الأنماطي

الأنماطي

الشيخ، المسند، الأمين، أبو القاسم، عبد العزيز بن علي بن أحمد ابن الحسين البغدادي الأنماطي، العتابي، من محلة العتابية، وهو ابن بنت السكري.
حدث عن: أبي طاهر المخلص.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان سماعه صحيحاً. حدث عنه: أبو بكر قاضي المارستان، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأحمد بن الطلاية الزاهد، وآخرون.
قال عبد الوهاب: هو ثقة.
قلت: مولده في سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة.
ومات في رجب سنة إحدى وسبعين وأربع مئة. وقع لنا من عواليه.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا المبارك بن أبي الجود، أخبرنا أحمد ابن أبي غالب الزاهد، أخبرنا عبد العزيز بن علي سنة ثمان وستين وأربع مئة، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني ابن أبي ذئب، عن شرحبيل، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يتصدق الرجل في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمئة دينار عند موته.
ومات معه صاحب دمشق أتسز الخوارزمي، وأبو علي بن البناء، وأبو علي الوخشي، وسعد بن علي الزنجاني، وعبد الباقي بن محمد ابن العطار الوكيل، وشيخ النحو عبد القاهر الجرجاني، وأبو عاصم الفضيلي، وأبو الفضل محمد بن عثمان القومساني زاهد همذان، وأبو الخير الصفار.

الفضيلي

الشيخ، الفقيه، الإمام، المسند، أبو عاصم، الفضيل بن يحيى بن الفضيل الفضيلي، الهروي.
حدث عن: عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، وأبي علي منصور ابن عبد الله الخالدي، وأبي الحسين بن بشران المعدل، وطائفة.
حدث عنه: عبد السلام بكبرة، ومحمد بن الحسين العلوي، وأبو الوقت عبد الأول السجزي، وجماعة سواهم، لا يحضرني الآن أسماؤهم.
مولده في سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة.
قال أبو سعد السمعاني: كان فقيهاً مزكياً، ثقة، صدوقاً، عمر وحمل عنه الكثير. مات في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.
أخبرنا محمد بن علي بن الواسطي، وأبو بكر ابن خطيب بيت الآبار، وطائفة سمعوا أبا المنجا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا الفضيل بن يحيى، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس، عن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا جزء من أربعين أو ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهي على رجل طائر، فإذا حدث بها، وقعت وأحسبه قال: لا يحدث بها إلا حبيباً أو لبيباً .
رواه الترمذي من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، فوقع لنا عالياً بدرجتين.

ابن المزكي

الشيخ، المحدث، العالم، الصدوق، النبيل، أبو بكر، محمد ابن المحدث أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه، المزكي النيسابوري.
سمع أباه، وأبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبا عبد الرحمن السلمي، وعبد الرحمن بن محمد بن بالويه، وأبا بكر الحيري، وخلقاً كثيراً.
حدث عنه: وجيه الشحامي، وأبو نصر الغازي، وأبو الأسعد بن القشيري، وخلق سواهم.
يقع لنا حديثه بإجازة.
وقد حدث عنه أبو بكر الخطيب في تاريخه، فقال: أخبرنا محمد ابن يحيى، حدثنا ابن بالويه، حدثنا محمد بن الحسن القطان، حدثنا قطن، فذكر حديثاً وقع لي عالياً في مجلس ابن بالويه.
قال الخطيب: كتبت عنه. وذكر أنه سمع أباه، وابن محمش، وعبد الرحمن بن بالويه، والسلمي، ثم عاد إلي بعد سنين، فحدث عن الحاكم، ولم يكن حدث عنه فيما تقدم.
قلت: هذا لا يدل على شيء. قال: ولم نر له أصلاً، إنما كان يروي من فروع.
وقال أبو سعد السمعاني: كان الخطيب متوقفاً فيه.
وقال عبد الغافر الفارسي: هو من أظرف المشايخ الذين لقيناهم، وأكثرهم سماعاً. روى عن نحو خمسين من أصحاب الأصم، وأكثر عن أبيه، وعن السلمي. وأملى ببغداد، فحضر مجلسه القاضي أبو الطيب الطبري، وحضره أكثر من خمس مئة محبرة، وأوصى لي بعد وفاته بالكتب والأجزاء.
بلغ عدد شيوخه خمس مئة شيخ.
وقال السمعاني: كان من أظرف المشايخ وأرغبهم في التجمل والنظافة، وأحفظهم لأيام المشايخ. خرج إلى الحج، وبقي بالعراق وغيرها نحواً من عشرين سنة، ثم رجع إلى نيسابور، وأملى، ورزق الرواية، ومتع بما سمع، سمع الحاكم، ثم سرد شيوخه. مات في رجب سنة أربع وسبعين وأربع مئة وله ثمانون سنة.
قلت: أدرك الحاكم وهو ابن عشر. وهو من بيت رواية، فلا ينكر لأبيه أن يسمعه من الحاكم.

ابن العطار

الشيخ الجليل، المسند، أبو منصور، عبد الباقي بن محمد بن غالب، البغدادي، الأزجي، ابن العطار، وكيل الخليفتين القائم والمقتدي.
سمع أبا طاهر المخلص، وأحمد بن الجندي.
روى عنه: يوسف بن أيوب الهمذاني، وعبد المنعم بن الشيخ أبي القاسم القشيري، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وعدة.
قال السمعاني: كان حسن السيرة، جميل الأمر، صحيح السماع.
وقال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً، قال لي: ولدت سنة أربع وثمانين وثلاث مئة.
توفي أبو منصور في ربيع الآخر، سنة إحدى وسبعين وأربع مئة وسماعاته قليلة.

شاهفور

العلامة المفتي، أبو المظفر، طاهر بن محمد الإسفراييني، ثم الطوسي، الشافعي، صاحب التفسير الكبير. كان أحد الأعلام.
حدث عن: ابن محمش، وأصحاب الأصم.
روى عنه: زاهر الشحامي، وغيره.
صاهر الأستاذ أبا منصور البغدادي.
توفي بطوس في سنة إحدى وسبعين وأربع مئة.
قرأت على ابن عباد، عن أبي روح، أخبرنا زاهر، أخبرنا طاهر بن محمد، أخبرنا ابن محمش الزيادي، أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد ابن منصور، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأستغفر الله في كل يوم مئة مرة.

ابن البسري

الشيخ الجليل، العالم الصدوق، مسند العراق، أبو القاسم؛ علي بن أحمد بن محمد بن علي بن البسري، البغدادي البندار.
سمع من: أبي طاهر المخلص، وأبي أحمد الفرضي، وأبي الحسن ابن الصلت المجبر، وإسماعيل بن الحسن الصرصري، وأبي عمر بن مهدي، وطائفة.
أجاز له عبد الله بن بطة العكبري، ونصر بن أحمد المرجي، ومحمد ابن جعفر التميمي، وغيرهم.
حدث عنه: الخطيب، والحميدي، وأبو علي البرداني، وأبو الفضل ابن المهتدي بالله، وعلي بن طراد الزبير، وإسماعيل بن السمرقندي، ويوسف بن أيوب الهمذاني، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، ومحمد بن طاهر المقدسي، وعبد الوهاب الأنماطي، وموهوب بن الجواليقي، وأبو الحسن بن الزاغوني، وأخوه أبو بكر المجلد، وسعيد بن أحمد بن البناء، ونصر بن نصر العكبري الواعظ، والحافظ محمد بن ناصر، وعدد كثير. وبالإجازة أبو المعالي محمد بن محمد بن اللحاس.
قال أبو سعد السمعاني: كان شيخاً صالحاً، عالماً ثقةً، عمر وحدث بالكثير، وانتشرت عنه الرواية، وكان متواضعاً، حسن الأخلاق، ذا هيئة ورواء.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً.
وقال إسماعيل الحافظ: شيخ ثقة. وأثنى عليه.
وسأله الخطيب عن مولده، فقال: في صفر سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
مات أبو القاسم في سادس رمضان، سنة أربع وسبعين وأربع مئة.

بيبى

الشيخة المعمرة، المسندة، أم الفضل وأم عزى، بيبى بنت عبد الصمد بن علي بن محمد، الهرثمية، الهروية.
روت عن: عبد الرحمن بن أبي شريح جزءاً عالياً اشتهر بها.
حدث عنها: محمد بن طاهر، ووجيه الشحامي، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشيرازي، وعبد الجبار بن أبي سعد الدهان، وأبو الوقت عبد الأول السجزي، وخلق، آخرهم موتاً عبد الجليل بن أبي سعد المعدل؛ الذي لحقه عبد القادر الرهاوي الحافظ. وقد روى أبو علي الحداد في معجمه، عن ثابت بن طاهر، عنها.
قال أبو سعد السمعاني: هي من قرية بخشة على بريد من هراة، صالحة، عفيفة، عندها جزء من حديث ابن أبي شريح، تفردت به، سمعه منها عالم لا يحصون. ولدت في حدود سنة ثمانين وثلاث مئة. ثم قال: وماتت في حدود سنة خمس وسبعين وأربع مئة.
قلت: عاشت إلى سنة سبع وسبعين وماتت في عشر المئة.
أخبرنا أحمد بن محمد بن الظاهري وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، وأخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا زكريا العلبي قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرتنا بيبى الهرثمية، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد، أخبرنا عبد الله البغوي، حدثنا مصعب الزبيري، حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم.

كركان

الشيخ القدوة، عالم الزهاد، أبو القاسم، عبد الله بن علي بن عبد الله الطوسي، الطابراني الكركاني، ويعرف بكركان.
كان شيخ الصوفية والمشار إليه بالأحوال والمجاهدة.
سمع حمزة بن عبد العزيز المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبا بكر الحيري. وبمكة من محمد بن أبي سعيد الإسفراييني. ذكره السمعاني، فعظمه وفخمه، وقال: حدثنا عنه ابن بنته عبد الواحد ابن الشيخ أبي علي الفارمذي، وعبد الجبار بن محمد الخواري.
توفي في ربيع الأول سنة تسع وستين وأربع مئة، وله الأصحاب والدويرة رحمه الله .
وفيها مات أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي المعدل، وأبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد الدمشقي، وحاتم بن محمد القرطبي ابن الطرابلسي المحدث، وأبو مروان حيان بن خلف بن حيان القرطبي، النحوي، مؤرخ الأندلس. وشيخ التعبير أبو المنجا حيدرة بن علي القحطاني الأنطاكي، وكان يحفظ في فن التعبير أزيد من عشرة آلاف ورقة، وأبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ، الجوهري النحوي بمصر، وأبو محمد بن هزارمرد الصريفيني الخطيب، والحافظ عمر بن أحمد الجوري الزاهد بنيسابور، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور الإشبيلي راوي الصحيح عن أبي ذر، وأبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن سكينة الأنماطي، يروي عن عبيد الله بن أحمد الصيدلاني، والمحدث نجاء بن أحمد بن عمرو الدمشقي العطار كهلاً، وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن محمد البحيري، راوي مسند أبي عوانة.

