العلوية عبدك ووليك أبي
علي الحاكم بأمرك أمير المؤمنين.
وأقيمت الدعوة على يد قرواش بالكوفة وبالمدائن.
ثم استمال القادر بالله قرواشاً ونفذ إليه تحفا بثلاثين ألف دينار
فأعاد له الخطبة.
واستحوذت العرب على الشام وحاصروا القلاع.
وتم القحط الشديد بنيسابور ونواحيها حتى هلك مئة ألف أو يزيدون وأكلت
الجيف ولحوم الآدميين.
وفي الأربع مئة وبعدها كانت الأندلس تغلي بالحروب والقتال على الملك.
وأنشأ داراً كبيرة ملأها قيوداً وأغلالاً وجعل لها سبعة أبواب وسماها
جهنم فكان من سخط عليه أسكنه فيها.
ولما أمر بحريق مصر واستباحها بعث خادمه ليشاهد الحال فلما رجع قال كيف
رأيت؟ قال لو استباحها طاغية الروم ما زاد على ما رأيت فضرب عنقه.
وفي سنة اثنتين وأربع مئة كتب ببغداد محضر يتضمن القدح في أنساب أصحاب
مصر وعقائدهم وأنهم أدعياء وأن انتماءهم إلى الإمام علي باطل وزور وأن
الناجم بمصر اليوم وسلفه كفار وفساق زنادقة وأنهم لمذهب الثنوية
معتقدون عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء
وادعو الربوبية فكتب خلق في المحضر منهم الشريف الرضي وأخوه المرتضى
والقاضي أبو محمد بن الأكفاني والشيخ أبو حامد الإسفراييني وأبو محمد
الكشفلي الفقيه والقدوري والصيمري وعدة. وهرب من مصر ناظر الديوان
الوزير أبو القاسم بن المغربي إذ قتل الحاكم أباه وعمه وصار إلباً عليه
يسعى في زوال ملكه وحسن لمفرج الطائي أمير العرب الخروج على الحاكم
ففعل وقتل قائد جيشه وعزموا على مبايعة صاحب مكة العلوي وكاد أن يتم
ذلك ثم تلاشى.
وفي سنة ثلاث وأربع مئة أخذ الوفد العراقي وغورت المياه وهلك بضعة عشر
ألف مسلم ثم أخذ من العرب ببعض الثأر وقتل عدة.
وبعث الملك محمود بن سبكتكين كتاباً إلى الخليفة بأنه ورد إليه من
الحاكم كتاب يدعوه فيه إلى بيعته وقد خرق الكتاب وبصق عليه.
وفي سنة أربع جعل الحاكم ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس وصلحت
سيرته وأعتق أكثر مماليكه.
وفي هذا القرب تمت ملحمة عظيمة بين ملك الترك طغان بالمسلمين وبين
عساكر الصين فدامت الحرب أياماً وقتل من كفار الصين نحو من مئة ألف.
وفي سنة خمس ظفر الحاكم بنساء على فساد فغرقهن وكانت الغاسلة لا تخرج
إلى امرأة إلا مع عدلين ومر القاضي مالك بن سعيد الفارقي فنادته صبية
من روزنة أقسمت عليك بالحاكم أن تقف فوقف فبكت وقالت لي أخ يموت فبالله
إلا ما حملتني إليه لأراه فرق وبعث معها عدلين فأتت بيتا فدخلت والبيت
لعاشقها فجاء الزوج فسأل الجيران فحدثوه فجاء إلى القاضي وصاح وقال لا
أخ لها وما أفارقك حتى تردها إلي فحار القاضي وطلع بالرجل إلى الحاكم
ونادى العفو فأمره أن يركب مع الشاهدين فوجدوا المرأة والشاب في إزار
واحد على خمار فحملا على هيئتهما فسألها الحاكم فأحالت على الشاب وقال
بل هجمت علي وزعمت أنها بلا زوج فلفت في بارية وأحرقت وضرب الشاب ألف
سوط.
وولي دمشق للحاكم عدة أمراء ما كان يدع النائب يستقر حتى يعزله.
وفي سنة سبع وأربع مئة سقطت قبة الصخرة.
وفيها استولى ابن سبكتكين على خوارزم.
وفيها قتل الدرزي الزنديق لادعائه ربوبية الحاكم.
وفي سنة تسع افتتح محمود مدينتين من الهند وجرت له حروب وملاحم عجيبة.
