الشيخ
الثقة، أبو الحسين، عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن حمة الخلال، بغدادي.
مكثر عن حفيد يعقوب بن شيبة، وسمع من: المحاملي، وعبد الغافر بن سلامة،
وأبي العباس بن عقدة.
وعنه: البرقاني، وعبد العزيز الأزجي، وعبيد الله الأزهري، وأحمد ابن
سليمان المقرىء، وأبو الحسين ابن الغريق.
وثقه الخطيب.
ومات سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
ومات أبوه في سنة ستين وثلاث مئة.
ومات سنة عبد الرحمن بن إبراهيم المزكي، وشيخ المالكية أبو الحسن علي
بن عمر القصار البغدادي.
الإمام العلامة، عالم الأندلس، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد
الرحمن بن أسد الجهني الطليطلي المالكي البزاز.
ولد سنة عشر وثلاث مئة.
وسمع من قاسم بن أصبغ وعدة، وارتحل فسمع من أبي محمد بن الورد، وأبي
علي بن السكن بمصر، ومن أحمد بن محمد بن أبي الموت بمكة.
وكان من أوعية العلم، رأساً في اللغة، فقيهاً محرراً، عالماً بالحديث،
كبير القدر.
أكثر عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو المطرف بن فطيس، والخولاني، وأبو
عمر بن الحذاء، وأبو مصعب بن أبي الوليد بن الفرضي.
وكان ذا ورع وإتقان، وتلاوة في المصحف.
مات في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة في آخر السنة.
ابن
جبرون بضم الجيم، المحدث الثقة، العالم الزاهد، أبو القاسم القرطبي،
الملقب بالحبيب.
أكثر عن: قاسم بن أصبغ، وكان ملياً به، وعن وهب بن مسرة، ومحمد بن عبد
الله بن أبي دليم.
روى عنه: أبو محمد الأصيلي، وأبو عمران الفاسي، وأبو عمر بن الحذاء،
وأبو عمر بن عبد البر.
قال ابن الحذاء: كان صالحاً عفيفاً، يعيش من ضيعته، ولد سنة سبع عشرة
وثلاث مئة، وطلب العلم في الحداثة.
وقال ابن عبد البر: قرأت عليه تاريخ ابن أبي خيثمة كله، وموطأ ابن وهب،
وغير ذلك عن قاسم، وأجزاء.
توفي لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة.
الشيخ
الثقة المسند، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن العباس المصري الإخميمي،
بقية الرواة.
سمع محمد بن زبان، وعلي بن أحمد علان، ومحمد بن عبد الله المهراني،
وإسماعيل بن وردان، وأبا جعفر الطحاوي، ومحمد بن إسماعيل المهندس،
وجماعة.
روى عنه: أبو الحسين محمد بن مكي ثلاثة أجزاء عالية عند أبي القاسم بن
الحرستاني.
مات في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وهو من أهل الطبقة الماضية
تأخرت وفاته.
الإمام القاضي، أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن يوسف السامري
الرفاء.
حدث عن: إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي، وحمزة بن القاسم، وغيرهما.
وعنه: ابن بنته أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي، وعبد الرحمن
بن أحمد بن بندار الرازي، وجماعة. وثقه الخطيب، وقال: قال لي سبطه ابن
حسنون: ما رأيته مفطراً قط.
توفي سنة اثنتين وأربع مئة.
الإمام المحدث، أبو نصر، محمد بن أحمد بن محمد بن موسى البخاري
الملاحمي.
حدث بنيسابور وبغداد بكتاب رفع اليدين، والقراءة خلف الإمام عن محمود
بن إسحاق، وروى عن سهل بن السري، والهيثم بن كليب، وعلي بن قريش، وعبد
الله الأستاذ.
وعنه: الحاكم، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن النرسي، وعبد
الصمد بن المأمون، وعدة، وكان من جلة المحدثين.
قال أبو العلاء: كان من الحفاظ، توفي سنة خمس وتسعين وثلاث مئة زاد
غيره: في جمادى الآخرة وله ثلاث وثمانون سنة.
العلامة، شيخ الشافعية، أبو سعد، إسماعيل بن الإمام شيخ الإسلام أبي
بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس، الإسماعيلي الجرجاني
الشافعي، صاحب التصانيف.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة.
وحدث عن: أبيه، وأبي العباس الأصم، وأحمد بن كامل القاضي، وابن دحيم
الشيباني، وعمر بن حفص المكي، وأبي أحمد بن عدي، وطبقتهم.
حدث عنه: بنوه المفضل، ومسعدة، وسعد، والسري، وأبو محمد الخلال، وحمزة
بن يوسف السهمي، وأبو القاسم التنوخي، وخلق سواهم.
قال القاضي أبو الطيب: ورد أبو سعد الإمام بغداد، فأقام بها سنةً، ثم
حج، عقد له الفقهاء مجلسين، تولى أحدهما الشيخ أبو حامد الإسفراييني،
والآخر أبو محمد البافي.
وقال حمزة السهمي: كان أبو سعد إمام زمانه، مقدماً في الفقه وأصوله
والعربية والكتابة والشروط والكلام، صنف في أصول الفقه كتاباً كبيراً،
وتخرج به جماعة، مع الورع الثخين، والمجاهدة والنصح للإسلام، والسخاء
وحسن الخلق. وبالغ السهمي في تعظيمه.
توفي في نصف ربيع الآخر ليلة جمعة، سنة ست وتسعين وثلاث مئة، فتوفي
إكراماً من الله له في صلاة المغرب وهو يقرأ: "إيَّاكَ نَعْبُدُ
وإيَّاكَ نَسْتَعين" ففاضت نفسه رحمه الله.
الإمام المحدث، صدر الكبراء.
ذو الجاه العريض، والرئاسة الكاملة بجرجان.
سمع من: أبي يعقوب البحيري، وأبي العباس الأصم، ودعلج، وعدة.
روى عنه: حمزة السهمي، وعبد الوهاب بن مندة، وجماعة.
وأملى عدة مجالس.
وكان ذا فهم وعلم وقبول عظيم.
وذكر أبو القاسم بن عساكر أنه كان أشعرياً.
توفي في ربيع الآخر، سنة خمس وأربع مئة.
أخبرني محمد بن بيان البزاز بطرابلس، أنبأنا محمود بن إبراهيم، أخبرنا
أبو رشيد أحمد بن محمد، أخبرنا عبد الوهاب بن يحيى، أخبرنا محمد بن
أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، أخبرني أحمد بن عمرو بن الخليل الآملي،
حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا عمرو بن عون، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن
عجلان، عن عامر بن عبد الله، عن عمرو بن سليم، عن أبي قتادة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل
أن يجلس.
الإمام الحافظ، الناقد الثقة، أبو عمرو، محمد بن الشيخ أبي الحسين أحمد
بن محمد بن جعفر بن محمد بن بحير بن نوح، البحيري النيسابوري المزكي.
سمع أباه، ويحيى بن منصور القاضي، وعبد الله بن محمد الكعبي، ومحمد بن
المؤمل بن الحسن، وأبا بكر القطيعي، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو عبد الله الحاكم، وابنه أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري،
وجماعة.
وله أربعون حديثاً سمعناها، وأربعون حديثاً أخرى عندي لم تقع لنا.
وممن روى عنه: أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، ومحمد بن شعيب
الروياني.
قال الحاكم: كان من حفاظ الحديث المبرزين في المذاكرة، توفي في شعبان
سنة ست وتسعين وثلاث مئة، وله ثلاث وستون سنة.
وسيأتي أبو عثمان ولده مع أقرانه.
شاعر
وقته، الأديب أبو الفرج، عبد الواحد بن نصر بن محمد، المخزومي النصيبي.
له ديوان، ومدائح في سيف الدولة.
وتنقل في البلاد، ومدح الكبار.
ولقب بالببغاء لفصاحته، وقيل: بل للثغة في لسانه.
توفي في شعبان سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
الملك
الملقب بالمنتصر، أبو إبراهيم، إسماعيل بن ملوك ما وراء النهر، ولد
الملك نوح بن نصر بن نوح بن إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان الساماني
البخاري. طول الملك في هذا البيت، وقد ولي جدهم إسماعيل ممالك خراسان
للمعتضد.
وكان قد عزل من الملك منصور بن نوح، واعتقل بسرخس، وملكوا أخاه عبد
الملك بن نوح، فطمع في البلاد أيلك خان، وحاربهم، وظفر بعبد الملك،
وسجنه، واستولى على بخارى، فمات في السجن بعد قليل، ثم قام المنتصر
أخوهما، فسجنه أيضاً أيلك خان وأقاربه، فيهرب المنتصر في هيئة امرأة
كانت تتردد إلى السجن، واختفى أمره، فذهب إلى خوارزم، فتلاحق به من بذ
من بقايا السامانية، حتى استقام أمره، وكثر جيشه، فأغار عسكره على
بخارى، وكبسوا بضعة عشر أميراً من الخانية، وأسروهم، وجاؤوا بهم إلى
المنتصر، وهرب بقايا عسكر أيلك خان، وجاء المنتصر، وفرح به الرعية،
فجمع أيلك خان عساكره، فعبر المنتصر إلى خراسان، ثم حارب متولي نيسابور
نصر بن سبكتكين أخا السلطان محمود، وأخذ منه نيسابور، فتنمر السلطان،
وطوى المفاوز، ووافى نيسابور، ففر منها المنتصر، وجال في أطراف خراسان،
وجبى الخراج، وصادر، ووزن له شمس المعالي ثمانين ألف دينار، وخيلاً
وبغالاً مصانعةً عن جرجان، ثم إنه عاود نيسابور، فهرب منها أخو
السلطان، فدخلها المنتصر، وعثر أهلها، ثم كان بينه وبين السلطان محمود
ملحمة مشهودة، وانهزم المنتصر إلى جرجان، ثم التقى هو والعساكر
السبكتكينية على سرخس، وقتل خلق من الفريقين، وتمزق جمع المنتصر، وقتل
أبطاله، فسار يعتسف المهالك حتى وقع إلى محال الترك الغزية، وكان لهم
ميل إلى آل سامان، فحركتهم الحمية له في سنة ثلاث وتسعين، والتقوا أيلك
خان، وحاربوه، ثم إن المنتصر تخيل منهم، وهرب، ثم راسل السلطان محموداً
يذكر سلفه، فعطف عليه، ثم تماثل حاله، وتمت له أمور طويلة.
وكان بطلاً شطاعاً مقداماً، وافر الهيبة، ثم التقى أيلك في شعبان سنة
أربع، فانهزم أيلك، ثم حشد وجمع وأقبل، فالتقوا أيضاً، فانهزم المنتصر
بمخامرة عسكره، وفر إلى بسطام، وضاقت عليه المسالك، ثم بيتوه، وقتل،
وأسرت إخوته في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة حتى مات بين الطعن والضرب
ميتةً تقوم مقام النصر إذ فاته النصر، كما قيل:
وأثبت في مستنقع الموت رجـلـه |
|
وقال لها: من دون أخمصك الحشر |
الإمام الحافظ الأوحد، أبو نصر، أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن
علي بن رستم، البخاري الكلاباذي، وكلاباذ محلة من بخارى.
ولد في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة.
وسمع من: الهيثم بن كليب الشاشي، وعلي بن محتاج، وأبي جعفر محمد بن
محمد البغدادي الجمال، وعبد المؤمن بن خلف النسفي، ومحمد بن محمود بن
عنبر، وعبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي، وطبقتهم.
روى عنه: الدارقطني مع تقدمه في كتاب المدبج، والحاكم، وجعفر بن محمد
المستغفري، وآخرون.
قال المستغفري: هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم فيما أعلم.
وقال الحاكم: أبو نصر الكلاباذي الكاتب من الحفاظ، حسن الفهم والمعرفة،
عارف بصحيح البخاري، كتب بما وراء النهر وخراسان وبالعراق، ووجدت شيخنا
أبا الحسن الدارقطني قد رضي فهمه ومعرفته، وهو متقن ثبت، توفي في جمادى
الآخرة سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة. قال: ولم يخلف بما وراء النهر مثله.
قلت: له مصنف في معرفة رجال صحيح البخاري.
وقال السلفي: أخبرنا بكتاب الإرشاد في معرفة رجال البخاري خالد بن عبد
الواحد التاجر بأصبهان، أخبرنا عبد الملك بن الحسن بن سياوش الكازروني
عن مؤلفه أبي نصر.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر المالكي، أنبأنا السلفي، أخبرنا حمد
بن عمر، أخبرنا يوسف بن الحسين، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ،
حدثنا أحمد بن نصر البخاري، حدثنا الحسين بن محمد القمي، حدثنا عبد
الرحيم بن حبيب البغدادي، حدثنا بقية بن الوليد: سمعت الأوزاعي يقول:
لبس الصوف في السفر سنة وفي الحضر بدعة. أخبرنا جماعة إذناً عن محمود
بن أحمد الفقيه البخاري، أخبرنا الحسن بن منصور قاضي خان، أخبرنا الحسن
بن علي بن عبد العزيز إملاءً، حدثنا عمي محمود قال قاضي خان: هو جدي
حدثنا عمر بن منصور الحافظ إملاءً، حدثنا أبو نصر الكلاباذي الحافظ،
حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا
إسماعيل بن إسحاق الأنصاري، حدثنا مسعر، حدثنا عطية، عن أبي سعيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب العلم صلت عليه الملائكة...
الحديث.
الحافظ أحمد بن محمد بن ماما: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الكلاباذي
يقول: كنت أعرف حلية الصحابة وصفتهم، كأني أنظر إليهم، فلما اشتغلت
بالكتابة للسلطان، ذهب ذلك عني.
القاضي أبو عبد الله، الحسين بن هارون بن محمد، الضبي البغدادي.