البستيغي

الشيخ المسند، أبو سعد، شبيب بن أحمد بن محمد بن خشنام النيسابوري، البستيغي، الحبار، الكرامي.
حدث عن: أبي نعيم الأزهري، وأبي الحسن العلوي، وجماعة.
وعنه: محمد بن الفضل الفراوي، وزاهر الشحامي، وأخوه وجيه، وإسماعيل بن المؤذن، وهبة الرحمن بن القشيري، وسعيد بن الحسين الجوهري، وعبد الغافر بن إسماعيل، وقال: هو شيخ صالح، صحيح السماع، مشتغل بكسبه.
وقال ابن ناصر: ذكر لي زاهر الشحامي أنه سمع منه، وقال لي: لم يكن يعرف الحديث، وكان كرامياً متغالياً.
وقال أبو سعد الحافظ السمعاني، كان صالحاً عفيفاً، سديد السيرة، روى عنه جدي في أماليه، وتوفي في حدود السبعين وأربع مئة، وولد قبل التسعين وثلاث مئة.
والكرامي: نسبة إلى ابن كرام المبتدع.

أبو مسلم الليثي

الشيخ، الإمام، المحدث، المفيد، الرحال، الطواف، أبو مسلم عمر بن علي بن أحمد بن الليث، الليثي، البخاري.
سمع من: أبي سهل عبد الكريم بن عبد الرحمن الكلاباذي، وعلي بن أحمد بن خنباج، ومحمد بن محمد بن حاضر الهراس، والحافظ يوسف بن منصور السياري، وعبد الملك بن علي الإمام، وعدة. وسمع بسمرقند من المطهر بن محمد الخاقاني، ومحمد بن جعفر الطبسي. وبكش من عبد العزيز ابن أحمد الحلوائي الفقيه. وببلخ أبا عمر محمد بن أحمد المستملي، وبغزنة مظفر بن الحسين، وعلي بن محمد الدينوري اللبان، وسعيداً العيار، وبهراة عطاء بن أحمد، وببوشنج منصور بن العباس التميمي، وبمرو أبا عمرو محمد ابن عبد العزيز القنطري، وأبا غانم الكراعي. وبنيسابور أبا حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وبهمذان وأصبهان. ثم قدم العراق، فسمع عبد الصمد بن المأمون وطبقته.
حدث عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وهبة الله بن المجلي، وأبو غالب بن البناء، وآخرون.
قال المؤتمن الساجي: كان حسن المعرفة، شديد العناية بالصحيح.
وقال شجاع: كان يحفظ ويفهم، ويعرف شيئاً من علم الحديث، وكان قريب الأمر في الرواية.
وقال خميس الحوزي: قال أبو مسلم: كتبت وكتب لي عشر رواحل. وأثنى عليه ابن الخاضبة.
وقال أبو زكريا بن منده: هو أحد من يدعي الحفظ، إلا أنه يدلس، ويتعصب لأهل البدع، أحول، شره، كلما هاجت ريح، قام معها، صنف مسند الصحيحين.
قلت: آل منده لا يعبأ بقدحهم في خصومهم، كما لا نلتفت إلى ذم خصومهم لم، وأبو مسلم ثقة في نفسه.
قال أحمد بن سلامة فيما أجازه لي عن خليل بن بدر سمع محمد بن عبد الواحد الدقاق يقول: الحفاظ الذين شاهدتهم: أبو مسلم الليثي، قدم علينا أصبهان، وكان أحفظ من رأيت للكتابين، جمع بين الصحيحين في أربعين سنة.
وقال شيرويه الديلمي: قدم علينا، ولم يقض لي السماع منه، وكان يحفظ ويدلس، حدثني عنه أبو القاسم بن البصري، مات بخوزستان سنة ست وستين وأربع مئة.
وقال أبو الفضل بن خيرون: مات بالأهواز سنة ثمان وستين، سمعت منه، وسمع مني. قال: وكان فيه تمايل عن أهل العلم، وعجب بنفسه رحمه الله .

البياضي

الشاعر، المحسن، الشريف، أبو جعفر، مسعود بن عبد العزيز بن المحسن الهاشمي، العباسي. له ديوان صغير قل ما فيه من المديح، ونظمه في الذروة، وهو القائل:

كيف يذوي عشـب أش

 

واقي ولي طرفٌ مطير

إن يكن في العشق حـرٌّ

 

فأنا الـعـبـد الأسـير

أو على الحسـن زكـاةٌ

 

فأنـا ذاك الـفـقـير

توفي في ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربع مئة.

حيدرة بن علي

أبو المنجا، القحطاني، الأنطاكي، إمام أهل التعبير.
روى عن: ابن أبي نصر، وجماعة.
وعنه: ابن الأكفاني، وجمال الإسلام، وعلي بن قبيس، وآخرون.
قال ابن الأكفاني: كان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وثلاث مئة ورقة.
قال: وكان شيخه عبد العزيز الشهرزوري يحفظ في ذلك عشرة آلاف ورقة.
قلت: يكون ذلك أربعين مجلداً.
توفي سنة تسع وستين وأربع مئة، وفي النفس من هذه الكثرة.

ابن مخلد

الشيخ الأمين، أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي الواسطي، البزاز.
سمع من: أبي عبد الله العلوي؛ الذي يروي عن خليل بن أبي رافع الطحان، صاحب تميم بن المنتصر. وسمع من أحمد بن عبيد بن بيري، وابن خزفة، وأبي علي بن معاذ، وطائفة. وعند أبي عبد الله الحسين بن محمد العلوي أيضاً مسند أحمد بن سنان القطان، يرويه عن علي بن عبد الله بن مبشر، عنه.
قال السلفي: سألت خميساً الحافظ عن ابن مخلد، فقال: سمع بإفادة أبيه، وكان ثقةً، جيد الخط، جيد الأصول، توفي سنة ثمان وستين وأربع مئة.
قلت: روى عنه ولده أبو المفضل، وأبو عبد الله الجلابي.
قرأت على محمد بن علي، وأحمد بن عبد الحميد قالا: أخبرنا عمر بن جمعة سنة خمس وعشرين وست مئة، أخبرنا الحسن بن مكي، أخبرنا محمد ابن علي بن الجلابي، أخبرنا محمد بن محمد بن مخلد سنة 464، حدثنا أحمد بن عبيد الله بن الفضل بن سهل، حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر، حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت الأصلع يعني عمر يقبل الحجر، ويقول: إني لأقبلك، وإني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
أخرج البخاري عن أحمد بن سنان نحوه، لكن عن يزيد بن هارون، عن ورقاء، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر.

مكي بن جابار

الحافظ، الفقيه، أبو بكر الدينوري.
سمع من: عبد الغني بن سعيد، وخلف بن محمد الواسطي، وصدقة ابن الدلم، وأبي محمد بن أبي نصر، وعدة.
وكتب شيئاً كثيراً، وكان سفياني المذهب.
روى عنه: عبد العزيز الكتاني، وأبو طاهر الحنائي، وغيث بن علي الأرمنازي، وغيرهم.
قال الأمين بن الأكفاني: كانت له عناية جيدة بمعرفة الرجال، حدث بشيء يسير، وولي قضاء دميرة، وامتنع بأخرة من إسماع الحديث، وكان أبو بكر الخطيب قد طلب أن يسمع منه، فأبى عليه.
قلت: توفي في رجب سنة ثمان وستين وأربع مئة.

ابن حيوس

الأمير الكبير، شاعر الشام، مصطفى الدولة، أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس، الغنوي، الدمشقي، صاحب الديوان.
سمع من: خاله أبي نصر بن الجندي.
روى عنه: الخطيب، وأبو محمد بن السمرقندي، والنسيب، والقاضي يحيى بن علي القرشي.
قال ابن ماكولا: لم أدرك بالشام أشعر منه.
قلت: ولد سنة أربع وتسعين وثلاث مئة، ومات بحلب في شعبان سنة ثلاث وسبعين، وهو القائل:

طالما قلت للمـسـائل عـنـهـم

 

واعتمـادي هـداية الـضّـلاّل

إن ترد علم حالـهـم عـن يقـينٍ

 

فالقهم فـي مـكـارمٍ أو نـزال

تلق بيض الأعراض سود مثار النّ

 

قع خضر الأكناف حمر النّصال

فنظمه كما تسمع فائق رائق.