وفي شوال سنة إحدى عشرة وأربع مئة عدم الحاكم وكان الخلق في ضنك من
العيش معه صالحهم وطالحهم وكانوا يدسون إليه الرقاع المختومة بسبه
والدعاء عليه لأنه كان يدور في القاهرة على دابة ويتزهد. وعملوا هيئة
امرأة من كاغد بخف وإزار في يدها قصة فأخذها فرأى فيها العظائم فهم
بالمرأة فإذا هي تمثال فطلب العرفاء والأمراء فأمر بالمضي إلى مصر
ونهبها وإحراقها فذهبوا لذلك فقاتل أهلها ودافعوا واستمرت النار والحرب
بين الرعية والعبيد ثلاثاً وهو يركب حماره ويشاهد الحريق والضجة فيتوجع
للناس ويقول لعن الله من أمر بهذا فلما كان ثالث يوم اجتمع الكبراء
والمشايخ إليه ورفعوا المصاحف وبكوا فرحمهم جنده الأتراك وانضموا إليهم
وقاتلوا معهم وقال هو ما أذنت لهم وقد أذنت لكم في الإيقاع بهم وبعث في
السر إلى العبيد استمروا وقواهم بالأسلحة وفهم ذلك الناس فبعثوا إليه
يقولون نحن نقصد أيضاً القاهرة فأمر العبيد بالكف بعد أن أحرق من مصر
ثلثها ونهب وأسر النصف ثم اشترى الناس حرمهم من العبيد بعد أن فجروا
بهن وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا الحاكم يقولون يا واحد يا أحد
يا محيي يا مميت ثم أوحش أخته ست الملك بمراسلات قبيحة أنها تزني فغضبت
وراسلت الأمير ابن دواس وكان خائفا من الحاكم ثم ذهبت إليه سرا فقبل
قدمها فقالت جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال أنا مملوكك قالت أنت ونحن
على خطر من هذا وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل
ما لا يصبر عليه مسلم وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح
انقضاء قال صدقت فما الرأي قالت تحلف لي وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا
على قتله وإقامة ابنه وتكون أنت أتابكه فاختر عبدين تعتمد عليهما على
سرك فأحضر عبدين شهمين أمينين فحلفتهما وأعطتهما ألف دينار وإقطاعا
وقالت اكمنا له في الجبل فإنه غدا يصعد وما معه سوى ركابي ومملوك ثم
ينفرد عنهما فدونكماه وكان الحاكم ينظر في النجوم وعليه قطع حينئذ متى
نجا منه عاش نيفا وثمانين سنة فأعلم أمه وأعطاها مفتاح خزانة فيها ثلاث
مئة ألف دينار وقال حوليها إلى قصرك فبكت وقالت إذا كنت تتصور هذا فلا
تركب الليلة قال نعم وكان يعس في رجال ففعل ذلك ونام فانتبه في الثلث
الأخير وقال إن لم أركب وأتفرج خرجت نفسي وكان مسودنا فركب وصعد في
الجبل ومعه صبي فشد عليه العبدان فقطعا يديه وشقا جوفه وحملاه في عباءة
له إلى ابن دواس وقتلا الصبي وأتى به ابن دواس إلى أخته فدفنته في مجلس
سرا وطلبت الوزير واستكتمته وأن يطلب ولي العهد عبد الرحيم ليسرع وكان
بدمشق وجهزت أميراً في الطريق ليقبض على عبد الرحيم ويدعه بتنيس وفقد
الحاكم وماج الخلق وقصدوا الجبل فما وقفوا له على أثر وقيل بل وجدوا
حماره معرقبا وجبته بالدماء وقيل قالت أخته إنه أعلمني أنه يغيب في
الجبل أسبوعاً ورتبت ركابية يمضون ويعودون فيقولون فارقناه بمكان كذا
وكذا ووعدنا إلى يوم كذا وأقبلت ست الملك تدعو الأمراء وتستحلفهم
وتعطيهم الذهب ثم ألبست علي بن الحاكم أفخر الثياب وقالت لابن دواس
المعول في قيام دولته عليك فقبل الأرض وأبرزت الصبي ولقبته الظاهر
لإعزاز دين الله وألبسته تاج جدها المعز وأقامت النياحة على الحاكم
ثلاثة أيام وجعلت القواعد كما في النفس وبالغت في تعظيم ابن دواس ثم
رتبت له في الدهليز مئة فهبروه وقتلت جماعة ممن اطلع على سرها فعظمت
هيبتها وماتت بعد ثلاث سنين.
