الرخجي

الرخجي

الوزير الكبير، أبو علي، الحسين، وزير بني بويه بالعجم، ثم عظم عن الوزارة وتركها، فكانت الوزراء يغشونه، ويتأدبون معه، حتى مات في سنة ثلاثين وأربع مئة.

الكسار

القاضي الجليل العالم، أبو نصر؛ أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن بوان الدينوري.
سمع سنن النسائي المختصر من الحافظ أبي بكر بن السني، وسماعه له في سنة ثلاث وستين وثلاث مئة، وحدث به في جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
حدث عنه: بدر بن خلف الفركين وعبدوس بن عبد الله الهمذاني، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن.
وكان الكسار صدوقاً، صحيح السماع، ذا علم وجلالة. مات في هذا الوقت بعد تحديثه بالكتاب بيسير، وآخر من روى عنه بالإجازة مسند أصبهان أبو علي الحداد.

ابن رزمة

الشيخ الثقة، أبو الحسين، محمد بن عبد الواحد بن علي بن رزمة، البزاز، من محدثي بغداد.
حدث عن: أبي بكر بن خلاد العطار، وأبي بكر بن سلم، وأبي سعيد السيرافي، وطائفة.
روى عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو طاهر بن سوار المقرىء، وخالد ابن عبد الواحد التاجر.
قال الخطيب: كان صدوقاً، كثير السماع، كتبت عنه.
وعاش أربعاً وثمانين سنة، مات في جمادى الأولى، سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
وفيها توفي أبو بكر محمد بن جعفر الميماسي؛ راوي موطأ يحيى ابن بكير، وشارح الصحيح أبو القاسم المهلب بن أحمد بن أبي صفرة.

ابن فاذشاه

الشيخ الرئيس المسند، أبو الحسين، أحمد بن محمد بن الحسين ابن محمد بن فاذشاه، الأصبهاني التاني.
سمع الكثير من: أبي القاسم الطبراني، وكان سماعه من جده الحسين في سنة أربع وخمسين وثلاث مئة. روى المعجم الكبير كله عن الطبراني، وغير ذلك.
حدث عنه: معمر بن أحمد اللنباني، والمحسد بن محمد الإسكاف، وطاهر بن محمود الصباغ، وأبو الفتح عبد الله بن محمد الخرقي، وأبو القاسم عبد الله بن عمر الغسال، وعبد الجبار بن محمد التاجر، وعبد الأحد بن أحمد العنبري، ونصر بن أبي القاسم الصباغ، والهيثم بن محمد المعداني، وستان بنت حسين الصالحاني، ومحمد بن عمر بن عزيزة، وأبو سعد أحمد بن عبد الكريم الأطروش، وأبو علي الحداد، ومحمود بن إسماعيل الأشقر، وخلق من شيوخ السلفي.
 قال يحيى بن مندة: كان ابن فاذشاه صاحب ضياع كثيرة، صحيح السماع، رديء المذهب.
قلت: كان يرمى بالاعتزال والتشيع.
مات في صفر، سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
ومن شعره:

سهام الشّيب نافذةٌ مصـيبة

 

وسابقة الملمّة والمصـيبة

ومن نزل المشيب بعارضيه

 

قد استوفى من الدنيا نصيبه

ذو القرنين

الأمير الكبير، الشاعر المجيد، وجيه الدولة، أبو المطاع، ذو القرنين بن حمدان ابن صاحب الموصل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التغلبي.
فمن نظمه:

إني لأحسد لا في أسطر الصّحف

 

إذا رأيت اعتناق اللاّم لـلألـف

وما أظنّها طال اعتنـاقـهـمـا

 

إلاّ لما لقيا من شدّة الشّـغـف

وكان قد سار إلى مصر، وولي الإسكندرية في دولة الظاهر بن الحاكم، ثم رجع إلى دمشق.
توفي سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

الإدريسي

القاسم بن حمود بن ميمون بن أحمد بن عبيد الله بن عمر بن إدريس ابن إدريس بن عبد الله بن حسن، العلوي الحسني الإدريسي.
ولي قرطبة سنة ثمان وأربع مئة عند قتل أخيه علي بن حمود.
وكان ساكناً وادعاً، أمن الناس به، وفيه تشيع قليل، ثم خرج عليه ابن أخيه يحيى بن علي سنة اثنتي عشرة، ففر منه القاسم إلى إشبيلية، ثم حشد، وأقبل إلى قرطبة، فهرب منه يحيى أيضاً، ثم بعد أشهر اضطرب أمر القاسم، وانهزم عنه البربر في سنة أربع عشرة، وتغلبت كل فرقة على بلد، وجرت خطوب وزلازل، ثم لحق القاسم بشريش، فقصده يحيى بن علي، وحاصره، وظفر به، وأسره، فبقي في اعتقاله دهراً، وفي اعتقال ابنه إدريس بن يحيى، فلما مات إدريس، خنقوا القاسم هذا وله ثمانون سنة، سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، ثم حمل تابوته إلى الجزيرة الخضراء، فدفن بها، وبها يومئذ ولده محمد.

الأملوكي

الشيخ أبو المعمر، المسدد بن علي الأملوكي، خطيب حمص.
سمع محمد بن عبد الرحمن الحلبي، ويوسف الميانجي، والحسين ابن خالويه، وأحمد بن عبد الكريم الحلبي، وعدة.
وعنه: أبو نصر بن طلاب، وعبد العزيز الكتاني، وأبو صالح المؤذن، وأحمد بن أبي الحديد، وولده الحسن بن أحمد، وعبد الله بن عبد الرزاق الكلاعي.
وصار في آخر إمام مسجد سوق الأحد بدمشق.
قال الكتاني: كان فيه تساهل، مات في ذي الحجة، سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.

الإسماعيلي

العلامة، مفتي جرجان، أبو معمر، المفضل بن إسماعيل بن العلامة شيخ الإسلام أبي بكر، الإسماعيلي الجرجاني الشافعي، رئيس البلد وعالمه ومحدثه.
روى عن: جده كثيراً، وحفظ القرآن وجملةً من الفقه وهو ابن سبعة أعوام، ورحل به أبوه، فأكثر عن ابن شاهين، والدارقطني، ويوسف بن الدخيل، والحافظ أبي زرعة محمد بن يوسف.
وكان ممن يضرب المثل بذكائه، روى الكثير، وأملى وعاش أخوه مسعدة بعده إلى سنة ثلاث وأربعين.
وتوفي هو في ذي الحجة، سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، بعد موت أخيه الإمام أبي العلاء بسنة.

الخولاني

شيخ المالكية، مفتي القيروان، رفيق أبي عمران الفاسي.
تفقه بأبي محمد بن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي.
تخرج به أئمة كأبي القاسم بن محرز، وأبي إسحاق التونسي، وأبي القاسم الستوري، وأبي محمد عبد الحق الصقلي، وأبي حفص العطار.
وكان رأساً في المذهب، واسع الأدب، ذا تأله وصلاح وتعبد.
مات سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
وقد دخل إلى مصر وسمع بها.

الإسماعيلي

مفتي جرجان وعالمها، أبو العلاء السري بن العلاء الكبير، أبي سعد إسماعيل ابن شيخ عصره أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل، الإسماعيلي الجرجاني الشافعي الأديب.
تفقه بأبيه، وسمع الكثير من جده، وتفرد عنه ببعض تواليفه، وسمع من ابن الغطريف، وابن شاهين، والدارقطني.
وتخرج به الفقهاء.
وكان عالم تلك الديار، متواضعاً محباً للعلماء والصلحاء.
عاش سبعين سنة وتوفي سنة ثلاثين وأربع مئة. رحمه الله.

الدبوسي

العلامة، شيخ الحنفية، القاضي أبو زيد، عبد الله بن عمر بن عيسى، الدبوسي البخاري، عالم ما وراء النهر، وأول من وضع علم الخلاف وأبرزه.
وكان من أذكياء الأمة.
وله كتاب: تقويم الأدلة، وكتاب الأسرار، وكتاب: الأمد الأقصى. وأشياء.
مات ببخارى سنة ثلاثين وأربع مئة. الحوفي

العلامة، نحوي مصر، أبو الحسن؛ علي بن إبراهيم بن سعيد، الحوفي، صاحب أبي بكر محمد بن علي الأدفوي.
له: إعراب القرآن؛ في عشر مجلدات.
تخرج به المصريون.
وتوفي سنة ثلاثين وأربع مئة.

الرازي

الحافظ الأوحد، أبو بكر؛ أحمد بن علي، الرازي ثم الإسفراييني، الزاهد الثبت.
أملى بإسفرايين عن: شافع بن محمد، وزاهر السرخسي، وأبي محمد المخلدي، وطبقتهم.
وانتقى عليه الشيوخ، وتعب وجمع.
حدث عنه: أبو صالح المؤذن.
مات كهلاً في قرب الثلاثين وأربع مئة.

البراذعي

شيخ المالكية، أبو سعيد؛ خلف بن أبي القاسم، الأزدي القيرواني المغربي المالكي، صاحب التهذيب قفي اختصار المدونة.
قال القاضي عياض: كان من كبار أصحاب ابن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي، وعلى كتابه المعول بالمغرب، سكن صقلية واشتهرت كتبه هناك، وقرب من السلطان، والله يسمح له، لم أظفر بوفاته.
قال القاضي عياض: كان مبغضاً عند أصحابه لصحبته سلاطين القيروان، ويقال: لحقه دعاء الشيخ أبي محمد، لأنه كان ينتقصه، ويطلب مثالبه.
بقي إلى بعد الثلاثين وأربع مئة.

ابن غالب

شيخ المالكية، القدوة الزاهد، أبو محمد؛ عبد الله بن غالب بن تمام، الهمداني، المغربي، شيخ أهل سبتة.
ارتحل وحمل بالأندلس عن: أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، وبمصر عن: أبي بكر بن المهندس، وطبقته، وبالقيروان عن: أبي محمد بن أبي زيد.
أخذ عنه: ولده الفقيه أبو عبد الله محمد، وإسماعيل بن حمزة، وابن جماح القاضي المالكي، وأبو محمد المسيلي.
وكان من أوعية العلم، بصيراً بالمذهب، متفنناً أديباً، بليغاً شاعراً، حافظاً نظاراً، مدار الفتاوى عليه.
مات في صفر سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.

الزهري

الفقيه العلامة، أبو طالب؛ عمر بن إبراهيم بن سعيد، الزهري الوقاصي، من ذرية صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص، بغدادي من كبار الشافعية ببغداد، ويعرف بابن حمامة.
مولده في سنة سبع وأربعين وثلاث مئة.
كتب عن: أبي بكر القطيعي، وابن ماسي، وعيسى بن محمد الرخجي، وعدة.
روى عنه: الخطيب ووثقه.
توفي سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.

