الإمام البارع، القاضي، أبو الفضل، محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله
السعدي البغدادي، الفقيه الشافعي، نزيل مصر، وراوي معجم الصحابة
للبغوي، عن ابن بطة العكبري.
وسمع أبا الفضل الزهري، وموسى بن محمد بن جعفر السمسار، وأبا بكر بن
شاذان، وأبا طاهر المخلص، وابن زنبور، وسمع أبا عبد الله الجعفي
الهرواني وغيره بالكوفة، وأبا الحسين بن جميع بصيدا، وحامد بن إدريس
بالموصل، وأبا مسلم الكاتب بمصر.
وأملى مجالس، وأشغل، وهو من تلامذة أبي حامد الإسفراييني.
حدث عنه: سهل بن بشر الإسفراييني، وعلي بن مكي الأزدي، وأبو نصر
الطريثيثي، ومحمد بن أحمد أبو عبد الله الرازي، وآخرون. وقد كتب عنه
شيخه الحافظ عبد الغني، ومات قبله بدهر.
مات أبو الفضل السعدي في شعبان، وقيل: في شوال سنة إحدى وأربعين وأربع
مئة، في عشر الثمانين.
الإمام أبو منصور؛ محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر، راوي سنن
الدارقطني عنه، سمعه منه بفوت قليل معين في النسخة: الفضل ابن محمد
الأبيوردي العطار بنيسابور، في سنة أربعين وأربع مئة، والفوت جزآن،
فسمعهما من أبي عثمان الصابوني بإجازته من الدارقطني.
قال أبو سعد السمعاني: كان ثقةً، فاضلاً، مكثراً. مات سنة ثمان وأربعين
وأربع مئة.
القاسم بن محمد بن هشام الرعيني، السبتي، المالكي، الفقيه، عرف بابن
المأموني.
أخذ عن: عبد الرحيم بن العجوز، وأبي عبد الله بن الشيخ، وأبي محمد
الباجي، وحج، وسمع بمصر من الحافظ عبد الغني، وعبد الوهاب ابن منير.
تصدر بالمرية للإقراء والفقه.
روى عنه: أبو المطرف الشعبي، وأبو بكر بن صاحب الأحباس القاضي، وغانم
المالقي، وولده حجاج.
توفي سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
ولده:
الحافظ، المحدث، أبو محمد.
سمع من أبي ذر الهروي، وأبي بكر المطوعي.
وحدث بصحيح البخاري.
وكان رأس العلماء بالمرية، ثم تحول إلى سبتة.
روى عنه: القاضي أبو محمد بن منصور، وأبو علي بن طريف، وأبو القاسم بن
العجوز.
توفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة. ذكرته تبعاً للأب.
ابن
علي، العلامة أبو القاسم، البغدادي، الكرخي، الشافعي.
ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء فقال: ومنهم شيخنا أبو القاسم الكرخي،
تفقه على أبي حامد الإسفراييني، وله عنه تعليقة، وصنف في المذهب كتاب
الغنية، ودرس ببغداد. قلت: وحدث عن أبي طاهر المخلص، وأبي القاسم
الصيدلاني.
روى عنه الخطيب، وقال: هو من أهل كرخ جدان، توفي في جمادى الآخرة، سنة
سبع وأربعين وأربع مئة.
العلامة أبو سعيد، أحمد بن محمد بن علي بن نمير الخوارزمي الشافعي،
الضرير، أحد أئمة المذهب ببغداد، وتلميذ الشيخ أبي حامد.
قال الخطيب: درس وأفتى، ولم يكن بعد القاضي أبي الطيب أحد أفقه منه.
روى عن: عبيد الله بن أحمد الصيدلاني. كتبت عنه، وتوفي في صفر سنة ثمان
وأربعين وأربع مئة، وكان يقدم على منصور الكرخي، وأبي نصر النابتي.
الشيخ
العالم، الأديب، الصادق، أبو غانم، حميد بن المأمون بن حميد بن رافع
القيسي، الهمذاني، النحوي، راوي كتاب الألقاب عن مؤلفه أبي بكر
الشيرازي.
وروى أيضاً عن أبي بكر بن لال، وأحمد بن تركان، وعلي بن أحمد البيع،
وأبي عمر بن مهدي، وأحمد بن محمد البصير الرازي، وأبي الحسن بن جهضم،
وعدة.
قال شيرويه: ما أدركته، وحدثنا عنه أبو الفضل القومساني، وابن ممان،
وأحمد بن عمر البيع، وعامة مشايخي، وسمع منه كهولنا، وهو صدوق، مات في
ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
قلت: وأجاز لعبد المنعم بن القشيري.
الشيخ
الإمام، الصالح القدوة، الزاهد، مسند خراسان، أبو حفص؛ عمر بن أحمد بن
عمر بن محمد بن مسرور النيسابوري.
سمع أبا عمرو إسماعيل بن نجيد، وبشر بن أحمد الإسفراييني، وأبا سهل
الصعلوكي، وحسين بن علي التميمي، وأبا عمرو بن حمدان، والحافظ أبا أحمد
الحاكم، وأحمد بن محمد البالوي، ومحمد بن حسين السمسار، ومحمد بن أحمد
المحمودي، وأبا نصر بن أبي مروان الضبي، ومحمد بن عبيد الله بن إبراهيم
بن بالويه، وأبا بكر بن مهران المقرئ، وأحمد بن محمد البحيري، وأحمد بن
إبراهيم العبدوي، ومحمد بن الفضل بن محمد بن خزيمة، وأبا منصور محمد بن
محمد بن سمعان، وعدة.
حدث عنه: عبيد الله بن أبي القاسم القشيري، وأحمد بن علي بن سلمويه،
وسهل بن إبراهيم المسجدي، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي،
وإسماعيل بن أبي بكر القارئ، وتميم بن أبي سعيد الجرجاني، وهبة الله بن
سهل السيدي، وآخرون.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: هو أبو حفص الماوردي، الفامي، الزاهد،
الفقيه، كان كثير العبادة، والمجاهدة، وكان المشايخ يتبركون بدعائه.
عاش تسعين سنةً، وتوفي في ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، رحمه
الله.
الشيخ
المعمر، أبو عبد الله؛ الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب القادسي، ثم
البغدادي البزاز.
أملى مجالس بجامع المنصور عن: أبي بكر القطيعي، وأبي بكر الوراق، وأبي
بكر بن شاذان.
وعنه: أبو الغنائم النرسي، وقال: كان يسمع لنفسه، وله سماع صحيح، منه
جزء الكديمي، وجزء من حديث القعنبي، وأجزاء من مسند الإمام أحمد، سمعنا
منه.
قلت: وقع لنا جزء الكديمي من طريق أُبي عنه.
وقال الخطيب: حضرته يوماً، وطالبته بأصوله، فدفع إلي عن ابن شاذان
وغيره أصولاً صحيحة، فقلت: أرني أصلك عن القطيعي، فقال: أنا لا يشك في
سماعي من القطيعي، سمعنا منه خالي هبة الله المفسر المسند كله. فقلت:
لا ترو ها هنا شيئاً إلا بعد أن تحضر أصولك. فانقطع، ومضى إلى مسجد
براثا، فأملى فيه، وكانت الرافضة تجتمع هناك، فقال لهم: منعتني النواصب
أن أروي في جامع المنصور فضائل أهل البيت. ثم اجتمع عليه في مسجد
الشرقية الروافض، ولهم إذ ذاك قوة، وحميتهم ظاهرة، فأملى عليهم العجائب
من الموضوعات في الطعن على السلف.
قلت: مات في ذي القعدة سنة سبع وأربعين وأربع مئة.
ومات في العام قبله.
أبو
الحسن؛ أحمد بن محمد بن أحمد بن عبدوس الزعفراني المؤدب ببغداد.
روى عن: القطيعي، وابن ماسي.
قال الخطيب: كتبت عنه من سماعه الصحيح، وعاش تسعاً وثمانين سنة.
قد
ذكرته في التاريخ، وفي طبقات القراء، وفي ميزان الاعتدال مستوفىً،
فلنذكره ملخصاً.
كان رأساً في القراءات، معمراً، بعيد الصيت، صاحب حديث ورحلة وإكثار،
وليس بالمتقن له، ولا المجود، بل هو حاطب ليل، ومع إمامته في القراءات
فقد تكلم فيه وفي دعاويه تلك الأسانيد العالية. وهو الشيخ الإمام،
العلامة، مقرئ الآفاق، أبو علي، الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد بن
هرمز الأهوازي، نزيل دمشق.
ولد سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
وزعم أنه تلا على علي بن الحسين الغضائري مجهول لا يوثق به، ادعى أنه
قرأ على الأُشناني، والقاسم المطرز وذكر أنه تلا لقالون في سنة ثمان
وسبعين وثلاث مئة بالأهواز على محمد بن محمد بن فيروز، عن الحسن بن
الحباب، وأنه قرأ على شيخ، عن أبي بكر بن سيف، وعلى الشنبوذي، وأبي حفص
الكتاني، وجماعة، قبل التسعين وثلاث مئة.
وسمع من نصر بن أحمد المرجي؛ صاحب أبي يعلى، ومن المعافى الجريري،
والكتاني، وعدة. ولحق بدمشق عبد الوهاب الكلابي، وأنه سمع بمصر من أبي
مسلم الكاتب، ويروي العالي والنازل، وخطه رديء الوضع، جمع سيرةً
لمعاوية، ومسنداً في بضعة عشر جزءاً، حشاه بالأباطيل السمجة.
تلا عليه الهذلي، وغلام الهراس، وأحمد بن أبي الأشعث السمرقندي، وأبو
الحسن المصيني، وعتيق الردائي، وأبو الوحش سبيع ابن قيراط، وخلق.
وحدث عنه: الخطيب، والكتاني، والفقيه نصر المقدسي، وأبو طاهر الحنائي،
وأبو القاسم النسيب ووثقه، وبالإجازة أبو سعد بن الطيوري.
وألف كتاباً طويلاً في الصفات؛ فيه كذب، ومما فيه حديث عرق الخيل، وتلك
الفضائح، فسبه علماء الكلام وغيرهم. وكان ينال من ابن أبي بشر، وعلق في
ثلبه، والله يغفر لهما.
قال ابن عساكر: كان على مذهب السالمية؛ يقول بالظاهر، ويتمسك بالأحاديث
الضعيفة التي تقوي رأيه. وسمعت أبا الحسن بن قبيس، عن أبيه، قال: لما
ظهر من أبي علي الإكثار من الروايات في القراءات اتهم، فسار رشأ بن
نظيف، وابن الفرات، وقرؤوا ببغداد على الذين روى عنهم الأهوازي،
وجاؤوا، فمضى إليهم أبو علي، وسألهم أن يروه الإجازات، فأخذها، وغير
أسماء من سمى ليستر دعواه، فعادت عليه بركة القرآن، فلم يفتضح، وعوتب
رجل في القراءة عليه، فقال: أقرأ عليه للعلم، ولا أُصدقه في حرف.
قال عبد العزيز الكتاني: اجتمعت بهبة الله اللالكائي، فسألني: من بدمشق
؟ فذكرت منهم الأهوازي، فقال: لو سلم من الروايات في القراءات.
ثم قال الكتاني: وكان مكثراً من الحديث، وصنف الكثير في القراءات وفي
أسانيدها، له غرائب يذكر أنه أخذها روايةً وتلاوةً. وممن وهاه ابن
خيرون.
وقال الداني: أخذ القراءات عرضاً وسماعاً من أصحاب ابن شنبود، وابن
مجاهد. قال: وكان واسع الرواية، حافظاً ضابطاً، أقرأ دهراً بدمشق.
قلت: في نفسي أمور من علوه في القراءات.
وقال ابن عساكر عقيب حديث كذب: الأهوازي متهم.
قلت: الحديث أنبأني به ابن أبي الخير، عن ابن بوش، عن أحمد ابن عبد
الجبار، عن الأهوازي، حدثنا أحمد بن علي الأطرابلسي، عن عبد الله بن
الحسن القاضي، عن البغوي، عن هدبة، عن حماد بن سلمة، عن وكيع بن عدس،
عن أبي رزين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ربي بمنىً على جمل
أورق، عليه جبة.