وذكرنا في ترجمته أنه خرج من القصر فطاف ليلته ثم أصبح فتوجه إلى شرقي
حلوان معه ركابيان فرد أحدهما مع تسعة من العرب ثم أمر الآخر بالانصراف
فزعم أنه فارقه عند المقصبة فكان آخر العهد به وخرج الناس على رسمهم
يلتمسون رجوعه معهم الجنائب ففعلوا ذلك جمعة ثم خرج في ثاني ذي القعدة
مظفر صاحب المظلة ونسيم وعدة فبلغوا دير القصير وأمعنوا في الدخول في
الجبل فبصروا بحماره الأشهب المسمى بقمر وقد ضربت يداه فأثر فيهما
الضرب وعليه سرجه ولجامه فتتبعوا أثر الحمار فإذا أثر راجل خلفه وراجل
قدامه فقصوا الأثر إلى بركة بشرقي حلوان فنزل رجل إليها فيجد فيها
ثيابه وهي سبع جباب فوجدت مزررة وفيها آثار السكاكين فما شكوا في قتله.
وثم اليوم طائفة من طغام الإسماعيلية الذين يحلفون بغيبة الحاكم ما
يعتقدون إلا أنه باق وأنه سيظهر نعوذ بالله من الجهل.
وحلوان قرية نزهة على خمسة أميال من مصر كان بها قصر الأمير عبد العزيز
بن مروان فولد له هناك عمر بن عبد العزيز فيما يقال.
وقد قتل الحاكم جماعة من الأمراء بلا ذنب وذبح قاضيين له. وأما عبد
الرحيم بن إلياس العبيدي فإن الحاكم ولاه عهده ثم بعثه على نيابة دمشق
سنة عشر وأربع مئة فأقبل على الملاهي والخمور واضطرب العسكر عليه ووقع
الحرب بدمشق والنهب وصادر هو الرعية فلما مات الحاكم قبض الأمراء على
ولي العهد وسجنوه واغتالوه.
وقيل: بل نحر نفسه قي الحبس.
وسيرة الحاكم وعسفه تحتمل كراريس.
صاحب
مصر الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن الحاكم منصور بن العزيز
نزار بن المعز العبيدي المصري ولا أستحل أن أقول العلوي الفاطمي لما
وقر في نفسي من أنه دعي وقيل يكنى أبا هاشم.
بويع وهو صبي لما قتل أبوه في شوال سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وكانت دولته على مصر والشام والمغرب ولكن طمع في أطراف بلاده طوائف
فتقلب حسان بن مفرج الطائي صاحب الرملة على كثير من الشام وضعفت
الإمارة العبيدية قليلاً.
ووزر له نجيب الدولة علي بن أحمد الجرجرائي ولولده وكان نبيلاً محتشماً
من بيت وزارة لكنه أقطع اليدين من المرفقين قطعهما الحاكم سنة أربع
وأربع مئة لكونه خانه فكان يعلم العلامة عنه القاضي أبو عبد الله
القضاعي وهي الحمد لله شكراً لنعمته.
وفي أول ولاية الظاهر أقدم متولي بتنيس ما تحصل عنده فكان ألف ألف
دينار وألفي ألف درهم.
قال المحدث محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي الكوفي في سنة ثلاث عشرة
لما صليت الجمعة والركب بعد بمنى قام رجل فضرب الحجر الأسود بدبوس
ثلاثا وقال إلى متى يعبد الحجر فيمنعني محمد مما أفعله فإني اليوم أهدم
هذا البيت فاتقاه الناس وكاد يفلت وكان أشقر أحمر جسيماً تام القامة
وكان على باب المسجد عشرة فرسان على أن ينصروه فاحتسب رجل فوجأه بخنجر
وتكاثروا عليه فأحرق وقتل جماعة من أصحابه وثارت الفتنة فقتل نحو
العشرين ونهب المصريون وقيل أخذ أربعة من أصحابه فأقروا بأنهم مئة
تبايعوا على ذلك فضربت أعناق الأربعة وتهشم وجه الحجر وتساقط منه
شظايا.
وخرج مكسره أسمر إلى صفرة.
ومات الظاهر في سنة سبع وعشرين وأربع مئة ولم يبلغني كبير شيء من
أخباره وقام بعده ابنه المستنصر وقيل كان غارقا في اللهو والمسكر
والسراري.
صاحب
مصر المستنصر بالله أبو تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله علي بن
الحاكم أبي علي منصور بن العزيز بن المعز العبيدي المصري.
