إمام الحرمين

إمام الحرمين

الإمام الكبير، شيخ الشافعية، إمام الحرمين، أبو المعالي، عبد الملك ابن الإمام أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الجويني، ثم النيسابوري، ضياء الدين، الشافعي، صاحب التصانيف.
ولد في أول سنة تسع عشرة وأربع مئة.
وسمع من أبيه، وأبي سعد النصرويي، وأبي حسان محمد بن أحمد المزكي، ومنصور بن رامش، وعدة. وقيل: إنه سمع حضوراً من صاحب الأصم علي بن محمد الطرازي.
وله أربعون حديثاً سمعناها.
روى عنه: أبو عبد الله الفراوي، وزاهر الشحامي، وأحمد بن سهل المسجدي، وآخرون.
وفي فنون ابن عقيل: قال عميد الملك: قدم أبو المعالي، فكلم أبا القاسم بن برهان في العباد، هل لهم أفعال ؟ فقال أبو المعالي: إن وجدت آيةً تقتضي ذا فالحجة لك، فتلا: "وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ" المؤمنون. ومد بها صوته، وكرر "هُمْ لَهَا عَامِلُونَ" وقوله: "لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللّه يَعْلَمُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ" التوبة أي كانوا مستطيعين. فأخذ أبو المعالي يستروح إلى التأويل، فقال: والله إنك بارد؛ تتأول صريح كلام الله لتصحح بتأويلك كلام الأشعري. وأكله ابن برهان بالحجة، فبهت. قال أبو سعد السمعاني: كان أبو المعالي، إمام الأئمة على الإطلاق، مجمعاً على إمامته شرقاً وغرباً، لم تر العيون مثله. تفقه على والده، وتوفي أبوه ولأبي المعالي عشرون سنة، فدرس مكانه، وكان يتردد إلى مدرسة البيهقي، وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف. وكان ينفق من ميراثه ومن معلوم له، إلى أن ظهر التعصب بين الفريقين، واضطربت الأحوال، فاضطر إلى السفر عن نيسابور، فذهب إلى المعسكر، ثم إلى بغداد، وصحب الوزير أبا نصر الكندري مدة يطوف معه، ويلتقي في حضرته بكبار العلماء، ويناظرهم، فتحنك بهم، وتهذب، وشاع ذكره، ثم حج، وجاور أربع سنين يدرس، ويفتي، ويجمع طرق المذهب، إلى أن رجع إلى بلده بعد مضي نوبة التعصب، فدرس بنظامية نيسابور، واستقام الأمر، وبقي على ذلك ثلاثين سنة غير مزاحم ولا مدافع، مسلماً له المحراب والمنبر والخطبة والتدريس، ومجلس الوعظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضر درسه الأكابر والجمع العظيم من الطلبة، كان يقعد بين يديه نحو من ثلاث مئة، وتفقه به أئمة.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، أخبرنا الحافظ أبو محمد المنذري قال: توفي والد أبي المعالي، فأقعد مكانه ولم يكمل عشرين سنة، فكان يدرس، وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسكاف، وجاور ثم رجع .. إلى أن قال: وسمع من محمد بن إبراهيم المزكي، وأبي سعد بن عليك، وفضل الله بن أبي الخير الميهني، وأبي محمد الجوهري البغدادي، وأجاز له أبو نعيم الحافظ، وسمع من الطرازي. كذا قال.
وقال السمعاني: قرأت بخط أبي جعفر محمد بن أبي علي: سمعت أبا إسحاق الفيروزابادي يقول: تمتعوا من هذا الإمام، فإنه نزهة هذا الزمان يعني أبا المعالي الجويني .
وقرأت بخط أبي جعفر أيضاً: سمعت أبا المعالي يقول: قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة، وركبت البحر الخضم، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام، كل ذلك في طلب الحق، وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن فقد رجعت إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، فإن لم يدركني الحق بلطيف بره، فأموت على دين العجائز، ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويل لابن الجويني.
قلت: كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا يدري الحديث كما يليق به لا متناً ولا إسناداً. ذكر في كتاب البرهان حديث معاذ في القياس فقال: هو مدون في الصحاح، متفق على صحته.
قلت: بل مداره على الحارث بن عمرو، وفيه جهالة، عن رجال من أهل حمص، عن معاذ. فإسناده صالح.
قال المازري في شرح البرهان في قوله: إن الله يعلم الكليات لا الجزئيات: وددت لو محوتها بدمي.
وقيل: لم يقل بهذه المسألة تصريحاً، بل ألزم بها لأنه قال بمسألة الاسترسال فيما ليس بمتناه من نعيم أهل الجنة، فالله أعلم.
قلت: هذه هفوة اعتزال، هجر أبو المعالي عليها، وحلف أبو القاسم القشيري لا يكلمه، ونفي بسببها، فجاور وتعبد، وتاب ولله الحمد منها، كما أنه في الآخر رجح مذهب السلف في الصفات وأقره.
قال الفقه غانم الموشيلي: سمعت الإمام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام. قال أبو المعالي في كتاب الرسالة النظامية: اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في القرآن، وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقداً اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع، والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً؛ لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل؛ كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب، فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ" ص "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" الرحمن و"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" القمر. وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه.
قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا الحسن القيرواني الأديب وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي في الكلام فقال: سمعت أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا: لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما اشتغلت به.
وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قال: حكى لنا أبو الفتح الطبري الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا علي أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السنة، وأني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور.
قال محمد بن طاهر: حضر المحدث أبو جعفر الهمذاني مجلس وعظ أبي المعالي، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه. فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها، ما قال عارف قط: يا ألله ! إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفسنا، أو قال: فهل عندك دواء لدفع هذه الضرورة التي نجدها ؟ فقال: يا حبيبي ! ما ثم إلا الحيرة. ولطم على رأسه، ونزل، وبقي وقت عجيب، وقال فيما بعد: حيرني الهمذاني.
لأبي المعالي كتاب نهاية المطلب في المذهب؛ ثمانية أسفار، وكتاب الإرشاد في أصول الدين، كتاب الرسالة النظامية في الأحكام الإسلامية، كتاب الشامل في أصول الدين، كتاب البرهان في أصول الفقه، كتاب مدارك العقول لم يتمه، كتاب غياث الأمم في الإمامة، كتاب مغيث الخلق في اختيار الأحق، كتاب غنية المسترشدين في الخلاف.
وكان إذا أخذ في علم الصوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين، وكان يذكر في اليوم دروساً؛ الدرس في عدة أوراق، لا يتلعثم في كلمة منها. وصفه بهذا وأضعافه عبد الغافر بن إسماعيل.
توفي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، ودفن في داره، ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدفن بجنب والده، وكسروا منبره، وغلقت الأسواق، ورثي بقصائد، وكان له نحو من أربع مئة تلميذ، كسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا حولاً، ووضعت المناديل عن الرؤوس عاماً، بحيث ما اجترأ أحد على ستر رأسه، وكانت الطلبة يطوفون في البلد نائحين عليه، مبالغين في الصياح والجزع.
قلت: هذا كان من زي الأعاجم لا من فعل العلماء المتبعين.
وقال أبو الحسن الباخرزي في الدمية في حقه: الفقه فقه الشافعي والأدب أدب الأصمعي، وفي الوعظ الحسن الحسن البصري، وكيف ما هو فهو إمام كل إمام، والمستعلي بهمته على كل هام، والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام، إن تصدر للفقه، فالمزني من مزنته، وإذا تكلم فالأشعري شعرة من وفرته. أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه، عن عبد القادر الحافظ، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني، أخبرني أبو جعفر الحافظ، سمعت أبا المعالي وسئل عن قوله: "الرَّحْمنُ عَلى العَرْشِ" طه فقال: كان الله ولا عرش. وجعل يتخبط، فقلت: هل عندك للضرورات من حيلة ؟ فقال: ما معنى هذه الإشارة ؟ قلت: ما قال عارف قط: يا رباه ! إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصد لا يلتفت يمنةً ولا يسرةً يقصد الفوق فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؛ فتنبئنا نتخلص من الفوق والتحت ؟ وبكيت وبكى الخلق، فضرب بكمه على السرير، وصاح بالحيرة، ومزق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل يقول: يا حبيبي ! الحيرة الحيرة، والدهشة الدهشة.

النسوي

العلامة، أقضى القضاة، أبو عمرو، محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الشافعي، المفسر، صاحب التصانيف والفنون.
سمع أبا بكر الجيري، وأبا إسحاق الإسفراييني، وأبا ذر الهروي بمكة، وابن نظيف بمصر، وأبا الحسن بن السمسار بدمشق. وأملى مدة مع الدين والتقوى.
ولي قضاء خوارزم، وكان لا يأخذه في الله لومة لائم. وله كتب في الفقه.
نفذه ملكشاه رسولاً ليخطب بنت الخليفة، فأدى الرسالة، وبذل النصيحة، فقال: لا تخلط بيتك الطاهر بالتركمان.
روى عنه أهل خوارزم.
توفي سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.

ابن خلف

الشيخ، العلامة، النحوي، أبو بكر، أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري، الأديب، مسند وقته.
ولد في سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
وسمع في سنة أربع وأربع مئة، ثم بعدها من أبي عبد الله الحاكم، وحمزة المهلبي، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وأبي طاهر بن محمش، وأبي بكر بن فورك، وأبي عبد الرحمن السلمي، وطبقتهم فأكثر.
حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وأبو محمد بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الغافر بن إسماعيل، ووجيه الشحامي، والفقيه عمر بن الصفار، وأحمد بن سعيد الميهني، وأبو سعد عبد الوهاب الكرماني، وخلق كثير. وعاش الكرماني إلى سنة تسع وخمسين وخمس مئة.
قال عبد الغافر: أما شيخنا ابن خلف فهو الأديب، المحدث، المتقن، الصحيح السماع أبو بكر، ما رأينا شيخاً أورع منه، ولا أشد إتقاناً، حصل على حظ وافر من العربية، وكان لا يسامح في فوات لفظة مما يقرأ عليه، ويراجع في المشكلات، ويبالغ. رحل إليه العلماء. سمعه أبوه الكثير، وأملى على الصحة، وسمعنا منه الكثير.
قال إسماعيل بن محمد الحافظ: كان حسن السيرة، من أهل الفضل والعلم، محتاطاً في الأخذ، ثقةً.
وقال السمعاني: كان فاضلاً، عارفاً باللغة والأدب ومعاني الحديث، في كمال العفة والورع.
مات في ربيع الأول، سنة سبع وثمانين وأربع مئة.

فاطمة

بنت الأستاذ الزاهد أبي علي، الحسن بن علي الدقاق، الشيخة العابدة، العالمة، أم البنين النيسابورية، أهل الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأم أولاده.
سمعت من: أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، وعبد الله ابن يوسف، وأبي علي الروذباري، وأبي عبد الله الحاكم، والسلمي، وطائفة.
وكانت عابدةً، قانتة، متهجدةً، كبيرة القدر.
حدث عنها: عبد الله بن الفراوي، وزاهر الشحامي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد حفيدها، وآخرون.
ماتت في ذي القعدة، سنة ثمانين وأربع مئة، ولها تسعون سنة، رحمها الله.