وقال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري: لا يستبعدن جاهل كذب الأهوازي
فيما أورده من تلك الحكايات، فقد كان من أكذب الناس فيما يدعي من
الروايات في القراءات.
وقال محمد بن طاهر الملحي: كنت عند رشإ بن نظيف في داره على باب
الجامع، فاطلع منها، وقال: قد عبر رجل كذاب. فاطلعت، فوجدته الأهوازي.
وقال عبد الله بن أحمد بن السمرقندي: قال لنا أبو بكر الخطيب: أبو علي
الأهوازي كذاب في القراءات والحديث جميعاً.
قلت: يريد تركيب الإسناد، وادعاء اللقاء، أما وضع حروف أو متون فحاشا
وكلا، ما أُجوز ذلك عليه، وهو بحر في القراءات، تلقى المقرئون تواليفه
ونقله للفن بالقبول، ولم ينتقدوا عليه انتقاد أصحاب الحديث، كما أحسنوا
الظن بالنقاش، وبالسامري، وطائفة راجوا عليهم.
توفي أبو علي سامحه الله في رابع ذي الحجة سنة ست وأربعين وأربع مئة.
الشيخ
الإمام، المحدث المفيد، أبو القاسم؛ عبد العزيز بن علي ابن أحمد بن
الفضل بن شكر البغدادي الأزجي.
سمع الكثير من: ابن كيسان، وأبي عبد الله العسكري، وأبي الحسن ابن
لؤلؤ، وأبي سعيد الحرفي، وعبد العزيز الخرقي، ومحمد ابن أحمد الجرجرائي
المفيد، وابن المظفر، والدارقطني، وخلق. وعني بالحديث. روى عنه:
الخطيب، والقاضي أبو يعلى، وعبد الله بن سبعون القيرواني، والحسين بن
علي الكاشغري، وحمد بن إسماعيل الهمذاني، والمبارك بن الطيوري، وخلق.
له مصنف في الصفات لم يهذبه.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقاً كثير الكتاب. مولده في سنة ست
وخمسين وثلاث مئة. وتوفي في شعبان سنة أربع وأربعين وأربع مئة.
ابن
عبد الغافر بن أحمد بن محمد بن سعيد؛ الشيخ، الإمام، الثقة، المعمر،
الصالح، أبو الحسين الفارسي ثم النيسابوري.
ولد سنة نيف وخمسين وثلاث مئة.
وحدث عن: أبي أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي بصحيح مسلم، سمعه
منه سنة خمس وستين وثلاث مئة. وحدث عن الإمام أبي سليمان الخطابي بغريب
الحديث له، وحدث عن بشر بن أحمد الإسفراييني، وإسماعيل بن عبد الله بن
ميكال، وكان يمكنه السماع من أبي عمرو بن نجيد، وأبي عمرو بن مطر،
وطائفة.
حدث عنه: نصر بن الحسن التنكتي، وأبو عبد الله الحسين بن علي الطبري،
وعبيد الله بن أبي القاسم القشيري، وعبد الرحمن بن أبي عثمان الصابوني،
ومحمد بن الفضل الصاعدي الفراوي، وإسماعيل بن أبي بكر القاري، وفاطمة
بنت زعبل العالمة، وآخرون.
قال حفيده الحافظ عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر: هو الشيخ الجد،
الثقة، الأمين، الصالح، الصين، الدين، المحظوظ من الدنيا والدين،
الملحوظ من الحق تعالى بكل نعمى، كان يذكر أيام أبي سهل الصعلوكي،
ويذكره، وما سمع منه شيئاً، وسمع من الخطابي بسبب نزوله عندهم حين قدم
نيسابور، ولم تكن مسموعاته إلا ملء كمين من الصحيح والغريب، وأعداد
قليلة من المتفرقات من الأجزاء، ولكنه كان محظوظاً مجدوداً في الرواية،
حدث قريباً من خمسين سنةً منفرداً عن أقرانه، مذكوراً، مشهوراً في
الدنيا، مقصوداً من الآفاق، سمع منه الأئمة والصدور، وقد قرأ عليه
الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ صحيح مسلم نيفاً وثلاثين مرة، وقرأه
عليه أبو سعد البحيري نيفاً وعشرين مرة، هذا سوى ما قرأه عليه المشاهير
من الأئمة. استكمل خمساً وتسعين سنة، وطعن في السادسة والتسعين، وألحق
الأحفاد بالأجداد، وعاش في النعمة عزيزاً مكرماً في مروءة وحشمة إلى أن
توفي رحمه الله تعالى في خامس شوال سنة ثمان وأربعين وأربع مئة
بنيسابور.
وفيها مات شيخ الشافعية مع القاضي أبي الطيب، أبو سعيد أحمد بن محمد بن
نمير الخوارزمي الضرير، والفقيه عبد الله بن الوليد الأندلسي بمصر،
والزاهد أبو حفص بن مسرور، وعلي بن إبراهيم الباقلاني، وأبو الحسن بن
الطفال، والزاهد محمد بن الحسين ابن الترجمان بغزة، وأبو بكر محمد بن
عبد الملك بن بشران، والمفتي أبو الفرج محمد ابن عبد الواحد الدارمي
الشافعي.
الإمام المحدث، الثبت، أبو عبد الله؛ محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن
بن عثمان بن سعيد بن غلبون الخولاني، القرطبي؛ والد المسند أبي عبد
الله أحمد بن محمد.
كان أحد علماء الأثر بقرطبة.
حدث عن: أبيه، وعمه أبي بكر، وأبي محمد بن أسد، وأحمد بن القاسم
التاهرتي، وأبي عمر بن الجسور، وأبي عمر أحمد بن عبد الله الباجي، وأبي
عبد الله بن أبي زمنين، وأبي المطرف بن فطيس، وخلق.
وكان معنياً بالحديث وجمعه، ثقةً ثبتاً، صيناً، خيراً. عاش ستاً وسبعين
سنة. روى عنه ولده وجماعة.
توفي سنة ثمان وأربعين.
مفتي
الشافعية، أبو طاهر؛ محمد بن عبد الواحد بن محمد البغدادي، البيع، ابن
الصباغ.
سمع أبا حفص بن شاهين، والمعافى بن طرارا، وابن حبابة، وعدة.
وتفقه بالشيخ أبي حامد.
وتفقه عليه ولده أبو نصر؛ صاحب الشامل.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقة، له حلقة للفتوى، مات في ذي القعدة،
سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
قلت: وروى عنه أُبي النرسي.
هو
الشيخ العلامة، شيخ الآداب، أبو العلاء؛ أحمد بن عبد الله بن سليمان بن
محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن مطهر بن زياد ابن ربيعة
بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان ويلقب بالساطع
لجماله ابن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله؛
الذي هو مجتمع تنوخ بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف
ابن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن
يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر؛ وهو هود عليه السلام، القحطاني، ثم
التنوخي المعري الأعمى، اللغوي، الشاعر، صاحب التصانيف السائرة،
والمتهم في نحلته.
ولد في سنة ثلاث وستين وثلاث مئة.
وأضر بالجدري وله أربع سنين وشهر؛ سالت واحدة، وابيضت اليمنى، فكان لا
يذكر من الألوان إلا الأحمر، لثوب أحمر ألبسوه إياه وقد جدر، وبقي
خمساً وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهداً فلسفياً.
وكان قنوعاً متعففاً، له وقف يقوم بأمره، ولا يقبل من أحد شيئاً، ولو
تكسب بالمديح، لحصل مالاً ودنيا، فإن نظمه في الذروة، يعد مع المتنبي
والبحتري.
سمع جزءاً من يحيى بن مسعر، رواه عن أبي عروبة الحراني.
وأخذ الأدب عن بني كوثر، وأصحاب ابن خالويه، وكان يتوقد ذكاء.
ومن أردإ تواليفه رسالة الغفران في مجلد، قد احتوت على مزدكة وفراغ،
ورسالة الملائكة، ورسالة الطير على ذلك الأنموذج، وديوانه سقط الزند
مشهور، وله لزوم ما لا يلزم من نظمه، وكان إليه المنتهى في حفظ اللغات.
ارتحل في حدود الأربع مئة إلى طرابلس وبها كتب كثيرة، واجتاز
باللاذقية، فنزل ديراً به راهب متفلسف، فدخل كلامه في مسامع أبي
العلاء، وحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها، فحصل له نوع انحلال دل
عليه ما ينظمه ويلهج به. ويقال: تاب من ذلك وارعوى.
وقد سارت الفضلاء إلى بابه، وأخذوا عنه.
وكان أخذ اللغة عن أبيه، وبحلب عن محمد بن عبد الله بن سعد النحوي.
وكانت غلته في العام نحو ثلاثين ديناراً، أفرز منها نصفها لمن يخدمه.
وكان غذاؤه العدس ونحوه، وحلواه التين، وثيابه القطن، وفراشه لباد
وحصير بردي، وفيه قوة نفس، وترك للمنن، عورض في وقفه، فسافر إلى بغداد
يتظلم في سنة تسع وتسعين، وحدث بها بسقط الزند.
يقال: كان يحفظ كل ما مر بسمعه، ويلازم بيته، وسمى نفسه رهن المحبسين؛
للزومه منزله وللعمى، وقال الشعر في حداثته، وكان يملي تصانيفه على
الطلبة من صدره.
خرج صالح بن مرداس ملك حلب، فنازل المعرة يحاصرها، ورماها بالمجانيق،
فخرج إليه أبو العلاء يتشفع، فأكرمه، وقال: ألك حاجة ؟ قال: الأمير
أطال الله بقاءه كالسيف القاطع، لامن مسه، وخشن حده، وكالنهار الماتع
قاظ وسطه، وطاب أبرداه "خُذ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ وأَعْرِضْ عن
الجاهلين" الأعراف فقال: قد وهبتك المعرة، فأنشدنا من شعرك. فأنشده على
البديه أبياتاً، وترحل صالح.
كان لأبي العلاء خلوة يدخلها للأكل، ويقول: الأعمى عورة، والواجب
استتاره. فأكل مرةً دبساً، فنقط على صدره منه، فلما خرج للإفادة؛ قيل
له: أكلتم دبساً ؟ فأسرع بيده إلى صدره، فمسحه وقال: نعم، لعن الله
النهم. فعجبوا من ذكائه، وكان يعتذر إلى من يرحل إليه، ويتأوه لعدم
صلته.
قال الباخرزي: أبو العلاء ضرير ماله ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف،
ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظل الإسلام آناؤه، ورشح بالإلحاد
إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته والمطلع على سريرته،
وإنما تحدثت الألسن بإساءته بكتابه الذي عارض به القرآن، وعنونه
بالفصول والغايات في محاذاة السور والآيات.