ولي الأمر بعد أبيه وله سبع سنين وذلك في شعبان سنة سبع وعشرين فامتدت
أيامه ستين سنة وأربعة أشهر.
وفي وسط دولته خطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق في سنة إحدى
وخمسين وأربع مئة والتجأ القائم بأمر الله الخليفة إلى أمير العرب
فأجاره ثم بعد عام عاد إلى خلافته.
وكان الحاكم قد هدم القمامة التي بالقدس فأذن المستنصر لطاغية الروم أن
يجددها وهادنه على إطلاق خمسة آلاف أسير مسلمين وغرم أموالاً على
عمارتها.
وفي خلافته ظهر بمصر سنة أربع وثلاثين سكين الذي كان يشبه الحاكم فادعى
أنه هو وقد خرج من الغيبة فتبعه خلق من الغوغاء ممن يعتقدون رجعة
الحاكم وقصدوا القصر فثارت الفتنة ثم أسر هذا وصلب هو وجماعة بالقاهرة.
وفي سنة 34 جهز جيشاً لمحاربة صاحب حلب ثمال بن مرداس.
وفي سنة أربعين خلع المعز بن باديس متولي القيروان للعبيدية طاعتهم
وأقام الدعوة لبني العباس وقطع دعوة المستنصر فبعث إليه يتهدده فما
التفت فجهز لحربه عسكرا من العرب فحاربوه وهم بنو زغبة وبنو رياح وجرت
خطوب يطول شرحها.
وفي هذا الوقت غزت الغز مع إبراهيم ينال السلجوقي وقيل ما كان معهم
فغزوا إلى قريب القسطنطينية وغنموا وسبوا أزيد من مئة ألف وقيل جرت
المكاسب على عشرة آلاف عجلة وكان فتحاً عظيماً.
وفيها صرف المستنصر عن نيابة دمشق ناصر الدولة وسيفها ابن حمدان بطارق
الصقلبي ثم عزل طارقا بعد أشهر ثم لم يطول فعزل برفق المستنصري ووزر
معه أبو محمد الماشلي.
وكان الرفض أيضاً قويا بالعراق.
وفي سنة ست وأربعين ملكت العرب المصريون مدينة طرابلس وملكوا مؤنس بن
يحيى المرداسي وحاصروا المدائن ونهبوا القرى وحل بالناس أعظم بلاء فبرز
ابن باديس في ثلاثين ألفاً وكانت العرب ثلاثة آلاف فالتقوا وثبت
الجمعان ثم انكسر ابن باديس واستحر القتل بجيشه وحازت العرب الخيل
والخيام بما حوت.
وإن ابن باديس لأفضل مالك |
|
ولكن لعمري ما لديه رجال |
ثلاثون ألفاً منهم هزمتهم |
|
ثلاثة ألف إن ذا لمحال |
ثم
قصدهم ابن باديس وهجم عليه فانكسر أيضاً وقتل عسكره فساق على حمية
وحاصرت العرب القيروان وتحيز المعز بن باديس إلى المهدية وجرت حروب
تشيب النواصي في هذه الأعوام.
وفي سنة 48 كان بالأندلس القحط الذي ما سمع بمثله ويسمونه الجوع
الكبير.
وكان بمصر القحط والفناء.
وفي سنة تسع تسلم نواب المستنصر حلب.
وكان غلاء مفرط ببغداد وفناء وأما بما وراء النهر فتجاوز الوصف.
وفي سنة خمسين جاء من مصر ناصر الدولة الحمداني على إمرة دمشق.
وفي سنة خمس وخمسين ولي دمشق أمير الجيوش بدر.
وفي سنة سبع تمت ملحمة كبرى بالمغرب بين تميم بن المعز بن باديس وبين
قرابته الناصر الذي بنى بجاية وانهزم الناصر وقتل من البربر أربعة
وعشرون ألفاً وفيها بنيت بجاية وببغداد النظامية.
وفي سنة إحدى وستين كان حريق جامع دمشق ودثرت محاسنه واحترقت الخضراء
معه وكانت دار الملك من حرب وقع بين عسكر العراق وعسكر مصر.
وفي سنة اثنين وستين قطعت من مكة الدعوة المستنصرية وخطب للقائم بأمر
الله وترك الأذان بحي على خير العمل وذلك لذلة المصريين بالقحط الأكبر
وفنائهم وأكل بعضهم بعضا وتمزقوا في البلاد من الجوع وتمحقت خزائن
المستنصر وافتقر وتعثر.