فاطمة

بنت الحسن بن علي البغدادي العطار، أم الفضل، الكاتبة المعروفة ببنت الأقرع.
جود الناس على خطها لبراعة حسنه. وهي التي ندبت لكتابة كتاب الهدنة إلى طاغية الروم من جهة الخلافة، وبكتابها يضرب المثل.
وقد روت عن: أبي عمر بن مهدي وغيره.
روى عنها: أبو القاسم بن السمرقندي، وقاضي المارستان، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو سعد بن البغدادي.
قال السمعاني: سمعت محمد بن عبد الباقي الأنصاري يقول: سمعت فاطمة بنت الأقرع تقول: كتبت ورقةً لعميد الملك، فأعطاني ألف دينار.
ماتت في المحرم، سنة ثمانين وأربع مئة.
وفيها ماتت بنت الدقاق، والحسن بن العلاء البشتي، وعبد الله بن سهل مقرئ الأندلس، وواعظ الوقت أبو الفضل عبد الله بن الحسين المصري الجوهري، والحافظ الشهيد أبو المعالي الحسيني، وغرس النعمة أبو الحسن محمد بن هال بن الصابئ.

التستري

الشيخ الجليل، أبو علي، علي بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر التستري ثم البصري السقطي، راوي سنن أبي داود، عن القاضي أبي عمر الهاشمي.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وأبو الحسن بن مرزوق الزعفراني، وأبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، وعبد الملك بن عبد الله.
وكان صحيح السماع. آخر من حدث عنه النقيب أبو طالب محمد بن محمد بن أبي زيد العلوي، يروي عنه السنن سماعاً للجزء الأول، وإجازةً إن لم يكن سماعاً لسائر الكتاب.
مات سنة تسع وسبعين وأربع مئة بالبصرة، ومات صاحبه العلوي سنة ستين وخمس مئة.

صاحب الموصل

السلطان شرف الدولة، أبو المكارم، مسلم بن ملك العرب قريش بن بدران بن الملك حسام الدولة مقلد بن المسيب بن رافع العقيلي.
كان يترفض كأبيه. ونهب أبوه دور الخلافة في فتنة البساسيري، وأجار القائم بأمر الله. ومات سنة ثلاث وخمسين كهلاً، فولي ابنه ديار ربيعة ومضر، وتملك حلب، وأخذ الأتاوة من بلاد الروم، وحاصر دمشق، وكاد أن يأخذها، فنزع أهل حران طاعته، فبادر إليها، فحاربوه، فافتتحها، وبذل السيف في السنة بها، وأظهر سب الصحابة، ودانت له العرب، ورام الاستيلاء على بغداد بعد طغرلبك، وكان يجيد النظم، وله سطوة وسياسة وعدل بعنف، وكان يعطي جزية بلاده للعلوية. عمر سور الموصل وشيدها.
ثم إنه عمل المصاف مع سلطان الروم سليمان بن قتلمش في سنة 478 بظاهر أنطاكية، فقتل مسلم وله بضع وأربعون سنة. وقيل: بل خنقه خادم في الحمام. وملكوا أخاه إبراهيم، وله سيرة طويلة وحروب وعجائب.

الصرام

الشيخ القدوة، العابد، المسند، أبو الفضل، محمد بن عبيد الله بن محمد النيسابوري، الصرام.
سمع مسند أبي عوانة من أبي نعيم عبد الملك بن الحسن، وسمع من أبي الحسن العلوي، وأبي عبد الله الحاكم، وطائفة.
حدث عنه: وجيه الشحامي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، ومحمد بن جامع الصواف، وعبد الله بن محمد الفراوي، وآخرون.
وكان أبوه من كبراء البلد.
مات في شعبان، سنة تسع وسبعين وأربع مئة، في عشر التسعين، وكان يقرأ القرآن في ركعتين، ويديم التعبد والتلاوة رحمه الله .
وفيها مات شيخ الشيوخ أبو سعد أحمد بن محمد بن محمد بن دوست العابد الصوفي، وإسماعيل بن زاهر النوقاني، وطاهر بن محمد الشحامي، وأبو علي علي بن أحمد التستري، وأبو نصر محمد بن محمد الزينبي.

السمسار

الشيخ الثقة، المعمر، أبو بكر، محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني السمسار، صاحب إبراهيم بن عبد الله بن خرشيذ قوله.
سمع منه، ومن جعفر بن محمد بن جعفر، وأبي الفضل عبد الواحد التميمي، وغيرهم.
روى عنه: أبو سعد بن البغدادي، ومسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي الفقيه، وآخرون.
قال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عنه، فأثنى عليه، وقال: كان من المعمرين، سمعته يقول: ولدت سنة خمس وسبعين وثلاث مئة. وعاش مئة سنة.
توفي السمسار في منتصف شوال سنة خمس وسبعين وأربع مئة. وكان يمكنه السماع من أبي بكر بن المقرئ، فما اتفق له.

الدامغاني

العلامة البارع، مفتي العراق، قاضي القضاة، أبو عبد الله، محمد ابن علي بن محمد بن حسن بن عبد الوهاب بن حسويه الدامغاني الحنفي.
تفقه بخراسان، وقدم بغداد شاباً، فأخذ عن القدوري.
وسمع من: القاضي أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري، ومحمد بن علي الصوري، وطائفة.
حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعلي بن طراد الزينبي، والحسين المقدسي، وآخرون.
مولده بدامغان في سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة، وحصل المذهب على فقر شديد.
قال أبو سعد السمعاني: قال والدي: سمعت أحمد بن الحسن البصري الخباز يقول: رأيت أبا عبد الله الدامغاني كان يحرس في درب الرياح، وكان يقوم بعيشته إنسان اسمه أبو العشائر الشيرجي.
وعنه: قال: تفقهت بدامغان على أبي صالح الفقيه، ثم قصدت نيسابور، فأقمت أربعة أشهر بها، وصحبت أبا العلاء صاعد بن محمد قاضيها، ثم وردت بغداد.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: فقرأ على القدوري، ولازم الصيمري، ثم صار من الشهود، ثم ولي القضاء للقائم، فدام في القضاء ثلاثين سنةً وأشهراً.
وكان القاضي أبو الطيب يقول: الدامغاني أعرف بمذهب الشافعي من كثير من أصحابنا. قال محمد: وكان بهي الصورة، حسن المعاني في الدين والعلم والعقل والحلم وكرم العشرة والمروءة. له صدقات في السر، وكان منصفاً في العلم، وكان يورد في درسه من المداعبات والنوادر نظير ما يورد الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فإذا اجتمعا، صار اجتماعهما نزهةً.
قلت: كان ذا جلالة وحشمة وافرة إلى الغاية، ينظر بالقاضي أبي يوسف في زمانه. وفي أولاده أئمة وقضاة.
ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله بن ماكولا، سنة سبع وأربعين، وله خمسون سنة.
ومات في رجب، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، ودفن بداره، ثم نقل ودفن بقبة الإمام أبي حنيفة إلى جانبه. عاش ثمانين سنةً وثلاثة أشهر وخمسة أيام، وغسله أبو الوفاء بن عقيل وأبو ثابت الرازي تلميذه. وصلى عليه ولده قاضي القضاة أبو الحسن.
وله أصحاب كثيرون علماء، انتشروا في البلاد، منهم: أبو سعد الحسن ابن داود بن بابشاذ المصري، ونور الهدى الحسين بن محمد الزينبي، وأبو طاهر إلياس بن ناصر الديلمي، وأبو القاسم علي بن محمد الرحبي ابن السمناني.
وفيها مات إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، ومحدث الأندلس أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث العذري، وأحمد بن عيسى بن عباد الدينوري، والعلامة أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون المتولي النيسابوري ببغداد، وأبو عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، ومقرئ مكة أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري، ورأس المعتزلة أبو علي محمد بن أحمد بن الوليد الكرخي، والسلطان مسلم بن قريش العقيلي الرافضي.

الأندقي

شيخ الحنفية، مفتي ما وراء النهر، أبو المظفر، عبد الكريم بن أبي حنيفة.
تفقه على عبد العزيز الحلواني.
وحدث عن جماعة.
سمع منه: عثمان بن علي البيكندي.
وأندقى: من قرى بخارى.
مات في شعبان، سنة إحدى وثمانين وأربع مئة.

ابن خزرج

الحافظ، المجود، المؤرخ، أبو محمد، عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خزرج اللخمي الإشبيلي، صاحب التاريخ.
ولد سنة سبع وأربع مئة.
وروى عن: أبي عمرو المرشاني، وأبي الفتوح الجرجاني، وأبي عبد الله الخولاني.
وعدد شيوخه مئتان وستون شيخاً.
وكان مع براعته في الحديث فقيهاً مشاوراً مالكياً، أكثر الناس عنه.
وحدث عنه: شريح بن محمد، وأبو محمد بن يربوع.
توفي بإشبيلية في شوال، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.

ابن الوليد

رأس المعتزلة وبارعهم، أبو علي، محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد الكرخي المتكلم.
ولد سنة ست وتسعين وثلاث مئة.
وأتقن علم الاعتزال على أبي الحسين البصري، وحفظ عنه حديثاً واهناً من جهة هلال الرأي.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأخذ عنه الكلام علي بن عقيل عالم الحنابلة.
مات في ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
وكان ذا زهد وورع وقناعة. شاخ فكان ينقض من خشب بيته ما يمونه، وكان يلبس القطني الخام، وكان داعيةً إلى الاعتزال، وبه انحرف ابن عقيل.
مات في ذي الحجة، سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وكان يدري المنطق جيداً.
وما تنفع الآداب والبحث والذكاء، وصاحبها هاو بها في جهنم.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان أبو علي زاهد المعتزلة، لم نعرف في زماننا مثل تورعه وقناعته، تورع عن ميراثه من أبيه، وكان يقول: قرأت على أستاذنا أبي الحسين في سنة خمس عشرة وأربع مئة.

ابن المطلب

الأديب الأوحد، أبو سعد، محمد بن علي بن محمد بن المطلب الكرماني، ثم البغدادي، الشاعر، والد الوزير الصاحب أبي المعالي هبة الله ابن المطلب.
مهر في الأدب والأخبار.
وروى عن أبي الحسين بن بشران، وطائفة.
روى عنه: شجاع الذهلي، ويحيى بن البناء.
وله هجو بليغ، عزل من كتابة، فقال:

عزلت وما خنت فيما وليت

 

وغيري يخون ولا يعـزل

فهذا يدلّ عـلـى أنّ مـن

 

يولّي ويعزل لا يعـقـل

وهو القائل:

يا حسرتا مات حظّي من قلوبكـم

 

وللحظوظ كما لـلـنّـاس آجـال

تصرّم العمر لم أحظى بقربـكـم

 

كم تحت هذي القبور الخرس آمال

قال هبة الله السقطي: أخذت عنه، ثم تاب، وألهم الصلاة والصوم والصدقة، وغسل مسودات شعره رحمه الله وعاش أربعاً وثمانين سنة. مات في ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.