جهور بن محمد

ابن جهور بن عبيد الله، رئيس قرطبة وأميرها، وصاحبها بعد هيج الفتن بالجزيرة.
نصب نفسه ممسكاً لقرطبة إلى أن يتهيأ من يصلح للملك، وعاش إحدى وسبعين سنة.
حدث عن: عباس بن أصبغ، وأبي عبد الله بن مفرج، وخلف بن القاسم.
وكان من وزراء الدولة العامرية، ومن رجال الكمال دهاءً ورأياً وسؤدداً وتصوناً.
وثب على قرطبة، وتملك من غير أن يتلقب بإمرة، ولا تحول من داره، وجعل بيوت الأموال تحت أيدي جماعة ودائع، وصير أهل الأسواق أجناداً، ورزقهم من أموال أعطاها إياهم مضاربةً، وفرق عليهم الأسلحة، وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز وهو بزي النساك.
واستمر في الأمر إلى أن مات في المحرم سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
وقام في الإمرة كذلك بعده ابنه الأمير أبو الوليد؛ محمد بن جهور.
وحدث عنه: محمد بن عتاب، وغيره.

ابن شعيب

الإمام، شيخ الشافعية، أبو علي؛ الحسن بن محمد بن شعيب، ويقال: اسمه الحسين بن شعيب، السنجي المروزي.
مصنف شرح كتاب الفروع لابن الحداد، وهو من أنفس كتب المذهب، وله: كتاب المجموع.
وهو أول من جمع بين طريقتي خراسان والعراق.
أخذ الفقه عن: أبي بكر المروزي القفال.
وكان من رفقاء القاضي حسين، وأبي محمد الجويني.
مات في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.

الطحان

الشيخ الثقة، أبو القاسم؛ عبد الباقي بن محمد بن أحمد بن زكريا، البغدادي، الطحان.
سمع أبا بكر الشافعي، وأبا علي بن الصواف.
روى عنه: الخطيب، وطاهر بن أسد الطباخ، وجماعة.
عمر ثمانياً وثمانين سنة، وتوفي في جمادى الأولى، سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.

ابن كردي

المعمر، أبو عبد الله؛ أحمد بن محمد بن علي بن كردي، البغدادي الأنماطي.
حدث عن: أبي بكر الشافعي.
روى عنه: الخطيب، وقال: لا بأس به، والفضل بن عبد العزيز القطان، وعبد الله بن محمد الحارثي.
مات في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.

ابن عباد

القاضي الكبير، أمير إشبيلية ومدبرها وحاكمها، أبو القاسم؛ محمد ابن إسماعيل بن عباد بن قريش، اللخمي، من ذرية أمير الحيرة النعمان بن المنذر، أصله من الشام من بلد العريش، فدخل أبوه الأندلس، ونشأ أبو القاسم، فبرع في العلم، وتنقلت به الأحوال، وولي قضاء إشبيلية في أيام بني حمود العلوية، فساس البلد، وحمد، ورمقته العيون، ثم سار يحيى ابن علي بن حمود، وكان ظلوماً، فحاصر إشبيلية، فاجتمع الأعيان على القاضي، وأطاعوه، ثم قالوا: انهض بناء إلى هذا الظالم، ونملكك. فأجابهم، وتهيأ للحرب، وذكرنا أن يحيى ركب إليهم سكران، فقتل، وتمكن القاضي، ودانت له الرعية، ولقب بالظافر، ثم إنه تملك قرطبة وغيرها.
وقصته مشهورة مع الشخص الذي زعم أنه المؤيد بالله المرواني، وكان خبر المرواني قد انقطع من عشرين سنة، وجرت فتن صعبة في هذه السنين، فقيل لابن عباد: إن المؤيد حي بقلعة رباح في مسجد، فطلبه، واحترمه، وبايعه بالخلافة، وصير نفسه كوزير له.
قال الأمير عزيز: حسد ابن عباد، وقالوا: قتل يحيى الإدريسي من أهل البيت، وقتل ابن ذي النون ظلماً، فبقي يفكر فيما يفعله، فجاءه رجل، فقال: رأيت المؤيد. فقال: انظر ما تقول ! قال: إي والله هو هو. وقال تومرت عبد كان يخدم المؤيد : وأنا إذا رأيت سيدي، عرفته، ولي فيه علامات. فأرسل رجلاً مع ذلك الرجل إلى قلعة رباح، فوجداه، فقدم معهما، فلما رآه تومرت، وثب، وقبل قدمه، وقال: مولاي والله ! فقبل حينئذ القاضي يده، ثم بويع، وأخرجه يوم الجمعة، ومشوا بين يديه إلى الجامع، ثم خطب المؤيد الناس، وصلى بهم، وبقي ابن عباد كالحاجب له على قاعدة الحاجب المنصور بن أبي عامر، غير أن المؤيد يخرج إلى الجمعة دائماً، ودانت له أكثر المدن.
قال عزيز: هرب المؤيد من قرطبة عام أربع مئة متنكراً حتى قدم مكة ومعه كيس جواهر، فشعر به حرامية مكة، فأخذوه منه، وبقي يومين لم يطعم، ثم عمل في الطين وتقوت، ثم توصل إلى القدس، فتعلم نسج الحصر، ثم رجع إلى الأندلس سنة 24. قال عزيز: هذا رواه مشايخ.
وقال ابن حزم: فضيحة ! أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يسمون أمير المؤمنين في وقت؛ أحدهم خلف الحصري بإشبيلية على أنه المؤيد بالله، والثاني محمد بن القاسم الإدريسي بالجزيرة الخضراء، والثالث محمد بن إدريس بن علي بن حمود بمالقة، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بن حمود بشنترين. فهذه أخلوقة لم يسمع بمثلها ! وخطب لخلف على المنابر، وسفكت الدماء، وتصادمت الجيوش، فأقام في الأمر نيفاً وعشرين سنة، وابن عباد القاضي كالوزير بين يديه.
قلت: مات القاضي في جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، ودفن بقصر إشبيلية، وخلفه ابنه المعتضد بالله عباد، فدامت دولته إلى سنة أربع وستين وأربع مئة.
وقيل: بل بقي القاضي محمد إلى سنة تسع وثلاثين، وكان يستعين بالوزير محمد بن الحسن الزبيدي، وبعيسى بن حجاج الحضرمي، وبعبد الله بن علي الهوزني، وكان له ابنان: إسماعيل قتل في مصاف، والمعتضد الذي تملك بعده.

الأردستاني

الإمام الحافظ الفقيه، أبو الحسن؛ محمد بن عبد الواحد بن عبيد الله ابن أحمد بن الفضل بن شهريار، الأردستاني، ثم الأصبهاني، مصنف كتاب الدلائل السمعية على المسائل الشرعية؛ وهو في ثلاثة أسفار.
حدث عن: أبي بكر بن المقرىء، وعبيد الله بن يعقوب بن إسحاق ابن جميل، والحسن بن علي ابن البغدادي، ومحمد بن أحمد بن جشنس، وأبي عبد الله بن مندة، وأحمد بن إبراهيم العبقسي، وأبي عمر بن مهدي، وأبي أحمد الفرضي، وإسماعيل بن الحسن الصرصري، وإبراهيم بن خرشيذ قوله، وعدة. وينزل إلى أبي نعيم الحافظ ونحوه.
وينصب الخلاف مع أبي حنيفة ومالك، وينتصر لإمامه الشافعي، ولكنه لا يتكلم على الأسانيد. وفي كتابه مخبآت تنبىء بإمامته وحفظه.
روى عنه: سليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبو علي الحداد وغيرهما.
وقع لي من حديثه في معجم الحداد.
مات بعد الثلاثين وأربع مئة.

ابن سينا

العلامة الشهير الفيلسوف، أبو علي، الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، البلخي ثم البخاري، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق. كان أبوه كاتباً من دعاة الإسماعيلية، فقال: كان أبي تولى التصرف بقرية كبيرة، ثم نزل بخارى، فقرأت القرآن وكثيراً من الأدب ولي عشر، وكان أبي ممن آخى داعي المصريين، ويعد من الإسماعيلية.
ثم ذكر مبادىء اشتغاله، وقوة فهمه، وأنه أحكم المنطق وكتاب إقليدس إلى أن قال: ورغبت في الطب، وبرزت فيه، وقرؤوا علي، وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه، وأناظر ولي ست عشرة سنةً.
ثم قرأت جميع أجزاء الفلسفة، وكنت كلما أتحير في مسألة، أو لم أظفر بالحد الأوسط في قياس، ترددت إلى الجامع، وصليت، وابتهلت إلى مبدع الكل حتى فتح لي المنغلق منه، وكنت أسهر، فمهما غلبني النوم، شربت قدحاً. إلى أن قال: حتى استحكم معي جميع العلوم، وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة، فأشكل علي حتى أعدت قراءته أربعين مرةً، فحفظته ولا أفهمه، فأيست. ثم وقع لي مجلد لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الحكمة الطبيعية، ففتح علي أغراض الكتب، ففرحت، وتصدقت بشيء كثير.
واتفق لسلطان بخارى نوح مرض صعب، فأحضرت مع الأطباء، وشاركتهم في مداواته، فسألت إذناً في نظر خزانة كتبه، فدخلت فإذا كتب لا تحصى في كل فن، فظفرت بفوائد. إلى أن قال: فلم بلغت ثمانية عشر عاماً، فرغت من هذه العلوم كلها، وكنت إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنه معي اليوم أنضج، وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء، وصنفت المجموع، فأتيت فيه على علوم، وسألني جارنا أبو بكر البرقي وكان مائلاً إلى الفقه والتفسير والزهد، فصنفت له الحاصل والمحصول في عشرين مجلدة، ثم تقلدت شيئاً من أعمال السلطان، وكنت بزي الفقهاء إذ ذاك؛ بطيلسان محنك، ثم انتقلت إلى نسا، ثم أباورد وطوس وجاجرم، ثم إلى جرجان.
قلت: وصنف الرئيس بأرض الجبل كتباً كثيرةً، منها الإنصاف؛ عشرون مجلداً، البر والإثم؛ مجلدان، الشفاء، ثمانية عشر مجلداً، القانون؛ مجلدات. الإرصاد، مجلد، النجاة، ثلاث مجلدات، الإشارات، مجلد، القولنج، مجلد، اللغة، عشر مجلدات، أدوية القلب، مجلد، الموجز مجلد، المعاد مجلد، وأشياء كثيرة ورسائل.
ثم نزل الري وخدم مجد الدولة وأمه، ثم خرج إلى قزوين وهمذان، فوز بها، ثم قام عليه الأمراء، ونهبوا داره، وأرادوا قتله، فاختفى، فعاود متوليها شمس الدولة القولنج، فطلب الرئيس، واعتذر إليه، فعالجه، فبرأ، واستوزره ثانياً، وكانوا يشتغلون عليه، فإذا فرغوا، حضر المغنون، وهيىء مجلس الشراب. ثم مات الأمير، فاختفى أبو علي عند شخص، فكان يؤلف كل يوم خمسين ورقةً، ثم أخذ، وسجن أربعة أشهر، ثم تسحب إلى أصبهان متنكراً في زي الصوفية هو وأخوه وخادمه وغلامان. وقاسوا شدائد، فبالغ صاحب أصبهان علاء الدولة في إكرامه، إلى أن قال خادمه: وكان الشيخ قوي القوى كلها، يسرف في الجماع، فأثر في مزاجه، وأخذه القولنج حتى حقن نفسه في يوم ثمان مرات، فتقرح معاه، وظهر به سحج، ثم حصل له الصرع الذي يتبع علة القولنج، فأمر يوماً بدانقين من بزر الكرفس في الحقنة، فوضع طبيبه عمداً أو خطأً زنة خمسة دراهم، فازداد السحج، وتناول مثروذيطوس لأجل الصرع، فكثره غلامه، وزاده أفيون، وكانوا قد خانوه في مال كثير، فتمنوا هلاكه، ثم تصلح، لكنه مع حاله يكثر الجماع، فينتكس، وقصد علاء الدولة همذان، فسار معه الشيخ، فعاودته العلة في الطريق، وسقطت قوته، فأهمل العلاج، وقال: ما كان يدبر بدني عجز، فلا تنفعني المعالجة. مات بهمذان بعد أيام وله ثلاث وخمسون سنة.
قال ابن خلكان: ثم اغتسل وتاب، وتصدق بما معه على الفقراء، ورد المظالم، وأعتق مماليكه، وجل يختم القرآن في كل ثلاث، ثم مات يوم الجمعة في رمضان سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
قال: ومولده في صفر سنة سبعين وثلاث مئة.
قلت: إن صح مولده، فما عاش إلا ثمانياً وأربعين سنة وأشهراً، ودفن عند سور همذان، وقيل: نقل تابوته إلى أصبهان. ومن وصية ابن سينا لأبي سعيد، فضل الله الميهني: ليكن الله تعالى أول فكر له وآخره، وباطن كل اعتبار وظاهره، ولتكن عينه مكحولةً بالنظر إليهن وقدمه موقوفةً على المثول بين يديه، مسافراً بعقله في الملكوت الأعلى وما فيه من آيات ربه الكبرى، وإذا انحط إلى قرارهن فلينزه الله في آثاره، فإنه باطن ظاهر تجلى لكل شيء بكل شيء، وتذكر نفسه، وودعها، وكان معها كأن ليس معها، فأفضل الحركات الصلاة، وأمثل السكنات الصيام، وأنفع البر والصدقة، وأزكى السر الاحتمال، وأبطل السعي الرياء، ولن تخلص النفس عن الدون ما التفتت إلى قيل وقال وجدال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما انفرج عن علم، ومعرفة الله أول الأوائل، إليه يصعد الكلم الطيب. إلى أن قال: والمشروب فيهجر تلهياً لا تشفياً، ولا يقصر في الأوضاع الشرعية، ويعظم السنن الإلهية.
قد سقت في تاريخ الإسلام أشياء اختصرتها، وهو رأس الفلاسفة الإسلامية، لم يأت بعد الفارابي مثله، فالحمد لله على الإسلام والسنة.
وله كتاب الشفاء، وغيره، وأشياء لا تحتمل، وقد كفره الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال، وكفر الفارابي.
وقال الرئيس: قد صح عندي بالتواتر ما كان بجوزجان في زماننا من أمر حديد لعله زنة مئة وخمسين مناً نزل من الهواء، فنشب في الأرض، ثم نبا نبوة الكرة، ثم عاد، فنشب في الأرض، وسمع له صوت عظيم هائل، فلما تفقدوا أمرهن ظفرا به، وحمل إلى والي جوزجان، فحاولوا كسر قطعة منه، فما عملت فيه الآلات إلا بجهد، فراموا عمل سيف منه، فتعذر. نقله في الشفاء.