ألب آرسلان

السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع، ألب آرسلان، محمد بن السلطان جغريبك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن تقاق ابن سلجوق التركماني، الغزي. من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم.
ولما مات عمه طغرلبك، عهد بالملك إلى سليمان أخي ألب آرسلان، فحاربه ألب آرسلان وعمه قتلمش، فتلاشى أمر سليمان، وتسلطن ألب آرسلان. وقيل: نازعه في الملك أيضاً قتلمش، وأقبل في تسعين ألفاً، وكان ألب آرسلان في اثني عشر ألفاً، فهزم قتلمش، ووجد بعد الهزيمة ميتاً. قيل: رمته الدابة. وحمل فدفن بالري، وكان حاكماً على الدامغان وغيرها.
 وعظم أمر السلطان ألب آرسلان، وخطب له على منابر العراق والعجم وخراسان، ودانت له الأمم، وأحبته الرعايا، ولا سيما لما هزم العدو، فإن الطاغية عظيم الروم أرمانوس حشد، وأقبل في جمع ما سمع بمثله، في نحو من مئتي ألف مقاتل من الروم والفرنج والكرج وغير ذلك وصل إلى منازكرد، وكان السلطان بخوي قد رجع من الشام في خمسة عشر ألف فارس، وباقي جيوشه في الأطراف، فصمم على المصاف، وقال: أنا ألتقيهم وحسبي الله فإن سلمت، وإلا فابني ملكشاه ولي عهدي. وسار، فالتقى يزكه ويزك القوم، فكسرهم يزكه، وأسروا مقدمهم، فقطع السلطان أنفه. ولما التقى الجمعان، وتراءى الكفر والإيمان، واصطدم الجبلان، طلب السلطان الهدنة، قال أرمانوس: لا هدنة إلا ببذل الري، فحمي السلطان، وشاط، فقال إمامه: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره، ولعل هذا الفتح باسمك، فالقهم وقت الزوال وكان يوم جمعة قال: فإنه يكون الخطباء على المنابر، وإنهم يدعون للمجاهدين. فصلوا، وبكى السلطان، ودعا وأمنوا، وسجد، وعفر وجهه، وقال: يا أمراء ! من شاء فلينصرف، فما ها هنا سلطان. وعقد ذنب حصانه بيده، ولبس البياض وتحنط، وحمل بجيشه حملةً صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون كيف شاؤوا، وثبت العسكر، ونزل النصر، وولت الروم، واستحر بهم القتل، وأسر طاغيتهم أرمانوس، أسره مملوك لكوهرائين، وهم بقتله، فقال إفرنجي: لا لا، فهذا الملك. وقرأت بخط القفطي أن ألب آرسلان بالغ في التضرع والتذلل، وأخلص لله. وكيفية أسر الطاغية أن مملوكاً وجد فرساً بلجام مجوهر وسرج مذهب مع رجل، بين يديه مغفر من الذهب، ودرع مذهب، فهم الغلام، فأتى به إلى بين يدي السلطان، فقنعه بالمقرعة، وقال: ويلك! ألم أبعث أطلب منك الهدنة ؟ قال: دعني من التوبيخ. قال: ما كان عزمك لو ظفرت بي ؟ قال: كل قبيح. قال: فما تؤمل وتظن بي ؟ قال: القتل أو تشهرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء. قال: ما عزمت على غيرها. فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمس مئة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة، وأعطاه نفقة توصله. وأما الروم فبادروا، وملكوا آخر، فلما قرب أرمانوس، شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب، ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاث مئة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر، وقيل: إنه غلب على ثغور الأرمن. وكانت الملحمة في سنة ثلاث وستين.
وقد غزا بلاد الروم مرتين، وافتتح قلاعاً، وأرعب الملوك، ثم سار إلى أصبهان، ومنها إلى كرمان وبها أخوه حاروت، وذهب إلى شيراز، ثم عاد إلى خراسان، وكاد أن يتملك مصر.
ثم في سنة خمس عبر السلطان بجيوشه نهر جيحون، وكانوا مئتي ألف فارس، فأتي بعلج يقال له: يوسف الخوارزمي. كانت بيده قلعة، فأمر أن يشبح في أربعة أوتاد، فصاح: يا مخنث: مثلي يقتل هكذا ؟ فاحتد السلطان، وأخذ القوس، وقال: دعوه. ورماه، فأخطأه، فطفر يوسف إلى السرير، فقام السلطان، فعثر على وجهه، فبرك العلج على السلطان، وضربه بسكين، وتكاثر المماليك، فهبروه، ومات منها السلطان، وذلك في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وأربع مئة، وله أربعون سنة.
قال مؤيد الدولة ابن منقذ: سمعت أبا جعفر النجار رسول ناصر الدولة ابن حمدان المتغلب على مصر إلى ألب آرسلان يستدعيه، ويطلب عساكره ليتسلم ديار مصر، لما وقع بينه وبين السودان، وكانت المراسلة في سنة 463، فوردت عليه بخراسان، فجهز جيشاً كثيراً، ووصل هو إلى ديار بكر، ثم نازل الرها، وحاصرها، وسير رسوله إلى متولي حلب محمود بن نصر، يستمده، ويأمره أن يطأ بساطه أسوة غيره من الملوك، فلم يفعل وخاف، فأقبل هو، فنازل حلب، وانتشرت عساكره بالشام، ثم خرج محمود إلى خدمته، فأكرمه، وصالحه، ثم فتر السلطان عن مصر، فحركه طاغية الروم أرمانوس، ومات أبوه صاحب خراسان بسرخس في رجب في سنة إحدى وخمسين وأربع مئة، وله سبعون سنة، وكان في مقابلة أولاد محمود بن سبكتكين، وكان ينطوي على بعض عدل ودين، وينكر على أخيه طغرلبك ظلمه.
ومات معه في السنة آرسلان البساسيري الأمير، صاحب الفتنة العظمى، الذي أخذ بغداد، وخطب بها لصاحب مصر المستنصر الرافضي. وهرب خليفة بغداد، واستجار بالعرب.

ابن أبي الحديد

الشيخ، العدل، المرتضى، الرئيس، أبو الحسن، أحمد بن عبد الواحد ابن المحدث أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد، السلمي، الدمشقي.
سمع أباه، وجده، وجده لأمه أبا نصر بن هارون.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، والكتاني، وعمر الرواسي، وأبو القاسم النسيب، وهبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وجمال الإسلام علي بن المسلم، وطاهر بن سهل، وإسماعيل بن السمرقندي، وآخرون.
وكان ثقةً، نبيلاً، متفقداً لأحوال الطلبة والغرباء، عدلاً مأموناً.
مات في ربيع الأول، سنة تسع وستين وأربع مئة، عن بضع وثمانين سنة، وكان صحيح السماع رحمه الله .
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الفقيه ببعلبك، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد القاضي، سنة ست وعشرين وست مئة، حدثنا علي بن الحسن الحافظ إملاءً، سنة 551 ببعلبك، أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم الخطيب، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد، أخبرنا جدي، أخبرنا محمد بن جعفر السامري، أنشدني محمد بن طاهر الرقي:

ليس في كل حالةٍ وأوان

 

تتهيا صنائع الإحسـان

فإذا أمكنت فبادر إليهـا

 

حذراً من تعذّر الإمكان

أبو صالح المؤذن

الإمام، الحافظ، الزاهد، المسند، محدث خراسان، أبو صالح، أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد بن عبد الصمد بن بكر النيسابوري، الصوفي، المؤذن.
أول سماعه كان في سنة تسع وتسعين وثلاث مئة، فسمع أبا نعيم الإسفراييني، وأبا الحسن العلوي، وأبا طاهر بن محمش، وأبا عبد الله الحاكم، وحمزة بن عبد العزيز المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبا عبد الرحمن السلمي، وأبا زكريا المزكي، وطبقتهم. وسمع من حمزة بن يوسف السهمي، وعدة بجرجان، ومن أبي القاسم بن بشران، وطبقته ببغداد، ومن أبي نعيم الحافظ ونحوه بأصبهان، ومن المسدد الأملوكي، وعبد الرحمن بن الطبيز الحلبي بدمشق، ومن أبي ذر الهروي بمكة، ومن الحسن بن الأشعث بمنبج، وصحب الأستاذ أبا علي الدقاق، وأحمد بن نصر الطالقاني. وجمع وصنف، وعمل مسودة لتاريخ مرو.
قال زاهر الشحامي: خرج أبو صالح ألف حديث، عن ألف شيخ له.
وقال أبو بكر الخطيب: قدم أبو صالح علينا في حياة ابن بشران، وكتب عني، وكتبت عنه، وكان ثقة.
قلت: مولده في سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة، وأقدم شيخ له أبو نعيم الإسفراييني.
حدث عنه: ابنه إسماعيل بن أحمد، وزاهر، ووجيه ابنا الشحامي، وعبد الكريم بن حسين البسطامي، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وعبد المنعم بن القشيري، وابن أخيه أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد، وعدة.
قال عبد الغافر في السياق: أبو صالح المؤذن الأمين، المتقن، المحدث، الصوفي، نسيج وحده في طريقته وجمعه وإفادته، ما رأيت مثله في حفظ القرآن وجمع الأحاديث. سمع الكثير، وجمع الأبواب والشيوخ، وأذن سنين حسبةً، وكان يحثني على معرفة الحديث، ولم أتمكن من جمع هذا الكتاب إلا من مسوداته ومجموعاته، فهي المرجوع إليها فيما أحتاج إلى معرفته وتخريجه ... إلى أن قال: ولو ذهبت أشرح ما رأيت منه؛ لسودت أوراقاً جمة، وما انتهيت إلى استيفاء ذلك من كثرة ما هو بصدده من الاشتغال والقراءة عليه.
وقال أبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني: سمعت محمد بن أبي زكريا المزكي يقول: ما يقدر أحد أن يكذب في هذه البلدة وأبو صالح حي. وسمعت أبا المظفر منصوراً السمعاني يقول: إذا دخلتم على أبي صالح، فادخلوا بالحرمة، فإنه نجم الزمان، وشيخ وقته في هذا الأوان.
قال عبد الغافر: توفي في سابع رمضان سنة سبعين وأربع مئة.
قال أبو سعد السمعاني: رآه بعض الصالحين ليلة وفاته، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بيده، وقال له: جزاك الله عني خيراً، فنعم ما أقمت بحقي، ونعم ما أديت من قولي، ونشرت من سنتي.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا أبو صالح المؤذن، أخبرنا محمد بن محمد الزيادي، أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى البزاز، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا بشر ابن السري، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها.
هذا حديث صحيح الإسناد. قال أبو سعد السمعاني: أبو صالح حافظ صوفي، متقن، نسيج وحده في الجمع والإفادة، أذن مدةً احتساباً، ووعظ في الليل، وسبح على المدرسة البيهقية، وكان تحت يده أوقاف الكتب والأجزاء الحديثية، فيتعهد حفظها، ويأخذ صدقات التجار والأكابر، فيوصلها إلى المستحقين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا عمي أبو القاسم الحافظ، سنة 559، أخبرنا إسماعيل بن أبي صالح، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين، أخبرنا عبيد الله بن إبراهيم المزكي، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، حدثنا الحسين بن الوليد، عن قيس عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قدم وفد جهينة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام غلام يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين الكبر ؟.
وقد مات في سنة سبعين هذه ابن النقور المذكور، والشيخ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن حمدوه البغدادي المقرئ، آخر من حدث عن ابن سمعون، وخطيب دمشق أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب؛ صاحب ابن جميع، وأبو القاسم عبد الله بن الحافظ الحسن بن محمد الخلال، وشيخ الحنابلة الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن أبي موسى الهاشمي، عن تسع وخمسين سنة، ونحوي العراق أبو الحسن محمد بن هبة الله بن الوراق الضرير، ومحدث أصبهان عبد الرحمن بن مندة العبدي، وآخرون.