حدث عن: القاضي المحاملي، وأبي العباس بن عقدة، وأحمد بن محمد الآدمي
المقرىء، ومحمد بن صالح بن زياد، وأحمد بن علي الجوزجاني، وأملى مجالس
عدة.
روى عنه: البرقاني، وأبو القاسم التنوخي، وأبو الحسين بن النقور،
وجماعة.
وكانت أصوله قد ذهبت إلا جزئين من مسموعاته، قاله الخطيب، ثم قال:
أخبرنا عبد الكريم المحاملي، أخبرنا الدارقطني قال: القاضي أبو عبد
الله الضبي غاية في الفضل والدين، عالم بالأقضية، ماهر بصناعة المحاضر
والترسل، موفق في أحواله كلها.
وقال البرقاني: حجة في الحديث، وأي شيء كان عنده من السماع، جزءان،
والباقي إجازة.
مات الضبي بالبصرة في شوال سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة، وقد ولي قضاء
الكرخ، ثم أضيف إليه قضاء مدينة المنصور، وقضاء الكوفة.
وفيها مات البديع الهمذاني صاحب الترسل والمقامات أبو الفضل أحمد بن
الحسين بن يحيى الأديب بديع الزمان، والإمام أبو بكر أحمد بن علي بن
أحمد بن لال الهمذاني، والحافظ أبو نصر الكلاباذي، وشيخ الشافعية أبو
محمد عبد الله بن محمد البافي البخاري ببغداد، وكان آخر تلامذة أبي
إسحاق المروزي، وأبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء الشاعر، وعبيد
الله بن أحمد بن علي الصيدلاني، لحق ابن صاعد.
الإمام السيد، المحدث الصدوق، مسند خراسان، أبو الحسن، محمد بن الحسين
بن داود بن علي، العلوي الحسني النيسابوري الحسيب، رئيس السادة.
سمع محمد بن إسماعيل بن إسحاق المروزي صاحب علي بن حجر، وأبا حامد بن
الشرقي، وأخاه عبد الله بن محمد، ومحمد بن عمر ابن جميل، وأبا نصر محمد
بن حمدويه الغازي، وأبا بكر بن دلويه الدقاق، ومحمد بن الحسين القطان،
وعبيد الله بن إبراهيم بن بالويه، وعدة.
حدث عنه: الحاكم، وأبو بكر البيهقي، وهو أكبر شيخ له، ومحمد ابن القاسم
الصفار، وأبو عبيد صخر بن محمد، وأبو القاسم إسماعيل بن زاهر، ومحمد بن
عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وعمر بن شاه المقرىء، وشبيب
بن أحمد البستيغي، وأحمد بن محمد بن مكرم الصيدلاني، وموسى بن عمران
الأنصاري، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وفاطمة بنت أبي علي
الدقاق، وخلق سواهم.
قال الحاكم: هو ذو الهمة العالية، والعبادة الظاهرة، وكان يسأل أن يحدث
فلا يحدث، ثم في الآخر عقدت له مجلس الإملاء، وانتقيت له ألف حديث،
وكان يعد في مجلسه ألف محبرة، فحدث وأملى ثلاث سنين، مات فجأة في جمادى
الآخرة سنة إحدى وأربع مئة.
أخوه السيد:
العلوي، هو الأصغر.
سمع ابن بلال، وأبا بكر القطان.
روى عنه الحاكم، وقال: مات سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة، وله آثار ومعروف
بنيسابور، عاش نيفاً وسبعين سنة.
قلت: قال الحاكم: حدثنا أبو علي من سماعه الصحيح، فذكر حديثاً.
الشيخ
الجليل، المسند الصادق، أبو العباس، أحمد بن الحسين بن أحمد بن زنبيل
النهاوندي.
قدم همذان في رمضان سنة اثنتين وأربع مئة، فحدث بالتاريخ الصغير
للبخاري، عن أبي القاسم عبد الله بن محمد بن الأشقر القاضي البغدادي،
عن المصنف.
وقد ارتحل في الكهولة، فسمع من: أبي القاسم الطبراني، وأبي بكر
القطيعي، ومحمد بن أحمد المفيد، وطبقتهم.
روى عنه: حمزة بن أحمد الروذراوري، وهناد بن إبراهيم النسفي، وسعيد بن
أحمد الجعفري، وأبو طاهر أحمد بن عبد الرحمن الروذراوري، وأبو منصور
محمد بن الحسن بن محمد النهاوندي، وآخرون. وثقه شيرويه الديلمي في
تاريخ همذان، ولم يذكر له وفاة.
الإمام المقرىء، المعمر المسند، أبو الحسن، محمد بن جعفر ابن محمد بن
هارون بن فروة، التميمي النحوي الكوفي، ابن النجار.
تلا على أبي علي الحسن بن عون النقار بحرف عاصم، عن تلاوته على القاسم
بن أحمد الخياط تلميذ الشموني.
وسمع الحديث من محمد بن الحسين الخثعمي الأشناني، وأبي بكر ابن دريد،
وإبراهيم نفطويه، وأبي روق الهزاني.
وعاش مئة عام.
حدث عنه: أبو القاسم الأزهري، وجماعة.
وتلا عليه الحسن بن محمد، وأبو علي غلام الهراس، وطائفة.
قال العتيقي: هو ثقة، مات بالكوفة في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربع
مئة.
وقال الأزهري: كان مولده في المحرم سنة ثلاث وثلاث مئة.
الإمام العلامة، شيخ الحنفية، القاضي أبو عبد الله، محمد بن عبد الله
بن الحسين بن عبد الله بن يحيى بن حاتم، الجعفي الكوفي الحنفي، المعروف
بالهرواني.
تلا لعاصم على أبي العباس محمد بن الحسن بن يونس النحوي.
وسمع من محمد بن القاسم المحاربي، وعلي بن محمد بن هارون، ومحمد بن
جعفر بن رياح الأشجعي.
قرأ عليه أبو علي غلام الهراس.
وحدث عنه: أبو محمد يحيى بن محمد بن الحسن العلوي الأقساسي، وأبو الفرج
محمد بن أحمد بن علان، ومحمد بن الحسن بن المنثور الجهني، وأبو منصور
محمد بن محمد العكبري النديم، وآخرون.
قال الخطيب: كان ثقةً، حدث ببغداد.
قال: وكان من عاصره بالكوفة يقول: لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود إلى
وقته أحد أفقه منه، حدثني عنه غير واحد.
قلت: بل كان بالكوفة بينه وبين ابن مسعود جماعة أفقه منه كعلقمة،
وعبيدة السلماني، وجماعة، ثم كالشعبي وإبراهيم النخعي، ثم كحماد والحكم
ومغيرة وعدة، ثم كابن شبرمة وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وحجاج بن أرطاة،
ثم كسفيان الثوري ومسعر والحسن بن صالح وشريك، ثم كوكيع وحفص بن غياث
وابن إدريس وخلق.
قال الخطيب: وقال لي العتيقي: ما رأيت بالكوفة مثل القاضي الهرواني.
وقال أبو الغنائم النرسي: ثقة مأمون، بقي على قضاء الكوفة سنين، مات في
رجب سنة اثنتين وأربع مئة.
قلت: عاش سبعاً وتسعين سنة.
الإمام العلامة، اللغوي المحدث، أبو الحسين، أحمد بن فارس ابن زكريا بن
محمد بن حبيب القزويني، المعروف بالرازي، المالكي، اللغوي، نزيل همذان،
وصاحب كتاب: المجمل.
حدث عن: أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان، وسليمان ابن يزيد
الفامي، وعلي بن محمد بن مهرويه القزوينيين، وسعيد بن محمد القطان،
ومحمد بن هارون الثقفي، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وأحمد بن عبيد
الهمذانيين، وأبي بكر بن السني الدينوري، وأبي القاسم الطبراني،
وطائفة.
حدث عنه: أبو سهل بن زيرك، وأبو منصور محمد بن عيسى، وعلي ابن القاسم
الخياط المقرىء، وأبو منصور بن المحتسب، وآخرون.
مولده بقزوين ومرباه بهمذان، وأكثر الإقامة بالري.
وكان رأساً في الأدب، بصيراً بفقه مالك، مناظراً متكلماً على طريقة أهل
الحق، ومذهبه في النحو على طريقة الكوفيين، جمع إتقان العلم إلى ظرف
أهل الكتابة والشعر.
وله مصنفات ورسائل، وتخرج به أئمة.
وكان يتعصب لآل العميد، فكان الصاحب بن عباد يكرهه لذلك، وقد صنف باسمه
كتاب الحجر، فأمر له بجائزة قليلة.
وكان يقول: من قصر علمه في اللغة وغولط غلط.
قال سعد بن علي الزنجاني: كان أبو الحسين من أئمة اللغة، محتجاً به في
جميع الجهات غير منازع، رحل إلى الأوحد في العلوم أبي الحسن القطان،
ورحل إلى زنجان، إلى صاحب ثعلب أحمد بن الحسن الخطيب، ورحل إلى ميانج
إلى أحمد بن طاهر بن النجم، وكان يقول: ما رأيت مثله. قال سعد: وحمل
أبو الحسين إلى الري ليقرأ عليه مجد الدولة ابن فخر الدولة، وحصل بها
مالاً منه، وبرع عليه، وكان أبو الحسين من الأجواد حتى إنه يهب ثيابه
وفرش بيته، وكان من رؤوس أهل السنة المجردين على مذهب أهل الحديث.
قال: ومات بالري في صفر سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وفيها ورخه أبو
القاسم بن مندة، ووهم من قال: مات سنة تسعين.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا البهاء عبد الرحمن، أخبرنا عبد
الحق اليوسفي، أخبرنا هادي بن إسماعيل، أخبرنا علي بن القاسم، أخبرنا
أحمد بن فارس اللغوي، حدثنا علي بن أبي خالد بقزوين، حدثنا الدبري، عن
عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله
بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة في
الأرض سياحين يبلغوني عن أمتي السلام.
ومن نظم ابن فارس.
سقى همذان الغيث لست بقـائلٍ |
|
سوى ذا وفي الأحشاء نارٌ تضرّم |
ومالي لا أُصغي الدّعاء لبـلـدةٍ |
|
أفدت بها نسيان ما كنت أعـلـم |
نسيت الذي أحسنته غير أنّـنـي |
|
مدينٌ وما في جوف بيتي درهم |
وله:
إذا كنت تؤذى بحرّ المصيف |
|
ويبس الخريف وبرد الشّتـا |
ويلهيك حسن زمان الرّبـيع |
|
فأخذك للعلم قل لي متى ؟ |
المحدث الحجة، أبو أحمد، عبد الله بن بكر بن محمد، الطبراني الزاهد،
نزيل أكواخ بانياس.
حدث عن: أبي سعيد بن الأعرابي، وأحمد بن زكريا المقدسي، وعثمان بن محمد
السمرقندي، وخيثمة الأطرابلسي، وخلق كثير.
روى عنه: تمام الرازي: وعلي بن محمد الربعي، وأحمد بن رواد العكاوي،
وأبو علي الأهوازي، ومحمد بن علي الصوري.
وقال الصوري: كان ثقةً ثبتاً مكثراً، حكى عنه الدارقطني.
وقال الكتاني: ثقة يتشيع، مات سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
قلت: وله رحلة إلى بغداد، ولقي أبا سهل بن زياد وأمثاله.
شيخ
المالكية، القاضي أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد، البغدادي ابن القصار.
حدث عن علي بن الفض الستوري وغيره.
روى عنه: أبو ذر الحافظ، وأبو الحسين بن المهتدي بالله.
ووثقه الخطيب.
وكان من كبار تلامذة القاضي أبي بكر الأبهري، يذكر مع أبي القاسم
الجلاب.
قال أبو إسحاق الشيرازي: له كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم
كتاباً في الخلاف أحسن منه.
قال القاضي عياض: كان أصولياً نظاراً، ولي قضاء بغداد.
وقال أبو ذر: هو أفقه من لقيت من المالكيين، وكان ثقة قليل الحديث.
قال ابن أبي الفوارس: مات في ثامن ذي القعدة، سنة سبع وتسعين وثلاث
مئة. ويقال: مات سنة ثمان، والأول أصح.
الفقيه الإمام، أبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الأصبهاني
القصار، من كبار الشافعية.
حدث عن: أبي علي بن عاصم، وعبد الله بن جعفر بن فارس، وعبد الله بن
خالد الزاذاني، ومحمد بن إسحاق بن عباد، والقاضي أبي أحمد العسال.
وكان ثبتاً، كبير القدر.
حدث عنه: أبو القاسم بن مندة، وأخوه عبد الوهاب، ومحمد بن أحمد بن علي
السمسار، ومحمد بن يحيى الصفار، وجماعة.
توفي سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
المنجم الكبير، مصنف الزيج الحاكمي، أبو الحسن علي بن محدث مصر أبي
سعيد عبد الرحمن بن الفقيه أحمد بن شيخ الإسلام يونس ابن عبد الأعلى
الصدفي المصري. وأهل التنجيم يخضعون لفضيلة هذا التأليف.
وله نظم رائق.
ليس مرةً ثياب النساء، وضرب بالعود، وبخر، ورقب الزهرة، وكان يلبس تحت
العمامة طرطوراً، كالبدو، وله إصابات عجيبة تضل الجهلة.
وقد عدله القاضي محمد بن النعمان وقبله، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وله سماعات عالية.
مات في شوال سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
القاضي الإمام المقرىء الأوحد، أبو عبد الله أحمد بن عمر بن محمد ابن
عمر بن محفوظ المصري الجيزي.
تلا علي أبي الفتح بن بدهن.
وسمع من: أحمد بن بهزاد السيرافي، وأحمد بن إبراهيم بن جامع، وأحمد بن
مسعود الزبيري، والعلامة أبي جعفر بن النحاس.
