إمام
العربية، أبو الحجاج، يوسف بن سليمان بن عيسى الشنتمري، الأندلسي،
النحوي، الأعلم، وهو المشقوق الشفة.
تخرج بإبراهيم بن محمد الإفليلي، ومسلم بن أحمد الأديب.
وبرع في اللغة والنحو والأشعار، وجلس للطلبة وتكاثروا عليه، وصنف
التصانيف.
أخذ عنه: الحافظ أبو علي الجياني وغيره.
وأضر بأخرة. وكان أحد الأذكياء المبرزين.
ولد سنة عشر وأربع مئة، وعاش بضعاً وستين سنة.
قال أبو الحسن شريح بن محمد: مات أبي في شوال سنة ست وسبعين، فأعلمت به
أبا الحجاج الأعلم. وكانا كالأخوين، فانتحب بالبكاء، وقال: لا أعيش
بعده إلا شهراً. قال: فكان كذلك.
أمير
العرب بالعراق، نور الدولة، دبيس بن علي بن مزيد الأسدي.
كان فارساً، جواداً، ممدحاً، كبير الشأن. عاش ثمانين سنةً. رثته
الشعراء، فأكثروا، وكان صاحب مدينة الحلة، وفيه تشيع.
مات في شوال، سنة أربع وسبعين وأربع مئة.
وهو الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات.
تملك بعده ولده بهاء الدولة منصور، فسار إلى مخيم السلطان ملكشاه،
فأقبل عليه، وخلع عليه الخليفة، وولاه الحلة، فكانت أيامه خمس سنين
ومات، وكان بطلاً شجاعاً وشاعراً محسناً، نحوياً جيد السيرة، فولي بعده
ابنه سيف الدولة صدقة بن منصور.
إمام
الفرضيين، العلامة أبو حكيم، عبد الله بن إبراهيم الخبري، الشافعي.
تفقه على أبي إسحاق، وسمع من القادسي، والجوهري.
وعنه: سبطه ابن ناصر، وابن كادش.
وانتهت إليه الإمامة في الفرائض وفي الأدب.
شرح الحماسة وديوان البحتري والمتنبي والرضي، وكان خيراً صدوقاً.
كان ينسخ في مصحف، فوضع القلم، وقال: إن هذا لموت مهنأ طيب. ثم مات.
وذلك في ذي الحجة، سنة ست وسبعين وأربع مئة.
الإمام الثقة، أبو محمد، أحمد بن أبي عثمان الحسن بن محمد ابن عمرو بن
منتاب البصري، ثم البغدادي، الدقاق، المقرئ، مقرئ مجود مكثر، دين مهيب،
لقن جماعةً ختموا عليه.
مولده سنة 397.
وسمع أبا أحمد الفرضي، وإسماعيل بن الحسن الصرصري، وأحمد بن محمد
المجبر، وأبا عمر بن مهدي، وأبا محمد بن البيع، والحسن بن القاسم
الدباس.
روى عنه: مكي الرميلي، وهبة الله الشيرازي، وعبد الغافر بن الحسين
الكاشغري، وعمر الرواسي، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو القاسم بن
السمرقندي، ومحمد بن عبد الملك بن خيرون، ويحيى بن الطراح.
قال إسماعيل بن السمرقندي: سئل أبو محمد أخو أبي الغنائم بن أبي عثمان
أن يستشهد، فامتنع. فكلف، فقال: اصبروا إلى غد. ودخل البيت فأصبح
ميتاً، رحمه الله.
مات في ذي القعدة، سنة أربع وسبعين وأربع مئة، وشيعه خلائق.
مفتي
حران وقاضيها، أبو الفتح، عبد الوهاب بن أحمد بن جلبة الحراني، الخزاز.
تفقه بالقاضي أبي يعلى بن الفراء، وكتب تصانيفه.
وسمع من: أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، والحسن ابن شهاب
العكبري.
أخذ عنه: مكي الرميلي، والرحالة.
وقتل شهيداً.
وكان ولي قضاء حران نيابةً من أبي يعلى. درس ووعظ وخطب ونشر السنة.
قتله ابن قريش العقيلي في سنة ست وسبعين، عند قيام أهل حران على ابن
قريش لما أظهر سب الصحابة. وقد روى السلفي في بلد ماكسين، عن أحمد بن
محمد بن حامد، عنه.
الواعظ، العالم، أبو بكر، عتيق البكري، المغربي، الأشعري.
وفد على النظام الوزير، فنفق عليه، وكتب له توقيعاً بأن يعظ بجوامع
بغداد، فقدم وجلس، واحتفل الخلق، فذكر الحنابلة، وحط وبالغ، ونبزهم
بالتجسيم، فهاجت الفتنة، وغلت بها المراجل، وكفر هؤلاء هؤلاء، ولما عزم
على الجلوس بجامع المنصور؛ قال نقيب النقباء: قفوا حتى أنقل أهلي، فلا
بد من قتل ونهب. ثم أغلقت أبواب الجامع، وصعد البكري، وحوله الترك
بالقسي، ولقب بعلم السنة، فتعرض لأصحابه طائفة من الحنابلة، فشدت
الدولة منه، وكبست دور بني القاضي ابن الفراء، وأخذت كتبهم، وفيها كتاب
في الصفات، فكان يقرأ بين يدي البكري، وهو يشنع ويشغب، ثم خرج البكري
إلى المعسكر متشكياً من عميد بغداد أبي الفتح بن أبي الليث. وقيل: إنه
وعظ وعظم الإمام أحمد، ثم تلا: "وَمَا كَفَرَ سُلَيمانُ ولكِنَّ
الشَّياطِينَ كَفَرُوا" البقرة. فجاءته حصاة ثم أخرى، فكشف النقيب عن
الحال، فكانوا ناساً من الهاشميين حنابلةً قد تخبؤوا في بطانة السقف،
فعاقبهم النقيب، ثم رجع البكري عليلاً، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ست
وسبعين وأربع مئة.
الإمام القدوة، أبو سعد، عبد الله بن الشيخ أبي القاسم، عبد الكريم بن
هوازن القشيري، النيسابوري.
سمع أبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وطائفةً، وببغداد من القاضي
أبي الطيب، والجوهري.
وعنه: ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل، وابن أخيه هبة الرحمن.
وتوفي قبل والدته فاطمة بنت الدقاق، وكان زاهداً، متألهاً، متصوفاً،
كبير القدر، ذا علم وذكاء وعرفان.
توفي سنة سبع وسبعين وأربع مئة.
الإمام شيخ المالكية، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن رزق القرطبي.
تفقه بابن القطان.
وروى عن: محمد بن عتاب، وأبي شاكر القبري، وابن عبد البر.
تفقه به أبو الوليد بن رشد، وقاسم بن الأصبغ، وهشام بن إسحاق.
وكان من العلماء العاملين، ديناً، صالحاً، حليماً، خاشعاً، يتوقد
ذكاءً.
قال أبو الحسن بن مغيث: كان أذكى من رأيت في علم المسائل، وألينهم
كلمةً، وأكثرهم حرصاً على التعليم، وأنفعهم لطالب فرع، على مشاركة له
في علم الحديث.
قلت: عاش خمسين سنة، ومات فجأة في شوال سنة سبع وسبعين وأربع مئة.
قال ابن بشكوال: كان مدار طلبة الفقه بقرطبة عليه في المناظرة والتفقه.
الإمام المفتي، الرئيس، أبو القاسم، إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل ابن
الإمام الكبير أبي بكر، الإسماعيلي، الجرجاني.
سمع أباه، وعمه المفضل، وحمزة بن يوسف الحافظ، والقاضي محمد بن يوسف
الشالنجي، وأحمد بن إسماعيل الرباطي.
وعنه: زاهر الشحامي، وأخوه وجيه، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن
البغدادي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو منصور بن خيرون، وأبو الكرم
الشهرزوري، وأبو البدر الكرخي.
ولد سنة سبع وأربع مئة.
ومات بجرجان وله سبعون سنة.
وكان صدراً، معظماً، إماماً، واعظاً، بليغاً، له النظم والنثر وسعة
العلم. روى ابن السمرقندي عنه كتاب الكامل لابن عدي.
الإمام الكبير، شيخ الصوفية، أبو علي، الفضل بن محمد الفارمذي،
الخراساني، الواعظ.
ولد سنة سبع وأربع مئة.
وسمع في رجوليته من: أبي عبد الله بن باكويه، وأبي منصور عبد القاهر
البغدادي المتكلم، وأبي حسان المزكي، وطائفة.
روى عنه: عبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله بن علي الخركوشي، وأبو
الخير جامع السقا، وآخرون.
قال عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير،
التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه، وحسن أدائه، ومليح استعارته،
ودقيق إشارته، ورقة ألفاظه، ووقع كلامه في القلوب.
صحب القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ، وكان ملحوظاً من الإمام بعين
العناية، موفراً عليه منه طريقة الهداية، ثم عاد إلى طوس، وصاهر أبا
القاسم كركان، وكان له قبول عظيم في الوعظ، وكان نظام الملك يتغالى
فيه، وكان ينفق على الصوفية أكثر ما يفتح عليه به.
توفي الأستاذ أبو علي في ربيع الآخر، سنة سبع وسبعين وأربع مئة. وفيها
مات عالم قرطبة أبو جعفر أحمد بن محمد بن رزق تفقه بابن القطان، وأبو
القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، وبيبى الهرثمية، وأبو سعد عبد
الله بن الشيخ أبي القاسم القشيري العابد، وشيخ الشافعية أبو نصر عبد
السيد بن محمد بن الصباغ، وأبو منصور كلار البوشنجي، وأبو بكر محمد بن
عمار المهري، الوزير، وزر للمعتمد، ومسعود بن ناصر السجزي الركاب.
عبد
الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن زياد الأصبهاني، الأديب، الزاهد، راوي
نسخة لوين، عن أبي جعفر بن المرزبان الأبهري.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، ومحمد بن أبي القاسم
الصالحاني، ومسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي، وآخرون.
بقي إلى حدود سنة ست وسبعين وأربع مئة. وكان من بقايا العلماء العباد
رحمه الله.
الإمام، الحافظ، المحدث، الثقة، أبو العباس، أحمد بن عمر ابن أنس بن
دلهاث بن أنس بن فلذان بن عمر بن منيب العذري، الأندلسي، المريي،
الدلائي. ودلاية: من قرى المرية.
مولده في رابع ذي القعدة، سنة ثلاث وتسعين وثلاث مئة.
وحج به أبواه وهو حدث، فقدموا مكة في سنة ثمان وأربع مئة في رمضانها،
فجاوروا ثمانية أعوام، فأخذ صحيح مسلم عن أبي العباس بن بندار الرازي،
ولازم أبا ذر الهروي، وسمع منه صحيح البخاري سبع مرات، وسمع من أبي
الحسن بن جهضم، وأبي بكر بن نوح، وعلي بن بندار القزويني بمكة، ولم
يسمع بمصر فيما أعلم، وسمع بالأندلس من أبي علي الحسين بن يعقوب
البجاني؛ صاحب ابن فحلون، ومن أبي عمر بن عفيف، ويونس بن عبد الله،
والمهلب بن أبي صفرة، وأبي عمر السفاقسي. وعمر، وألحق الصغار بالكبار.
وصنف دلائل النبوة، وكتاب المسالك والممالك، وغير ذلك.
حدث عنه: ابن حزم، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الوقشي،
والحميدي، وطاهر بن مفوز، وأبو علي الجياني، وأبو علي بن سكرة، وأبو
بحر بن العاص، وأبو عبد الله بن شبرين، وعدة.
مات في شعبان سنة ثمان وسبعين وأربع مئة، وصلى عليه، ابنه أنس رحمه
الله.