السكري

الإمام، المحدث، الحافظ، مفيد الجماعة، أبو سعد، علي بن موسى، النيسابوري، السكري، الفقيه.
سمع من: جده عبد الله بن عمر السكري، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، ومحمد بن أبي إسحاق المزكي، وعدة. وكان يفهم هذا الشأن، وينتقي على الشيوخ.
روى عنه: يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وإسماعيل بن أحمد المؤذن، وآخرون.
توفي راجعاً من الحج في سنة خمس وستين وأربع مئة.
وآخر من روى عنه أبو الأسعد بن القشيري.
وذكرت في التذكرة له حديثاً، وسمع منه لما حج: الحميدي، وابن الخاضبة، وشجاع الذهلي.
قال هبة الله السقطي: له تاريخ، وتراجم، ومسانيد، ومعاجم. خرج على الصحيحين كتاباً. وقيل: ولد سنة تسع وأربع مئة.

ابن البسطامي

الشيخ أبو المعالي، عمر بن القاضي أبي عمر محمد بن الحسين البسطامي، ثم النيسابوري، ويلقب بالمؤيد، سبط الإمام أبي الطيب الصعلوكي.
سمع أبا الحسين الخفاف، وأبا الحسن العلوي. وأملى عدة مجالس.
حدث عنه: سبطه هبة الله بن سهل السيدي، وزاهر ووجيه ابنا الشحامي، وآخرون.
توفي سنة خمس وستين وأربع مئة.
أخته:

بنت البسطامي

عائشة بنت محمد بن الحسين.
روت أيضاً عن أبي الحسين الخفاف، وغيره.
وعنها: إسماعيل بن المؤذن، وزاهر الشحامي، وأخوه وجيه، ومحمد بن حمويه الجويني الزاهد.
توفيت قبل أخيها أو بعيده.
وكان أبوهما من كبار العلماء، توفي سنة ثمان وأربع مئة.
وأخوهما هو الموفق هبة الله من كبار العلماء.
وولده هو أبو سهل محمد بن الموفق، قديم الوفاة، كبير الشأن رحمهم الله .

ملك المغرب

أبو بكر بن عمر اللمتوني البربري. ظهر بعد الأربعين وأربع مئة، فذكر علي بن أبي فنون قاضي مراكش أن جوهراً رجلاً من المرابطين قدم من الصحراء إلى بلاد المغرب ليحج والصحراء برية واسعة جنوبي فاس وتلمسان، متصلة بأرض السودان، ويذكر لمتونة أنهم من حمير نزلوا في الجاهلية بهذه البراري، وأول ما فشا فيهم الإسلام في حدود سنة أربع مئة، ثم آمن سائرهم، وسار إليهم من يذكر لهم جملاً من الشريعة، فحسن إسلامهم ثم حج الفقيه المذكور، وكان ديناً خيراً، فمر بفقيه يقرئ مذهب مالك ولعله أبو عمران الفاسي بالقيروان فجالسه وحج، ورجع إليه، ثم قال: يا فقيه ! ما عندنا في الصحراء من العلم إلا الشهادتين والصلاة في بعضنا. قال: خذ معك من يعلمهم الدين. قال جوهر: نعم وعلي كرامته. فقال لابن أخيه: يا عمر ! اذهب مع هذا. فامتنع، فقال لعبد الله بن ياسين: اذهب معه. فأرسله. وكان عالماً قوي النفس، فأتيا لمتونة، فأخذ جوهر بزمام جمل ابن ياسين تعظيماً له، فأقبلت المشيخة يهنئونه بالسلامة، وقالوا: من ذا؟ قال: حامل السنة. فأكرموه، وفيهم أبو بكر بن عمر، فذكر لهم قواعد الإسلام، وفهمهم، فقالوا: أما الصلاة والزكاة فقريب، وأما من قتل يقتل، ومن سرق يقطع، ومن زنى يجلد، فلا نلتزمه، فاذهب، فأخذ جوهر بزمام راحلته، ومضيا. وفي تلك الصحارى المتصلة بإقليم السودان قبائل ينسبون إلى حمير، ويذكرون أن أجدادهم خرجوا من اليمن زمن الصديق، فأتوا مصر، ثم غزوا المغرب مع موسى بن نصير، ثم أحبوا الصحراء وهم: لمتونة، وجدالة، ولمطة، وإينيصر، ومسوفة. قال: فانتهيا إلى جدالة، قبيلة جوهر، فاستجاب بعضهم، فقال ابن ياسين للذين أطاعوه: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الجاحدين، وقد تحزبوا لكم، فانصبوا رايةً وأميراً. قال جوهر: فأنت أميرنا. قال: لا، أنا حامل أمانة الشرع، بل أنت الأمير. قال: لو فعلت لتسلطت قبيلتي، وعاثوا. قال: فهذا أبو بكر بن عمر رأس لمتونة، فسر إليه، واعرض عليه الأمر، إلى أن قال: فبايعوا أبا بكر، ولقبوه: أمير المسلمين، وقام معه طائفة من قومه وطائفة من جدالة، وحرضهم ابن ياسين على الجهاد، وسماهم المرابطين، فثارت عليهم القبائل، فاستمالهم أبو بكر، وكثر جمعه، وبقي أشرار، فتحيلوا عليهم حتى زربوهم في مكان، وحصروهم، فهلكوا جوعاً، وضعفوا، فقتلوهم، واستفحل أمر أبي بكر بن عمر، ودانت له الصحراء، ونشأ حول ابن ياسين جماعة فقهاء وصلحاء، وظهر الإسلام هناك.
وأما جوهر، فلزم الخير والتعبد، ورأى أنه لا وضع له، فتألم، وشرع في إفساد الكبار، فعقدوا له مجلساً، ثم أوجبوا قتله بحكم أنه شق العصا، فقال: وأنا أحب لقاء الله. فصلى ركعتين، وقتل. وكثرت المرابطون، وقتلوا، ونهبوا، وعاثوا، وبلغت الأخبار إلى ذلك الفقيه بما فعل ابن ياسين، فاسترجع وندم، وكتب إليه ينكر عليه كثرة القتل والسبي، فأجاب يعتذر بأن هؤلاء كانوا جاهليةً يزنون، ويغير بعضهم على بعض، وما تجاوزت الشرع فيهم.
وفي سنة خمسين وأربع مئة قحطت بلادهم، وماتت مواشيهم، فأمر ابن ياسين ضعفاءهم بالمسير إلى السوس وأخذ الزكاة، فقدم سجلماسة منهم سبع مئة، وسألوا الزكاة، فجمعوا لهم مالاً، فرجعوا به، ثم ضاقت الصحراء بهم، وأرادوا إعلان الحق، وأن يسيروا إلى الأندلس للغزو، فأتوا السوس، فحاربهم أهلها، فقتل عبد الله بن ياسين، وانهزم أبو بكر بن عمر، ثم حشد وجمع وأقبل، فالتقوه، فانتصر، وأخذ أسلابهم، وقوي جأشه، ثم نازل سجلماسة، وطالب أهلها بالزكاة، فبرز لحربهم مسعود الأمير، وطالت بينهم الحرب مرات، ثم قتلوا مسعوداً، وملكوا سجلماسة، فاستناب أبو بكر عليها يوسف بن تاشفين ابن عمه، فأحسن السيرة، وذلك في سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة، ورجع الملك أبو بكر إلى الصحراء، ثم قدم سجلماسة، وخطب لنفسه، واستعمل عليها ابن أخيه، وجهز جيشه مع ابن تاشفين، فافتتح السوس، وكان ابن تاشفين ذا هيئة شجاعاً، سائساً.
توفي الملك أبو بكر اللمتوني بالصحراء في سنة اثنتين وستين وأربع مئة، فتملك بعده ابن تاشفين، ودانت له الأمم.
فأول من كان فيهم الملك من البربر صنهاجة، ثم كتامة، ثم لمتونة، ثم مصمودة، ثم زناتة.
وقد ذكر ابن دريد أن كتامة ولمتونة وهوارة من حمير، ومن سواهم، فمن البربر، وبربر من ولد قيذار بن إسماعيل. ويقال: إن دار البربر كانت فلسطين، وملكهم هو جالوت، فلما قتله نبي الله داود؛ جلت البربر إلى المغرب، وانتشروا إلى السوس الأقصى، فطول أراضيهم نحو من ألف فرسخ. وغزا المسلمون فيهم في زمن بني أمية، وأسلم خلق منهم، وسبي من ذراريهم، وكانت والدة المنصور بربريةً، ووالدة عبد الرحمن الداخل بربرية، فكان يقال: تملك ابنا بربريتين الدنيا. ثم كان الذين أسلموا خوارج وإباضية، حاربوا مرات، وراموا الملك، إلى أن سار إليهم داعي المهدي، فاستمالهم، وأفسد عقائدهم، وقاموا مع المهدي، وتملك المغرب بهم، ثم سار المعز من أولاده في جيش من البربر، فأخذ الديار المصرية، ثم في كل وقت يثور بعضهم على بعض وإلى اليوم، وفيهم حدة وشجاعة، وإقدام على الدماء، وهم أمم لا يحصون، وقد تملكوا الأندلس سنة إحدى وأربع مئة، وفعلوا العظائم، ثم ثاروا من الصحراء كما ذكرنا مع أبي بكر بن عمر، وتملكوا نحواً من ثمانين سنة، حتى خرج من جبال درن ابن تومرت، وفتاه عبد المؤمن، وتملكوا المغرب، ومحوا الدولة اللمتونية، ودام ملكهم مئةً وثلاثين سنة، حتى خرج عليهم بنو مرين، فللملك في أيديهم إلى الآن سبعون سنة، وعظمت دولة السلطان الفقيه أبي الحسن علي المريني، ودانت له المغرب، وقتل صاحب تلمسان، وله جيش عظيم، وهيبة قوية، وفيه دين وعدل وعلم.