وقال غرس النعمة محمد بن هلال بن المحسن: له شعر كثير، وأدب غزير،
ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالة على ما يزن به، ولم يأكل لحماً ولا بيضاً
ولا لبناً، بل يقتصر على النبات، ويحرم إيلام الحيوان، ويظهر الصوم
دائماً. قال: ونحن نذكر مما رمي به فمنه:
قران المشتري زحلاً يرجّى |
|
لإيقاظ النّواظر من كراها |
تقضّى الناس جيلاً بعد جيلٍ |
|
وخلّفت النّجوم كما تراهـا |
تقدّم صاحب التوراة موسى |
|
وأوقع بالخسار من اقتراها |
فقال رجاله: وحـيٌ أتـاه |
|
وقال الآخرون: بل افتراها |
وما حجّي إلى أحـجـار بـيتٍ |
|
كؤوس الخمر تشرب في ذراها |
إذا رجع الحكيم إلـى حـجـاه |
|
تهاون بالمذاهـب وازدراهـا |
وله:
صرف الزمان مفرّق الإلفين |
|
فاحكم إلهي بين ذاك وبيني |
أنهيت عن قتل النّفوس تعمّداً |
|
وبعثت أنت لقبضها ملكـين |
وزعمت أنّ لها معاداً ثانـياً |
|
ما كان أغناها عن الحالـين |
وله:
عقولٌ تستخفّ بها سطـورٌ |
|
ولا يدري الفتى لمن الثّبور |
كتاب محمدٍ وكتاب موسى |
|
وإنجيل ابن مريم والزّبور |
ومنه:
هفت الحنيفة والنّصارى ما اهتدت |
|
ويهود حارت والمجوس مضلّلـه |
رجلان أهل الأرض: هذا عاقـلٌ |
|
لا دين فيه وديّنٌ لا عـقـل لـه |
ومنه:
قلتم لنا خـالـقٌ قـديمٌ |
|
صدقتم هكذا نـقـول |
زعمتموه بـلا زمـانٍ |
|
ولا مكانٍ ألا فقولـوا |
هذا كلامٌ له خـبـيءٌ |
|
معناه ليست لكم عقول |
ومنه:
دينٌ وكفرٌ وأنباءٌ تقال وفـر |
|
قانٌ ينصّ وتوراةٌ وإنجـيل |
في كلّ جيلٍ أباطيلٌ يدان بها |
|
فهل تفرّد يوماً بالهدى جيل |
فأجبته:
نعم أبو القاسم الهادي وأُمّته |
|
فزادك اللّه ذلاًّ يا دجيجيل |
ومنه لعن:
فلا تحسب مقال الرّسل حقّاً |
|
ولكن قول زورٍ سطّـروه |
وكان الناس في عيشٍ رغيدٍ |
|
فجاؤوا بالمحال فكـدّروه |
ومنه:
وإنما حمّـل الـتـوراة قـارئهـا |
|
كسب الفوائد لا حبّ الـتّـلاوات |
وهل أُبيحت نساء الرّوم عن عرضٍ |
|
للعرب إلاّ بأحكـام الـنّـبـوات |
أنشدتنا فاطمة بنت علي كتابة، أخبرنا فرقد الكناني، سنة ثمان وست مئة، أنشدنا السلفي، سمعت أبا زكريا التبريزي يقول: لما قرأت على أبي العلاء بالمعرة قوله:
تناقضٌ ما لنا إلا السّكـوت لـه |
|
وأن نعوذ بمولانا مـن الـنـار |
يدٌ بخمس مئٍ من عسجـدٍ وديت |
|
ما بالها قطعت في ربع دينار ؟ |
سألته، فقال: هذا كقول الفقهاء: عبادة لا يعقل معناها.
قال كاتبه: لو أراد ذلك؛ لقال: تعبد. ولما قال: تناقض. ولما أردفه ببيت
آخر يعترض على ربه.
وبإسنادي قال السلفي: إن كان قاله معتقداً معناه، فالنار ماواه، وليس
له في الإسلام نصيب. هذا إلى ما يحكى عنه في كتاب الفصول والغايات فقيل
له: أين هذا من القرآن ؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربع مئة سنة.
وبه قال: وأخبرنا الخليل بن عبد الجبار بقزوين وكان ثقةً، حدثنا أبو
العلاء بالمعرة، حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين، حدثنا خيثمة، فذكر
حديثاً.
ثم قال السلفي: ومن عجيب رأي أبي العلاء تركه أكل ما لا ينبت حتى نسب
إلى التبرهم، وأنه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل،
وتحريم إيذاء الحيوانات، حتى العقارب والحيات، وفي شعره ما يدل عليه
وإن كان لا يستقر به قرار، فأنشدني أبو المكارم الأسدي، أنشدنا أبو
العلاء لنفسه:
أقـرّوا بـالإلـه وأثـبـتـوه |
|
وقالوا: لا نبـيّ ولا كـتـاب |
ووطء بناتنـا حـلٌّ مـبـاحٌ |
|
رويدكم فقد طال الـعـتـاب |
تمادوا في الضلال فلم يتوبـوا |
|
ولو سمعوا صليل السّيف تابوا |
قال: وأنشدنا أبو تمام غالب بن عيسى بمكة، أنشدنا أبو العلاء المعري لنفسه:
أتتني من الإيمان ستّون حـجّةً |
|
وما أمسكت كفّي بثني عنـان |
ولا كان لي دارٌ ولا ربع منزلٍ |
|
وما مسّني من ذاك روع جنان |
تذكّرت أني هالكٌ وابن هالـكٍ |
|
فهانت عليّ الأرض والثّقلان |
وبه: قال السلفي: ومما يدل على صحة عقيدته ما سمعت الخطيب حامد بن بختيار، سمعت أبا المهدي بن عبد المنعم بن أحمد السروجي، سمعت أخي أبا الفتح القاضي يقول: دخلت على أبي العلاء التنوخي بالمعرة بغتةً، فسمعته ينشد:
كم غودرت غادةٌ كعـابٌ |
|
وعمّرت أُمّها العـجـوز |
أحرزها الوالدان خـوفـاً |
|
والقبر حرزٌ لها حـريز |
يجوز أن تخطئ المـنـايا |
|
والخلد في الدّهر لا يجوز |
ثم
تأوه مرات، وتلا قوله تعالى: "إنَّ في ذلكَ لآيةً لِمَنْ خافَ عَذابَ
الآخِرةِ" إلى قوله: "فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ" هود. ثم صاح وبكى،
وطرح وجهه على الأرض زماناً، ثم مسح وجهه، وقال: سبحان من تكلم بهذا في
القدم ! سبحان من هذا كلامه ! فصبرت ساعةً، ثم سلمت، ثم قلت: أرى في
وجهك أثر غيظ ؟ قال: لا، بل أنشدت شيئاً من كلام المخلوق، وتلوت شيئاً
من كلام الخالق، فلحقني ما ترى. فتحققت صحة دينه.
وبه: قال السلفي: سمعت أبا زكريا التبريزي يقول: أفضل من قرأت عليه أبو
العلاء. وسمعت أبا المكارم بأبهر وكان من أفراد الزمان يقول: لما توفي
أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعراً، وختم في أسبوع واحد مئتا
ختمة. إلى أن قال السلفي: وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر، والأدب
الباهر، والمعرفة بالنسب وأيام العرب، قرأ القرآن بروايات، وسمع الحديث
على ثقات، وله في التوحيد وإثبات النبوات، وما يحض على الزهد، وإحياء
طرق الفتوة والمروءة شعر كثير، والمشكل منه، فله على زعمه تفسير.
قال غرس النعمة: حدثنا الوزير أبو نصر بن جهير، حدثنا المنازي الشاعر
قال: اجتمعت بأبي العلاء، فقلت: ما هذا الذي يروى عنك ؟ قال: حسدوني،
وكذبوا علي. فقلت: على ماذا حسدوك، وقد تركت لهم الدنيا والآخرة ؟
فقال: والآخرة ؟! قلت: إي والله.
ثم قال غرس النعمة: وأذكر عند ورود الخبر بموته وقد تذاكرنا إلحاده،
ومعنا غلام يعرف بأبي غالب بن نبهان من أهل الخير والفقه، فلما كان من
الغد، حكى لنا قال: رأيت البارحة شيخاً ضريراً على عاتقه أفعيان
متدليان إلى فخذيه، وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحماً،
ويزدرده، وهو يستغيث، فهالني، وقلت: من هذا ؟ فقيل لي: هذا أبو العلاء
المعري الملحد.
ولأبي العلاء.
لا تجلسن حرّةٌ مـوفّـقةٌ |
|
مع ابن زوجٍ لها ولا ختن |
فذاك خيرٌ لها وأسلم لـل |
|
إنسان إنّ الفتى من الفتن |
أنشدنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك، أنشدنا جعفر بن علي، أنشدنا السلفي، أنشدنا أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأسدي، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه:
رغبت إلى الدّنيا زمانـاً فـلـم تـجـد |
|
بغـير عـنـاءٍ والـحـياة بـــلاغ |
وألقى ابنه اليأس الـكـريم وبـنـتـه |
|
لديّ فـعـنــدي راحةٌ وفـــراغ |
وزاد فساد النّـاس فـي كـلّ بـلـدةٍ |
|
أحاديث مـينٍ تـفـتـرى وتـصـاغ |
ومن شرّ ما أسرجت في الصّبح والدّجى |
|
كميتٌ لهـا بـالـشّـاربـين مـراغ |
وبه:
أوحى المليك إلى من في بسيطـتـه |
|
من البريّة جوسوا الأرض أو حوسوا |
فأنتم قوم سـوءٍ لا صـلاح لـكـم |
|
مسعودكم عند أهل الرأي منحـوس |
أنشدنا موسى بن محمد ببعلبك، أنشدنا الشرف الإربلي، أنشدنا أحمد بن مدرك القاضي، أنشدني أبو جعفر محمد بن مؤيد بن أحمد بن حواري، أنشدنا جدي أبو اليقظان أحمد، أنشدنا أبو العلاء بن سليمان لنفسه:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السّمـر |
|
لعلّ بالجزع أعواناً على السّـهـر |
وإن بخلت على الأحياء كـلّـهـم |
|
فاسق المواطر حيّاً من بني مطـر |
ويا أسيرة حجليهـا أرى سـفـهـاً |
|
حمل الحليّ لمن أعيى عن النّظـر |
ما سرت إلا وطيفٌ منك يطرحني |
|
يسري أمامي وتأويباً على أثـري |
لو حطّ رحلي فوق النجم رافـعـه |
|
ألفيت ثمّ خيالاً منك منـتـظـري |
يودّ أنّ ظـلام الـلـيل دام لــه |
|
وزيد فيه سواد القلب والبـصـر |
لو اختصرتم من الإحسان زرتكـم |
|
والعذب يهجر للإفراط في الخصر |
وهي
طويلة بديعة نيف وسبعون بيتاً، وشعره من هذا النمط.
قيل: إنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي علـيّ |
|
وما جنيت على أحد |
قلت:
الفلاسفة يعدون اتخاذ الولد وإخراجه إلى الدنيا جنايةً عليه، ويظهر لي
من حال هذا المخذول أنه متحير لم يجزم بنحلة. اللهم فاحفظ علينا
إيماننا. ونقل القفطي أن أبا العلاء قال: لزمت مسكني منذ سنة أربع مئة،
واجتهدت أن أتوفر على الحمد والتسبيح، إلا أن أضطر إلى غير ذلك، فأمليت
أشياء تولى نسخها أبو الحسن ابن أبي هاشم في الزهد والعظات والتمجيد؛
فمن ذلك الفصول والغايات مئة كراسة، ومؤلف في غريب ذلك عشرون كراسة،
وإقليد الغايات في اللغة عشر كراريس، وكتاب الأيك والغصون ألف ومئتا
كراسة، وكتاب مختلف الفصول نحو أربع مئة كراس، وتاج الحرة في وعظ
النساء نحو أربع مئة كراسة، والخطب مجلد، وكتاب في الخيل عشر كراريس،
وكتاب خطبة الفصيح خمس عشرة كراسة، وترسيل الرموز مجلد، ولزوم ما لا
يلزم نحو مئة وعشرين كراسة، وزجر النابح مجلد، وكتاب نجر الزجر مقداره،
وكتاب شرح لزوم ما لا يلزم ثلاث مجلدات، وكتاب ملقى السبيل جزء، ومواعظ
في مجلد، وخماسية الراح في ذم الخمر عشر كراريس قلت: أظنه يعني
بالكراسة ثلاث ورقات وكتاب سقط الزند، وكتاب القوافي والأوزان ستون
كراسة، وسرد أشياء كثيرة أدبيات، وكتابه في الزهد، يعرف بكتاب استغفر
واستغفري منظوم نحو عشرة آلاف بيت، المجموع خمسة وخمسون مصنفاً. قال:
في نحو أربعة آلاف ومئة وعشرين كراسة.
قلت: قد قدرت لك الكراسة.
قال القفطي: أكثر كتبه عدمت، وسلم منها ما خرج عن المعرة قبل استباحة
الكفار لها.