وفي هذه النوبة نقل صاحب المرآة أن امرأة خرجت وبيدها مد لؤلؤ لتشتري
به مد قمح فلم يلتفت إليها أحد فرمته فما كان له من يلتقطه فكاد الخراب
أن يستولي على سائر الأقاليم حتى لأبيع الكلب بستة دنانير والقط بثلاثة
دنانير حتى أبيع الإردب بمئة دينار.
وفي سنة 63 هزم السلطان ألب أرسلان طاغية الروم وأسره وقتل من العدو
ستون ألفاً.
وأقبل أتسز الخوارزمي أحد أمراء ألب أرسلان فاستولى على الشام إلا
قليلاً وعسف وتمرد وعتا.
واشتغل جيش مصر بنفوسهم ثم اختلفوا واقتتلوا مدة وصاروا فرقتين فرقة
العبيد وعرب الصعيد وفرقة الترك والمغاربة ورأسهم ابن حمدان فالتقوا
بكوم الريش فهزمهم ابن حمدان وقتل وغرق نحو من أربعين ألفاً ونفدت
خزائن المستنصر على الترك ثم اختلفوا ودام الحرب أياماً وطمعوا في
المستنصر وطالبوه حتى أبيعت فرش القصر وأمتعته بأبخس ثمن وغلبت العبيد
على الصعيد وقطعوا الطرق وكان نقد الأتراك في الشهر أربع مئة ألف دينار
واشتدت وطأة ناصر الدولة وصار هو الكل فحسده الأمراء وحاربوه فهزموه ثم
جمع وأقبل فانتصر وتعثرت الرعية بالهيج مع القحط ونهبت الجند دور
العامة.
قال ابن الأثير: اشتد الغلاء حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار
باعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مئة دينار فاشترت بها جوالق قمح
فانتهبه الناس فنهبت هي منه فحصل لها ما خبز رغيفاً.
واضمحل أمر المستنصر بالمرة وخمل ذكره وبعث ابن حمدان يطالبه بالعطاء
فرآه رسوله على حصير وما حوله سوى ثلاثة غلمان فقال أما يكفي ناصر
الدولة ان أجلس في مثل هذا الحال فبكى الرسول ورق له ناصر الدولة وقرر
له كل يوم مئة دينار.
وكان ناصر الدولة يظهر التسنن ويعيب المستنصر لخبث رفضه وعقيدته وتفرق
عن المستنصر أولاده وأهله من الجوع وتقرفوا في البلاد ودام الجهد عامين
ثم انحط السعر في سنة خمس وستين.
قال ابن الأثير بالغ ابن حمدان في إهانة المستنصر وفرق عنه عامة أصحابه
وكان غرضه أن يخطب لأمير المؤمنين القائم ويزيل دولة الباطنية وما زال
حتى قتله الأمراء وقتلوا أخويه فخر العرب وتاج المعالي وانقطعت دولتهم.
وفي سنة سبع وستين ولي الأمور أمير الجيوش بدر فقتل أمير الأمراء الدكز
والوزير ابن كدينة وكان المستنصر قد كتب إليه سراً ليقدم من عكا فأعاد
الجواب أن الجند بمصر قد فسد نظامهم فإن شئت أتيت بجند معي فأذن له أن
يفعل ما أحب فاستخدم عسكراً وأبطالا وركبوا البحر في الشتاء مخاطرة
وبغت مصر وسلم فولاه المستنصر ما وراء بابه فلما كان الليل بقي يبعث
إلى كل أمير طائفة بصورة رسالة فيخرج الأمير فيقتلونه ويأتون برأسه فما
أصبح إلا وقد مهد البلد واحتاط على أموال الجميع ونقله إلى القصر وسار
إلى دمياط فهذبها وقتل الذين تغلبوا عليها وحاصر الإسكندرية ودخلها
بالسيف وقتل عدة وقتل بالصعيد اثني عشر ألفاً وأخذ عشرين ألف امرأة
وخمسة عشر ألف فرس فتجمعوا لحربه ثانيا فكانوا ستين ألفاً فساق وبيتهم
في جوف الليل فقتل خلق وغرق خلق ونهبت أثقالهم ثم عمل معهم مصافا آخر
وقهرهم وعمر البلاد وأحسن إلى الرعية وأطلق للناس الخراج ثلاث سنين حتى
تماثلت البلاد بعد الخراب.
وفيها مات القائم وبويع حفيده المقتدي وأعيدت الدعوة بمكة للمستنصر
واختلفت العرب بإفريقية وتحاربوا مدة.
