أبو طاهر بن سلمة

أبو طاهر بن سلمة

الشيخ الإمام المحدث، شيخ همذان، أبو طاهر، الحسين بن علي ابن الحسن بن محمد بن سلمة، الكعبي الهمذاني.
ولد سنة أربعين وثلاث مئة.
وحدث عن: الفضل بن الفضل الكندي، وأبي بكر بن السني، وأبي بكر الإسماعيلي، وأبي بكر القطيعي، وأبي أحمد عبد الله بن عدي، وأبي بحر البربهاري، وأبي إسحاق المزكي، وأبي عمرو بن حمدان.
وله رحلة واسعة ومعرفة حسنة.
روى عنه: أبو القاسم بن مندة، ومحمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين الصوفي، وأبو علي أحمد بن طاهر القومساني، وثابت بن عبد الرحمن الصائغ، وأبو طالب بن هشيم الصيرفي، وعدة ممن لقيهم شيرويه الديلمي، وقال: كان صدوقاً، صحيح السماع، كثير الرحلة. سمعت ثابت بن حسين بن شراعة يقول لما مات أبو طاهر: غربت شمس أصحاب الحديث. فقلت: ماذا ؟ قال: مضى الشيخ أبو طاهر بن سلمة لسبيله.
توفي في ذي القعدة سنة ست عشرة وأربع مئة. رحمه الله.

الثعلبي

الإمام الحافظ العلامة، شيخ التفسير، أبو إسحاق، أحمد بن محمد ابن إبراهيم النيسابوري. كان أحد أوعية العلم.
له كتاب التفسير الكبير. وكتاب العرائس في قصص الأنبياء. قال السمعاني: يقال له: الثعلبي والثعالبي؛ وهو لقب له لا نسب.
حدث عن أبي بكر بن مهران المقرىء، وأبي طاهر محمد بن الفضل ابن خزيمة، والحسن بن أحمد المخلدي، وأبي الحسين الخفاف، وأبي بكر بن هانىء، وأبي محمد بن الرومي، وطبقتهم.
وكان صادقاً موثقاً، بصيراً بالعربية، طويل الباع في الوعظ.
حدث عنه: أبو الحسن الواحدي وجماعة.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل.
توفي الثعلبي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
وفيها مات أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد الكاتب، ومحمد بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي المحدث، وأبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد الرزجاهي، والظاهر علي بن الحاكم صاحب مصر، والهيثم بن محمد بن عبد الله الخراط، وأبو نصر منصور بن رامش.

الثعالبي

أما الثعالبي العلامة شيخ الأدب، فهو أبو منصور عبد الملك بن محمد ابن إسماعيل النيسابوري، الشاعر.
مصنف كتاب يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، وله كتاب فقه اللغة، وكتاب سحر البلاغة.
وكان رأساً في النظم والنثر.
مات سنة ثلاثين وأربع مئة، وله ثمانون سنة.

ابن منجويه

الحافظ الإمام المجود، أبو بكر، أحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم ابن منجويه، اليزدي الأصبهاني، نزيل نيسابور، من الحفاظ الأثبات المصنفين.
حدث عن الإمام أبي بكر الإسماعيلي، وإبراهيم بن عبد الله النيسابوري، وإسماعيل بن نجيد، وأبي بكر بن المقرىء، وأبي مسلم عبد الرحمن بن شهدل، وأبي عبد الله بن مندة، وخلق كثير.
وارتحل إلى بخارى وسمرقند وهراة وجرجان، ولم أره وصل إلى العراق.
حدث عنه: أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، وعبد الرحمن بن مندة، والحسن بن تغلب الشيرازي، وسعيد البقال، وعلي ابن أحمد الأخرم، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر الخطيب، وأبو بكر البيهقي، وخلق.
قال أبو إسماعيل الأنصاري: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي الأصبهاني أحفظ من رأيت من البشر.
وقال أبو إسماعيل: رأيت في سفري وحضري حافظاً ونصف حافظ: فأما الحافظ، فأحمد بن علي بن منجويه، وأما نصف حافظ، فالجارودي.
قال يحيى بن مندة: كتب عنه عمي عبد الرحمن بن مندة كتاب السنن له، الذي عمله على هيئة سنن أبي داود، وكان يثني عليه كثيراً. وقال: سمعت منه المسندات الثلاثة للحسن بن سفيان.
قلت: قد صنف ابن منجويه على الصحيحين مستخرجاً، وعلى جامع أبي عيسى وسنن أبي داود.
مات يوم الخميس خامس المحرم سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وله إحدى وثمانون سنة.
وفيها مات شيخ الحنفية أبو الحسين القدوري، وأبو بكر أحمد بن محمد بن الصقر ابن النمط، وأبو طاهر عبد الغفار بن محمد المؤدب، وأبو عمرو عثمان بن محمد بن دوست العلاف، والقدوة أبو الحسن علي بن محمد الحنائي بدمشق، وأبو عبد الله بن باكويه الشيرازي الصوفي، وشاعر وقته مهيار الديلمي، وصلة بن المؤمل البغدادي بمصر، والعلامة صاحب الخط الفائق؛ أبو علي الحسن بن شهاب العكبري الحنبلي، وشيخ الفلاسفة الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، وشيخ الحنابلة أبو علي بن أبي موسى الهاشمي.

النجيرمي

لغوي مصر، أبو يعقوب، يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن خرزاذ البصري، من أهل بيت علم وعربية.
وكان علامةً متقناً، راويةً لكتب الآداب، بصيراً بمعانيها، وكان أسمر، كث اللحية.
ونجيرم: محلة بالبصرة. وقيل: قرية من أعمالها.
مات في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة عن ثمان وسبعين سنة، رحمه الله.

المفسر

الشيخ الإمام، أبو نصر، منصور بن الحسين بن محمد بن أحمد، النيسابوري المفسر.
سمع من أبي العباس الأصم، وكاد أن ينفرد به.
حدث عنه: أبو إسماعيل الأنصاري، وعبد الواحد بن القشيري، وجماعة.
وقد سمع أيضاً من أبي الحسن الفارسي، والحافظ أبو علي النيسابوري. وعمر دهراً طويلاً.
وتوفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، قبل وفاة الطرازي بيسير، فهو من طبقه، فليضم إليه.

القومساني

الشيخ العالم الثقة، أبو منصور، محمد بن أحمد بن محمد بن مزدين، القومساني الهمذاني. حدث عن: أبيه، وعبد الرحمن الجلاب، وعبد الرحمن بن عبيد، وعمرو بن حسين الصرام، وأوس بن أحمد، وأبي علي الرفاء، وأبي جعفر ابن برزة، والفضل بن الفضل الكندي.
وعنه: ابنه طاهر، وحفيدة أبو علي أحمد بن طاهر بن محمد، وابن أخيه أبو الفضل محمد بن عثمان، وأبو الطاهر أحمد بن عبد الرحمن الروذباري، وخلق سواهم.
قال شيرويه: ثقة صدوق. توفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة.

حمزة بن محمد

ابن طاهر، الحافظ المفيد المحدث، أبو طاهر، البغدادي الدقاق.
ولد سنة 366.
وسمع أبا الحسين بن المظفر، وأبا الحسن الدارقطني، وأبا حفص ابن شاهين وطبقتهم.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقاً، فهماً عارفاً.
وقال البرقاني: ما اجتمعت قط مع حمزة بن محمد ففارقته إلا بفائدة علم.
قال الخطيب: مات سنة أربع وعشرين وأربع مئة، وحدثني محمد بن يحيى الكرماني وابن جدا أنهما رأيا حمزة بن محمد بن طاهر في النوم، فأخبرهما أن الله رضي عنه.
وفيها مات شيخ الحنفية وقاضي بخارى؛ أبو علي الحسين بن الخضر الفشيديزجي، والإمام القدوة أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن ذنين الطليطلي، وأبو نصر محمد بن عبد العزيز بن شنبويه.

ابن الحذاء

العلامة المحدث، أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن أحمد، التميمي القرطبي، المالكي، ابن الحذاء.
روى عن: أحمد بن ثابت التغلبي، وأبي عيسى الليثي، وابن القوطية، وابن عون الله، وحج، فسمع من: محمد بن علي الأدفوي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الجوهري، وعدة.
وكان بصيراً بالفقه والحديث. صحب أبا محمد الأصيلي.
قال ولده أبو عمر أحمد بن الحذاء: كان لأبي علم بالحديث والفقه والتعبير. صنف كتاب الإنباه عن أسماء الله، وأوصى أن يدفن على صدره، وكتاب الرؤيا في عشرة أسفار، وكتاب سير الخطباء مجلدين. ولي قضاء إشبيلية ثم سرقسطة، وبها مات في رمضان سنة ست عشرة وأربع مئة. روى عنه: الصاحبان: وأبو عمر بن عبد البر، وحاتم ابن محمد، وأبو عمر بن سميق، وآخرون.

النعيمي

الإمام الحافظ المتقن الأديب، أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسن بن محمد بن نعيم، النعيمي البصري الشافعي، نزيل بغداد.
حدث عن: أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي، وأحمد بن عبيد الله النهرديري، ومحمد بن عدي بن زحر المنقري، وعلي بن عمر الحربي السكري، وأبي أحمد العسكري، ومحمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ، وعبد الله بن اليسع الأنطاكي، ومحمد بن المظفر، والدارقطني.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان حافظاً عارفاً متكلماً شاعراً، حدث عنه البرقاني في جمعه لحديث الثوري.
قال: وسمعت الصوري يقول: لم أر ببغداد أحداً أكمل من النعيمي، قد جمع معرفة الحديث والكلام والأدب، ودرس شيئاً من فقه الشافعي. قال: وكان البرقاني يقول: هو كامل في كل شيء لولا بأو فيه.
قال الخطيب: وحدثني الأزهري قال: وضع النعيمي على ابن المظفر حديثاً لشعبة، فتنبه أصحاب الحديث على ذلك، فخرج النعيمي عن بغداد، وغاب حتى مات ابن المظفر، ومات من عرف قصته، ثم عاد إلى بغداد.
مات النعيمي وهو في عشر الثمانين سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة.
كتب إلينا المسلم بن علان: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرني علي بن أحمد النعيمي، حدثنا محمد بن أحمد بن الفيض الأصبهاني ثقة، حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، حدثنا بشر بن السري، عن سفيان، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الطواف بالبيت والسعي لإقامة ذكر الله عز وجل.
صوابه: الثوري، عن عبيد الله بن أبي زياد، عن القاسم.
ومن شعر النعيمي المشهور له:

إذا أظمأتك أكفّ الّـلـئام

 

كفتك القناعة شبعـاً وريّا

فكن رجلاً رجله في الثّرى

 

وهامة همّته في الـثّـريّا

أبـيّاً لـنـائل ذي ثـروةٍ

 

تراه بمـا فـي يديه أبـيّا

فإنّ إراقة مـاء الـحـياة

 

دون إراقة ماء المـحـيّا

الأرموي

الحافظ الإمام الجوال، أبو النجيب، عبد الغفار بن عبد الواحد بن محمد، الأرموي.
سمع ابن نظيف بمصر، وأحمد بن عبد الله المحاملي ببغداد، وأبا نعيم بأصبهان. روى عنه: الخطيب، والكتاني، ونجا بن أحمد.
قال الخطيب: جاور بمكة، فأكثر عن أبي ذر، ورجع إلى الشام، فمات بين دمشق والرحبة، في شوال سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
وذكر الحبال أنه توفي سنة ست وخمسين، فغلط. مات قبل حين الرواية شاباً.