حدث عنه: فارس بن أحمد الضرير، وأبو عمرو الداني، وجماعة.
قال الداني: كتبنا عنه شيئاً كثيراً من القراءات والحديث، وتوفي سنة
تسع وتسعين وثلاث مئة.
وقيل: توفي في شعبان سنة أربع مئة.
وأكبر شيخ له أبو الطاهر أحمد بن محمد المديني صاحب يونس بن عبد
الأعلى.
روى عنه المصريون.
الإمام القدوة الرباني، الحافظ الرحال، أبو الفضل، أحمد بن أبي عمران،
الهروي الصرام، المجاور، شيخ الحرم.
حدث عن: خيثمة بن سليمان، ومحمد بن أحمد المحبوبي، وأحمد بن بندار،
ودعلج السجزي، وأبي القاسم الطبراني، وعدة.
وكان من أوعية الحديث، روى الكثير بمكة. وحدث عنه: أبو يعقوب القراب،
وأبو نعيم الأصبهاني، وعلي بن محمد الحنائي، وأبو علي الأهوازي، وأبو
الفضل بن بندار الرازي، وآخرون.
وقد صحب محمد بن داود الدقي والكبار، وأخذ عنه خلق من المغاربة
والرحالة، ووصفه الأهوازي بالحفظ.
توفي سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
الشيخ
العالم الثقة، مسند أصبهان، أبو علي، الحسن بن علي بن أحمد بن سليمان
بن البغدادي، الشطرنجي، التاجر، نزيل أصبهان.
حدث جدهم سليمان عن هشام بن عبيد الله الرازي، وحدث أبوهما الأقرب علي
بن أحمد عن أبي حاتم الرازي.
روى أبو علي عن: أبيه، والفضل بن الخصيب، وأحمد بن موسى ابن إسحاق
الخطمي، وعبد الله بن محمد ابن أخي أبي زرعة، والحسن ابن علي بن أبي
الحناء المرداسي الهمذاني، وأبي أسيد أحمد بن محمد بن أسيد، وأحمد بن
محمد اللنباني، ومحمد بن عبد الله بن نبيل الهمذاني، وأبي الأسود عبد
الرحمن بن الفيض، وأبي بكر محمد بن علي بن الحسين الهمذاني، وأحمد بن
محمد السحيمي، وعدة.
حدث عنه: محمود بن جعفر الكوسج، وابن مندة أبو القاسم، وعدة.
وهم بيت حديث وإسناد.
توفي في رجب سنة تسع وتسعين وثلاث مئة، وعاش أربعاً وتسعين سنة، رحمه
الله.
وممن روى عنه: أبو الطيب محمد بن أحمد بن إبراهيم عرف بسلة والحسن بن
عمر بن يونس، وأبو منصور بن شكرويه.
ابن
سهل الحافظ الإمام المتقن أبو القاسم بن الدباغ الأزدي الأندلسي
القرطبي.
ولد سنة خمس وعشرين، وثلاث مئة.
وسمع بدمشق أبا الميمون بن راشد، وعلي بن أبي العقب، وجماعةً، وبمصر
أبا بكر بن أبي الموت، وحمزة الحافظ، وابن الناصح، وسلم بن الفضل، وأبا
محمد بن الورد وعدة، وبمكة بكيراً الحداد والآجري، وأبا الحسن الخزاعي،
وبقرطبة محمد بن معاوية المرواني، وأحمد بن الشامة. وكان من بحور
الرواية.
روى عنه: عبد الله بن محمد بن الفرضي، وأبو عمرو الداني، وابن عبد
البر، وغيرهم.
قال الحميدي: جمع ابن الدباغ مسند أحاديث مالك، ومسند أحاديث شعبة،
والكنى التي للصحابة، وأقضية شريح، وكتاب الخائفين، وزهد بشر الحافي،
أكثر عنه شيخنا أبو عمر، وكان لا يقدم عليه من شيوخه أحداً، وبالغ في
وصفه، وقال: كتب بالمشرق عن نحو ثلاث مئة شيخ، وكان من أعلم الناس
برجال الحديث وأكتبهم له، وهو محدث الأندلس في وقته قال الحميدي: وقد
كتب عنه أبو الفتح عبد الواحد بن مسرور.
قلت: وقرأ بالروايات على جماعة منهم: أحمد بن صالح تلميذ ابن مجاهد.
توفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة.
قرأت على محمد بن عطاء الله: أخبرنا أبو القاسم السبط، أنبأنا خلف
الحافظ، أخبرنا أبو محمد، عن أبي عمر الحافظ، أخبرنا خلف بن القاسم،
حدثنا محمد بن موسى، حدثنا أحمد بن علي بن شعيب، حدثنا محمد بن حفص،
حدثنا جراح بن يحيى، حدثنا عمر بن عمرو، سمعت عبد الله بن بسر يقول:
قار رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله
ثناءً على الله، وصلاةً على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعوه،
فيستجاب الدعاء به.
إسناده مظلم.
ابن
خالد بن أحمد بن خالد بن حماد، الحافظ، العالم الرحال، أبو علي الذهلي
الخالدي الهروي.
حدث عن: أبي سعيد بن الأعرابي، وأبي نصر محمد بن حمدويه المروزي، وعبد
الله بن أحوص الدبوسي لقيه بسمرقند، والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي،
وأبي جعفر بن البختري، وأبي حامد بن بلال، وعبد الله بن عمر بن شوذب،
وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وإسماعيل الصفار، وأبي العباس الأصم،
وعبد المؤمن بن خلف النسفي، وابن السماك، وطبقتهم.
وكتب الكثير وتعب.
روى عنه: أبو يعلى بن الصابوني، وأبو حازم العبدوني الحافظ، وأبو سعيد
عبد الرحمن بن محمد المؤدب، ونجيب بن ميمون الواسطي ثم الهروي، وعدد
كثير، إلا أنه غير ثقة.
قال أبو سعد الإدريسي: كذاب لا يعتمد عليه.
وذكره جعفر بن محمد المستغفري فقال: روى عن منصور بن محمد البزدوي يعني
صاحب البخاري ثم قال: مات في المحرم سنة اثنتين وأربع مئة. وقيل: توفي
سنة إحدى وأربع مئة.
المحدث الصالح الصدوق، أبو العباس، أحمد بن إبراهيم بن أحمد ابن تركان،
التميمي الهمذاني الخفاف. روى عن: أوس الخطيب، وعبد الرحمن الجلاب،
وأبي سهل بن زياد القطان، ودعلج السجزي، وطبقتهم.
وعنه: محمد بن عيسى، وأبو الفرج بن عبد الحميد الجريري، وأحمد بن عيسى
بن عباد، ويوسف الخطيب، وآخرون.
قال شيرويه: ثقة صدوق، ولد سنة سبع عشرة وثلاث مئة، ومات في ربيع الأول
سنة اثنتين وأربع مئة، وقبره يزار، رحمه الله.
الملك
المحدث، صاحب سجستان، خلف بن أحمد بن محمد بن الليث، السجستاني الفقيه،
من جلة الملوك، له إفضال كثير على أهل العلم.
مولده في سنة ست وعشرين وثلاث مئة.
وسمع من: محمد بن علي الماليني صاحب عثمان بن سعيد الدارمي، ومن عبد
الله بن محمد الفاكهي المكي، وأبي علي بن الصواف، وعلي بن بندار
الصوفي.
روى عنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو يعلى بن الصابوني، وطائفة.
وانتخب عليه الدارقطني.
وامتدت دولته، ثم حاصره السلطان محمود بن سبكتكين، في سنة ثلاث وتسعين،
وآذاه، وضيق عليه، فنزل بالأمان إليه، فبعثه مكرماً في هيئة جيدة إلى
الجوزجان، ثم بعد أربع سنين وصف للسلطان أنه يكاتب سلطان ما وراء النهر
أيلك خان، فضيق عليه.
وكان في أيامه ملكاً جواداً مغشي الجناب، مفضلاً محسناً ممدحاً، جمع
عدةً من الأئمة على تأليف تفسير عظيم حاو لأقوال المفسرين والقراء
والنحاة والمحدثين. فقال أبو النضر في كتاب اليميني: بلغني أنه أنفق
عليهم في أسبوع عشرين ألف دينار. قال: والنسخة به بنيسابور تستغرق عمر
الناسخ. أخبرني أبو الفتح البستي قال: عملت في الملك خلف ثلاثة أبيات،
لم أبلغها إياه لكنها اشتهرت، فلم أشعر إلا بثلاث مئة دينار بعثها إلي،
وهي هذه:
خلف بن أحمد أحمد الأخـلاف |
|
أربى بسؤدده على الأسـلاف |
خلف بن أحمد في الحقيقة واحدٌ |
|
لكنّه مـربٍ عـلـى الآلاف |
أضحى لآل اللّيث أعلام الورى |
|
مثل النّبيّ لآل عبـد مـنـاف |
وقد امتدحه البديع الهمذاني وغيره، وفيه يقول الثعالبي:
من ذا الذي لا يذلّ الدّهر صعبته |
|
ولا تلين له الأيّام صـعـدتـه |
أما ترى خلفاً شيخ الملوك غـدا |
|
مملوك من فتح العذراء بلدتـه |
توفي
في السجن في رجب، سنة تسع وتسعين وثلاث مئة، وورثه ابنه أبو حفص.
قال الحاكم: قرأت عليه ببخارى انتخاب الدارقطني له، ومات شهيداً في
الحبس ببلاد الهند. ثم ساق الحاكم في ترجمته تسعة أحاديث.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بقراءتي، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر
بن طاهر، أخبرنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن الواعظ سنة إحدى وخمسين
وأربع مئة، أخبرنا الأمير أبو أحمد خلف بن أحمد بن محمد بن خلف، حدثنا
خلف بن محمد بن إسماعيل، حدثنا خلف بن سليمان، حدثنا خلف بن محمد
كردوس، حدثنا خلف بن موسى بن خلف العمي، حدثنا أبي، عن عمرو بن دينار،
عن ابن عباس أنه سمع رجلاً يقول: اللهم اغفر لي ولفلان. قال: من فلان ؟
قال: جار لي أمرني أن أستغفر له. قال: غفر الله لك ولصاحبك. إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم اغفر لي ولفلان. قال:
من فلان ؟ قال: جار لي أمرني أن أستغفر له. قال: غفر الله لك وله.
هذا مسلسل بخمسة خلفين.
الضال
الموحد، أبو حيان، علي بن محمد بن العباس، البغدادي الصوفي، صاحب
التصانيف الأدبية والفلسفية، ويقال: كان من أعيان الشافعية.
قال ابن بابي في كتاب الخريدة والفريدة: كان أبو حيان هذا كذاباً قليل
الدين والورع عن القذف والمجاهرة بالبهتان، تعرض لأمور جسام من القدح
في الشريعة والقول بالتعطيل، ولقد وقف سيدنا الوزير الصاحب كافي الكفاة
على بعض ما كان يدغله ويخفيه من سوء الاعتقاد، فطلبه ليقتله، فهرب،
والتجأ إلى أعدائه، ونفق عليهم تزخرفه وإفكه، ثم عثروا منه على قبيح
دخلته وسوء عقيدته، وما يبطنه من الإلحاد، ويرومه في الإسلام من
الفساد، وما يلصقه بأعلام الصحابة من القبائح، ويضيفه إلى السلف الصالح
من الفضائح، فطلبه الوزير المهلبي، فاستتر منه، ومات في الاستتار،
وأراح الله، ولم يؤثر عنه إلا مثلبة أو مخزية. وقال أبو الفرج بن
الجوزي: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو
العلاء المعري، وأشدهم على الإسلام أبو حيان، لأنهما صرحا، وهو مجمج
ولم يصرح.
قلت: وكان من تلامذة علي بن عيسى الرماني، ورأيته يبالغ في تعظيم
الرماني في كتابه الذي ألفه في تقريظ الجاحظ، فانظر إلى المادح
والممدوح ! وأجود الثلاثة الرماني مع اعتزاله وتشيعه.
وأبو حيان له مصنف كبير في تصوف الحكماء، وزهاد الفلاسفة، وكتاب سماه
البصائر والذخائر، وكتاب الصديق والصداقة، مجلد، وكتاب المقابسات،
وكتاب: مثالب الوزيرين يعني ابن العميد وابن عباد وغير ذلك.
وهو الذي نسب نفسه إلى التوحيد، كما سمى ابن تومرت أتباعه بالموحدين،
وكما يسمي صوفية الفلاسفة نفوسهم بأهل الوحدة وبالاتحادية.
أنبأني أحمد بن أبي الخير، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر:
سمعت أبا الفتح عبد الوهاب الشيرازي بالري يقول: سمعت أبا حيان
التوحيدي يقول: أناس مضوا تحت التوهم، وظنوا أن الحق معهم، وكان الحق
وراءهم.
قلت: أنت حامل لوائهم.
قال الشيخ محيي الدين في تهذيب الأسماء: أبو حيان من أصحابنا المصنفين،
فمن غرائبه أنه قال في بعض رسائله: لا ربا في الزعفران. ووافقه عليه
أبو حامد المروذي.
وقال ابن النجار: له المصنفات الحسنة كالبصائر وغيرها. قال: وكان
فقيراً صابراً متديناً، صحيح العقيدة. سمع جعفراً الخلدي، وأبا بكر
الشافعي، وأبا سعيد السيرافي، والقاضي أحمد بن بشر العامري. روى عنه:
علي بن يوسف الفامي، ومحمد بن منصور بن جيكان، وعبد الكريم بن محمد
الداوودي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي، ومحمد بن إبراهيم بن فارس
الشيرازيون، وقد لقي الصاحب بن عباد وأمثاله.
قلت: قد سمع منه أبو سعد عبد الرحمن بن ممجة الأصبهاني، وذلك في سنة
أربع مئة، وهو آخر العهد به.