الشيخ
أبو محمد، الحسن بن علي بن عبد الواحد بن الموحد السلمي الدمشقي. عرف
بابن البري.
سمع من عبد الرحمن بن أبي نصر، وعبد الوهاب بن الحبان، ومنصور بن رامش.
وعنه: الخطيب، والفقيه نصر، والزكي يحيى بن علي، ونصر ابن أحمد بن
مقاتل، وآخرون.
توفي سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
المولى، الأمير الكبير، الحافظ، الناقد، النسابة، الحجة، أبو نصر، علي
بن هبة الله بن علي بن جعفر بن علي بن محمد ابن الأمير دلف ابن الأمير
الجواد قائد الجيوش أبي دلف القاسم بن عيسى العجلي الجرباذقاني، ثم
البغدادي، صاحب كتاب الإكمال في مشتبه النسبة، وغير ذلك، وهو مصنف كتاب
مستمر الأوهام. وعجل: هم بطن من بكر بن وائل ثم من ربيعة أخي مضر ابني
نزال بن معد بن عدنان.
مولده في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة بقرية عكبرا. هكذا قال.
سمع بشرى بن مسيس الفاتني، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، ومحمد بن محمد
بن غيلان، وأبا منصور محمد بن محمد السواق، وأحمد بن محمد العتيقي،
وأبا بكر بن بشران، والقاضي أبا الطيب الطبري، وعبد الصمد بن محمد بن
مكرم، وطبقتهم ببغداد، وأبا القاسم الحنائي، وطبقته بدمشق، وأحمد بن
القاسم بن ميمون بن حمزة، وعدةً بمصر، وسمع بخراسان وما وراء النهر
والجبال والجزيرة والسواحل، ولقي الحفاظ والأئمة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسي، والحسن بن أحمد
السمرقندي الحافظ، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وشجاع بن فارس الذهلي،
وأبو عبد الله الحميدي، ومحمد بن طرخان التركي، وأبو علي محمد بن محمد
بن المهدي، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعلي بن أحمد بن بيان، وعلي بن
عبد السلام الكاتب، وآخرون. أخبرني أبو الحجاج يوسف بن زكي الحافظ،
أخبرنا محمد بن عبد الخالق الأموي، أخبرنا علي بن المفضل، أخبرنا أحمد
بن محمد الأصبهاني، وأخبرنا عبد الله بن أبي التائب، أخبرنا محمد بن
أبي بكر، أنبأنا السلفي قال: أخبرنا أبو الغنائم النرسي، أخبرنا أبو
نصر علي ابن هبة الله العجلي الحافظ، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدي،
حدثنا أبو حازم العبدوي، حدثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن يوسف
الهسنجاني، حدثنا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن حنبل،
حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن المديني، حدثنا
عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي
سلمة، عن عائشة قالت: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذن من
رؤوسهن حتى تكون كالوفرة.
أحمد بن مهدي هذا هو الخطيب، أخبرنا به عبد الواسع الأبهري إجازة،
أخبرنا إبراهيم بن بركات، أخبرنا أبو القاسم بن عساكر، أخبرنا أبو
القاسم النسيب، أخبرنا الخطيب. فذكره ثم زاد في آخره: قال الهسنجاني:
حدثناه عبيد الله بن معاذ. فذكره، ثم قال الخطيب: رواه محمد بن أحمد بن
صالح بن أحمد بن حنبل، عن إبراهيم الهسنجاني، حدثنا الفضل بن زياد،
حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا زهير نحوه.
قلت: ففي رواية ابن ماكولا وقع خلل، وهو قوله: أبو الفضل. وإنما هو
الفضل، وسقط عند يوسف الحافظ: حدثنا أحمد بن حنبل.
أنبأنا المؤمل بن محمد، وأبو الغنائم القيسي، قالا: أخبرنا زيد بن
الحسن، أخبرنا أبو منصور القزاز، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، قال: كتب
إلي أحمد بن القاسم الحسيني من مصر، وحدثني أبو نصر علي ابن هبة الله،
عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن الأزهر السمناوي، حدثنا أحمد هو ابن عيسى
الوشا حدثنا موسى بن عيسى بالرملة بغدادي سنة 250 ، حدثنا يزيد، عن
حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بكى اليتيم
وقعت دموعه في كف الرحمن، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه
تحت التراب ؟ من أسكته فله الجنة.
قال الخطيب: هذا منكر، رواته معروفون سوى موسى.
قلت: هو الذي افتراه.
أنبئت عن أبي محمد بن الأخضر وغيره، عن ابن ناصر، أن أبا نصر الأمير
كتب إليه، ح، وأنبأنا أحمد بن سلامة، عن الأرتاحي، عن أبي الحسن بن
الفراء، عن ابن ماكولا قال: أخبرنا مظفر بن الحسن سبط ابن لال، أخبرنا
جدي أبو بكر أحمد بن علي، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ،
أخبرنا محمد بن علي ابن الشاه، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم
البغدادي بأنطاكية، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحميري بمصر، حدثنا خالد
بن نجيح، حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن فأفأة، عن الأعمش، عن
مجاهد، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا الأموات،
فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
وقرأته بمصر على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبرنا عبد السلام بن فتحة
السرفولي، حدثنا برقوه سنة ثمان عشرة وست مئة حضوراً، أخبرنا شهردار بن
شيرويه الديلمي سنة 554، أخبرنا أحمد ابن عمر البيع، أخبرنا حميد بن
مأمون، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي في كتاب الألقاب له، فذكره
ثم قال: وفأفأة هو أبو معاوية الضرير. وقال ابن ماكولا: بل هو إسماعيل
الكندي شيخ لبقية.
والحديث ففي صحيح البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش، فهو يعلو
لنا بدرجات، فكأني لقيت فيه الشيرازي.
قال شيرويه الديلمي في كتاب الطبقات له: كان الأمير أبو نصر يعرف
بالوزير سعد الملك ابن ماكولا، قدم رسولاً مراراً. سمعت منه، وكان
حافظاً متقناً، عني بهذا الشأن، ولم يكن في زمانه بعد الخطيب أحد أفضل
منه. حضر مجلسه الكبار من شيوخنا، وسمعوا منه.
وقال أبو القاسم بن عساكر: وزر أبوه هبة الله لأمير المؤمنين القائم،
وولي عمه الحسين قضاء القضاة ببغداد ... إلى أن قال: وولد في شعبان سنة
إحدى وعشرين. كذا هنا سنة إحدى.
قال الحميدي: ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب، وقال:
حتى أكشفه. وما راجعت ابن ماكولا في شيء إلا وأجابني حفظاً كأنه يقرأ
من كتاب. قال أبو الحسن محمد بن مرزوق: لما بلغ الخطيب أن ابن ماكولا
أخذ عليه في كتاب المؤتنف، وأنه صنف في ذلك تصنيفاً، وحضر ابن ماكولا
عنده، وسأله الخطيب عن ذلك، فأنكر، ولم يقر به، وأصر، وقال: هذا لم
يخطر ببالي. وقيل: إن التصنيف كان في كمه، فلما مات الخطيب أظهره. وهو
الكتاب الملقب بمستمر الأوهام.
قال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت أبا إسحاق الحبال يمدح أبا نصر بن
ماكولا، ويثني عليه، ويقول: دخل مصر في زي الكتبة، فلم نرفع به رأساً،
فلما عرفناه كان من العلماء بهذا الشأن.
قال أبو سعد السمعاني: كان ابن ماكولا لبيباً، عالماً، عارفاً، حافظاً،
يرشح للحفظ حتى كان يقال له: الخطيب الثاني. وكان نحوياً مجوداً،
وشاعراً مبرزاً، جزل الشعر، فصيح العبارة، صحيح النقل، ما كان في
البغداديين في زمانه مثله، طاف الدنيا، وأقام ببغداد.
وقال ابن النجار: أحب العلم من الصبا، وطلب الحديث، وكان يحضر المشايخ
إلى منزلهم، ويسمع، ورحل وبرع في الحديث، وأتقن الأدب، وله النظم
والنثر والمصنفات. نفذه المقتدي بالله رسولاً إلى سمرقند وبخارى لأخذ
البيعة له على ملكها طمغان الخان.
قال هبة الله بن المبارك بن الدواتي: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال
لي: خذ جزئين من الحديث، فاجعل متون هذا لأسانيد هذا، ومتون الثاني
لأسانيد الأول، حتى أردها إلى الحالة الأولى.
قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب، فقال: جبل لا
يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء فأجاب في الحال، إلا
يرجع إلى كتابه.
قد مر أن الأمير كان يجيب في الحال، وهذا يدل على قوة حفظه، وأما
الخطيب ففعله دال على ورعه وتثبته.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي:
سألت شجاعاً الذهلي عن ابن ماكولا، فقال: كان حافظاً، فهماً، ثقة، صنف
كتباً في علم الحديث.
قال المؤتمن الساجي الحافظ: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم، فلم
ينتفع بنفسه.
قلت: يشير إلى أنه كان بهيئة الأمراء وبرفاهيتهم.
قال الحافظ ابن عساكر: سمعت إسماعيل بن السمرقندي يذكر أن ابن ماكولا
كان له غلمان ترك أحداث، فقتلوه بجرجان في سنة نيف وسبعين وأربع مئة.
وقال الحافظ ابن ناصر: قتل الحافظ ابن ماكولا، وكان قد سافر نحو كرمان
ومعه مماليكه الأتراك، فقتلوه، وأخذوا ماله، في سنة خمس وسبعين وأربع
مئة. هكذا نقل ابن النجار هذا.
وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: قتل ابن ماكولا
بالأهواز إما في سنة ست أو سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
وقال السمعاني: خرج من بغداد إلى خوزستان، وقتل هناك بعد الثمانين.
وقال أبو الفرج الحافظ في المنتظم: قتل سنة خمس وسبعين، وقيل: سنة ست
وثمانين.
وقال غيره: قتل في سنة تسع وسبعين، وقيل: سنة سبع وثمانين بخوزستان.
حكى هذين القولين القاضي شمس الدين بن خلكان. قال: قتله غلمانه، وأخذوا
ماله، وهربوا. رحمه الله.
ومن نظمه:
قوّض خيامك عن دارٍ أُهنت بهـا |
|
وجانب الذّلّ إنّ الذّلّ مجـتـنـب |
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعةً |
|
فالمندل الرّطب في أوطانه حطب |
وله:
ولما تواقفنا تباكـت قـلـوبـنـا |
|
فممسك دمع يوم ذاك كساكـبـه |
فيا كبدي الحرّى البسي ثوب حسرةٍ |
|
فراق الذي تهوينه قد كساك بـه |
أخبرنا المؤمل بن محمد، والمسلم بن علان كتابة قالا: أخبرنا زيد بن
حسن، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ، حدثني أبو
نصر علي بن هبة الله، حدثنا أبو إبراهيم أحمد بن القاسم العلوي، حدثنا
أبو الفتح إبراهيم بن علي، حدثنا موسى بن نصر ابن جرير، أخبرنا إسحاق
الحنظلي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا بكار بن عبد الله، سمعت ابن أبي
مليكة، سمعت عائشة تقول: كانت عندي امرأة تسمعني، فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهي على تلك الحالة، ثم دخل عمر، ففرقت، فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال عمر: ما يضحكك يا رسول الله !؟ فحدثه، فقال:
والله لا أخرج حتى أسمع ما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأسمعته.
قال الخطيب: أبو الفتح ساقط الرواية، وأحسب موسى بن نصر اسماً اختلقه.
الإمام المحدث، الخطيب، أبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد ابن إسماعيل بن
أبي الصقر اللخمي الأنباري. سمعنا مشيخته في جزأين.