عمر بن إبراهيم

ابن إسماعيل، الحافظ القدوة، أبو الفضل بن أبي سعيد، الهروي، الزاهد، خال شيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني.
سمع عبد الله بن عمر بن علك الجوهري، وطبقته بمرو، والحسين ابن محمد بن عبيد العسكري، وعدةً ببغداد، وعلي بن عبد الرحمن البكائي بالكوفة، وأبا بكر الإسماعيلي بجرجان، وبشر بن أحمد بإسفرايين، وأبا عمرو بن حمدان بنيسابور، وأمثالهم.
وكان مقدماً في العلم والعمل والزهد والورع.
حدث عنه: ابن أخته أبو عثمان، وأبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، ومحمد بن علي العميري الزاهد، وعبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي، وآخرون.
وكان محدث هراة وشيخها.
وكان أبوه من كبار العلماء، توفي سنة تسعين وثلاث مئة.
وتوفي أبو الفضل الزاهد في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وأربع مئة، من أبناء الثمانين.
وفيها مات أبو بكر محمد بن علي بن مصعب التاجر، ومسند العراق أبو علي بن شاذان البزاز، وسفيان بن محمد بن حسنكويه السفياني، وعبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر الجوبري، وأبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري، وأبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني، وأبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن شبانه، وزاهد وقته أبو الحسن علي بن أحمد الخرقاني.

ابن مصعب

الشيخ الأمين، أبو بكر، محمد بن علي بن إبراهيم بن مصعب بن عبيد الله بن مصعب بن إسحاق، ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ طلحة بن عبيد الله، التيمي، الأصبهاني، التاجر، بقية المشايخ.
ولد سنة نيف وثلاثين وثلاث مئة.
وسمع عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وأحمد بن جعفر السمسار، وشاكر بن عمر المعدل، ومحمد بن أحمد بن الحسن الكسائي، وسليمان الطبراني، وجماعةً.
حدث عنه: أبو العباس أحمد بن محمد بن بشرويه، وأبو الفتح أحمد ابن محمد الحداد، وأبو سعد محمد بن محمد المطرز، وأبو علي أحمد بن محمد بن شهريار، والمقرىء أبو علي الحداد، وعدة.
وكان من كبراء أهل أصبهان، له أوقاف كثيرة، وهو عم أم الحافظ إسماعيل بن محمد التيمي؛ مصنف الترغيب والترهيب.
توفي في ربيع الأول، سنة خمس وعشرين وأربع مئة، وقد ناطح التسعين، رحمه الله.
قرأنا على إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرن مسعود الجمال، ونبأني أحمد بن سلامة، عن مسعود، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو بكر محمد بن علي القرشي سنة أربع وعشرين وأربع مئة، حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا معاوية بن هشام، عن حمزة الزيات، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: "يا ابنَ آدم: اذْكُرْني في نَفْسِكَ أَذْكُرْكَ في نَفْسي، اذْكُرْني في مَلأٍ من الناسِ أَذْكُرْكَ في مَلأٍ خَيْرٍ منهم". تفرد به معاوية.

ابن بشران

الشيخ الإمام، المحدث الصادق، الواعظ المذكر، مسند العراق؛ أبو القاسم، عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد بن بشران ابن مهران، الأموي مولاهم البغدادي، صاحب الأمالي الكثيرة.
مولده في شوال سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.
وسمع الكثير هو وأخوه أبو الحسين بن بشران المعدل من جماعة.
حدث عن: أبي بكر النجاد، وأبي سهل بن زياد، وحمزة الدهقان، وأحمد بن الفضل بن خزيمة، وعبد الله بن محمد الفاكهي المكي، ودعلج السجزي، وأبي بكر الشافعي، وعمر بن محمد الجمحي، وأبي بكر الآجري، وعبد الخالق بن أبي روبا، وعبد الباقي بن قانع، وأحمد بن نيخاب الطيبي، وأبي علي بن الصواف، والحسن بن الخضر الأسيوطي، وأحمد بن إبراهيم الكندي، والقطيعي. حدث عنه: الخطيب، والكتاني، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وأبو الفضل بن خيرون، ومحمد بن سليمان بن لوبا، ومحمد بن أحمد بن الفقيرة، وأبو غالب محمد بن عبد العزيز، ومحمد بن المنذر بن طيبان، وأبو نصر أحمد بن الحسن المزرر، وأبو الحسن علي بن الخل، وأبو منصور محمد بن أحمد الخياط، وأبو الخطاب بن الجراح، وأبو سعد الأسدي، وأبو غالب بن الباقلاني، وعلي بن أحمد بن فتحان الشهرزوري، وخلق كثير.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقةً ثبتاً صالحاً. مات في ربيع الآخر، سنة ثلاثين وأربع مئة، وأوصى أن يدفن بجنب الشيخ أبي طالب المكي، وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحد، ويفوت الإحصاء. رحمه الله.
أخبرنا حسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو ياسر الخياط وأبو سعد الأسدي قالا: أخبرنا أبو القاسم ابن بشران، أخبرنا أحمد بن الفضل بن خزيمة، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا هشيم، حدثنا منصور، عن علي بن زيد، عن أبي خالد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل: يا رسول الله ! كيف يمشون على وجوههم ؟ قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم يمشيهم على وجوههم.

المنيني

الإمام المقرىء، خطيب منين، أبو بكر، محمد بن رزق الله ابن عبيد الله بن أبي عمرو المنيني، الأسود. عاش بضعاً وثمانين سنة.
سمع علي بن أبي العقب، وأبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن مروان، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت، وأبا علي بن آدم.
روى عنه: أبو الوليد الدربندي، وعبد العزيز الكتاني، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وآخرون.
قال الدربندي: لم يكن في جميع الشام من يكنى بأبي بكر غيره، وكان ثقةً.
قلت: وكذا لم ين يوجد بمصر منذ تملك بنو عبيد أحد يكنى بأبي بكر، وكانت الدنيا تغلي بهم رفضاً وجهلاً.
مات أبو بكر سنة ست وعشرين وأربع مئة.
وفيها مات العلامة شيخ البلاغة أحمد بن عبد الملك بن شهيد الأندلسي، وإبراهيم بن جعفر بن أبي الكرام بمصر.

أبو نعيم

أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الإمام الحافظ، الثقة العلامة، شيخ الإسلام، أبو نعيم، المهراني، الأصبهاني، الصوفي، الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء، وصاحب الحلية.
ولد سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
وكان أبوه من علماء المحدثين والرحالين، فاستجاز له جماعةً من كبار المسندين، فأجاز له من الشام خيثمة بن سليمان بن حيدرة، ومن نيسابور أبو العباس الأصم، ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوذب، ومن بغداد أبو سهل بن زياد القطان، وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي، ومن الدينور أبو بكر بن السني، وآخرون.
وسمع من أبي محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، في سنة أربع وأربعين وثلاث مئة، ومن القاضي أبي أحمد العسال، وأحمد بن بندار الشعار، وأحمد بن معبد السمسار، وأحمد بن محمد القصار، وعبد الله بن الحسن بن بندار المديني، وأحمد بن إبراهيم ابن يوسف التيمي، والحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المطوعي، وأبي إسحاق بن حمزة، وأبي القاسم الطبراني، وعبد الله بن محمد ابن إبراهيم العقيلي، وأبي مسلم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سياه، ومحمد بن معمر بن ناصح الذهلي، والحافظ محمد بن عمر الجعابي قدم عليهم، وأبي الشيخ بن حيان، وابن المقرىء، وخلق كثير بأصبهان، ومن أبي بكر بن الهيثم الأنباري، وأحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي، وأبي علي بن الصواف، وأبي بحر بن كوثر البربهاري، وعبد الرحمن بن العباس؛ والد المخلص، وعيسى بن محمد الطوماري، ومخلد بن جعفر الدقيقي، وأبي بكر القطيعي، وطبقتهم ببغداد، وحبيب بن الحسن القزاز، وفاروق بن عبد الكبير الخطابي، وعبد الله بن جعفر بن إسحاق الجابري، وأحمد بن الحسن بن القاسم بن الريان اللكي، ومحمد بن علي بن مسلم العامري، وطبقتهم بالبصرة، وإبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم، وأبي بكر عبد الله بن يحيى الطلحي، وعدة بالكوفة، ومن أبي عمرو ابن حمدان، وأبي أحمد الحاكم، وحسينك التميمي، وخلق بنيسابور، وأحمد بن إبراهيم الكندي، وأبي بكر الآجري، وغيرهما بمكة. وعمل معجم شيوخه، وكتاب الحلية، والمستخرج على الصحيحين، وتاريخ أصبهان، وصفة الجنة، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب فضائل الصحابة، وكتاب علوم الحديث، وكتاب النفاق ومصنفاته كثيرة جداً.
روى عنه: كوشيار بن لياليزور الجيلي ومات قبله بأزيد من ثلاثين سنة، وأبو سعد الماليني ومات قبله بثمانية عشر عاماً، وأبو بكر بن أبي علي الهمداني، وأبو بكر الخطيب، وأبو علي الوخشي، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر محمد بن إبراهيم المستملي، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وهبة الله بن محمد الشيرازي، ويوسف بن الحسن التفكري، وعبد السلام بن أحمد القاضي، ومحمد بن عبد الجبار ابن ييا، وأبو سعد محمد بن محمد المطرز، ومحمد بن عبد الواحد ابن محمد الصحاف، ومحمد بن عبد الله الأدمي الفقيه، وأبو غالب محمد بن عبد الله بن أبي الرجاء القاضي، وأبو الفضائل محمد بن أحمد بن يونس، ومحمد بن سعد بن ممك العطار، وأبو سعد محمد ابن سرفرتج، وأبو منصور محمد بن عبد الله بن مندويه الشروطي، والأديب محمد بن محمود الثقفي، ومحمد بن الفضل بن كندوج، ومحمد بن علي بن محمد بن المرزبان، ومحمد بن حسين بن محمد ابن زيله، وأبو طالب أحمد بن الفضل الشعيري، وأحمد بن منصور القاص، وأبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن رشيد الأدمي، وأبو بكر أحمد بن عبد الله بن محمد التيمي اللبان، وإسماعيل بن الحسن العلوي، وأبو نصر إسماعيل بن المحسن بن طراق، وبندار بن محمد الخلقاني، وحمد بن علي الباهلي الدلال، وأبو العلاء حمد بن عمر الشرابي، وحمد بن محمد التاجر، وحمد بن محمود البقال، وأبو العلاء حسين بن عبيد الله الصفار، وحيدر بن الحسن السلمي، وخالد ابن عبد الواحد التاجر، وأبو بكر ذو النون بن سهل الأشناني، وزكريا ابن محمد الكاتب، وسعيد بن محمد بن عبد الله التميمي، وأبو زيد سعد بن عبد الرحمن الصحاف، وسهل بن محمد المغازلي، وصالح ابن عبد الواحد البقال، وأبو علي صالح بن محمد الفابجاني، وعبد الله بن عبد الرزاق بن ررا، وأبو زيد عبيد الله بن عبد الواحد الخرقي، وأبو محمد عبيد الله بن الخصيب الحلاوي، وأبو الرجاء عبيد الله بن أحمد، وأبو طاهر عبد الواحد بن أحمد الشرابي، وعبد الجبار بن عبد الله بن فورويه الصفار، وأبو طاهر علي بن عبد الواحد ابن فاذشاه، وعلي بن أحمد البرجي، وغانم بن محمد بن عبيد الله البرجي، وعباد بن منصور المعدل، والفضل بن عبد الواحد، والفضل ابن عمر بن سهلويه، وأبو طاهر المحسد بن محمد، ومبشر بن محمد الجرجاني الواعظ، وأبو علي الحداد، وأخوه أبو الفضل حمد، وخلق كثير من مشيخة السلفي خاتمتهم بعد الحداد أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الدشتج الذهبي.
وكان حافظاً مبرزاً عالي الإسناد، تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي، وهاجر إلى لقيه الحفاظ.
قال أبو محمد السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أر أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين؛ أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدويي.
قال ابن المفضل الحافظ: جمع شيخنا أبو طاهر السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه، وهم نحو الثمانين، وقال: لم يصنف مثل كتابه حلية الأولياء، سمعناه من أبي المظفر القاساني عنه سوى فوت يسير.
قال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره، ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء، وكان لا يضجر، لم يكن له غداء سوى التصنيف والتسميع.
قال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنةً بلا نظير، لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى منه إسناداً، ولا أحفظ منه. وكانوا يقولون: لما صنف كتاب الحلية حمل الكتاب إلى نيسابور حال حياته، فاشتروه بأربع مئة دينار.
قلت: روى أبو عبد الرحمن السلمي مع تقدمه عن رجل، عن أبي نعيم، فقال في كتاب طبقات الصوفية: حدثنا عبد الواحد بن أحمد الهاشمي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن علي بن حبيش المقرىء ببغداد، حدثنا أحمد بن محمد بن سهل الأدمي فذكر حديثاً. قال أبو طاهر السلفي: سمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني يقول: حضرت مجلس أبي بكر بن أبي علي الذكواني المعدل في صغري مع أبي، فلما فرغ من إملائه، قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم، فليقم. وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجوراً بسبب المذهب، وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيل وقال، وصداع طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد الرجل يقتل.
قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني عمن أدرك من شيوخ أصبهان أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان، أمر عليها والياً من قبله، ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي، فقتلوه، فرجع السلطان إليها، وآمنهم حتى اطمأنوا، ثم قصدهم في يوم جمعة وهم في الجامع، فقتل منهم مقتلةً عظيمةً، وكانوا قبل ذلك منعوا الحافظ أبا نعيم من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم، وكان ذلك من كرامته.
وقال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأيت بخط أبي بكر الخطيب: سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم، عن جزء محمد بن عاصم: كيف قرأته على أبي نعيم، وكيف رأيت سماعه ؟ فقال: أخرج إلي كتاباً، وقال: هو سماعي، فقرأته عليه. ثم قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة: أخبرنا. من غير أن يبين.
قال الحافظ أبو عبد الله ابن النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي نعيم، والحافظ الصادق إذا قال: هذا الكتاب سماعي، جاز أخذه عنه بإجماعهم.
قلت: قول الخطيب: كان يتساهل... إلى آخره، هذا شيء قل أن يفعله أبو نعيم، وكثيراً ما يقول: كتب إلي الخلدي. ويقول: كتب إلي أبو العباس الأصم، وأخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه. ولكني رأيته يقول في شيخه عبد الله بن جعفر بن فارس الذي سمع منه كثيراً وهو أكبر شيخ له: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرىء عليه. فيوهم أنه سمعه، ويكون مما هو له بالإجازة، ثم إطلاق الإخبار على ما هو بالإجازة مذهب معروف قد غلب استعماله على محدثي الأندلس، وتوسعوا فيه. وإذا أطلق ذلك أبو نعيم في مثل الأصم وأبي الميمون البجلي والشيوخ الذين قد علم أنه ما سمع منهم بل له منهم إجازة، كان له سائغاً، والأحوط تجنبه.
حدثني أبو الحجاج الكلبي الحافظ أنه رأى خط الحافظ ضياء الدين قال: وجدت بخط أبي الحجاج بن خليل أنه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم.
قلت: فبطل ما تخيله الخطيب، وتوهمه، وما أبو نعيم بمتهم، بل هو صدوق عالم بهذا الفن، ما أعلم له ذنباً والله يعفو عنه أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه، ثم يسكت عن توهيتها.
قال الحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو: سمعت أبا الحسين القاضي، سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه من أبي بكر بن خلاد، فحدث به كله، فقال الحافظ ابن النجار: قد وهم في هذا، فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقةً وخط أبي نعيم عليها يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد، ويمكن أن يكون روى الباقي بالإجازة، ثم قال:

لو رجم النّجم جميع الورى

 

لم يصل الرّجم إلى النّجم

قلت: قد كان أبو عبد الله بن مندة يقذع في المقال في أبي نعيم لمكان الاعتقاد المتنازع فيه بين الحنابلة وأصحاب أبي الحسن، ونال أبو نعيم أيضاً من أبي عبد الله في تاريخه، وقد عرف وهن كلام الأقران المتنافسين بعضهم في بعض. نسأل الله السماح.
وقد نقل الحافظان ابن خليل والضياء جملةً صالحةً إلى الشام من تواليف أبي نعيم ورواياته، أخذها عنهما شيوخنا، وعند شيخنا أبي الحجاج من ذلك شيء كثير بالإجازة العالية كالحلية، والمستدرك على صحيح مسلم.
مات أبو نعيم الحافظ في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربع مئة وله أربع وتسعون سنة. أخبرنا الحسن بن علي وسليمان بن قدامة قالا: أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه، وحمد بن سهلويه الشرابي، وأبو طالب أحمد بن الفضل الشعيري، وأبو علي الحداد قالوا: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو إسحاق بن حمزة، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عبادة بن زياد، حدثنا يونس بن أبي يعفور، عن أبيه، سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبي ونسبي.
أخبرنا أحمد بن محمد الآنمي غير مرة، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا مسعود بن أبي منصور الجمال وأنبأني ابن سلامة عن الجمال، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى القصار، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، سمعت أبي، سمعت سفيان، سمعت الزهري، سمعت ابن المسيب يقول: طوبى لمن كان عيشه كفافاً وقوله سداداً.
ومات معه في سنة ثلاثين مسند العراق؛ أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الواعظ، ومسند الأندلس أبو عمرو أحمد بن محمد بن هشام بن جهور له إجازة الآجري، وشيخ التفسير أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير، وصاحب الآداب أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي، والعلامة أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي المصري؛ صاحب كتاب الإعراب، والعلامة أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الفاسي شيخ المالكية بالقيروان.

البرقاني

الإمام العلامة الفقيه، الحافظ الثبت، شيخ الفقهاء والمحدثين، أبو بكر، أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، الخوارزمي، ثم البرقاني الشافعي، صاحب التصانيف.
سمع في سنة خمسين وثلاث مئة بخوارزم من: أبي العباس بن حمدان الحيري النيسابوري أخي أبي عمرو، حدثه عن محمد بن الضريس، والكبار، وسمع بها من محمد بن علي الحساني، وأحمد بن إبراهيم بن جناب الخوارزميين. وسمع بهراة من أبي الفضل بن خميرويه. وبجرجان من الإمام أبي بكر الإسماعيلي، وأبي أحمد بن الغطريف. وببغداد من أبي علي بن الصواف، ومحمد بن جعفر البندار، وأبي بحر بن كوثر، وأحمد بن جعفر الختلي، وأبي بكر القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وابن كيسان، وخلق، وبنيسابور من أبي عمرو بن حمدان، وأبي أحمد الحاكم، وعدة. وبدمشق من أبي بكر بن أبي الحديد. وبمصر من الحافظ عبد الغني، وعبد الرحمن بن عمر المالكي.
حدث عنه: أبو عبد الله الصوري، وأبو بكر البيهقي، وأبو بكر الخطيب، والفقيه أبو إسحاق الشيرازي، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبو القاسم علي بن أبي العلاء المصيصي، وأبو طاهر أحمد بن الحسن الكرجي، وأبو الفضل بن خيرون، ويحيى بن بندار البقال، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وعدد كثير. واستوطن بغداد دهراً.
قال الخطيب: كان البرقاني ثقةً ورعاً ثبتاً فهماً، لم نر في شيوخنا أثبت منه، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربية، كثير الحديث، صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وأيوب، وشعبة، وعبيد الله بن عمر، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق، وغيرهم، ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته، ومات وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصاً على العلم، منصرف الهمة إليه، سمعته يقول يوماً لرجل من الفقهاء معروف بالصلاح: ادع الله تعالى أن ينزع شهوة الحديث من قلبي، فإن حبه قد غلب علي، فليس لي اهتمام إلا به.
قال أبو القاسم الأزهري: البرقاني إمام، إذا مات ذهب هذا الشأن.
قال الخطيب: سمعت محمد بن يحيى الكرماني الفقيه يقول: ما رأيت في أصحاب الحديث أكثر عبادة من البرقاني. وسألت الأزهري: هل رأيت شيخاً أتقن من البرقاني ؟ قال: لا. وذكره أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، فقال: هو نسيج وحده.
قال الخطيب: أنا ما رأيت شيخاً أثبت منه.
وقال أبو الوليد الباجي: البرقاني ثقة حافظ.
وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الشافعية، فقال: ولد سنة ست وثلاثين وثلاث مئة، وسكن بغداد، وبها مات في أول رجب سنة خمس وعشرين وأربع مئة.
ثم قال: تفقه في حداثته، وصنف في الفقه، وثم اشتغل بعلم الحديث، فصار فيه إماماً. قال البرقاني: دخلت إسفرايين ومعي ثلاثة دنانير ودرهم، فضاعت الدنانير، وبقي الدرهم، فدفعته إلى خباز، فكنت آخذ منه كل يوم رغيفين، وآخذ من بشر بن أحمد الإسفراييني جزءاً فأكتبه، وأفرغه بالعشي، فكتبت ثلاثين جزءاً، ونفد ما عند الخباز، فسافرت.
قلت: كان الخبز رخيصاً إلى الغاية.
قال أبو بكر الخطيب: حدثني أحمد بن غانم وكان صالحاً قال: نقلت البرقاني من بيته، فكان معه ثلاثة وستون سفطاً وصندوقان، كل ذلك مملوء كتباً.
قلت: ومن همته أنه سمع من تلميذه أبي بكر الخطيب، وحدث عنه في حياته، وقد سمعنا المصافحة له في مجلد بإسناد عال.
قال الخطيب: كنت أذاكره الأحاديث، فيكتبها عني، ويضمنها جموعه، وسمعته يقول: كان الإمام أبو بكر الإسماعيلي يقرأ لكل واحد ممن يحضره ورقةً بلفظه، ثم يقرأ عليه، وكان يقرأ لي ورقتين، ويقول للحاضرين: إنما أفضله عليكم لأنه فقيه.
قلت: قد روى عن الإسماعيلي صحيحه.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أبو الفتح بن البطي، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، أخبرنا أبو بكر البرقاني: قرأت على أبي حاتم محمد بن يعقوب، أخبركم محمد بن عبد الرحمن السامي، حدثنا خلف بن هشام، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم كتاب يهود، فما مر بي نصف شهر حتى تعلمت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لا آمن اليهود على كتابي. قال: فلما تعلمت كنت أكتب له إلى يهود إذا كتب إليهم، فإذا كتبوا إليه، قرأت كتابهم له.
ذكره البخاري تعليقاً، فقال: وقال خارجة بن زيد عن أبيه، لأن ابن أبي الزناد ليس من شرطه، ومع هذا فذكره بصيغة جزم لصدق عبد الرحمن ومعرفته بعلم أبيه.