وقال السلفي: كان نصر بن عبد العزيز ينفرد عن أبي حيان بنكت عجيبة.
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثروه عنه جعفر الحكاك: سمعت أبا سعد
الماليني يقول: قرأت الرسالة يعني المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي
عبيدة إلى علي رضي الله عنهم على أبي حيان، فقال: هذه الرسالة عملتها
رداً على الرافضة، وسببه أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، وكانوا
يغلون في حال علي، فعملت هذه الرسالة.
قلت: قد باء بالاختلاف على علي الصفوة، وقد رأيتها وسائرها كذب بين.
ابن
المستنصر صاحب الأندلس، بايعوه صبياً، فقام بتشييد الدولة الحاجب
المنصور محمد بن أبي عامر، فكان من رجال الدهر رأياً وحزماً، ودهاءً
وشجاعةً وإقداماً أعني الحاجب فعمد أول تغلبه إلى خزائن كتب الحكم،
فأبرز ما فيها بمحضر من العلماء، وأمر بإفراز ما فيها من تصانيف
الأوائل والفلاسفة، حاشا كتب الطب والحساب، وأمر بإحراقها، فأحرقت،
وطمر بعضها، ففعل ذلك تحبباً إلى العوام، وتقبيحاً لمذهب الحكم.
ولم يزل المؤيد بالله هشام غائباً عن الناس لا يظهر ولا ينفذ أمراً.
وكان ابن أبي عامر ممن طلب العلم والأدب، ورأس وترقى، وساعدته
المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال،
وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورةً بلا معنى،
لأن المؤيد كان أخرق، ضعيف الرأي، وكان للمنصور نكاية عظيمة في الفرنج،
وله مجلس في الأسبوع يجتمع إليه فيه الفضلاء للمناظرة، فيكرمهم
ويحترمهم ويصلهم، ويجيز الشعراء، افتتح عدة أماكن، وملأ الأندلس سبياً
وغنائم، حتى بيعت بنت عظيم من عظماء الروم ذات حسن وجمال بعشرين
ديناراً، وكان إذا فرغ من قتال العدو، نفض ما عليه من غبار المصاف، ثم
يجمعه ويحتفظ به، فلما احتضر أمر بما اجتمع له من ذلك بأن يذر على
كفته، وغزا نيفاً وخمسين غزوةً، وتوفي مبطوناً شهيداً وهو بأقصى الثغر،
بقرب مدينة سالم، سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة.
وكان أول شيء حاجباً للمؤيد بالله، فكان يدخل عليه القصر، ويخرج فيقول:
أمر أمير المؤمنين بكذا، ونهى عن كذا. فلا يخالفه أحد، ولا يعترض عليه
معترض، وكان يمنع المؤيد من الاجتماع بالناس، وإذا كان بعد مدة ركبه،
وجعل عليه برنساً، وألبس جواريه مثله، فلا يعرف المؤيد من بينهن، فكان
يخرج يتنزه في الزهراء، ثم يعود إلى القصر على هذه الصفة. ولما توفي
الحاجب ابن أبي عامر، قام في منصبه ابنه الملقب بالمظفر: أبو مروان عبد
الملك بن محمد. وجرى على منوال والده، فكان ذا سعد عظيم، وكان فيه حياء
مفرط يضرب به المثل، لكنه كان من الشجعان المذكورين، فدامت الأندلس في
أيامه في خير وخصب وعز إلى أن مات في صفر، سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
وقام بتدبير دولة المؤيد بالله الناصر عبد الرحمن أخو المظفر المذكور
المعروف بشنشول، فعتا وتمرد، وفسق وتهتك، ولم يزل بالمؤيد بالله حتى
خلع نفسه من الخلافة، وفوضها إلى شنشول هذا مكرهاً، في جمادى الآخرة،
سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
ومن قصة شنشول ويقال: شنجول وهو أصح أن أباه المنصور غزا غزوة البررت،
وهو مكان مضيق بين جبلين لا يمشيه إلا فارس بعد فارس، فالتقى الروم
هناك، ثم نزل، وأمر برفع الخيام وبناء الدور والسور، واختط قصراً
لنفسه، وكتب إلى ابنه ومولاه واضح بالنيابة على البلاد، يقول في كتابه:
ولما أبصرت بلاد أرغون، استقصرت رأي الخلفاء في ترك هذه المملكة
العظيمة. فلما علمت الروم بعزمه، رغبوا إليه في أداء القطيعة، فأبى
عليهم إلا أن يهبوه ابنة ملكهم الذي من ذرية هرقل، فقالوا: إن هذا
لعار. فالتقوه في أمم لا تحصى في وسط بلادهم، وهو في عشرين ألف فارس،
فكان للمسلمين جولة، فثبت المنصور وولداه، وكاتبه ابن برد، والقاضي ابن
ذكوان في جماعة، فأمر أن تضرب خيمة له، فرآها المسلمون، فتراجعوا، فهزم
الله الكافرين، ونزل النصر، ثم حاصر مدينةً لهم، فلما هم بالظفر، بذلوا
له ابنة الملك، وكانت في غاية الجمال والعقل، فلما شيعها أكابر دولتها،
سألوها البر والعناية بهم، فقالت: الجاه لا يطلب بأفخاذ النساء بل
برماح الرجال. فولدت للمنصور شنجول هذا، وهو لقب لجده لأمه لقب هو به.
ومن مفاخر المنصور: أنه قدم من غزوة، فتعرضت له امرأة عند القصر،
فقالت: يا منصور ! يفرح الناس وأبكي ؟ إن ابني أسير في بلاد الروم.
فثنى عنانه وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنها.
وقد عصاه مرةً ولد له، فهرب، ولجأ إلى ملك سمورة، فغزاها المنصور،
وحاصرها، وحلف ألا يرحل إلا بابنه، فسلموه إليه، فأمر بقتله، فقتل بقرب
سمورة.
ومن رجلة المنصور: أنه أحيط به في مدينة فتة، فرمى بنفسه من أعلى
جبلها، وصار في عسكره، فبقي مفدع القدمين لا يركب، إنما يصنع له محمل
على بغل يقاد به في سبع غزوات وهو بضعة لحم، فانظر إلى هذه الهمة
العلية، والشجاعة الزائدة. وكان موته آخر الصلاح وأول الفساد بالأندلس،
لأن أفعاله كانت حسنةً في الحال، فاسدةً في المآل، فكانت قبله القبائل،
كل قبيلة في مكان، فإذا كان غزو، وضعت الخلفاء على كل قبيلة عدداً،
فيغزون، فلما استولى المنصور، أدخل من صنهاجة ونفزن عشرين ألفاً إلى
الأندلس، وشتت العرب عن مواضعها، وأخملهم، وأبقى على نفسه لكونه ليس من
بيوت الملك، ثم قتل في بني أمية جماعةً، واحتاط على المؤيد، ومنعه من
الاجتماع بأحد، وربما أخرجه لهم في يوم العيد للهناء، فلما مات المنصور
وابنه المظفر أبو مروان، انخرم النظام، وشرع الفساد، وهلك الناس، فقام
شنجول وطغى وبغى، وفعل العظائم، والمؤيد بالله تحت الاحتجار، فدس على
المؤيد من خوفه وهدده، وأعمله أنه عازم على قتله إن لم يوله عهده، ثم
أمر شنجول القضاة والأعلام بالمثول إلى القصر الذي بالزهراء، فأخرج لهم
المؤيد، وأخرج كتاباً قرىء بينهم بأن المؤيد قد خلع نفسه، وسلم الأمر
إلى الناصر لدين الله عبد الرحمن بن أبي عامر. فشهد من حضر بذلك على
المؤيد، وأخذ الناصر هذا في التهتك والفسق، وكان زيهم المكشوفة، فأمر
جنده بحلق الشعر، ولبس العمائم تشبهاً ببني زيري، فبقوا أوحش ما يكون
وأسمجه، لفوا العمائم بلا صنعة، وبقوا ضحكةً، ثم سار غازياً، فجاءه
الخبر بأن محمد بن هشام بن عبد الجبار الأموي ابن عم المؤيد بالله قد
توثب بقرطبة، وهدم الزهراء، وأقام معه القاضي ابن ذكوان، وأنفق الأموال
في الشطار، فاجتمع له أربع مئة رجل، وأخذ يرتب أموره في السر، ثم ركب،
وقصد دار والي قرطبة، فقطع رأسه، فخرج إليه الأستاذ جوذر الكبير، فقال
له محمد بن هشام: أين المؤيد بالله ؟ أخرجه. فقال: أذل نفسه، وأذلنا
بضعفه. فخرج يطلب أمانه، فقال: أنا إنما قمت لأزيل الذل عنك، فإن خلعت
نفسك طائعاً، فلك كل ما تحب. ثم طلب ابن المكوي الفقيه، وابن ذكوان
القاضي والوزراء، فدخلوا على المؤيد، فشهدوا عليه بتفويض الأمر إلى ابن
عمه هذا، وضعف أمر شنجول، وظفر به محمد، فذبحه في أثناء هذا العام، وله
بضع وعشرون سنة.
قال ابن أبي الفياض: كان ختان شنشول في سنة ثمانين وثلاث مئة، فانتهت
النفقة يومئذ إلى خمس مئة ألف دينار، وختنوا معه خمس مئة وسبعةً وسبعين
صبياً.
وأما محمد بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر لدين الله عبد الرحمن،
فتلقب بالمهدي، ونصب الديوان، واستخدم، فلم يبق زاهد ولا جاهل ولا حجام
حتى جاءه، فاجتمع له نحو من خمسين ألفاً، ودانت له الوزراء والصقالبة،
وبايعوه، فأمر بنهب دور آل المنصور أبي عامر، وانتهب جميع ما في
الزهراء من الأموال والسلاح، وقلعت الأبواب. فقيل: وصل منها إلى خزانة
المهدي هذا خمسة آلاف ألف دينار سوى الفضة، وصلى بالناس الجمعة بقرطبة،
وقرىء كتابه بلعنة شنشول، ثم سار إلى حربه، فكان القاضي ابن ذكوان يحرض
على قتاله، ويقول: هو كافر. وكان شنشول قد استعان بعسكر الفرنج لأن أمه
منهم، وقام معه ابن غومش، فجاء إلى قرطبة، فتسحب جنده، فقال له ابن
غومش: ارجع بنا قبل أن تؤخذ. فأبى، ومال إلى دير شربش جوعان سهران،
فأنزل له راهب دجاجةً وخبزاً، فأكل وشرب وسكر، وجاء لحربه ابن عم
المهدي وحاجبه محمد بن المغيرة الأموي، فقبض عليه، فظهر منه الجزع،
وقبل قدم ابن المغيرة، وقال: أنا في طاعة المهدي. ثم ضربت عنقه، وطيف
برأسه: هذا شنشول المأبون المخذول. فلما استوثق الأمر للمهدي، أظهر من
الخلاعة والفساد أكثر مما عمله شنشول.
قال الحميدي: فقام على المهدي ابن عمه هشام بن سليمان بن الناصر لدين
الله، في شوال سنة تسع وتسعين، وقام مع البربر، وأسر هشام هذا، فقتله
المهدي. وقال غيره: زاد المهدي في الغي وأخذ الحرم، وعمد إلى نصراني
يشبه المؤيد بالله، ففصده حتى مات، وأخرجه إلى الناس، وقال: هذا
المؤيد. فصلى عليه، ودفنه، وقدم على المهدي رسول فلفل بن سعيد الزناتي
صاحب طرابلس داخلاً في طاعته، يلتمس إرسال سكة على اسمه ليعينه على
باديس، فغلب باديس على طرابلس وتملكها، وكتب إلى ابن عمه حماد ليغري
القبائل على المهدي لخذلانه، قد هم بالغدر بالبربر الذي حوله، ولوح
بذلك، فهذا سبب خروجهم عليه مع ابن عمه هشام بن سليمان، فقتلوا أولاً
وزيريه: محمد بن دري، وخلف بن طريف، وأحرقوا السراجين، وعبروا القنطرة،
ثم تخاذلوا عن هشام حتى قتل، وتحيز جلهم إلى قلعة رباح، فهرب معهم
سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر، وهو ابن أخي هشام المقتول،
فبايعوه، وسموه: المستعين بالله، وجمعوا له مالاً، حتى صار له نحو من
مئة ألف دينار، فتوجه بالبربر إلى طليطلة، فتملكها، وقتل واليها، فجزع
المهدي، واعتد للحصار، وتجرأت عليه العامة، ثم بعث عسكراً، فهزمهم
سليمان المستعين، ثم سار حتى شارف قرطبة، فبرز لحربه عسكر المهدي،
فناجزهم سليمان، فكان من غرق منهم في الوادي أكثر ممن قتل، وكانت وقعة
هائلة هلك فيها خلق من الأخيار والأئمة والمؤذنين، فلما أصبح المهدي
بالله، أخرج للناس الخليفة المؤيد بالله هشام بن الحكم، الذي كان أظهر
لهم موته، فأجلسه للناس، وأقبل قاضي الجماعة يقول: هذا أمير المؤمنين،
وإنما محمد بن هشام بن عبد الجبار نائبه. فقال له البربر: يا ابن
ذكوان: بالأمس تصلي عليه، واليوم تحييه ؟! ثم خرج أهل قرطبة إلى
المستعين، سليمان فاحسن ملقاهم واختفى محمد المهدي واستوثق أمر
المستعين ودخل قصر الإمارة، ووارى الناس قتلاهم، فكانوا نحواً من اثني
عشر ألفاً، ثم تسحب المهدي إلى طليطلة، فقاموا معه، وكتب إلى الفرنج،
ووعدهم بالأموال، فاجتمع إليه خلق عظيم، وهو أول مال انتقل من بيت
المال بالأندلس إلى الفرنج، وكانت الثغور كلها باقيةً على طاعة المهدي،
فقصد قرطبة في جحفل عظيم، فالتقى الجمعان على عقبة البقر على بريد من
قرطبة، فاقتتلوا أشد قتال، فانهزم سليمان المستمعين، واستولى المهدي
على قرطبة ثانياً، ثم خرج بعد أيام إلى قتال جماهير البربر، فالتقاهم
بوادي آره، فهزموه أقبح هزيمة، وقتل من جنده الفرنج ثلاثة آلاف، وغرق
خلق، فجاء إلى قرطبة، ثم وثب عليه العبيد، فضربت عنقه، وقطعت أربعته،
وكفى الله شره في ثامن ذي الحجة عام أربع مئة، وعاش أربعاً وثلاثين
سنة.