شيخ الشيوخ

القدوة، الكبير، العارف، أبو سعد، أحمد بن محمد بن دوست دادا النيسابوري. نزيل بغداد.
صحب أبا سعيد فضل الله الميهني، وحج مرات على التجريد في أصحاب له فقراء، فكان يدور بهم في قبائل العرب، ويتوصل إلى مكة، وكان الوزير النظام يحترمه، ويحبه، ثم إنه باع أملاكه بنيسابور، وبنى ببغداد رباطاً كبيراً، وله وجاهة عظيمة وتجمل زائد.
مات سنة تسع وسبعين وأربع مئة. وخلفه ولده أبو البركات إسماعيل في المشيخة.

الباهر

الخطيب أبو الفتح، محمد بن أحمد بن عثمان بن أحمد الخزاعي، المطيري. عرف بالباهر.
كان خطيب قصر عروة. وله نظم جيد.
سمع بسامراء من علي بن أحمد بن يوسف البزاز، والحسن بن محمد بن يحيى الفحام، وببغداد عبد الملك بن بشران، وبالكوفة من أبي الحسن محمد بن جعفر النحوي التميمي.
وعنه: أبو العز بن كادش، وغيره. وفي روايته عن علي الرفاء مقال.
توفي سنة تسع وسبعين وأربع مئة، وله أربع وتسعون سنة.

ابن شكرويه

الشيخ، الإمام، القاضي، المعمر، أبو منصور، محمد بن أحمد ابن علي بن شكرويه الأصبهاني.
قال يحيى بن مندة: هو آخر من حدث عن أبي علي بن البغدادي، وإبراهيم بن خرشيذ قوله، وسافر إلى البصرة، وسمع من القاضي أبي عمر الهاشمي، وعلي بن القاسم النجاد، وجماعة، إلا أنه خلط في كتاب سنن أبي داود ما سمعه منه بما لم يسمعه، وحك بعض السماع كذلك أراني المؤتمن الساجي ثم ترك القراءة عليه، وسار إلى البصرة، فسمع الكتاب من أبي علي التستري.
وقال المؤتمن: ما كان عند ابن شكرويه عن ابن خرشيذ قوله والجرجاني وهذه الطبقة فصحيح، وقد أطلعني على نسخته بسنن أبي داود، فرأيت تخليطاً ما استحللت معه سماعه.
وقال ابن طاهر: لما كان بأصبهان كان يذكر أن السنن عند ابن شكرويه، فنظرت فإذا هو مضطرب، فسألت عن ذلك، فقيل: إنه كان له ابن عم، وكانا جميعاً بالبصرة، وكان القاضي مشتغلاً بالفقه، وإنما سمع اليسير من الهاشمي، وكان ابن عمه قد سمع الكتاب كله، وتوفي قديماً، فكشط القاضي اسم ابن عمه، وأثبت اسمه.
وقال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عن أبي منصور بن شكرويه، فقال: كان أشعرياً، لا يسلم علينا، ولا نسلم عليه، ولكنه كان صحيح السماع.
وقال يحيى بن مندة: كان على قضاء قرية سين. سافر إلى البصرة، فسمع من الهاشمي، وجماعة. ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة، ومات في العشرين من شعبان، سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
حدث عنه: ابن طاهر، وإسماعيل بن محمد التيمي، ونصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاووس، وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وأبو سعد بن البغدادي، وعبد العزيز بن محمد الأدمي، والجنيد ابن محمد القايني، وآخرون.

الجوهري

الشيخ، المسند، الأمين، أبو عطاء، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي عاصم الهروي الجوهري.
روى عن: محمد بن محمد بن جعفر الماليني، وأبي معاذ الشاه، وأبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وحاتم بن أبي حاتم محمد بن يعقوب، وجماعة.
حدث عنه: أحمد بن أبي سهل الصوفي، وعبد الواسع بن أميرك، ووجيه الشحامي، وأبو الوقت عبد الأول، وعبد الجليل بن أبي سعد، وآخرون.
قال السمعاني: حدثونا عنه، وكان شيخاً ثقة، صدوقاً. تفرد عن أبي معاذ والماليني، مولده سنة سبع أو ثمان وثمانين وثلاث مئة، توفي في شعبان، سنة ست وسبعين وأربع مئة.

الجوهري

واعظ العصر، العلامة أبو الفضل، عبد الله بن الحسين المصري، ابن الجوهري.
حدث عن: أبي سعد الماليني.
روى عنه: الحميدي، وجماعة.
وكان أبوه من العلماء العاملين.
مات في شوال، سنة ثمانين وأربع مئة.
وممن روى عنه علي بن مشرف الأنماطي.

الحبال

الإمام، الحافظ، المتقن، العالم، أبو إسحاق، إبراهيم بن سعيد ابن عبد الله النعماني مولاهم، المصري، الكتبي، الوراق، الحبال، الفراء. من أولاد عبيد القاضي بن النعمان المغربي، العبيدي، الرافضي.
قال أبو علي الصدفي: ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة، وسمع من الحافظ عبد الغني بن سعيد في سنة سبع وأربع مئة، فكان آخر من سمع منه. قلت: وسمع من: أحمد بن عبد العزيز بن ثرثال صاحب المحاملي، وهو أكبر شيخ له، ومن أبي محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان، ومحمد بن ذكوان التنيسي، سبط عثمان بن محمد السمرقندي، وأحمد بن الحسين بن جعفر العطار، وأبي العباس أحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي، ومحمد بن محمد النيسابوري، صاحب الأصم، ومحمد بن الفضل بن نظيف، وخلق سواهم. ولم يرحل.
وقد خرج لنفسه عوالي سفيان بن عيينة، وكان يتجر في الكتب ويخبرها.
ومن شيوخه: منير بن أحمد الخشاب، والخصيب بن عبد الله، وأبو سعد الماليني.
وحصل من الأصول والأجزاء ما لا يوصف كثرةً.
حدث عنه: أبو عبد الله الحميدي، وإبراهيم بن الحسن العلوي النقيب، وعبد الكريم بن سوار التككي، وعطاء بن هبة الله الإخميمي، ووفاء بن ذبيان النابلسي، ويوسف بن محمد الأردبيلي، ومحمد بن محمد ابن جماهر الطليطلي، ومحمد بن إبراهيم البكري، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي، وأبو الفضل محمد بن بنان الأنباري، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي قاضي المارستان، وعدة.
وروى عنه بالإجازة: أبو علي بن سكرة الصدفي، والحافظ محمد بن ناصر.
وكانت الدولة الباطنية قد منعوه من التحديث، وأخافوه، وهددوه، فامتنع من الرواية، ولم ينتشر له كبير شيء.
قال القاضي أبو علي الصدفي: منعت من الدخول إليه إلا بشرط أن لا يسمعني، ولا يكتب إجازةً، فأول ما فاتحته الكلام خلط في كلامه، وأجابني على غير سؤالي حذراً من أن أكون مدسوساً عليه، حتى بسطته، وأعلمته أني أندلسي أريد الحج، فأجاز لي لفظاً، وامتنع من غير ذلك.
قلت: قبح الله دولةً أماتت السنة ورواية الأثارة النبوية، وأحيت الرفض والضلال، وبثت دعاتها في النواحي تغوي الناس، ويدعونهم إلى نحلة الإسماعيلية، فبهم ضلت جبلية الشام، وتعثروا، فنحمد الله على السلامة في الدين.
قال أبو نصر بن ماكولا: كان الحبال ثقةً ثبتاً، ورعاً، خيراً، ذكر أنه مولى لابن النعمان قاضي القضاة، ثم ساق عنه أبو نصر حديثاً، وذكر عنه أنه ثبته في غير شيء. وروى عنه الخطيب أبو بكر الحافظ بالإجازة. ثم قال: وحدثنا عنه أبو عبد الله الحميدي.
وقال السلفي في مشيخة الرازي: كان الحبال من أهل المعرفة بالحديث، ومن ختم به هذا الشأن بمصر، لقي بمكة جماعةً، ولم يحصل أحد في زمانه من الحديث ما حصله هو.
وقال عبد الله بن خلف المسكي: هو من الحفاظ المبرزين الأثبات، جمع حديث أبي موسى الزمن، وانتقى عليه أبو نصر السجزي مئة جزء.
قلت: لا بل عشرين جزءاً، وشيوخه يزيدون على ثلاث مئة.
وقال ابن المفضل: انتهت إليه رئاسة الرحلة، وبه اختتم هذا الشأن في قطره، وآخر من حدث عنه فيما علمت أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحضرمي بالإجازة، وبقي إلى سنة أربع وخمسين وخمس مئة. وقيل: إن محدثاً قرأ عليه، فقال له: ورضي الله عن الشيخ الحافظ. فقال: قل: رضي الله عنك، إنما الحافظ الدارقطني وعبد الغني.
قال ابن طاهر: رأيت الحبال وما رأيت أتقن منه ! كان ثبتاً، ثقة، حافظاً.
وقال الأعز بن علي الظهيري: حدثنا أبو القاسم بن السمرقندي قال: كتب إلينا أبو إسحاق الحبال من مصر فكتب: أجزت لهم أن يقولوا: أجاز لنا فلان، ولا يقولوا: حدثنا ولا أخبرنا.
وقال عبد الله بن حمود الزاهد فيما علقه عنه السلفي: إنه حضر مجلس الحبال والحديث يقرأ عليه، فلم تزل دموعه تجري حتى فرغ القارئ.
وقال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: وقع المطر يوماً، فجاء الحبال، فقال: قد تلف بالمطر من كتبي بأكثر من خمس مئة دينار. فقلت له: قيل: إن ابن مندة عمل خزانةً لكتبه، فقال: لو عملت خزانةً لاحتجت إلى جامع عمرو بن العاص.
قال السلفي: سمعت مرشد بن يحيى المديني يقول: اشتريت من كتب الحبال عشرين قنطاراً بمئة دينار، فكان عنده أكثر من خمس مئة قنطار كتب.
قيل: إن بعض طلبة الحديث قصد أبا إسحاق الحبال، ليسمع منه جزءاً وذلك قبل أن يمنع فأخرج به عشرين نسخةً، وناول كل واحد نسخة يقابل بها. قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: كان عندنا بمصر رجل يسمع معنا الحديث، وكان متشدداً، وكان يكتب السماع على الأصول، فلا يكتب اسم أحد حتى يستحلفه أنه سمع الجزء، ولم يذهب عليه منه شيء. وسمعته يقول: كنا يوماً نقرأ على شيخ، فقرأنا قوله عليه السلام: لا يدخل الجنة قتات. وكان في الجماعة رجل يبيع القت وهو علف الدواب فقام وبكى، وقال: أتوب إلى الله. فقيل له: ليس هو ذاك، لكنه النمام الذي ينقل الحديث من قوم إلى قوم يؤذيهم. قال: فسكن، وطابت نفسه.
قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبال لا يخرج أصله من يده إلا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطالب، فيكتب منه قدر جلوسه، وكان له بأكثر كتبه نسخ عدة، ولم أر أحداً أشد أخذاً منه، ولا أكثر كتباً، وكان مذهبه في الإجازة أن يقدمها على الإخبار يقول: أجاز لنا فلان. ولا يقول: أخبرنا فلان إجازة. يقول: ربما تسقط لفظة إجازة، فتبقى إخباراً، فإذا بدئ بها، لم يقع شك.
قلت: لا حرج في هذا، وإنما هو استحسان.
قال: وسمعته يقول: خرج الحافظ أبو نصر السجزي على أكثر من مئة، لم يبق منهم غيري.
قال ابن طاهر: خرج له أبو نصر عشرين جزءاً في وقت الطلب، وكتبها في كاغد عتيق، فسألنا الحبال، فقال: هذا من الكاغد الذي كان يحمل إلى الوزير يعني ابن حنزابة من سمرقند، وقع إلي من كتبه قطعة، فكنت إذا رأيت ورقةً بيضاء قطعتها، إلى أن اجتمع لي هذا القدر.
قال ابن طاهر: لما قصدت أبا إسحاق الحبال وكانوا وصفوه لي بحليته وسيرته، وأنه يخدم نفسه فكنت في بعض الأسواق ولا أهتدي إلى أين أذهب، فرأيت شيخاً على الصفة واقفاً على دكان عطار، وكمه ملأى من الحوائج، فوقع في نفسي أنه هو، فلما ذهب، سألت العطار: من هذا ؟ قال: وما تعرفه ؟! هذا أبو إسحاق الحبال. فتبعته، وبلغته رسالة سعد بن علي الزنجاني، فسألني عنه، وأخرج من جيبه جزءاً صغيراً فيه الحديثان المسلسلان، أحدهما مسلسل بالأولية، فقرأهما علي، وأخذت عليه الموعد كل يوم في جامع عمرو بن العاص، حتى خرجت.
قلت: كان هذا في سنة سبعين وأربع مئة، وسماع قاضي المارستان منه في سنة ست وسبعين، وبعد ذلك منع من التحديث، وكان موته سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة، وله إحدى وتسعون سنة، فقيل: مات في شوال.
وقال علي بن إبراهيم المسلم الأنصاري: مات عشية الأربعاء لست خلون من ذي القعدة رحمه الله تعالى.
ومات معه في السنة مسند أصبهان القاضي أبو منصور محمد بن أحمد ابن علي بن شكرويه، ومسند دمشق أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد، وقاضي نيسابور ورئيسها أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي، ومفتي سرخس أبو حامد أحمد بن محمد الشجاعي، وخطيب أصبهان أبو الخير محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي، مؤلف كتاب بستان العارفين، وأبو السنابل هبة الله بن أبي الصهباء، وقاضي البصرة أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني الشافعي، وعبد الوهاب بن أحمد الثقفي، والمحدث علي بن أبي نصر المناديلي، وأبو الفتح بن سمكويه بأصبهان، ومسند جرجان إبراهيم بن عثمان الخلالي.
أخبرنا أبو الفهم تمام بن أحمد السلمي، أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله ابن أحمد الحنبلي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحافظ، حدثني إبراهيم بن سعيد النعماني ويده على كتفي، أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الحافظ ويده على كتفي فذكر حديثاً لا أريد أن أرويه لبطلان متنه: حدثني جبريل ويده على كتفي .. وذكر الحديث، وهو في تذكرة الحميدي.
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد في كتابه، أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي سنة 532 قال: قرأت على إبراهيم بن سعيد بمصر، أخبرنا أحمد بن عبد العزيز بن أحمد، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا العباس بن يزيد البحراني، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما الشجرة الطيبة ؟ فأردت أن أقول: هي النخلة، فنظرت، فإذا أنا أصغر القوم، فسكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي النخلة. أخبرنا أحمد بن يحيى بن طي، وإبراهيم بن حاتم ببعلبك، أخبرنا سليمان بن رحمة الخطيب، أخبرنا هبة الله بن علي، أخبرنا مرشد بن يحيى المديني، أخبرنا أبو إسحاق الحبال لفظاً، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر، أخبرنا إسماعيل بن يعقوب بن الجراب، حدثنا إسماعيل القاضي، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث: أن أبا حليمة معاذاً كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت.