وفي سنة ثمان وستين اشتد القحط بالشام وحاصر أتسز الخوارزمي دمشق فهرب
أميرها المعلى بن حيدرة وكان جباراً عسوفاً وولى بعده رزين الدولة
انتصار المصمودي ثم أخذ دمشق أتسز وأقام الدعوة العباسية خافه المصريون
ثم قصدهم في سنة تسع وستين وحاصرهم ولم يبق إلا أن يتملك فتضرع الخلق
عند الواعظ الجوهري فرحل شبه منهزم وعصى عليه أهل القدس مدة ثم أخذها
وقتل وتمرد وفعل كل قبيح وذبح قاضي القدس والشهود صبراً.
وتملك في سنة إحدى وسبعين دمشق تاج الدولة تتش السلجوقي وقتل أتسز
وتحبب إلى الرعية.
وتملك قصرا وقونية وغير ذلك الملك سليمان بن قتلمش السلجوقي في هذا
الحدود ثم سار في جيوشه فنازل أنطاكية حتى أخذها من أيدي الروم وكانت
في أيديهم من مئة وبضعة عشر عاماً.
وأما الأندلس فجرت فيها حروب مزعجة وكانت وقعة الزلاقة بين الفرنج وبين
صاحب الأندلس المعتمد بن عباد ونجده أمير المسلمين يوسف بن تاشفين
بجيوش البربر الملثمين فكان العدو خمسين ألفاً فيقال ما نجا منهم ثلاث
مئة نفس.
وافتتح السلطان ملكشاه حلب والجزيرة ورد إلى بغداد وعمل عرس بنته على
الخليفة.
وفي سنة 483 أقبل عسكر المستنصر فحاصروا عكا وصور.
ومات أمير الجيوش بدر الجمالي متولي مصر وكان قد بلغ رتبة عظيمة وقام
بعده ابنه شاهان شاه أحمد على قاعدة أبيه.
وقيل إنما مات بعيد المستنصر وفي دولة المستنصر المتخلف وقع القحط
المذكور لاحتراق النيل الذي ما عهد مثله بمصر من زمن يوسف عليه السلام
ودام سنوات بحيث إن والدة المستنصر وبناته سافرن من مصر خوفاً من الجوع
وآل أمره إلى عدم كل الدواب ببلاد مصر بحيث بقي له فرس يركبها واحتاج
إلى دابة يركبها حامل الجتر يوم العيد وراءه فما وجدوا سوى بغلة ابن
هبة كاتب السر فوقفت على باب القصر فازدحم عليها الحرافشة وذبحوها
وأكلوها في الحال فأخذهم الأعوان وشنقوا فأصبحت عظامهم على الجذوع قد
أكلوا تحت الليل.
مات المستنصر في ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربع مئة وقد قارب السبعين
وكان سب الصحابة فاشيا في أيامه والسنة غريبة مكتومة حتى إنهم منعوا
الحافظ أبا إسحاق الحبال من رواية الحديث وهددوه فامتنع ثم قام بعد
المستنصر ابنه أحمد.
صاحب
مصر أبو القاسم أحمد بن المستنصر معد بن الظاهر علي بن الحاكم منصور بن
العزيز بن المعز العبيدي المهدوي المصري.
قام بعد أبيه سنة سبع وثمانين وله إحدى وعشرون سنة.
وفي أيامه وهت الدولة العبيدية واختلت قواعدها وانقطعت الدعوة لهم من
أكثر مدائن الشام واستولى عليها الفرنج وغيرهم من الغز.
فأخذت الفرنج أنطاكية من المسلمين في سنة إحدى وتسعين وكان لها في يد
المسلمين نحو عشرين سنة وأخذوا بيت المقدس واستباحوه وأخذوا أيضاً
المعرة في سنة اثنتين وتسعين ثم استولوا على مدائن وقلاع.
وما كان للمستعلي مع أمير الجيوش حل ولا ربط. وهرب في دولته أخوه نزار
المنسوب إليه الدعوة النزارية الإسماعيلية بالألموت وبقلاع الإسماعيلية
فوصل نزار إلى الإسكندرية وقام بأمره الأمير أفتكين وقاضي البلد ابن
عمار وبايعوه وأقام سنة فأقبل الأفضل أمير الجيوش في سنة ثمان وثمانين
وحاصرهم فبرز إليه أفتكين فبيته وهزمه ثم أقبل ونازلهم ثانيا وافتتح
البلد عنوة فقتل القاضي وجماعة وقبض على نزار وأفتكين ثم ذبح أفتكين
وبنى المستعلي على أخيه نزار حائطا فهلك.