ابن الشبل

شاعر العصر، أبو علي، محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن الشبل بن أسامة السامي، البغدادي، الحريمي.
له ديوان مشهور.
حدث عن: أبي الحسن بن البادي، وغيره.
روى عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأبو سعد بن الزوزني، وشجاع الذهلي، وآخرون.
ونظمه في الذروة.
كتب عنه الحافظ الخطيب، وطول ابن النجار ترجمته بمقطعات.
مات في المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، وله اثنتان وسبعون سنة.
وقد سمع غريب الحديث من ابن البادي.

أتسز

ابن أوق الخوارزمي، صاحب دمشق، من كبار ملوك الظلم.
قال هبة الله بن الأكفاني: غلت الأسعار في سنة حصار الملك أتسز دمشق، وبلغت الغرارة أزيد من عشرين ديناراً، ثم تملك البلد صلحاً، ونزل في دار الإمارة داخل باب الفراديس، وخطب للمقتدي بالله العباسي، وقطعت دعوة المصريين، وذلك في سنة ثمان وستين.
وقال ابن عساكر: ولي أتسز دمشق بعد حصاره إياها دفعات، وأقام الدعوة العباسية، وتغلب على أكثر الشام، وقصد مصر ليأخذها، فلم يتم ذلك، ثم جهز المصريون إلى الشام عسكراً ثقيلاً، سنة إحدى وسبعين، فعجز عنهم، واستنجد بتاج الدولة تتش، فقدم تتش دمشق، وغلب عليها، وقتل أتسز في ربيع الآخر، وتم الأمر لتتش، وكان أتسز قد أنزل جنده في دور الناس، واعتقل من الرؤساء جماعةً، وشمسهم بمرج راهط، حتى افتدوا أنفسهم بمال كثير، ونزح جماعة منهم إلى طرابلس. وقد قتل بالقدس خلقاً كثيراً منهم قاضيها، وفعل العظائم حتى قلعه الله تعالى. والعامة تسميه أقسيس.

الجرجاني

شيخ العربية، أبو بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني.
أخذ النحو بجرجان عن أبي الحسين محمد بن حسن بن أخت الأستاذ أبي علي الفارسي.
وصنف شرحاً حافلاً للإيضاح، يكون ثلاثين مجلداً، وله إعجاز القرآن ضخم، ومختصر شرح الإيضاح، ثلاثة أسفار، وكتاب العوامل المئة، وكتاب المفتاح، وفسر الفاتحة في مجلد، وله العمد في التصريف، والجمل، وغير ذلك.
وكان شافعياً، عالماً، أشعرياً، ذا نسك ودين.
قال السلفي: كان ورعاً قانعاً، دخل عليه لص، فأخذ ما وجد، وهو ينظر، وهو في الصلاة فما قطعها. وكان آية في النحو.
توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مئة وقيل: سنة أربع وسبعين رحمه الله .

ابن زيرك

العلامة، شيخ همذان، أبو الفضل، محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن علي بن مزدين القومساني ثم الهمذاني. عرف بابن زيرك.
ولد سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
وحدث عن: أبيه، وعمه أبي منصور محمد، وعلي بن أحمد بن عبدان، ويوسف بن كج الفقيه، والحسين بن فنجويه، وعدة. وبالإجازة عن أبي الحسن بن رزقويه، وأبي عبد الرحمن السلمي. قال شيرويه: أكثرت عنه، وكان ثقةً صدوقاً، له شأن وحشمة، ويد في التفسير، فقيهاً، أديباً، متعبداً. مات في ربيع الآخر، سنة إحدى وسبعين. وقبره يزار، ويتبرك به. سمعته يقول: مرضت، واشتد الأمر، فكان أبي يقول: يا بني ! أكثر ذكر الله. فأشهدته علي أنني على الإسلام والسنة، فرأيت وأنا في تلك الحال كأن هيبةً دخلتني، فإذا أنا برجل ذي هيبة وجمال، كأنه يسبح في الهواء، فقال لي: قل. فقلت: نعم. فكرر علي، ثم قال لي: قل: الإيمان يزيد وينقص، والقرآن غير مخلوق بجميع جهاته، وإن الله يرى في الآخرة. قلت: لست أطيق أن أقول من الهيبة. فقال: قل معي. فأعاد الكلمات، فقلتها معه، فتبسم، وقال: أنا أشهد لك عند العرش. فأردت أن أسأله: هل أنا ميت، فبدر، وقال: أنا لا أدري. فقلت في نفسي: هذا ملك، وعوفيت. وسمعته يقول في قوله عليه السلام: متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني عنى أبا بكر وعمر، لأنه رآهما، فقال: هما من الدين بمنزلة السمع والبصر. فورثا خلافة النبوة.

ابن موسى الخياط

الشيخ الإمام، مقرئ الوقت، أبو بكر، محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر البغدادي، الحنبلي، الخياط.
ولد سنة ست وسبعين وثلاث مئة.
تلا بالروايات على أبي أحمد الفرضي، وأبي الحسين السوسنجردي، وبكر بن شاذان، وعبيد الله المصاحفي، وأبي الحسن الحمامي.
وسمع من الفرضي، وأحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وأبي عبد الله أحمد بن محمد بن دوست، وأبي عمر بن مهدي، وإسماعيل بن الحسن الصرصري، وعدة.
قرأ عليه: محمد بن الحسين المزرفي، وهبة الله بن الطبر، والحسين بن محمد البارع، ورووا عنه.
حدث عنه: الخطيب في تاريخه، وعبد الله بن أحمد اليوسفي، ويحيى بن الطراح، وعبد الخالق بن البدن، وأبو منصور القزاز، وآخرون.
قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن أبي بكر الخياط، فقال: كان شيخاً ثقةً في الحديث والقراءة، صالحاً، صابراً على الفقر.
وقال ابن ياسر البرداني: كان أبو بكر من البكائين عند الذكر، قد أثرت الدموع في خديه.
قلت: كان من المقرئين العباد، ذا قناعة وتعفف وفقر، وممن تلا عليه محمد بن علي بن منصور شيخ أبي العلاء الهمذاني، وروى عنه بالإجازة أبو الكرم الشهرزوري.
قال أبو الفضل بن خيرون: توفي في جمادى الأولى، سنة سبع وستين وأربع مئة في رابعه.

ابن أسيد

الجليل الصالح، أبو بكر، محمد بن أحمد بن أسيد بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن المحدث أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني المديني.
حدث عن: الحافظ أبي عبد الله بن مندة.
روى عنه: أبو نصر البار، ويحيى بن منده، والحسين بن عبد الملك الخلال.
وكان ذا علم ورئاسة وأصالة.
توفي في شعبان، سنة ثمان وستين وأربع مئة.

الصفار

مفتي نيسابور، أبو بكر، محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري، الشافعي، الصفار.
سمع أبا نعيم المهرجاني، وأبا الحسن العلوي، وأبا عبد الله الحاكم.
وعنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وغيرهما.
قال أبو سعد السمعاني: تفقه بأبي محمد الجويني، وخلفه في حلقته لما حج، وسمعت أبا عاصم العبادي يقول: ما رأيت أحسن فتيا من الصفار ولا أصوب.
قال السمعاني: توفي في ربيع الآخر، سنة ثمان وستين وأربع مئة، وقيل: في ربيع الأول.

صاحب الجبلي

الأديب، شاعر بغداد، أبو طاهر، محمد بن علي بن أحمد بن صالح المؤدب.
يروي عن: أبي علي بن شاذان.
وعنه: أبو غالب القزاز، وجماعة.
ونظمه بديع.
مات سنة تسع وستين وأربع مئة، وله نيف وثمانون سنة.

ابن بابشاذ

إمام النحاة، أبو الحسن، طاهر بن أحمد بن بابشاذ المصري، الجوهري، صاحب التصانيف.
قدم بغداد تاجراً في اللؤلؤ، وأخذ عن علمائها، ثم قرر له الذهب في ديوان الإنشاء ليحرر عربية الترسل.
أخذ عنه: أبو القاسم بن الفحام، ومحمد بن بركات السعيدي. ثم تزهد وتعبد، ولزم جامع مصر.
توفي سنة تسع وستين وأربع مئة، سقط من المنارة، فتلف.

أبو عمرو بن منده

الشيخ، المحدث، الثقة، المسند الكبير، أبو عمرو، عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن الحافظ محمد بن يحيى ابن منده، العبدي، الأصبهاني، أحد الإخوة، وكان أصغر من أخويه الحافظ عبد الرحمن وعبيد الله. سمع أباه، فأكثر، وأبا إسحاق بن خرشيذ قوله، وأبا عمر بن عبد الوهاب السلمي، وأبا محمد الحسن بن يوه، وجعفر بن محمد الفقيه، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وخلقاً بأصبهان، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وطبقته بنيسابور، وسمع بشيراز وهمذان ومكة والري.
وكان يسافر في التجارة، وله فوائد في عدة أجزاء مروية.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، وابنه يحيى بن عبد الوهاب الحافظ، ومحمد بن طاهر، وإسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي، وأبو نصر أحمد ابن عمر الغازي، وأخوه خالد بن عمر، وأبو سعد أحمد بن محمد بن البغدادي، وأحمد بن محمد بن الفتح الملقب بالغيج، والحسين بن عبد الملك الخلال، والحسن بن العباس الرستمي، ومسعود بن الحسن الثقفي، وأبو الخير محمد بن أحمد الباغبان، وخلق كثير.
وكان طويل الروح على الطلبة، طيب الخلق، محسناً، متواضعاً. كان يقال له: أبو الأرامل.
قال ولده يحيى: فضائله كثيرة. ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة، وكان رحيماً للفقراء، وله أولاد: محمد وإسحاق، وعبد الملك، وإبراهيم، ويحيى، وعائشة. وأمهم هي فاطمة بنت الشيباني. سمعت أبي أبا عمرو: كان أبي ربما أنامني إلى جنبه في الفراش، وكان أسمر، وكنت أبيض، فكان يمازحني، ويعانقني.
قال أبو سعد السمعاني: رأيتهم بأصبهان مجتمعين على الثناء على أبي عمرو والمدح له، وكان شيخنا إسماعيل الحافظ مكثراً عنه، وكان يثني عليه، ويفضله على أخيه عبد الرحمن.
وقال المؤتمن الساجي: لم أر شيخاً أقعد ولا أثبت من عبد الوهاب في الحديث، وقرأت عليه حتى فاضت نفسه، وفجعت به.
قال يحيى: مات أبي في تاسع عشر جمادى الآخرة، سنة خمس وسبعين وأربع مئة.
أخبرنا سليمان بن قدامة، وفاطمة بنت سليمان، عن محمود بن إبراهيم، أخبرنا محمد بن أحمد المؤذن، سنة ست وخمسين وخمس مئة، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أخبرنا أبي، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، حدثنا أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين: أن أنس بن مالك كان إذا دخل الخلاء وضع له أشنان وماء.
هذا خبر صحيح موقوف.
ومات معه أبو بكر محمد بن أحمد بن علي السمسار، وأبو الفضل المطهر بن عبد الواحد البزاني، وأبو أحمد جعفر بن عبد الله بن أحمد الطليطلي عن بضع وثمانين سنة، وسهل بن عبد الله بن علي الغازي، وفيها باختلاف الحافظ الأمير أبو نصر بن ماكولا.