شيخ الإسلام

الإمام القدوة، الحافظ الكبير، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، مصنف كتاب ذم الكلام، وشيخ خراسان من ذرية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أبي أيوب الأنصاري.
مولده في سنة ست وتسعين وثلاث مئة.
وسمع من: عبد الجبار بن محمد الجراحي جامع أبي عيسى كله أو أكثره، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وأبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي الحافظ، وأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد السرخسي، خاتمة أصحاب محمد بن إسحاق القرشي، وأبي الفوارس أحمد ابن محمد بن أحمد بن الحويص البوشنجي الواعظ، وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن حسن الضبي، وأحمد بن محمد بن مالك البزاز لقي أبا بحر البربهاري وأبي عاصم محمد بن محمد المزيدي، وأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني الحافظ، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن محمد الطرازي، وأبي نصر منصور بن الحسين بن محمد المفسر، وأحمد بن محمد بن الحسن السليطي، وأبي بكر أحمد بن الحسن الحيري لكنه لم يرو عنه، ومحمد بن جبرائيل بن ماحي، وأبي منصور أحمد بن محمد ابن العالي، وعمر بن إبراهيم الهروي، وعلي بن أبي طالب، ومحمد بن محمد بن يوسف، والحسين بن محمد بن علي، ويحيى بن عمار بن يحيى الواعظ، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الشيرازي لقيه بنيسابور، وأبي يعقوب القراب الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن محمد الهروي، وأحمد ابن محمد بن إبراهيم الوراق، وسعيد بن العباس القرشي، وغالب بن علي ابن محمد، ومحمد بن المنتصر الباهلي المعدل، وجعفر بن محمد الفريابي الصغير، ومحمد بن علي بن الحسين الباشاني، صاحب أحمد بن محمد بن ياسين، ومنصور بن رامش قدم علينا في سنة سبع وأربع مئة وأحمد بن أحمد بن حمدين، والحسين بن إسحاق الصائغ، ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، وعلي بن بشرى الليثي، ومحمد بن محمد بن يوسف بن يزيد، وأبي صادق إسماعيل بن جعفر، ومحمد بن محمد بن محمود، وعلي بن أحمد بن محمد بن خميرويه، ومحمد بن الفضل بن محمد ابن مجاشع، ومحمد بن الفضل الطاقي الزاهد، وعدد كثير، ومن أقدم شيخ له الجراحي، سمع منه في حدود سنة عشر وأربع مئة. وينزل إلى أن يروي عن أبي بكر البيهقي بالإجازة. وقد سمع من أربعة أو أكثر من أصحاب أبي العباس الأصم.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، ومحمد بن طاهر، وعبد الله بن أحمد ابن السمرقندي، وعبد الله بن عطاء الإبراهيمي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفضل محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول السجزي خادمه، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. وبقي إلى سنة نيف وسبعين وخمس مئة.
قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: كان آيةً في لسان التذكير والتصوف، من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الحسن بن محمد الخلال، وغيره. يروي في مجالس وعظه الأحاديث بالإسناد، وينهى عن تعليقها عنه. قال: وكان بارعاً في اللغة، حافظاً للحديث، قرأت عليه كتاب ذم الكلام، روى فيه حديثاً، عن علي ابن بشرى، عن ابن منده، عن إبراهيم بن مرزوق. فقلت له: هذا هكذا ؟ قال: نعم، وابن مرزوق هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ.
قلت: نعم: وكذا أسقط رجلين من حديثين خرجهما من جامع الترمذي، نبهت عليهما في نسختي، وهي على الخطأ في غير نسخة. قال المؤتمن: كان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما يبالي، ويرى الغريب من المحدثين، فيبالغ في إكرامه، قال لي مرةً: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن يعني طلب الحديث وسمعته يقول: تركت الحيري لله. قال: وإنما تركه، لأنه سمع منه شيئاً يخالف السنة.
قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثرياً قحاً، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري: فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس.
قال الحسين بن علي الكتبي: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتب، ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج له سواي.
قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مئة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت

 

فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا

قلت: وقد قال في قصيدته النونية التي أولها:

نزل المشيب بلمّتي فأراني

 

نقصان دهرٍ طالما أرهاني

أنا حنبليٌّ ما حييت وإن أمت

 

فوصيّتي ذاكم إلى الإخوان

إذ دينه ديني ودينـي دينـه

 