المري

الحافظ الإمام، أبو نصر، عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر بن أيوب المري، الأذرعي ثم الدمشقي، الشروطي، ابن الجبان.
حدث عن: الحسين بن أبي الزمزام، وأبي عمر بن فضالة، ومظفر بن حاجب بن أركين، والفضل المؤذن، وجمح، وعدة. ولم يرحل.
وعنه: الأهوازي، وأبو القاسم الحنائي، وأبو سعد السمان، والكتاني، وابن أبي العلاء.
وثقه أبو بكر الحداد.
وقال الكتاني: هو أستاذنا وشيخنا، صنف كتباً كثيرةً، وكان يحفظ شيئاً من علم الحديث.
مات في شوال سنة خمس وعشرين وأربع مئة.

السهمي

الإمام الحافظ، المحدث المتقن، المصنف، أبو القاسم، حمزة ابن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن محمد، القرشي السهمي، من ذرية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم هشام بن العاص بن وائل السهمي، محدث جرجان.
ولد سنة نيف وأربعين وثلاث مئة.
وأول سماعه بجرجان كان في سنة أربع وخمسين، سمع من أبيه المحدث أبي يعقوب، وأبي بكر محمد بن أحمد بن إسماعيل الصرام، وأبي أحمد بن عدي، وأبي بكر الإسماعيلي، وخلق.
وارتحل في سنة ثمان وستين إلى أصبهان والري وبغداد والبصرة والشام ومصر والحرمين وواسط والأهواز والكوفة.
وروى عن: أبي محمد بن ماسي، وأبي حفص الزيات، وأبي محمد بن غلام الزهري، وأبي بكر الوراق، وعبد الوهاب الكلابي، وأبي بكر بن عبدان الشيرازي، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي زرعة محمد بن يوسف الكشي، وجعفر بن حنزابة الوزير، وميمون بن حمزة العلوي، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، وعلي بن محمد الزبحي، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، وإبراهيم بن عثمان الجرجاني، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وآخرون.
وصنف التصانيف، وتكلم في العلل والرجال.
مات سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وقيل: سنة سبع وعشرين.
حدث الخطيب عن رجل عنه.

ابن دوست

الشيخ الصدوق المسند، أبو عمرو، عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست، البغدادي العلاف.
كان والده يروي عن أبي القاسم البغوي، ومات سنة نيف وثمانين وثلاث مئة روى عنه: ابن المهتدي بالله في مشيخته، وجماعة.
وسمع أبا عمرو ولده من أبي بكر النجاد، وعبد الله بن إسحاق الخراساني، وعمر بن سلم الختلي، وأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وحدث عن أبي بكر هذا بموطأ القعنبي.
قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقاً. مات في صفر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
قلت: قارب التسعين. حدث عنه: أحمد بن عبد القادر اليوسفي، وأبو الفضل بن خيرون، وعبد الواحد بن علوان، وثابت بن بندار، وآخرون.

مهيار

ابن مرزويه، الأديب الباهر، ذو البلاغتين، أبو الحسن الديلمي، الفارسي.
كان مجوسياً، فأسلم، فقيل: أسلم على يد الشريف الرضي فهو شيخه في النظم وفي التشيع، فقال له ابن برهان: انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية، كنت مجوسياً، فصرت تسب الصحابة في شعرك.
ولد ديوان، ونظمه جزل حلو، يكون ديوانه مئة كراس.
توفي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

ابن بكير

الإمام المقرىء المجود، أبو بكر، محمد بن عمر بن بكير بن ود، البغدادي النجار، جار أبي القاسم بن بشران.
ولد سنة ست وأربعين وثلاث مئة.
وسمع أبا بكر بن خلاد النصيبي، وأبا بحر البربهاري، وأحمد بن جعفر الختلي، وأبا إسحاق المزكي، وطائفة.
وقرأ عليه جماعة كبار، منهم عبد السيد بن عتاب، وأبو الخطاب ابن الجراح، وأبو البركات محمد بن عبد الله الوكيل، وثابت بن بندار البقال، وذلك لحق قراءته على البزوري. صاحب أحمد بن فرح المفسر.
وحدث عنه: الخطيب، وابن الطيوري، وأحمد بن بندار البقال.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقةً من أهل القرآن، تلا على إبراهيم بن أحمد البزوري. توفي في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.

ابن غرسية

العلامة قاضي الجماعة، أبو المطرف، عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر بن غرسية، القرطبي المالكي، ابن الحصار، ويعرف بمولى بني فطيس.
تفقه بأبي عمر الإشبيلي.
وروى عن أبيه، والإمام أبي محمد الأصيلي.
وكان أحد الأذكياء المتفننين.
قال ابن حيان: لم يكن في وقته مثله، وبه تفقه محمد بن عتاب، وكان ابن عتاب يفخر بذلك.
قلت: ولاه متولي قرطبة علي بن حمود الحسني القضاء، سنة سبع وأربع مئة، فأحسن السيرة، ثم ولي للقاسم بن حمود القضاء مع الخطابة، ثم عزله المعتمد لأمور سنة تسع عشرة.
ابن بشكوال: حدثنا ابن عتاب، عن أبيه قال: كنت أرى القاضي ابن بشر في المنام في هيئته، فأسلم عليه، وأدري أنه ميت، فيقول: صرت إلى خير ويسر بعد شدة. فكنت أقول له في فضل العلم، فيقول: ليس هذا العلم، ليس هذا العلم يشير إلى المسائل، ويذهب إلى أن الذي نفعه علم القرآن والحديث.
وقال ابن حزم: ما لقيت أشد إنصافاً في المناظرة من ابن بشر، ولقد كان من أعلم من لقيته بمذهب مالك من قوته في علم اللغة والنحو، ودقة فهمه.
قال ابن عتاب: كان لا يفتح على نفسه باب رواية، وصحبته عشرين سنةً، وذهب في أول أمره إلى التكلم على الموطأ، فقرأته عليه في أربعة أنفس، فلما عرف ذلك، أتاه جماعة ليسمعوا، فامتنع، وكنا نجتمع عنده مع شيوخ الفتوى، فيشاور في المسألة، فيخالفونه، فلا يزال يحاجهم ويستظهر عليهم حتى يقولوا بقوله.
توفي ابن بشر هذا في نصف شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة وله ثمان وخمسون سنة رحمه الله، ولم يجىء بعده قاض مثله.

المرزوقي

إمام النحو، أبو علي، أحمد بن محمد بن الحسن، المرزوقي الأصبهاني، أحد أئمة اللسان.
حدث عن: عبد الله بن جعفر بن فارس.
وتصدر، وأخذ الناس عنه، ورحلوا إليه.
وله شرح الحماسة في غاية الحسن، وشرح الفصيح، وغير ذلك.
روى عنه: سعيد بن محمد البقال، وأبو الفتح محمد بن عبد الواحد الزجاج، شيخ السلفي. تخرج به أئمة.
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربع مئة. قارب تسعين سنة.

ابن نظيف

الشيخ العالم المسند المعمر، أبو عبد الله، محمد بن الفضل بن نظيف، المصري الفراء؛ أخو الشيخ أحمد بن الفضل.
ولد سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة، في صفر.
وسمع من أبي الفوارس أحمد بن محمد بن السندي الصابوني، والعباس بن محمد بن نصر الرافقي، وأحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي، وأحمد بن محمد بن أبي الموت المكي، وأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن عطية الحداد، وأحمد بن محمود الشمعي، وعبد الله بن جعفر ابن الورد، ومحمد بن عمر بن مسرور الحطاب، وعدة.
وتفرد في الدنيا بعلو الإسناد. حدث عنه: أبو جعفر أحمد بن محمد كاكو، شيخ لوجيه الشحامي، وأبو القاسم سع بن علي الزنجاني، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو القاسم بن أبي العلاء المصيصي، والرئيس أبو عبد الله الثقفي، والقاضي أبو الحسن الخلعي، وآخرون.
ووقع لي جزآن من حديثه.
قال أبو إسحاق الحبال: كان أبو عبد الله بن نظيف يصلي بالناس في مسجد عبد الله سبعين سنةً، وكان شافعياً يقنت، فأم بعده رجل مالكي، وجاء الناس على عادتهم، فلم يقنت، فتركوه وانصرفوا، وقالوا: لا يحسن يصلي. مات في ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة وقد نيف على التسعين، رحمه الله.

المنقي

الإمام الواعظ، أبو بكر، أحمد بن طلحة بن أحمد بن هارون، البغدادي المنقي يعني المغربل.
سمع أبا جعفر بن بريه، وعبد الصمد الطستي، وأبا بكر النجاد.
وعنه: أبو بكر الخطيب، وأبو الحطاب بن البطر، وجماعة.
قال الخطيب: كان ثقةً مستوراً، مات في ذي الحجة سنة عشرين وأربع مئة، رحمه الله.

ابن عبدكويه

الشيخ الإمام المحدث الرحال الثقة، أبو الحسن، علي بن يحيى بن جعفر بن عبد كويه، الأصبهاني.
مولده سنة بضع وثلاثين وثلاث مئة.
وسمع من: أبي إسحاق بن حمزة، وعبد الله بن الحسن بن بندار، وأبي القاسم الطبراني، ومحمد بن أحمد بن الحسن الكسائي، وعبد الله بن محمد بن إبراهيم الفابجاني، وأحمد بن بندار الشعار، ومحمد بن القاسم ابن سياه، وفاروق بن عبد الكبير الخطابي، ومحمد بن معمر بن ناصح، ومحمد بن إسحاق بن عباد، ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي، وأحمد بن القاسم بن الريان اللكي، وأحمد بن إبراهيم بن يوسف بن أفرجه، وعلي بن الفضل بن شهريار، وأحمد بن عمران الأشناني، بصري، وأحمد بن محمود بن خرزاذ، وإبراهيم بن محمد الديبلي بمكة، ومحمد بن أحمد بن المنذر المديني، وأحمد بن سهل العسكري، ومحمد ابن إسحاق بن أيوب بن كوشيذ.
وأملى مجالس كثيرةً، وقع لي منها ثلاثة وأربعة ومجلسان.
حدث عنه: أبو العلاء أحمد بن محمد بن قولون، وأبو العلاء محمد ابن عبد الجبار الفرساني، وأبو طاهر محمد بن عبد الله بن مهران اللباد، وعلي بن محمد بن علي بن فورجه الفراش، وأسماء بنت أحمد بن عبد الله ابن مهران؛ وهم من شيوخ السلفي.
توفي في المحرم سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة.
وممن روى عنه: أبو مطيع محمد بن عبد الواحد الصحاف.
أخبرنا أبو الربيع سليمان بن قدامة وأخوه داود، وعيسى بن أبي محمد، وأحمد بن عبد الرحمن سنة سبع مئة، ومحمد بن علي بن أحمد، ومحمد بن حمزة، وهدية بنت علي قالوا: أخبرنا جعفر بن علي، وأخبرنا أحمد بن محمد الصواف، وابن مؤمن قالا: أخبرنا علي بن محمد قالا: أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الجبار بأصبهان، حدثنا علي بن عبدكويه سنة عشرين وأربع مئة، حدثنا عمر بن أحمد بن علي البغدادي بالبصرة سنة 357، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا علي بن عاصم، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحب الله عبداً، دعا جبريل، فقال: يا جبريل: إني أحب فلاناً، فأحبه. فيحبه جبريل، وينادي في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه. فيحبه أهل السماء، ثم يجعل له القبول في الأرض... الحديث. وذكر في البغض نحو ذلك.

طلحة بن علي

ابن الصقر، الشيخ الثقة، الخير الصالح، بقية السلف، أبو القاسم، البغدادي الكتاني.
ولد سنة ست وثلاثين وثلاث مئة.
وسمع من: أحمد بن عثمان الأدمي، وأبي بكر النجاد، ودعلج، والشافعي، وأبي علي بن الصواف، وأبي سليمان الحراني، وأحمد بن ثابت الواسطي، وعدة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وقال: كان ثقة صالحاً. وأبو بكر البيهقي. وعبد العزيز الكتاني، وأبو القاسم المصيصي، وأبو القاسم بن بيان الرزاز، وأبو الفضل بن خيرون، وآخرون.
مات في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، عن ست وثمانين سنة. أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، أخبرنا محمد بن السيد بالمزة، أخبرنا القاضي محمد بن يحيى القرشي سنة ست وثلاثين وخمس مئة، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الفقيه، أخبرنا طلحة بن علي، أخبرنا أبو الطيب أحمد بن ثابت، حدثنا محمد بن مسلمة، حدثنا موسى الطويل، حدثنا أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عن الجوربين عليهما النعلان.
هذا حديث تساعي لنا، لكن موسى ليس بثقة، زعم أنه من موالي أنس بن مالك، وزعم أنه رأى أم المؤمنين بالبصرة.

يحيى بن عمار

ابن يحيى بن عمار بن العنبس، الإمام المحدث الواعظ، شيخ سجستان، أبو زكريا، الشيباني النيهي السجستاني، نزيل هراة.
حدث عن: حامد بن محمد الرفاء، وعبد الله بن عدي بن حمدويه الصابوني، وأخيه محمد بن عدي، ومحمد بن إبراهيم بن جناح، وعدة.
حدث عنه: أبو نصر الطبسي، وأبو محمد عبد الواحد الهروي، وشيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، وآخرون.
وكان متحرقاً على المبتدعين والجهمية بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، إلا أنه كان له جلالة عجيبة بهراة وأتباع وأنصار.
وقد روى أيضاً عن والده عمار.
وكان فصيحاً مفوهاً، حسن الموعظة، رأساً في التفسير، أكمل التفسير على المنبر في سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، ثم افتتح ختمةً أخرى فمات وهو يفسر في سورة القيامة، وعاش تسعين سنة.
قال السلفي في معجم بغداد: قال أبو إسماعيل الأنصاري: كان يحيى بن عمار ملكاً في زي عالم، كان له محب متمول يحمل إليه كل عام ألف دينار هروية، فلما مات يحيى، وجدوا له أربعين بدرةً لم يفك ختمها.
وقال أبو إسماعيل: سمعت يحيى بن عمار يقول: العلوم خمسة؛ علم هو حياة الدين وهو علم التوحيد، وعلم هو قوت الدين وهو العظة والذكر، وعلم هو دواء الدين وهو الفقه، وعلم هو داء الدين وهو أخبار ما وقع بين السلف، وعلم هو هلاك الدين وهو الكلام.
قلت: وعلم الأوائل.
وكان يحيى بن عمار من كبار المذكرين، لكن ما أقبح بالعالم الداعي إلى الله الحرص وجمع المال ! وكان قد تحول من سجستان عند جور الولاة، فعظم بهراة جداً، وتغالوا فيه، وتخرج به أبو إسماعيل الأنصاري، وخلفه من بعده.
أخبرنا الحسن بن علي: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول ابن عيسى، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن محمد الفقيه إملاءً، أخبرنا دعلج، وبالإسناد إلى عبد الله قال: وحدثنا يحيى بن عمار إملاءً، أخبرنا حامد بن محمد قالا: حدثنا أبو مسلم، حدثنا أبو عاصم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن عرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله ! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة... وذكر الحديث.
هذا حديث عال، صالح الإسناد.
توفي يحيى بن عمار بهراة، في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، وصلى عليه الإمام عمر بن إبراهيم الزاهد، وكانت جنازته مشهودة.
ورثاه جمال الإسلام الداوودي، فقال:

وسائلٍ ما دهاك اليوم ؟ قـلـت لـه

 

أنكرت حالي وأنّى وقـت إنـكـار

أما ترى الأرض من أقطارها نقصت

 

وصار أقطارها تبكـي لأقـطـار

لموت أفضل أهل العصر قـاطـبةً

 

عمّار دين الهدى يحيى بن عـمّـار

السلطان

الملك يمين الدولة، فاتح الهند، أبو القاسم، محمود بن سيد الأمراء ناصر الدولة سبكتكين، التركي، صاحب خراسان والهند وغير ذلك.
كان والده أبو منصور قد قدم بخارى في أيام نوح بن منصور، في صحبة ابن السكين متولياً على غزنة، فعرف بالشهامة والإقدام والسمو، فلما سار ابن السكين متولياً على غزنة، ذهب في خدمته أبو منصور، فلم يلبث ابن السكين أن مات، واحتاج الناس إلى أمير، فأمروا عليهم أبا منصور، فتمكن وعظم، وأخذ يغير على أطراف الهند، وافتتح قلاعاً، وتمت له ملاحم مع الهنود، وافتتح ناحية بست، واتصل بخدمته أبو الفتح البستي الكاتب وقرب منه، وكان كرامياً. قال جعفر المستغفري: كان أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن الحسين النضري قاضي مرو ونسف صلب المذهب، فدخل صاحب غزنة سبكتكين بلخ، ودعا إلى مناظرة الكرامية، وكان النضري يومئذ قاضياً ببلخ، فقال سبكتكين: ما تقولون في هؤلاء الزهاد الأولياء ؟ فقال النضري: هؤلاء عندنا كفرة. قال: ما تقولون فيّ ؟ قال: إن كنت تعتقد مذهبهم، فقولنا فيك كذلك. فوثب، وجعل يضربهم بالدبوس حتى أدماهم، وشج النضري، وقيدهم وسجنهم، ثم أطلقهم خوف الملامة، ثم تمرض ببلخ، وسار إلى غزنة، فمات سنة سبع وثمانين وثلاث مئة، وعهد بالإمرة إلى ابنه إسماعيل، وكان محمود ببلخ، وكان أخوهما نصر على بست، وكان في إسماعيل خلة، فطمع فيه جنده، وشغبوا، فأنفق فيهم خزائن، فدعا محمود عمه، فاتفقا، وأتاهما نصر، فقصدوا غزنة، وحاصروها، وعمل هو وأخوه مصافاً مهولاً، وقتل خلق، فانهزم إسماعيل، ثم آمن إسماعيل، وحبسه معززاً مرفهاً، ثم حارب محمود النواب السامانية، وخافته الملوك. واستولى على إقليم خراسان، ونفذ إليه القادر بالله خلع السلطنة، ففرض على نفسه كل سنة غز والهند، فافتتح بلاداً شاسعة، وكسر الصنم سومنات؛ الذي كان يعتقد كفرة الهند أنه يحيي ويميت ويحجونه، ويقربون له النفائس، بحيث إن الوقوف عليه بلغت عشرة آلاف قرية، وامتلأت خزائنه من صنوف الأموال، وفي خدمته من البراهمة ألفا نفس، ومئة جوقة مغاني رجال ونساء، فكان بين بلاد الإسلام وبين قلعة هذا الصنم مفازة نحو شهر، فسار السلطان في ثلاثين ألفاً، فيسر الله فتح القلعة في ثلاثة أيام، واستولى محمود على أموال لا تحصى، وقيل: كان حجراً شديد الصلابة طوله خمسة أذرع، منزل منه في الأساس نحو ذراعين، فأحرقه السلطان، وأخذ منه قطعةً بناها في عتبة باب جامع غزنة، ووجدوا في أذن الصنم نيفاً وثلاثين حلقةً؛ كل حلقة يزعمون أنها عبادته ألف سنة.
وكان السلطان مائلاً إلى الأثر إلا أنه من الكرامية.
قال أبو النضر الفامي: لما قدم التاهرتي الداعي من مصر على السلطان يدعوه سراً إلى مذهب الباطنية، وكان التاهرتي يركب بغلاً يتلون كل ساعة من كل لون، ففهم السلطان سر دعوتهم، فغضب، وقتل التاهرتي الخبيث، وأهدى بغله إلى القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي؛ شيخ هراة، وقال: كان يركبه رأس الملحدين، فليركبه رأس الموحدين.
وذكر إمام الحرمين أن محمود بن سبكتكين كان حنفياً يحب الحديث، فوجد كثيراً منه يخالف مذهبه، فجمع الفقهاء بمرو، وأمر بالبحث في أيما أقوى مذهب أبي حنيفة أو الشافعي. قال: فوقع الاتفاق على أن يصلوا ركعتين بن يديه على المذهبين. فصلى أبو بكر القفال بوضوء مسبغ وسترة وطهارة وقبلة وتمام أركان لا يجوز الشافعي دونها، ثم صلى صلاةً على ما يجوزه أبي حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغاً قد لطخ ربعه بنجاسة، وتوضأ بنبيذ، فاجتمع عليه الذبان، وكان وضوءاً منكساً، ثم كبر بالفارسية، وقرأ بالفارسية،: دوبركك سبز. ونقر ولم يطمئن ولا رفع من الركوع، وتشهد، وضرط بلا سلام. فقال له: إن لم تكن هذه الصلاة يجيزها الإمام، قتلتك. فأنكرت الحنفية الصلاة. فأمر القفال بإحضار كتبهم، فوجد كذلك، فتحول محمود شافعياً. هكذا ذكره الإمام أبو المعالي بأطول من هذا.
قال عبد الغافر الفارسي في ترجمة محمود: كان صادق النية في إعلاء الدين، مظفراً كثير الغزو، وكان ذكياً بعيد الغور، صائب الرأي، وكان مجلسه مورد العلماء. وقبره بغزنة يزار.
قال أبو علي بن البناء: حكى علي بن الحسين العكبري أنه سمع أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي قال: دخل ابن فورك على السلطان محمود، فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقية لأن لازم ذلك وصفه بالتحتية، فمن جاز أن يكون له فوق، جاز أن يكون له تحت. فقال السلطان: ما أنا وصفته حتى يلزمني، بل هو وصف نفسه. فبهت ابن فورك، فلما خرج من عنده مات. فيقال: انشقت مرارته.
قال عبد الغافر: قد صنف في أيام محمود وأحواله لحظة لحظة، وكان في الخير ومصالح الرعية يسر له الإسار والجنود والهيبة والحشمة مما يلم يره أحد.
وقال أبو النضر محمد بن عبد الجبار العتبي في كتاب اليميني في سيرة هذا الملك: قيل فيه:

تعالى اللّه ما شاء

 

وزاد اللّه إيماني

أأفريدون في التّاج

 

أم الإسكندر الثاني

أم الرّجعة قد عادت

 

إلينا بـسـلـيمـان

أظلّت شمس محمودٍ

 

على أنجم سامـان

وأمسى آل بـهـرامٍ

 

عبيداً لابن خاقـان

فمن واسطة الهنـد

 

إلى ساحة جرجان

ومن قاصية السّنـد

 

إلى أقصى خراسان

فيوماً رسل الـشّـاه

 

ويوماً رسل الخـان

مولد محمود في سنة إحدى وستين وثلاث مئة.
ومات بغزنة في جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربع مئة.
وتسلطن بعده ابنه محمد مديدةً، وقبض عليه أخوه مسعود، وتمكن، وحارب السلجوقية مرات إلى أن قتل في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، ثم قام ابنه.
وكانت غزوات السلطان محمود مشهورةً عديدةً وفتوحاته المبتكرة عظيمة.
قرأت بخط الوزير جمال الدين بن علي القفطي في سيرته: قال كاتبه الوزير ابن الميمندي: جاءنا رسول الملك بيدا على سرير كالنعش؛ بأربع قوائم يحمله أربعة. وكان السلطان يعظم أمر الرسل لما يفعله أصحابهم برسله. قال: فحمل على حالته حتى صار بين يديه، فقال له الهندي: أي رجل أنت ؟ قال: أدعو إلى الله، وأجاهد من يخالف دين الإسلام. قال: فما تريد منا ؟ قال: أن تتركوا عبادة الأصنام، وتلتزموا شروط الدين، وتأكلوا لحم البقر. وتردد بينهما الكلام، حتى خوفه محمود وهدده، وقال الحاجب للهندي: أتدري لمن تخاطب ؟ وبين يدي أي سلطان أنت ؟. فقال الهندي: إن كان يدعو إلى الله كما يزعم، فليس هذا من شروط ذلك، وإن كان سلطاناً قاهراً لا ينصف، فهذا أمر آخر. فقال الوزير: دعوه. ثم ورد الخبر بتشويش خراسان، وضاق على صاحب الهند الأمر، ورأى أن بلاده تخرب، فنفذ رسولاً آخر، وتلطف، وقال: إن مفارقة ديننا لا سبيل إليه، وليس هنا مال نصالحك عليه، ولكن نجعل بيننا هدنةً، ونكون تحت طاعتك. قال: أريد ألف فيل وألف مناً ذهباً. قال: هذا لا قدرة لنا عليه. ثم تقرر بينهما تسليم خمس مئة فيل وثلاثة آلاف من فضة، واقترح محمود على الملك بيدا أن يلبس خلعته، ويشد السيف والمنطقة، ويضرب السكة باسمه. فأجاب، لكنه استعفى من السكة، فكانت الخلعة قباءً نسج بالذهب، وعمامة قصب، وسيفاً محلى، وفرساً وخفاً، وخاتماً عليه اسمه، وقال لرسوله: امض حتى يلبس ذلك، وينزل إلى الأرض، ويقطع خاتمه وأصبعه، ويسلمها إليك، فذلك علامة التوثقة. قال: وكان عند محمود شيء كثير من أصابع الملوك الذين هادنهم.
قال ابن الميمندي الوزير: فذهبت في عشرة مماليك أتراك، وجئنا وصحنا: رسول رسول. فكفوا عن الرمي، فأدخلنا على الملك، وهو شاب مليح الوجه على سرير فضة، فخدمته بأن صفقت بيدي، وانحنيت عليهما، وقلت: جو. فكان جوابه: باه. وأجلسني، وقربني، وأخذ يشكو ما لحق البلاد من الخراب، ثم لبس الخلعة بعد تمنع، وتعمم له تركي، وطالبته بالحلف، قال: نحلف بالأصنام والنار، وأنتم لا تقنعون بذلك. قلت: لا بد وأحجمت عن ذكر الأصبع، فأخرج حديدةً قطع بها أصبعه الصغرى ولم يكترث، وعمل على يده كافوراً، ودفعت إليه وقال: قل لصاحبك: اكفف عن أذى الرعية. فرجع السلطان إلى خراسان، ونفذ إليه ابن مروان صاحب ديار بكر هديةً، فردها وقال: لم أردها استقلالاً، ولكن علمت أن قصدك المخالطة والمصادقة، ويقبح بي أن أصادق من لا أقدر أن أنصره، وربما طرقك عدو وأنا على ألف فرسخ منك، فلا أتمكن من نصرتك. ثم بلغ السلطان أن الهنود قالوا: أخرب أكثر بلاد الهند غضب الصنم الكبير سومنات على سائر الأصنام ومن حولها، فعزم على غزو هذا الوثن، وسار يطوي القفار في جيشه إليه، وكانوا يقولون: إنه يرزق ويحيي ويميت ويسمع ويعي، يحجون إليه، ويتحفونه بالنفائس، ويتغالون فيه كثيراً، فتجمع عند هذا الصنم مال يتجاوز الوصف، وكانوا يغسلونه كل يوم بماء وعسل ولبن، وينقلون إليه الماء من نهر حيل مسيرة شهر، وثلاث مئة يحلقون رؤوس حجاجه ولحاهم، وثلاث مئة يغنون. فسار الجيش من غزنة، وقطعوا مفازةً صعبةً، وكانوا ثلاثين ألف فارس وخلقاً من الرجالة والمطوعة، وقوى المطوعة بخمسين ألف دينار، وأنفق في الجيش فوق الكفاية، وارتحل من المليا ثاني يوم الفطر سنة 416، وقاسوا مشاق، وبقوا لا يجدون الماء إلا بعد ثلاث، غطاهم في يوم ضباب عظيم، فقالت الكفرة: هذا من فعل الإله سومنات. ثم نازل مدينة أنهلوارة، وهرب منها ملكها إلى جزيرة، فأخرب المسلمون بلده، ودكوها، وبينها وبين الصنم مسيرة شهر في مفاوز، فساروا حتى نازلوا مدينة دبولوارة؛ وهي قبل الصنم بيومين، فأخذت عنوةً، وكسرت أصنامها، وهي كثيرة الفواكه، ثم نازلوا سومنات في رابع عشر ذي القعدة، ولها قلعة منيعة على البحر، فوقع الحصار، فنصبت السلالم عليها، فهرب المقاتلة إلى الصنم، وتضرعوا له، واشتد الحال وهم يظنون أن الصنم قد غضب عليهم، وكان في بيت عظيم منيع، على أبوابه الستور الديباج، وعلى الصنم من الحلي والجواهر ما لا يوصف، والقناديل تضيء ليلاً ونهاراً، على رأسه تاج لا يقوم، يندهش منه الناظر، ويجتمع عنده في عيدهم نحو مئة ألف كافر، وهو على عرش بديع الزخرفة؛ علو خمسة أذرع، وطول الصنم عشرة أذرع، وله بيت مال فيه من النفائس والذهب ما لا يحصى، ففرق محمود في الجند معظم ذلك، وزعزع الصنم بالمعاول، فخر صريعاً، وكانت فرقة تعتقد أنه منات، وأنه تحول بنفسه في أيام النبوة من ساحل جدة، وحصل بهذا المكان ليقصد ويحج معارضةً للكعبة. فلما رآه الكفار صريعاً مهيناً، تحسروا، وسقط في أيديهم، ثم أحرق حتى صار كلساً، وألقيت النيران في قصور القلعة، وقتل بها خمسون ألفاً، ثم سار محمود لأسر الملك بهيم، ودخلوا بالمراكب، فهرب، وافتتح محمود عدة حصون ومدائن، وعاد إلى غزنة، فدخلها في ثامن صفر سنة سبع عشرة، ودانت له الملوك، فكانت مدة الغيبة مئةً وثلاثة وستين يوماً.
وفي سنة ثمان عشرة سار إلى بلخ، وجهز جيشه إلى ما وراء النهر في نصرة الخانية، وكان علي بن تكين قد أغار على بخارى، فضاق قدرخان به ذرعاً، واستنجد محموداً، ففر ابن تكين، ودخل البرية. ثم حارب محمود الغز، وقبض على ابن سلجوق مقدمهم، فثارت الغز، وأفسدوا، وتفرغوا للأذى، وتعبت بهم الرعية، واستحكم الشر، وأقام محمود بنيسابور مدةً، ثم في عشرين قصد الري، وأخذها، وقبض على ملكها مجد الدولة بن بويه؛ وكان ضعيف التدبير، فضرب حتى حمل ألف ألف دينار، وصلب محمود أمراء من الديلم، وجرت قبائح وظلم. ثم جهز محمود ولده مسعوداً، فاستولى على أصبهان، ثم رجع السلطان إلى غزنة عليلاً، فمات في ربيع الأول سنة إحدى، وأمسى وقد فارقته الجنود، وتنكست لحزنه البنود، وناح عليه الوالد والمولود، وسكن ظلمة اللحود.
وقد خطب له بالغور وبخراسان والسند والهند، وناحية خوارزم وبلخ؛ وهي من خراسان، وبجرجان وطبرستان والري والجبال، وأصبهان وأذربيجان، وهمدان وأرمينية.
وكان مكرماً لأمرائه وأصحابه، وإذا نقم عاجل، وكان لا يفتر ولا يكاد يقر. سار مرةً في خمسين ألف فارس، وفي مئتي فيل، وأربعين ألف جمازة تحمل ثقل العساكر، وكان يعتقد في الخليفة، ويخضع لجلاله، ويحمل إليه قناطير من الذهب، وكان إلباً على القرامطة والإسماعيلية وعلى المتكلمين، على بدعة فيه فيما قيل، ويغضب للكرامية، وكان يشرب النبيذ دائماً، وتصرفه على الأخلاق الزكية، وكان فيه شدة وطأة على الرعية؛ ولكن كانوا في أمن وإقامة سياسة، ولازمه علة نحو ثلاث سنين، كان يعتريه إسهال، ولا يترك الركوب والسفر، قبض وهو في مجلسه ودسته ما وضع جنبه، ولما احتضر، قال لوزيره: يا أبا الحسن: ذهب شيخكم. ثم مات يوم الخمسين لتسع بقين من ربيع الآخر، فكتم موته، ثم فشى، وأتى ابنه السلطان محمد من الجوزجان، فوصل في أربعين يوماً. كان السلطان محمود ربعةً، فيه سمن، تركي العين، فيه شقرة، ولحيته مستديرة، غليظ الصوت، وفي عارضيه شيب. وكان ابنه محمد في قده، وكان ابنه مسعود طويلاً.
قال محمود يوماً للأمير أبي طاهر الساماني: كم جمع آباؤك من الجوهر ؟ قال: سمعت أنه كان عند الأمير الرضي سبعة أرطال. فسجد شكراً، وقال: أنا في خزانتي سبعون رطلاً.
وكان صمم على التوغل في بلاد الخانية، وقال: معي أربع مئة فيل مقاتلة ما يثبت لها أحد. فبلغه أن الخانية قالوا: نحن نأخذ ألف ثور تركية؛ وهي كبار ضخام، فنجعل عليها ألف عجلة، ونملؤها حطباً، فإذا دنت الفيلة، أوقدنا الحطب، فتطلب البقر أمامها، وتلقي النار على الأفيلة وعلى من حولها، فتتم الهزيمة، فأحجم محمود.
وكان يعظم الميمندي كاتبه، لأنهم لما نازلوا مدينة بيدا، حصل السلطان وكاتبه في عشرين فارساً فوق تل تجاه البلد، فبرز لهم عسكر أحاطوا بالتل، فعاينوا التلف، فتقدم كاتبه، ونادوا الهنود، فقالوا: من أنت ؟ قال: أنا محمود. قالوا: أنت المراد. قال: ها أنا في أيديكم، وعندي من ملوككم جماعة أفدي نفسي بهم، وأحضرهم، وأنزل على حكمكم. ففرحوا، وقالوا: فأحضر الملوك. فالتفت إلى شاب، وقال: امض إلى ولدي، وعرفه خبري. ثم قال: لا ! أنت لا تنهض بالرسالة. وقال لمحمود: امض، أنت عاقل وأسرع. فلما جاوز نهراً، لقيه بعض جنده، فترجلوا. وعاين ذلك من فوق القلعة، فقالوا لكاتبه: من رسولك ؟ قال: ذاكم السلطان فديته بنفسي، فافعلوا ما بدا لكم. وبلغ ذلك بيدا، فأعجبهن وقال: نعم ما فعلت، فتوسط لنا عند سلطانك. فهادنهم، وزادت عظمة الميمندي عند محمود، حتى إنه زوج أخاه يوسف بزليخا ابنة الميمندي، ثم في الآخر قبض عليه، وصادره، لأنه أراد أن يسم محموداً، ووزن له ألف ألف دينار، ومن التحف والذخائر ما لا يوصف بعد العذاب، ثم أطلق الميمندي بعد وفاة محمود، ووزر لمسعود.
أحضر إلى محمود بغزنة شخصان من النسناس من بادية بلاصيغون؛ وهي مملكة قدرخان، وعدو النسناس في شدة عدو الفرس، وهو في صورة آدمي، لكنه بدنه ملبس بالشعر، وكلامه صفير، ويأكل حشيشاً، وأهل تلك البلاد يصطادونهم، ويأكلونهم. فسأل محمود الفقهاء عن أكل لحمهم، فنهوا عنه.