قلت: قبره داخل المعرة في مكان داثر، وقد حدث عنه أبو طاهر بن أبي
الصقر الأنباري، وطائفة، وقد طال المقال، وما على الرجل أنس زهاد
المؤمنين، والله أعلم بما ختم له. ومن خبيث قوله:
أتى عيسى فبطّل شرع موسـى |
|
وجاء محمّدٌ بصـلاة خـمـس |
وقالوا: لا نـبـيٌّ بـعـد هـذا |
|
فضلّ القوم بـين غـدٍ وأمـس |
ومهما عشت من دنـياك هـذي |
|
فما تخليك من قمر وشـمـس |
إذا قلت المحال رفعت صوتـي |
|
وإن قلت الصحيح أطلت همسي |
وممن رثاه تلميذه أبو الحسن علي، فقال:
إن كنت لم ترق الدّماء زهادةً |
|
فلقد أرقت اليوم من جفني دما |
سيّرت ذكرك في البلاد كأنّـه |
|
مسكٌ فسامعةً يضمّخ أو فمـا |
وأرى الحجيج إذا أرادوا لـيلةً |
|
ذكراك أخرج فديةً من أحرما |
وممن
روى عنه أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، ومات قبله، وغالب بن عيسى
الأنصاري.
وكانت علته ثلاثة أيام، ومات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع
وأربعين وأربع مئة، وعاش ستاً وثمانين سنة.
الإمام العلامة، القدوة، المفسر، المذكر، المحدث، شيخ الإسلام، أبو
عثمان، إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عابد
بن عامر، النيسابوري، الصابوني.
ولد سنة ثلاث وسبعين وثلاث مئة.
وأول مجلس عقده للوعظ إثر قتل أبيه في سنة ثنتين وثمانين وهو ابن تسع
سنين.
حدث عن: أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وأبي بكر ابن مهران،
وأبي محمد المخلدي، وأبي طاهر بن خزيمة، وأبي الحسين الخفاف، وعبد
الرحمن بن أبي شريح، وزاهر بن أحمد الفقيه، وطبقتهم، ومن بعدهم.
حدث عنه: الكتاني، وعلي بن الحسين بن صصرى، ونجا بن أحمد، وأبو القاسم
بن أبي العلاء، والبيهقي، وابنه عبد الرحمن بن إسماعيل، وخلق آخرهم أبو
عبد الله محمد بن الفضل الفراوي.
قال أبو بكر البيهقي: حدثنا إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً،
أبو عثمان الصابوني. ثم ذكر حكاية.
وقال أبو عبد الله المالكي: أبو عثمان ممن شهدت له أعيان الرجال
بالكمال في الحفظ والتفسير. وقال عبد الغافر في السياق: الأستاذ أبو
عثمان إسماعيل الصابوني شيخ الإسلام، المفسر المحدث، الواعظ، أوحد وقته
في طريقه، وعظ المسلمين سبعين سنةً، وخطب وصلى في الجامع نحواً من
عشرين سنة، وكان حافظاً، كثير السماع والتصانيف، حريصاً على العلم، سمع
بنيسابور وهراة وسرخس والحجاز والشام والجبال، وحدث بخراسان والهند
وجرجان والشام والثغور والحجاز والقدس، ورزق العز والجاه في الدين
والدنيا، وكان جمالاً للبلد، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمع على
أنه عديم النظير، وسيف السنة، ودامغ البدعة، وكان أبوه الإمام أبو نصر
من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل المذهب، وقتل، فأقعد ابنه هذا
ابن تسع سنين، فأقعد بمجلس الوعظ، وحضره أئمة الوقت، وأخذ الإمام أبو
الطيب الصعلوكي في ترتيبه وتهيئة شأنه، وكان يحضر مجلسه هو والأستاذ
أبو إسحاق الإسفراييني، والأستاذ أبو بكر بن فورك، ويعجبون من كمال
ذكائه، وحسن إيراده، حتى صار إلى ما صار إليه، وكان مشتغلاً بكثرة
العبادات والطاعات، حتى كان يضرب به المثل.
قال الحسين بن محمد الكتبي في تاريخه: في المحرم توفي أبو عثمان سنة
تسع وأربعين وأربع مئة.
وقال السلفي في معجم السفر: سمعت الحسن بن أبي الحر بسلماس يقول: قدم
أبو عثمان الصابوني بعد حجه ومعه أخوه أبو يعلى في أتباع ودواب، فنزل
على جدي أحمد بن يوسف الهلالي، فقام بجميع مؤنه، وكان يعقد المجلس كل
يوم، وافتتن الناس به، وكان أخوه فيه دعابة، فسمعت أبا عثمان يقول وقت
أن ودع الناس: يا أهل سلماس ! لي عندكم أشهر أعظ وأنا في تفسير آية وما
يتعلق بها، ولو بقيت عندكم تمام سنة لما تعرضت لغيرها، والحمد لله.
قال عبد الغافر في تاريخه: حكى الثقات أن أبا عثمان كان يعظ، فدفع إليه
كتاب ورد من بخارى، مشتمل على ذكر وباء عظيم بها، ليدعو لهم، ووصف في
الكتاب أن رجلاً خبازاً درهماً، فكان يزن، والصانع يخبز، والمشتري
واقف، فمات ثلاثتهم في ساعة.
فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ "أَفَأَمِنَ الّذِيْنَ
مَكَرُوا السَّيِّآتِ" النحل الآيات، ونظائرها، وبالغ في التخويف
والتحذير، وأثر ذلك فيه وتغير، وغلبه وجع البطن، وأنزل من المنبر يصيح
من الوجع، فحمل إلى حمام، فبقي إلى قريب المغرب يتقلب ظهراً لبطن، وبقي
أسبوعاً لا ينفعه علاج، فأوصى، وودع أولاده، ومات، وصلي عليه عقيب عصر
الجمعة رابع المحرم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى.
وأطنب عبد الغافر في وصفه، وأسهب، إلى أن قال: وقرأت في كتاب كتبه زين
الإسلام من طوس في التعزية لشيخ الإسلام: أليس لم يجسر مفتر أن يكذب
على رسول الله في وقته ؟ أليست السنة كانت بمكانه منصورةً، والبدعة
لفرط حشمته مقهورة ؟ أليس كان داعياً إلى الله، هادياً عباد الله،
شاباً لا صبوة له، كهلاً لا كبوة له، شيخاً لا هفوة له ؟ يا أصحاب
المحابر، وطؤوا رحالكم، قد غيب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب
المنابر، أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم.
قال الكتاني: ما رأيت شيخاً في معنى أبي عثمان زهداً وعلماً، كان يحفظ
من كل فن لا يقعد به شيء، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من
حفاظ الحديث.
قلت: ولقد كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما رآه
منصف إلا واعترف له.
قال معمر بن الفاخر: سمعت عبد الرشيد بن ناصر الواعظ بمكة، سمعت
إسماعيل بن عبد الغافر، سمعت الإمام أبا المعالي الجويني يقول: كنت
بمكة أتردد في المذاهب، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: عليك
باعتقاد ابن الصابوني.
قال عبد الغافر: ومما قيل في أبي عثمان قول الإمام أبي الحسن؛ عبد
الرحمن بن محمد الداوودي:
أودى الإمام الحبر إسماعـيل |
|
لهفي عليه ليس منـه بـديل |
بكت السّما والأرض يوم وفاته |
|
وبكى عليه الوحي والتّنـزيل |
والشمس والقمر المنير تناوحا |
|
حزناً عليه وللنّجـوم عـويل |
والأرض خاشعةٌ تبكّي شجوها |
|
ويلي تولول أين إسماعـيل ؟ |
أين الإمام الفرد فـي آدابـه |
|
ما إن له في العالمين عـديل |
لا تخدعنك منى الحياة فإنّهـا |
|
تلهي وتنسي والمنى تضلـيل |
وتأهّبن للموت قبل نزوله |
|
فالموت حتمٌ والبقاء قليل |
شيخ
القراء، أبو عبد الله، محمد بن علي بن محمد النيسابوري، الخبازي.
حدث بصحيح البخاري عن الكشميهني، رواه عنه الفراوي، وكان ارتحل إلى
الكشميهني.
قال ابن نقطة: قال عبد الغافر: شيخ نبيل، مشاور في فهم الأمور، مبجل في
المحافل، عارف بالقراءات، توفي في رمضان سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قلت: وولد سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
وتلا على والده أبي الحسين الخبازي، وعلى أبي بكر الطرازي، صاحب ابن
مجاهد.
وسمع من: أبي أحمد الحاكم، وجماعة. وكان ذا تعبد وتهجد.
روى عنه: مسعود الركاب، وتلا عليه الهذلي وغيره. ومات أبوه نحو سنة
أربع مئة.
الوزير الكبير، أبو طالب، محمد بن الوزير أبي الفضل؛ أيوب بن سليمان
المراتبي.
كان أبوه كاتب القادر.
ووزر هذا للقائم أيام ولاية عهده، ثم وزر للقادر بعد ابن حاجب النعمان،
ثم وزر للقائم بضع عشرة سنة.
وكان بليغاً مترسلاً، صاحب فنون، صنف كتاباً في الخراج، وروى ديوان
البحتري، عن الحسين بن محمد الخالع، عن أبي سهل القطان، عن أبي الغوث
بن البحتري. وروى عن أبي نصر بن نباتة شعره، روى عنه أبو الجوائز هبة
الله بن حمزة، وغيره.
ولد سنة سبعين وثلاث مئة.
ومات في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وهو القائل: الكتاب سبعة: الكامل الذي ينشئ ويملي ويكتب، والأعزل: وهو
المنشئ ولا خط له، والثالث: المبهم: وهو صاحب الخط ولا إنشاء له،
الرابع: الرقاعي: وهو من يجيد رقعةً ولا حظ له في طول نفس، الخامس:
المخبل: وهو ذو الحفظ والرواية، ولا عبارة له، فيجيء منه نديم، السادس:
المخلط؛ وهو الآتي بدره مع بعره، السابع: السكيت؛ وهو الذي يجهد نفسه
حتى يأتي بما يستحسن.
شارح
صحيح البخاري، العلامة أبو الحسن؛ علي بن خلف بن بطال البكري، القرطبي،
ثم البلنسي، ويعرف بابن اللجام.
أخذ عن: أبي عمر الطلمنكي، وابن عفيف، وأبي المطرف القنازعي، ويونس بن
مغيث.
قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية
التامة؛ شرح الصحيح في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستقضي بحصن لورقة.
توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قلت: كان من كبار المالكية. ذكره القاضي عياض.
الشيخ
الجليل، الأمين، أبو طالب، محمد بن علي بن الفتح الحربي، العشاري.
سمع أبا الحسن الدارقطني، وأبا الفتح القواس، وأبا حفص بن شاهين، وأبا
عبد الله بن بطة، ومحمد بن يوسف العلاف، والكتاني، والمخلص، وأبا بكر
بن شاذان، وعيسى بن الوزير، والمعافى.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقةً صالحاً، ولد في أول سنة ست وستين
وثلاث مئة. وقال لي: كان جدي طوالاً فقيل له: العشاري.
قلت: قد كان أبو طالب فقيهاً، عالماً، زاهداً، خيراً، مكثراً، صحب أبا
عبد الله بن بطة، وأبا عبد الله بن حامد، وتفقه لأحمد.
حدث عنه: أبو الحسين ابن الطيوري، وأبو علي البراداني، وشجاع الذهلي،
وأبو العز بن كادش، وأحمد بن قريش، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي
القاضي، وآخرون. وقد أدخل في سماعه ما لم يتفطن له.
قال ابن الطيوري: لما قدم عسكر طغرلبك لقي بعضهم ابن العشاري، فقال: يا
شيخ ! أيش معك ؟ قال: ما معي شيء. ثم ذكر أن في جيبه نفقةً، فناداه،
وأخرج ما معه، وقال: هذا معي. فهابه الرجل، وعظمه، ولم يأخذ النفقة.
قال ابن الطيوري: قال لي بعض أهل البادية: نحن إذا قحطنا، استسقينا
بابن العشاري، فنسقى.
وقيل: إن رجلاً قرأ على العشاري كتاب الرؤيا للدارقطني، فلما وصل إلى
خبر أم الطفيل؛ قال: وذكر الحديث، فقال للقارئ: اقرأ الحديث على وجهه،
فهو مثل السارية.
توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.
وتأهّبن للموت قبل نزوله |
|
فالموت حتمٌ والبقاء قليل |
شيخ
القراء، أبو عبد الله، محمد بن علي بن محمد النيسابوري، الخبازي.
حدث بصحيح البخاري عن الكشميهني، رواه عنه الفراوي، وكان ارتحل إلى
الكشميهني.