قال الحميدي: أعيد المؤيد بالله إلى الخلافة في آخر سنة أربع مئة،
فحاصرته جيوش البربر مع سليمان المستعين مدةً، واتصل ذلك إلى شوال سنة
ثلاث وأربع مئة، فدخل البربر قرطبة بالسيف، وقتل المؤيد بالله. وقرأت
بخط أبي الوليد بن الحاج: أن طائفةً وثبوا على المهدي، فقتلوه، وأخرجوا
المؤيد بالله، فطير عنبر رأس المهدي بين يدي المؤيد، وسكن الناس، وكتب
المؤيد إلى البربر ليدخلوا في الطاعة، فأبوا، وصار يركب ويظهر، فهابه
الناس، وعاثت البربر، وعملت ما لا يعمله مسلم، ونازلوا قرطبة سنة
اثنتين وأربع مئة، واشتد القحط والبلاء، وفني الناس، ودخل البربر
بالسيف في سنة ثلاث، فقتلوا حتى الولدان، وهرب الخلق، وهرب المؤيد
بالله إلى المشرق، فحج، ولقد تصرف في الدنيا عزيزاً وذليلاً، والعزة
لله جميعاً.
وقال غيره: أما المؤيد، فانقطع خبره، ونسي ذكره.
وقال عزيز في تاريخ القيروان: إن المؤيد بالله هرب بنفسه من قرطبة، فلم
يزل فاراً ومستخفياً حتى حج، وكان معه كيس جوهر، فشعر به حرابة مكة،
فأخذوه منه، فمال إلى ناحية من الحرم، وأقام يومين لم يطعم طعاماً،
فأتى المروة، فلقيه رجل، فقال له: تحسن تجبل الطين ؟ قال نعم. فذهب به،
فلم يحسن الجبل، وشارط على درهم ورغيف، فقال: عجل القرص، فإني جائع.
فأتاه به، فأكله، وعمل حتى تعب، وهرب، وخرج مع الركب إلى الشام في أسوأ
حال، فقدم القدس، فمشى، فرأى رجلاً يعمل الحصر، فنظر إليه الرجل، فقال:
من أنت ؟ قال غريب. قال: تحسن هذه الصنعة ؟ قال: لا. قال: فتكون عندي
تناولني الحلفاء وأعطيك أجرةً ؟ قال: نعم. فأقام عنده يعاونه، ويأكل
معه، فتعلم صنعة الحصر، وأقام بالقدس سنين، ولم يدر به أحد، ثم رجع إلى
الأندلس في سنة أربع وعشرين وأربع مئة. قال عزيز: فهذا نص ما رواه
مشايخ أهل الأندلس، والذي ذكره ابن حزم في كتاب نقط العروس أنه قال:
أخلوقة لم يسمع بمثلها: ظهر رجل يقال له خلف الحصري بعد اثنتين وعشرين
سنة من موت المؤيد بالله هشام، فبويع له، وخطب له على منابر الأندلس في
أوقات شتى، وادعي أنه المؤيد بالله هشام، وسفكت الدماء، وتصادمت الجيوش
في أمره.
قال عزيز: فأقام المدعى أنه هشام نيفاً وعشرين سنة والقاضي محمد بن
إسماعيل ابن عباد كالوزير بين يديه والأمر إليه، فاستقام بذلك لابن
عباد أكثر بلاد الأندلس، ودفع عنه كلام الحساد إلى أن مات هشام.
قلت: هذه الحكاية شبه خرافة، ومن بعد سنة ثلاث وأربع مئة انقطع خبر
المؤيد بالله، وانتقل إلى الله، وأظنه قتل سراً، فكان له حينئذ خمسون
سنة، وكان ضعيف الرأي، قليل العقل، يصدق بما لا يكون، وله نهمة في جمع
البقر البلق، وأعطى مرةً مالاً عظيماً لمن جاءه بحافر حمار، وزعم أنه
حافر حمار العزير، وأتاه آخر بحجر، فقال: هذا من الصخرة. وأتاه آخر
بشعر قال: هذا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم. فقيل لهذا السبب: كان
المنصور يمنع الناس من الاجتماع به. وقال بعض الناس: بل خنقه المهدي،
وأخرجه ميتاً كما ذكرنا، فالله أعلم، وبالجملة فالذي جرى على أهل
الأندلس من جندها البربر لا يحد ولا يوصف، عملوا ما يصنعه كفار الترك
وأبلغ، وأحرقوا الزهراء وجامعها وقصورها، وكانت أحسن مدينة في الدنيا
وأطراها، قال ابن نبيط:
ثلاثةٌ من طبعها الفساد |
|
الفأر والبربر والجراد |
وقال محيي الدين عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي في كتاب المعجب: دخلت البربر قرطبة وعليهم سليمان المستعين في شوال سنة ثلاث وأربع مئة، فقتلوا المؤيد بالله، وقتل في هذه الكائنة بقرطبة من أهلها نيف وعشرون ألفاً.
ابن
الحكم بن سليمان بن الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد، الأموي
المرواني.
دانت له الأندلس سنة ثلاث وأربع مئة كما ذكرنا، جال بالبربر يفسد وينهب
البلاد، ويعمل كل قبيح، ولا يبقي على أحد، فكان من جملة جنده القاسم
وعلي ابنا حمود بن ميمون العلوي الإدريسي، فجعلهما قائدين على البربر،
وأمر علياً على سبتة وطنجة وتلك العدوة، وأمر القاسم على الجزيرة
الخضراء.
قال الحميدي: لم يزل المستعين يجول بالبربر يفسد وينهب، ويقفر المدائن
والقرى بالسيف، لا يبقي معه البربر على صغير ولا كبير، إلى أن غلب على
قرطبة، ثم إن علي بن حمود الإدريسي طمع في الخلافة، وراسل جماعةً،
فاستجاب له خلق، وبايعوه، فعدى من سبتة إلى الأندلس، فبايعه متولي
مالقه، واستحوذ على الكبار، وزحف إلى قرطبة، فجهز المستعين لحربه ولده
محمد بن سليمان، فالتقوا، فانهزم محمد، وهجم ابن حمود، فدخل قرطبة في
الحال، وظفر بالمستعين، فذبحه بيده صبراً، وذبح أباه الحكم وهو شيخ في
عشر الثمانين، وذلك في المحرم، سنة سبع وأربع مئة، وانقضت دولة
المروانية في جميع الأندلس.
وكان المستعين أديباً شاعراً، عاش نيفاً وخمسين سنة.
وله تيك الأبيات المشهورة:
عجباً يهاب اللّيث حدّ سـنـانـي |
|
وأهاب لحظ فواتـر الأجـفـان |
وأُقارع الأهوال لا مـتـهـيّبـاً |
|
منها سوى الإعراض والهجران |
وتملكت نفسي ثلاثٌ كـالـدّمـى |
|
زهر الوجوه نـواعـم الأبـدان |
ككواكب الظّلماء لحن لـنـاظـرٍ |
|
من فوق أغصانٍ على كثـبـان |
هذي الهلال وتلك بنت المشتـري |
|
حسناً وهذي أُخت غصن البـان |
حاكمت فيهنّ السّلوّ إلى الصـبـا |
|
فقضى بسلطانٍ على سلطـانـي |
وإذا تجارى في الهوى أهل الهوى |
|
عاش الهوى في غبـطةٍ وأمـان |
ابن
أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله المحض
بن الحسن المثنى بن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي
بن أبي طالب، الناصر لدين الله، الهاشمي، العلوي الإدريسي. استولى على
الأمر بقرطبة في أول سنة سبع وأربع مئة كما قدمنا، وكانت دولته اثنين
وعشرين شهراً، ثم خالف عليه الموالي الذين قاموا بنصره وبيعته، فخرجوا
عليه، وقدموا عليه الأمير عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن الناصر
لدين الله الأموي، ولقبوه بالمرتضى، وزحفوا إلى غرناطة، ثم ندموا على
تقديمه لما رأوا من قوته وصرامته وثبات جأشه، فخافوا من غائلته، ففروا
عنه، ودسوا عليه من قتله غيلة.
وأما علي بن حمود، فوثب عليه غلمان له صقالبة في الحمام، فقتلوه في آخر
سنة ثمان وأربع مئة.
وخلف من الأولاد يحيى المعتلي وإدريس، فشيخنا جعفر ابن محمد الإدريسي
من ذريته، حدثنا بمصر عن ابن باقا.
الإدريسي، والي إمرة الأندلس بعد مقتل أخيه علي بن حمود سنة ثمان.
وكان هادئاً ساكناً، أمن الناس معه، وكان يتشيع قليلاً، فبقي في الملك
إلى سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، في ربيع الأول، فخرج عليه ابن أخيه يحيى
بن علي بن حمود المعتلي، فهرب القاسم من غير قتال إلى إشبيلية، فاستمال
البربر، وجمع وحشد، وجاء إلى قرطبة، فهرب منه المعتلي، ثم اضطرب أمر
القاسم بعد قليل، وخذله البربر، وتفرقوا في سنة أربع عشرة، وتغلبت كل
فرقة على بلد من الأندلس، وجرت خطوب وأمور يطول شرحها، فلحق القاسم
بشريش، فقصده المعتلي، وحاصره، فظفر به، وسجنه دهراً، وأما أهل
إشبيلية، فطردوا عنها ابني القاسم بن حمود، وأمروا عليهم ثلاثةً: قاضي
البلد محمد بن إسماعيل بن عباد، ومحمد بن يريم الألهاني، ومحمد بن
الحسن الزبيدي، فساسوهم، ثم تملك عليهم القاضي، وأظهر لهم ذلك الحصري
الذي يقال: إنه المؤيد كما قدمنا، وتملك مالقة يحيى المعتلي والجزيرة
الخضراء، وغلب أخوه إدريس بن علي بن طنجة، وطال أسر القاسم، وعاش
ثمانين سنة، ثم خنق في سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
الرئيس أبو الحزم القرطبي الوزير، من بيت رئاسة ووزارة، من دهاة الرجال
وعقلائهم، دبر أمر قرطبة، واستولى عليها، لكنه من عقله لم يتسم
بالإمرة، ورتب البوابين والحشم على باب القصر، ولم ينتقل من بيته،
وأنفق في الجند الأموال، وأقام العمال، وفرق العدد على العامة.
وكان على طريقة الرؤساء الصالحين، فاستمر أمر الناس معه مستقيماً إلى
أن توفي في صفر، سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
فقام بعده ابنه الرئيس أبو الوليد محمد بن جهور، فجرى في السياسة على
منهاج أبيه سواء، وبقي كذلك مدة سنين.
وكان والده أبو الحزم من كبار العلماء روى عن أبي عبد الله بن مفرج،
وخلف بن القاسم، وعباس بن أصبغ، وجماعة. روى عنه: محمد بن عتاب، وغيره.
وكان من صغار وزراء دولة ابن أبي عامر.
وكان يقول: أنا ممسك أمر الناس إلى أن يتهيأ لهم من يصلح للخلافة.
فاستقل بالسلطنة، واستراح من اسمها، وكان يجعل ارتفاع الأموال ودائع
عند التجار ومضاربة.
وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز وهو بزي الصالحين، وله هيبة عظيمة،
وأمر مطاع، عاش إحدى وسبعين سنة.
وأما ابنه:
فحكم
على قرطبة ثمانية أعوام، فقصده ابن عباد، وقهره، وأخذ البلد، ثم سجن
أبا الوليد في حصن.
وكان قد قرأ على مكي بن أبي طالب، وسمع من أبي المطرف القنازعي، ويونس
بن عبد الله بن مغيث، وطائفة. وعني بالحديث.
فبقي في سجن ابن عباد إلى أن مات في نصف شوال، سنة اثنتين وستين وأربع
مئة.
وقيل: بل غلب على قرطبة المأمون بن ذي النون صاحب طليطلة، وقام بعده
ابن عكاشة البربري، ثم غلب عليها أبو القاسم بن عباد، وصارت تبعاً
لإشبيلية.
الإدريسي، أخو المعتلي بالله، لما قتل أخوه بادر أبو جعفر أحمد بن موسى
بن بقنة، ونجا الصقلبي الخادم، فأتيا مالقة وهي دار ملكهم، فأخبرا
إدريس بن علي بقتل أخيه وكان بسبتة، فدخل الأندلس.
بويع بمالقة بالخلافة، ولقب بالمتأيد، بالله، وجعل ابن أخيه حسن بن
المعتلي والياً على سبتة.
ثم إنه استنجد بإدريس محمد البربري على حرب عسكر إشبيلية، فأمده بجيش
عليهم ابن بقنة، فهزموا عسكر إشبيلية، وكان عليه إسماعيل ولد القاضي
ابن عباد، وقتل إسماعيل، وحمل رأسه إلى إدريس بن علي، فوافاه وهو عليل،
فلم يعش إلا يومين ومات، وخلف من الولد محمداً الذي لقب بالمهدي،
والحسن الذي لقب بالسامي.