سمع عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي، وأبا نصر بن الحبان، وعبد الوهاب
بن عبد الله المري، وطائفةً بدمشق، وأبا عبد الله بن نظيف، وإسماعيل بن
عمرو الحداد، وصلة بن المؤمل، وجماعةً بمصر، ومحمد بن الحسين الصنعاني
صاحب النقوي، وأبا العلاء المعري بها، وأبا محمد الجوهري ببغداد.
روى عنه: أبو بكر الخطيب، وعبد الله بن عبد الرزاق بن الفضل، وإسماعيل
بن السمرقندي، وأبو الفتح محمد بن أحمد الأنباري، وعبد الوهاب
الأنماطي، وموهوب بن الجواليقي، وأبو بكر ابن الزاغوني، وابن ناصر.
قال السمعاني: سمعت خليفة بن محفوظ بالأنبار يقول: كان ابن أبي الصقر
صواماً قواماً، يقال: مسموعاته وقر جمل.
قلت: وله شعر رائق، مات بالأنبار في جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع
مئة، وكان من أبناء الثمانين رحمه الله.
الشيخ
العدل، المسند، أبو عمرو، عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي،
النيسابوري، المزكي.
حدث عن: أبي نعيم الإسفراييني، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي، وأبي
عبد الله الحاكم، وجماعة.
روى عنه: محمد بن طاهر، وعبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله ابن محمد
الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن القشيري،
ومحمد بن جامع الصواف، وعبد الكريم بن حسن الكاتب، والحسين بن علي
الشحامي، وعبد الرحمن بن يحيى الناصحي، وأخوه أبو نصر أحمد بن يحيى،
وخلق كثير.
قال عبد الغافر: سمع المشايخ والصدور، وأدرك الإسناد العالي، وحضر
الوقائع، وكان حسن الصحبة والعشرة.
ثم قال: توفي في صفر، سنة أحدى وثمانين وأربع مئة.
قلت: قيل: إنه عثماني، وقد روى عنه بالإجازة محمد بن ناصر الحافظ.
ومات معه في العام أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي، وشيخ الإسلام
الأنصاري، وأبو بكر بن ماجة الأبهري، والوزير محمد بن هشام بن المصحفي
بقرطبة، وحصن الدولة معلى بن حيدرة الكتامي المتغلب على دمشق.
إبراهيم بن مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة والهند.
كانت دولته بضعاً وعشرين سنة، وكان شجاعاً، حازماً، غازياً، حسن
السيرة.
مات سنة إحدى وثمانين وأربع مئة.
وتملك بعده ابنه السلطان مسعود زوج ابنة السلطان الكبير ملكشاه.
الشيخ، المعمر، المسند، أبو بكر، محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجه
الأبهري الأصبهاني. وأبهر التي هو منها ليست بمدينة أبهر زنجان، بل
قرية من قرى أصبهان.
ولد سنة ست وثمانين وثلاث مئة.
وسمع جزء لوين من أبي جعفر بن المرزبان، وتفرد بعلوه.
حدث عنه خلق كثير منهم: محمد بن طاهر، ومؤتمن الساجي، وإسماعيل التيمي،
وأبو سعد بن البغدادي، ومحمود بن ماشاذه، وأبو منصور عبد الله بن محمد
الكسائي، وعبد المغيث بن أبي عدنان، ومسعود بن إسماعيل، وأبو نصر
الغازي، وأبو الخير الباغبان، ومحمود ابن عبد الكريم يورجه، وأبو رشيد
أحمد بن حمد الخرقي، وعبد المنعم ابن محمد بن سعدويه، والحسن بن رجاء
بن سليم، ومحمد بن أبي القاسم الصالحاني الأديب.
مات في سنة إحدى وثمانين وأربع مئة، عن بضع وتسعين سنة.
مفتي
المالكية، أبو عثمان، طاهر بن هشام الأزدي، الأندلسي، المريي.
سمع من المهلب بن أبي صفرة، وأبي عمر بن عفيف، وحج، فسمع من أبي ذر
الحافظ، وغيره.
روى عنه: أبو علي بن سكرة، وغيره.
وقال ابن بشكوال: أخبرنا عنه جماعة، وعاش ستاً وثمانين سنة، توفي سنة
سبع وسبعين وأربع مئة.
شاعر
الأندلس، ذو الوزارتين، أبو بكر محمد بن عمار الأندلسي المهري.
كان هو وابن زيدون كفرسي رهان.
بلغ المهري أسنى الرتب، حتى استوزره المعتمد بن عباد، ثم استنابه على
مرسية، فعصى بها، وتملكها، فلم يزل المعتمد يتلطف في الحيلة، إلى أن
وقع في يده، فذبحه صبراً للعصيان بعد فرط الإحسان، ولأنه هجا المعتمد
وآباءه، فهو القائل:
مما يقبّح عندي ذكـر أنـدلـسٍ |
|
سماع معتمدٍ فيها ومعـتـضـد |
أسماء مملكةٍ في غير موضعهـا |
|
كالهرّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد |
وقد
جال ابن عمار في الأندلس أولاً، ومدح الملوك والكبار والسوقة، بحيث إنه
مدح فلاحاً أعطاه مخلاة شعير لحماره، ثم آل بابن عمار الحال إلى
الإمرة، فملأ للفلاح مخلاته دراهم، وقال: لو ملأها براً لملأناها
تبراً.
وقد سجنه المعتمد مدة، وتوسل إليه بقصائد تلين الصخر، فقتله في سنة
479.
وله:
عليّ وإلاّ ما بكاء الـغـمـائم |
|
وفيّ وإلاّ ما نياح الـحـمـائم |
وعنّي أثار الرّعد صرخة طالبٍ |
|
لثأرٍ وهزّ البرق صفحة صارم |
وما لبست زهر النّجوم حدادها |
|
لغيري ولا قامت له في مآتـم |
منها:
أبى اللّه أن تلقاه إلاّ مقلّـداً |
|
حميلة سيفٍ أو حمالة غارم |
مسند
همذان، أبو الفضل، أحمد بن عيسى بن عباد الدينوري، عرف بابن الأستاذ.
حدث عن: أبيه، وأبي بكر بن لال، وأحمد بن تركان، وعبد الرحمن الصفار،
وأبي عمر بن مهدي، وعدة.
قال شيرويه: سمعت منه بهمذان والدينور، وكان صدوقاً، قال لي: ولدت سنة
إحدى وثمانين وثلاث مئة.
مات بالدينور سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
العلامة شيخ الشافعية، أبو سعد، عبد الرحمن بن مأمون بن علي النيسابوري
المتولي.
درس ببغداد بالنظامية بعد الشيخ أبي إسحاق، ثم عزل بابن الصباغ، ثم بعد
مديدة أعيد إليها.
تفقه بالقاضي حسين، وبأبي سهل أحمد بن علي ببخارى، وعلى الفوراني بمرو،
وبرع، وبذ الأقران.
وله كتاب التتمة الذي تمم به الإبانة لشيخه أبي القاسم الفوراني،
فعاجلته المنية عن تكميله، انتهى فيه إلى الحدود. وله مختصر في
الفرائض، وآخر في الأصول، وكتاب كبير في الخلاف.
مات ببغداد سنة ثمان وسبعين كهلاً، وله اثنتان وخمسون سنةً رحمه الله.
العلامة، شيخ الاعتزال، أبو جعفر، محمد بن أحمد بن حامد بن عبيد
البيكندي، البخاري، المتكلم، من دعاة البدع.
ولد سنة ثنتين وتسعين.
وزعم أنه سمع الصحيح من الكشاني في سنة سبع، وإنما توفي الكشاني سنة
مولد هذا.
وقد حدث عن: السليماني، ومنصور الكاغدي، وعدنان بن محمد الهروي،
وجماعة.
روى عنه: أبو غالب بن البناء، وعلي بن هبة الله بن زهمويه.
طعن فيه المؤتمن الساجي.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: كذاب.
وقيل: ولد سنة أربع وتسعين.
توفي في أول سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة ببغداد.
العلامة، بليغ زمانه، الشيخ المجيد، أبو علي، الحسن بن عبد الصمد بن
أبي الشخباء العسقلاني، صاحب الخطب والترسل. كان جل اعتماد القاضي
الفاضل على حفظ كلامه فيما يقال.
قال العماد في ترجمة المجيد: مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام
ونحته. قتل بمصر مسجوناً سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
الإمام، العارف، المحدث الكبير، أبو الفضل، محمد ابن أحمد بن أبي جعفر
الطبسي، شيخ الصوفية.
سمع الحافظ أبا عبد الله الحاكم، وأبا طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف
بن بامويه، والسلمي، وأبا بكر الحيري، وأمثالهم.
حدث عنه: الجنيد بن محمد القايني، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد بن
القشيري، وعبد الغافر بن إسماعيل، وقال: شيخ ثقة، ورع، صوفي زاهد، كتب
الكثير، وحصل التصانيف المفيدة، وألف كتاب بستان العارفين. قدم علينا
من طبس، وأملى بالنظامية أياماً، ثم عاد إلى بلده، وبها مات في رمضان،
سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة رحمه الله.
قلت: كان من أبناء التسعين.
الشيخ
المسند، الصدر الكامل، الشريف المأمون، أبو السنابل، هبة الله بن أبي
الصهباء محمد بن حيدر القرشي، النيسابوري.
حدث عن: أبي طاهر بن محمش، وعبد الله بن يوسف، وأبي عبد الرحمن السلمي،
ويحيى المزكي، وأبي بكر الحيري، وأبي إسحاق الإسفراييني.
روى عنه: وجيه الشحامي، ومحمد بن جامع الصواف، وعبد الخالق بن زاهر،
وعائشة بنت أحمد الصفار، وعدة.
وكان من الثقات المكثرين. سمع سنن النسائي من الحسين بن فنجويه.
توفي سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
الجليل، الصالح، المسند، أبو الغنائم، محمد بن علي ابن الحسن بن محمد
بن أبي عثمان عمرو بن محمد بن منتاب البغدادي، الدقاق، ناظر المارستان
العتيق. قال المؤتمن الساجي: أفاده أبوه مع إخوته أبي سعد وأبي تمام مع
شراسة أخلاق ونفور طبع لا وجه له.
قلت: سمع أبا عمر بن مهدي الفارسي، وأبا محمد بن البيع، وأبا الحسن بن
رزقويه، وعبد القاهر بن عترة، وكان خيراً ديناً، كثير السماع.
روى عنه: مكي الرميلي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو نصر الغازي،
وإسماعيل بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأحمد بن قفرجل،
ومحمد بن المادح، وأبو علي أحمد بن أحمد بن الخراز، وآخرون.
قال ابن سكرة: كان الحميدي يحضني على قراءة ما عنده من مسند يعقوب بن
شيبة، ويقول: لو وجد كلام يعقوب على أبواب الحمامات للزم أن يقرأ، فكيف
وهو مسند لا مثل له !؟ قال الحافظ شجاع الذهلي: مات في سنة ثمان
وثمانين وأربع مئة.
ابن
ماكس بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي، من قواد البربر، له شرف وأبوة
وعشيرة.
تملك غرناطة، وجيش الجيوش، وحارب المعتصم صاحب المرية، والمعتضد صاحب
إشبيلية، وكان سفاكاً للدماء. فيه عدل بجهل.
وقفت له امرأة عند باب إلبيرة، فقالت: يا مولانا ! ابني يعقني. فطلبه،
ودعا بالسيف، فقالت المرأة: إنما أردت تهديده. فقال: ما أنا بمعلم
كتاب. وأمر به، فضربت عنقه.
واستعمل بعض أقاربه على بلد، فخرج يتصيد، فمر بشيخ قرية، فرغب في
تشريفه بالضيافة، فأنزله في أرض فيها دولاب وفواكه، فبادر له بثريد في
لبن وسكر، وقال: نأتي بعد بما تحب. فرماه برجله، وضرب الشيخ، ففر
الشيخ، وأتى إلبيرة، فعرف الملك بما جرى عليه، فقال: ارجع واصبر،
وواعده، ثم جاءه بعد أيام في كبكبة منهم خصمه، فقدم الشيخ للملك مثل
ذلك الثريد، فتناوله وأكله واستطابه، ثم قال: خذ بثأرك من هذا، فاضربه.
فاستعظم الشيخ ذلك، فقال الملك: لا بد، فضربه حتى اقتص منه. فقال
الملك: هذا حق هذا، بقي حق الله في إهانة نعمته، وحقي في اجتراء
العمال. فضرب عنقه، وطيف برأسه. حكاها اليسع بن حزم.
وحكى أيضاً أن بعض أهل البادية كانت له بنت عم بديعة الحسن، فافتقر،
ونزح بها، فصادفه في الطريق أمير صنهاجي، فأركبها شفقةً عيها، ثم أسرع
بها، فلما وصل البدوي، أتى دار الأمير، فطردوه، فقصد الملك، فقال لذاك
الأمير: ادفع إليه زوجته. فأنكر، فقال: يا بدوي ! هل لك من شهيد ولو
كلباً يعرفها ؟ قال: نعم. فدخل بكلب له إلى الدار، وأخرجت الحرم، فلما
رآها الكلب، عرفها وبصبص، فأمر الملك بدفعها إلى البدوي، وضرب عنق
الأمير، فقال البدوي: هي طالق لكونها سكتت، ورضيت. فقال الملك: صدقت،
ولو لم تطلقها لألحقتك به. ثم أمر بالمرأة، فقتلت.
قال صاحب حماة: توفي والد باديس هذا في سنة تسع وعشرين وأربع مئة،
وتملك ابنه باديس بن حبوس، وامتدت أيامه، ثم تملك غرناطة ابن أخيه عبد
الله بن بلكين بن حبوس، وبقي حتى أخذها منه يوسف بن تاشفين، سنة بضع
وثمانين وأربع مئة.
السلطان، أبو يحيى التجيبي الأندلسي، محمد بن معن، وقيل: معن بن محمد
بن محمد بن أحمد بن صمادح. كان جده محمد صاحب مدينة وشقة، فحاربه ابن
عمه الأمير منذر بن يحيى التجيبي، فعجز عنه، وترك له وشقة، وهرب، وكان
من دهاة الرجال، وكان ابنه معن مصاهراً لصاحب بلنسية عبد العزيز بن
عامر، وكانت المرية قد صارت له، فاستناب عليها معناً هذا، فخافه
وتملكها، وتم له ذلك، وتملكها من بعده ولده المعتصم محمد، فكان حليماً،
جواداً، ممدحاً، وقد داخل ابن تاشفين، ونصره، ثم إن ابن تاشفين عزم على
أخذ البلاد من ابن صمادح وكان يملك المرية وبجانة والصمادحية فأظهر
العصيان لابن تاشفين، وكان فيه خير ودين وعدل وتواضع وعقل تام.
روى عن أبيه، عن جده كتابه المختصر في غريب القرآن.
روى عنه: إبراهيم بن أسود الغساني.
نازلته عساكر ابن تاشفين مدة، فتمرض، فسمع مرةً هيعةً، فقال: لا إله
إلا الله، نغص علينا كل شيء حتى الموت. قالت جاريته: فدمعت عيناي، فقال
بصوت ضعيف:
ترفّق بدمعك لا تفنـه |
|
فبين يديك بكاءٌ طويل |
فمات
في ربيع الآخر، سنة أربع وثمانين وأربع مئة.
ومن وزرائه أبو بكر بن الحداد الأديب. وقد امتدحه جماعة من فحول
الشعراء.
سلطان
الثغر الشمالي من الأندلس، ودار ملكه بطليوس. كان رأساً في العلم
والأدب والشجاعة والرأي، فكان مناغراً للروم، شجىً في حلوقهم، لا ينفس
لهم مخنقاً، ولا يوجد لهم إلى الظهور عليه مرتقى، وله آداب تغير
سراياها، فتسبي عذارى معان لا تعشق المحامد إلا إياها، ألفاظ كالزلزال،
وأغراض أبعد من الهلال، رائق النظم، ذكي النور، رصيف المعاني، شاهق
الغور، وله تأليف كبير في الآداب على هيئة عيون الأخبار لابن قتيبة،
يكون عشر مجلدات، ومن نثره وقد غنم بلاد شلمنكة وهي مجاورته، فكتب إلى
المعتمد بالله يفخر، وينكت عليه بمسالمته للروم، فقيل: إنه حصل من هذه
الغزوة ألف جارية حسناء من بنات الأصفر : من يصد صيداً فليصد كما صيدي،
صيدي الغزالة من مرابض الأسد. أيها الملك إن الروم إذا لم تغز غزت، ولو
تعاقدنا تعاقد الأولياء المخلصين فللنا حدهم، وأذللنا جدهم، ورأي السيد
المعتمد على الله سراج تضيء به ظلمات المنى.
وللمظفر تفسير للقرآن.
وكان مع استغراقه في الجهاد لا يفتر عن العلم، ولا يترك العدل، صنع
مدرسةً يجلس فيها كل جمعة، ويحضره العلماء وكان يبيت في منظرة له، فإذا
سمع صوتاً وجه أعواناً لكشف الخبر، لا ينام إلا قليلاً.
وفيه يقول أبو الأصبغ القلمندر الكاتب:
يربي على سيب الغمام عطاؤه |
|
ملكٌ على فلك العلى استمطاؤه |
سيفٌ رقاب عـدوّه أغـمـاده |
|
تسقيه بالغيث المغيث دمـاؤه |
وكان
كاتبه الوزير أبو محمد عبد الله بن النحوي أحد البلغاء، فكتب أذفونش
لعنه الله يرعد ويبرق، فأجاب: وصل إلى الملك المظفر من عظيم الروم كتاب
مدع في المقادير، يرعد ويبرق، ويجمع تارة ويفرق، ويهدد بالجنود
الوافرة، ولم يدر أن لله جنوداً أعز بهم الإسلام، وأظهر بهم دين نبينا
عليه الصلاة والسلام، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم،
فأما تعييرك للمسلمين فيما وهن من أحوالهم، فبالذنوب المركوبة، والفرق
المنكوبة، ولو اتفقت كلمتنا علمت أي صائب أذقناك، كما كانت آباؤك مع
آبائنا، وبالأمس كانت قطيعة المنصور على سلفك، أهدى ابنته إليه مع
الذخائر التي كانت تفد في كل عام عليه، ونحن فإن قلت أعدادنا، وعدم من
المخلوقين استمدادنا، فما بيننا وبينك بحر تخوضه، ولا صعب تروضه، إلا
سيوف يشهد بحدها رقاب قومك، وجلاد تبصره في يومك، وبالله وملائكته
نتقوى عليك، ليس لنا سواه مطلب، ولا إلى غيره مهرب، وهل تربصون بنا إلا
إحدى الحسنيين، شهادة، أو نصر عزيز.
ولما توفي المظفر بعد السبعين وأربع مئة أو قبلها، قام في الملك بعده
ولده الملقب بالمتوكل على الله أبو حفص عمر بن الأفطس صاحب بطليوس
ويابرة وشنترين وأشبونة، فكان نحواً من أبيه في الشجاعة والبراعة
والأدب والبلاغة، فبقي إلى أن قتله المرابطون جند يوسف بن تاشفين
صبراً، وقتلوا معه ولديه الفضل وعباساً، في سنة خمس وثمانين وأربع مئة،
إذ استولوا على الأندلس.
ولعبد المجيد بن عيذون فيهم قصيدة طنانة نادرة المثل، منها:
بنى المظفّر والأيام لا نـزلـت |
|
مراحلٌ والورى منها على سفر |
من للأسرّة أو من لـلأعـنّة أو |
|
من للأسنّة يهديها إلى الثّـغـر |
من للبراعة أو من للـيراعة أو |
|
من للشجاعة أو للنّفع والضّرر |
وهي طويلة، وكان ابن عيذون وزيراً للمتوكل.
ابن
حماد بن بلكين بن زيري، الصنهاجي، البربري، ملك المغرب.
هو الذي أنشأ مدينة بجاية الناصرية، وكانت دولته سبعاً وعشرين سنة.
توفي سنة إحدى وثمانين.
قهر ابن عمه بلكين بن محمد بن حماد وغدر به، وأخذ منه الملك بعد أن
تملك خمس سنين بعد الملك محسن بن قائد بن حماد، وكانت دولة محسن ثلاثة
أعوام، ومات، وكان قبله أبوه القائد، فبقي في الملك سبعةً وعشرين
عاماً، تملك بعد أبيه، ومات أبوه الملك حماد سنة تسع عشرة وأربع مئة.
وقد حارب حماد ابن أخيه باديس وولده المعز بن باديس، وجرت لهما وقائع،
ولم تزل الدولة في آل حماد، إلى أن أخذ منهم عبد المؤمن بجاية سنة سبع
وأربعين وخمس مئة، وآخرهم هو الملك يحيى بن عبد العزيز بن منصور بن
صاحب بجاية الناصر.
الشيخ، العالم، الصادق، الأديب، مسند بغداد في وقته، أبو الحسين، عاصم
بن الحسن بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران العاصمي، البغدادي، الكرخي،
الشاعر. ولد سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع من: أبي عمر بن مهدي، وأبي الحسين بن المتيم، وهلال الحفار، ومحمد
بن عبد العزيز البرذعي، وأبي الحسين بن بشران.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب في كتاب المؤتنف، والمؤتمن الساجي، وأبو نصر
الغازي، وإسماعيل التيمي، وأبو سعد البغدادي، ووجيه الشحامي، وهبة الله
بن طاووس الدمشقي، ونصر الله بن محمد المصيصي، وعبد الخالق بن أحمد بن
يوسف، ومحمد بن ناصر، وسعيد بن أحمد بن البناء، وأحمد بن قفرجل، وعبد
الوهاب الأنماطي، ومحمد بن عبد العزيز البيع الدينوري، وهبة الله بن
هلال الدقاق، وأبو الفتح ابن البطي، وخلق.
قال السمعاني: سألت أبا سعد البغدادي عن عاصم بن الحسن، فقال: كان
شيخاً متقناً، أديباً، فاضلاً، كان حفاظ بغداد يكتبون عنه، ويشهدون
بصحة سماعه. وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: ضاع الجزء الرابع من جامع
عبد الرزاق لابن عاصم، وكان سماعه، قرؤوه عليه بالسماع، وضاع، فكان بعد
يرويه بالإجازة، فلما كان قبل موته بأيام، جاءني شجاع الذهلي وقد لقيه،
فقال: تعال حتى نسمعه. فأريناه الأصل، فسجد لله، وقرأناه عليه بالسماع،
وقال لي عبد الوهاب: كان عاصم عفيفاً، نزه النفس، صالحاً، رقيق الشعر،
مليح الطبع، قال لي: مرضت، فغسلت ديوان شعري.
وقال أبو علي بن سكرة: كان عاصم ثقةً فاضلاً، ذا شعر كثير، وكان
يكرمني، وكان لي منه ميعاد يوم الخميس، لو أتاه فيه الخليفة لم يمكنه.
وقال غيره: كان صاحب ملح ونوادر ولطف، وكيس ونظم رائق. عمر، ورحلوا
إليه، وكان ورعاً، خيراً، صالحاً. مات في جمادى الآخرة، سنة ثلاث
وثمانين وأربع مئة ببغداد وله ست وثمانون سنة.
شيخ
القراء بخراسان، أبو نصر، محمد بن أحمد بن علي بن حامد المروزي، سكن
جرجانية خوارزم مدة، فنسب إليها.
أخذ القراءات والآداب بمرو عن أبي الحسين عبد الرحمن بن محمد الدهان،
ثم ارتحل، فلحق الحمامي ببغداد، فتلا عليه، وعلى الرهاوي بدمشق، وعلى
الشريف الزيدي بحران، وعلى جماعة كبار، وانتهت إليه الإمامة في
القراءات.
تخرج به أئمة، وعاش نيفاً وتسعين سنة. قاله ولده الإمام المقرئ أبو
محمد عبد الرحمن.
وكانت وفاته في ثاني عشر ذي الحجة، سنة أربع وثمانين وأربع مئة، وله
ترجمة طويلة في طبقات القراء.
لقب
الشاعر المحسن، أبي عبد الله، محمد بن أحمد بن عثمان القيسي، الأندلسي،
ابن الحداد، ناظر الديوان الكبير.
قال الأبار في تاريخه: هو من أهل مدينة وادي آش، سكن المرية، وكان من
فحول الشعراء، له مؤلف في العروض، اختص بالمعتصم بن صمادح، واستفرغ فيه
مدائحه، ثم سار عنه إلى سرقسطة، فأقام في كنف المقتدر بن هود.
قال: وتوفي في حدود سنة ثمانين وأربع مئة.
شيخ
الحنفية، عالم ما وراء النهر، أبو الحسن، علي بن محمد ابن الحسين بن
عبد الكريم البزدوي، صاحب الطريقة في المذهب.
قال السمعاني: ما حدثنا عنه سوى صاحبه أبي المعالي محمد بن نصر الخطيب.
قال: وكان إمام الأصحاب بما وراء النهر، وله التصانيف الجليلة.
درس بسمرقند. ومات بكس في رجب، سنة اثنتين وثمانين، وكان أحد من يضرب
به المثل في حفظ المذهب، وولد في حدود سنة أربع مئة.
وأما أخوه فسيأتي.
الشيخ
الجليل، الثقة، الصالح، أبو الفضل، عبد الله بن علي ابن أحمد بن محمد
بن زكري البغدادي، الدقاق.
سمع أبا الحسين بن بشران، وأبا الحسن بن الحمامي.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وعبد الوهاب
الأنماطي، وهبة الله الدقاق، وأبو بكر بن الزاغواني، وجماعة.
قال الأنماطي: كان صالحاً ديناً، ثقةً.
وقال أبو علي الصدفي: كان شيخاً عفيفاً، كنا نقرأ عليه في داره.
مات ابن زكري في ذي القعدة سنة ست وثمانين وأربع مئة. ومولده كان في
سنة أربع مئة. وقع لنا الأول من حديث ابن البختري من طريقه. أخبرنا
إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا هبة
الله بن الحسن الدقاق، أخبرنا عبد الله بن علي بن زكري الدقاق، أخبرنا
علي بن محمد المعدل، أخبرنا محمد بن عمرو، حدثنا محمد بن عبيد الله،
حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا زكريا، عن الشعبي، عن الحارث بن مالك بن
برصاء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا تغزى
بعدها إلى يوم القيامة.
الشيخ
المسند، الصالح، الصادق، أبو القاسم، عبد الواحد بن علي بن محمد بن
فهد، البغدادي، ابن العلاف.
سمع أبا الفتح بن أبي الفوارس، وأبا الفرج الغوري، وأبا الحسين بن
بشران، والحمامي.
وعنه: إسماعيل بن السمرقندي، وأبو سعد بن البغدادي، وإسماعيل بن محمد
الحافظ، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو الفتح بن البطي. وقع لي من عواليه.
قال السمعاني: شيخ صالح، صدوق، مكثر، مأمون، متواضع، ذهبت له أصول
كثيرة.
مات في ذي القعدة، سنة ست وثمانين وأربع مئة.
الشيخ، العالم، الخطيب، المسند، أبو الحسن، علي بن محمد بن محمد بن
محمد بن يحيى بن شعيب، الشيباني، الأنباري، ابن الأخضر.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة في صفر.
وسمع أبا أحمد بن أبي مسلم الفرضي فكان خاتمة أصحابه، وأبا عمر بن
مهدي، وأبا الحسن بن رزقويه، وأبا الحسين بن بشران، والحسن بن عمر
الغزال، وأحمد بن محمد بن دوست، والحسن بن الحسين بن رامين
الإستراباذي.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن
البغدادي، ونصر الله بن محمد مفتي دمشق، وهبة الله بن طاووس، وابن
ناصر، وابن البطي، وعدة.
وكان فقيهاً حنفياً، خطيباً بالأنبار. عمر، وارتحل الناس إليه.
قال السمعاني: كان ثقةً، نبيلاً، صدوقاً، معمراً، مسنداً، انتشرت
رواياته في الآفاق، وكان أقطع اليد، قطعت في كائنة البساسيري، وكان
يقدم بغداد أحياناً، ويحدث. سألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: ثقة.
وقال أبو علي الصدفي: حدثني أنه سأل وهو صبي في حلقة أبي حامد
الإسفراييني عن الوضوء من مس الذكر. وقال لي: رأيت يحيى جد جدي وأنا
اليوم جد جد.
قال أبو علي: لم ألق من يروي عن الفرضي سواه. قال: وإنما عنده عنه
حديثان.
قلت: وقعا لي.
وتوفي في شوال سنة ست وثمانين وأربع مئة. أخره ابن ناصر.
قال صالح بن علي بن الخطيب الأنباري: أمر البساسيري جدنا علياً الخطيب
أن يخطب للمستنصر صاحب مصر، فلما خطب، دعا للقائم، ولم يمتثل أمر
البساسيري، فأمر بقطع يده على المنبر.
الشيخ
الصدوق، مسند الدينور، أبو الفضل، أحمد بن عيسى ابن عباد بن عيسى بن
موسى، الدينوري، المعروف بابن الأستاذ.
مولده سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة.
حدث عن: أبي بكر بن لال، وعن أبيه أبي القاسم، وأحمد بن تركان، وأبي
عمر بن مهدي الفارسي، وطاهر بن ماهلة، وعلي بن البيع، وعدة، وتفرد في
زمانه.
قال شيرويه الديلمي: سمعت منه بهمذان والدينور، وكان صدوقاً، أخبرني
بمولده.
قال: ومات بالدينور في سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
الشيخ
المعمر، أبو المعالي، محمد بن عبد السلام بن شانده الأصبهاني الأصل،
الواسطي، الشيعي.
ولد سنة ست وتسعين وثلاث مئة.
وسمع في سنة سبع وأربع مئة تاريخ أحمد بن أبي خيثمة من علي بن محمد بن
علي بن خزفة الصيدلاني، وسمع من أبي القاسم علي بن كردان النحوي، ومن
عمه أبي محمد التلعكبري الرافضي، فكان عنده عن عمه كتب لا يسمعها
أحداً.
قال السلفي: سألت خميساً الحوزي، فقال: كان ابن شانده رئيساً محتشماً،
ثقةً، مددت يدي إلى كتب يوماً، فاستلبها من يدي، وقال: هذا لا يصلح لك.
قال: وكان يتظاهر بالسنة.
قلت: روى عنه: أبو علي بن سكرة، وعلي بن محمد الجلابي.
وتوفي سنة بضع وثمانين وأربع مئة.
قال ابن سكرة: هو محمد بن عبد السلام بن محمد بن عبيد الله بن أحمولة،
نزيل واسط.
الوزير الأكمل، فخر الدين، أبو نصر، مؤيد الدين، محمد بن محمد بن جهير
الثعلبي. كان ناظر ديوان حلب، ثم وزر لصاحب ميافارقين، ثم وزر للخليفة
القائم، في سنة أربع وخمسين، وامتدت دولته إلى أن استخلف المقتدي،
فاستوزره عامين، ثم عزله، ثم في سنة ست وسبعين استدعاه السلطان ملكشاه،
واستنابه على ديار بكر، فافتتح ابنه أبو القاسم آمد بعد حصار يطول،
وافتتح هو ميافارقين.
وكان جواداً ممدحاً، فاضلاً مهيباً، من رجال العالم، عاش نيفاً وثمانين
سنة.
مات على إمرة الموصل، سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
ابن
الإمام أبي الفرج، عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث
بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله،
وكان اسمه عبد اللات، قيل: له صحبة، وهو ابن الهيثم بن عبد الله بن
الحارث، الشيخ الإمام، المعمر، الواعظ، رئيس الحنابلة، أبو محمد
التميمي البغدادي.
ولد سنة أربع مئة. وقيل: سنة إحدى.
وعرض القرآن على أبي الحسن بن الحمامي، وأقرأ ببعض السبع.
وسمع من: أبيه، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم، وأبي عمر بن مهدي،
وأبي الحسين بن بشران، والحمامي، وابن الفضل القطان، وعدة.
حدث عنه خلق كثير، منهم: أبو عامر محمد بن سعدون العبدري، وابن طاهر
المقدسي، وأبو علي بن سكرة، وإسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الوهاب
الأنماطي، وأبو سعد بن البغدادي، وهبة الله بن طاووس، ومحمد بن ناصر،
وأبو الفتح محمد بن علي بن عبد السلام الكاتب، وأبو الكرم المبارك بن
الحسن الشهرزوري، وأبو بكر ابن الزغواني، وهبة الله بن أحمد الحفار،
ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وإسماعيل بن علي بن شهريار،
والفقيه أبو عبد الله الرستمي، وأبو الفتح بن البطي، وعبد العزيز بن
محمد الشيرازي الأدمي، وأبو المطهر القاسم بن الفضل الصيدلاني، وأبو
جعفر محمد ابن الحسن الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني، وخلق كثير.
قال السمعاني: هو فقيه الحنابلة وإمامهم، قرأ القرآن والفقه والحديث
والأصول والتفسير والفرائض واللغة العربية، وعمر حتى قصد من كل جانب،
وكان مجلسه جم الفوائد، كان يجلس في حلقة له بجامع المنصور للوعظ
والفتوى، وكان فصيح اللسان، قرأ القرآن على الحمامي ... إلى أن قال:
وورد أصبهان رسولاً في سنة ثلاث وثمانين، وحدثنا عنه أكثر من ستين
نفساً من أهلها. ثم قال: أخبرنا المشايخ الستون ببغداد، وأخبرنا أربعة
عشر من غيرها، وآخرون قالوا: أخبرنا رزق الله التميمي، ح، وقرأت أنا
غير مرة على أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، أخبركم أبو بكر عبد الله بن محمد
بن سابور بشيراز في سنة تسع عشرة وست مئة قراءةً عليه وأنا في الخامسة،
أخبرنا عبد العزيز بن محمد الأدمي، حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب،
أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد الفارسي، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا
محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن
شريك بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن الله قال: من عادى لي ولياً، فقد آذنني بالحرب .... وذكر
الحديث.
أخرجه البخاري، عن ابن كرامة، فوافقناه بعلو. تفرد به ابن كرامة.
قال السمعاني: سمعت أحمد بن سعد العجلي يقول: كان شيخنا أبو محمد
التميمي إذا روى هذا الحديث قال: "أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا
تُبْصِرُونَ" الطور.
قال السلفي فيما قرأت على أبي محمد الدمياطي : أخبرنا ابن رواج، أخبرنا
أبو طاهر السلفي قال: رزق الله شيخ الحنابلة قدم أصبهان رسولاً من قبل
الخليفة إلى السلطان، وأنا إذ ذاك صغير، وشاهدته يوم دخوله، وكان يوماً
مشهوداً كالعيد، بل أبلغ في المزيد، وأنزل بباب القصر، محلتنا في دار
السلطان، وحضرت في الجامع الجورجيري مجلسه متفرجاً، ثم لما قصدت
للسماع؛ قال لي أبو الحسن أحمد بن معمر اللنباني وكان من الأثبات : قد
استجزته لك في جملة من كتبت اسمه من صبياننا. فكتب خطه بالإجازة.
وقال أبو غالب هبة الله قصيدةً منها:
بمقدم الشّيخ رزق اللّه قد رزقت |
|
أهل أصبهان أسانيداً عجيبـات |
ثم قال السلفي: وروى رزق الله بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السلمي. وقال أبو زكريا بن مندة: سمعت أبا محمد رزق الله الحنبلي بأصبهان يقول: أدركت من أصحاب ابن مجاهد واحداً يقال له: أبو القاسم عبيد الله بن محمد الخفاف. قرأت عليه سورة البقرة، وقرأها على ابن مجاهد، وأدركت أيضاً أبا القاسم عمر بن تعويذ من أصحاب الشبلي وسمعته يقول: رأيت أبا بكر الشبلي وقد اجتاز على بقال ينادي على البقل: يا صائم من كل الألوان. فلم يزل يكررها ويبكي، ثم أنشأ يقول:
خليليّ إن دام همّ النّـفـوس |
|
على ما أراه سريعاً قـتـل |
فيا ساقي القوم لا تنسـنـي |
|
ويا ربّة الخدر غنّي رمـل |
لقد كان شيءٌ يسمّى السّرور |
|
قديماً سمعنا به ما فعـل ؟ |
قال
أبو علي الصدفي: قرأت على رزق الله التميمي برواية قالون ختمةً، وكان
كبير بغداد وجليلها، وكان يقول: كل الطوائف تدعيني. وسمعته يقول: يقبح
بكم أن تستفيدوا منا، ثم تذكرونا، فلا تترحموا علينا. رحمه الله.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن أحمد بن طارق، سمع أبا الكرم الشهرزوري يقول:
سمعت رزق الله بن عبد الوهاب يقول: دخلت سمرقند وكان السلطان ملكشاه
بها، فرأيت أهلها يروون الناسخ والمنسوخ لهبة الله المفسر جدي، بواسطة
خمسة رجال إليه، فقلت لهم: الكتاب معي، ومصنفه جدي لأمي، وقد سمعته
منه، ولكن ما أسمع كل واحد إلا بمئة دينار. فما كان الظهر حتى جاءتني
خمس مئة دينار، فسمعوه، فلما رجعت؛ دخلت أصبهان، وأمليت بها.
قال السلفي: سألت المؤتمن عن رزق الله، فقال: هو الإمام علماً ونفساً
وأبوة، وما يذكر عنه، فتحامل من أعدائه.
وقال أبو عامر العبدري: كان أبو محمد ظريفاً لطيفاً، كثير الحكايات
والملح، ما أعلم منه إلا خيراً.
وقال ابن ناصر: ما رأيت شيخاً ابن سبع وثمانين سنةً أحسن سمتاً وهدياً
واستقامة قامة منه، ولا أحسن كلاماً، ولا أظرف وعظاً، وأسرع جواباً
منه. فلقد كان جمالاً للإسلام كما لقب وفخراً لأهل العراق خاصةً،
ولجميع البلاد عامةً، ما رأينا مثله، وكان مقدماً وهو ابن عشرين سنةً،
فكيف اليوم ؟ وكان ذا قدر رفيع عند الخلفاء.
وقال إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ: كان رزق الله إذا قرأ عليه ابن
الخاضبة هذا الحديث يعني حديث: من عادى لي ولياً أخذ خده، وقرصه، وقال:
يا أبا بكر ينبت تحت حبكم من ذا شيء. أنبئت عن ابن الأخضر، أخبرنا
الزاغوني، أنشدنا رزق الله لنفسه:
لا تسألاني عن الحيّ الّذي بـانـا |
|
فإنّني كنت يوم البين سكـرانـا |
يا صاحبيّ على وجدي بنعمـانـا |
|
هل راجعٌ وصل ليلى كالّذي كانا |
ما ضرّهم لو أقاموا يوم بينـهـم |
|
بقدر ما يلبس المحزون أكفانـا |
وقال هبة الله بن طاووس: أنشدنا رزق الله لنفسه:
وما شنآن الشّيب من أجل لـونـه |
|
ولكنّه حادٍ إلى الـبـين مـسـرع |
إذا ما بدت منه الطّـلـيعة آذنـت |
|
بأنّ المنايا خلفـهـا تـتـطـلّـع |
فإن قصّها المقراض صاحت بأُختها |
|
فتظهر تتلـوهـا ثـلاثٌ وأربـع |
وإن خضبت حال الخضـاب لأنّـه |
|
يغالب صبغ اللّه واللّـه أصـبـغ |
إذا ما بلغت الأربعين فقل لـمـن |
|
يودّك فيما تشـتـهـيه ويسـرع |
هلمّوا لنبكي قبل فـرقة بـينـنـا |
|
فما بعدها عيشٌ لذيذٌ ومـجـمـع |
وخلّ التّصابي والخلاعة والهـوى |
|
وأُمّ طريق الخير فالخير أنـفـع |
وخذ جنّةً تنجي وزاداً من التّـقـى |
|
وصحبة مأمونٍ فقصدك مـفـزع |
قال
ابن ناصر: توفي شيخنا أبو محمد التميمي في نصف جمادى الأولى، سنة ثمان
وثمانين وأربع مئة، ودفن في داره بباب المراتب، ثم نقل فدفن في سنة
إحدى وتسعين إلى جانب قبر الإمام أحمد بن حنبل.
ومات معه أبو الفضل بن خيرون المحدث، وأمير الجيوش بدر بمصر، والسلطان
تاج الدولة تتش السلجوقي، وشيخ المعتزلة أبو يوسف القزويني، والفضل بن
أحمد بن أبي حرب أبو القاسم الجرجاني، والوزير ظهير الدين أبو شجاع
محمد بن الحسين الروذراوري، والمعتمد بن عباد صاحب الأندلس في السجن،
ومحمد بن علي البغوي الدباس، وقاضي بغداد أبو بكر محمد بن المظفر
الشامي، والحميدي المحدث، ونجيب بن ميمون الواسطي بهراة.
الشيخ
العلامة، البارع، شيخ المعتزلة وفاضلهم، أبو يوسف، عبد السلام بن محمد
بن يوسف بن بندار القزويني المفسر، نزيل بغداد.
سمع أبا عمر بن مهدي، والقاضي عبد الجبار بن أحمد وأخذ عنه الاعتزال،
وسمع بهمذان من أبي طاهر بن سلمة، وبأصبهان عن أبي نعيم، وبحران عن أبي
القاسم الزيدي، وطائفة.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو غالب بن البناء، وهبة الله بن
طاووس، ومحمود بن محمد الرحبي، وإسماعيل بن محمد التيمي الحافظ، وأبو
بكر محمد بن عبد الباقي، وأبو سعد بن البغدادي، وآخرون.
قال السمعاني: كان أحد الفضلاء المقدمين، جمع التفسير الكبير الذي لم
ير في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، لولا أنه مزجه بالاعتزال،
وبث فيه معتقده، ولم يتبع نهج السلف. أقام بمصر سنين، وحصل أحمالاً من
الكتب، وحملها إلى بغداد، وكان داعيةً إلى الاعتزال.
وقال ابن عساكر: سكن طرابلس مدة. سمعت الحسين بن محمد البلخي يقول: إن
أبا يوسف صنف التفسير في ثلاث مئة مجلد ونيف. وقال: من قرأه علي وهبت
له النسخة. فلم يقرأه أحد.
وقال ابن عساكر: سكن طرابلس مدة. سمعت الحسين بن محمد البلخي يقول: إن
أبا يوسف صنف التفسير في ثلاث مئة مجلد ونيف. وقال: من قرأه علي وهبت
له النسخة. فلم يقرأه أحد.
وقال هبة الله بن طاووس: دخلت عليه وقد زمن، فقال: من أين أنت ؟ قلت:
من دمشق. قال: بلد النصب.
قال ابن عساكر: قيل: سأله ابن البراج شيخ الرافضة بطرابلس: ما تقول في
الشيخين ؟ قال: سفلتان. قال: من تعني ؟ قال: أنا وأنت.
ابن عقيل في فنونه قال: قدم علينا من مصر القاضي أبو يوسف القزويني،
وكان يفتخر بالاعتزال، ويتوسع في قدح العلماء، وله جرأة، وكان إذا قصد
باب نظام الملك؛ يقول: استأذنوا لأبي يوسف المعتزلي. وكان طويل اللسان
بعلم تارةً، وبسفه تارةً، لم يكن محققاً إلا في التفسير، فإنه لهج بذلك
حتى جمع كتاباً بلغ خمس مئة مجلد، فيه العجائب، رأيت منه مجلدةً في آية
واحدة، وهي: "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ" البقرة فذكر
السحر والملوك الذين نفق عليهم السحر، وتأثيراته وأنواعه.
وقال محمد بن عبد الملك: ملك من الكتب ما لم يملكه أحد، قيل: ابتاعها
من مصر بالخبز وقت القحط، وحدثني عبد المحسن بن محمد أنه ابتاعها
بالأثمان الغالية. كان يبتاع من كتب السيرافي، وكانت أزيد من أربعين
ألف مجلد، فكان أبو يوسف يشتري في كل أسبوع بمئة دينار، ويقول: قد بعت
رحلي وما في بيتي. وكان الرؤساء يصلونه، وقيل: قدم بغداد بعشرة أحمال
كتب، وأكثرها بخطوط منسوبة. وعنه قال: ملكت ستين تفسيراً.
قال ابن عبد الملك: وأهدى للنظام غريب الحديث لإبراهيم الحربي في عشر
مجلدات، وشعر الكميت في ثلاث عشرة مجلدة، وعهد القاضي عبد الجبار بخط
الصاحب إسماعيل بن عباد، كل سطر في ورقة، وله غلاف آبنوس في غلظ
الأسطوانة، وأهدى له مصحفاً بخط منسوب بين سطوره القراءات بأحمر،
واللغة بأخضر، والإعراب بأزرق، وهو مذهب، فأعطاه النظام ثلاث مئة
دينار، وما أنصفه، لكنه اعتذر، وقال: ما عندي مال حلال سواها.
قال المؤتمن: تركته لما كان يتظاهر به.
قال محمد بن عبد الملك: وكان فصيحاً، حلو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات
والأخبار، زيدي المذهب، فسر في سبع مئة مجلد كبار.
قيل: دخل الغزالي إليه، وجلس بين يديه، فقال: من أين أنت ؟ قال: من
المدرسة ببغداد. قال الغزالي: لو قلت: إني من طوس لذكر تغفيل أهل طوس،
من أنهم سألوا المأمون، وتوسلوا إليه بقبر أبيه عندهم، وطلبوا أن يحول
الكعبة إلى بلدهم. وأنه جاء عن بعضهم أنه سئل عن نجمه، فقال: بالتيس.
فقيل له: فقال: كان من سنتين بالجدي، والساعة قد كبر.
قال أبو علي بن سكرة: أبو يوسف كان معتزلياً داعيةً يقول: لم يبق من
ينصر هذا المذهب غيري، وكان قد أسن، وكاد أن يخفى في مجلسه، وله لسان
شاب. ذكر لي أن تفسيره ثلاث مئة مجلد، منها سبعة في سورة الفاتحة. وكان
عنده جزء من حديث أبي حاتم الرازي، عن الأنصاري، فقرأت عليه بعضه، عن
القاضي عبد الجبار، عن رجل عنه، قرأته لولدي شيخنا ابن سوار المقرئ،
وقرأت لهما جزءاً من حديث المحاملي، وسمعه في سنة تسع وتسعين وثلاث مئة
وهو ابن أربع سنين أو نحوها. وكان لا يسالم أحداً من السلف، ويقول لنا:
اخرجوا تدخل الملائكة. وقيل: ولد سنة 393.
وقال ابن ناصر: مات في ذي القعدة، سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
بعون الله وتوفيقه تم الجزء الثامن عشر من سير أعلام النبلاء ويتلوه
الجزء التاسع عشر وأوله ترجمة الدباس محمد علي البغوي وجاء في آخر
الأصل ما نصه: تم الجزء الحادي عشر بحمد الله تعالى وعونه وحسن توفيقه.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وكان الفراغ
منه ليلة الاثنين لثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ذي الحجة سنة 741.
وهي أول نسخة نسخت من خط المصنف، ويتلوه في الذي يليه إن شاء الله
تعالى محمد بن علي البغوي الدباس.
"بسم الله الرحمن الرحيم"
الشيخ
الفقيه المعمر المسند، أبو سعيد محمد بن علي بن أبي صالح، البغوي،
الدباس، آخر من روى جامع الترمذي عالياً من عبد الجبار الجراحي. وسمع
أيضاً من مسعود بن محمد البغوي، وعلي بن أحمد الإستراباذي.
حدث عنه: ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشيرازي، وأحمد بن
ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي علي، ومحمد بن عبد الرحمن
الحمدويي، وخلقٌ سواهم.
وعاش ثمانياً وثمانين سنة، وكان من الفقهاء. مات ببغشور في ذي القعدة
سنة ثمان وثمانين وأربع مائة. وآخر من بقي من أصحابه عبد الرحمن بن
محمد المسعودي.
الشيخ
الإمام الأديب المعمر الثقة، أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن
إبراهيم بن ثمامة، الهروي، الترياقي. وترياق: قرية من عمل هراة.
سمع جامع أبي عيسى _ سوى الجزء الأخير منه، أوله: مناقب ابن عباس _ من
الجراحي. سمعه من المؤتمن الساجي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي. وقد
روى أيضاً عن القاضي أبي منصور الأزدي، والحافظ أبي الفضل الجارودي.
وعمر أربعاً وتسعين سنة، مات في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
الثقة الجليل، أبي بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل، الغورجي،
الهروي، التاجر، راوي جامع أبي عيسى الترمذي عن عبد الجبار الجراحي.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، وأبو الفتح الكروخي، وغيرهما. وثقه المحدث
الحسين بن محمد الكتبي.
عنه في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربع مئة بهراة، وهو في عشر
التسعين.
قاضي
القضاة، رئيس نيسابور، أبي نصر أحمد بن محمد بن صاعد ابن محمد الصاعدي.
ولد سنة عشر. وسمع من جده أبي العلاء صاعد، وأبي بكر الحيري، وأبي سعد
الصيرفي، وطبقتهم. وعنه: زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وعبد الله بن
الفزاري، وعبد الخالق بن زاهر، وآخرون.
قال ابن السمعاني: تعصب بأخرة المذهب حتى أدى إلى إيحاش العلماء،
وإغراء الطوائف، حتى لُعنوا على المنابر، حتى أبطله نظام الملك.
أملى مجالس، وكان يقال له شيخ الإسلام.
توفي في شعبان سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
العالم المعمر، مسند الوقت، رئيس أصبهان ومعتمدها، أبي عبد الله القاسم
بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود، الثقفي، الأصبهاني، صاحب الأربعين
والفوائد العشرة. ولد سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
وأول سماعه في سنة ثلاث وأربع مئة، ورحله أبوه في صباه إلى خراسان،
والعراق، والحجاز، ولقي الكبار.
سمع أبا طاهر محمد بن محمد بن محمش، وأبا عبد الرحمن السلمي، وأبا
زكريا المزكي، وعبد الرحمن بن بالويه، وعلي بن أحمد بن عبدان، والقاضي
أبا بكر الحيري، ومحمد بن موسى الصيرفي، وأبا عمرو محمد بن عبد الله
الرزجاهي، وعلي بن محمد بن خلف، وأبا حازم العبدوي، وعبد الرحمن بن
محمد بن أحمد بن حبيب، وطائفة بنيسابور، وأبا الفرج عثمان بن أحمد
البرجي، وعبد الله بن أحمد بن جولة، وأبا عبد الله محمد بن إبراهيم
الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وعلي بن ماشاذه القاضي، وأحمد بن عبد
الرحمن الأزدي، وعدة ببلده، وهلال بن محمد الحفار، وأبا الحسين بن
بشران، وابن يعقوب الإيادي، ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان، وأبا عبد
الله الغضائري، وعدة ببغداد، وأبا عبد الله بن نظيف المصري بمكة.
وروى الكثير، وتفرد في زمانه، وكان صدراً معظماً. حدث عنه: ابن طاهر،
وإسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو سع البغدادي، وأبو المطهر
الصيدلاني قاسم، وأبو جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني، وأبو رشيد محمد بن
علي الباغبان، والحسن بن العباس الرستمي، وحفيده مسعود بن الحسن
الثقفي، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، والحافظ أبو طاهر
السلفي، وآخرون.
قال السمعاني: كان ذا رأي وكفاية وشهامة، وكان أسند أهل عصره، وأكثرهم
ثروةً ونعمةً وبضاعةً ونقداً، وكان منفقاً، كثير الصدقة، دائم الإحسان
إلى الطارئين والمقيمين والمحدثين، وإلى العلوية خصوصاً، كثير البذل
لهم، عزل في آخر عمره عن رئاسة البلد، وصودر، فوزن مئة ألف دينار حمر
لم يبع لها ملكاً، ولا أظهر انكساراً.
وكان من رجال الدنيا، ورحلت إليه الطلبة من الأمصار، وكان صحيح السماع،
غير أنه كان يميل إلى التشيع على ما سمعت جماعة أهل أصبهان.
قال يحيى بن منده: لم يحدث في وقت أبي عبد الله الرئيس أوثق منه في
الحديث، وأكثر سماعاً، وأعلى إسناداً، كان فيما قيل: يميل إلى الرفض،
سمع تاريخ يعقوب الفسوي من ابن الفضل القطان، وسمع تاريخ يحيى بن معين
من أبي عبد الرحمن السلمي.
قال السلفي: كان الرئيس الثقفي عظيماً، كبيراً في أعين الناس، على
مجلسه هيبةٌ ووقار، وكان له ثروة وأملاك كثيرة.
وقال السمعاني: كان محمود السيرة في ولايته، مشفقاً على الرعية، سمعت
أن السلطان ملكشاه أراد أن يأخذ من الرعية مالاً بأصبهان، فقال الرئيس:
أنا أعطي النصف، ويعطي الوزير _ يعني نظام الملك _ وأبو سعد المستوفي
النصف. فما قام حتى وزن ما قال، فظني أن المال كان أكثر من مئة ألف
دينار أحمر.
وكان يبر المحدثين بمال كثير؛ رحلوا إليه من الأقطار.
مات الرئيس في رجب سنة تسع وثمانين وأربع مئة، وهو في عشر المئة.
الإمام القدوة المقرئ أبو بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن السري ابن
بنون، التفليسي، ثم النيسابوري، الصوفي. مولده في رجب سنة أربع مئة.
وسمع من عبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبي عبد الرحمن السلمي، وحمزة
المهلبي، وأبي صادق الصيدلاني، وعدة من أصحاب الأصم. وأملى مدة.
حدث عنه عبد الغافر بن إسماعيل، وأثنى عليه، وإسماعيل بن المؤذن، ووجيه
الشحامي. وسئل عنه إسماعيل بن محمد التيمي، فقال: شيخ صالح يتبرك
بدعائه، سمع الكثير من المهلبي.
قلت: توفي في سلخ شوال سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة.
الإمام الفقيه المفتي، مسند دمشق، أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن
أحمد ابن أبي العلاء، المصيصي، ثم الدمشقي، الشافعي، الفرضي.
ولد في رجب سنة أربع مئة.
وسمع وهو حدث من الكبار، وارتحل، ولحق العوالي.
سمع محمد بن عبد الرحمن القطان، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وأبا نصر بن
هارون، وعبد الوهاب بن جعفر الميداني، وعبد الوهاب المري، وعدداً
كثيراً بدمشق، وأبا الحسن بن الحمامي ببغداد. لحقه مريضاً هو وعبد
العزيز الكتاني رفيقه، فسمعا منه أربعة أحاديث، وسمع ببلد من أحمد بن
الحسين بن سهل بن خليفة، وأخيه محمد، وبمصر من أبي عبد الله بن نظيف،
وأبي النعمان بن تراب بن عمر، وبعكبرا من أبي نصر البقال، وببغداد
أيضاً من هبة الله الحسن اللالكائي، وطلحة بن الصقر، وأحمد بن علي
البادي، وأبي علي بن شاذان، وطائفة.
حدث عنه: أبو بكر الخطيب، ومات قبله بأربع وعشرين سنة، والفقيه نصر
المقدسي، وهبة الله بن أحمد الأكفاني، وجمال الإسلام علي بن المسلم،
ونصر بن أحمد بن مقاتل، وهبة الله بن طاووس، والقاضي يحيى بن علي
الفرسي، وابنه القاضي الزكي محمد بن يحيى، وأبو القاسم الحسين بن البن،
وأبو العشائر محمد بن خليل، وعلي بن أحمد بن مقاتل، وأبو يعلى حمزة بن
الحبوبي، وآخرون.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: كان فقيهاً فرضياً من أصحاب القاضي
أبي الطيب. مات بدمشق في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع
مئة.
حكى البهجة بن أبي عقيل عن ابن أبي العلاء أنه كان بيده دفتر حساب
يحاسب رجلاً، ثم نظر إلى فوق، وقال: ما هذا الوجه؟ هذه صورة شخص قد
تمثل لي، ثم رمى الدفتر، وأغمي عليه، ومات.
قلت: سمعنا من طريقه عدة أجزاء، كحديث ابن أبي ثابت، وجزء علي بن حرب،
ومن فضائل الصحابة لخيثمة. وفيها توفي مسند نيسابور أبو بكر بن خلف
الشيرازي صاحب الحاكم، ونائب حلب قسيم الدولة اقسنقر جد نور الدين،
والأديب النحوي أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي، والحافظ أبو علي الحسن
بن عبد الملك النسفي، وعبد الله بن عبد العزيز أبو عبيد البكري صاحب
معجم البلاد، والمقتدي بالله العباسي، وشيخ القراء عبد السيد بن عتاب،
والفضل بن أحمد والد الفراوي، وأبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد ابن
طلحة الإسفراييني الشاعر، وأبو عامر محمود بن القاسم الأزدي، والمستنصر
بالله معد العبيدي.
شيخ
الحنفية، وفقيه ما وراء النهر، ونعمان الوقت، أبو بكر خواهر زاذه،
واسمه محمد بن حسين بن محمد القديدي، البخاري، ابن أخت القاضي أبي ثابت
محمد بن أحمد البخاري، ولذلك لقب بخواهر زاذه، معناه: ابن أخت عالم.
سمع أباه، ومنصوراً الكاغدي، وأبا نصر أحمد بن علي الحازمي، والحاكم
أبا عمر محمد بن عبد العزيز القنطري، وأملى عدة مجالس، وخرج له أصحابٌ
وأئمة.
حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وعمر بن محمد بن لقمان النسفي،
وطائفة. وطريقته أبسط الطريق، وكان يحفظها، وكان من بحور العلم. ذكره
السمعاني في الأنساب.
توفي ببخارى في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة، وقد شاخ.
وفيها مات عاصم العاصمي، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، وأبو بكر أحمد بن
ثابت الخجندي المتكلم، وأبو الغنائم محمد بن علي الدقاق، وأبو نصر محمد
بن سهل السراج، والوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير، وعبد العزيز
بن محمد الترياقي.
مسند
جرجان في زمانه أبو القاسم إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم الجرجاني. ولد
سنة تسعين وثلاث مئة.
وسمع من: أبي نصر محمد بن الإسماعيلي، وأبي الفضل محمد بن جعفر
الخزاعي، وأبي سعد الماليني، وغالب بن علي الرازي، وحمزة السهمي، وخلق.
يروي عنه: سعد بن علي الغضائري، وطائفة.
توفي بجرجان سنة نيف وثمانين وأربع مئة، رحمه الله.
الشيخ
الإمام الحافظ المفيد المصنف الثقة، أبو الفتح بن أحمد ابن عبد الله بن
سمكويه، الأصبهاني، نزيل هراة، كان من فرسان الحديث، والمكثرين منه.
سمع ببغداد من أبي محمد الخلال وطبقته، وبنيسابور من أبي حفص ابن
مسرور، وبأصبهان من إبراهيم سبط بحرويه، وعدة. وبسمرقند من مسندها عمر
بن شاهين، وبشيراز من أبي بكر بن أبي علي الحافظ.
مولده في سنة تسع وأربع مئة، وإنما طلب الحديث على كبر، وكان عابداً
صالحاً خيراً، يتبرك بدعائه.
حدث عنه إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو عبد الله الدقاق، وغيرهما.
قال الدقاق في رسالته: كان لابن سمكويه الكثرة الوافرة في كتب الحديث.
قال: ووهمه أكثر من فهمه، صحب عبد العزيز النخشبي إلى نيسابور، وأقام
بهراة سنين يورق، صادفته بها، وبيني وبينه ما كان من الحقد والحسد.
قلت: بئست الخصلتان أعاذنا الله منهما.
مات بنيسابور في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
ابن
علي، الإمام الحافظ المحدث، أبو القاسم الشيرازي، رحالٌ جوال، كتب
بخراسان، والحرمين، والعراق، واليمن، ومصر، والشام، والجزيرة، وفارس،
والجبال.
حدث عنه: أبي بكر محمد بن الحسن بن الليث الشيرازي، وأحمد ابن طوق
الموصلي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأبي جعفر بن المسلمة، وأقرانهم،
وعمل تاريخاً لشيراز.
قال السمعاني: كان ثقة خيراً، كثير العبادة، مشتغلاً بنفسه، خرَّج
وأفاد، وانتفع الطلبة بصحبته وبقراءته، وكان قدومه بغداد في سنة سبع
وخمسين. روى لنا عنه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب بمرو، وعمر
بن أحمد الصفار، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو نصر محمد بن محمد
الفاشاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو بكر اللفتواني. سكن في آخر
أمره مرو.
وقال ابن عساكر: حدث عنه الفقيه نصر المقدسي، وهبة الله بن طاووس، وأبو
نصر اليونارتي. ثم قال: حدثنا ابن طاووس، حدثنا هبة الله بن عبد
الوارث، حدثنا أبو زرعة أحمد بن يحيى الخطيب بشيراز، أخبرنا المقرئ
الحسن بن سعيد المطوعي، حدثنا أبو مسلم الكجي، فذكر حديثاً.
وقال عبد الغافر: هبة الله شيخ عفيف صوفي فاضل، طاف البلاد، وخطه
مشهور، وكان كثير الفوائد. قال أبو نصر الفاشاني: كنت إذا أتيت هبة
الله بالرباط، أخرجني إلى الصحراء، وقال: اقرأ هنا، فالصوفية يتبرمون
بمن يشتغل بالعلم والحديث، يقولون: يشوشون علينا أوقاتنا.
مات هبة الله سنة ست وثمانين وأربع مئة. وقيل: سنة خمس في رمضان، فقيل:
قام ليلة وفاته سبعين مجلساً، كل مرة يستنجي بالماء.
العلامة، قاضي القضاة، عالم الحنفية، أبو بكر محمد بن عبد الله ابن
الحسين الناصحي النيسابوري. سمع القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد
الصيرفي، وطائفة، وحدث ببغداد وخراسان.
روى عنه: محمد بن عبد الواحد الدقاق، وعبد الوهاب بن الأنماطي، وأبو
بكر بن الزاغوني، وآخرون.
قال عبد الغافر في تاريخه: هو قاضي القضاة أبو بكر ابن إمام الإسلام
أبي محمد الناصحي، أفضل أهل عصره في الحنفية، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم
في المناظرة، مع حظ وافر من الأدب والشعر والطب، درَّس بمدرسة السلطان
في حياة أبيه، وولي قضاء نيسابور في دولة ألب رسلان، فبقي عشر سنين،
ونال من الحشمة والدرجة، وكان فقيه النفس، تكلم في مسائل مع إمام
الحرمين، فكان يثني الإمام عليه، ثم شكا قلة تصاونه في قبض يده، ووكلاء
مجلسه وأصحابه عن الأموال، وأشرف بعض الحقوق على الضياع من فتح أبواب
الرشا، فولي قضاء الري، ثم مات منصرفه من الحج في رجب سنة أربع وثمانين
وأربع مئة يقرب أصبهان.
ابن
الحسن بن أحمد بن محمد بن مهران، الشيخ العالم الثقة، أبو الفضل
الأصبهاني الحداد، أخو أبي علي الحداد.
ولد بعد عام أربع مئة.
وسمع من: علي بن ميلة، وعلي بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي الذكواني،
وعلي بن أحمد الخرجاني، وأبي سعيد بن حسنويه، وعدة.
وحدث ببغداد بكتاب الحلية لأبي نعيم عنه لما حج.
قال السمعاني: كان إماماً فاضلاً، صحيح السماع، محققاً في الأخذ، حدثنا
عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وأبو
الفتح بن البطي، وغير واحد.
ورد نعيه من أصبهان إلى بغداد في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين. وأرخ موته
بعض الأصبهانيين في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وأربع مئة.
قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن حمد الحداد، فقال: كتبنا عنه، قل
من رأيت مثله في الثقة، كان يقابل، ولا يثق بغيره.
وقال أبو علي الصدفي: كان فاضلاً جليلاً عند أهل بلده، وكانت له مهابة.
وقال ابن النجار: قرأت بخط أبي عامر محمد بن سعدون: حج حمد الحداد، ثم
انصرف، فنزل بالحريم، وحدث بكتاب الحلية وغير ذلك، سمعت منه، وكان ذا
وقارٍ وسكينة، يقظاً فطناً، ثقةً، حسن الخلق، رحمه الله.
ابن
محمد بن سليمان الحافظ العالم المحدث المفيد، أبو مسعود الأصبهاني
الملنجي.
ولد في رمضان سنة سبع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وأبا بكر بن مردويه، وابن
جولة الأبهري، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا سعيد محمد بن علي
النقاش، وأبا نعيم، وعدة، وببغداد أبا علي بن شاذان، وأبا بكر
البرقاني، وأبا القاسم بن بشران، وابن طلحة المنقي، وأبا القاسم
الحرفي، ونظرائهم، وكتب الكثير، وجمع وصنف. سمع منه أبو نعيم شيخه.
وحدث عنه: أبو بكر الخطيب، وهو أكبر منه، وإسماعيل بن محمد التيمي،
وأحمد بن عمر الغازي، وهبة الله بن طاووس المقرئ، وأبو سعد البغدادي،
ومحمد بن طاهر الطوسي، وشرف بن عبد المطلب الحسيني، ومحمد بن عبد
الواحد المغازلي، ورجاء بن حامد المعداني، وأبو جعفر محمد بن حسين
الأصبهاني، ومسعود بن الحسن الثقفي، وآخرون.
قال السمعاني: كانت له معرفة بالحديث، جمع الأبواب، وصنف التصانيف،
وخرَّج على الصحيحين، سألت أبا سعد البغدادي عنه، فقال: لا بأس به،
ووصفه بالرحلة والجمع، والكثرة، كان يملي علينا، فقال سائل يطلب، فقال
سليمان: من شؤم السائل أن يسأل أصحاب المحابر. وسألت إسماعيل الحافظ
عنه، فقال: حافظٌ، وأبوه حافظ.
قال أبو عبد الله الدقاق في رسالته: سليمان الحافظ له الرحلة والكثرة،
ووالده إبراهيم يعرف بالفهم والحفظ، وهما من أصحاب أبي نعيم، تُكلم في
إتقان سليمان، والحفظ هو الإتقان، لا الكثرة.
وقال أبو سعيد البغدادي: شنع عليه أصحاب الحديث في جزء ما كان له به
سماع، وسكت أنا عنه. قلت: الرجل في نفسه صدوق، وقد يهم، أو يترخص في
الرواية بحكم الثبت.
وقال يحيى بن منده: في سماعه كلام، سمعت من ثقات أن له أخاً يسمى
إسماعيل أكبر منه، فحك اسمه، وأثبت اسم نفسه، وهو شيخ شره لا يتورع،
لحان وقاح.
قلت: توفي في ذي القعدة سنة ست وثمانين، وله تسعون عاماً غير أشهر.
أنبأنا المسلم بن علان، أخبرنا الكندي، أخبرنا القزاز، أخبرنا أبو بكر
الخطيب، أخبرنا سليمان بن إبراهيم أبو مسعود، حدثنا محمد بن إبراهيم،
حدثنا محمد بن الحسين القطان، حدثنا إبراهيم بن الحارث، حدثنا يحيى بن
أبي بكير، حدثنا زهير، حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن الحارث ختن رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه
وسلم عند موته ديناراً، ولا درهماً، ولا أمةً، ولا شيئاً، إلا بغلته
البيضاء، وسلاحه، وأرضاً جعلها صدقة.
وأخبرناه عالياً محمد بن حسن الفقيه، أخبرتنا كريمة القرشية، عن محمد
بن الحسن الصيدلاني، أخبرنا سليمان بهذا. وقد عاش الصيدلاني بعد الخطيب
مئة سنة وخمس سنين. أخرجه البخاري عن إبراهيم، فوافقناه.
وينبغي التوقف في كلام يحيى، فبين آل منده وأصحاب أبي نعيم عداوات
وإحن. ومات معه حمد الحداد، وابن زكري الدقاق، والشيخ أبو الفرج
الشيرازي، وعبد الواحد بن فهد العلاف، وشيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري،
وأبو الحسن بن الأخضر، وأبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري، ونصر بن
الحسن التنكتي الشاشي، وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، ويعقوب
البرزبيني الحنبلي.
العلامة أبو الأصبغ عيسى بن عبد الله الأسدي الجياني المالكي. تفقه
بمحمد بن عتاب، ولازمه، وسمع من حاتم الأطرابلسي، ويحيى بن زكريا
القليعي، والقاضي ابن أسد الطليطلي، وابن ارفع رأسه، وصنف في الأحكام
كتاباً حسناً، ورأس بسبتة، نوه به صاحبها البرغواطي. وأخذ عنه القاضي
أبو محمد بن منصور، والقاضي إبراهيم بن أحمد النصري، وأبو محمد بن
الجوزي، وآخرون وولي قضاء غرناطة.
قال ابن بشكوال: يروي عن مكي القيسي، وأبي بكر بن الغراب، وابن الشماخ،
وتوفي مصروفاً عن قضاء غرناطة في المحرم سنة ست وثمانين وأربع مئة، وله
ثلاث وسبعين سنة.