قال ابن نقطة: قال عبد الغافر: شيخ نبيل، مشاور في فهم الأمور، مبجل في
المحافل، عارف بالقراءات، توفي في رمضان سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قلت: وولد سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
وتلا على والده أبي الحسين الخبازي، وعلى أبي بكر الطرازي، صاحب ابن
مجاهد.
وسمع من: أبي أحمد الحاكم، وجماعة. وكان ذا تعبد وتهجد.
روى عنه: مسعود الركاب، وتلا عليه الهذلي وغيره. ومات أبوه نحو سنة
أربع مئة.
الوزير الكبير، أبو طالب، محمد بن الوزير أبي الفضل؛ أيوب بن سليمان
المراتبي.
كان أبوه كاتب القادر.
ووزر هذا للقائم أيام ولاية عهده، ثم وزر للقادر بعد ابن حاجب النعمان،
ثم وزر للقائم بضع عشرة سنة.
وكان بليغاً مترسلاً، صاحب فنون، صنف كتاباً في الخراج، وروى ديوان
البحتري، عن الحسين بن محمد الخالع، عن أبي سهل القطان، عن أبي الغوث
بن البحتري. وروى عن أبي نصر بن نباتة شعره، روى عنه أبو الجوائز هبة
الله بن حمزة، وغيره.
ولد سنة سبعين وثلاث مئة.
ومات في المحرم سنة ثمان وأربعين.
وهو القائل: الكتاب سبعة: الكامل الذي ينشئ ويملي ويكتب، والأعزل: وهو
المنشئ ولا خط له، والثالث: المبهم: وهو صاحب الخط ولا إنشاء له،
الرابع: الرقاعي: وهو من يجيد رقعةً ولا حظ له في طول نفس، الخامس:
المخبل: وهو ذو الحفظ والرواية، ولا عبارة له، فيجيء منه نديم، السادس:
المخلط؛ وهو الآتي بدره مع بعره، السابع: السكيت؛ وهو الذي يجهد نفسه
حتى يأتي بما يستحسن.
شارح
صحيح البخاري، العلامة أبو الحسن؛ علي بن خلف بن بطال البكري، القرطبي،
ثم البلنسي، ويعرف بابن اللجام.
أخذ عن: أبي عمر الطلمنكي، وابن عفيف، وأبي المطرف القنازعي، ويونس بن
مغيث.
قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة، عني بالحديث العناية
التامة؛ شرح الصحيح في عدة أسفار، رواه الناس عنه، واستقضي بحصن لورقة.
توفي في صفر سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قلت: كان من كبار المالكية. ذكره القاضي عياض.
الشيخ
الجليل، الأمين، أبو طالب، محمد بن علي بن الفتح الحربي، العشاري.
سمع أبا الحسن الدارقطني، وأبا الفتح القواس، وأبا حفص بن شاهين، وأبا
عبد الله بن بطة، ومحمد بن يوسف العلاف، والكتاني، والمخلص، وأبا بكر
بن شاذان، وعيسى بن الوزير، والمعافى.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان ثقةً صالحاً، ولد في أول سنة ست وستين
وثلاث مئة. وقال لي: كان جدي طوالاً فقيل له: العشاري.
قلت: قد كان أبو طالب فقيهاً، عالماً، زاهداً، خيراً، مكثراً، صحب أبا
عبد الله بن بطة، وأبا عبد الله بن حامد، وتفقه لأحمد.
حدث عنه: أبو الحسين ابن الطيوري، وأبو علي البراداني، وشجاع الذهلي،
وأبو العز بن كادش، وأحمد بن قريش، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي
القاضي، وآخرون. وقد أدخل في سماعه ما لم يتفطن له.
قال ابن الطيوري: لما قدم عسكر طغرلبك لقي بعضهم ابن العشاري، فقال: يا
شيخ ! أيش معك ؟ قال: ما معي شيء. ثم ذكر أن في جيبه نفقةً، فناداه،
وأخرج ما معه، وقال: هذا معي. فهابه الرجل، وعظمه، ولم يأخذ النفقة.
قال ابن الطيوري: قال لي بعض أهل البادية: نحن إذا قحطنا، استسقينا
بابن العشاري، فنسقى.
وقيل: إن رجلاً قرأ على العشاري كتاب الرؤيا للدارقطني، فلما وصل إلى
خبر أم الطفيل؛ قال: وذكر الحديث، فقال للقارئ: اقرأ الحديث على وجهه،
فهو مثل السارية.
توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.
الإمام الصالح، شيخ الصوفية، أبو الحسين، محمد بن الحسين بن علي بن
الترجمان العزي.
حدث عن: أبي بكر محمد بن أحمد الحندري المقرئ، وبكير ابن محمد
الطرسوسي، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، والحسن بن إسماعيل الضراب،
وأبي سعد الماليني، وعلي بن أحمد الحندري، وعدة. أنبئت عن القاسم بن
علي: أخبرنا أبي، سمعت معمر بن الفاخر، سمعت أحمد بن محمد بن الفضل،
وعبد الرحيم بن علي الحاجي يقولان: سمعنا محمد بن طاهر الحافظ، سمعت
المرتضى أبا الحسن المطهر بن علي العلوي بالري يقول: سمعت أبا سعد
السمان إمام المعتزلة، يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة
الإسلام.
وبه: قال علي: سألت أبا منصور عبد الرحيم بن مظفر بالري عن وفاة أبي
سعد السمان الرازي، فقال، في سنة ثلاث وأربعين. قال: وكان عدلي المذهب
يعني معتزلياً وكان له ثلاثة آلاف وست مئة شيخ، وصنف كتباً كثيرة، ولم
يتأهل قط.
وقال الحافظ عبد العزيز الكتاني: كان أبو سعد من الحفاظ الكبار، زاهداً
ورعاً، وكان يذهب إلى الاعتزال.
أنبؤونا عن القاسم بن علي: حدثنا أبو محمد عمر بن محمد الكلبي قال:
وجدت على ظهر جزء: مات الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي السمان في شعبان
سنة خمس وأربعين وأربع مئة، شيخ العدلية وعالمهم، وفقيههم ومحدثهم،
وكان إماماً بلا مدافعة في القراءات، والحديث والرجال، والفرائض
والشروط، عالماً بفقه أبي حنيفة، وبالخلاف بين أبي حنيفة والشافعي وفقه
الزيدية.
قال: وكان يذهب مذهب الحسن البصري، ومذهب الشيخ أبي هاشم، ودخل الشام
والحجاز والمغرب، وقرأ على ثلاثة آلاف شيخ، وقصد أصبهان في آخر عمره
لطلب الحديث.
قال: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، كان تاريخ الزمان وشيخ
الإسلام.
قلت: وذكر أشياء في وصفه، وأنى يوصف من قد اعتزل وابتدع، وبالكتاب
والسنة فقل ما انتفع ؟ فهذا عبرة، والتوفيق فمن الله وحده.
هتف الذّكاء وقال لست بنافعٍ |
|
إلا بتوفيقٍ من الـوهّـاب |
وأما
قول القائل: كان يذهب مذهب الحسن، فمردود، قد كانت هفوة في ذلك من
الحسن، وثبت أنه رجع عنها ولله الحمد.
وأما أبو هاشم الجبائي، وأبوه أبو علي فمن رؤوس المعتزلة، ومن الجهلة
بآثار النبوة، برعوا في الفلسفة والكلام، وما شموا رائحة الإسلام، ولو
تغرغر أبو سعد بحلاوة الإسلام، لانتفع بالحديث. فنسأل الله تعالى أن
يحفظ علينا إيماننا وتوحيدنا.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر بن منير، أخبرنا أحمد بن محمد
الحافظ، أخبرنا علي بن الحسين بن مردك بالري، أخبرنا إسماعيل ابن علي
الحافظ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بمكة، أخبرنا إسماعيل بن العباس
الوراق، حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن
علي ر قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.
قرأت على عيسى بن عبد الرزاق، وسليمان بن قدامة، وأبي علي بن الخلال:
أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو علي المقرئ،
أخبرنا أبو سعد الحافظ، أخبرنا كوهي ابن الحسن، حدثنا محمد بن هارون
الحضرمي، حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، حدثنا عبد الرزاق قال: ما رأيت
أحسن صلاةً من ابن جريج، أخذ عن عطاء، وأخذ عطاء عن ابن الزبير، وأخذ
ابن الزبير عن أبي بكر الصديق، وأخذها أبو بكر عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وأخذها عن جبريل، عن الله عز وجل.
الشيخ
العالم، الصدوق، أبو بكر، محمد بن الواعظ الإمام أبي القاسم عبد الملك
بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي؛ مولاهم البغدادي، راوي سنن
الدارقطني عن المصنف.
وسمع عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، وأبا عمر بن حيويه، ومحمد بن
المظفر، وأبا بكر بن شاذان، وطبقتهم.
وكان من المكثرين الثقات.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وأبو طالب بن يوسف،
وابن عمه عبد الرحمن بن أحمد راوي السنن، وأبو علي البرداني، وعدة.
قال السلفي: سألت شجاعاً الذهلي عنه، فقال: كان شيخاً جيد السماع، حسن
الأصول، صدوقاً فيما يروي من الحديث، قد سمعت منه.
وقال أبو بكر الخطيب: مولده في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاث
مئة، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وأربع مئة. وفيها مات
كبير الشافعية بعد أبي الطيب الإمام أبو سعيد أحمد ابن محمد بن علي بن
نمير الخوارزمي الضرير، والأديب أبو غانم حميد ابن المأمون الهمذاني،
وأبو محمد عبد الله بن الوليد المالكي، راوي السيرة عن ابن أبي زيد،
وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري، وأبو الحسن علي
بن أحمد بن علي الفالي المؤدب؛ بصري، وأبو الحسن علي بن إبراهيم
الباقلاني، وأبو حفص عمر بن أحمد بن عمر بن مسرور الزاهد، وأبو الحسن
محمد ابن الحسين ابن الطفال بمصر، ومحمد بن الحسين بن الترجمان الغزي،
شيخ الصوفية، والعلامة أبو طاهر محمد بن عبد الواحد الصباغ الشافعي؛
والد العلامة أبي نصر الشافعي، وأبو الفرج محمد ابن عبد الواحد
الدارمي، الشافعي، مفتي دمشق.
الإمام الحافظ، المحدث، المسند، بقية المشايخ، أبو مسعود؛ أحمد بن محمد
بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان البجلي، الرازي ثم النيسابوري.
مولده سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
وبكر به أبوه المحدث الزاهد محمد بن عبد الله، فأسمعه من: أبي سعيد بن
عبد الوهاب الرازي، وأبي عمرو بن حمدان، وحسينك بن علي التميمي، وأبي
طاهر بن خزيمة.
وطلب هذا الشأن، وبرز فيه على الأقران.
وروى أيضاً عن أبي النضر محمد بن أحمد الشرمغولي، وأبي بكر الطرازي،
وأبي الحسين القنطري، وأبي محمد المخلدي، وشافع الإسفراييني، وأبي بكر
بن لال، وأحمد بن فراس المكي، وأبي الحسن ابن جهضم، وابن فارس اللغوي،
وخلق.
وكان يسافر في التجارة كثيراً، كثير الأصول، عارفاً بالحديث، جيد
الفهم، وثقه جماعة.
حدث عنه: يحيى بن شراعة، وعبد الواحد بن أحمد الهمداني الخطيب، وأبو
الحسن علي بن محمد الجرجاني، وظريف النيسابوري، وعبد الرحمن بن محمد
التاجر، والحافظ إسماعيل بن عبد الغافر، وآخرون.
اتفق موته ببخارى في المحرم سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قال يحيى بن مندة: كان ثقةً، تاجراً، كثير الكتب، عارفاً بالحديث.
وفيها مات أبو العلاء بن سليمان التنوخي المعري صاحب التواليف، وأبو
العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن النعمان الأصبهاني الصائغ،
وشيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، وشارح الصحيح أبو الحسن علي بن خلف
بن بطال القرطبي، والمقرئ أبو عبد الله محمد بن علي الخبازي
النيسابوري، وشيخ الإمامية أبو الفتح الكراجكي الرافضي.