وكان المعتلي بالله قد اعتقل محمداً وحسناً ابني عمه القاسم بن حمود
بالجزيرة الخضراء، ووكل بهما رجلاً من المغاربة، فحين بلغه خبر مقتل
المعتلي جمع من كان في الجزيرة من البربر والسودان، وأخرج محمداً
وحسناً، وقال: هذان سيداكم، فسارعوا إلى الطاعة لهما. فبويع محمد،
وتملك الجزيرة، لكنه لم يتسم بالخلافة، وأما أخوه الحسن، فأقام معه
مدةً، ثم تزهد، وليس الصوف، وفرغ عن الدنيا، وحج بأخته فاطمة.
ولما بلغ نجا الصقلبي وهو بسبتة موت إدريس، عدى إلى مالقة ومعه حسن بن
يحيى بن علي، فخارت قوى ابن بقنة، وهرب، فتحصن بحصن لمارش وهو على بريد
من مالقة، فبويع الحسن بن يحيى بالخلافة، وتسمى بالمستعلي، ثم آمن ابن
يقنة، فلما قدم عليه قتله، ثم قتل ابن عمه يحيى بن إدريس بن علي، ورجع
نجا إلى سبتة، ثم هلك حسن المستعلي بعد سنتين.
فجاز نجا ليملك البلاد، فقتله البربر، وأخرجو من السجن إدريس، ابن
المعتلي، فبايعوه، وتلقب بالعالي، وكان ذا رأفة ورقة، لكن كان دنيء
النفس يقرب السفل، ولا يحجب حرمه عنهم، وله تدبير سيء. ثم إن البربر
مقتوه، وأجمعوا على محمد بن القاسم بن حمود الإدريسي الكائن بالجزيرة
الخضراء، فبايعوه، ولقبوه بالمهدي، وصار الأمر في غاية الأخلوقة، أجتمع
في الوقت أربعة يدعون بأمير المؤمنين في رقعة من الأندلس، مقدار ما
بينهم ثلاثون فرسخاً في مثلها، ثم افترقوا عن محمد بعد أيام، ورد
خاسئاً، فمات غماً بعد أيام، وخلف ثمانية أولاد.
فتولى أمر الجزيرة الخضراء، بعده ولده القاسم بن محمد بن القاسم
الإدريسي. وولي مالقة محمد بن إدريس بن المعتلي، فبقي عليها إلى أن مات
سنة خمس وأربعين وأربع مئة، وعزل أبوه هذه المدة، ثم ردوه بعد ولده إلى
إمرة مالقة، فهو آخر من ملكها من الإدريسيين، فلما مات اجتمع رأي
البربر على نفي الإدريسية عن الأندلس إلى العدوة، والاستبداد بضبط ما
بأيديهم من الممالك، ففعلوا ذلك، فكانت الجزيرة وما والاها إلى
تاكزونة، ومالقة وغرناطة إلى قبيلة أخرى، ولم يزالوا كذلك إلى أن قوي
المعتضد بالله عباد بن القاضي بن عباد، وغلب على الأندلس، فأجلاهم
عنها، وذلك مذكور في تاريخ الحميدي وغيره، وغلب على كل قطر متغلب تسمى
بالمأمون، ومنهم من تسمى بالمعتصم، وآخر بالمتوكل، حتى قال الحسن بن
رشيق:
ممّا يزهّدني في أرض أندلـسٍ |
|
سماع معتصمٍ فيها ومعتـضـد |
ألقاب مملكةٍ في غير موضعهـا |
|
كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد |
المحدث الحافظ الأديب، أبو عمر، محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان
النوقاتي السجستاني. ونوقات: قرية من قرى سجستان.
حدث عن: عبد المؤمن بن خلف النسفي، ومحمد بن خيو بن حامد الترمذي، وأبي
حامد أحمد بن محمد بن الحسين البوشنجي، وعبد الرحمن بن محمد بن علويه
الأبهري القاضي، وعدة.
وله من التصانيف: كتاب العلم والعلماء، كتاب التعظة، كتاب العتاب، كتاب
صون المشيب، كتاب الرياحين، كتاب المسلسلات.
حدث عنه: ولده أبو سعيد عثمان، وعلي بن بشرى الليثي، وعلي ابن طاهر
الشروطي، وحسين بن محمد الكرابيسي، وقاسم بن عباس الصلحي، وأبو حامد
أحمد بن سعيد التوني، وآخرون.
وقد لقي المسند عبد الله بن عمر بن مأمون السجستاني وولده عثمان، وسمع
منه.
توفي أبو عمر قبل الأربع مئة.
قاضي
الديار المصرية، أبو عبد الله، الحسين بن قاضي القضاة أبي الحسن علي بن
قاضي القضاة أبي حنيفة النعمان بن محمد، المغربي العبيدي الرافضي.
ولي بعد موت عمه محمد بأيام، وتمكن، واستمر فحكم خمس سنين ونصف، فعزل
في رمضان سنة 394 بابن عمه أبي القاسم عبد العزيز بن محمد.
وجرى له أمر كبير مع الحاكم، ثم ضربت عنقه في أول سنة خمس وتسعين،
وأحرق.
وعلت رتبة عبد العزيز جداً، بحيث إن الحاكم أصعده معه يوم العيد على
المنبر، وتصلب في الأحكام، وقهر الظلمة، إلى أن عزل في رجب سنة ثمان
وتسعين بالقاضي مالك بن سعيد الفارقي، وقتله الحاكم وقتل معه القائد
حسين بن جوهر وأمراء لأمر طويل في سنة إحدى وأربع مئة، وعاش عبد العزيز
سبعاً وأربعين سنةً.
العلامة أبو عبيد، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي الشافعي
اللغوي المؤدب، صاحب الغريبين.
أخذ علم اللسان عن الأزهري وغيره.
ويقال له: الفاشاني. وفاشان: بفاء مشوبة بباء: قرية من أعمال هراة.
وقد ذكره أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية، فقال: روى الحديث عن
أحمد بن محمد بن ياسين، وأبي إسحاق أحمد بن محمد بن يونس البزاز
الحافظ. حدث عنه: أبو عثمان الصابوني، وأبو عمر عبد الواحد بن أحمد
المليحي بكتاب الغريبين.
قلت: توفي في سادس رجب، سنة إحدى وأربع مئة.
قال ابن خلكان: سار كتاب في الآفاق، ومر من الكتب النافعة. ثم قال:
وقيل: إنه كان يحب البذلة، ويتناول في الخلوة، ويعاشر أهل الأدب في
مجالس اللذة والطرب. عفا الله عنه.
العلامة شاعر زمانه، أبو الفتح، علي بن محمد البستي الكاتب.
قال الحاكم بعد أن روى عنه: هو واحد عصره، حدثنا أنه سمع الكثير من أبي
حاتم بن حبان.
قلت: وروى عنه الحسين بن علي البردعي، وشيخ الإسلام أبو عثمان
الصابوني، وآخرون.
مات سنة إحدى وأربع مئة.
وله نظم في غاية الجودة كبير سائر بين الفضلاء.
الإمام المحدث الثقة الأديب، أبو عمر، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن
الحباب، الأموي مولاهم القرطبي، ابن الجسور، وقد كناه أبو إسحاق بن
شنظير: أبا عمير، والأول أصح.
حدث عن: قاسم بن أصبغ، ووهب بن مسرة، ومحمد بن عبد الله ابن أبي دليم،
ومحمد بن معاوية، وأحمد بن مطرف.
حدث عنه: الصاحبان، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله الخولاني،
وأبو محمد بن حزم، وهو أكبر شيخ لابن حزم. مات في ذي القعدة سنة إحدى
وأربع مئة وله نيف وثمانون سنة.
وكان خيراً صالحاً شاعراً، عالي الإسناد واسع الرواية، صدوقاً.
قال أبو عمر بن عبد البر: قرأت عليه المدونة عن ابن مسرة، عن محمد بن
وضاح، عن مؤلفها سحنون، وقرأت تفسير ابن عيينة بروايته عن قاسم بن أصبغ
والموطأ حدثنا به عن محمد بن عيسى بن رفاعة، عن يحيى بن أيوب العلاف،
عن ابن بكير، عن مالك.
ومات في العام قبله بأشهر شيخ المالكية بالأندلس أبو عمر أحمد بن عبد
الملك بن المكوي مصنف الاستيعاب في المذهب في مئة جزء. توفي فجأةً عن
ست وسبعين سنة. وكان رأساً في العلم والعمل.
ومات العلامة أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب الغريبين في رجب،
والعدل حمد بن عبد الله بن علي الدمشقي صاحب دويرة حمد مذبوحاً في
داره، والأديب البليغ أبو الفتح علي بن محمد البستي، وشيخ نيسابور
السيد أبو الحسن العلوي، وأبو علي منصور بن عبدا لله الخالدي الهروي
أحد الضعفاء.
الشيخ
المحدث الصدوق، أبو بكر، عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن هلال،
البغدادي الحنائي الأديب.
حدث عن: يعقوب الجصاص، والحسين بن عياش، وأبي جعفر ابن البختري،
وإسماعيل الصفار.
حدث عنه: أحمد بن علي الكفرطابي، ورشأ بن نظيف، وأبو القاسم الحنائي،
وأبو علي الأهوازي.
وثقه الخطيب.
توفي سنة إحدى وأربع مئة بدمشق.
هما
الحافظان الإمامان الرفيقان: أبو جعفر أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة
بن ميمون، الأموي مولاهم الطليطلي.
سمع بطليطلة من عبد الله بن أمية وأقرانه، وبقرطبة من أحمد بن عون
الله، وأبي عبد الله بن مفرج، وعباس بن أصبغ، وأبي محمد عبد المؤمن.
وارتحلا جميعاً إلى المشرق، فحجا، وسمعا من أبي بكر أحمد ابن محمد
المهندس، وأبي عدي عبد العزيز بن علي، وأبي بكر الأذفوي وخلق، ثم رد
ابن ميمون إلى طليطلة.
قال ابن مظاهر: كان من أهل العلم والفهم، حافظاً للفقه، راويةً للحديث،
دقيق الذهن في جميع العلوم، ذا أخلاق وآداب مع الزهد والفضل والورع،
مقبلاً على طريق الآخرة، لم يتأهل... إلى أن قال: قل ما يجوز عليه في
كتبه مع كثرتها وهم ولا خطأ، كانت كتبه وكتب صاحبه ابن شنظير أصح كتب
بطليطلة.
قلت: حمل الناس عنه، وتوفي إلى رحمة الله في شعبان سنة أربع مئة
بطليطلة كهلاً، وصلى عليه صاحبه ابن شنظير وهو:
ابن
حسين بن شنظير الأموي.
ذكرهما أبو القاسم بن بشكوال، فقال: كان كفرسي رهان في العناية الكاملة
بالعلم والبحث على الرواية وضبطها، سمعا بطليطلة من لحقاه بها، وبقرطبة
ومصر والحجاز. وكان أبو إسحاق صواماً قواماً ورعاً، يغلب عليه علم
الحديث ومعرفة طرقه.. إلى أن قال: وكان سنياً منافراً لأهل البدع،
مارئي أزهد منه، ولا أوقر مجلساً، رحل الناس إليهما، ثم تفرد أبو إسحاق
بالمجلس، ثم توفي يوم النحر سنة اثنتين وأربع مئة وله خمسون عاماً،
رحمه الله.
قاضي
القضاة ببغداد، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم،
البغدادي الشافعي، المعروف بابن الأكفاني.
حدث عن: القاضي أبي عبد الله المحاملي، وعبد الغافر بن سلامة، وابن
عقدة، وأحمد بن علي الجوزجاني، وطائفة.
حدث عنه: محمد بن طلحة، وأبو القاسم التنوخي، وعبد العزيز الأزجي،
وعدة.
قال التنوخي: قال لي أبو إسحاق الطبري: من قال: إن أحداً أنفق على أهل
العلم مئة ألف دينار، فقد كذب غير أبي محمد بن الأكفاني.
قال التنوخي: جمع له جميع قضاء بغداد في سنة 396، مات سنة خمس وأربع
مئة وله تسعون سنة إلا سنة.
أبو
عبد الله، أحمد بن محمد بن عبيد الله بن حسن الجوهري.
له تصانيف منها: أخبار الاثني عشر، وكتاب الشجاج، وأشياء.
مات سنة إحدى وأربع مئة.
الشيخ
العالم الصالح، المسند المحدث الرحال، أبو الحسين، محمد بن أحمد بن
محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى بن جميع، الغساني الصيداوي، صاحب
المعجم. سمع بمكة من أبي سعيد بن الأعرابي، وبالمدينة أو لم يسمع بها،
وببغداد من المحاملي، وابن مخلد، والحسين بن سعيد المطبقي، وأبي العباس
محمد بن أحمد الأثرم، وأحمد بن علي الجوزجاني، وخلق، وبالكوفة من
الحافظ ابن عقدة، وبالبصرة من أبي روق الهزاني، وواهب بن محمد، وبواسط
من أحمد بن محمد بن سعدان، وبكفربيا من أحمد بن عبد الحكم البزاز،
وببلد من أحمد بن إبراهيم الإمام، وبالرملة من أحمد ابن عمرو الحافظ،
وبمصر من أبي الطاهر أحمد بن محمد الخامي، وعدة، وبصيدا من أحمد بن
ريحان، وبصور من أحمد بن سعيد الفارسي، وأحمد بن هشام بن الليث، وبمنبج
من أبي بكر أحمد بن يوسف، وبحلب من أبي بكر أحمد بن مسعود الوزان،
وبسيراف من جعفر بن محمد الأصبهاني، وبرامهرمز من أبي محمد الحسن بن
عبد الرحمن بن خلاد الحافظ، وبالمصيصة من حيان بن بشر القاضي، وبعين
زربة من حسنون بن محمد، وبأطرابلس من خيثمة القرشي، وبالموصل من عبد
الله بن علي بن إبراهيم العمري، وبأنطاكية من عبد الله بن خلف
الصيدلاني، وبيافا من عبد الله بن علي بن أبي الخنبش، وبتنيس مؤنس بن
وصيف، وبشيراز من أبي الصقر مظفر بن محمد، وبدمشق من أحمد بن محمد بن
عمارة، وبطرسوس من محمد بن إبراهيم بن أبي أمية الطرسوسي، وبالرقة من
محمد ابن الحسن بن أبي خبزة، وبالقلزم من محمد بن عبد الله بن قنفل،
وبالأثارب من أحمد بن محمد العماري، وببيروت من أحمد بن مكحول
البيروتي، وببياس من أحمد بن دينار، وبالأهواز من أحمد بن محمد بن
شجاع، وبعرقة حسين بن عيسى الخزرجي، وبدمياط من خالد بن محمد،
وبقرقيسيا من أبي القاسم عبد الملك بن محمد، وبجبلة من علي بن أحمد بن
عسال، وبالأبلة من علي بن عبد الوهاب الظاهري، وبدير العاقول عمر بن
سورين، وبنهر الملك يزيد بن إسماعيل الخلال. وأعانه على لقي هؤلاء في
هذه البلاد الشاسعة سفره في التجارة.