وفي دولته كثرت الباطنية الملاحدة الذين هم الإسماعيلية وأخذوا القفول
وتملكوا قلعة أصبهان وفتكوا بعدد كثير من الكبار والعلماء وشرعوا في
شغل السكين وجرت لهم خطوب وعجائب.
وفي سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين وأربع مئة مات المستعلي وأقاموا ولده
الآمر بأحكام الله منصورا وله خمس سنين وأزمة الملك إلى الأفضل أمير
الجيوش ويقال إنه سم وقتل سراً.
صاحب
مصر أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد بن الظاهر بن
الحاكم العبيدي المصري الرافضي الظلوم.
كان متظاهراً بالمكر واللهو والجبروت.
ولي هو صغير: فلما كبر قتل الأفضل أمير الجيوش واصطفى أمواله وكانت
تفوت الإحصاء ويضرب بها المثل فاستوزر بعده المأمون محمد بن مختار
البطائحي فعسف الرعية وتمرد فاستأصله الآمر بعد أربع سنين ثم صلبه وقتل
معه خمسة من إخوته.
وفي دولته أخذت الفرنج طرابلس الشام وصيدا ثم قصد الملك بردويل الفرنجي
ديار مصر وأخذ الفرما وهي قريبة من العريش فأحرق جامعها ومساجدها وقتل
وأسر وقيل بل هي غربي قطيا ثم رجع فهلك في سبخة بردويل فشقوه ورموا
حشوته وصبروه فحشوته ترجم هناك إلى اليوم ودفنوه بقمامة وكان قد أخذ
القدس وعكا والحصون.
وفي أيامه ظهر ابن تومرت بالمغرب وكثرت أتباعه وعسكروا وقاتلوا وملكوا
البلاد.
وبقي الآمر في الملك تسعاً وعشرين سنة وتسعة أشهر إلى أن خرج يوماً إلى
ظاهر القاهرة وعدى على الجسر إلى الجيزة فكمن له رجال في السلاح ثم
نزلوا عليه بأسيافهم وكان في طائفة ليست بكثيرة فرد إلى القصر مثحناً
بالجراح وهلك من غير عقب.
وكان العاشر من الخلفاء الباطنية فبايعوا ابن عم له وهو الحافظ لدين
الله.
وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العين وكان حسن الحظ جيد العقل
والمعرفة لكنه خبيث المعتقد سفاكاً للدماء متمرداً جبارا فاحشا فاسقا
صادر الخلق عاش خمسا وثلاثين سنة.
وانقلع في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمس مئة وبويع وله خمسة أعوام.
صاحب
مصر أبو الميمون عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر بالله معد بن
الظاهر علي بن الحاكم بن العزيز بن المعز العبيدي الإسماعيلي المصري.
بايعوه يوم مصرع ابن عمه الآمر ليدبر المملكة إلى أن يولد حمل للآمر إن
ولد وغلب على الأمور أمير الجيوش أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي
وكان الآمر قد سجنه عندما قتل أباه فأخرجت الأمراء أبا علي وقدموه
عليهم فأتى إلى القصر وأمر ونهى وبقي الحافظ معه منقهرا فقام أبو علي
بالملك أتم قيام وعدل في الرعية ورد أموالاً كثيرة على المصادرين ووقف
عند مذهب الشيعة وتمسك بالإثني عشر وترك ما تقوله الإسماعيلية وأعرض عن
الحافظ وآل بيته ودعا على منابر مصر للمنتظر صاحب السرداب على زعمهم
وكتب اسمه على السكة واستمر على ذلك وقلقت الدولة إلى أن شد عليه فارس
من الخاصة فقتله بظاهر القاهرة في المحرم سنة ست وعشرين وخمس مئة وذلك
بتدبير الحافظ فبادرت الأمراء إلى خدمة الحافظ وأخرجوه من الضيق
والاعتقال وجددوا بيعته واستقل بالملك.
وكان مولده في الغربة بسبب القحط سنة سبع وستين وأربع مئة بعسقلان.
وعندما مات الآمر قبله قال الجهال هذا بيت لا يموت إمام منهم حتى يخلف
ابنا ينص على إمامته فخلف الآمر حملا فكان بنتا.