كلار

الشيخ، المسند، الصالح، بقية المشايخ، أبو منصور، عبد الرحمن ابن محمد بن عفيف البوشنجي، الهروي، المعروف بكلار، وبكلاري.
سمع عبد الرحمن بن أبي شريح، وكان هو وبيبى آخر أصحابه موتاً.
حدث عنه: ابن طاهر، ووجيه الشحامي، وزهير بن علي السرخسي، والحسن بن محمد بن محمد السنجبستي، وفضيل بن إسماعيل، وأبو الوقت السجزي، وعبد الجليل بن أبي سعد، ومحمد بن إسماعيل الفضيلي، ومنصور بن علي الحجري، وآخرون.
وقد وثق.
وقع لي جزء من طريقه.
توفي في رمضان سنة سبع وسبعين وأربع ببوشنج.
قرأت على أحمد بن عبد الرحمن العلوي، وأحمد بن محمد الحلبي في وقتين، أخبركما عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر قال: سمعت أنا وحمزة الزيات من أبان بن أبي عياش خمس مئة حديث. أو ذكر أكثر، فأخبرني حمزة الزيات قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فعرضتها عليه، فما عرف منها إلا اليسير، خمسةً أو ستة أحاديث، فتركت الحديث عنه.
أخرجها مسلم في مقدمة الصحيح، عن سويد، فوقع موافقةً عالية بدرجة.

الزينبي

الشيخ الصالح، الزاهد، الشريف، مسند الوقت، أبو نصر، محمد ابن محمد بن علي بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن الإمام إبراهيم بن محمد بن علي بن البحر عبد الله بن العباس الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي.
ولد في صفر، سنة سبع وثمانين وثلاث مئة. أرخه السمعاني.
وسمع أبا طاهر المخلص، وأبا بكر محمد بن عمر بن زنبور، وأبا الحسن بن الحمامي، وغيرهم. وكان آخر من حدث عن المخلص وابن زنبور في الدنيا. روى عنه: الحميدي، وابن الخاضبة، والبرداني، وابن طاهر، ومؤتمن الساجي، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وإسماعيل بن السمرقندي، وعلي بن طراد، وأخوه محمد، ووجيه الشحامي، ومحمد بن القاسم الشهرزوري الموصلي، وقاضي سنجار مظفر بن أبي أحمد، وأحمد بن محمد بن المؤيد بالله، وأبو الفضل محمد ابن عمر الأرموي، وأبو بكر بن الزاغوني، وأبو محمد المادح، وخلق كثير آخرهم موتاً هبة الله بن أحمد الشبلي، وبقي بعده يروي عنه بالإجازة أبو الفتح بن البطي.
قال السمعاني: أبو نصر شريف زاهد، صالح دين، متعبد، هجر الدنيا في حداثته، ومال إلى التصوف، وكان منقطعاً في رباط شيخ الشيوخ أبي سعد، انتهى إليه إسناد البغوي، ورحل إليه الطلبة. قال: وسمعت أبا الفضل ابن المهتدي بالله يقول: كان أبو نصر الزينبي إذا قرئ عليه اللحن، رده لكثرة ما قرئت عليه تلك الأجزاء. قال: وسمعت إسماعيل الحافظ بأصبهان يقول: رحل أبو سعد البغدادي إلى أبي نصر الزينبي، فدخل بغداد، ولم يلحقه، فحين أخبر بموته خرق ثوبه، ولطم، وجعل يقول: من أين لي علي بن الجعد عن شعبة ؟ فسألت إسماعيل عن الزينبي، فقال: زاهد، صحيح السماع، آخر من حدث عن المخلص.
قال السمعاني وغيره: مات في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة تسع وسبعين وأربع مئة.
أخبرنا علي بن أحمد المعدل، أخبرنا محمد بن أحمد، أخبرنا محمد ابن عبيد الله، أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن بلال رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين تلقاء وجهه في جوف الكعبة.
أخرجه مسلم عن أبي الربيع.

الطبقة الخامسة والعشرون

النوقاني

الشيخ، الإمام، الفقيه، الصالح، المسند، أبو القاسم، إسماعيل ابن زاهر بن محمد النوقاني ثم النيسابوري.
سمع أبا الحسن العلوي، وأبا الطيب الصعلوكي، وعبد الله بن يوسف ابن بامويه، وأبا طاهر بن محمش، وعدة بنيسابور، وأبا الحسين بن بشران، وطبقته ببغداد، وجناح بن نذير المحاربي بالكوفة، وأبا عبد الله بن نظيف بمكة.
حدث عنه: زاهر بن طاهر، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وإسماعيل بن عبد الرحمن القاري، وعبد الكريم بن محمد الدامغاني، وسعيد بن علي الشجاعي، وعائشة بنت أحمد الصفار، وأبو الفتوح عبد الله الخركوشي، وعبد الكريم بن علي العلوي، وعبد الملك بن عبد الواحد، ومحمد بن جامع خياط الصوف.
ومن سماعاته كتاب تاريخ يعقوب الفسوي، من ابن الفضل القطان، عن ابن درستويه، عنه.
قال عبد الغافر الفارسي أو غيره: تفقه على أبي بكر الطوسي، وعقد مجلس الإملاء، وأفاد الكثير. مولده في سنة سبع وتسعين وثلاث مئة، ومات في سنة تسع وسبعين وأربع مئة، وقديم سماعه بالحضور.
وفيها توفي شيخ الشيوخ أبو سعد أحمد بن محمد بن دوست ببغداد، وجعبر بن سابق الأمير، وطاهر بن محمد الشحامي، وسليمان بن قتلمش صاحب قونية، وأبو علي التستري، وعلي بن فضال المجاشعي شيخ النحو، ومحمد بن عبيد الله الصرام، ومسند وقته أبو نصر الزينبي.

ابن اللالكائي

الفقيه أبو بكر، محمد بن الحافظ هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، اللالكائي. من فقهاء الشافعية ببغداد.
روى عن: الحفار، وأبي الحسين بن بشران، وابن الفضل القطان.
وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وسبط الخياط، وعبد الوهاب الأنماطي.
مات في جمادى الأولى، سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة.

الشحامي

الشيخ، المحدث، الفقيه، الصالح، أبو عبد الرحمن، طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف النيسابوري، المستملي، المعدل، أحد من عني بهذا الشأن.
حدث عن: القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وفضل الله الميهني، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وصاعد بن محمد القاضي، ووالده الصالح محمد بن محمد، وعدة.
حدث عنه: ابناه زاهر ووجيه، وحفيداه عبد الخالق بن زاهر، وفاطمة بنت خلف، وعبد الغافر بن إسماعيل، وآخرون.
صنف كتاباً بالفارسية في الشرائع، واستملى على نظام الملك الوزير، وطائفة. وكان فقيهاً أديباً بارعاً، شاعراً، بصيراً بالوثائق، صالحاً، عابداً، أسمع أولاده وأحفاده، وحصل لهم الأسانيد العالية.
مات في جمادى الأولى، سنة تسع وسبعين وأربع مئة، وله ثمانون سنة رحمه الله .

صاحب الروم

السلطان سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق السلجوقي، جد ملوك الروم.
حاصر حلب، فكاتب أهلها صاحب دمشق تتش بن ألب آرسلان، فسارع، فالتقى الجمعان بظاهر حلب، فانهزم الروميون، وثبت سليمان، إلى أن قتل. وقيل: بل قتل نفسه بسكين عند الغلبة. وكان صاحب مدينة قونيه، فتملك بعده ابنه قلج آرسلان، في سنة تسع وسبعين وأربع مئة.

الكوسج

الشيخ أبو المظفر، محمود بن جعفر بن محمد التميمي، الأصبهاني.
روى عن: عم أبيه الحسين بن أحمد، والحسين بن علي بن البغدادي.
وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وعدل مرضي.
توفي سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة.

حيدرة بن علي

ابن محمد، العلامة أبو المنجا، القحطاني، الأنطاكي، المعبر.
روى عن: عبد الرحمن بن أبي نصر، والحسن بن علي الكفرطابي، وجماعة.
وعنه: هبة الله بن الأكفاني، وجمال الإسلام، والقاضي يحيى بن علي القرشي.
قال ابن ماكولا: كتبت عنه بدمشق.
وكان من أهل الدين، وكان يذكر أنه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وثلاث مئة ونيف وسبعين ورقةً.
قلت: يكون هذا القدر نحواً من أربعين مجلداً، فالله أعلم بصحة ذلك.

الجهني

الشيخ الرئيس، أبو الحسن محمد بن الحسن بن محمد بن القاسم بن المنثور الجهني، الكوفي، الشيعي، آخر من حدث عن محمد بن عبد الله الجعفي.
روى عنه: عمر بن إبراهيم الزيدي، ومحمد بن طرخان، وأبو القاسم ابن السمرقندي، وآخرون.
وعاش اثنتين وثمانين سنة.
توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مئة. كان رديء العقيدة الله يسامحه .