ذو القرنين

الأمير الكبير، نائب دمشق، وجيه الدولة، أبو المطاع، ابن صاحب الموصل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان، التغلبي الشاعر.
ولي دمشق بعد لؤلؤ سنة إحدى وأربع مئة، وجاءته الخلع من الحاكم، ثم عزل بابن بزال، ثم ولي دمشق للظاهر بن الحاكم، ثم عزل بعد أشهر بسختكين، ثم وليها سنة خمس عشرة، ثم عزل بالدزبري بعد أربعة أعوام.
وله نظم في الذروة، وكان ابنه من خيار الدولة المصرية.
مات ذو القرنين في صفر سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وكان من أبناء الثمانين.
وله:

لو كنت ساعة بيننا ما بينـنـا

 

وشهدت حين نكرّر التّوديعـا

أيقنت أنّ من الدّموع محـدّثـاً

 

وعلمت أنّ من الحديث دموعا

ومن شعره:

أفدي الذي زرته بالسّيف مشتملاً

 

ولحظ عينيه أمضى من مضاربه

فما خلعت نجادي للعـنـاق لـه

 

إلا لبست نـجـاداً مـن ذوائبـه

فبات أسعدنا في نـيل بـغـيتـه

 

من كان في الحبّ أشقانا بصاحبه

المحاملي

الشيخ أبو عبد الله؛ أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل، الضبي المحاملي.
سمع النجاد، وأبا سهل بن زياد، ودعلجاً، وطائفة.
وعنه: الخطيب، وأبو الفضل بن خيرون، وأبو غالب الباقلاني، وآخرون.
قال الخطيب: سماعه صحيح، حدث له صمم في سنة ثمان، ومات سنة تسع وعشرين وأربع مئة، في ربيع الآخر عن ست وثمانين سنة.

ابن الحارث

الإمام أبو بكر؛ أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحارث، التميمي الأصبهاني، المقرىء النحوي، الزاهد المحدث، نزيل نيسابور.
حدث عن: أبي الشيخ بن حيان، وأبي بكر عبد الله بن محمد القباب، وأبي الحسن الدارقطني، وطائفة.
حدث عنه: البيهقي، ومحمد بن يحيى المزكي، ومنصور بن حيد، وعبد الغفار بن محمد الشيروبي، وآخرون.
وتخرج به أهل نيسابور في العربية.
مات في ربيع الأول سنة ثلاثين وأربع مئة عن إحدى وثمانين سنة، وحدث بسنن الدارقطني.

الحيري

العلامة المفسر، أبو عبد الرحمن؛ إسماعيل بن أحمد، النيسابوري، الحيري، الضرير الزاهد، أحد الأعلام.
له التصانيف في القرآن والقراءات، والحديث والوعظ، ونفع الخلق.
روى عن: زاهر السرخسي، وأبي محمد المخلدي، وحفيد ابن خزيمة، وأبي الهيثم الكشميهني.
وعنه: الخطيب، ومسعود بن ناصر.
قال الخطيب: قدم علينا، ونعم الشيخ كان، له تفسير مشهور، قرأت عليه صحيح البخاري في ثلاثة مجالس؛ ميعادان في ليلتين، وقرأت الثالث من ضحوة إلى الليل، ثم إلى طلوع الفجر.
قلت: مات سنة ثلاثين وأربع مئة وله تسع وستون سنة.

ابن رامش

المولى الكبير، متولي نيسابور، أبو عبد الله؛ منصور بن رامش بن عبد الله بن زيد، النيسابوري.
حدث بخراسان وببغداد والحرم ودمشق عن: أبي الفضل عبيد الله الزهري، وأبي الطيب محمد بن الحسين التيملي، وعبيد الله بن محمد الفامي، والدارقطني، وأبي ممد المخلدي، وعدة.
روى عنه: الخطيب، والكتاني، والحسن بن أبي الحديد، وأبو الفضل بن الفرات، ومحمد بن علي المطرز.
وكان صدراً معظماً، ثقةً، محدثاً كثير الرواية، وجه بوقر من مسموعاته، وتفرد بأشياء.
قال عبد الغافر بن إسماعيل في السياق: كنيته أبو نصر الرئيس، السلار الغازي، رجل من الرجال، وداه من الدهاة، ولي رئاسة نيسابور في دولة محمود، وترتيب نيسابور بعدله وإنصافه، ثم حج وجاور سنتين، ثم عاد فولي البلد، فلم يتمكن من العدل، فاستعفى، ولزم العبادة، وكان ثقةً.
توفي في رجب سنة سبع وعشرين وأربع مئة.

ابن المغلس

الأستاذ اللغوي، أبو محمد، عبد العزيز بن أحمد بن السيد بن مغلس، القيسي الأندلسي، نزيل مصر، من أئمة الأدب.
وله نظم بديع، وهو القائل:

مريض الجفون بلا علّةٍ

 

ولكنّ قلبي به ممرض

وما زار شوقاً ولكن أتى

 

يعرّض لي أنّه معرض

أخذ عن: صاعد بن الحسن الربعي وغيره.
توفي سنة سبع وعشرين وأربع مئة.

المعتلي

أمير الأندلس، أبو زكريا؛ يحيى بن علي بن حمود، الحسني الإدريسي المغربي، الملقب بالمعتلي بالله.
توثب على عمه الأمير القاسم بن حمود، وزحف إليه من مالقة، وتملك قرطبة، ثم تراجع أمر القاسم، واستمال البربر، وحشد وقصد قرطبة في سنة ثلاث عشرة وأربع مئة، ففر المعتلي إلى مالقة، ثم اضطرب أمر القاسم بعد يسير، وتغلب المعتلي على الجزيرة الخضراء، وكانت أمه علوية أيضاً، ثم تلقب بأمير المؤمنين، واستفحل أمره، وتسلم قرطبة ثانياً، وتسلم القلاع قبل سنة عشرين، ثم حاصر إشبيلية، وكبيرها القاضي محمد ابن إسماعيل بن عباد، فبرز عدة فوارس للمبارزة، فساق لقتالهم المعتلي بنفسه وهو مخمور، فقتلوه في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مئة، فقام بعده ولده إدريس.
واتفق في العام موت الأمير المعتد بالله أبي بكر هشام بن محمد بن عبد الملك بن الناصر المرواني، وكان قد بويع، ونهض بأمره عميد قرطبة أبو الحزم جهور بن محمد، فعقدوا له في سنة ثمان عشرة، وبقي متردداً في الثغور ثلاث سنين، وثارت فتن وبلايا واضطراب، ثم خلعه الجند، وأهين، فالتجأ إلى ابن هود بسرقسطة إلى أن مات عن ثلاث وستين سنة، فهو آخر المروانية.

ابن شهاب

الإمام العلامة الأوحد، الكاتب المجود، أبو علي؛ الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي، العكبري، الفقيه الحنبلي.
مولده سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة.
وطلب الحديث في رجوليته، فسمع من: أبي علي بن الصواف، وأبي بكر بن خلاد، وأبي بكر القطيعي، وحبيب بن الحسن القزاز، فمن بعدهم.
وبرع في المذهب، وكان من أئمة الفقه والعربية والشعر وكتابة المنسوب.
وثقة أبو بكر البرقاني.
وحدث عنه: أبو بكر الخطيب، وعيسى بن أحمد الهمذاني.
وكان يضرب المثل بحسن كتابته.
قال الخطيب: حدثنا عيسى بن أحمد قال: قال لي أبو علي بن شهاب يوماً: أرني خطك، فقد ذكر لي أنك سريع الكتابة، فنظر فيه، فلم يرضه، ثم قال لي: كسبت في الوراقة خمسةً وعشرين ألف درهم راضية، كنت أشتري كاغداً بخمسة دراهم، فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال، وأبيعه بمئتي درهم، وأقله بمئة وخمسين درهماً، وكذلك كتب الأدب المطلوبة.
قال الأزهري: أوصى بالثلث لفقهاء الحنابلة، فلم يعطوا شيئاً، أخذ السلطان من تركته ألف دينار سوى العقار.
مات ابن شهاب في رجب سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

ابن باكويه

الإمام الصالح المحدث، شيخ الصوفية؛ أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن باكويه، الشيرازي.
ولد سنة نيف وأربعين وثلاث مئة.
وطلب هذا الشأن، وارتحل فيه. وسمع محمد بن خفيف الزاهد، ومحمد بن ناصح الكرجي، وأبا أحمد بن عدي، وأبا بكر الإسماعيلي، وأبا يعقوب النجيرمي، وأبا بكر القطيعي، وأبا الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي، وعلي بن عبد الرحمن البكائي الكوفي، ومغيرة بن عمرو المكي، وإسماعيل بن محمد البلخي الفراء، وأبا بكر بن المقرىء، وأبا بكر يوسف بن القاسم الميانجي، ولقي ببخارى أبا بكر محمد بن القاسم الفارسي.
حدث عنه: أبو القاسم القشيري، وعبد الواحد ولد القشيري، وأبو بكر بن خلف الشيرازي، وعبد الوهاب بن أحمد الثقفي، وعلي بن أبي صادق الحيري، وعبد الغفار بن محمد الشيروبي، وآخرون.
وقع لي جزء من حديثه، وله تصانيف وجموع.
قال أبو صالح المؤذن: نظرت في أجزاء أبي عبد الله بن باكويه، فلم أجد عليها آثار السماع، وأحسن ما سمعت عليه الحكايات.
قال الحسين بن محمد الكتبي: مات سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.