حدث عنه: عبد الغني بن سعيد الحافظ، وتمام الرازي، ومحمد بن علي
الصوري، وأبو علي الأهوازي، وولده السكن بن جميع، وعبد الله بن أبي
عقيل، وأبو نصر بن سلمة الوراق، وأبو نصر الحسين بن طلاب الخطيب،
وآخرون.
مولده في سنة خمس وثلاث مئة، وقيل: في سنة ست.
وقال ابنه: صام أبي أبو الحسين وله ثمان عشرة سنة إلى أن توفي.
قال الصوري في جزء له: أخبرنا أبو الحسين بن جميع وكان شيخاً صالحاً
ثقة مأموناً.
وقال الخطيب وغيره: ثقة.
قلت: قد سمع من أبي الحسن بن صفوة في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مئة، وسمع
ببغداد في سنة سبع وثمان وعشرين، وكان أسند من بقي بالشام، ولم أظفر له
بشيء في طيبة.
قرأت معجمه على ابن القواس، عن أبي القاسم بن الحرستاني، سنة تسع وست
مئة حضوراً، عن جمال الإسلام السلمي، عن ابن طلاب، عنه قال: هذا ما
اشتمل عليه ذكر شيوخي الذين لقيتهم في سائر الآفاق: بمكة والعراق وفارس
وأرض إصطخر والثغور ودياربكر والشام ومصر، وأبدأ بمن اسمه محمد... إلى
أن قال: أنشدني أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري بحلب:
تزايد ما ألقى فقـد جـاوز الـحـدّا |
|
وكان الهوى مزحاً فصار الهوى جدّا |
وقد كنت جلداً ثم أوهننـي الـهـوى |
|
وهذا الهوى ما زال يستوهن الجلـدا |
فلا تعجبي من غلب ضعفك قوّتـي |
|
فكم من ظباءٍ في الهوى غلبت أُسدا |
غلبتم على قلبي فصرتم أحـقّ بـي |
|
وأملك بي منّي فصرت لكم عـبـدا |
جرى حبّكم مجرى حياتي ففقـدكـم |
|
كفقد حياتي لا رأيت لـكـم فـقـدا |
وقد
سقت من هذا المعجم أحاديث فيما مضى.
قال أبو الفضل السعدي، والسكن ولد ابن جميع، وأبو إسحاق الحبال: توفي
ابن جميع في رجب سنة اثنتين وأربع مئة، لكن ابنه ما ذكر الشهر، ووهم
الكناني، فقال: مات في سنة ثلاث وأربع مئة. والصحيح الأول، وعاش ستاً
وتسعين سنة.
وكان
والده أبو بكر عابداً صواماً.
حدث عن محمد بن عبدان صاحب أبي مصعب الزهري.
روى عنه ولده في معجمه، وحفيده الحسن الملقب بالسكن.
توفي في سنة بضع وخمسين وثلاث مئة.
وكان
السكنى يكنى أبا محمد.
روى عن: أبيه، وعن جده، وعن جده الآخر المعمر محمد بن سليمان بن أحمد
بن ذكوان، ويوسف بن القاسم الميانجي، وأحمد ابن عطاء الروذباري،
وجماعة. وعمر دهراً كأبيه.
حدث عنه: محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري، وعلي بن بكار الصوري،
وجماعة، وبالإجازة الفقيه نصر المقدسي، وأبو الحسن بن الموازيني، حكى
عنه منجى بن سليم الكاتب قال: مكثت ستة أشهر ما شربت الماء.
وقال: سمعت الموطأ من جدي سنة سبع وخمسين، ولي الآن سبع وثمانون سنة،
وقد سردت الصوم ولي ثمان وعشرون سنة، وكذا سرد الصوم أبي وجدي.
مات السكن في يوم عيد الفطر سنة سبع وثلاثين وأربع مئة بصيدا، وما زال
بلد صيدا دار إسلام إلى أن استولى عليه الفرنج في حدود الخمس مئة، فدام
بأيديهم دهراً إلى أن افتتحه السلطان الملك الأشرف صلاح الدين سنة
تسعين وست مئة وأخرب حصنه.
ومات مع ابن جميع في سنة اثنتين وأربع مئة شيخ همذان أبو العباس أحمد
بن إبراهيم بن أحمد بن تركان التميمي الخفاف، وله رحلة سمع فيها من أبي
سهل بن زياد، والوزير البليغ المنشىء أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب
اليزيدي الأندلسي والد الفقيه أبي محمد، والإمام أبو الحسين أحمد بن
عبد الله بن مسور السوسنجردي البغدادي، ومحدث الأندلس أبو إسحاق
إبراهيم بن محمد بن شنظير الطليطلي صاحب الحافظ أبي جعفر بن ميمون،
ويقال لهما: الصاحبان. لكونهما في الحفظ والطلب معاً كفرسي رهان، ماتا
كهلين، وكان أبو إسحاق عابداً متبتلاً قانتاً لله، داعيةً إلى السنن:
وأبو القاسم خلف بن إبراهيم بن محمد بن خاقان مقرىء مصر، والقدوة
الزاهد طاهر بن عبد الله بن عمر بن ماهلة الهمذاني، حدث عن الكبار،
وقاضي قرطبة العلامة أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس
المالكي الحافظ، وزاهد بغداد أبو عمرو عثمان بن عيسى الباقلاني العابد،
والمحدث علي بن أحمد بن محمد السامري الرفاء صاحب الهاشمي، وإمام جامع
دمشق أبو الحسن علي بن داود الداراني المقرىء الزاهد، والعلامة أبو
الحسين بن اللبان الفرضي، وطائفة ذكرتهم في هذا الكتاب.
الإمام الحافظ الفقيه، العلامة عالم المغرب، أبو الحسن علي ابن محمد بن
خلف المعافري القروي القابسي المالكي، صاحب الملخص.
حج، وسمع من: حمزة بن محمد الكتاني الحافظ، وأبي زيد المروزي، وابن
مسرور الدباغ بإفريقية، دراس بن إسماعيل، وطائفة.
وكان عارفاً بالعلل والرجال، والفقه والأصول والكلام، مصنفاً يقظاً
ديناً تقياً، وكان ضريراً، وهو من أصح العلماء كتباً، كتب له ثقات
أصحابه، وضبط له بمكة صحيح البخاري، وحرره وأتقنه رفيقه الإمام أبو
محمد الأصيلي.
قال حاتم الأطرابلسي: كان أبو الحسن القابسي زاهداً ورعاً يقظاً، لم أر
بالقيروان إلا معترفاً بفضله. تفقه عليه أبو عمران القابسي، وأبو
القاسم اللبيدي، وعتيق السوسي، وغيرهم.
ألف تواليف بديعة ككتاب الممهد في الفقه، وكتاب أحكام الديانات،
والمنقذ من شبه التأويل، وكتاب المنبه للفطن، وكتاب ملخص الموطأ، وكتاب
المناسك، وكتاب الاعتقادات، وغير ذلك.
وكان مولده في سنة أربع وعشرين وثلاث مئة.
وتوفي في ربيع الآخر بمدينة القيروان، وبات عند قبره خلق من الناس،
وضربت الأخبية، ورثته الشعراء سنة ثلاث وأربع مئة.
وقد أخذ القراءة عرضاً بمصر عن أبي الفتح بن بدهن، وأقرأ الناس
بالقيروان دهراً، ثم قطع الإقراء لما بلغه أن بعض أصحابه أقرأ الوالي،
ثم أعمل نفسه في درس الفقه والحديث حتى برع فيهما، وصار إمام العصر،
أثنى عليه بأكثر من هذا أبو عمرو الداني، وقال: كتبنا عنه شيئاً
كثيراً، وبقي في الرحلة خمس سنين، ورد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.
قلت: وممن روى عنه: أبو محمد عبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري
الفقيه شيخ أبي عبد الله محمد بن الحطاب الرازي الإسكندراني.
وقيل له: القابسي، لأن عمه كان يشد عمامته شدةً قابسية، فاشتهر لذلك
بالقابسي. أخبرنا قاضي دمشق علم الدين محمد بن أبي بكر المصري، أخبرنا
أحمد بن عمر الباهي، أخبرنا عثمان بن حسن اللغوي، أخبرنا خلف بن عبد
الملك الحافظ، أخبرنا أبو محمد بن عتاب، حدثنا حاتم بن محمد، أخبرنا
أبو الحسن القابسي، أخبرنا علي بن محمد ابن مسرور، أخبرنا أحمد بن أبي
سليمان، حدثنا سحنون بن سعيد، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، حدثنا مالك،
عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أمه،
عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن نستمتع بجلود الميتة
إذا دبغت.
ومات مع القابسي ابن الباقلاني الأصولي، وأحمد بن فراس المكي باختلاف
فيه، وأبو القاسم إسماعيل بن الحسن الصوصري صاحب المحاملي، وشيخ
الحنابلة أبو عبد الله بن حامد الوراق واسمه حسن، وشيخ الشافعية أبو
عبد الله الحليمي الحسين بن الحسن البخاري، وأبو علي الحسين بن محمد
الروذباري راوي سنن أبي داود، والحافظ أبو الوليد بن الفرضي القرطبي،
وشيخ الحنفية أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي مفتي العراق، وشاعر
الأندلس يوسف بن هارون الرمادي، وملك الترك أيلك خان، وكان خيراً
عادلاً ديناً، فتملك بعده أخوه طغان خان.
محمد
بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الإمام الحافظ،
الناقد العلامة، شيخ المحدثين، أبو عبد الله بن البيع الضبي الطهماني
النيسابوري، الشافعي، صاحب التصانيف.
مولده في يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة
بنيسابور.
وطلب هذا الشأن في صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة
ثلاثين، وقد استملى على أبي حاتم بن حبان في سنة أربع وثلاثين وهو ابن
ثلاث عشرة سنة.
ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق وما وراء النهر، وسمع من نحو
ألفي شيخ، ينقصون أو يزيدون، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس،
وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة، فقدم بعد موت إسماعيل الصفار
بيسير.
وحدث عن أبيه وكان أبوه قد رأى مسلماً صاحب الصحيح، وعن محمد بن علي
المذكر، ومحمد بن يعقوب الأصم، ومحمد ابن يعقوب الشيباني ابن الأخرم،
ومحمد بن أحمد بن بالويه الجلاب، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن سعيد
الرازي صاحب ابن واره، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، وصاحبي الحسن
بن عرفة: علي بن الفضل الستوري، وعلي بن عبد الله الحكيمي، وإسماعيل
ابن محمد الرازي، ومحمد بن القاسم العتكي، وأبي جعفر محمد بن محمد بن
عبد الله البغدادي الجمال، ومحمد بن المؤمل الماسرجسي، ومحمد بن أحمد
بن محبوب محدث مرو، وأبي حامد أحمد بن علي بن حسنويه، والحسن بن يعقوب
البخاري، والقاسم ابن القاسم السياري، وأبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي،
وأحمد بن محمد بن عبدوس العنزي، ومحمد بن أحمد الشعيبي الفقيه،
وإسماعيل بن محمد بن الشعراني، وأبي أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي،
وأبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، وأبي علي الحسين بن علي النيسابوري
الحافظ، وحاجب بن أحمد الطوسي، لكن عدم سماعه منه، وعلي بن حمشاد
العدل، ومحمد بن صالح بن هانىء، وأبي النضر محمد بن محمد الفقيه، وأبي
عمرو وعثمان بن أحمد الدقاق البغدادي، وأبي بكر النجاد، وعبد الله بن
درستويه، وأبي سهل بن زياد، وعبد الباقي بن قانع، وعبد الرحمن بن حمدان
الجلاب شيخ همذان، والحسين بن الحسن الطوسي، وعلي بن محمد بن محمد بن
عقبة الشيباني، ومحمد بن حاتم بن خزيمة الكشي شيخ زعم أنه لقي عبد بن
حميد وأمم سواهم بحيث إنه روى عن أبي طاهر الزيادي، والقاضي أبي بكر
الحيري.
حدث عنه: الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو
العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى
الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن،
والزكي عبد الحميد البحيري، ومؤمل ابن محمد بن عبد الواحد، وأبو الفضل
محمد بن عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وأبو بكر أحمد بن
علي بن خلف الشيرازي، وخلق سواهم.
وصنف وخرج، وجرح وعدل، وصحح وعلل، وكان من بحور العلم على تشيع قليل
فيه.
وقد قرأ بالروايات على ابن الإمام، ومحمد بن أبي منصور الصرام، وأبي
علي بن النقار مقرىء الكوفة، وأبي عيسى بكار مقرىء بغداد. وتفقه على
أبي علي بن أبي هريرة، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي سهل الصعلوكي.