ما كنت إمّعةً لـه دينـان

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية، منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده، فإن رضيه، أذن له في الكلام على الناس، وإلا فمنعه قال: فلما قربت من الري؛ كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به ! وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: وما قال ؟ فقال: قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً، فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي. ولزمته أياماً، وانصرفت.
قال شيخ الإسلام في ذم الكلام، في أوله عقيب حديث "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ" المائدة. ونزولها بعرفة: سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضلة وزيادة وبدعة.
قلت: قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع، وفيه يبس وزعارة العجم، وما قاله، فمحل نظر.
ولقد بالغ أبو إسماعيل في ذم الكلام على الاتباع فأجاد، ولكنه لم نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه منازل السائرين، ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجال سيفاً مسلولاً على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طوداً راسياً في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه الفاروق في الصفات بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف الأربعين في التوحيد، وأربعين في السنة، وقد امتحن مرات، وأوذي، ونفي من بلده.
قال ابن طاهر: سمعته يقول: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سرداً.
قال الحافظ أبو النضر الفامي: كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مراراً، وعمدوا إلى إهلاكه أطواراً، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه. قلت: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفةً من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في منازل السائرين، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جداً، وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين ! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون، ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد جمع هذا سيرةً للإمام أحمد في مجلد، سمعناها من أبي حفص ابن القواس بإجازته من الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا المؤلف.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الحنفية وأئمة الشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته، بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر، قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك؛ رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم؛ رجعت أو تسكت عنهم. فوثب الأنصاري، وقال: أناظر على ما في كمي. قال: وما في كمك ؟ قال: كتاب الله. وأشار إلى كمه اليمين وسنة رسول الله وأشار إلى كمه اليسار وكان فيه الصحيحان. فنظر الوزير إليهم مستفهماتهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق.
وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ يعني أنه كان قد غرب قال: فلما دخل عليه؛ أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل ؟ قال: سل. قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري ؟ فسكت الشيخ، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة؛ قال الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم ليس بنبي. ثم قام وانصرف، فلم يمكن أحداً أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل: هذا أردتم ! أن نسمع ما يذكره بهراة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به ؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسافر من فوره إلى هراة.
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج، ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنماً من نحاس صغيراً، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا، وقام الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنماً يزعم أن الله تعالى على صورته، وإن بعث السلطان الآن يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلاماً وجماعة، فدخلوا، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، فألقى الغلام الصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، وقد اشتد غضب السلطان، فقال له السلطان: ما هذا ؟ قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذا أسألك. قال: فعم يسألني السلطان ؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال شيخ الإسلام بصولة وصوت جهوري: سبحانك ! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به، فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بهم، وصادرهم، وأخذ منهم وأهانهم.
قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت ؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: رضي الله عنه.
قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام، إن هم إلا كالأنعام. قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولم ؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله ابن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان أبو إسماعيل الأنصاري على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إماماً كاملاً في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغل بكسب، مكتفياً بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرةً أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئاً، وقل ما يراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزاً مقبولاً قبولاً أتم من الملك، مطاع الأمر نحواً من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازاً للدين، ورغماً لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام. ثم إذا انصرف إلى بيته؛ عاد إلى المرقعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر، وتسمية الأولاد غالباً بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى.
قال أبو سعد السمعاني: كان أبو إسماعيل مظهراً للسنة، داعياً إليها، محرضاً عليها، وكان مكتفياً بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئاً، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة، معتقداً ما صح، غير مصرح بما يقتضيه تشبيه، وقال مرةً: من لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن في، فهو مني في حل.
قلت: غالب ما رواه في كتاب الفاروق صحاح وحسان، وفيه باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائناً من خلقه من الكتاب والسنة، فساق دلائل ذلك من الآيات والأحاديث إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان.
قيل: إن شيخ الإسلام عقد على تفسير قوله: "إنَّ الَّذِيْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى" الأنبياء ثلاث مئة وستين مجلساً.
قال أبو النضر الفامي: توفي شيخ الإسلام في ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين وأربع مئة، عن أربع وثمانين سنةً وأشهر.
وفيها مات مسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن ماجة الأبهري، ومسند نيسابور أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي، وراوي جامع الترمذي أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي.
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أخبرنا علي بن أبي بكر بن روزبه ببغداد، وكتب إلي غير واحد، منهم إبراهيم بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي الفتح، وزكريا العلبي، وابن صيلا قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، حدثني أحمد بن محمد بن منصور بن الحسين وقال: هو أعلى حديث عندي، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن كثير بن ديسم أبو سعيد بهراة، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان ح، وأخبرنا الحسن بن علي، ومحمد بن قايماز الدقيقي، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل، أخبرنا عبد الجبار بن الجراح، حدثنا محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني سلمة بن وردان الليثي، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الكذب وهو باطل، بني له في رياض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق، بني له في وسطها، ومن حسن خلقه، بني له في أعلاها. سلمة سيء الحفظ، وقد روى عنه ابن المبارك والقعنبي، مات سنة ست وخمسين ومئة، ومن مناكيره ما رواه سريج بن يونس، حدثنا ابن أبي فديك، عن سلمة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل تزوجت ؟ قال: ليس عندي ما أتزوج. قال: أليس معك "قُلْ هُو اللَّهُ أَحَد" ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك "قُلْ يَا أَيُّها" ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، أليس معك إذا زلزلت ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن، تزوج تزوج.
قال أبو حاتم البستي: خرج عن حد الاحتجاج به.
أخبرنا أبو الحسن الغرافي، أخبرنا ابن أبي روزبه، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا حامد الرفاء، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنماً.
أخرجه البخاري، عن أبي نعيم، وهو من نمط الثلاثيات.
قرأت على أبي الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن قايماز، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر هو الخزاز عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "هُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ" آل عمران. فقال: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، أولئك الذين سمى الله فاحذروهم.
وبه: قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية: "فَأَمَّا الَّذِيْنَ في قُلُوبِهمْ زَيْغٌ" آل عمران. قال: هم الذين سمى الله فاحذروهم. هذا أو قريب منه.
فهذان الحديثان اللذان أسقط منهما أبو إسماعيل رجلاً رجلاً، فالأول: سقط فوق ابن بشار أبو داود الطيالسي، والثاني: سقط منه رجل وهو أبو الوليد الطيالسي، عن يزيد.
وأخرجه أبو داود عالياً، عن القعنبي عن يزيد، به.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا عمر بن إبراهيم إملاءً، حدثنا عبد الله بن محمد الحياني، سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.
إسناده صحيح عن الشافعي، ولفظه غريب، والمحفوظ: طلب العلم.

ابن قريش

الشيخ العالم، الصالح، أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي بن الحسن بن عثمان بن قريش البغدادي، النصري، البناء، من أهل محلة النصرية.
سمع أحمد بن محمد بن الصلت الأهوازي، وهو آخر أصحابه، وأبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم الحرفي.
وعنه: ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وأحمد ابن هبة الله بن الفرضي، وعبد الخالق اليوسفي.
قال السمعاني: ثقة، صالح، صدوق، توفي في ذي الحجة، سنة أربع وثمانين وأربع مئة.

الحاكمي

الفقيه نصر بن علي بن أحمد بن منصور بن شاذويه، أبو الفتح الطوسي، الحاكمي، أحد المشاهير.
حدث بالسنن عن أبي علي الروذباري، عن ابن داسة. وأحضروه إلى نيسابور، فسمعوا منه الكتاب.
روى عنه: أبو الأسعد بن القشيري، وصخر بن عبيد الطابراني، وجماعة، وكان معمراً.

معلى بن حيدرة

الأمير الكبير، حصن الدولة، أبو الحسن الكتامي.
تغلب على مملكة دمشق بعد نزوح أمير الجيوش بدر عنها، فظلم وصادر وعسف، وزعم أن التقليد جاءه من المستنصر، وتعثرت الرعية، وأبغضه الجند، وجلا كثير من الناس، ثم خاف وذل، فهرب إلى بانياس، في آخر سنة سبع وستين وأربع مئة، فبقي هناك مدةً، ثم هرب إلى صور، ثم إلى طرابلس، فأمسك منها، ثم سجن بمصر مدة، ثم قتلوه في سنة إحدى وثمانين وأربع مئة.
وكان أبوه حيدرة بن منزه وفد إلى دمشق من قبل المستنصر، ولقب بحصن الدولة أيضاً.

الحسيني

الإمام، الحافظ، المجود، السيد الكبير، المرتضى، ذو الشرفين، أبو المعالي، محمد بن محمد بن زيد بن علي العلوي، الحسيني، البغدادي، نزيل سمرقند.
ولد سنة خمس وأربع مئة. وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي، وأحمد بن عبد الله ابن المحاملي، وطلحة بن الصقر، وأبا بكر البرقاني، ومحمد بن عيسى الهمذاني، وعبد الملك بن بشران الواعظ، وابن غيلان، وطبقتهم، واختص بالخطيب، ولازمه.
وصنف ومع، وكان كبير القدر، كامل السؤدد، كثير الأموال، يرجع إلى عقل ورأي وعلم وافر، ونعمة جسيمة.
حدث عنه: شيخه جعفر بن محمد المستغفري، وأبو بكر الخطيب، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وزاهر بن طاهر الشحامي، وهبة الله بن سهل السيدي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحيري، وأبو الفتح أحمد بن الحسين الأديب، لكن هذا بالإجازة، وآخر من بقي من أصحابه: الخطيب أبو المعالي المديني.
قال أبو سعد السمعاني: هو أفضل علوي في عصره، له المعرفة التامة بالحديث، وكان يرجع إلى عقل وافر ورأي صائب، برع بأبي بكر الخطيب في الحديث، نقل عنه الخطيب أظن في كتاب البخلاء رزق حسن التصنيف، وسكن في آخر عمره سمرقند، ثم قدم بغداد، وأملى بها، وحدث بأصبهان، ثم رجع إلى سمرقند.
سمعت يوسف بن أيوب الزاهد يقول: ما رأيت علوياً أفضل منه. وأثنى عليه، وكان من الأغنياء المذكورين، وكان كثير الإيثار، ينفذ في العام إلى جماعة من الأئمة الألف دينار والخمس مئة وأكثر إلى كل واحد، فربما بلغ ذلك عشرة آلاف دينار، ويقول: هذه زكاة مالي، وأنا غريب، ففرقوا على من تعرفون استحقاقه، وكل من أعطيتموه؛ فاكتبوا له خطاً، وأرسلوه حتى أعطيه من عشر الغلة. قال: وكان يملك قريباً من أربعين قرية خالصةً له بنواحي كس، وله في كل قرية وكيل أميز من رئيس بسمرقند.
هذا قول السمعاني، ولقد بالغ، فهذا في رتبة ملك، ومثل هذا يصلح للخلافة.
ثم قال أبو سعد: وسمعت أبا المعالي محمد بن نصر الخطيب يقول ذلك، وكان من أصحاب الشريف. وسمعته يقول: إن الشريف أنشأ بستاناً عظيماً، فطلب صاحب ما وراء النهر الخاقان خضر أن يحضر دعوته في البستان، فقال الشريف للحاجب: لا سبيل إلى ذلك. فألح عليه، فقال: لكني لا أحضر، ولا أهيئ له آلة الفسق والفساد، ولا أعصي الله تعالى. قال: فغضب الخاقان، وأراد أن يقبض عليه، فاختفى عند وكيل له نحواً من شهر، فنودي عليه في البلد، فلم يظفروا به، ثم أظهروا ندماً على ما فعلوا ليطمئن، وألح عليه أهله في الظهور، فجلس على ما كان مدة، ثم إن الملك نفذ إليه ليشاوره في أمر، فلما حصل عنده، أخذه وسجنه، ثم استأصل أمواله وضياعه، فصبر، وحمد الله، وقال: من يكون من أهل البيت لا بد أن يبتلى، وأنا ربيت في النعمة، وكنت أخاف أن يكون وقع في نسبي خلل، فلما جرى هذا، فرحت، وعلمت أن نسبي متصل.
قال لي أبو المعالي الخطيب: فسمعنا أنهم منعوه من الطعام حتى مات جوعاً، وهو من ذرية زين العابدين علي بن الحسين.
قال أبو سعد: قال أبو العباس الجوهري: رأيت السيد المرتضى بعد موته وهو في الجنة وبين يديه طعام، وقيل له: ألا تأكل ؟ قال: لا، حتى يجيء ابني، فإنه غداً يجيء. قال: فانتبهت، وذلك في رمضان، سنة اثنتين وتسعين، فقتل ولده السيد أبو الرضا في ذلك اليوم.
قال: وتوفي المرتضى بعد سنة ست وسبعين، وقيل: قتل في سنة ثمانين وأربع مئة، قتله الخاقان خضر بن إبراهيم، وكان قد نفذه الخاقان رسولاً إلى القائم بأمر الله.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله الدمشقي، أنبأنا أبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد، أخبرنا هبة الرحمن بن عبد الواحد الصوفي، أخبرنا المرتضى أبو المعالي محمد بن محمد العلوي، أخبرنا عمر بن إبراهيم بن إسماعيل الهروي الزاهد، أخبرنا منصور بن العباس البوشنجي، حدثنا جعفر ابن أحمد بن نصر الحصيري، حدثنا أبو حفص الأبلي عمر، حدثنا عيسى ابن شعيب، حدثنا روح بن القاسم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علم لا ينفع ككنز لا ينفق في سبيل الله عز وجل.
عيسى لا يوثق به. وبه إلى المرتضى: أخبرنا أبو الحسن علي بن طلحة البصري، حدثنا صالح بن أحمد الهمذاني الحافظ، حدثنا إبراهيم بن عمروس، حدثنا أبو عبد الله الجرجاني، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان الثوري، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ" المائدة. قال: الربانيون: العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار.
وبه: أخبرنا الحسن الفارسي يعني ابن شاذان أخبرنا أبو سهل القطان، حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا ابن عبدة، حدثنا حفص بن جميع، عن سماك، عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عباس يرفعه: إن أقرب الناس درجةً من درجة النبوة أهل الجهاد وأهل العلم، أما أهل العلم، فقالوا ما جاءت به الأنبياء، وأما أهل الجهاد، فجاهدوا على ما جاءت به الأنبياء.
وابنه:

الحسيني

سيد السادة، أبو الرضا، الأطهر بن محمد، من كبار الشرفاء حشمةً وجاهاً ورئاسة وأموالاً، ولم يزل في رفعة إلى أن رام المملكة، ونابذ خان سمرقند، وأمر بضرب السكة باسمه، واستخدم آلافاً من العسكر، وجنى الخراج، وعظم أمره، ثم ظفر به الخان، فوسطه، وأخذ أمواله وحريمه، وأباد حاشيته، حتى لم يبق منهم نافخ نار، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.

حجاج بن قاسم

الإمام الفقيه، أبو محمد السبتي.
سمع من أبيه تلميذ ابن أبي زيد، وبمكة من أبي ذر.
وحدث بالصحيح، ورأس علماء المرية، ثم سبتة.
سمع منه: القاضي أبو محمد منصور، وأبو علي بن طريف، وأبو القاسم بن العجوز، وآخرون.
توفي سنة إحدى وثمانين وأربع مئة.

الشاشي

الإمام العلامة، شيخ الشافعية، أبو بكر، محمد بن علي بن حامد الشاشي، صاحب الطريقة المشهورة.
تفقه ببلاده على أبي بكر السنجي، ثم ارتحل إلى صاحب غزنة، فأقبل عليه، وعظم شأنه بغزنة، وبعد صيته، وتفقهوا عليه، وصنف التصانيف، ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة، وأشار عليهم بتسريحه، فجهزوه، مكرماً من غزنة بأولاده، فدرس بنظامية هراة، ثم قصد نيسابور زائراً، فاحترموه، وقيل: لم يقع منهم بذاك الموقع، فعاد إلى هراة، وحدث عن منصور الكاغدي صاحب الهيثم الشاشي.
مات بهراة في سنة خمس وثمانين وأربع مئة، في سادس شوالها وله ثمان وثمانون سنةً، وقيل: بل عاش أربعاً وتسعين سنة. وأما عبد الغافر في السياق فقال: مات في شوال سنة خمس وتسعين، والأول أشبه، بل الصواب، وكذا أرخه أبو سعد السمعاني، وقال: زرت قبره بهراة، روى لنا عنه محمد بن محمد السنجي، وأبو بكر محمد بن سليمان المروزي.

البانياسي

الشيخ الصالح، المسند، أبو عبد الله، مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم البانياسي الأصل، البغدادي، ابن الفراء. كان يقول: هكذا سماني الوالد، وكناني، وسمتني أمي علياً، وكنتني أبا الحسن، فأنا أعرف بهما.
سمع أبا الحسن بن الصلت المجبر، وأبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الحسين بن بشران، وابن الفضل القطان.
حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو عامر العبدري، وإسماعيل بن السمرقندي، وإسماعيل التيمي، ومحمد بن ناصر، وأبو بكر بن الزاغوني، وأبو الحسن علي بن تاج القراء، وأبو الفتح محمد بن البطي، وخلق كثير.
قال أبو سعد السمعاني: شيخ صالح، ثقة، متدين، مسن، عمر حتى أخذ عنه الطلبة، وتكابوا عليه، كان يسكن في غرفة بسوق الريحانيين.
وقال ابن سكرة: كان مالكياً شيخاً صالحاً، وقعت النار ببغداد بقرب حجرته وقد زمن، فأنزل في قفة إلى باب الحجرة، فإذا النار عند الباب، فتركه الذي أنزله، وفر، فاحترق هو رحمه الله وذلك في تاسع جمادى الآخرة، سنة خمس وثمانين وأربع مئة بالنهار.
وقال أبو محمد بن السمرقندي: كان آخر من حدث عن ابن الصلت، وكان ثقةً، قال لي: ولدت سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
وفيها: مات المحدث جعفر بن يحيى الحكاك، والوزير نظام الملك أبو علي قتل، وشارح البخاري القاضي أبو عبد الله محمد بن خلف ابن المرابط، وأبو بكر محمد بن علي القشاشي، ومقرئ وقته محمد بن عيسى المغامي، والسلطان جلال الدولة ملكشاه السلجوقي، وشيخ الحنفية منصور بن أحمد البسطامي ببلخ.

المجاشعي

إمام النحو، أبو الحسن، علي بن فضال بن علي بن غالب، المجاشعي، القيرواني، التميمي، الفرزدقي، المفسر. طوف الدنيا، واتصل بنظام الملك، وصنف الإكسير في التفسير في خمسة وثلاثين مجلداً، ومؤلفاً في النحو في عدة مجلدات، والبرهان في التفسير في عشرين مجلداً. وقد وعده إمام الحرمين بألف دينار على الإكسير، فألفه، فلما فرغ من قراءته عليه، لم يعطه شيئاً، فتوعده بأن يهجوه، فبعث إليه: عرضي فداؤك.
وقد ألف بغزنة كتباً بأسماء أكابر، وأقرأ الآداب مدةً.
وله نظم جيد. وله البسملة وشرحها في مجلد، وكتاب الدول أزيد من ثلاثين سفراً، وأشياء.
توفي في ربيع الأول، سنة تسع وسبعين وأربع مئة.

السراج

الشيخ، المعمر، مسند نيسابور، أبو نصر، محمد بن سهل بن محمد بن أحمد الشاذياخي، السراج.
سمع أبا نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني، وأبا الطيب الصعلوكي، وأبا طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وجماعة.
حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الله بن محمد الفراوي، وعبد الغافر بن إسماعيل، وقال: هو شيخ نظيف ظريف، مختص بمجلس الصاعدية للمنادمة والخدمة، سمع الكثير وعاش تسعين سنة، توفي في صفر سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة.
قلت: هو آخر من حدث عن أبي نعيم المهرجاني، يقع حديثه اليوم بعلو في كتاب الترغيب والترهيب للتيمي.

موسى بن عمران

ابن محمد بن إسحاق بن يزيد، الشيخ الصالح، القدوة، مسند خراسان أبو المظفر الأنصاري، النيسابوري، الصوفي.
ولد سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة.
وسمع من: أبي الحسن العلوي فكان آخر من روى عنه، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي القاسم السراج، وطائفة.
حدث عنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وأبو عمر محمد بن علي بن دوست الحاكم، وعمر بن أحمد بن الصفار الفقيه، والحسين بن علي الشحامي، وعبد الله بن محمد الفراوي، وآخرون.
قال عبد الغافر: هو شيخ وجيه، حسن الرواء والمنظر، راسخ القدم في الطريقة، لقي الشيخ أبا سعيد بن أبي الخير الميهني، وخدمه، ثم خدم أبا القاسم القشيري، وكان من أركان الشيوخ، عمر ثمانياً وتسعين سنة، ومات في شهر ربيع الأول، سنة ست وثمانين وأربع مئة.

المقومي

الشيخ الصدوق، أبو منصور، محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم القزويني، المقومي، راوي سنن ابن ماجة، عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب.
سمع في سنة ثمان وأربع مئة وله عشر سنين من ابن أبي المنذر، والزبير بن محمد الزبيري، وعبد الجبار بن أحمد القاضي، شيخ المعتزلة. وحدث بالري.
وسأله ابن ماكولا عن مولده، فقال: في سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
حدث عنه: ملكداذ بن علي العمركي، وعلي بن شافعي، وعبد الرحمن بن عبد الله الرازي، وأبو العلاء زيد بن علي بن منصور الشروطي، وأخوه أبو المحاسن مسعود، والحافظ محمد بن طاهر المقدسي، وابنه أبو زرعة طاهر. ولا أعلم متى توفي، إلا أنه في سنة أربع وثمانين وأربع مئة كان حياً.
ومات في سنة أربع أبو الحسن أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، والحسن بن علي بن خلف الكاشغري، والحافظ ظافر بن مفوز الشاطبي، وعبد الملك بن شغبة البصري، وعلي بن الحسين بن قريش النصري بنون ، ومقرئ مرو أبو نصر محمد بن أحمد الكركانجي، وقاضي القضاة أبو بكر محمد بن عبد الله الناصحي، والمعتصم محمد بن معن الصمادحي بالأندلس.

ابن البغدادي

الإمام الواعظ، شيخ أصبهان، أبو الفضل، محمد بن أبي سعد أحمد ابن الحسن بن علي البغدادي، ثم الأصبهاني، من بيت العلم والإسناد، أولهم علي بن أحمد بن سليمان البغدادي.
وعظ محمد، واشتهر، وسمع أولاده أبا سعد الحافظ وفاطمة، وشارك في الفضائل.
سمع ابن فاذشاه، وعبد العزيز بن أحمد بن فاذويه، وأبا أحمد محمد ابن علي المؤدب، وابن ريذة.
روى عنه: ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وجماعة.
مولده سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة.
ومات في صفر، سنة ثمانين غريباً ببغداد بعد مجيئه من الحج.