الإمام العلامة، أقضى القضاة، أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب البصري،
الماوردي، الشافعي، صاحب التصانيف.
حدث عن: الحسن بن علي الجبلي، صاحب أبي خليفة الجمحي. وعن محمد بن عدي
المنقري، ومحمد بن معلى، وجعفر بن محمد بن الفضل.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، ووثقه، وقال: مات في ربيع الأول سنة خمسين
وأربع مئة، وقد بلغ ستاً وثمانين سنة، وولي القضاء ببلدان شتى، ثم سكن
بغداد.
قال أبو إسحاق في الطبقات: ومنهم أقضى القضاة الماوردي، تفقه على أبي
القاسم الصيمري بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفراييني، ودرس
بالبصرة وبغداد سنين، وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير، وأصول الفقه
والأدب، وكان حافظاً للمذهب. مات ببغداد.
وقال القاضي شمس الدين في وفيات الأعيان: من طالع كتاب الحاوي له يشهد
له بالتبحر ومعرفة المذهب، ولي قضاء بلاد كثيرة، وله تفسير القرآن
سماه: النكت، وأدب الدنيا والدين، والأحكام السلطانية، وقانون الوزارة
وسياسة الملك، والإقناع، مختصر في المذهب.
وقيل: إنه لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته، وجمعها في موضع، فلما
دنت وفاته، قال لمن يثق به: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي،
وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نيةً خالصةً، فإذا عاينت الموت، ووقعت في
النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل
مني شيء منها، فاعمد إلى الكتب، وألقها في دجلة، وإن بسطت يدي، فاعلم
أنها قبلت.
قال الرجل: فلما احتضر، وضعت يدي في يده، فبسطها، فأظهرت كتبه.
قلت: آخر من روى عنه أبو العز بن كادش.
قال أبو الفضل بن خيرون: كان رجلاً عظيم القدر، متقدماً عند السلطان،
أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن، بينه وبين القاضي أبي الطيب
في الوفاة أحد عشر يوماً. وقال أبو عمرو بن الصلاح: هو متهم بالاعتزال،
وكنت أتأول له، وأعتذر عنه، حتى وجدته يختار في بعض الأوقات أقوالهم،
قال في تفسيره: لا يشاء عبادة الأوثان. وقال في: "جَعَلْنَا لِكُلِّ
نَبِيٍّ عَدُوّاً" الأنعام: معناه: حكمنا بأنهم أعداء، أو تركناهم على
العداوة، فلم نمنعهم منها. فتفسيره عظيم الضرر، وكان لا يتظاهر
بالانتساب إلى المعتزلة، بل يتكتم، ولكنه لا يوافقهم في خلق القرآن،
ويوافقهم في القدر، قال في قوله: "إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ" القمر: أي بحكم سابق. وكان لا يرى صحة الرواية بالإجازة.
وروى خطيب الموصل، عن ابن بدران الحلواني، عن الماوردي.
وفيها مات القاضي أبو الطيب الطبري، وأبو عبد الله الحسين بن محمد
الوني، والمحدث علي بن بقاء الوراق، وأبو القاسم عمر بن الحسين الخفاف،
ورئيس الرؤساء علي بن المسلمة الوزير، وأبو الفتح منصور بن الحسين
التاني.
الشيخ، الإمام، المحدث الصدوق، مسند الآفاق، أبو محمد؛ الحسن بن علي بن
محمد بن الحسن الشيرازي ثم البغدادي، الجوهري، المقنعي.
قال: ولدت في شعبان سنة ثلاث وستين وثلاث مئة.
سمع من: أبي بكر القطيعي في سنة ثمان وستين، وأبي عبد الله العسكري،
وعلي بن لؤلؤ الوراق، وعلي بن محمد بن كيسان، ومحمد ابن إبراهيم
العاقولي: وأبي علي محمد بن أحمد العطشي، وعلي ابن إبراهيم بن أبي عزة،
وعلي بن محمد بن أبي العصب، وأبي حفص الزيات، والحسين بن محمد بن عبيد
الدقاق، وعبد العزيز بن الحسن الصيرفي، والحسن بن جعفر السمسار، وعبيد
الله بن أحمد بن يعقوب، وعمر بن شاهين، ومحمد بن إسحاق القطيعي، ومحمد
بن زيد بن مروان، ومحمد بن أحمد بن كيسان، ومحمد بن المظفر، وعبد
العزيز بن جعفر الخرقي، وأبي عمر بن حيويه، وأبي بكر بن شاذان، وأبي
الحسن الدارقطني، وعدد كثير.
وكان من بحور الرواية. روى الكثير، وأملى مجالس عدة.
وحدث عن القطيعي بمسند العشرة، ومسند أهل البيت من المسند، وبالأجزاء
القطيعيات الخمسة، وغير ذلك. وكان آخر من روى في الدنيا عنه بالسماع
والإذن.
قال الخطيب: كان ثقة أميناً، كتبنا عنه. مات في سابع ذي القعدة سنة
أربع وخمسين وأربع مئة.
قلت: عاش نيفاً وتسعين سنة، وقيل له: المقنعي، لأنه كان يتطيلس ويتحنك
كالمصريين.
حدث عنه: أبو نصر بن ماكولا، وأبو علي البرداني، وأبي النرسي، وأحمد بن
بدران الحلواني، والحسن بن أحمد السقلاطوني، وأبو نصر محمد بن هبة الله
بن المأمون، ومحمد بن عبد الباقي الدوري، ومحمد بن علي بن طالب الخرقي،
ومبارك بن عمار الوتار، والمعمر بن محمد الأنماطي، وأبو الخطاب محفوظ
بن أحمد الحنبلي، ومظفر بن علي المالحاني، وأبو الوفاء علي بن عقيل،
وهبة الله بن محمد الفرضي، وهبة الله بن علي الدينوري، ويحيى بن حمزة
الحداد، ومحمد بن علي ابن عياش الدباس، وأبو طالب بن يوسف، وقراتكين بن
أسعد، وأحمد ابن محمد بن ملوك، وهبة الله بن الحصين الكاتب، وأبو غالب
ابن البناء، وقاضي المرستان أبو بكر الأنصاري؛ خاتمة من سمع منه. وروى
عنه بالإجازة زاهر بن طاهر الشحامي، وأبو منصور محمد بن عبد الملك ابن
خيرون المقرئ.
ومات معه في سنة أربع أبو سعد أحمد بن إبراهيم بن أبي شمس النيسابوري
المقرئ، والعلامة أبو نصر زهير بن الحسن السرخسي، تلميذ أبي حامد
الإسفراييني؛ يروي عن زاهر بن أحمد. وكبير النحاة أبو الحسين طاهر بن
بابشاذ المصري الجوهري، والإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن بندار
الرازي المقرئ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن المظفر المصري الكحال، ومسند
سمرقند أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الفارسي، والحافظ أبو حفص عمر بن
عبيد الله الزهراوي القرطبي، يروي عن أبي محمد بن أسد. وقاضي مصر أبو
عبد الله بن سلامة القضاعي؛ مؤلف الشهاب، وصاحب المغرب المعز بن باديس
الحميري شرف الدولة. وطالت أيامه.
الشيخ
العالم، الرئيس النبيل، أبو القاسم، علي بن محمد بن يحيى بن محمد
السلمي، الحبشي، الدمشقي، المعروف بالسميساطي، واقف الخانقاه التي كانت
دار أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.
حدث عن: أبيه، وعبد الوهاب الكلابي.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وإبراهيم بن يونس المقدسي، وأبو القاسم
النسيب، وأبو الحسن علي بن قبيس المالكي، وأبو الحسن ابن سعيد، وآخرون.
قال ابن عساكر: كان متقدماً في علم الهندسة والهيئة.
وقال الكتاني: مات في ربيع الآخر، سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة، وقد أشرف
على الثمانين، ودفن بداره التي وقفها على الصوفية، ووقف علوها على
الجامع، ووقف أكثر نعمته، وكان يذكر أنه ولد في رمضان سنة أربع وسبعين
وثلاث مئة. سمع الموطأ وجزء ابن خريم من الكلابي.
قلت: قبره بالخانقاه يزار.
العلامة أبو إسحاق، إبراهيم بن العباس الجيلي، الشافعي، من علماء جرجان
وأذكيائهم.
روى عن: أبي طاهر بن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي.
قال علي بن محمد الجرجاني في تاريخه: لم يبق بنيسابور من يقاربه ولا من
يقارنه. صار إليه التدريس والفتوى، وتوفي في رجب سنة إحدى وخمسين وأربع
مئة.
الشيخ
الصالح، الثقة، المعمر، أبو القاسم، إبراهيم بن منصور ابن إبراهيم بن
محمد السلمي، الكراني، الأصبهاني، ويعرف بسبط بحرويه. وكران: محلة من
أصبهان.
ولد سنة اثنتين وستين وثلاث مئة.
وسمع مسند أبي يعلى الموصلي من أبي بكر بن المقرئ، وكتاب التفسير لعبد
الرزاق.
حدث عنه يحيى بن مندة، وقال: كان رحمه الله صالحاً عفيفاً، ثقيل السمع،
مات في ربيع الأول، سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
قلت: وحدث عنه أيضاً: سعيد بن أبي الرجاء، والحسين بن عبد الملك
الخلال، وفاطمة العلوية أم المجتبى. وآخرون.
الإمام العلامة، شيخ المالكية، أبو الفضل؛ محمد بن عبيد الله بن أحمد
بن محمد بن عمروس البغدادي، المالكي.
مولده سنة اثنتين وسبعين وثلاث مئة.
سمع أبا حفص بن شاهين، وأبا القاسم بن حبابة، وأبا طاهر المخلص،
وغيرهم.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وقال: انتهت إليه الفتوى ببغداد.
قلت: وكان من كبار المقرئين.
قال أبو إسحاق في طبقات الفقهاء: كان فقيهاً أصولياً صالحاً.
وقال أبو الغنائم النرسي: كان رجلاً صالحاً، ممن انتهى إليه معرفة مذهب
مالك ببغداد.
وذكر ابن عساكر في تبيين كذب المفتري أنه توفي في أول سنة اثنتين
وخمسين وأربع مئة.
قلت: وفيها مات أمير مصر بعد دمشق، الموصوف بالشجاعة، ناصر الدولة
الحسين بن الحسن بن الحسين بن صاحب الموصل الحسن ابن عبد الله بن حمدان
التغلبي. وشيخ همذان أبو الحسن علي بن حميد الذهلي العابد، ومقرئ مصر
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي سعد القزويني.
الشيخ
المسند، العالم، أبو يعلى؛ إسحاق بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري،
الصابوني، أخو شيخ الإسلام أبي عثمان المذكور.
سمع كأخيه من: أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، وأبي
طاهر بن خزيمة، والحسن بن أحمد المخلدي، وأحمد ابن محمد القنطري
الخفاف، وأبي معاذ الشاه، وأبي طاهر المخلص، وعبد الرحمن بن أبي شريح
الهروي، وعدة.
وخرجت له عشرة أجزاء سمعناها. وكان ينوب في الوعظ عن أخيه.
قال أبو القاسم بن عساكر: حدثنا عنه زاهر بن طاهر، وأبو عبد الله
الفراوي، وهبة الله السيدي، وعبيد الله بن محمد البيهقي.
وقال عبد الغافر الفارسي: هو شيخ ظريف ثقة على طريقة الصوفية، سمع
بنيسابور وهراة وبغداد، ولد في سنة خمس وسبعين وثلاث مئة، ومات في ربيع
الآخر.
وقال غيره: توفي في تاسع ربيع الأول سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
قال السلفي: سمعت الحسن بن سعادة بسلماس يقول: قدم علينا أبو عثمان
الصابوني وأخوه، فنزل على جدي، فسمعنا منهما، وكان أبو يعلى فيه دعابة،
فكان بين يدي أخيه صحن حلاوة، فأكله، فأخذ جدي صحناً من جهة أبي يعلى،
فقربه إلى أبي عثمان، فقال أبو يعلى: أخي ما يكفيه ما هو فيه من
الأموال والحشمة حتى زاحمني هذه الحلاوة.