أبو عمران الفاسي

الإمام الكبير، العلامة، عالم القيروان، أبو عمران؛ موسى بن عيسى بن أبي حاج يحج، البربري، الغفجومي الزناتي، الفاسي المالكي، أحد الأعلام.
تفقه بأبي الحسن القابسي، وهو أكبر تلامذته، ودخل إلى الأندلس، فتفقه بأبي محمد الأصيلي. وسمع من عبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، وأحمد بن القاسم التاهرتي.
قال أبو عمر بن عبد البر: كان صاحبي عندهم، وأنا دللته عليهم.
قلت: حج غير مرة، وأخذ القراءات ببغداد عن أبي الحسن الحمامي، وغيره، وسمع من أبي الفتح بن أبي الفوارس، والموجودين، وأخذ علم العقليات عن القاضي أبي بكر بن الباقلاني في سنة تسع وتسعين وسنة أربع مئة.
قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أعلم الناس وأحفظهم، جمع حفظ الفقه إلى الحديث ومعرفة معانيه، وكان يقرأ القراءات ويجودها، ويعرف الرجال والجرح والتعديل، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب، لم ألق أحداً أوسع علماً منه، ولا أكثر روايةً.
قال ابن بشكوال: أقرأ الناس بالقيروان، ثم ترك ذلك، ودرس الفقه، وروى الحديث.
قال ابن عبد البر: ولدت مع أبي عمران في سنة ثمان وستين وثلاث مئة.
قال أبو عمرو الداني: توفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربع مئة.
قلت: تخرج بهذا الإمام خلق من الفقهاء والعلماء.
وحكى القاضي عياض قال: حدث في القيروان مسألة في الكفار؛ هل يعرفون الله تعالى أم لا ؟ فوقع فيها اختلاف العلماء، ووقعت في ألسنة العامة، وكثر المراء، واقتتلوا في الأسواق إلى أن ذهبوا إلى أبي عمران الفاسي، فقال: إن أنصتم، علمتكم. قالوا: نعم. قال: لا يكلمني إلا رجل، ويسمع الباقون. فنصبوا واحداً، فقال له: أرأيت لو لقيت رجلاً، فقلت له: أتعرف أبا عمران الفاسي ؟ قال: نعم. فقلت له: صفه لي. قال: هو بقال في سوق كذا، ويسكن سبتة، أكان يعرفني؟ فقال: لا. فقال: لو لقيت آخر فسألته كما سألت الأول، فقال: أعرفه، يدرس العلم، ويفتي، ويسكن بغرب الشماط، أكان يعرفني ؟ قال: نعم. قال: فكذلك الكافر قال: لربه صاحبة وولد، وأنه جسم، فلم يعرف الله ولا وصفه بصفته بخلاف المؤمن. فقالوا: شفيتنا. ودعوا له، ولم يخوضوا بعد في المسألة. قلت: المشركون والكتابيون وغيرهم عرفوا الله تعالى بمعنى أنهم لم يجحدوه، وعرفوا أنه خالقهم، قال تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللّه" الزخرف وقال: "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفي اللّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّمواتِ والأَرْضِ" إبراهيم فهؤلاء لم ينكروا البارىء، ولا جحدوا الصانع، بل عرفوه، وإنما جهلوا نعوته المقدسة، وقالوا عليه ما لا يعلمون، والمؤمن فعرف ربه بصفات الكمال، ونفى عنه سمات النقص في الجملة، وآمن بربه، وكف عما لا يعلم، فبهذا يتبين لك أن الكافر عرف الله من وجه، وجهله من وجوه، والنبيون عرفوا الله تعالى، وبعضهم أكمل معرفةً لله، والأولياء فعرفوه معرفةً جيدة، ولكنها دون معرفة الأنبياء، ثم المؤمنون العالمون بعدهم، ثم الصالحون دونهم. فالناس في معرفة ربهم متفاوتون، كما أن إيمانهم يزيد وينقص، بل وكذلك الأمة في الإيمان بنبيهم والمعرفة له على مراتب، فأرفعهم في ذلك أبو بكر الصديق مثلاً، ثم عدد من السابقين، ثم سائر الصحابة، ثم علماء التابعين، إلى أن تنتهي المعرفة به والإيمان به إلى أعرابي جاهل وامرأة من نساء القرى، ودون ذلك. وكذلك القول في معرفة الناس لدين الإسلام.

بشرى

ابن مسيس، وهو ابن عبد الله، الشيخ المعمر، الصالح الصادق المسند، أبو الحسن، الرومي الفاتني؛ مولى فاتن الأمير، مولى المطيع لله.
أسر من أرض الروم وهو أمرد، فحكى قال: أهداني بعض بني حمدان إلى فاتن، فأدبني، وأسمعني، ثم ورد أبي إلى بغداد سراً ليتلطف في أخذي، فلما رآني على تلك الصفة من الإسلام والاشتغال بالعلم، يئس مني، ورجع.
حدث عن: أبي بكر بن الهيثم الأنباري، ومحمد بن بدر الحمامي، وعمر بن محمد بن حاتم الترمذي، وسعد بن محمد الصيرفي، ومحمد بن حميد المخرمي، وابن سلم الختلي، والحافظ أبي محمد بن السقاء، وأبي يعقوب النجيرمي، وأبي بكر القطيعي، وطائفة.
حدث عنه: الخطيب، وخالد بن عبد الواحد التاجر، وهبة الله بن أحمد الموصلي، والأمير أبو نصر ابن ماكولا، وأبو القاسم بن بيان الرزاز، وأبو ياسر أحمد بن بندار، وعدة.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً صالحاً، توفي يوم عيد الفطر سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
قلت: مات في عشر المئة.
قال الخطيب: حدثني أن أباه ورد بغداد سراً ليتلطف في أخذه، قال: فلما رآني على تلك الحالة من الاشتغال بالعلم والمثابرة على لقاء الشيوخ، علم ثبوت الإسلام في قلبي، فانصرف.
وفيها مات أبو علي الحسن بن الحسين بن دوما النعالي، والقاضي أبو عمرو سيار بن يحيى الهروي والد صاعد، والقاضي أبو العلاء صاعد بن محمد الأستوائي، وأبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك، وعبد الرحمن بن عبد العزيز ابن الطبيز بدمشق، وعثمان بن أحمد القيشطالي، ومحمد بن أحمد التميمي الجواليقي، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الأعرج، وأبو منصور محمد بن عيسى الهمذاني، ومحمد بن الفضل بن نظيف الفراء، والمسدد بن علي الأملوكي، والمفضل بن إسماعيل بن أبي بكر الإسماعيلي، ومحمد بن عوف المزني بدمشق.

محمد بن عوف

ابن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن، الإمام المحدث الحجة، أبو الحسن المزني الدمشقي. وكان تكنى قديماً بأبي بكر، فلما منعت الدولة العبيدية من التكني بذلك، تكنى بأبي الحسن.
حدث عن أبي علي الحسن بن منير، وأبي علي بن أبي الرمرام، ومحمد بن معيوف، والفضل بن جعفر المؤذن، والقاضي يوسف الميانجي، وأبي سليمان بن زبر، وعدة.
حدث عنه: عبد العزيز الكتاني، والحسن بن أحمد بن أبي الحديد، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وأبو الطاهر بن أبي الصقر الأنباري، والفقيه نصر ابن إبراهيم، وعلي بن بكار الصوري، وسعد بن علي الزنجاني، وآخرون.
قال الكتاني: كان شيخاً ثقةً نبيلاً مأموناً، توفي في ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة.
قلت: كان من أبناء التسعين أو دونها.
 أخبرنا محمد بن علي الصالحي، أخبرنا الحسن بن علي بن الحسين ابن الحسن الأسدي سنة عشرين وست مئة، أخبرنا جدي، أخبرنا الحسن بن أحمد بن عبد الواحد، أخبرنا محمد بن عوف، أخبرنا الفضل بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم بن الرواس، حدثنا عبد الرحمن بن إسماعيل ابن يحيى، حدثني الوليد بن محمد قال: قال الزهري: حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي، فيأتيها والشمس مرتفعة.
العوالي عن المدينة: أربعة أميال.

ابن المزكي

المحدث الصادق المعمر، أبو عبد الله، محمد بن المحدث أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه، النيسابوري المزكي، أحد الإخوة الخمسة وهو أصغرهم.
حدث عن: والده أبي إسحاق المزكي، وأبي العباس محمد بن إسحاق الصبغي، وحامد بن محمد الرفاء، وأبي عمرو بن مطر، ويحيى بن منصور القاضي، وأبي بكر بن الهيثم الأنباري، وأبي بحر البربهاري، وأبي بكر عبد الله بن يحيى الطلحي، وعدة.
وانتقى عليه أحمد بن علي بن منجويه الحافظ، وأبو حازم العبدويي، وكان صحيح الأصول.
قال عبد الغافر الفارسي: كان أبي يتأسف على فوات السماع منه، وقد أخبرنا عنه أخوالي؛ أبو سعد، وأبو سعيد، وأبو منصور، ونافع بن محمد الأبيوردي، وفلان الشقاني، وأبو بكر محمد بن يحيى المزكي بن أخيه، وعلي بن عبد الرحمن العثماني.
قلت: وأبو سعد علي بن عبد الله بن أبي صادق، وعبد الغفار بن محمد الشيروبي، وآخرون.
مات سنة سبع وعشرين وأربع مئة، وكان من أبناء الثمانين، رحمه الله.

القرشي

الإمام المسند العدل، أبو عثمان؛ سعيد بن العباس بن محمد بن علي بن سعيد، القرشي الهروي.
سمع أبا علي حامد بن محمد الرفاء، وأبا حامد بن حسنويه، وأبا الفضل بن خميرويه، ومنصور بن العباس البوشنجي، وجماعةً تفرد بالرواية عنهم.
وانتخب عليه الحافظ أبو يعقوب القراب أجزاء كثيرةً.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، ومحمد بن علي العميري، وآخرون.
عاش أربعاً وثمانين سنة. مات في المحرم سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة.
وكان من سروات الرجال وبقايا المسندين بهراة.