مسعود بن ناصر

ابن أبي زيد عبد الله بن أحمد، الإمام المحدث، الرحال، الحافظ، أبو سعيد السجزي الركاب. سمع من: علي بن بشرى، وطائفة بسجستان، ومن محمد بن عبد الرحمن الدباس، ومنصور بن محمد بن محمد الأزدي بهراة، وأبي حسان محمد بن أحمد المزكي، وأبي سعد عبد الرحمن بن حمدان، وعمر بن مسرور، وطبقتهم بنيسابور، وأبي طالب بن غيلان، وبشرى الفاتني، وأبي محمد الخلال ببغداد، ومن أبي بكر بن ريذة بأصبهان. وجمع فأوعى، وصنف الأبواب.
حدث عنه: محمد بن عبد العزيز العجلي المروزي، وعبد الواحد ابن الفضل الطوسي، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو الأسعد بن القشيري، وخلق، وأبو بكر الخطيب، وهو من شيوخه، وسمع منه شيخه الصوري.
قال الدقاق، ولم أر في المحدثين أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه.
وقال زاهر الشحامي: كان مسعود السجزي يذهب إلى القدر، ويقرؤها: فحج آدم موسى بنصب آدم.
مات مسعود بنيسابور في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربع مئة، وصلى عليه إمام الحرمين أبو المعالي، ووقف كتبه، وكانت كثيرةً نفيسةً متقنة.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: كان متقناً، ورعاً، قصير اليد، زجى عمره كذلك إلى أن ارتبطه نظام الملك ببيهق ثم بطوس للاستفادة.
قال أحمد بن ثابت الطرقي: سمعت ابن الخاضبة يقول: كان مسعود قدرياً، سمعته يقرأها: فحج آدم موسى. بالنصب.
وقال المؤتمن الساجي: كان يرجع إلى هداية وإتقان وحسن ضبط.
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا مسعود بن أبي منصور، أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد، أخبرنا مسعود ابن ناصر، أخبرنا عثمان بن محمد بن أحمد النوقاني، أخبرنا أبي أبو عمر، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الخياط، حدثنا أحمد بن محمد ابن ياسين، حدثنا أبو عتاب، حدثنا أحمد بن محمد بن دينار النيسابوري، عن أزهر السمان، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تفكهوا، وكلوا البطيخ، فإن حلاوته من الجنة.
هذا باطل، ما تفوه به أزهر قط.
قال عبد الغافر: انتقل مسعود في آخر عمره إلى نيسابور، وكان على كبر سنه يطوف على المشايخ، ويكتب، وينفق ما يفتح له على الطلبة، وفوائده من الأخبار والحكايات والأشعار في سفائنه لا تحصى، فقد عددنا في كتبه قريباً من ستين مجموعاً من التواريخ، سوى سائر الأجناس، وكان يكتب بخط مستقيم، ويورق ببغداد وأصبهان، وقف كتبه في مسجد عقيل.
قال السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن مسعود بن ناصر، فقال: حافظ، سمع الكثير.
ولأسعد الزوزني:

بمسعود بن ناصرٍ اشتملـنـا

 

على عين الحديث بغير ريب

إذا ما قال: حدّثـنـا فـلانٌ

 

فذا الإسناد حقٌّ غـير ريب

وما إن زرته إلا خـفـيفـاً

 

فيصبح مثقلاً كمّي وجيبـي

ولو أني ظفرت به شبـابـي

 

غنيت عن التّردّد وقت شيبي

أبو الوليد الباجي

الإمام العلامة، الحافظ، ذو الفنون، القاضي، أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي، الأندلسي، القرطبي، الباجي، الذهبي، صاحب التصانيف.
أصله من مدينة بطليوس، فتحول جده إلى باجة بليدة بقرب إشبيلية فنسب إليها، وما هو من باجة المدينة التي بإفريقية، التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وابنه الحافظ الأوحد أبو عمر أحمد بن عبد الله بن الباجي، وهما من علماء الأندلس أيضاً.
ولد أبو الوليد في سنة ثلاث وأربع مئة.
وأخذ عن: يونس بن مغيث، ومكي بن أبي طالب، ومحمد بن إسماعيل، وأبي بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث.
وارتحل سنة ست وعشرين، فحج، ولو مدها إلى العراق وأصبهان؛ لأدرك إسناداً عالياً، ولكنه جاور ثلاثة أعوام، ملازماً للحافظ أبي ذر، فكان يسافر معه إلى السراة، ويخدمه، فأكثر عنه، وأخذ علم الحديث والفقه والكلام.
ثم ارتحل إلى دمشق، فسمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن الطبيز، والحسن بن السمسار، والحسن بن محمد بن جميع، ومحمد ابن عوف المزني.
وارتحل إلى بغداد، فسمع عمر بن إبراهيم الزهري، وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان، وأبا القاسم الأزهري، وعبد العزيز بن علي الأزجي، ومحمد بن علي الصوري الحافظ، وصحبه مدة، ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة، والحسن بن محمد الخلال، وخلقاً سواهم. وتفقه بالقاضي أبي الطيب الطبري، والقاضي أبي عبد الله الصيمري، وأبي الفضل بن عمروس المالكي.
وذهب إلى الموصل، فأقام بها سنةً على القاضي أبي جعفر السمناني المتكلم، صاحب ابن الباقلاني، فبرز في الحديث والفقه والكلام والأصول والأدب.
فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنةً بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع باليسير.
حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخطيب، وعلي بن عبد الله الصقلي، وأبو عبد الله الحميدي، وأحمد ابن علي بن غزلون، وأبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو بكر الفهري الطرطوشي، وابنه الزاهد أبو القاسم بن سليمان، وأبو علي بن سهل السبتي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي وخلق سواهم.
وتفقه به أئمة، واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة.
قال القاضي عياض: آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته، حتى توفي عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم، ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس، وصنف كتاب المنتقى في الفقه، وكتاب المعاني في شرح الموطأ، فجاء في عشرين مجلداً، عديم النظير.
قال: وقد صنف كتاباً كبيراً جامعاً، بلغ فيه الغاية، سماه الاستيفاء، وله كتاب الإيماء في الفقه خمس مجلدات، وكتاب السراج في الخلاف لم يتم، ومختصر المختصر في مسائل المدونة، وله كتاب في اختلاف الموطآت، وكتاب في الجرح والتعديل، وكتاب التسديد إلى معرفة التوحيد، وكتاب الإشارة في أصول الفقه، وكتاب إحكام الفصول في أحكام الأصول، وكتاب الحدود، وكتاب شرح المنهاج، وكتاب سنن الصالحين وسنن العابدين، وكتاب سبل المهتدين، وكتاب فرق الفقهاء، وكتاب التفسير لم يتمه، وكتاب سنن المنهاج وترتيب الحجاج.
قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين ففقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق، ودرس الكلام، وصنف ... إلى أن قال: وكان جليلاً رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية.
وقال القاضي أبو علي الصدفي: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحداً على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم أحمد، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعله ابن الباجي؟ قلت: نعم. فأقبل عليه.
قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأوريولة، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول أمره مقلاً حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، وإيجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته، مستفيضاً لحراسة درب، وقد جمع ولده شعره، وكان ابتدأ بكتاب الاستيفاء في الفقه، لم يضع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال لي: ولما قدم من الرحلة إلى الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوةً، إلا أنه كان خارجاً عن المذهب، ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه، فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها، واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد؛ كلموه في ذلك، فدخل إلى ابن حزم، وناظره، وشهر باطله. وله معه مجالس كثيرة. قال: ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في صحيح البخاري. قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ، وكفره بإجازته الكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، وأنه تكذيب للقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أطلقوا عليه الفتنة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:

برئت ممّن شرى دنيا بآخرةٍ

 

وقال: إنّ رسول اللّه قد كتبا

فصنف القاضي أبو الوليد رسالةً بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة. قلت: يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب اسمه ليس إلا، ولا يخرج بذلك عن كونه أمياً، وما من كتب اسمه من الأمراء والولاة إدماناً للعلامة يعد كاتباً، فالحكم للغالب لا لما ندر، وقد قال عليه السلام: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. أي لأن أكثرهم كذلك، وقد كان فيهم الكتبة قليلاً. وقال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُم" الجمعة. فقوله عليه السلام: لا نحسب حق، ومع هذا فكان يعرف السنين والحساب، وقسم الفيء، وقسمة المواريث بالحساب العربي الفطري لا بحساب القبط ولا الجبر والمقابلة، بأبي هو ونفسي صلى الله عليه وسلم، وقد كان سيد الأذكياء، ويبعد في العادة أن الذكي يملي الوحي وكتب الملوك وغير ذلك على كتابه، ويرى اسمه الشريف في خاتمه، ولا يعرف هيئة ذلك مع الطول، ولا يخرج بذلك عن أميته، وبعض العلماء عد ما كتبه يوم الحديبية من معجزاته، لكونه لا يعرف الكتابة وكتب، فإن قيل: لا يجوز عليه أن يكتب، فلو كتب؛ لارتاب مبطل، ولقال: كان يحسن الخط، ونظر في كتب الأولين. قلنا: ما كتب خطاً كثيراً حتى يرتاب به المبطلون، بل قد يقال: لو قال مع طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أعرف أن أكتب اسمي الذي في خاتمي، لارتاب المبطلون أيضاً، ولقالوا: هو غاية في الذكاء، فكيف لا يعرف ذلك ؟ بل عرفه، وقال: لا أعرف. فكان يكون ارتيابهم أكثر وأبلغ في إنكاره، والله أعلم.
وأما الحافظ أبو القاسم بن عساكر، فذكر أن أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان، تاجراً يختلف إلى الأندلس.
قلت: فعلى هذا هو وأبو عمر بن الباجي وآله كلهم من باجة القيروان، فالله أعلم.
ومن نظم أبي الوليد:

إذا كنت أعلم علماً يقـينـاً

 

بأنّ جميع حياتي كساعـه

فلم لا أكون ضنينـاً بـهـا

 

وأجعلها في صلاحٍ وطاعه

أخبرنا ابن سلامة كتابة، عن القاسم بن علي بن الحسن، أخبرنا أبي، أخبرنا رزين بن معاوية بمكة، أخبرنا الفقيه علي بن عبد الله الصقلي بمكة، حدثنا أبو الوليد القاضي، حدثنا يونس بن عبد الله القرطبي، حدثنا يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن يحيى بن يحيى، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وصلى بها.
كذا رواه ابن عساكر.
أنبأنا ابن علان وجماعة، عن أبي طاهر الخشوعي، عن أبي بكر محمد بن الوليد الفهري ح وأخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الوهاب الزهري، أخبرنا جدي أبوا لطاهر بن عوف، أخبرنا محمد بن الوليد الفهري، أخبرنا أبو الوليد سليمان بن خلف، أخبرنا يونس بن عبد الله مناولةً، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله الليثي، أخبرنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الذي تفوته صلاة العصر، كأنما وتر أهله وماله.
وسمعته عالياً من أحمد بن هبة الله، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا هبة الله بن سهل، أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، حدثنا مالك بهذا.
وسمعناه في جزء أبي الجهم من حديث الليث، عن نافع.
قال أبو علي بن سكرة: مات أبو الوليد بالمرية في تاسع عشر رجب، سنة أربع وسبعين وأربع مئة، فعمره إحدى وسبعون سنة سوى أشهر، فإن مولده في ذي الحجة من سنة ثلاث وأربع مئة.
ومات معه في العام مسند العراق أبو القاسم علي بن أحمد بن البسري البندار، وشيخ المالكية بسبتة أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن العجوز الكتامي، ومحدث نيسابور أبو بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن المزكي، ومعمر بغداد أبو بكر أحمد بن هبة الله بن صدقة الدباس. وكان يذكر أن أصوله على أبي الحسين بن سمعون والمخلص ذهبت في النهب. أخبرنا محمد بن عبد الكريم المقرئ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد سنة خمس وثلاثين، أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن مكي الزهري قراءةً عليه سنة 572، أخبرنا أبو بكر الفهري، أخبرنا أبو الوليد الباجي، أخبرنا يونس بن عبد الله القاضي، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله، عن عم أبيه عبيد الله بن يحيى بن يحيى، عن أبيه، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنةً، فأقام بمكة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء صلى الله عليه وسلم.
وابنه:

أحمد بن سليمان الباجي

العلامة الكبير، أبو القاسم، أحمد بن سليمان الباجي.
سكن بسرقسطة، وروى عن أبيه كثيراً، وخلفه في حلقته.
وحدث عن: حاتم بن محمد، وابن حيان، ومحمد بن عتاب، ومعاوية العقيلي.
وبرع في الأصول والكلام، له تصانيف تدل على حذقه وذكائه، وصنف عقيدةً.
قال ابن بشكوال: أخبرنا عنه جماعة، ووصفوه بالنباهة والجلالة.
قلت: وأجاز للقاضي عياض، وقال: كان حافظاً للخلاف والمناظرة. له النظم والأدب، وكان ديناً، ورعاً، تخلى عن تركه أبيه لقبوله جوائز السلطان، وكانت وافرةً حتى احتاج بعد.
قلت: ارتحل ورأى بغداد واليمن، واتفق موته بجدة بعد الحج، سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة كهلاً.