وأخذ فنون الحديث عن أبي علي الحافظ، والجعابي، وأبي أحمد الحاكم،
والدارقطني، وعدة.
وقد أخذ عنه من شيوخه: أبو إسحاق المزكي، وأحمد بن أبي عثمان الحيري،
ورأيت عجيبةً وهي أن محدث الأندلس أبا عمر الطلمنكي قد كتب كتاب علوم
الحديث للحاكم في سنة تسع وثمانين وثلاث مئة، عن شيخ سماه، عن رجل آخر،
عن الحاكم.
وقد صحب الحاكم من مشايخ الطريق إسماعيل بن نجيد، وجعفراً الخلدي، وأبا
عثمان المغربي.
وقع لي حديثه عالياً بإسناد فيه إجازة.
قرأت على أبي علي بن الخلال: أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا السلفي،
أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ ذكر
الحاكم وعظمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز، الثانية في سنة
ثمان وستين، وناظر الدراقطني، فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه
قريباً من خمس مئة جزء، يستقصي في ذلك، يؤلف الغث والسمين. ثم يتكلم
عليه، فيبين ذلك.
قال: وتوفي في سنة ثلاث وأربع مئة. كذا قال.
قال: وسألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه، ويقرأ عليه في فوائد
العراقيين: سفيان الثوري، عن أبي سلمة، عن الزهري، عن سهل حديث
الاستئذان، فقال لي: من أبو سلمة هذا ؟ فقلت من وقتي: المغيرة بن مسلم
السراج. قال: وكيف يروي المغيرة عن الزهري ؟ فبقيت، ثم قال لي: قد
أمهلتك أسبوعاً حتى تتفكر فيه. قال: فتفكرت ليلتي حتى بقيت أكرر
التفكر، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة من أصحاب الزهري، تذكرت محمد بن
أبي حفصة، فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت، حضرت مجلسه، ولم أذكر
شيئاً حتى قرأت عليه نحو مئة حديث، قال: هل تفكرت فيما جرى ؟ فقلت: نعم
هو محمد بن أبي حفصة، فتعجب، وقال لي: نظرت في حديث سفيان لأبي عمرو
البحيري ؟ فقلت: لا، وذكرت له ما أممت في ذلك، فتحير، وأثنى علي، ثم
كنت أسأله، فقال: أنا إذا ذاكرت اليوم في باب لا بد من المطالعة لكبر
سني. فرأيته في كل ما ألقي عليه بحراً، وقال لي: أعلم بأن خراسان وما
وراء النهر، لكل بلدة تاريخ صنفه عالم منها، ووجدت نيسابور مع كثرة
العلماء بها لم يصنفوا فيه شيئاً، فدعاني ذلك إلى أن صنفت تاريخ
النيسابوريين فتأملته، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وصنف لأبي علي بن سيمجور
كتاباً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه وأحاديثه، وسماه
الإكليل، لم أر أحداً رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضعفاء الذين
نشؤوا بعد الثلاث مئة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، وكان يبين من
غير محاباة.
أخبرنا المؤمل بن محمد وغيره كتابةً قالوا: أخبرنا زيد بن الحسن،
أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان أبو عبد الله
بن البيع الحاكم ثقةً، أول سماعه سنة ثلاثين وثلاث مئة، وكان يميل إلى
التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي بنيسابور وكان صالحاً عالماً
قال: جمع أبو عبد الله الحاكم أحاديث، وزعم أنها صحاح على شرط البخاري
ومسلم، منها حديث الطير، وحديث: من كنت مولاه فعلي مولاه فأنكر عليه
أصحاب الحديث ذلك، ولم يلتفتوا إلى قوله.
أبو نعيم الحداد: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد
الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو
عبد الله الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل
من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك ؟ فكأنه اختلف
اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في الجزء، وطرق حديث: من كنت مولاه
وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنه لعهد النبي الأمي
صلى الله عليه وسلم إلي: إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من
النواصب، فالله أعلم. أنبئت عن أبي سعد الصفار: عن عبد الغافر بن
إسماعيل قال: الحاكم أبو عبد الله هو إمام أهل الحديث في عصره، العارف
به حق معرفته، يقال له: الضبي، لأن جد جدته هو عيسى بن عبد الرحمن
الضبي، وأم عيسى هي منويه بنت إبراهيم بن طهمان الفقيه، وبيته بيت
الصلاح والورع والتأذين في الإسلام، وقد ذكر أباه في تاريخه، فأغنى عن
إعادته، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. قال: ولقي عبد الله بن محمد بن
الشرقي، وأبا علي الثقفي، وأبا حامد بن بلال، ولم يسمع منهم، وسمع من
أبي طاهر المحمداباذي، وأبي بكر القطان، ولم يظفر بمسموعه منهما،
وتصانيفه المشهورة تطفح بذكر شيوخه، وقرأ بخراسان على قراء وقته، وتفقه
على أبي الوليد، والأستاذ أبي سهل، واختص بصحبة الإمام أبي بكر الصبغي،
وكان الإمام يراجعه في السؤال والجرح والتعديل، وأوصى إليه في أمور
مدرسته دار السنة. وفوض إليه تولية أوقافه في ذلك، وذاكر مثل الجعابي،
وأبي علي الماسرجسي الحافظ الذي كان أحفظ زمانه، وقد شرع الحاكم في
التصنيف سنة سبع وثلاثين، فاتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريباً من
ألف جزء من تخريج الصحيحين، والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ، ثم
المجموعات مثل معرفة علوم الحديث، ومستدرك الصحيحين، وتاريخ
النيسابوريين، وكتاب مزكي الأخبار، والمدخل إلى علم الصحيح، وكتاب
الإكليل، وفضائل الشافعي، وغير ذلك. ولقد سمعت مشايخنا يذكرون أيامه،
ويحكون أن مقدمي عصره مثل أبي سهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر
الأئمة يقدمونه على أنفسهم، ويراعون حق فضله، ويعرفون له الحرمة
الأكيدة، ثم أطنب عبد الغافر في نحو ذلك من تعظيمه، وقال: هذه جمل
يسيرة هي غيض من فيض سيره وأحواله، ومن تأمل كلامه في تصانيفه، وتصرفه
في أماليه، ونظره في طرق الحديث، أذعن بفضله، واعترف له بالمزية على من
تقدمه، وإتعابه من بعده، وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه، وعاش حميداً،
ولم يخلف في وقته مثله، مضى إلى رحمة الله في ثامن صفر سنة خمس وأربع
مئة.
قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله
إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني
حسن التصنيف.
قال العبدويي: وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: كتبت على ظهر جزء من
حديث أبي الحسين الحجاجي الحافظ، فأخذ القلم، وضرب على الحافظ، وقال:
أيش أحفظ أنا ؟ أبو عبد الله بن البياع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ
إلا أبا علي النيسابوري، وأبا العباس بن عقدة. وسمعت السلمي يقول: سألت
الدارقطني: أيهما أحفظ: ابن مندة أو ابن البيع ؟ فقال: ابن البيع أتقن
حفظاً.
قال أبو حازم: أقمت عند أبي عبد الله العصمي قريباً من ثلاث سنين، ولم
أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيراً، وكان إذا أشكل عليه
شيء، أمرني أن أكتب إلى الحاكم إلى أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه،
حكم به، وقطع بقوله.
قال الحافظ أبو صالح المؤذن: أخبرنا مسعود بن علي السجزي، حدثنا أبو
بكر محمد بن الحسن بن فورك، حدثنا الحافظ أبو عمرو محمد بن أحمد بن
جعفر البحيري، حدثنا أحمد بن محمد ابن الفضل بن مطرف الكرابيسي في سنة
سبع وأربعين وثلاث مئة، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمدويه الحافظ،
حدثنا النجاد، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا سعير بن
الخمس، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: إن بلالاً يؤذن بليل... وذكر الحديث، ثم قال مسعود: وحدثنيه
الحاكم غير مرة، وقد كان الحاكم لما روى عنه الكرابيسي هذا شاباً
طرياً.
أنبأنا ابن سلامة عن الحافظ عبد الغني، أخبرنا أبو موسى المديني،
أخبرنا هبة الله بن عبد الله الواسطي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا
أبو القاسم الأزهري، حدثنا الدارقطني، حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد
النيسابوري، حدثنا محمد بن جعفر النسوي، حدثنا الخليل بن أحمد النسوي،
حدثنا خداش بن مخلد، حدثنا يعيش بن هشام، حدثنا مالك، عن الزهري، عن
أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحسن الهدية أمام الحاجة !.
قلت: هذا ملصق بمالك، وقد حدث به الوليد الموقري أحد الضعفاء، عن
الزهري مرسلاً. أبو موسى: حدثنا الحسين بن عبد الملك، عن سعد بن علي
الزنجاني، سمع أبا نصر الوائلي يقول: لما ورد أبو الفضل الهمذاني
نيسابور، تعصبوا له، ولقبوه: بديع الزمان، فأعجب بنفسه إذ كان يحفظ
المئة بيت إذا أنشدت مرةً، وينشدها من آخرها إلى أولها مقلوبةً، فأنكر
على الناس قولهم: فلان الحافظ في الحديث، ثم قال: وحفظ الحديث مما يذكر
؟! فسمع به الحاكم ابن البيع، فوجه إليه بجزء، وأجل له جمعةً في حفظه،
فرد إليه الجزء بعد الجمعة، وقال: من يحفظ هذا ؟ محمد بن فلان، وجعفر
بن فلان، عن فلان ؟ أسامي مختلفة، وألفاظ متباينة ؟ فقال له الحاكم:
فاعرف نفسك، واعلم أن هذا الحفظ أصعب مما أنت فيه.
ثم روى أبو موسى المديني: أن الحاكم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج. وقال:
آه. وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم
الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
قال الحسن بن أشعث القرشي: رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة
وهو يقول: النجاة، فقلت له: أيها الحاكم ! في ماذا ؟ قال: في كتبة
الحديث.
الخطيب في تاريخه: حدثني الأزهري قال: ورد ابن البيع بغداد قديماً،
فقال: ذكر لي أن حافظكم يعني الدارقطني خرج لشيخ واحد خمس مئة جزء،
فأروني بعضها. فحمل إليه منها، وذلك مما خرجه لأبي إسحاق الطبري، فنظر
في أول الجزء الأول حديثاً لعطية العوفي، فقال: استفتح بشيخ ضعيف. ورمى
الجزء، ولم ينظر في الباقي.
قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ ؟
قال: من ؟ قلت: الدارقطني، وعبد الغني، وابن مندة، والحاكم. فقال: أما
الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما ابن
مندة فأكثرهم حديثاً مع معرفة تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً.
أنبأني أحمد بن سلامة، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن ابن طاهر: أنه
سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي، عن أبي عبد الله الحاكم،
فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث.
قلت: كلا ليس هو رافضياً، بلى يتشيع.
قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في
التقديم والخلافة، وكان منحرفاً غالياً عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل
بيته، يتظاهر بذلك، ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، سمعت
عبد الواحد المليحي، سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم
وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن
كرام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت
وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثاً، لاسترحت من المحنة، فقال: لا يجيء
من قلبي، لا يجيء من قلبي.
وسمعت المظفر بن حمزة بجرجان، سمعت أبا سعد الماليني يقول: طالعت كتاب
المستدرك على الشيخين، الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره، فلم أر فيه
حديثاً على شرطهما.
قلت: هذه مكابرة وغلو، وليست رتبة أبي سعد أن يحكم بهذا، بل في
المستدرك شيء كثير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع
ذلك ثلث الكتاب بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط
أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة، وقطعة من الكتاب
إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب،
وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها
جزءاً، وحديث الطير بالنسبة إليها سماء، وبكل حال فهو كتاب مفيد قد
اختصرته، ويعوز عملاً وتحريراً.
قال ابن طاهر: قد سمعت أبا محمد بن السمرقندي يقول: بلغني أن مستدرك
الحاكم ذكر بين يدي الدارقطني، فقال: نعم، يستدرك عليهما حديث الطير !
فبلغ ذلك الحاكم، فأخرج الحديث من الكتاب.
قلت: هذه حكاية منقطعة، بل لم تقع، فإن الحاكم إنما ألف المستخرج في
أواخر عمره، بعد موت الدارقطني بمدة، وحديث الطير ففي الكتاب لم يحول
منه، بل هو أيضاً في جامع الترمذي.
قال ابن طاهر: ورأيت أنا حديث الطير جمع الحاكم بخطه في جزء ضخم،
فكتبته للتعجب. قال الحاكم في تاريخه: ذكرنا يوماً ما روى سليمان
التيمي عن أنس، فمررت أنا في الترجمة، وكان بحضرة أبي علي الحافظ
وجماعة من المشايخ، إلى أن ذكرت حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو
مؤمن. فحمل بعضهم علي، فقال أبو علي: لا تفعل، فما رأيت أنت ولا نحن في
سنه مثله، وأنا أقول: إذا رأيته رأيت ألف رجل من أصحاب الحديث.
قد مر أن الحاكم مات فجأةً في صفر سنة خمس، وصلى عليه القاضي أبو بكر
الحيري.
وفيها مات مسند مكة أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس العبقسي، ومسند
بغداد أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى المجبر، وحافظ شيراز أبو علي
الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث الشيرازي المقرىء، ومسند دمشق أبو بكر
محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي، وقاضي بغداد عبد الله بن
محمد ابن عبد الله بن الأكفاني، وشيخ الشافعية أبو القاسم يوسف بن أحمد
بن كج الدينوري، وشيخ الشافعية بالبصرة أبو القاسم عبد الواحد ابن
الحسين الصيمري.