ابن علان

الشيخ، المسند، الثقة، أبو الفرج، محمد بن أحمد بن علان الكرجي ثم الكوفي.
روى عن: أبي الحسن بن النجار، ومحمد بن عبد الله الجعفي الهرواني.
روى عنه: أبو الغنائم النرسي، وطائفة آخرهم موتاً أبو الحسن بن غبرة.
قال النرسي: هو ثقة من عدول الحاكم. توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مئة.
قلت: فهو وابن المنثور الجهني انتهى إليهما علو الإسناد بالكوفة، وقد ماتا في شهر.
ومات فيها التاجر الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جردة العكبري، واقف المسجد المعروف، ونعمته نحو ثلاث مئة ألف دينار. ومقرىء إشبيلية أبو عبد الله محمد بن شريح الرعيني، والمحدث عبد الله بن عطاء الإبراهيمي الهروي، والعلامة العابد أبو الوفاء طاهر بن الحسين الحنبلي القواس، ومؤلف الفرائض أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري.

القواس

الإمام القدوة، الكبير، أبو الوفاء، طاهر بن الحسين بن أحمد البغدادي، الحنبلي، القواس، البابصري.
سمع من: الحفار، ومحمود العكبري، وأبي الحسين بن بشران.
وعنه: ابنا السمرقندي، وعلي بن طراد، والأنماطي.
وكان من العلماء العاملين، صادقاً، مخلصاً، قانعاً باليسير.
توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مئة.

أبو إسحاق الشيرازي

الشيخ، الإمام، القدوة، المجتهد، شيخ الإسلام، أبو إسحاق، إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي، الشيرازي، الشافعي، نزيل بغداد، قيل: لقبه جمال الدين.
مولده في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة.
تفقه على: أبي عبد الله البيضاوي، وعبد الوهاب بن رامين بشيراز، وأخذ بالبصرة عن الخرزي.
وقدم بغداد سنة خمس عشرة وأربع مئة، فلزم أبا الطيب، وبرع، وصار معيده، وكان يضرب المثل بفصاحته وقوة مناظرته.
وسمع من أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، ومحمد بن عبيد الله الخرجوشي.
حدث عنه: الخطيب، وأبو الوليد الباجي، والحميدي، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبو البدر الكرخي، والزاهد يوسف بن أيوب، وأبو نصر أحمد بن محمد الطوسي، وأبو الحسن بن عبد السلام، وأحمد بن نصر بن حمان الهمذاني خاتمة من روى عنه.
 قال السمعاني: هو إمام الشافعية، ومدرس النظامية، وشيخ العصر. رحل الناس إليه من البلاد، وقصدوه، وتفرد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المرضية. جاءته الدنيا صاغرةً، فأباها، واقتصر على خشونة العيش أيام حياته. صنف في الأصول والفروع والخلاف والمذهب، وكان زاهداً، ورعاً، متواضعاً، ظريفاً، كريماً، جواداً، طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة. حدثنا عنه جماعة كثيرة.
حكي عنه قال: كنت نائماً ببغداد، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله ! بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك حديثاً أتشرف به في الدنيا، وأجعله ذخراً للآخرة، فقال لي: يا شيخ ! وسماني شيخاً وخاطبني به. وكان يفرح بهذا : قل عني: من أراد السلامة، فليطلبها في سلامة غيره. قال السمعاني: سمعت هذا بمرو من أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي، أنه سمع ذلك من أبي إسحاق.
وعن أبي إسحاق: أن رجلاً أخسأ كلباً، فقال: مه ! الطريق بينك وبينه.
وعنه: أنه اشتهى ثريداً بماء باقلاء، قال: فما صح لي أكله لاشتغالي بالدرس وأخذي النوبة.
قال السمعاني: قال أصحابنا ببغداد: كان الشيخ أبو إسحاق إذا بقي مدةً لا يأكل شيئاً، صعد إلى النصرية وله بها صديق، فكان يثرد له رغيفاً، ويشربه بماء الباقلاء، فربما صعد إليه وقد فرغ، فيقول أبو إسحاق: "تِلْكَ إذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ" النازعات.
قال أبو بكر الشاشي: أبو إسحاق حجة الله على أئمة العصر.
وقال الموفق الحنفي: أبو إسحاق أمير المؤمنين في الفقهاء.
قال القاضي ابن هانىء: إمامان ما اتفق لهما الحج، أبو إسحاق، وقاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني. أما أبو إسحاق فكان فقيراً، ولو أراده لحملوه على الأعناق. والآخر لو أراده لأمكنه على السندس والإستبرق.
السمعاني: سمعت أبا بكر محمد بن القاسم الشهرزوري بالموصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا أخطأ أحد بين يديه قال: أي سكتة فاتتك. قال: وكان يتوسوس يعني في الماء . وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو إسحاق يتوضأ في الشط، ويشك في غسل وجهه، حتى يغسله مرات، فقال له رجل: يا شيخ ! ما هذا ؟ قال: لو صحت لي الثلاث ما زدت عليها.
قال السمعاني: دخل أبو إسحاق يوماً مسجداً ليتغدى، فنسي ديناراً، ثم ذكر، فرجع، فوجده، ففكر، وقال: لعله وقع من غيري، فتركه.
قيل: إن ظاهراً النيسابوري خرج لأبي إسحاق جزءاً، فقال: أخبرنا أبو علي بن شاذان. ومرةً: أخبرنا الحسن بن أحمد البزاز. ومرةً: أخبرنا الحسن ابن أبي بكر الفارسي، فقال: من ذا ؟ قال: هن ابن شاذان. فقال: ما أريد هذا الجزء، التدليس أخو الكذب.
قال القاضي أبو بكر الأنصاري: أتيت أبا إسحاق بفتيا في الطريق، فأخذ قلم خباز، وكتب، ثم مسح القلم في ثوبه.
قال السمعاني: سمعت جماعةً يقولون: لما قدم أبو إسحاق نيسابور رسولاً تلقوه، وحمل إمام الحرمين غاشيته، ومشى بين يديه وقال: أفتخر بهذا. وكان عامة المدرسين بالعراق والجبال تلامذته وأتباعه وكفاهم بذلك فخراً وكان ينشد الأشعار المليحة، ويوردها، ويحفظ منها الكثير.
وعنه قال: العلم الذي لا ينتفع به صاحبه أن يكون الرجل عالماً ولا يكون عاملاً.
وقال: الجاهل بالعالم يقتدي، فإذا كان العالم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه ؟ فالله الله يا أولادي ! نعوذ بالله من علم يصير حجةً علينا.
قيل: إن عبد الرحيم بن القشيري جلس بجنب الشيخ أبي إسحاق، فأحس بثقل في كمه، فقال: ما هذا يا سيدنا ؟ قال: قرصي الملاح، وكان يحملهما في كمه للتكلف.
قال السمعاني: رأيت بخط أبي إسحاق رقعةً فيها نسخة ما رآه أب محمد المزيدي: رأيت في سنة ثمان وستين ليلة جمعة أبا إسحاق الفيروزابادي في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في نفسي: هذا هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير وأنا معهم، فكنت في هذه الفكرة إذ تلقى الشيخ ملك، وسلم عليه عن الرب تعالى، وقال: إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول: ما تدرس لأصحابك ؟ قال: أدرس ما نقل عن صاحب الشرع. قال له الملك: فاقرأ علي شيئاً أسمعه. فقرأ عليه الشيخ مسألةً لا أذكرها. ثم رجع الملك بعد ساعة إلى الشيخ، وقال: إن الله يقول: الحق ما أنت عليه وأصحابك، فادخل الجنة معهم. قال الشيخ أبو إسحاق: كنت أعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت، أخذت قياساً آخر على هذا، وكنت أعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة بيت يستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت.
كان الوزير ابن جهير كثيراً ما يقول: الإمام أبو إسحاق وحيد عصره، وفريد دهره، ومستجاب الدعوة.
قال السمعاني: لما خرج أبو إسحاق إلى نيسابور، خرج معه جماعة من تلامذته كأبي بكر الشاشي، وأبي عبد الله الطبري، وأبي معاذ الأندلسي، والقاضي علي الميانجي، وقاضي البصرة ابن فتيان، وأبي الحسن الآمدي، وأبي القاسم الزنجاني، وأبي علي الفارقي، وأبي العباس بن الرطبي.
قال ابن النجار: ولد أبو إسحاق بفيروزاباذ بليدة بفارس ونشأ بها، وقرأ الفقه بشيراز على أبي القاسم الداركي، وعلى أبي الطيب الطبري صاحب الماسرجسي، وعلى الزجاجي صاحب ابن القاص، وقرأ الكلام على أبي حاتم القزويني صاحب ابن الباقلاني، وخطه في غاية الرداءة.
قال أبو العباس الجرجاني القاضي: كان أبو إسحاق لا يملك شيئاً، بلغ به الفقر، حتى كان لا يجد قوتاً ولا ملبساً، كنا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قومة، كي لا يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، وقال: يا شيخ ! كسرتني وأفقرتني ! فقلنا: وكم لك عنده ؟ قال: حبتان من ذهب أو حبتان ونصف.
وقال ابن الخاضبة: كان ابن أبي عقيل يبعث من صور إلى الشيخ أبي إسحاق البدلة والعمامة المثمنة، فكان لا يلبس العمامة حتى يغسلها في دجلة، ويقصد طهارتها.
وقيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته وكانت بعشرين ديناراً وتوضأ في دجلة، فجاء لص، فأخذها، وترك عمامةً رديئة بدلها، فطلع الشيخ، فلبسها، وما شعر حتى سألوه وهو يدرس، فقال: لعل الذي أخذها محتاج.
قال أبو بكر بن الخاضبة: سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق يقول: رأيت الشيخ كان يصلي عند فراغ كل فصل من المهذب.
قال نظام الملك وأثنى على أبي إسحاق، وقال : كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة ؟ قال لي: بارك الله فيك. وقال له لما صب عليه كذلك.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاءً، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلاً، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق ! لو رآه الشافعي لتجمل به.
أخبرني الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي: سألت شجاعاً الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقةً، ورعاً، صالحاً، عالماً بالخلاف علماً لا يشاركه فيه أحد.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: ندب المقتدي بالله أبا إسحاق للرسلية إلى المعسكر، فتوجه في آخر سنة خمس وسبعين، فكان يخرج إليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم، ولا ينتهون، وخرج أصحاب الفاكهة والحلواء، ونثروا على الأساكفة، وعملوا مداسات صغاراً، ونثروها، وهي تقع على رؤوس الناس، والشيخ يعجب، وقال لنا: رأيتم النثار، ما وصل إليكم منه ؟ فقالوا: يا سيدي ! وأنت أي شيء كان حظك منه ؟ قال: أنا غطيت نفسي بالمحفة.
قال شيرويه الديلمي في تاريخ همذان: أبو إسحاق إمام عصره قدم علينا رسولاً إلى السلطان ملكشاه، سمعت منه، وكان ثقةً فقيهاً زاهداً في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه.
قال خطيب الموصل أبي الفضل: حدثني أبي قال: توجهت من الموصل سنة 459 إلى أبي إسحاق، فلما حضرت عنده رحب بي، وقال: من أين أنت ؟ فقلت: من الموصل، قال: مرحباً أنت بلديي. قلت: يا سيدنا ! أنت من فيروزاباد. قال: أما جمعتنا سفينة نوح ؟ فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبب إلي لزومه، فصحبته إلى أن مات.
توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مئة ببغداد، وأحضر إلى دار أمير المؤمنين المقتدي بالله، فصلى عليه، ودفن بمقبرة باب أبرز، وعمل العزاء بالنظامية، وصلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ثم رتب المؤيد بن نظام الملك بعده في تدريس النظامية أبا سعد المتولي، فلما بلغ ذلك النظام، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنةً من أجل الشيخ. وعاب على من تولى، وأمر أن يدرس الإمام أبو نصر عبد السيد بن الصباغ بها. قلت: درس بها الشيخ أبو إسحاق بعد تمنع، ولم يتناول جامكيةً أصلاً، وكان يقتصر على عمامة صغيرة وثوب قطني، ويقنع بالقوت، وكان الفقيه رافع الحمال رفيقه في الاشتغال، فيحمل شطر نهاره بالأجرة، وينفق على نفسه وعلى أبي إسحاق، ثم إن رافعاً حج وجاور، وصار فقيه الحرم في حدود الأربعين وأربع مئة.
ومات أبو إسحاق، ولم يخلف درهماً، ولا عليه درهم. وكذا فليكن الزهد، وما تزوج فيها أعلم، وبحسن نيته في العلم اشتهرت تصانيفه في الدنيا، كالمهذب، والتنبيه، واللمع في أصول الفقه، وشرح اللمع، والمعونة في الجدل، والملخص في أصول الفقه، وغير ذلك: ومن شعره:

أُحبّ الكأس من غير المدام

 

وألهو بالحساب بلا حرام

وما حبّي لفاحشةٍ ولـكـن

 

رأيت الحبّ أخلاق الكرام

وقال:

سألت النّاس عن خلٍّ وفيٍّ

 

فقالوا: ما إلى هذا سبيل

تمسّك إن ظفرت بودّ حرٍّ

 

فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

ولعاصم بن الحسن فيه:

تراه من الذّكاء نحيف جسمٍ

 

عليه من تـوقّـده دلـيل

إذا كان الفتى ضخم المعاني

 

فليس يضيره الجسم النّحيل

ولأبي القاسم بن ناقياء يرثيه:

أجرى المدامع بالدّم المهـراق

 

خطبٌ أقـام قـيامة الآمـاق

خطبٌ شجا منّا القلوب بلـوعةٍ

 

بين التّراقي ما لها مـن راق

ما للّيالي لا تؤلّف شمـلـهـا

 

بعد ابن بجدتها أبي إسـحـاق

إن قيل مات فلم يمت من ذكره

 

حيٌّ على مرّ اللّيالـي بـاق

وعن أبي إسحاق قال: خرجت إلى خراسان، فما دخلت بلدة إلا كان قاضيها أو خطيبها أو مفتيها من أصحابي.
قال أنوشتكين الرضواني: أنشدني أبو إسحاق الشيرازي لنفسه:

ولو أنّي جعلت أمير جيشٍ

 

لما قاتلت إلا بالـسّـؤال

لأنّ النّاس ينهزمون منـه

 

وقد ثبتوا لأطراف العوالي

ابن الصباغ

الإمام، العلامة، شيخ الشافعية، أبو نصر، عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر البغدادي، الفقيه المعروف بابن الصباغ، مصنف كتاب الشامل، وكتاب الكامل، وكتاب تذكرة العالم والطريق السالم.
مولده سنة أربع مئة.
وسمع محمد بن الحسين بن الفضل القطان، وأبا علي بن شاذان.
حدث عنه: ولده المسند أبو القاسم علي، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وإسماعيل بن السمرقندي، وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: كان أبو نصر يضاهي أبا إسحاق الشيرازي، وكانوا يقولون: هو أعرف بالمذهب من أبي إسحاق. وكانت الرحلة إليهما. وكان أبو نصر ثبتاً، حجةً، ديناً، خيراً، درس بالنظامية بعد أبي إسحاق، وكف بصره في آخر عمره، وحدث بجزء ابن عرفة، عن ابن الفضل.
وقال ابن خلكان: كان تقياً، صالحاً، وشامله من أصح كتب أصحابنا، وأثبتها أدلةً، درس بالنظامية أول ما فتحت، ثم عزل بعد عشرين يوماً بأبي إسحاق، سنة تسع وخمسين، وكان الواقف قرر أبا إسحاق، فاجتمع الناس، وتغيب أبو إسحاق، فأحضروا أبا نصر، ورتب فيها، فتألم أصحاب أبي إسحاق، وفتروا عن مجلسه، وراسلوه بأنه إن لم يدرس بالنظامية لازموا ابن الصباغ، وتركوه فأجابهم، وصرف ابن الصباغ.
قال شجاع الذهلي: توفي الشيخ أبو نصر في يوم الثلاثاء، ثالث عشر جمادى الأولى، سنة سبع وسبعين وأربع مئة، ودفن من الغد بداره بدرب السلولي.
قال أبو سعد السمعاني: ثم نقل إلى مقبرة باب حرب.
أبوه:

ابن الصباغ

الإمام، المفتي، البارع، العلامة أبو طاهر بن الصباغ، الشافعي، البيع.
سمع أبا حفص بن شاهين، وعلي بن مردك، والمعافى الجريري، وأبا القاسم بن حبابة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وغيرهما.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان ثقةً. تفقه على أبي حامد الإسفراييني، وكانت له حلقة للفتوى.
توفي في ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، وقد قارب الثمانين.
ولده:

ابن الصباغ

العالم، المسند، العدل، أبو القاسم، علي بن عبد السيد بن الشيخ أبي طاهر بن الصباغ الشاهد.
سمع كتاب السبعة لابن مجاهد من أبي محمد بن هزارمرد الصريفيني، وغير ذلك. وسمع من أبيه، وطائفة. روى عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والمؤيد بن الإخوة، وعمر بن طبرزد. وأجاز لأبي القاسم بن صصرى.
قال السمعاني: شيخ ثقة، صالح، حسن السيرة، مات في جمادى الأولى، سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة وله إحدى وثمانون سنةً رحمه الله .
فأبو نصر بن الصباغ أول من درس بالنظامية، عندما أديرت سنة تسع وخمسين، ثم درس الشيخ أبو إسحاق، وعزل أبو نصر بعد عشرين يوماً، ثم درس بعد أبي إسحاق أبو سعد المتولي مدة يسيرة، وولي ابن الصباغ، ثم عزل بعد أشهر بالمتولي، ثم بعد موته درس بها الشريف أبو القاسم الدبوسي إلى أن مات، فدرس الحسين بن محمد الطبري، ثم قدم الشيخ عبد الوهاب بن محمد الفامي، فدرسا معاً مناوبةً، إلى أن عزلا سنة أربع وثمانين بالغزالي، فدرس أربع سنين، وحج، ونزل الشام، وناب أخوه أحمد، ثم في سنة تسع وثمانين أعيد إليها الطبري، فدرس ثلاثة أعوام، ثم درس إلكيا أبو الحسن الهراسي، إلى أن مات سنة 504، فدرس أبو بكر الشاشي حتى مات، فدرس بعده أسعد الميهني، وعزل في شوال سنة 513، ودرس الأغر عبد الرحمن الطبري، وعزل سنة 17 بأبي الفتح بن برهان، وعزل بعد أربعة أشهر بأبي الفتح عبد الواحد بن حسن بن محمد الباقرحي، ثم بعد شهرين أعيد الميهني، ثم بعد شهرين أعيد ابن برهان، فدرس درساً، وعزل بأبي منصور ابن الرزاز، وعزل بعد أشهر بأبي سعد يحيى بن علي الحلواني، ثم درس بعده أبو علي الحسن بن الفتى، سنة إحدى وعشرين ومات، فأعيد ابن الرزاز إلى أن عزل بعد عشر سنين بأبي بكر محمد بن عبد اللطيف الخجندي، فدرس أشهراً، وخرج إلى أصبهان، فأعيد ابن الرزاز، ثم عزل سنة سبع وثلاثين، فولي حفيد الواقف أبو نصر محمد بن علي بن أحمد بن نظام الملك، ثم عزل في أول سنة خمس وأربعين، ودرس يوسف الدمشقي، ثم ألزم بيته بعد أسبوعين، ودرس أبو النجيب السهروردي، ثم عزل سنة سبع وأربعين، وأعيد حفيد الواقف، ثم عزل بعد عشر سنين، وأعيد يوسف الدمشقي، ودرس بعده سنة 63 أبو جعفر بن الصباغ نيابةً، وصرف بعد ثلاث سنين، وولي أبو نصر أحمد بن عبد الله بن الشاشي، وعزل سنة تسع وستين، فوليها أبو الخير الطالقاني، فدرس بها إحدى عشرة سنة، ورجع إلى بلاده، فدرس بها أبو طالب بن الخل، ثم ناب في التدريس علي بن علي الفارقي، ثم وليها سنة 593 المجير محمود بن المبارك البغدادي، إلى أن مات، ووليها يحيى بن الربيع، ثم بعده يحيى بن القاسم التكريتي سبع سنين، وعزل سنة 614 بمحمد بن يحيى بن فضلان، ثم عزل بعد عامين بمحمود بن أحمد الزنجاني، فدرس مدة، وبعده في رجب سنة 636 وليها محمد بن يحيى بن الحبير.