أبو جعفر الهاشمي

الإمام، شيخ الحنبلية، أبو جعفر، عبد الخالق بن أبي موسى عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم العباس بن عبد المطلب، الهاشمي، العباسي، الحنبلي، البغدادي.
مولده سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وسمع أبا القاسم بن بشران، وأبا الحسين بن الحراني، وأبا محمد الخلال، وعدة.
حدث عنه: أبو بكر الأنصاري وغيره، وهو أكبر تلامذة القاضي أبي يعلى.
قال السمعاني: كان حسن الكلام في المناظرة، ورعاً زاهداً، متقناً، عالماً بأحكام القرآن والفرائض.
وقال أبو الحسين بن الفراء: لزمته خمس سنين، وكان إذا بلغه منكر، عظم عليه جداً، وكان شديداً على المبتدعة، لم تزل كلمته عاليةً عليهم، وأصحابه يقمعونهم، ولا يردهم أحد، وكان عفيفاً نزهاً، درس بمسجده، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي يدرس، ثم درس بجامع المهدي، ولما احتضر أبو يعلى، أوصاه أن يغسله، وكذا لما احتضر الخليفة القائم أوصى أن يغسله أبو جعفر، ففعل، وما أخذ شيئاً مما وصى له به، حتى قيل له: خذ قميص أمير المؤمنين للبركة، فنشفه، بفوطة وقال: حصلت البركة. ثم استدعى المقتدي، فبايعه منفرداً ... إلى أن قال: وأخذ أبو جعفر في فتنة ابن القشيري، وحبس أياماً، فسرد الصوم، وما أكل لأحد شيئاً، ودخلت، فرأيته يقرأ في المصحف، ومرض، فلما ثقل وضج الناس من حبسه، أخرج إلى الحريم، فمات هناك، وكانت جنازته مشهودةً، ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد، ولزم الناس قبره مدةً حتى قيل: ختم على قبره عشرة آلاف ختمة.
توفي في صفر سنة سبعين وأربع مئة.
قال ابن النجار: كان منقطعاً إلى العبادة وخشونة العيش والصلابة في مذهبه، حتى أفضى ذلك إلى مسارعة العوام إلى إيذاء الناس، وإقامة الفتنة، وسفك الدماء، وسب العلماء، فحبس.
قلت: كان يوم موته يوماً مشهوداً. رحمه الله.

الدباس

الشيخ المعمر، أبو بكر أحمد بن هبة الله بن محمد بن يوسف بن صدقة الرحبي الدباس.
قال: ولدت سنة سبعين وثلاث مئة. قاله غير مرة.
سمع أبا الحسين بن بشران، وغيره.
وقال ابن النجار: كان يذكر أنه سمع من أبي الحسين بن سمعون، وأبي طاهر المخلص، وأن أصوله ذهبت في النهب، وكان يسكن بالنصرية.
قلت: روى عنه أبو بكر الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي.
قال ابن ناصر: مات أبو بكر الرحبي في رجب سنة أربع وسبعين وأربع مئة، وقد بلغ مئةً وأربع سنين.

البزاني

الشيخ الجليل، الرئيس، أبو الفضل، المطهر بن عبد الواحد بن محمد اليربوعي البزاني، الأصبهاني، الكاتب. سمع أبا جعفر بن المرزبان الأبهري، وأبا عبد الله بن مندة الحافظ، وأبا عمر بن عبد الوهاب، وإبراهيم بن خرشيذ قوله. وعمر دهراً، وأكثر الناس عنه.
وعاش إلى سنة خمس وسبعين وأربع مئة.
حدث عنه: مسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي، وجماعة.
وكان له ابن رئيس، وهو الوزير عبد الواحد، ولي عميداً على العراق، ومات قبل والده.

ابن البقال

شيخ الشافعية، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي بن البقال الأزجي.
روى عن: عبد الملك بن بشران.
وعنه: أبو علي البرداني.
قال ابن النجار: كان علامة، مدققاً، مناظراً، زاهداً، عابداً، نزهاً، ولي قضاء الحريم ثلاثين سنةً، توفي في شعبان سنة سبع وسبعين وأربع مئة وله ست وسبعون سنة، وكان من تلامذة القاضي أبي الطيب، وله حلقة مناظرة بجامع القصر.

الأنطاكي

القاضي، الفقيه، المسند، أبو عبد الله، الحسين بن علي بن عمر بن علي الأنطاكي، الشافعي، الشاغوري. كان يسكن بالشاغور.
ولد سنة أربع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع من تمام الرازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وهو آخر أصحاب تمام.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، وهبة الله بن الأكفاني، وجمال الإسلام أبو الحسن السلمي، وعلي بن قبيس المالكي، وغيرهم.
ناب في القضاء بدمشق عن الشريف أبي الفضل بن أبي الجن.
توفي في المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة بدمشق.

ابن العجوز

شيخ المالكية، أبو عبد الله، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أحمد بن العجوز الكتامي، عالم سبتة، وابن عالمها العلامة أبي القاسم، الذي توفي سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
لقي أبا إسحاق التونسي بالقيروان، وعليه وعلى ابن البريا كانت العمدة في الفتوى، وكانت بينهما إحن، فجرت محنة للفظة قالها أبو عبد الله، قرأ الخطيب: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن" عدة، بدل: "قُوَّةٍ" الأنفال فقال: الوزن واحد. فكفروه، وأفتوا باستتابته، وسجن، ثم أخرج، فارتحل إلى فاس، فعظمه ابن تاشفين، وولاه قضاء فاس. تفقه عليه عدة.
ومات سنة أربع وسبعين وأربع مئة.
وهو والد العلامة عبد الرحمن وعبد الله وعبد الرحيم.

التفكري

الإمام، القدوة، الزاهد، المحدث، المتقن أبو القاسم، يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن التفكري الزنجاني.
سمع بزنجان من: أبي عبد الله الحسين الفلاكي، وأبي علي بن بندار، وبأصبهان من أبي نعيم الحافظ، وقرأ عليه معاجم الطبراني الثلاثة، وسمع ببغداد من أبي إسحاق البرمكي، والصوري.
وإنما طلب هذا الشأن وقد كبر، فإن مولده في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة.
وقرأ الفقه ببغداد على الشيخ أبي إسحاق، ولازمه حتى صار من كبار أصحابه، وكان من العلماء العاملين، ذا ورع وخشوع وتأله.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الخالق بن أحمد اليوسفي، وشيرويه الديلمي، وغيرهم.
توفي إلى رحمة الله ببغداد في حادي عشر ربيع الآخر، سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة وله ثمان وسبعون سنة.

جعبر بن سابق

القشيري، من أمراء العرب، أنشأ قلعة جعبر على الفرات، وكان يقال لها: الدوسرية. لأن دوسر غلام صاحب الحيرة النعمان بن المنذر بناها، فلما قدم السلطان ملكشاه السلجوقي حلب، قتل الأمير جعبراً هذا لكونه بلغه أن ولديه يقطعان الطريق، قتله في سنة تسع وسبعين وأربع مئة.

ابن منقذ

الأمير، سديد الملك، أبو الحسن، علي بن منقذ بن نصر بن منقذ الكناني صاحب شيزر.
كان بطلاً شجاعاً، جواداً، فاضلاً، أول من ملك شيزر من بيته، لأنه كان نازلاً في عشيرته هناك، والحصن في يد الروم، فنازلهم، وتسلمه بالأمان في سنة أربع وسبعين، ودام لبنيه حتى تهدم من الزلزلة سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة، وهلك من بالحصن من آل منقذ، فعمره نور الدين.
وكان لسديد الملك نظم رائق وفطنة وذكاء، ومات في الزلزلة حفيده تاج الدولة محمد بن سلطان.
توفي سديد الملك سنة بضع وسبعين وأربع مئة فقيل: سنة خمس. وقيل: سنة تسع.

ابن شريح

الإمام شيخ القراء، أبو عبد الله، محمد بن شريح بن أحمد بن شريح بن يوسف الرعيني، الإشبيلي، مصنف كتاب الكافي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة، وهذا الذي تحرر في نسبه. فأما ابن بشكوال، فأدخل في نسبه محمداً بين أبيه وبين أحمد، وله كتاب التذكير. سمع عثمان بن أحمد أبا عمرو القيجطالي، وأجاز له مكي وأخذ عنه، وحج، فسمع من أبي ذر الصحيح وغير ذلك.
وأخذ القراءات عن أحمد بن محمد القنطري المجاور، وتاج الأئمة أحمد بن علي، وأبي علي الحسن بن محمد بن إبراهيم صاحب الروضة في سنة ثلاث وثلاثين.
وسمع من أبي العباس بن نفيس، ومحمد بن الطيب الكحال، وأحمد بن محمد بن عبد العزيز اليحصبي.
وكان رأساً في القراءات، بصيراً بالنحو والصرف، فقيهاً كبير القدر، حجةً، ثقة.
وقيل: إنه صلى ليلةً بالمعتضد، فوقف في الرعد على قوله: "كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّه الأَمْثَالَ" الرعد. فقال: كنت أظن ما بعده صفةً للأمثال، وما فهمته إلا من وقفك. ثم أمر له بخلعة وفرس وجارية وألف دينار.
روى عنه الكثير ولده أبو الحسن شريح بن محمد، وأبو العباس ابن عيشون، وطائفة.
مات في رابع شوال سنة ست وسبعين وأربع مئة، عن أربعة وثمانين عاماً، وقيل: بل مات في منتصف الشهر. وتأسف الناس عليه رحمه الله وصلى عليه ابنه.