مسعود

كان طوالاً جسيماً، مليحاً، كبير العين، شديداً حازماً، كثير البر، ساد الجواب، رؤوفاً بالرعية، محباً للعلم. صنف له كتب في فنون، وكان أبوه يخشى مكانه. ويحب أخاه محمداً، فأبعد مسعوداً، وأعطاه الري والجبال، وطلب منه أن يحلف لأخيه أنه لا يقاتله، قال: أفعل إن أشهد مولانا على نفسه أني لست ولده، أو يحلف لي أخي أنه لا يخفيني من ميراثي شيئاً.
ولما سمع مسعود بموت أبيه، لبس السواد، وبكى، وعمل عزاءه بأصبهان، وخطب لنفسه بأصبهان والري وأرمينية، ثم سار واستقر بنيسابور، ومالت الأمراء إلى شهاب الدولة مسعود، وجرت بينه وبين أخيه محمد مراسلات، ثم قبضوا على محمد، وبادروا إلى خدمة السلطان مسعود، فقدم هراة، وكان أخوه محمد الملقب بجمال الدولة منهمكاً في اللذات المردية والسكر. ثم قبض مسعود على عمه يوسف وعلى علي الحاجب. ودانت له الممالك. وأظهر كتاب القادر بالله، وأنه لقبه بالناصر لدين الله ظهير خليفة الله. ولبس خلعاً وتاجاً، ثم أطلق الوزير أحمد بن الحسن الميمندي، واستوزره، ثم أخذت الري من مسعود، فجهز جيشاً استباحوها، وعملوا قبائح، وجرت له حروب على الدنيا، وقدم عليه رسول الديوان، فاحتفل لقدومه، وزينت خراسان، وكان يوم قدومه بلخ يوماً مشهوداً كدخول السلطان. وكان في الموكب مئتا فيل والجيش ملبس.
ووقع الوباء في عام ثلاثة وعشرين وأربع مئة بالهند وغزنة وأطراف خراسان، حتى إنه خرج من أصبهان في مدة قريبة أربعون ألف جنازة، وكان ملكها أبو جعفر بن كاكويه والخليفة القائم وسلطان العراق جلال الدولة، وأبو كاليجار على فارس، ومسعود بن محمد على خراسان والجبال والغور والهند. وتوفي قدرخان التركي؛ صاحب ما وراء النهر في هذا العام، وتأهب مسعود، وحشد يقصد العراق، فجاءه أمر شغله؛ وهو عصيان نائبه على الهند، فسار لقصده، وجهزه مسعود؛ وهو الأمير أحمد بن ينال تكين، ثم عاثت الترك الغزية بما وراء النهر، فقصدهم مسعود، وأوقع بهم، وأثخن فيهم، ثم كر إلى طبرستان، لأن نائبها فارق الطاعة، وجرت له خطوب. ثم اضطرب جند مسعود، وتجرؤوا عليه، وبادرت الغز، فأخذوا نيسابور وبدعوا، فاستنجد مسعود بملوك ما وراء النهر فما نفعوا، ثم سارت الغز لحربه، وعليهم طغرلبك، وأخوه داود، فهزموه، وأخذت خزائنه، وركب هو فيلاً ماهراً حركاً يعده للحروب، فنجا عليه في قل من غلمانه، وكان جسيماً لا يعدو به فرس إلا قليلاً، ثم أقام بغزنة، وأخلد إلى اللذات، وذهبت منه خراسان، فعزم على سكنى الهند بآله ورجاله. وشرع في ذلك في سنة اثنتين وثلاثين في الشتاء لفرط برد غرنة، وأخذ معه أخاه محمداً مسمولاً، فلما وصل إلى نهر الهند، نزل عليه، وواصل السكر، واستقر بقلعة هناك، وتخطفه بعض العسكر، وذل، فخلعوه، وملكوا المسمول محمداً، وقبض عليه محمد، وقال: لأقابلنك على فعلك بي، فاختر مكاناً تنزله بحشمك. فاختار قلعةً، فبعثه إليها مكرماً. فعمل عليه ولد محمد وجماعة، وبيتوه وقتلوه حنقاً عليه، وجاؤوا برأسه إلى السلطان المسمول، فبكى، وغضب على ابنه، ودعا عليه، وكان مودود بن مسعود مقيماً بغزنة وبينهما عشرة أيام، فسارع في خمسة آلاف، وبيت محمداً، وقتل أمراء، وقبض على عمه محمد، وقتل الذين قتلوا أباه؛ وكانوا اثني عشر، ثم قتل عمه محمداً.

ابن الطبيز

الشيخ المعمر المسند، أبو القاسم، عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن أحمد، الحلبي، السراج الرامي، المشهور بابن الطبيز، نزيل دمشق.
حدث عن: محمد بن عيسى البغدادي العلاف، وأبي بكر محمد بن الحسين السبيعي، ومحمد بن جعفر بن السقا، وأبي بكر محمد بن عمر الجعابي الحافظ، وجماعة تفرد في الدنيا عنهم.
روى عنه: عبد العزيز الكتاني، وعلي بن محمد الربعي، والحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، ووالده أحمد، وأبو عبد الله بن أبي الصقر الأنباري، وأبو القاسم بن أبي العلاء المصيصي، والفقيه نصر المقدسي، وعبد الرزاق بن عبد الله الكلاعي، وآخرون.
قال أبو الوليد الباجي: هو شيخ لا بأس به.
قال عبد العزيز: توفي شيخنا ابن الطبيز في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وكان يذكر أن مولده في سنة ثلاثين وثلاث مئة.
قال: وكانت له أصول حسنة، وكان يذهب إلى التشيع.
قلت: كان شيخه العلاف يروي عن أحمد بن عبيد الله النرسي والكبار.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران: أخبرنا أحمد بن الخضر، أخبرنا حمزة بن كروس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا عبد الرحمن ابن عبد العزيز السراج، أخبرنا محمد بن جعفر بن هشام الحلبي، حدثنا سليمان بن المعافى بحلب، حدثنا أبي، حدثنا موسى بن أعين، عن أبي الأشهب، عن عمران بن مسلم، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من دخل السوق، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له بها ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتاً في الجنة.
هذا إسناد صالح غريب.

الميداني

الشيخ الإمام المحدث، أبو الحسين، عبد الوهاب بن جعفر بن علي، الدمشقي، ابن الميداني.
يروي عن: أبي علي بن هارون، وأحمد بن محمد بن عمارة، وأبي عبد الله بن مروان، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت، وأبي بكر ابن أبي دجانة، وأبي عمر بن فضالة، وخلق بعدهم. وعني بالرواية والإكثار.
وعنه: رشأ بن نظيف، وأبو علي الأهوازي، وأبو سعد السمان، وعبد العزيز الكتاني، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وأحمد بن قبيس المالكي، وطائفة.
قال الكتاني: ذكر أنه كتب بمئة رطل حبر، احترقت كتبه، وجددها.
ثم قال: كان فيه تساهل، واتهم في ابن هارون.
توفي في جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وأربع مئة عن ثمانين سنة.

ابن دراج

العلامة المنشىء البليغ، أبو عمر، أحمد بن محمد بن العاص، القسطلي، الأندلسي، من أعيان الأدباء، وفحول الشعراء.
قال الثعالبي: كان بالأندلس كالمتنبي بالشام.
قلت: هو من كتاب المنصور الحاجب، فقال فيه قصيدةً، منها يقول:

ألم تعلمي أنّ الثّواء هو النّوى

 

وأنّ بيوت العاجزين قـبـور

تخوّفني طول السّفـار وإنّـه

 

لتقبيل كفّ العامريّ سـفـير

دعيني أرد ماء المفاوز آجنـاً

 

إلى حيث ماء المكرمات نمير

مات في جمادى الآخرة، سنة إحدى وعشرين وأربع مئة، وله خمس وسبعون سنة.

ابن شهيد

العلامة البليغ، جاحظ وقته، أبو عامر، أحمد بن أبي مروان، عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين أحمد بن عبد الملك بن عمر ابن شهيد، الأشجعي القرطبي، الشاعر.
كان حامل لواء النظم والنثر بالأندلس، وله ترسل فائق.
وله تواليف أنيقة الجد، مطبوعة الهزل، منها: كتاب جونة عطار.
قال أبو محمد بن حزم: ولنا من البلغاء أبو عامر، له من التصرف في وجوه البلاغة وشعابها مقدار ينطق فيه بلسان مركب من عمرو يعني الجاحظ وسهل يعني ابن هارون .
ومن نظمه:

فكأنّ النّجوم في اللّيل جـيشٌ

 

دخلوا للكمون في جوف غاب

وكأنّ الصّباح قانـص طـيرٍ

 

قبضت كفّه برجـل غـراب

توفي في جمادى الأولى سنة ست وعشرين وأربع مئة.
قال ابن حزم: كان حامل لواء الشعر والبلاغة، ما خلف له نظيراً، وانقرض عقب جده الوزير بموته، وكان سمحاً جواداً.

تراب بن عمر

ابن عبيد، أبو النعمان المصري، الكاتب.
حدث عن: أبي أحمد بن الناصح، والدارقطني.
وعنه: أبو القاسم بن أبي العلاء، والقاضي الخلعي.
عاش بضعاً وثمانين سنة، ومات في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وأربع مئة.