وكان الحافظ يعتريه القولنج فعمل له شيرماه الديلمي طبلاً مركباً من
سبعة معادن في شرف الكواكب السبعة فكان من ضربه وبه قولنج انفش منه ريح
كثير فوجد راحة فوجده السلطان صلاح الدين في خزائنهم فضرب به أمير كردي
فضرط فغضب وشقه ولم يعلم منفعته. وكان الحافظ كلما أقام وزيراً تمكن
وحكم عليه فيتألم ويتحيل عليه ويعمل على هلاكه منهم رضوان فسجنه سبع
سنين وكان قد قدم الشام وجمع جموعاً وقاتل المصريين وقاتلهم على باب
القاهرة وانتصر ثم دخلها فاعتقله الحافظ عنده معززا في القصر ثم نقب
الحبس وراح إلى الصعيد وأقبل بجمع عظيم وحارب فكان الملتقى عند جامع
ابن طولون فانتصر وتملك فبعث إليه الحافظ بعشرين ألف دينار رسم الوزارة
فما رضي حتى كمل له ستين ألفاً ثم بعث إليه عدة من المماليك فقاتلهم
غلمانه وهو فقتل وبقي الحافظ بلا وزير عشر سنين.
ولما قتل الأكمل أقام في الوزارة يانس مولاه فكبر يانس وتعدى طوره
فسقي.
ثم وزر له ولده الحسن فكان شر وزير تمرد وطغى وقتل أربعين أميراً إلا
أنه كان فيه تسنن فخافه أبوه وجهز له عسكراً فتحاربوا أياماً ثم سقاه
أبوه.
وقد امتدت أيامه ومات في خامس جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وخمس مئة
فكانت دولته عشرين سنة سوى خمسة أشهر وعاش سبعا وسبعين سنة فما بلغ أحد
هذا السن من العبيدية وقام بعده ولده الظافر.
صاحب
مصر الظافر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن
محمد بن المستنصر معد بن الظاهر علي بن الحاكم العبيدي المصري
الإسماعيلي من العبيدية الخارجين على بني العباس.
ولي الأمر بعد أبيه خمسة أعوام وكان شاباً جميلاً وسيماً لعاباً عاكفا
على الأغاني والسراري.
استوزر الأفضل سليم بن مصال فساس الإقليم.
وانقطعت دعوته ودعوة أبيه من سائر الشام والمغرب والحرمين.
وبقي لهم إقليم مصر.
ثم خرج على ابن مصال العادل ابن السلار وحاربه وظفر به واستأصله واستبد
بالأمر وكان ابن مصال من أجل الأمراء هزمه عسكر ابن السلار بدلاص وأتوا
برأسه على قناة وكان علي بن السلار من أمراء الأكراد ومن الأبطال
المشهورين سنيا مسلما حسن المعتقد شافعيا خمد بولايته نائرة الرفض وقد
ولي أولا الثغر مدة واحترم السلفي وأنشا له المدرسة العادلية إلا أنه
كان ذا سطوة وعسف وأخذ على التهمة ضرب مرة دفا ومسمارا على دماغ الموفق
متولي الديوان لكونه في أوائل أمره شكا إليه غرامة لزمته في ولايته
فقال كلامك ما يدخل في أذني فبقي كلما دخل المسمار في أذنه يستغيث
فيقول أدخل كلامي بعد في أذنك؟.
وقدم من إفريقية عباس بن أبي الفتوح بن الملك يحيى بن تميم بن المعز بن
باديس مع أمه صبيا فتزوج العادل بها قبل الوزارة فتزوج عباس وولد له
نصر فأحبه العادل ثم جهز أباه للغزو فلما نزل ببلبيس ذاكره ابن منقذ
وكرها البيكار فاتفقا على قتل العادل وأن يأخذ عباس منصبه فذبح نصر
العادل على فراشه في المحرم سنة 548 وتملك عباس وتمكن.
وكان ابنه نصر من الملاح فمال إليه الظافر وأحبه فاتفق هو وأبوه عباس
على الفتك بالظافر فدعاه نصر إلى دارهم ليأتي متخفياً فجاء إلى الدار
التي هي اليوم المدرسة السيوفية فشد نصر عليه فقتله وطمره في الدار
وذلك في المحرم سنة تسع وأربعين وخمس مئة فقيل كان في نصفه وعاش الظافر
اثنتين وعشرين سنة.
ثم ركب عباس من الغد وأتى القصر وقال أين مولانا؟ فطلبوه ففقدوه وخرج
جبريل ويوسف أخوا الظافر فقال أين مولانا؟ قالا سل ابنك فغضب وقال
أنتما قتلتماه وضرب رقابهما في الحال.