النصرويي

الشيخ الجليل، الإمام المحدث، أبو سعد، عبد الرحمن بن حمدان بن محمد بن حمدان بن نصرويه، النصرويي بصاد مهملة النيسابوري.
رحل وكتب الكثير، وروى مسند إسحاق وغير ذلك.
حدث عن: أبي عمرو بن نجيد، وأبي الحسن السراج، وأبي محمد ابن ماسي، ومحمد بن أحمد المفيد، وأبي بكر القطيعي، وأبي عبد الله العصمي، وطبقتهم.
حدث عنه: الخطيب، والبيهقي، وأبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمويه، وعبد الغفار الشيرويي، وعدة. وسماعه لمسند إسحاق من عبد الله بن محمد بن زياد السمذي.
مات في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وأبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الطيان بدمشق، وأبو نصر أحمد بن الحسين الكسار، وأبو عثمان سعيد بن العباس القرشي الهروي، وأبو الحسن علي بن محمد بن السمسار، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن الباجي، والسلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، وقاضي إشبيلية الملك محمد بن إسماعيل بن عباد، وأحمد بن محمد بن فاذشاه، وأبو القاسم علي بن محمد الزيدي؛ شيخ حران.

أبو ذر الهروي

الحافظ الإمام المجود، العلامة، شيخ الحرم، أبو ذر؛ عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير بن محمد، المعروف ببلده بابن السماك، الأنصاري الخراساني الهروي المالكي، صاحب التصانيف، وراوي الصحيح عن الثلاثة: المستملي، والحموي، والكشميهني.
قال: ولدت سنة خمس أو ست وخمسين وثلاث مئة.
سمع أبا الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه، وبشر بن محمد المزني، وعدةً بهراة، وأبا بكر هلال بن محمد بن محمد، وشيبان بن محمد الضبعي بالبصرة، وعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وأبا عمر بن حيويه، وعلي بن عمر السكري، وأبا الحسن الدارقطنين وطبقتهم ببغداد، وعبد الوهاب الكلابي ونحوه بدمشق، وأبا مسلم الكاتب وطبقته بمصر، وزاهر ابن أحمد الفقيه بسرخس، وأبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي ببلخ، وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عثمان الدينوري، وغيره بمكة. وألف معجماً لشيوخه، وحدث بخراسان وبغداد والحرم. حدث عنه: ابنه أبو مكتوم عيسى، وموسى بن علي الصقلي، وعلي ابن محمد بن أبي الهول، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو عمران موسى بن أبي حاج الفارسي، وأبو العباس بن دلهاث، ومحمد بن شريح، وأبو عبد الله بن منظور، وعبد الله بن الحسن التنيسي، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وعلي بن بكار الصوري، وأحمد بن محمد القزويني، وأبو الطاهر إسماعيل بن سعيد النحوي، وعبد الله بن سعيد الشنتجالي، وعبد الحق بن هارون السهمي، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وعلي بن عبد الغالب البغدادي، وأبو بكر أحمد بن علي الطريثيثي، وأبو شاكر أحمد ابن علي العثماني، وعنده عنه فرد حديث، وعدة.
وروى عنه بالإجازة: أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر الخطيب، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون الخولاني المتوفى في سنة ثمان وخمس مئة.
أخبرنا المسلم بن محمد في كتابه، عن القاسم بن علي، أخبرنا أبي، أخبرنا علي بن أحمد الجرباذقاني بهراة وأخبرنا أبو الحسن الغرافي، أخبرنا علي بن روزبه ببغداد، أخبرنا أبو الوقت السجزي قالا: أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري قال: عبد بن أحمد السماك الحافظ صدوق، تكلموا في رأيه، سمعت منه حديثاً واحداً عن شيبان بن محمد الضبعي، عن أبي خليفة، عن علي بن المديني حديث جابر بطوله في الحج قال لي: اقرأه علي حتى تعتاد قراءة الحديث، وهو أول حديث قرأته على الشيخ، وناولته الجزء، فقال: لست على وضوء، فضعه.
قال أبو ذر: سمعت الحديث من ابن خميرويه.
قلت: هو أقدم شيخ له.
قال: ودخلت على أبي حاتم بن أبي الفضل قبل ذلك، وسمعته يملي يقول: حدثنا الحسين بن إدريس، قال أبو بكر الخطيب: قدم أبو ذر بغداد، وحدث بها وأنا غائب، وخرج إلى مكة، وجاور، ثم تزوج في العرب، وأقام بالسروات، فكان يحج كل عام، ويحدث، ثم يرجع إلى أهله، وكان ثقةً ضابطاً ديناً، مات بمكة في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
وقال الأمين ابن الأكفاني: حدثني أبو علي الحسين بن أبي حريصة قال: بلغني أن أبا ذر مات سنة أربع بمكة، وكان على مذهب مالك ومذهب الأشعري.
قلت: أخذ الكلام ورأي أبي الحسن عن القاضي أبي بكر بن الطيب، وبث ذلك بمكة، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب، والأندلس، وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام، بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية، ولا يخوضون في المعقولات، وعلى ذلك كان الأصيلي، وأبو الوليد بن الفرضي، وأبو عمر الطلمنكي، ومكي القيسي، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، والعلماء.
وقد مدح إسماعيل بن سعيد النحوي أبا ذر بقصيدة.
قال أبو الوليد الباجي في كتاب اختصار فرق الفقهاء من تأليفه، في ذكر القاضي ابن الباقلاني: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته: من أين لك هذا ؟ قال: إني كنت ماشياً ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك ؟ فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي، كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه. قلت: هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان، وبالحضرة رؤوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألف كتاباً سماه: الإبانة، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً ؟ قال: قوله: "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" الرحمن وقوله: "ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" فأثبت تعالى لنفسه وجهاً ويداً. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان ؟ قيل: معاذ الله ! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم تزل ولا يزال موصوفاً بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب التمهيد له، وفي كتاب الذب عن الأشعري وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.
قلت: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، نسأل الله العفو.
ولأبي ذر الهروي مصنف في الصفات على موال كتاب أبي بكر البيهقي بحدثنا وأخبرنا.
قال الحسن بن بقي المالقي: حدثني شيخ قال: قيل لأبي ذر: أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي أبي الحسن ؟ قال: قدمت بغداد. فذكر نحواً مما تقدم في ابن الطيب. قال: فاقتديت بمذهبه.
قال عبد الغافر بن إسماعيل في تاريخ نيسابور: كان أبو ذر زاهداً، ورعاً عالماً، سخياً لا يدخر شيئاً، وصار من كبار مشيخة الحرم، مشاراً إليه في التصوف، خرج على الصحيحين تخريجاً حسناً، وكان حافظاً، كثير الشيوخ.
قلت: له مستدرك لطيف في مجلد على الصحيحين علقت منه، يدل على معرفته، وله كتاب السنة، وكتاب الجامع، وكتاب الدعاء، وكتاب فضائل القرآن، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب شهادة الزور، وكتاب العيدين. الكل بأسانيده، وله كتاب فضائل مالك، كبير، وكتاب الصحيح المسند المخرج على الصحيحين، ومسانيد الموطأ وكرامات الأولياء، والمناسك، والربا، واليمين الفاجرة، وكتاب مشيخته، وأشياء. وهذه التواليف لم أرها، بل سماها القاضي عياض.
وقال علي بن المفضل الحافظ: روى لنا السلفي شيخنا أحاديث عن أبي بكر الطريثيثي بسماعه من أبي ذر، وعن أبي شاكر العثماني حديثاً واحداً بسماعه منه. وسمعنا من السلفي جميع صحيح البخاري بإجازته من أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر، وكان شيخنا أبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري سمع الكتاب بمكة من أبي مكتوم، فسمعت عليه أكثره، وأجاز لي ما بقي من آخره، وآخر من حدث عن أبي مكتوم أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الأنصاري بمكة، وأجازه لي.
قال: وقرأت الكتاب كله على شيخنا أبي طالب صالح بن سند بسماعه من الطرطوشي، عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، وقرأته على أبي القاسم مخلوف بن علي القروي، عن أبي الحجاج يوسف بن نادر اللخمي، عن علي بن سلمان النقاش، عن أبي ذر، عن شيوخه الثلاثة.
قال الحافظ أبو علي الغساني: أخبرنا أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد الباجي، أخبرنا أبي أن الفقيه أبا عمران الفاسي مضى إلى مكة، وقد كان قرأ على أبي ذر شيئاً، فوافق أبا ذر في السراة موضع سكناه، فقال لخازن كتبه: أخرج إلي من كتب الشيخ ما أنسخه ما دام غائباً، فإذا حضر، قرأته عليه. فقال الخازن: لا أجترىء على هذا، ولكن هذه المفاتيح إن شئت أنت، فخذ وافعل ذلك. فأخذها، وأخرج ما أراد، فسمع أبو ذر بالسراة بذلك، فركب، وطرق مكة، وأخذ كتبه، وأقسم أن لا يحدثه. فلقد أخبرت أن أبا عمران كان بعد إذا حدث عن أبي ذر، يوري عن اسمه، فيقول: أخبرنا أبو عيسى. وبذلك كانت العرب تكنيه باسم ولده.
قلت: قد مات أبو عمران الفاسي قبل أبي ذر، وكان قد ألقي القاضي ابن الباقلاني والكبار، وما لانزعاج أبي ذر وجه، والحكاية دالة على زعارة الشيخ والتلميذ رحمهما الله. وكان ولده أبو مكتوم يحج من السراة، ويروي، إلى أن قدم فلان المرابط من أمراء المغرب، فجاور وسمع صحيح البخاري من أبي مكتوم، وأعطاه ذهباً جيداً، فأباعه نسخة الصحيح، وذهب بها إلى المغرب. وحج أبو مكتوم في سنة سبع وتسعين وأربع مئة وله بضع وثمانون سنة، وحج فيها أبو طاهر السلفي، وأبو بكر السمعاني، وجمعهم الموقف، فقال السمعاني للسلفي: اذهب بنا نسمع منه. قال السلفي: فقلت له: دعنا نشتغل بالدعاء، ونجعله شيخ مكة. قال: فاتفق أنه نفر من منى في النفر الأول مع السرويين وذهب، وفاتهما الأخذ عنه. قال السلفي: فلامني ابن السمعاني، فقلت: أنت قد سمعت الصحيح مثله من أبي الخير بن أبي عمران صاحب الكشميهني، وما كان معه من مروياته سواه.
قلت: ولم يسمع لأبي مكتوم بعد هذا العام بذكر ولا ورخ لنا موته.
وقد أرخ القاضي عياض موت أبي ذر في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، والصواب: في سنة أربع.
قال أبو علي بن سكرة: توفي عقب شوال.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا أحمد بن طاووس سنة 617، أخبرنا حمزة بن كروس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد كتابةً، أن بشر بن محمد المزني حدثهم إملاء، حدثنا الحسين بن إدريس، حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي، حدثنا الوليد بن الوليد، حدثنا ابن ثوبان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الجنة لتزخرف لرمضان من رأس الحول، فإذا كان أول يوم من شهر رمضان، هبت ريح من تحت العرش، فشققت ورق الجنة عن الحور العين، فقلن: يا رب ! اجعل لنا من عبادك أزواجاً تقربهم أعيننا، وتقر أعينهم بنا.
قال الفقيه نصر: تفرد به الوليد بن الوليد العنسي، وقد تركوه.
قلت: وهاه الدارقطني، وقواه أبو حاتم الرازي.
وفيها أعني سنة أربع توفي شعيب بن عبد الله بن المنهال بمصر، وأبو طالب عمر بن إبراهيم الزهري، وهارون بن محمد بن أحمد بن هارون في رمضان.

محمد بن عيسى

ابن عبد العزيز بن الصباح، الإمام المحدث، الرئيس الأوحد، شيخ همذان، أبو منصور الهمذاني الصوفي، العبد الصالح.
حدث عن: الحافظ صالح بن أحمد، وجبريل العدل، والهمذانيين، وسهل بن أحمد الديباجي، وابن المظفر، ومحمد بن إسحاق القطيعي، والبغداديين، وأبي بكر بن المقرىء، والأصبهانيين، ويوسف بن أحمد بن الدخيل المكي، وطبقتهم.
قال شيرويه في تاريخه: حدثنا عنه أبو طالب العلوي، وأبو الفضل القومساني، ومحمد بن حسين، ومحمد بن طاهر، ويحيى وثابت ابنا الحسين بن شراعة، ونصر بن محمد المؤذن، وعبدوس بن عبد الله.
قال: وكان صدوقاً ثقةً، وكان متواضعاً رحيماً، يصلي آناء الليل والنهار، حج نيفاً وعشرين حجةً، ووقف الضياع والحوانيت على الفقراء، وأنفق أموالاً لا تحصى على وجوه البر، وتوفي في رمضان سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، وكانت الترك الغز قد أغاروا على همذان، فصودر محمد بن عيسى حتى سلم إليهم جميع ما يملك، وبقي فقيراً محتاجاً عليلاً ذليلاً في الخانقاه، ثم قضى نحبه، وكان مولده في سنة أربع وخمسين وثلاث مئة.
قلت: ومن الرواة عنه الحافظ أبو بكر الخطيب.

المستغفري

الإمام الحافظ المجود المصنف، أبو العباس، جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح بن إدريس، المستغفري النسفي.
مؤلف كتاب معرفة الصحابة، وكتاب الدعوات، وكتاب دلائل النبوة، وكتاب فضائل القرآن، وكتاب الشمائل، وكتاب خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب تاريخ نسف، وكتاب الطب، وكتاب تاريخ كش، وغير ذلك.
حدث عن: زاهر بن أحمد السرخسي، وإبراهيم بن لقمان، وأبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وعلي بن محمد بن سعيد السرخسي، وجعفر بن محمد البخاري، وخلق كثير. ولم يرحل إلى العراق فيما أعلم.
حدث عنه: الحسن بن عبد الملك النسفي، وأبو نصر أحمد بن جعفر الكاسني، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، والخطيب إسماعيل بن محمد النوحي، وآخرون.
وكان محدث ما وراء النهر في زمانه.
مولده بعد الخمسين وثلاث مئة بيسير.
ومات بنسف سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة عن ثمانين سنة، رحمه الله. وفيها مات حماد بن عمار القرطبي عن مئة عام، وأبو القاسم عبد الباقي بن محمد الطحان، وأبو حسان محمد بن أحمد بن جعفر المزكي، وأحمد بن محمد بن يوسف بن مزدة المقرىء، وإبراهيم بن محمد بن إبراهيم؛ سبط أبي مسلم الجلاب، وأبو العلاء صاعد بن محمد بنيسابور على الأصح، وأبو بكر محمد بن عمر بن بكير المقرىء.

الحنائي

الإمام القدوة الحافظ المقرىء، شيخ الإسلام، أبو الحسن؛ علي بن محمد بن إبراهيم بن حسين، الدمشقي الحنائي الزاهد.
حدث عن: عبد الوهاب الكلابي، وأبي بكر بن أبي الحديد، وأبي الحسين بن جميع، وابن فراس المكي، وأحمد بن ثرثال، وأبي محمد بن النحاس، بالحرمين ومصر والشام. وجمع، وصنف معجماً لنفسه في مجلد.
حدث عنه: أبو سعد السمان، وعبد العزيز الكتاني، وسعد بن علي الزنخاني، وسعد الله بن صاعد الرحبي، وآخرون. وكان كبير الشأن.
قال عبد العزيز الكتاني: توفي شيخنا وأستاذنا أبو الحسن الحنائي؛ الشيخ الصالح في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وأربع مئة. وولد سنة سبعين وثلاث مئة. كتب الكثير، وكان من العباد، وكانت له جنازة عظيمة، ما رأيت مثلها ! ولم يزل يحمل من بعد صلاة الجمعة إلى قريب العصر، وانحل كفنه.
قال أبو علي الأهوازي: دفن بباب كيسان.
قلت: هو أخو أبي القاسم الحسين الحنائي، وعم الشيخ أبي طاهر محمد بن الحسين شيخ السلفي.

الطلمنكي

الإمام المقرىء المحقق المحدث الحافظ الأثري، أبو عمر؛ أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي عيسى لب بن يحيى، المعافري الأندلسي الطلمنكي. وطلمنك بفتحات ونون ساكنة: مدينة استولى عليها العدو قديماً.
كان من بحور العلم، وأول سماعه في سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
حدث عن: أبي عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، وأبي بكر الزبيدي، وأبي الحسن بن بشر الأنطاكي، وأبي جعفر أحمد بن عون الله، وأبي عبد الله بن مفرج، وأبي محمد الباجي، وخلف بن محمد الخولاني، وعدة، وأبي بكر أحمد بن محمد المهندس بمصر، ومحمد بن يحيى بن عمار بدمياط، وأبي الطيب بن غلبون، وأبي القاسم عبد الرحمن الجوهري، وأبي بكر محمد بن علي الأدفوي، والفقيه أبي محمد بن أبي زيد، وأبي جعفر أحمد بن رحمون، ويحيى بن الحسين المطلبي لقيه بالمدينة، وأبي الطاهر محمد بن محمد العجيفي، وأبي العلاء بن ماهان، وخلق كثير.
حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وعبد الله بن سهل المقرىء وعدة.
أدخل الأندلس علماً جماً نافعاً، وكان عجباً في حفظ علوم القرآن: قراآته ولغته وإعرابه وأحكامه ومنسوخه ومعانيه. صنف كتباً كثيرةً في السنة يلوح فيها فضله وحفظه وإمامته واتباعه للأثر.
قال أبو عمر الداني: أخذ القراءة عن الأنطاكي، وابن غلبون، ومحمد بن الحسين بن النعمان.
قال: وكان فاضلاً ضابطاً، شديداً في السنة.
وقال ابن بشكوال: كان سيفاً مجرداً على أهل الأهواء والبدع، قامعاً لهم، غيوراً على الشريعة، شديداً في ذات الله، أقرأ الناس محتسباً، وأسمع الحديث، والتزم للإمامة بمسجد منعة، ثم خرج، وتحول في الثغر، وانتفع الناس بعلمه، وقصد بلده في آخر عمره، فتوفي بها. أخبرنا إسماعيل بن عيسى بن محمد بن بقي الحجاري، عن أبيه قال: خرج أبو عمر الطلمنكي علينا، ونحن نقرأ عليه، فقال: رأيت البارحة في منامي من ينشدني:

اغتنموا البرّ بشيخٍ ثـوى

 

ترحمه السّوقة والصّيد

قد ختم العمر بعيدٍ مضى

 

ليس له من بعده عـيد

فتوفي في ذلك العام في ذي الحجة، سنة تسع وعشرين وأربع مئة.
قلت: عاش تسعين عاماً سوى أشهر، وقد امتحن لفرط إنكاره، وقام عليه طائفة من أضداده، وشهدوا عليه بأنه حروري يرى وضع السيف في صالحي المسلمين، وكان الشهود عليه خمسة عشر فقيهاً، فنصره قاضي سرقسطة؛ في سنة خمس وعشرين وأربع مئة، وأشهد على نفسه بإسقاط الشهود، وهو القاضي محمد بن عبد الله بن قرنون.
وحدث عنه أيضاً قاضي سرقسطة عبد الله بن محمد بن إسماعيل، وقاضي المرية محمد بن خلف بن المرابط، والخطيب محمد بن يحيى العبدري. رأيت له كتاباً في السنة في مجلدين عامته جيد، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبداً مثل: باب الجنب لله، وذكر فيه: "يا حَسْرَتى على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللّه" الزمر فهذه زلة عالم، وألف كتاباً في الرد على الباطنية، فقال: ومنهم قوم تعبدوا بغير علم، وزعموا أنهم يرون الجنة كل ليلة، ويأكلون من ثمارها، وتنزل عليهم الحور العين، وأنهم يلوذون بالعرش، ويرون الله بغير واسطة، ويجالسونه.

ابن مغيث

الإمام الفقيه المحدث، شيخ الأندلس، قاضي القضاة، بقية الأعيان، أبو الوليد؛ يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن محمد بن عبد الله ابن الصفار، القرطبي.
ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة.
وحدث بسنن النسائي وغيره عن: أبي بكر محمد بن معاوية المرواني ابن الأحمر، وعن أبي عيسى الليثي راوية الموطأ، وإسماعيل ابن بدر، وأحمد بن ثابت التغلبي، وتميم بن محمد القروي، ومحمد بن إسحاق بن السليم القاضي، وتفقه بالقاضي أبي بكر بن زرب، وروى أيضاً عن خلق منهم: أبو بكر بن القوطية، ويحيى بن مجاهد، وأبو جعفر ابن عون الله، وعني بالحديث جداً، وأجاز له من مصر الحسن بن رشيق، ومن العراق أبو الحسن الدارقطني.
ولي خطابة مدينة الزهراء مدةً، ثم ولي القضاء والخطابة بقرطبة مع الوزارة، ثم عزل، فلزم بيته، ثم ولي قضاء الجماعة والخطابة سنة تسع عشرة وأربع مئة حتى مات.
وكان بليغ الموعظة، وافر العلم، ذا زهد وقنوع، وفضل وخشوع، قد أثر البكاء في عينيه، وعلى وجهه النور، وكان حفظةً لأخبار الصالحين.
صنف كتباً نافعة منها: كتاب محبة الله وكتاب المستصرخين بالله، وكتاب المتهجدين.
حدث عنه: مكي بن أبي طالب، وأبو عبد الله بن عابد، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، وابن حزم، ومحمد بن عتاب، وأبو الوليد الباجي، وحاتم بن محمد، وأبو عمر بن الحذاء، ومحمد بن فرج الطلاعي، وخلق كثير.
مات في رجب سنة تسع وعشرين وأربع مئة، وشيعه خلق لا يحصون.

القراب

الشيخ الإمام، الحافظ الكبير، المصنف، أبو يعقوب؛ إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن، السرخسي، ثم الهروي القراب، محدث هراة، وصاحب التواليف الكثيرة. وقد مر أخوه.
ولد هذا في سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة، وبالغ في الطلب إلى الغاية.
قال أبو النضر الفامي: زاد عدد شيوخه على ألف ومئتين، وعمل الوفيات على السنين في مجلدين، وكتاب نسيم المهج، وكتاب الأنس والسلوة، وكتاب شمائل العباد، وغير ذلك.
قال: وكان زاهداً مقلاً من الدنيا.
قلت: سمع العباس بن الفضل النضرويي، وجده لأمه محمد بن عمر بن حفصويه، وأبا الفضل محمد بن عبد الله السياري، وعبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، وزاهر بن أحمد الفقيه، وأحمد بن عبد الله النعيمي، والخليل بن أحمد السجزي، وأبا الحسن محمد بن أحمد بن حمزة، والحسين بن أحمد الشماخي الصفار، وأبا منصور محمد بن عبد الله البزاز، فمن بعدهم، حتى كتب عن أقرانه ومن دونه.
حدث عنه: شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري، وأحمد بن أبي عاصم الصيدلاني، والحسين بن محمد بن مت، وأهل هراة.
وكان ممن يرجع إليه في العلل، والجرح والتعديل.
مات في سنة تسع وعشرين وأربع مئة.
وقع لنا كتاب الرمي له.

عبد القاهر

ابن طاهر، العلامة البارع، المتفنن الأستاذ، أبو منصور البغدادي، نزيل خراسان، وصاحب التصانيف البديعة، وأحد أعلام الشافعية.
حدث عن: إسماعيل بن نجيد، وأبي عمرو محمد بن جعفر بن مطر، وبشر بن أحمد، وطبقتهم.
حدث عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وعبد الغفار بن محمد الشيرويي، وخلق.
وكان أكبر تلامذة أبي إسحاق الإسفراييني، وكان يدرس في سبعة عشر فناً، ويضرب به المثل، وكان رئيساً محتشماً مثرياً، له كتاب التكملة في الحساب.
قال أبو عثمان الصابوني: كان الأستاذ أبو منصور من أئمة الأصول، وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل، بديع الترتيب، غريب التأليف، إماماً مقدماً مفخماً، ومن خراب نيسابور خروجه منها.
وقيل: إنه لما حصل بإسفرايين، ابتهجوا بمقدمه إلى الغاية.
قلت: وقع لي من عواليه، وكنت أفردت له ترجمةً لم أظفر الساعة بها.
مات بإسفرايين في سنة تسع وعشرين وأربع مئة وقد شاخ.
وله تصانيف في النظر والعقليات. أما أبو منصور الأيوبي

المتكلم النيسابوري، فهو إمام باهر ذكي.
قال عبد الغافر: هو محمد بن الحسن بن أبي أيوب، الأستاذ أبو منصور، حجة الدين، صاحب البيان والحجة والنظر الصحيح، أنظر من كان في عصره على مذهب الأشعري، تلمذ لابن فورك، وكان فقيراً نزهاً قانعاً، مصنفاً.
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربع مئة.

ابن الميراثي

الحافظ الأوحد المجود، أبو بكر؛ أحمد بن محمد بن عيسى بن إسماعيل، البلوي القرطبي، المعروف بابن الميراثي، أحد أئمة الحديث.
روى عن: أبي الفتح بن سيبخت، وأبي مسلم الكاتب، ويوسف ابن الدخيل، وعبيد الله السقطي، وسعيد بن نصر القرطبي، وأحمد بن قاسم البزاز، وطبقتهم.
ولما رأى عبد الغني بن سعيد حذقه واجتهاده، لقبه غندراً.
رجع، وبث حديثه، فروى عنه: أبو عبد الله الخولاني، وأبو العباس بن دلهاث، وأبو العباس المهدوي، وأبو محمد بن خزرج.
توفي في حدود سنة ثمان وعشرين وأربع مئة وله بضع وستون سنة.

القدوري

شيخ الحنفية، أبو الحسين؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، البغدادي القدوري.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً، انتهت إليه بالعراق رئاسة الحنفية، وعظم وارتفع جاهه، وكان حسن العبارة، جريء اللسان، مديماً للتلاوة.
قلت: روى عن: عبيد الله بن محمد الحوشبي، ومحمد بن علي بن سويد المؤدب.
روى عنه: الخطيب، والقاضي أبو عبد الله الدامغاني.
مات في رجب سنة ثمان وعشرين وأربع مئة وله ست وستون سنة.

الأبهري

القدوة شيخ الزهاد، أبو محمد؛ جعفر بن محمد بن الحسين، الأبهري ثم الهمذاني.
قال شيرويه: كان وحيد عصره في علم المعرفة والطريقة، بعيد الإشارة، دقيق النظر.
حدث عن: صالح بن أحمد، وعلي بن الحسين بن الربيع، وعلي بن أحمد بن صالح القزويني، والمفيد الجرجرائي، وابن المظفر.
وارتحل وعني بالرواية.
حدثنا عنه: محمد بن عثمان، وأحمد بن طاهر القومساني، وأحمد بن عمر، وعبدوس بن عبد الله، وينجير بن منصور.
وكان ثقةً عارفاً، له شأن وخطر، وكرامات ظاهرة.
مات في شوال سنة ثمان وعشرين وأربع مئة عن ثمان وسبعين سنة.
قيل: إنه عمل له خلوةً، فبقي خمسين يوماً لا يأكل شيئاً. وقد قلنا: إن هذا الجوع المفرط لا يسوغ، فإذا كان سرد الصيام والوصال قد نهي عنهما، فما الظن ؟ وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع. ثم قل من عمل هذه الخلوات المبتدعة إلا واضطرب، وفسد عقله، وجف دماغه، ورأى مرأى، وسمع خطاباً لا وجود له في الخارج، فإن كان متمكناً من العلم والإيمان، فلعله ينجو بذلك من تزلزل توحيده، وإن كان جاهلاً بالسنن وبقواعد الإيمان، تزلزل توحيده، وطمع فيه الشيطان، وادعى الوصول، وبقي على مزلة قدم، وربما تزندق، وقال: أنا هو. نعوذ بالله من النفس الأمارة، ومن الهوى، ونسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا آمين.

جلال الدولة

صاحب العراق، الملك جلال الدولة، أبو طاهر؛ فيروزجرد بن الملك بهاء الدولة أبي نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه، الديلمي.
تملك سبع عشرة سنةً، وكانت دولته لينةً، وتملك بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فكانت أموره واهيةً كأبيه.
وكان جلال الدولة شيعياً كأهل بيته وفيه جبن، وعسكره مع قلتهم طامعون فيه.
عاش نيفاً وخمسون سنة، وذاق نكداً كثيراً كما ذكرناه في تاريخنا في الحوادث.
توفي سنة 435. وإنما كان سلطان العصر ابن سبكتكين.

الأزهري

المحدث الحجة المقرىء، أبو القاسم؛ عبيد الله بن أحمد بن عثمان، الأزهري البغدادي الصيرفي، ابن السوادي، وهو عبيد الله بن أبي الفتح.
مولده في سنة خمس وخمسين وثلاث مئة.
وحدث عن: أبي بكر القطيعي، وأبي محمد بن ماسي، وأبي سعيد الحرفي، وابن عبيد العسكري، وعلي بن عبد الرحمن البكائي، وعدة.
وكان من بحور الرواية.
قال الخطيب: كان أحد المعنيين بالحديث والجامعين له، مع صدق واستقامة ودوام تلاوة. سمعنا منه المصنفات الكبار، وكمل الثمانين. مات في صفر سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.

المهلب بن أحمد

ابن أبي صفرة أسيد بن عبيد الله، الأسدي الأندلسي المريي، مصنف شرح صحيح البخاري.
وكان أحد الأئمة الفصحاء، الموصوفين بالذكاء. أخذ عن: أبي محمد الأصيلي، وفي الرحلة عن أبي الحسن القابسي، وأبي الحسن علي بن بندار القزويني، وأبي ذر الحافظ.
روى عنه: أبو عمر بن الحذاء، ووصفه بقوة الفهم وبراعة الذهن.
وحدث عنه أيضاً: أبو عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد.
ولي قضاء المرية.
توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.

ابن ماما

الحافظ، صاحب التصانيف، أبو حامد، أحمد بن محمد بن أحيد ابن ماما، الأصبهاني المامائي.
حدث عن: عبد الرحمن بن أبي شريح، وأبي علي إسماعيل بن حاجب الكشاني، وأبي نصر محمد بن أحمد الملاحمي، وأبي عبد الله الحليمي، وخلق كثير.
ولم يقدم العراق، بل ارتحل إلى ما وراء النهر، ويعز وقوع حديثه إلينا، وقد ذيل على تاريخ بخارى لغنجار، لم تتصل بنا أحواله كما يجب.
توفي في شعبان سنة ست وثلاثين وأربع مئة. وكان من أبناء السبعين رحمه الله.

الربعي

الشيخ الإمام الحافظ المفيد، المقرىء المجود، أبو الحسن؛ علي ابن الحسن بن علي بن ميمون بن أبي زروان، الربعي الدمشقي.
سمع الحسن بن عبد الله بن سعيد الكندي، والعباس بن محمد بن حبان، ومحمد بن علي بن أبي فروة، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، وأحمد بن عتبة بن مكين، وعدة.
وتلا وجود على الإمام علي بن داود الداراني، وعلي بن زهير.
حدث عنه: الحافظ أبو سعد السمان، والكتاني، ونجا بن أحمد، والحسن بن أحمد بن أبي الحديد، وآخرون، وجمع وصنف.
مات في صفر سنة ست وثلاثين وأربع مئة وله ثلاث وسبعون سنة.
قال الكتاني: كان يحفظ غريب الحديث لأبي عبيد، ويحفظ ألف حديث بأسانيدها من حديث ابن جوصا، وكان ثقةً مأموناً، وانتهت إليه الرئاسة في قراءة الشاميين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله: أنبأنا المؤيد بن محمد، عن عبد الرحمن ابن عبد الله بن الحسن بن أحمد السلمي، أخبرنا جدي، أخبرنا الربعي، أخبرنا الحسن بن عبد الله الكندي، أخبرنا العباس بن الخليل بحمص، أخبرنا نصر بن خزيمة، أخبرنا أبي، عن نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ ابن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ: حدثني جبير بن نفير قال: قال عوف ابن مالك: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأنبياء يتكاثرون بأممهم غير موسى، وأنا أرجو أن أكثره، ولقد أعطي خصلات: مكث يناجي ربه أربعين يوماً، ولا ينبغي لمتناجيين أن يتناجيا أطول من نجواهما، ولا يصعق مع الناس.

الدلويي

العلامة الكبير، أبو حامد؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن دلويه الدلويي الأستوائي الشافعي.
ولد في سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة تقريباً.
ذكره الخطيب في تاريخه، فقال: وأستوا من قرى نيسابور، سمع أبا سعيد بن عبد الوهاب الرازي، وأبا أحمد الحاكم، وببغداد الدارقطني، وولي قضاء عكبرا، وكان شافعياً أصولياً أشعرياً، له حظ من معرفة الأدب والعربية، كتبت عنه، وكان صدوقاً.
إلى أن قال: مات في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.

الجرجرائي

الوزير الكامل، نجيب الدولة، أبو القاسم، علي بن أحمد، وزير الديار المصرية للظاهر العبيدي، وكان من دهاة الملوك.
خدم الحاكم، فغضب عليه، فقطع يديه من مرفقيه في سنة أربع وأربع مئة لكونه خان في مباشرة ديوان، ثم رضي عنه في سنة تسع وأربع مئة، وولاه ديوان النفقات، ثم عظم أمره إلى أن وزر في سنة ثماني عشرة وأربع مئة، فكان يكتب العلامة عنه القاضي أبو عبد الله القضاعي، وهي: الحمد لله شكراً لنعمته.
وكان شهماً كافياً سائساً، ذا أمانة وعفة.
وقد هجاه جاسوس الفلك بأبيات منها:

فمـن الأمـانة والـتّـقـى

 

قطعت يداك من المرافق ؟!

واستمر في الوزارة للظاهر، ثم لابنه المستنصر، فكانت دولته ثماني عشرة سنة، إلى أن مات في سابع رمضان سنة ست وثلاثين وأربع مئة.

المنازي

الوزير البليغ، ذو الصناعتين، أبو نصر؛ أحمد بن يوسف الكاتب، من أهل منازجرد.
وزر لأحمد بن مروان صاحب ديار بكر، وترسل عنه إلى القسطنطينية غير مرة، وله كتب كثيرة وقفها، وهو القائل لأبي العلاء: فما لهم يؤذونك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة.
وله نظم فائق قليل الوجود كما قيل:

وأقفر من شعر المنازي المنازل

ومنازجرد: بقرب خرت برت، وليست منازكرد القلعة التي من عملا خلاط.

التياني

حامل لواء اللغة، أبو غالب؛ تمام بن غالب بن عمر، القرطبي، ابن التياني، نزيل مرسية.
روى عن: أبيه، وأبي بكر الزبيدي، وعبد الوارث بن سفيان، وطائفة.
قال الحميدي: كان إماماً في اللغة، ثقةً ورعاً خيراً، له كتاب في اللغة لم يؤلف مثله اختصاراً وإكثاراً، حدثني ابن حزم قال: حدثني محمد بن الفرضي أن الأمير مجاهداً العامري وجه إلى أبي غالب إذ غلب على مرسية ألف دينار على أن يزيد في ترجمة هذا الكتاب: مما ألفته لأبي الجيش مجاهد العامري، فرد الدنانير، ولم يفعل، وقال: لو بذلت لي الدنيا على ذلك، ما فعلت، ولا استجزت الكذب، فإني لم أجمعه له خاصة.
توفي بالمرية سنة ست وثلاثين وأربع مئة رحمه الله.

الصفار

المسند أبو سعد؛ عبد الرحمن بن أحمد بن عمر، الأصبهاني الصفار، أخو الفقيه أبي سهل الصفار.
حدث عن: أحمد بن بندار الشعار، وأبي القاسم الطبراني.
روى عنه: جماعة من شيوخ السلفي منهم: محمد بن الحسن العلوي الرسي، وأبو علي الحداد.
توفي ليلة عرفة سنة ست وثلاثين وأربع مئة.

ابن ميقل

عالم قرطبة، وعابدها، وشيخ المالكية، أبو الوليد؛ محمد بن عبد الله بن أحمد بن ميقل، المرسي.
حدث عن: أبي محمد الأصيلي، وهاشم بن يحيى، وسهل بن إبراهيم. وتحول إلى قرطبة، وتفقه وبرع.
قال أبو عمر بن الحذاء: ما لقيت أتم ورعاً ولا أحسن خلقاً ولا أكمل علماً منه، كان يختم القرآن على قدميه في كل يوم وليلة، وترك اللحم من أول الفتنة إلا من طير أو حوت أو صيد، وكان سخياً على توسط ماله، وكان أحفظ الناس للمذهب، وأقواهم احتجاجاً، مع علمه بالحديث ورجاله، واللغة والقراءات والشعر. مات في شوال سنة ست وثلاثين وأربع مئة بمرسية، ودفن في قبلة جامعها، وله أربع وسبعون سنة.

أبو الحسين البصري

شيخ المعتزلة، وصاحب التصانيف الكلامية، أبو الحسين؛ محمد ابن علي بن الطيب، البصري.
كان فصيحاً بليغاً، عذب العبارة، يتوقد ذكاءً. وله اطلاع كبير.
حدث عن: هلال بن محمد بحديث رواه عنه أبو بكر الخطيب.
توفي ببغداد في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأربع مئة وقد شاخ.
أخذ عنه: أبو علي بن الوليد، وأبو القاسم بن التبان المعقول. أجارنا الله من البدع.
وله كتاب المعتمد في أصول الفقه، من أجود الكتب، يغترف منه ابن خطيب الري. وله كتاب تصفح الأدلة كبير.

المرتضى

العلامة الشريف المرتضى، نقيب العلوية، أبو طالب؛ علي بن حسين بن موسى، القرشي العلوي الحسيني الموسوي البغدادي، من ولد موسى الكاظم.
ولد سنة خمس وخمسين وثلاث مئة.
وحدث عن: سهل بن أحمد الديباجي، وأبي عبد الله المرزباني، وغيرهما.
قال الخطيب: كتبت عنه.
قلت: هو جامع كتاب نهج البلاغة، المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي رضي الله عنه، ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطل، وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها، ولكن أين المنصف ؟! وقيل: بل جمع أخيه الشريف الرضي.
وديوان المرتضى كبير وتواليفه كثيرة، وكان صاحب فنون.
وله كتاب الشافي في الإمامة، والذخيرة في الأصول، وكتاب التنزيه، وكتاب في إبطال القياس، وكتاب في الاختلاف في الفقه، وأشياء كثيرة. وديوانه في أربع مجلدات.
وكان من الأذكياء الأولياء، المتبحرين في الكلام والاعتزال، والأدب والشعر، لكنه إمامي جلد. نسأل الله العفو.
قال ابن حزم: الإمامية كلهم على أن القرآن مبدل، وفيه زيادة ونقص سوى المرتضى، فإنه كفر من قال ذلك، وكذلك صاحباه أبو يعلى الطوسي، وأبو القاسم الرازي.
قلت: وفي تواليفه سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من علم لا ينفع.
توفي المرتضى في سنة ست وثلاثين وأربع مئة.
وفيها مات إمام اللغة تمام بن غالب التياني المرسي، والمحدث الفقيه أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري، وأبو سعد عبد الرحمن بن أحمد الصفار صاحب الطبراني، وأبو بكر محمد بن عبد الله بن حسين الوضاحي القدوة بدمشق، وشيخ المالكية أبو الوليد محمد بن عبدا لله بن ميقل المرسي، وشيخ الشافعية أبو عبد الرحمن محمد بن عبد العزيز النيلي النيسابوري، وشيخ المعتزلة أبو الحسين محمد بن علي البصري.

مكي

العلامة المقرىء، أبو محمد، مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار، القيسي القيرواني، ثم القرطبي، صاحب التصانيف.
ولد بالقيروان سنة خمس وخمسين وثلاث مئة.
وأخذ عن: ابن أبي زيد، وأبي الحسن القابسي.
وتلا بمصر على أبي عدي ابن الإمام، وأبي الطيب بن غلبون، وولده طاهر.
وسمع من محمد بن علي الأدفوي، وأحمد بن فراس المكي، وعدة.
وكان من أوعية العلم مع الدين والسكينة والفهم، ارتحل مرتين، الأولى في سنة ست وسبعين.
وقال صاحبه أبو عمر أحمد بن مهدي المقرىء: أخبرني مكي أنه سافر إلى مصر وله ثلاث عشرة سنة، واشتغل، ثم رحل سنة ست وسبعين، وأنه جاور ثلاثة أعوام، ودخل الأندلس في سنة ثلاث وتسعين، وأقرأ بجامع قرطبة، وعظم اسمه، وبعد صيته.
قال ابن بشكوال: قلده أبو الحزم جهور خطابة قرطبة بعد يونس بن عبد الله، وقد ناب عن يونس.
قال: وله ثمانون مصنفاً، وكان خيراً متديناً، مشهوراً بإجابة الدعوة، دعا على رجل كان يؤذيه، ويسخر به إذا خطب، فزمن الرجل. توفي في المحرم سنة سبع وثلاثين وأربع مئة.
قلت: تلا عليه خلق منهم: عبد الله بن سهل، ومحمد بن أحمد بن مطرف، وروى عنه بالإجازة أبو محمد بن عتاب.
وفيها مات أبو محمد السكن بن محمد بن أحمد بن محمد بن جميع الغساني بصيدا عن بضع وثمانين سنة. يروي عن جده الموطأ. وفيها مات أحمد بن محمد بن يزدة الملنجي المقرىء، وعلي بن محمد بن علي الأسواري.

الخلال

الإمام الحافظ المجود، محدث العراق، أبو محمد؛ الحسن بن أبي طالب محمد بن الحسن بن علي، البغدادي الخلال، أخو الحسين.
ولد سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة.
وسمع أبا بكر القطيعي، وأبا بكر الوراق، وأبا سعيد السيرافي، ومحمد بن المظفر، وأبا عمر بن حيويه، وأبا عبد الله بن العسكري، وأبا الفضل الزهري، وأبا بكر بن شاذان، وأبا الحسن الدارقطني، وخلقاً كثيراً، وما أظنه رحل في الحديث.
حدث عنه: الخطيب، وجعفر بن أحمد السراج، والمبارك بن عبد الجبار الصيرفي، ومحمد بن أحمد الصندلي، وأبو الفضل بن خيرون، والمعمر بن أبي عمامة، وجعفر بن المحسن السلماسي، وأبو سعد أحمد ابن عبد الجبار الصيرفي، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وآخرون.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقةً، له معرفة، وتنبه، وخرج المسند على الصحيحين، وجمع أبواباً وتراجم كثيرةً، ومات في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد، والحسن بن علي قالا: أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر السلفي، سمعت أبا الحسين بن الطيوري، سمعت محمد بن علي الصوري يقول: ما رأت عيناني بعد عبد الغني بن سعيد أحفظ من أبي محمد الخلال البغدادي.
كتب إلينا محمد بن عبد الكريم الشافعي: أخبرنا زين الأمناء الحسن ابن محمد، أخبرنا هبة الله بن الحسن، وقرأت على إسحاق بن طارق، أخبركم ابن خليل، أخبرنا عبد الخالق بن عبد الوهاب قالا: أخبرنا علي بن عبد الواحد، حدثنا أبو محمد الخلال إملاءً، حدثنا علي بن لؤلؤ، حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي سنة ثلاث وتسعين ومئتين، حدثنا علي بن الحسن ابن شقيق، حدثنا الحسين بن واقد، حدثنا ابن بريدة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: العهد الذي بيننا وبينهم ترك الصلاة، فمن تركها، فقد كفر. سقط منه رجل.
أخبرنا عيسى بن أبي محمد، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر الحافظ، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن أسد، أخبرنا أبو محمد الخلال، حدثني علي بن أحمد السرخسي الحافظ، حدثنا عبد الله بن عثمان الواسطي، سمعت أبا هاشم أيوب بن محمد بواسط، سمعت أبا عثمان المازني يقول: حدثنا سيبويه، عن الخليل، عن ذر بن عبد الله الهمداني، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة. سقط من بين الخليل وبين ذر.