أخبرنا أحمد بن أبي الحسين، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن
طاهر، أخبرنا أبو يعلى الصابوني، أخبرنا أبو سعيد محمد بن الحسين
السمسار، حدثنا ابن خزيمة، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا عبد الرزاق،
حدثنا ابن جريج ومالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر: أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا
تأذين ابن أم مكتوم.
الإمام الحافظ، المجود المقرئ، الحاذق، عالم الأندلس، أبو عمرو؛ عثمان
بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي، مولاهم الأندلسي، القرطبي ثم
الداني، ويعرف قديماً بابن الصيرفي، مصنف التيسير وجامع البيان، وغير
ذلك.
ذكر أن والده أخبره أن مولدي في سنة إحدى وسبعين وثلاث مئة، فابتدأت
بطلب العلم في أول سنة ست وثمانين، ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين،
فمكثت بالقيروان أربعة أشهر، ثم توجهت إلى مصر، فدخلتها في شوال من
السنة، فمكثت بها سنةً، وحججت.
قال: ورجعت إلى الأندلس في ذي القعدة سنة تسع، وخرجت إلى الثغر في سنة
ثلاث وأربع مئة، فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم رجعت إلى قرطبة. قال:
وقدمت دانية سنة سبع عشرة وأربع مئة.
قلت: فسكنها حتى مات.
سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب؛ صاحب البغوي، وهو أكبر شيخ له،
وأحمد بن فراس المكي، وعبد الرحمن بن عثمان القشيري الزاهد، وعبد
العزيز بن جعفر بن خواستى الفارسي، نزيل الأندلس، وخلف بن إبراهيم بن
خاقان المصري، وتلا عليهما، وحاتم ابن عبد الله البزاز، وأحمد بن فتح
بن الرسان، ومحمد بن خليفة بن عبد الجبار، وأحمد بن عمر بن محفوظ
الجيزي، وسلمة بن سعيد الإمام، وسلمون بن داود القروي، وأبا محمد بن
النحاس المصري، وعلي بن محمد بن بشير الربعي، وعبد الوهاب بن أحمد بن
منير، ومحمد بن عبد الله بن عيسى الأندلسي، وأبا عبد الله بن أبي
زمنين، وأبا الحسن علي بن محمد القابسي، وعدة.
وتلا أيضاً على أبي الحسن طاهر بن غلبون، وأبي الفتح فارس ابن أحمد
الضرير، وسمع سبعة ابن مجاهد من أبي مسلم الكاتب بسماعه منه، وصنف
التصانيف المتقنة السائرة.
حدث عنه وقرأ عليه عدد كثير، منهم: ولده أبو العباس، وأبو داود سليمان
بن أبي القاسم نجاح، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن ابن الدش، وأبو
الحسين يحيى بن أبي زيد ابن البياز، وأبو الذواد مفرج الإقبالي، وأبو
بكر محمد بن المفرج البطليوسي، وأبو بكر بن الفصيح، وأبو عبد الله محمد
بن مزاحم، وأبو علي الحسين بن محمد ابن مبشر، وأبو القاسم خلف بن
إبراهيم الطليطلي، وأبو عبد الله محمد بن فرج المغامي، وأبو إسحاق
إبراهيم بن علي؛ نزيل الإسكندرية، وأبو القاسم ابن العربي، وأبو عبد
الله محمد بن عيسى بن الفرج التجيبي المغامي، وأبو تمام غالب بن عبيد
الله القيسي، ومحمد ابن أحمد بن سعود الداني، وخلف بن محمد المريي ابن
العريبي، وخلق كثير.
وروى عنه بالإجازة: أحمد بن محمد الخولاني، وأبو العباس أحمد بن عبد
الملك بن أبي حمزة المرسي؛ خاتمة من روى عنه في الدنيا، وعاش بعده
سبعاً وثمانين سنة، وهذا نادر ولا سيما في المغرب.
قال المغامي: كان أبو عمرو مجاب الدعوة، مالكي المذهب.
وقال الحميدي: هو محدث مكثر، ومقرئ متقدم، سمع بالأندلس والمشرق.
قلت: المشرق في عرف المغاربة مصر وما بعدها من الشام والعراق، وغير
ذلك، كما أن المغرب في عرف العجم وأهل العراق أيضاً مصر، وما تغرب
عنها.
قال أبو القاسم بن بشكوال: كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القرآن
رواياته وتفسيره ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمع في ذلك كله تواليف
حساناً مفيدة، وله معرفة بالحديث وطرقه، وإسماء رجاله ونقلته، وكان حسن
الخط، جيد الضبط، من أهل الذكاء والحفظ، والتفنن في العلم، ديناً
فاضلاً، ورعاً سنياً.
وفي فهرس ابن عبيد الله الحجري قال: والحافظ أبو عمرو الداني، قال بعض
الشيوخ: لم يكن في عصره ولا بعد عصره أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه، وكان
يقول: ما رأيت شيئاً قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا وحفظته، ولا حفظته
فنسيته. وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار وكلام السلف، فيوردها
بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها.
قلت: إلى أبي عمرو المنتهى في تحرير علم القراءات، وعلم المصاحف، مع
البراعة في علم الحديث والتفسير والنحو، وغير ذلك. ألف كتاب جامع
البيان في السبع ثلاثة أسفار في مشهورها وغريبها، وكتاب التيسير، وكتاب
الاقتصاد في السبع، وايجاز البيان في قراءة ورش، والتلخيص في قراءة ورش
أيضاً، والمقنع في الرسم، وكتاب المحتوى في القراءات الشواذ، فأدخل
فيها قراءة يعقوب وأبي جعفر، وكتاب طبقات القراء في مجلدات، والأرجوزة
في أصول الديانة، وكتاب الوقف والابتداء، وكتاب العدد، وكتاب التمهيد
في حرف نافع مجلدان، وكتاب اللامات والراءات لورش، وكتاب الفتن
الكائنة؛ مجلد يدل على تبحره في الحديث، وكتاب الهمزتين مجلد، وكتاب
الياءات مجلد، وكتاب الإمالة لابن العلاء مجلد. وله تواليف كثيرة صغار
في جزء وجزئين.
وقد كان بين أبي عمرو، وبين أبي محمد بن حزم وحشة ومنافرة شديدة، أفضت
بهما إلى التهاجي، وهذا مذموم من الأقران، موفور الوجود. نسأل الله
الصفح. وأبو عمر أقوم قيلاً، وأتبع للسنة، ولكن أبا محمد أوسع دائرةً
في العلوم، بلغت تواليت أبي عمرو مئةً وعشرين كتاباً.
وهو القائل في أرجوزته السائرة:
تدري أخي أين طريق الجنّـه |
|
طريقها القرآن ثمّ الـسّـنّـه |
كلاهما بـبـلـد الـرّسـول |
|
وموطن الأصحاب خير جيل |
فاتّبعن جمـاعة الـمـدينـه |
|
فالعلم عن نبـيّهـم يروونـه |
وهم فحجّةٌ علـى سـواهـم |
|
في النّقل والقول وفي فتواهم |
واعتمدن على الإمام مـالـك |
|
إذ قد حوى على جميع ذلـك |
في الفقه والفتوى إليه المنتهى |
|
وصحّة النقل وعلم من مضى |
منها:
وحكّ ما تجد لـلـقـياس |
|
داود في دفترٍ أو قرطاس |
من قوله إذ خرق الإجماعا |
|
وفارق الأصحاب والأتباعا |
واطّرح الأهواء والمـراء |
|
وكـلّ قـولٍ ولّـد الآراء |
منها:
ومن عقود السّنة الإيمان |
|
بكلّ ما جاء به القـرآن |
وبالحديث المسند المرويّ |
|
عن الأئمّة عن النّبـيّ |
وأنّ ربّنا قـديمٌ لـم يزل |
|
وهو دائمٌ إلى غير أجل |
منها:
كلّم موسى عبده تـكـلـيمـا |
|
ولم يزل مدبّـراً حـكـيمـا |
كلامـه وقـولـه قـــديم |
|
وهو فوق عرشه العـظـيم |
والقول في كتابه المفـصّـل |
|
بأنّـه كـلامـه الـمـنـزّل |
على رسوله النّبيّ الـصّـادق |
|
ليس بمخلوق ولا بـخـالـق |
من قال فيه: إنّه مـخـلـوق |
|
أو محدثٌ فقـولـه مـروق |
والوقف فيه بدعةٌ مـضـلّـه |
|
ومثل ذاك اللّفظ عند الجـلّـه |
كلا الفريقين من الجـهـمـيّه |
|
الواقفون فيه والـلّـفـظـيه |
أهون بقول جهمٍ الـخـسـيس |
|
وواصلٍ وبشرٍ الـمـريسـي |
ذي السّخف والجهل وذي العناد |
|
معـمّـر وابـن أبـي دواد |
وابن عبيدٍ شـيخ الاعـتـزال |
|
وشارع البـدعة والـضّـلال |
والجاحظ القادح في الإسـلام |
|
وجبت هذه الأمة الـنّـظّـام |
والفاسق المعروف بالجبّـائي |
|
ونجله السّفيه ذي الـخـنـاء |
والـلاّحـقـيّ وأبـي هـذيل |
|
مؤيدي الكـفـر بـكـلّ ويل |
وذي العمى ضرارٍ المرتـاب |
|
وشبههم من أهـل الارتـياب |
وبعد فالإيمان قـولٌ وعـمـل |
|
ونيّة عن ذاك ليس ينفـصـل |
فتـارةً يزيد بـالـتّـشـمـير |
|
وتارةً ينقص بالـتّـقـصـير |
وحبّ أصحاب النّبيّ فـرض |
|
ومدحهم تـزلّـفٌ وفـرض |
وأفضل الصّحابة الـصّـدّيق |
|
وبعده المهـذّب الـفـاروق |
منها:
ومن صحيح ما أتى به الخبر |
|
وشاع في النّاس قديماً وانتشر |
نزول ربّنـا بـلا امـتـراء |
|
في كلّ ليلةٍ إلى الـسّـمـاء |
من غير ما حدٍّ ولا تـكـييف |
|
سبحانه من قـادرٍ لـطـيف |
ورؤية المهيمـن الـجـبّـار |
|
وأنّنـا نـراه بـالأبـصـار |
يوم الـقـيامة بـلا ازدحـام |
|
كرؤية البدر بـلا غـمـام |
وضغطة القبر على المقبور |
|
وفتنة المنكر والـنّـكـير |
فالحمد للّه الـذي هـدانـا |
|
لواضح السّنّة واجتـبـانـا |
وهي
أرجوزة طويلة جداً.
مات أبو عمرو يوم نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربع مئة، ودفن ليومه بعد
العصر بمقبرة دانية، ومشى سلطان البلد أمام نعشه، وشيعه خلق عظيم، رحمه
الله تعالى.
الشيخ
العالم، المقرئ، المسند، أبو الحسين؛ محمد بن الشيخ أبي نصر أحمد بن
محمد بن أحمد بن حسنون، ابن النرسي البغدادي، صاحب تلك المشيخة.
سمع أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق، وعلي بن عمر الحربي، وابن أخي
ميمي، والمعافى الجريري، وطبقتهم ببغداد. وعبد الوهاب ابن الحسن
الكلابي، وغيره بدمشق.
حدث عنه أبو بكر الخطيب، وقال: كان ثقةً من أهل القرآن، ولد سنة سبع
وستين وثلاث مئة، وتوفي في صفر سنة ست وخمسين وأربع مئة.
قلت: وروى عنه أبو العز بن كادش، وأبو غالب بن البناء، والقاضي أبو بكر
بن عبد الباقي، وآخرون.
سمعنا مشيخته من أبي حفص القواس: أنبأنا الكندي، أخبرنا أبو بكر
الأنصاري، أخبرنا أبو الحسين رحمه الله.
ومات معه أبو الوليد الدربندي، وقاضي قرطبة سراج بن عبد الله الأموي،
وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلوائي، والمحدث عبد العزيز النخشبي،
وأبو القاسم بن برهان النحوي المتكلم، وأبو محمد ابن حزم، وأبو سعيد
محمد بن علي بن محمد الخشاب، والوزير عميد الملك الكندري.