الفلكي

الحافظ الأوحد، أبو الفضل، علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن، الهمذاني، عرف بالفلكي.
قال شيرويه: سمع عامة مشايخ همذان والعراق وخراسان. حدث عن: ابن رزقويه، وأبي الحسين بن بشران، والقاضي أبي بكر الحيري. حدثنا عنه: الحسني، والميداني.
وكان حافظاً متقناً يحسن هذا الشأن جيداً جيداً.
صنف الكتب منها: الطبقات الملقب بالمنتهى في معرفة الرجال في ألف جزء.
سمعت حمزة بن أحمد يقول: سمعت شيخ الإسلام الأنصاري يقول: ما رأت عيناي أحداً من البشر أحفظ من ابن الفلكي، وكان صوفياً مشمراً.
قلت: مات بنيسابور في شعبان، سنة سبع وعشرين وأربع مئة كهلاً: وكان جده بارعاً في علم الفلك والحساب، هيوباً محتشماً، توفي سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.

الرزجاهي

العلامة المحدث الأديب، أبو عمرو، محمد بن عبد الله بن أحمد، الرزجاهي البسطامي، الفقيه الشافعي؛ تلميذ أبي سهل الصعلوكي.
كتب الكثير عن: ابن عدي، والإسماعيلي، وابن الغطريف، وأبي علي بن المغيرة، وتصدر للإفادة.
حدث عنه: البيهقي، والرئيس الثقفي، وأبو سعد بن أبي صادق، وعلي بن محمد الفقاعي، وعدة.
مات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وأربع مئة، وله ست وسبعون سنة، وكان صاحب فنون.

الزيدي

الإمام العالم المقرىء المعمر، شيخ حران، أبو القاسم، علي ابن محمد بن علي، الهاشمي العلوي الحسيني الزيدي، الحراني الحنبلي السني.
تلا بالروايات على الأستاذ أبي بكر النقاش، وروى عنه تفسيره شفاء الصدور، فكان آخر من روى عنه القراءات والحديث.
تلا عليه: أبو معشر عبد الكريم الطبري، وأبو القاسم الهذلي، وأبو العباس أحمد بن الفتح الموصلي؛ نزيل زهر الملك.
وكان مفخر أهل حران.
قال أبو عمرو الداني: هو آخر من قرأ على النقاش.
قال: وكان ثقةً ضابطاً مشهوراً، أقرأ بحران دهراً طويلاً.
وقال هبة الله بن أحمد الأكفاني: سمعت عبد العزيز الكتاني وقد أريته جزءاً من كتب إبراهيم بن شكر من مصنفات الآجري، والسماع عليه مزور بين التزوير فقال: ما يكفي علي بن محمد الزيدي الحراني أن يكذب حتى يكذب عليه.
قلت: توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وقد قارب المئة.
وأعلى شيء عنده القراءات والتفسير عن النقاش، والنقاش مجمع على ضعفه في الحديث لا في القراءات، فإن كان الزيدي مقدوحاً فيه، فلا يفرح بعلو رواياته للأمرين، وقد وثقه أبو عمرو الداني في الجملة، كما وثق شيخه النقاش، ولكن الجرح مقدم، وما أدري ما أقول.
وبلغني أن الزيدي نفذ رسولاً إلى ملك الروم، فلما جلس، غنت النصارى، وحركوا الأرغل، فثبت الزيدي عند سماعه، وتعجبوا من ثباته كثيراً، فلما قام، وجدوا تحت كعبه الدم مما ثبت نفسه، ولم يتحرك.

ابن السمسار

الشيخ الجليل، المسند العالم، أبو الحسن، علي بن موسى بن الحسين، ابن السمسار الدمشقي. حدث عن: أبيه، وأخيه المحدث أبي العباس محمد، وأخيه الآخر أحمد، وأبي القاسم علي بن أبي العقب، وأبي عبد الله محمد ابن إبراهيم بن مروان، وأحمد بن أبي دجانة، وأبي علي بن آدم الفزاري، وأبي عمر بن فضالة ومظفر بن حاجب بن أركين، والدارقطني، والفقيه أبي زيد المروزي وحمل عنه صحيح البخاري، وروى عن خلق كثير.
وكان مسند أهل الشام في زمانه.
حدث عنه: عبد العزيز الكتاني، وأبو نصر بن طلاب، وأبو القاسم المصيصي، والحسن بن أحمد بن أبي الحديد، والفقيه نصر ابن إبراهيم، وأحمد بن عبد المنعم الكريدي، وسعد بن علي الزنجاني، وآخرون.
قال الكتاني: كان فيه تشيع وتساهل.
وقال أبو الوليد الباجي: فيه تشيع يفضي به إلى الرفض، وهو قليل المعرفة، في أصوله سقم.
مات ابن السمسار في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وقد كمل التسعين، وتفرد بالرواية عن ابن أبي العقب وطائفة، ولعل تشيعه كان تقية لا سجية، فإنه من بيت الحديث، ولكن غلت الشام في زمانه بالرفض، بل ومصر والمغرب بالدولة العبيدية، بل والعراق وبعض العجم بالدولة البويهية، واشتد البلاء دهراً، وشمخت الغلاة بأنفها، وتواخى الرفض والاعتزال حينئذ، والناس على دين الملك، نسأل الله السلامة في الدين.

صاعد بن محمد

ابن أحمد بن عبد الله القاضي، أبو العلاء الأستوائي، النيسابوري، الفقيه، شيخ الحنفية ورئيسهم، وقاضي نيسابور.
سمع أبا عمرو بن نجيد، وبشر بن أحمد، وعلي بن عبد الرحمن البكائي.
وعنه: الخطيب، والقاضي صاعد بن سيار.
سمعنا جزءاً من حديثه من أبي نصر المزي عن جده.
مولده سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة.
ومات في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.

سيار بن يحيى

ابن محمد بن إدريس، العلامة القاضي، أبو عمرو الكناني الهروي الحنفي.
سمع من: أبي عاصم محبوب بن عبد الرحمن الحاكم، وجماعة.
وعنه: ابناه: القاضي أبو العلاء صاعد، والقاضي أبو الفتح نصر.
مات سنة ثلاثين وأربع مئة، فخلفه ابنه أبو الفتح إلى أن قتل مظلوماً في سنة 446، فخلفه أخوه، فامتدت أيامه.

ابن عليك

الحافظ الحجة الإمام، أبو سعد، عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، النيسابوري.
روى عن: أبي أحمد الحاكم، وأبي سعيد الرازي، وأبي بكر بن شاذان، والدارقطني، وخلق.
حدث عنه: أبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، وإمام الحرمين أبو المعالي، وأبو سعد بن القشيري.
وجمع وصنف.
توفي سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة. وكان من أبناء السبعين.
أخذ بالكوفة عن أبي الطيب محمد بن الحسين التيملي، وأبي المفضل الشيباني، وببغداد أيضاً عن علي بن عمر السكري، وبمرو عن طائفة.

ابن دوست

الحاكم العلامة النحوي، أبو سعد، عبد الرحمن بن محمد بن محمد ابن عزيز بن محمد، ابن دوست، النيسابوري؛ صاحب التصانيف الأدبية، وله ديوان شعر.
ولد سنة سبع وخمسين وثلاث مئة.
سمع منك أبي عمرو بن حمدان، وبشر بن أحمد، وأبي أحمد الحاكم، وعدة.
وكان أصم لا يسمع شيئاً.
أخذ اللغات عن أبي نصر الجوهري.
وعنه أخذ المفسر أبو الحسن الواحدي، وغيره.
وكان ذا زهد وصلاح.
مات في ذي القعدة، سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.

القيشطالي

المحدث الثقة، مسند وقته، أبو عمرو، عثمان بن أحمد بن محمد ابن يوسف، المعافري القرطبي القيشطالي؛ بشين مشوبة بجيم، نزيل إشبيلية.
سمع مع أبيه من أبي عيسى الليثي الموطأ وتفسير ابن نافع، وسمع من القاضي ابن السليم، وابن القوطية، والزبيدي.
وكان نديماً للمؤيد بالله هشام.
قال ابن خزرج: كان من أهل الطهارة والعفاف والثقة، وروايته كثيرة. مات في صفر، سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، عن ثمانين سنة.
قلت: روى عنه: محمد بن شريح المقرىء، وأبو عبد الله الخولاني، وابنه أحمد بن محمد، وآخرون.

الدزبري

أمير الجيوش المظفر، سيف الخلافة، عضد الدولة، أبو منصور، نوشتكين بن عبد الله التركي. اشتراه بدمشق سنة أربع مئة القائد تزبر الديلمي، فرأى منه فرط شهامة وإقدام، وشاع ذكره، فقدمه للحاكم، وقيل: بل نفذ الحاكم بطلبه في سنة ثلاث وأربع مئة. وجعل بين المماليك الحجرية، فقهرهم واستطال، فضربه واليهم، ثم لزم الخدمة، وتودد إلى الأمراء، فارتضاه الحاكم، وأعجب به، فأمره، وبعثه إلى دمشق سنة ست، فتلقاه تزبر، فتأدب وترجل لمولاه، ثم أعيد إلى مصر، وجرد إلى الريف، ثم بعث والياً على بعلبك، وحسنت سيرته، ثم نقل إلى قيسارية، واتفق قتل متولي حلب فاتك؛ قتله غلامه، ثم ولي فلسطين، فخافه ملك العرب حسان بن مفرج الطائي، وقلق، وجرت لأمير الجيوش هذا وقائع، ودوخ العرب، فخبث حسان، وكاتب فيه وزير مصر الحسن بن صالح، فأمسكه بحيلة دبرت له سنة سبع عشرة وأربع مئة، فشفع فيه سعيد السعداء، فأطلق له، ثم ترقى، وكثرت غلمانه وأمواله.
وأما الشام، فعاثت العرب فيها، وأفسدت، ووزر نجيب الدولة الجرجرائي، فقدم نوشتكين على العساكر سبعة آلاف، فقصد حسان وصالح بن مرداس، فكانت المصاف على الأقحوانة، فهزم العرب، وقتل صالح، فبعثت الخلع إلى نوشتكين، ثم نازل حلب، ثم عاد إلى دمشق، ونزل بالقصر، ثم رد إلى حلب ودخلها، فأحسن إلى الرعية، وعدل، ثم تغير، وشرب الخمر، فجاء كتاب بذمه وتهديده، فقلق وتنصل، وكتب: من عبد الدولة العلوية، والإمامية الفاطمية متبرئاً من ذنوبه لائذاً بالعفو، ثم حم، وطلب طبيباً، فوصف له مسهلاً، فأبى، وأصابه فالج أبطل يده ورجله، ثم مات بعد أيام من جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين بحلب، ومما خلف من النقد ست مئة ألف دينار، وأصله من بلاد ختن، ومن قواده مقلد بن منقذ الكناني.

شعيب بن عبد الله

ابن المنهال، مسند مصر، أبو عبد الله المصري.
حدث عن: أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي، وطائفة.
روى عنه: أحمد بن إبراهيم بن الحطاب الرازي، وأبو الحسن الخلعي، وطائفة.
قال أبو إسحاق الحبال: يتكلم في مذهبه، مات في شعبان سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.