الشيخ
الثقة، أبو الحسين، محمد بن أحمد بن محمد بن علي، ابن الآبنوسي
البغدادي.
سمع أبا القاسم بن حبابة، والدارقطني، وابن شاهين، وابن أخي ميمي، وعبد
الله بن محمد بن محارب الإصطخري، وأبا حفص الكتاني.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان سماعه صحيحاً، مات في سنة سبع وخمسين وأربع
مئة.
قلت: وله مشيخة في جزئين، رواها عنه أبو غالب أحمد بن البناء.
ومات فيها أبو إبراهيم أحمد بن القاسم بن ميمون الحسيني، وسعيد بن أبي
سعيد العيار، والموحد بن علي بن البري الدمشقي.
الشيخ
العالم الزاهد، المعمر، أبو عثمان، سعيد بن أبي سعيد؛ أحمد بن محمد بن
نعيم بن إشكاب النيسابوري، الصوفي، المعروف بالعيار.
ارتحل في سنة ثمان وسبعين وثلاث مئة، فسمع صحيح البخاري بمرو من محمد
بن عمر الشبوي، وسمع بنيسابور من أبي محمد المخلدي، وأبي طاهر بن
خزيمة، وأبي الفضل عبيد الله بن محمد الفامي، وأبي الحسين الخفاف،
وطائفة.
انتقى عليه أبو بكر البيهقي.
حدث عنه: محمد بن الفضل الفراوي، وزاهر الشحامي، وأبو المعالي محمد بن
إسماعيل الفارسي، وعدة، ومن أصبهان غانم بن أحمد الجلودي، وفاطمة بنت
محمد البغدادي، وحسين بن طلحة الصالحاني.
وعتيق بن الحسين الرويدشتي، وآخرون.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: سمع الصحيح بمرو.
قلت: وسمع بهراة من عبد الرحمن بن أبي شريح.
قال السلفي: سمعت أبا بكر السمعاني يقول: سمعت صاحب بن أبي صالح المؤذن
يقول: كان أبي سيء الرأي في سعيد العيار، ويطعن فيما روى عن بشر بن
أحمد الإسفراييني خاصة.
قلت: لهذا ما خرج له البيهقي عن بشر شيئاً، وسماعه منه ممكن، فقد ذكر
الحافظ ابن نقطة أن مولد العيار في سنة خمس وأربعين وثلاث مئة، وخرج له
البيهقي، عن زاهر بن أحمد.
قال فضل الله بن محمد الطبسي: كان العيار شيخاً بهياً ظريفاً، من أبناء
مئة واثنتي عشرة سنة. وذكر أنه كان لا يحدث بشيء، فرأى بدمشق رؤيا
حملته على أن روى. قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فتلقاني أبو
بكر برسالة منه يقول: كيف لا تروي أخباري وتنشرها ؟. قال: فأنا منذ ذلك
أطوف في البلدان، وأروي مسموعاتي.
قال غيث الأرمنازي: سألت جماعة: لم سمي العيار ؟ قالوا: لأنه كان في
ابتدائه يسلك مسالك العيارين.
قال ابن طاهر في كتاب الضعفاء: يتكلمون فيه لروايته كتاب اللمع، عن أبي
نصر السراج، وكان يزعم أنه سمع الأربعين لمحمد بن أسلم من زاهر
السرخسي.
قال محمد بن عبد الواحد الدقاق: روى العيار عن بشر بن أحمد، وبئس ما
فعل، أفسد سماعاته الصحيحة بروايته عنه.
قال عبد الغافر: مات العيار بغزنة في ربيع الأول، سنة سبع وخمسين وأربع
مئة. أخبرنا محمد بن عبد السلام، وأبو الفضل بن عساكر، عن عبد المعز
ابن محمد، أخبرنا الفضيلي محمد بن إسماعيل، أخبرنا سعيد بن محمد
العيار، أخبرنا عبيد الله بن محمد الصيرفي، أخبرنا محمد بن إسحاق،
حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة
قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط
ميتاً بغرة: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها توفيت، فقضى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على
عصبتها.
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة.
وفيها توفي أبو إبراهيم أحمد بن القاسم بن ميمون الحسيني بمصر، والموحد
بن علي بن البري بدمشق، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي، وعالي
بن النحوي عثمان بن جني.
الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبو يعلى؛ محمد بن الحسين ابن
محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة
الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب.
ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مئة.
وسمع علي بن عمر الحربي، وإسماعيل بن سويد، وأبا القاسم بن حبابة،
وعيسى بن الوزير، وابن أخي ميمي، وأم الفتح بنت أحمد بن كامل، وأبا
طاهر المخلص، وأبا الطيب بن منتاب، وابن معروف القاضي، وطائفة. وأملى
عدة مجالس.
حدث عنه: الخطيب، وأبو الخطاب الكلوذاني، وأبو الوفاء بن عقيل، وأبو
غالب بن البناء، وأخوه يحيى بن البناء، وأبو العز بن كادش، وأبو بكر
محمد بن عبد الباقي، وابنه القاضي أبو الحسين محمد بن محمد ابن الفراء،
وأبو سعد أحمد بن محمد الزوزني. وحدث عنه من القدماء المقرئ أبو علي
الأهوازي.
أفتى ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم
العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، وكان
أبوه من أعيان الحنفية، ومن شهود الحضرة، فمات ولأبي يعلى عشرة أعوام،
فلقنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذ له الفقه، وتحول إلى حلقة
أبي عبد الله بن حامد، شيخ الحنابلة، فصحبه أعواماً، وبرع في الفقه
عنده، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مئة، وأول سماعه من علي بن
معروف في سنة 385. وقد سمع بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر،
وبحلب، وجمع كتاب إبطال تأويل الصفات، فقاموا عليه لما فيه من الواهي
والموضوع، فخرج إلى العلماء من القادر بالله المعتقد الذي جمعه، وحمل
إلى القادر كتاب إبطال التأويل، فأعجبه، وجرت أمور وفتن نسأل الله
العافية ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة، وقال في الملأ:
القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت.
ثم ولي أبو يعلى القضاء بدار الخلافة والحريم، مع قضاء حران وحلوان،
وقد تلا بالقراءات العشر، وكان ذا عبادة وتهجد، وملازمة للتصنيف، مع
الجلالة والمهابة، ولم تكن له يد طولى في معرفة الحديث، فربما احتج
بالواهي.
تفقه عليه أبو الحسن البغدادي، وأبو جعفر الهاشمي، وأبو الغنائم بن
الغباري، وأبو علي بن البناء، وأبو الوفاء بن القواس، وأبو الحسن
النهري، وابن عقيل، وأبو الخطاب، وأبو الحسن بن جدا، وأبو يعلى الكيال،
وأبو الفرج الشيرازي.
ألف كتاب أحكام القرآن، ومسائل الإيمان، والمعتمد؛ ومختصره، والمقتبس،
وعيون المسائل، والرد على الكرامية، والرد على السالمية والمجسمة،
والرد على الجهمية، والكلام في الاستواء، والعدة في أصول الفقه؛
ومختصرها، وفضائل أحمد، وكتاب الطب، وتواليف كثيرة سقتها في تاريخ
الإسلام.
وكان متعففاً، نزه النفس، كبير القدر، ثخين الورع.
توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مئة.
ومات فيها البيهقي، وقاضي سارية أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السروي،
وأبو علي الحسن بن غالب المقرئ، وأبو الطيب عبد الرزاق بن شمة، وأبو
الحسن علي بن إسماعيل بن سيده، صاحب المحكم، والقاضي أبو عاصم محمد بن
أحمد بن محمد العبادي بهراة.
الفقيه العلامة، القاضي أبو عبد الله؛ محمد بن سلامة بن جعفر بن علي
القضاعي، المصري، الشافعي، قاضي مصر، ومؤلف كتاب الشهاب مجرداً
ومسنداً.
سمع أبا مسلم محمد بن أحمد الكاتب، وأحمد بن ثرثال، وأبا الحسن بن
جهضم، وأحمد بن عمر الجيزي، وأبا محمد بن النحاس المالكي، وعدة. حدث
عنه: أبو نصر بن ماكولا، وأبو عبد الله الحميدي، وأبو سعد عبد الجليل
الساوي، وسهل بن بشر الإسفراييني، وأبو القاسم النسيب، وأبو عبد الله
محمد بن أحمد بن الرازي، وآخرون من المغاربة والرحالة.
قال ابن ماكولا: كان متفنناً في عدة علوم، لم أر بمصر من يجري مجراه.
قال غيث الأرمنازي: كان ينوب في القضاء بمصر، وله تصانيف، منها: تاريخ
مختصر؛ من مبتدأ الخلق إلى زمانه في مجيليد، وكتاب أخبار الشافعي.
وقال غيره: له معجم لشيوخه، وكتاب دستور الحكم؛ كتب عنه الحفاظ كأبي
بكر الخطيب، وأبي نصر بن ماكولا.
وقال الفقيه نصر بن إبراهيم: قدم علينا القضاعي صور رسولاً من المصريين
إلى بلد الروم، فذهب ولم أسمع منه، ثم رويت عنه بالإجازة.
وقال السلفي: كان من الثقات الأثبات، شافعي المذهب والاعتقاد، مرضي
الجملة.
قال الحبال: مات بمصر في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وأربع مئة.
الشيخ
الجليل، الأمين، أبو بكر؛ أحمد بن منصور بن خلف بن حمود المغربي الأصل،
النيسابوري.
حدث عن: أبي طاهر بن خزيمة، وأبي محمد عبد الله بن أحمد الصيرفي،
والحافظ أبي بكر الجوزقي، وأبي محمد المخلدي، وعبيد الله بن محمد
الفامي، وأحمد بن محمد الخفاف، وأبي عمرو أحمد بن أبي الفراتي، وطائفة.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: أما شيخنا أبو بكر المغربي البزاز؛ أخو
خلف، فشيخ نظيف، طاف به وبأخيه أبوهما الشيخ منصور على مشايخ عصره،
فسمعا الكثير، وجمع لأبي بكر الفوائد. سمع منه الأئمة الكبار، ورزق
الرواية سنين، وعاش عيشاً نقياً. توفي سنة اثنتين وستين وأربع مئة. كذا
قال.
وقال غيره: توفي سنة ستين.
وقال أبو القاسم بن عساكر: توفي في رمضان سنة تسع وخمسين وأربع مئة.
قلت: حدث عنه: عبد الغافر الفارسي، وأبو عبد الله الفراوي، وأبو القاسم
الشحامي، وعبد الرحمن بن عبد الله البحيري، وآخرون.
وله أربعون حديثاً سمعناها.
أخبرنا أحمد بن هبة الله غير مرة، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم
ابن أبي سعيد المعلم، أخبرنا أحمد بن منصور، أخبرنا الحسن بن أحمد،
أخبرنا أبو العباس السراج، حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن
الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه، من كان في حاجة أخيه كان الله
في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم
القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
أخرجه البخاري، عن ابن بكير، ومسلم عن قتيبة معاً عن الليث.
وفيها مات أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق بالموصل، وأبو القاسم
الحنائي بدمشق، ومسند واسط القاضي أبو تمام علي بن محمد بن الحسن
المعتزلي، وأبو مسلم بن مهربزدا، وشيخ المالكية عبد الجليل ابن مخلوق
المصري، وقد شاخ.
الشيخ
الجليل، الأمين، أبو أحمد، عبد الواحد بن أحمد بن محمد ابن عبد الله بن
محمد بن إبراهيم بن يحيى بن مندة العبدي، الأصبهاني، المؤدب، البقال.
ويلقب بكله، وهو من أقارب الحافظ أبي عبد الله بن مندة.
حدث عن: عبيد الله بن جميل بمسند أحمد بن منيع، وحدث عن أبي بكر محمد
بن أحمد بن جشنس، ومحمد بن أحمد بن شهريار، وعبد الله بن عمر بن
الهيثم، وأبي عبد الله بن مندة، وطائفة.
حدث عنه: أبو علي الحداد، وسعيد بن أبي الرجاء الصيرفي؛ وسمع منه
الصيرفي هذا في سنة خمسين وأربع مئة وبعدها مسند ابن منيع.
توفي في صفر سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة.