الحصري

الحصري

الأديب العلامة أبو الحسن علي بن عبد الغني، الفهري، القيرواني الحصري، المقرئ، الضرير، من كبار الشعراء، وله تصانيف في القراءات.
وقد مدح الملوك، وأخذ جوائزهم، وله في ابن عباد قصائد، ونظمه عذب جزل. اتفق موته بطنجة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. وكان المعتمد بن عباد بعث إليه خمس مئة دينار ليفد عليه، فكتب:

أمرتني بركوب البحـر أقـطـعـه

 

غيري لك الخير فاخصصه بذا الرائي

ما أنت نوحٌ فتنجينـي سـفـينـتـه

 

ولا المسيح أنا أمشي علـى الـمـاء

ظهير الدين

الوزير العادل، ظهير الدين، أبو شجاع محمد بن الحسين بن محمد الروذراوري. مولده بقلعة كنكور، من أعمال همذان، سنة سبع وثلاثين وأربع مئة.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: تغير القائم على وزيره أبي نصر ابن جهير، فصرفه بأبي يعلى الحسين بن محمد، فخدم ولده أبو شجاع صهر ابن رضوان القائم بثلاثين ألف دينار. فعزل ابن جهير سنة ستين، ومات حينئذ أبي يعلى، فعوض أبو شجاع عن المال بدار البساسيري، فباع منها بأضعاف ذلك المال، وتكسب، وتعانى العقار، ثم خدم ولي العهد المقتدي، وصار صاحب سره، فلما استخلف، عظم أبو شجاع، فسمع نظام الملك، فكاتب المقتدي في إبعاده، فكتب المقتدي إلى النظام بخطه يعرفه منزلة أبي شجاع لديه، ويصف دينه وفضله، ثم أمر أبا شجاع بالمضي إلى أصبهان، وبعث في خدمته خادمه مختصاً، فخضع النظام، وعاد لأبي شجاع بالود في سنة خمس وسبعين، ثم عزل المقتدي ابن جهير في سنة ست، واستوزر أبا شجاع، وأقبلت سعادته، وتمكن من المقتدي تمكناً عجيباً، وعزت الخلافة، وأمن الناس، وعمرت العراق، وكثرت المكاسب.
وكان كثير التلاوة والتهجد، ويكتب مصاحف، ويجلس للمظالم، فيغتص الديوان بالسادة والكبراء، وينادي الحجاب: أين أصحاب الحوائج؟ فينصف المظلوم، ويؤدي عن المحبوس، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير. وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوجت بالمقتدي، فاستعفى من لبس الحرير، فنفذت له عمامة ودبيقية بمئتين وسبعين ديناراً، فلبسها.
وقيل: إنه أمر ليلة بعمل قطائف، فلما أحضرت، تذكر نفوس مساكين تشتهيها، فأمر بحملها إلى فقراء وأضراء.
وقيل: أحصي ما أنفقه على يد كاتب له، فبلغ أزيد من مئة ألف دينار.
قال الكاتب: وكنت واحداً من عشرة يتولون صدقاته.
وكان كاملاً في فنون، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان، وكتابته طبقة عالية على طريقة ابن مقلة. ولقد بالغ ابن النجار في استيفاء ترجمته. وزر سبع سنين وسبعة أشهر، ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة لموجدةٍ، فأنشد أبو شجاع:

تولاها وليس لـه عـدو

 

وفارقها وليس له صديق

ثم خرج إلى الجمعة، فضجت العامة يدعون له، ويصافحونه، فألزم لذلك بأن لا يخرج من داره، فاتخذ في دهليزه مسجداً، ثم حج لعامه، ورجع، فمنع من دخول بغداد، وبُعث إلى روذراور، فبقي فيها سنتين، ثم حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة، ونزل المدينة وتزهد، فمات خادمٌ، فأعطى الخدام ذهباً، حتى جعل موضع الخادم، فكان يكنس ويوقد، ولبس الخام، وحفظ القرآن هناك، وطلب منه أبو علي العجلي أن يقرأ عليه ديوانه، فامتنع، وأنشده بعضه.
قال أبو الحسن الهمذاني: دفن بالبقيع في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة عن إحدى وخمسين سنة، رحمه الله تعالى.
وخلف من الولد الصاحب نظام الدين، فتوفي بأصبهان سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، وهو والد الوزير المعظم ظهير الدين محمد بن أبي منصور حسين بن الوزير أبي شجاع.
وزر للمستظهر في حياة أبيه، وكان أبوه قد لحق بالسلطان محمد بن ملكشاه، فتشفع السلطان في الولد إلى المستظهر حتى استوزره، فوزر، وسنه يومئذ سبع عشرة وستة أشهر، وناب عنه علي بن طراد الزينبي، ثم استخلف المسترشد، فعزله، ولم يستخدم بعدها، ولزم داره نحواً من خمسين سنة مرفهاً مكرماً، وكان كثير الصدقة.
مات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مئة.

الهمذاني

العلامة أبو الفضل عبد الملك بن إبراهيم الهمذاني _ ويعرف بالمقدسي _ الفرضي، المقرئ، الشافعي، نزيل بغداد، والد المؤرخ محمد بن عبد الملك، رأسٌ في الفرائض، فقيهٌ صالح، متأله، أريد على قضاء القضاة، فامتنع.
ولد سنة نيف عشرة وأربع مئة. وسمع في سنة ثلاث وثلاثين بتستر. روى عن: عبد الله بن عبدان الفقيه، وأبي علي الشاموخي، وعدة.
وقال أحمد بن الآبنوسي: منسوب إلى الاعتزال.
وفي فنون ابن عقيل: كان عالماً في أصول الفقه والعربية والفرائض، وأكثر علمه الفقه، قال: وكان على طريقة السلف زاهداً ورعاً.
وقال شجاع الذهلي: معتزلي علقت عنه.
وقال ابنه: كان يحفظ غريب الحديث لأبي عبيد، والمجمل لابن فارس. لم نعرف أنه اغتاب أحداً.
توفي في رمضان سنة تسع وثمانين وأربع مئة.

أبو عامر الأزدي

الشيخ الإمام المسند القاضي أبو عامر، محمود بن القاسم ابن القاضي الكبير أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن حسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، الأزدي، المهلبي، الهروي، الشافعي، من كبار أئمة المذهب. حدث بجامع الترمذي عن عبد الجبار الجراحي.
قال أبو النضر الفامي: شيخ عديم النظير زهداً وصلاحاً وعفة، لم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهائه. وكانت إليه الرحلة من الأقطار، والقصد لأسانيده. ولد سنة أربع مئة.
وقال أبو جعفر بن أبي علي الهمذاني: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب الشافعي بهراة، كان نظام الملك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة، لكان لنا ولهم شأن _ يهددهم _. وكان يعتقد فيه اعتقاداً عظيماً، لكونه لم يقبل منه شيئاً قط.
ولما سمعت منه الجامع، هنأني شيخ الإسلام أبو إسماعيل، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. وكان شيخ الإسلام قد سمعه قديماً نازلاً، ثم سمعه من الجراحي.
قلت: روى عنه المؤتمن الساجي، وابن طاهر، وأبو نصر اليونارتي، وصاعد بن سيار، وزاهر بن طاهر، وأبو جعفر محمد بن أبي علي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي المجاور، وأبو الفتح بصر بن سيار الباقي إلى سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة. قال السمعاني: هو جليل القدر، كبير المحل، عالم فاضل. سمع من جده أبي منصور الأزدي، وعبد الجبار الجراحي، وأبي عمر محمد بن الحسين البسطامي، وأبي معاذ أحمد بن محمد الصيرفي، والحافظ أحمد بن محمد الجارودي، وأبي معاذ بن عبس الزاغاني، وبكر ابن محمد المروروذي، وجماعة.
وقال أبو جعفر بن أبي علي: كان شيخ الإسلام يزور أبا عامر ويعوده إذا مرض، ويتبرك بدعائه.
قال الفامي: مات أبو عامر الأزدي في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وأربع مئة.

السمسار

الشيخ المعمر، أبو نصر عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن يوسف، الأصبهاني السمسار. حدث عن: أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعلي بن ميلة الفرضي، وأبي بكر بن أبي علي.
وعنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي. سئل عنه إسماعيل الحافظ، فقال: شيخ لا بأس به.
وقال السلفي: توفي في المحرم سنة تسعين وأربع مئة. قلت: نيف على التسعين، وهو آخر من حدث عن الجرجاني موتاً.

البكري

العلامة المتفنن أبو عبيد، عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري، نزيل قرطبة. حدث عن: أبي مروان بن حيان، وأبي بكر المصحفي، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وكان رأساً في اللغة وأيام الناس.
صنف في أعلام النبوة، وعمل شرحاً لأمالي القالي، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب معجم ما استعجم من البلدان والأماكن، وكتاب النبات. وكان من أوعية الفضائل. حدث عنه: محمد بن معمر المالقي، ومحمد بن عبد العزيز بن اللخمي، وطائفة.
توفي سنة سبع وثمانين وأربع مئة.

البكري القصاص

أما البكري القصاص الكذاب، فهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكري، طرقي مفترٍ، لا يستحيي من كثرة الكذب الذي شحن به مجاميعه وتواليفه، هو أكذب من مسيلمة، أظنه كان في هذا العصر.

نجيب بن ميمون

ابن سهل بن علي، الشافعي الجليل، مسند هراة، أبو سهل الواسطي، ثم الهروي. سكن والده هراة، وسمع ولده من أبي علي منصور بن عبد الله الذهلي، ورافع بن عصم الضبي، وحاتم بن محمد الهروي، وأحمد بن علي الشارعي، ومحمد بن منصور الحوتكي، والقاضي محمد بن محمد الأزدي، وعدة.
مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاث مئة.
حدث عنه: ابن طاهر، ووجيه الشحامي، وأبو النضر الفامي، وعبيد الله بن حمزة الموسوي، وأخوه علي بن حمزة، والمطهر بن يعلى، ومحمد بن المفضل الدهان، والجنيد بن محمد القايني، وأبو الفتح نصر بن سيار، وعلي بن سهل الشاشي، وأمة الله بنت محمد العارف، وآخرون.
قال أبو عبد الله الدقاق: ليس بقي من الدنيا من يروي عن أبي علي منصور سوى نجيب. مات نجيب في العشرين من رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وله ست وتسعين سنة وشهر، وروى شيئاً كثيراً.

طراد بن محمد

ابن علي بن حسن بن محمد، الشيخ الإمام الأنبل، مسند العراق، نقيب النقباء، الكامل، أبو الفوارس بن أبي الحسن القرشي، الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي.
ولد سنة ثمان وتسعين، وسمع أبا نصر بن حسنون النرسي، وأبا الحسن بن رزقويه، وهلالاً الحفار، وأبا الحسين بن بشران، والحسين بن برهان، وأبا الفرج بن المسلمة، وأبا الحسن بن الحمامي، وطائفة. وأملى مجالس عدة، وخرج له العوالي المشهورة، وفضائل الصحابة.
حدث عنه ولداه: علي الوزير، ومحمد، وابن ناصر، وعمر بن عبد الله الحربي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة، وكمال بنت أبي محمد بن السمرقندي، وعمها إسماعيل، وهبة الله بن طاووس، وتجني الوهبانية، وأبو الكرام الشهرزوري، وعبد الله بن علي الطامذي الأصبهاني، وخلق، آخرهم موتاً خطيب الموصل أبو الفضل الطوسي.
قال السمعاني: ساد الدهر رتبة، وعلواً، وفضلاً، ورأياً، وشهامةً، ولي نقابة البصرة، ثم بغداد، ومتع بسمعه وبصره وقوته، وترسل عن الديوان، فحدث بأصبهان، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم، لم ير ببغداد مثل مجالسه بعد القطيعي. وقد أملى بمكة سنة تسع وثمانين وبالمدينة، وألحق الصغار بالكبار.
قال أبو علي بن سكرة: كان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة.
وقال السلفي: كان حنفياً من جلة الناس، وكبرائهم، ثقةً، ثبتاً، لم ألحقه.
قلت: مات في سلخ شوال، سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، ودفن بداره حولاً، ثم نقل. وقد مر أخوه مسند بغداد أبو نصر الزينبي، وسيأتي أخواهما نور الهدى الحسين، وأبو طالب حمزة سنة بضع وخمس مئة، وأخوهم الخامس _ هو الأكبر _ أبو تمام محمد بن محمد الزينبي، ومولاه أبو علي محمد بن وشاح الزينبي من كبار الرواة، وأخوهم السادس أبو منصور محمد بن محمد بن علي، يروي عن عيسى بن الوزير. كتب عن الخطيب، وقال: توفي سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.

أبوهم محمد بن أبي تمام

النقيب السيد أبو الحسن محمد بن أبي تمام علي بن أبي القاسم الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن العباس الهاشمي.
ولي نقابة بني هاشم بعد موت أبيه أبي تمام، في سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، وسمع من أبي بكر بن شاذان.
حدث عنه: أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي في مشيخته. وكان يلقب بنظام الحضرتين. عاش إحدى وستين سنة، وتوفي في ذي القعدة سنة سبع وعشرين وأربع مئة، ورثاه الشريف المرتضى.

ابن أبي حرب

الشيخ الثقة العابد، أبو القاسم الفضل بن أبي حرب أحمد بن محمد ابن عيسى الجرجاني، ثم النيسابوري التاجر. ولد سنة خمس وأربع مئة. وسمعه أبوه الكثير.
فحدث عن حمزة المهلبي، وابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، ويحيى المزكي، وعبد الرحمن بن محمد السراج، وعلي بن محمد بن السقاء، وأبي بكر الحيري، وعدة.
وعنه أحمد بن سعد العجلي، وإسماعيل بن السمرقندي، وأبو عثمان العصائدي، وعبد الله بن الفراوي، وعمر بن أحمد الصفار، وصدقة ابن محمد السياف، وأحمد بن قفرجل، ونصر بن نصر العكبري، وآخرون.
قال أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحداد: سمعت بعض جيران الفضل بن أبي حرب يقول: ما ترك أحداً في جواره منذ ثلاثين سنة أن ينام من قراءته وبكائه.
وقال محمد بن أبي علي الهمذاني الحافظ في مشيخته: ومنهم الشيخ الجليل العالم أبو القاسم الجرجاني التاجر الصدوق، صاحب سماع كثير، ومسانيد جياد، وكان أجود الناس كفاً في مواساة الفقراء، وكان والده يضرب به المثل، ويقال: أبو حرب، حاتم وقته في السخاء.
توفي أبو القاسم في ثالث عشر رمضان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
حدث بخراسان، والعراق، ومكة. وكتب عنه الحفاظ رحمه الله.

العباداني

الشيخ الجليل المعمر مسند البصرة أبو طاهر جعفر بن محمد بن الفضل القرشي، العباداني، ثم البصري. سمع من القاضي أبي عمر الهاشمي أجزاء من مسند علي بن إسحاق المادرائي، وشيئاً من إملاء أبو عمر الهاشمي.
حدث عنه: أبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، وعلي بن عبد الملك الواعظ، وطلحة بن علي المالكي، ومحمد بن طاهر المقدسي، وعبد الله بن علي الطامذي، وعبد الله بن عمر بن سليخ البصري، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعدة، والسلفي بالإجازة.
فأما قول المحدث أبو نصر اليونارتي: إن العباداني راوي سنن أبي داود عن الهاشمي، فقول مردود، فإن الطلبة ازدحموا على أبي علي التستري، فارتحل إليه ابن طاهر، ومؤتمن الساجي، ومحمد بن مرزوق الزعفراني، وعدة. وقد مات سنة تسع وسبعين، فلو كان العباداني سمع السنن، وبقي بعد التستري بضع عشرة، لكانت إليه الرحلة في الكتاب أضعاف ذلك. ثم ما علمنا أحداً روى السنن عن العباداني، ولا ادّعى سماعها منه، فهذا شيء تفرد بذكره اليونارتي، وأظنه وهم.
قال أبو علي بن سكرة: أبو طاهر العباداني رجل صالح أميّ.
وقال السلفي في معجم أصبهان له: سمعت يحيى بن محمد النجراني يقول: توفي العباداني في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة، ونودي له في البصرة: من أراد الصلاة على ابن العباداني الزاهد، فليحضر. فلعله لم يتخلف من أهل البلد إلا القليل، ثم قال السلفي: كان يروي عن الهاشمي، وأبي الحسن النجاد. قال: ومن مروياته: كتاب السنن لأبي داود، يرويه عن أبي عمر الهاشمي.
قلت: مشى السلفي وراء قول اليونارتي. أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أخبرنا ابن رواح، أخبرنا السلفي قال: كتب إلينا جعفر بن محمد من البصرة، وحدثني عنه شجاع الكناني، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا علي ابن حرب، حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن شقيق قال: كان ابن مسعود يقول: إني لأخبر بمكانكم، فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أملكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة كراهية السآمة علينا.
ومات معه في سنة ثلاث خلقٌ. منهم: الفقيه أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي الوليد الباجي الأصولي.
والفقيه أبو بكر أحمد بن عمر البيع الهمذاني. وأبو عبد الله بن طلحة النعالي مسند العراق. ولغوي الوقت سلمان بن عبد الله بن الفتي النهرواني. وعبد الله بن جابر بن ياسين الحنبلي.
وأبو سعد عبد الجليل بن محمد الساوي السفار. والمقرئ عبد القاهر بن عبد السلام العباسي صاحب الكارزيني. وأبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل الكفرطابي البزاز.
والوزير ابن الوزير عميد الدولة أبو منصور محمد بن فخر الدولة ابن جهير، وشيخ الطب مؤلف المنهاج أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي. وفقيه ما وراء النهر أبو اليسر محمد بن محمد بن حسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن مجاهد البزدوي النسفي، ويلقب بالقاضي الصدر عن نيف وسبعين سنة.

هبة الله بن عبد الرزاق

ابن محمد بن عبد الله بن الليث، الشيخ الجليل المعمر، أَبو الحسن الأنصاري الأوسي الأشهلي، ثم السعدي البغدادي، من ذرية سعد بن معاذ الذي اهتز العرش لموته.
سمع جزء الحفار من صاحبه هلال بن محمد بن جعفر، وسمع من أبي الحسين بن بشران، وأبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي. وكان آخر أصحاب التميمي.
حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البركات بن الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وعبد الرحمن بن أحمد الطوسي، ثم الموصلي، ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وآخرون، وأجاز للحافظ السلفي، وما تنبه له أن عنده جزء الحفار.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخي يقول: إن الشريف هبة الله الأنصاري كان يأخذ على جزء الحفار ديناراً صحيحاً.
قلت: ولد سنة اثنتين وأربع مئة، ومات في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وكان من ذوي الهيآت، ومن قراء المواكب، صحيح السماع.
وفيها مات: طراد الزينبي، وأبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أشته، وأبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازي بن الخطاب، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن بشرويه، والحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، وسهل بن بشر الإسفراييني، وعبد الرزاق بن حسان بن سعيد المنيعي، وعبد الواحد بن علوان الشيباني، وأبو سعد محمد بن الحسين الحرمي بهراة، ومكي بن منصور السلار الكرجي.

ابن البطر

الشيخ المقرئ الفاضل، مسند العراق، أبو الخطاب نصر بن أحمد ابن عبد الله بن البطر البغدادي البزاز القارئ.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة، وسمعه أخوه من أبي محمد عبد الله ابن عبيد الله بن البيع، وعمر بن أحمد العكبري، وأبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن بن رزقويه، وأبي بكر المنقي، ومكي الحريري، وتفرد في زمانه، وارتحل المحدثون إليه.
حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو بكر الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب بن الأنماطي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو بكر بن العربي، ومحمود الزمخشري المعتزلي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وابن البطي، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، ومحمد ابن محمد بن السكن، وخزيفة ابن الهاطرا، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وأحمد بن المقرب، وعبد الله بن علي الطامذي، والمبارك بن محمد البادرائي، وأبو طاهر السلفي، وشهدة، وخطيب الموصل، وخلق.
قال ابن سكرة: شيخ مستور ثقة.
وأخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا أبو طاهر السلفي: سألت شجاعاً الذهلي عن ابن البطر، فقال: كان قريب الحال، ليناً في الرواية، فراجعته في ذلك، وقلت: ما عرفنا مما ذكرت شيئاً، وما قرئ عليه شيء يشك فيه، وسماعاته كالشمس وضوحاً، فقال: هو لعمري كما ذكرت، غير أني وجدت في بعض ما كان له به نسخة، سماعاً يشهد القلب ببطلانه، ولم يحمل عنه من ذلك شيء. قال أبو المظفر في مرآة الزمان: كان ابن البطر على دواليب البقر، مشرفاً على علوفاتهم، فكتب إلى الخليفة المستظهر بالله: العبد ابن البقر المشرف على البطر، فضحك الخليفة من تغليفه.
قال السلفي: دخلت بغداد في الرابع والعشرين من شوال، فبادرت إلى ابن البطر، فدخلت عليه، وكان عسراً، فقلت: قد وصلت من أصبهان لأجلك، فقال: اقرأ، ونطق بالراء غيناً، فقرأت متكئاً من دماميل بي، فقال: أبصر ذا الكلب! فاعتذرت بالدماميل، وبكيت من كلامه، وقرأت سبعةً وعشرين حديثاً، وقمت، ثم ترددت إليه، فقرأت عليه خمسةً وعشرين جزءاً، ولم يكن بذاك.
قال السمعاني: كان ابن البطر يسكن باب الغربة عند المشرعة مما يلي البدرية، وعمّر حتى صارت إليه الرحلة من الأطراف، وتكاثر عليه الطلبة، وكان صالحاً صدوقاً، صحيح السماع. هو آخر من حدث عن ابن البيع، وابن رزقويه، وابن بشران.
مات في سادس عشر شهر ربيع الأول، سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وله ست وتسعون سنة.
أخبرنا بجزء فيه حديث الإفك للآجري الطواشي بلال المغيثي، قال: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا ابن البطر.
وقد روى هذا الجزء أبو الفتح بن شاتيل عن ابن البطر، وذلك وهم من بعض الطلبة، لم يدرك ابن شاتيل ذلك، والله أعلم.

البزدوي

ويلقب بالقاضي الصدر، هو العلامة شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير، أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين بن المحدث عبد الكريم بن موسى بن مجاهد النسفي. وبزدة: قلعة حصينة.
قال عمر بن محمد في القند: كان أبو اليسر إمام الأئمة على الإطلاق، والموفود إليه من الآفاق، ملأ الكون بتصانيفه في الأصول والفروع، وولي قضاء سمرقند، أملى الحديث مدة.
توفي ببخارى في تاسع رجب سنة ثلاث وتسعين. وقال ابن السمعاني: مولده سنة إحدى وعشرين.
وحدثنا عنه عثمان بن علي البيكندي، وأحمد بن نصر البخاري، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو رجاء محمد بن محمد، وآخرون. قلت: ما سمى شيوخه.

ابن شغبة

الإمام المحدث، العالم الثقة، القدوة العابد، شيخ البصرة، أبو القاسم عبد الملك بن علي بن خلف بن محمد بن النضر بن شغبة الأنصاري البصري، وجده فرد مستفاد مع شعبة.
حدث عن: القاضي أبي عمر الهاشمي، والحسن بن بشار السابوري، ويوسف بن غسان، وطائفة.
حدث عنه: أبو علي بن سكرة، وأبو نصر الغازي، وأبو نصر بن ماكولا، وجابر بن محمد، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وأبو غالب الماوردي، وآخرون. قال السمعاني: شيخ حافظ متقن ثقة مكثر، حضر ابن ماكولا مجلس إملائه. وقال ابن سكرة: أدركته وقد ترك كل شيء، وأقبل على العبادة، صادفته يدعو ويبكي بعد الصبح، فقرأت عليه شيئاً من الحديث. رزق الشهادة في آخر عمره، وكان عنده جملة من سنن أبي داود، عن أبي عمر الهاشمي.
قلت: قتل في سنة أربع وثمانين وأربع مئة، وهو في عشر التسعين. لم يقع لي شيء من عواليه.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا محمد بن إسماعيل الطرسوسي، وأنبأنا ابن أبي الخير، عن الطرسوسي، حدثنا يحيى بن عبد الوهاب الحافظ، سنة خمس وخمس مئة إملاءً، أخبرنا عبد الملك بن شغبة البصري بها، أخبرنا أحمد بن محمد بن أبي مسلم إملاءً، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن أبي زهير، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن عبد العزيز ابن عمر، عن صالح بن كيسان، عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات، إذا جاء رمضان، يقول: "اللهم سلمني لرمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلاً". غريب، ورواه أبو زرعة الرازي عن خلف بن الوليد، وتفرد به خلف.

أبو الفرج الحنبلي

الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري، الشيرازي الأصل، الحراني المولد، الدمشقي المقر، الفقيه الحنبلي الواعظ، وكان يعرف في العراق بالمقدسي، من كبار أئمة الإسلام.
سمع من: أبي الحسن بن السمسار، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني، وعبد الرزاق بن الفضل الكلاعي، وطائفةٍ بدمشق بعد الثلاثين وأربع مئة.
وارتحل إلى بغداد، فلازم القاضي أبا يعلى بن الفراء، وتفقه به، ودرس ووعظ، وبث مذهب أحمد بأعمال بيت المقدس، وصنف التصانيف.
 قال أبو الحسين بن الفراء في طبقات الحنابلة: صحب والدي من سنة نيف وأربعين وأربع مئة، وتردد إليه سنين عديدة، ونسخ واستنسخ مصنفاته، وسافر إلى الرحبة والشام، وحصل له الأتباع والغلمان. قال: وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجة في مجلس السلاطين بالشام.
قال: ويقال: إنه اجتمع بالخضر عليه السلام مرتين، وكان يتكلم في عدة أوقات على الخواطر، كما كان يتكلم ببغداد أبو الحسن بن القزويني الزاهد، وكان الملك تتش يعظمه، لأنه تم له مكاشفة معه. إلى أن قال: وكان ناصراً لاعتقادنا، متجرداً في نشره، وله تصانيف في الفقه والوعظ والأصول.
قلت: توفي في ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربع مئة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وقبره مشهور يزار، ويدعى عنده. وهو والد الإمام الرئيس شرف الإسلام عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي الدمشقي، واقف المدرسة الحنبلية التي وراء جامع دمشق بحذاء الرواحية، وكان صدراً معظماً يرسل عن صاحب دمشق إلى الخلافة، وتوفي سنة نيف وأربعين وخمس مئة.وشرف الإسلام هذا هو جد الإمام المفتي شيخ الحنابلة:

ناصح الدّين

عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي الواعظ، الذي مولده في سنة أربع وخمسين وخمس مئة. سمع ببغداد من عبد الحق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وجماعة، وبأصبهان من أبي العباس الترك، والحافظ أبي موسى، وطائفة.ووعظ بمصر، ودرس، وصنف، وكان مدرساً بمدرسة جده.
روى لنا عنه ابن مؤمن، والعز بن العماد، وابن حازم، وأبو عبد الله ابن الواسطي، وابن بطيخ، والشهاب بن مسرف، وآخر من حدث عنه المعمر أبو بكر بن عبد الدائم.
مات الناصح أبو الفرج بن أبي العلاء بن الحنبلي في ثالث المحرم، سنة أربع وثلاثين وست مئة، وله ثمانون سنة، وله أقارب وذرية علماء.

ملكشاه

السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغريبك السلجوقي التركي.
تملك بعد أبيه، ودبر دولته النظام الوزير بوصيةٍ من ألب أرسلان إليه، في سنة خمسٍ وستين، فخرج عليه عمه ملك كرمان قاروت، فالتقوا بقرب همذان، فانكسر جمعه، وأتي بعمه أسيراً، فوبخه، فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر خريطةً فيها كتبهم، فناولها لنظام الملك ليقرأها، فرماها في منقل نارٍ، ففرح الأمراء، وبذلوا الطاعة، وخنق عمه، ثم تملك من المدائن ما لم يملكه سلطان، فمن ذلك مدائن ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وباب الأبواب، وبلاد الروم، والجزيرة وكثيرٌ من الشام، فتملك من كاشغر إلى القدس طولاً، ومن أطراف قسطنطينية إلى بلاد الخزر، وبحر الهند عرضاً، وكان حسن السيرة، لهجاً بالصيد واللهو، مغرًى بالعمائر، وحفر الأنهار، وتشييد القناطر، والأسوار، وعمر ببغداد جامعاً كبيراً، وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده. هكذا نقل ابن خلكان.
قال: وصنع بطريق مكة مصانع، يقال: إنه ضبط ما اصطاده بيده، فبلغ عشرة آلاف وحشٍ، فتصدق بعشرة آلاف ديناراً، وقال: إني خائفٌ من إزهاق الأرواح لغير مأكلةٍ.
شيع مرة ركب العراق إلى العذيب، فصاد شيئاً كثيراً، فبنى هناك منارة القرون من حوافر الوحش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقّ ونزل وسجد، وعفر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: بلغوا سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي الله، لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة، فضج الناس وبكوا، ودعوا له.
وأمنت الطرق في دولته، وانحلت الأسعار، وتزوج الخليفة المقتدي بابنته بسفارة شيخ الشافعية أبي إسحاق، وكان عرسها في سنة ثمانين، وعملت دعوة لجيش السلطان ما سمع بمثلها أبداً، فمما دخل فيها أربعون ألف منًّا سكراً، فولدت له جعفراً. وقدم ملكشاه بغداد مرتين، وقدم إلى حلب، ولم يكن للمقتدي معه غير الاسم، ثم قدمها ثالثاً عليلاً، وكان المقتدي قد فوض العهد إلى ابنه المستظهر، فألزمه ملكشاه بعزله، فشق على المقتدي، وحار، ثم طلب المهلة عشرة أيام ليتجهز، فصام وطوى، وجلس على التراب، وتضرع إلى ربه، فقوي بالسلطان المرض، ومات في شوال سنة خمسٍ وثمانين عن تسعٍ وثلاثين سنة، فقيل: سمّ في خلالٍ تخلل به، وكان وزيره النظام قد قتل من أيام، ولم يشهد السلطان كبير أحد، ولا عمل له عزاء، ونقل تابوته إلى أصبهان، فدفن في مدرسةٍ عظيمة.
وقد تزوج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى، وتنازع في الملك أولاده من بعده زماناً، وكان آخرهم موتاً ابنه سنجر صاحب خراسان، عاش بعد أبيه أقل من سبعين سنة. وكان ملكشاه كثير الجيوش، خفيف الركاب. عبر في سنة 482 إلى ما وراء النهر، فسار إلى بخارى، وسمرقند، فتملكها، ثم سار في بلاد الترك إلى كاشغر، فأذعن صاحبها بطاعته، ونزل إلى خِدمته.
قال المؤيد في تاريخه: كان من أحسن الناس صورةً ومعنى، خطب له من حدود الصين إلى آخر الشام، ومن مملكة الروم إلى اليمن، وقصد حلب، فافتتحها، ودانت له الدنيا.

المعتمد بن عباد

صاحب الأندلس، المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن الملك المعتضد بالله أبي عمرو، عباد بن الظافر بالله أبي القاسم، قاضي إشبيلية، ثم ملكها، محمد بن إسماعيل بن قريش اللخمي.
قيل: هو من ذرية النعمان بن المنذر صاحب الحيرة.
حكم المعتمد على المدينتين قرطبة وإشبيلية، وأصلهم من الشام من بلد العريش، فدخل أبو الوليد إسماعيل بن قريش إلى الأندلس، ثم برع القاضي في الفقه،وولي القضاء، ثم تملك مدةً، وقام من بعده ابنه المعتضد، فساس المملكة بإشبيلية، وبايعوه بالملك في سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة. وكان شهماً، صارماً، داهية، ذبح جماعةً من أعوان أبيه، وصادرهم، وعلا شأنه، ودانت له الأمم.
غرز خشباً في قصره، وعممها برؤوس كبارٍ وملوكٍ، وكانوا يشبهونه بالمنصور العباسي، ورام ابنه إسماعيل اغتياله، فأخذه، وضرب عنقه، وعهد إلى ابنه المعتمد.
قيل: سمه طاغية الفرنج في ثوبٍ فاخر، أهداه له. ومن جبروته وعتوه أنه أخذ مالاً لأعمى، فهج وجاور بمكة، فبلغ المعتضد أنه يدعو عليه، فندب رجلاً أعطاه جملة دنانير مطليةً بسم، فسار إلى مكة، وأوصله الذهب، فقال: يظلمني بإشبيلية، ويصلني هنا؟! ثم وضع منها ديناراً في فمه كعادة الأضراء، فمات من الغد.
وهرب منه مؤذن إلى طليطلة، فبقي يدعو عليه في السحر، فنفذ من جاءه برأسه.
وقد سكر ليلةً، وخرج في الليل معه غلامٌ، وسار مخموراً، حتى وافى قرمونه، وصاحبها إسحاق البرزال، وبينهما حروب، وكان يشرب أيضاً في جماعة، فاستأذن المعتضد، ودخل، فزاد تعجبهم، فسلم وأكل، وأل من سكره، وسقط في يده، لكنه تجلد، ثم قال: أريد أن أنام، ففرشوا له، فتناوم، فقال بعضهم: هذا كبش سمين، والله لو أنفقتم ملك الأندلس عليه ما قدرتم، فقال معاذ بن أبي قرة: كلا، رجل قصدنا، ونزل بنا مستأمناً، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام، فقبلوا رأسه، وقال للحاجب: أين نحن؟ قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا دواة، فكتب لكل منهم بخلعةٍ ومالٍ وأفراسٍ وخدمٍ، وأخذ معه غلمانهم لقبض ذلك، وركب، فمشوا في خدمته. لكن أساء كل الإساءة؛ طلبهم بعد أشهرٍ لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم، وأنزلهم حماماً، وطينه عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك، لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده، وكان من كبار قواد المعتمد.
وحكى عبد الواحد بن علي في تاريخه أن المعتضد ادّعى أنه وقع إليه المؤيد بالله هشام بن الحكم المرواني، فخطب له مدة بالخلافة، وحمله على تدبير هذه الحيلة اضطراب أهل إشبيلية عليه؛ أنفوا من بقائهم بلا خليفة، وبلغه أنهم يتطلبون أموياً، فقال: فالمؤيد عندي، وشهد له جماعة بذلك، وأنه كالحاجب له، وأمر بالدعاء له في الجمع، ودام إلى أن نعاه للناس سنة خمسٍ وخمسين وأربع مئة، وادعى أنه عهد إليه بالخلافة. وهذا هذيان، والمؤيد هلك سنة نيفٍ وأربع مئة، ولو كان بقي إلى هذا الوقت، لكان ابن مئة سنة وسنة. هلك المعتضد سنة أربع وستين، وأربع مئة. وخلفه المعتمد صاحب الترجمة، فكان فارساً شجاعاً، عالماً أديباً، ذكياً شاعراً، محسناً جواداً ممدحاً، كبير الشأن، خيراً من أبيه. كان أندى الملوك راحةً، وأرحبهم ساحةً، كان بابه محط الرحال، وكعبة الآمال.
قال أبو بكر محمد بن اللبانة الشاعر: ملك المعتمد من مسورات البلاد مئتي مسور، وولد له مئة وثلاثة وسبعون ولداً، وكان لمطبخه في اليوم ثمانية قناطير لحم، وكتابه ثمانية عشر.
قال ابن خلكان: كان الأذفونش قد قوي أمره، وكانت الملوك بالأندلس يصالحونه، ويحملون إليه ضرائب، وأخذ طليطلة في سنة ثمانٍ وسبعين بعد حصارٍ شديد، من القادر بن ذي النون، فكان ذلك أول وهنٍ دخل من الفرنج على المسلمين، وكان المعتمد يؤدي إليه، فلما تمكن، لم يقبل الضريبة، وتهدده، وطلب منه أن يسلم حصوناً، فضرب الرسول، وقتل من معه، فتحرك اللعين، واجتمع العلماء، واتفقوا على أن يكاتبوا الأمير أبا يعقوب بن تاشفين صاحب مراكش لينجدهم، فعبر ابن تاشفين بجيوشه إلى الجزيرة، ثم اجتمع بالمعتمد، وأقبلت المطوعة من النواحي، وركب الأذفونش في أربعين ألف فارس، وكتب إلى ابن تاشفين يتهدده، فكتب في ظهر كتابه: الذي يكون ستراه. ثم التقى الجمعان، واصطدم الجبلان بالزلاقة من أرض بطليوس، فانهزم الكلب، واستؤصل جمعه، وقل من نجا، في رمضان سنة تسعٍ وسبعين، وجرح المعتمد في بدنه ووجهه، وشهد له بالشجاعة والإقدام، وغنم المسلمون ما لا يوصف. وغدا ابن تاشفين.
ثم عبر في العام الآتي، وتلقاه المعتمد، وحاصرا حصناً للفرنج، وترجل ابن تاشفين، فمر بغرناطة، فأخرج إليه صاحبها ابن بلكين تقادم وهدايا، وتلقاه، فغدر به، واستولى على قصره، ورجع إلى مراكش، وقد بهره حسن الأندلس وبساتينها، وحسن له أمراؤه أخذها، ووحشوا قلبه على المعتمد.
قال عبد الواحد بن علي: غلب المعتمد على قرطبة في سنة 471، فأخرج منها ابن عكاشة، إلى أن قال: وجال ابن تاشفين في الأندلس يتفرج، مضمراً أشياء، معظماً للمعتمد، ويقول: نحن أضيافه وتحت أمره، ثم قرر ابن تاشفين خلقاً من المرابطين يقيمون بالأندلس، وأحب الأندلسيون ابن تاشفين، ودعوا له، وجعل عندهم بلجين قرابته، وقرر معه أموراً، فهاجت الفتنة بالأندلس في سنة ثلاثٍ وثمانين، وزحف المرابطون، فحاصروا حصوناً للمعتمد، وأخذوا بعضها، وقتلوا ولده المأمون في سنة أربع، فاستحكمت الإحنة، وغلت مراجل الفتنة، ثم حاصروا إشبيلية أشد حصار، وظهر من بأس المعتمد وتراميه على الاستشهاد ما لم يسمع بمثله. وفي رجب سنة أربع، هجم المرابطون على البلد، وشنوا الغارات، وخرج الناس عرايا، وأسروا المعتمد.
قال عبد الواحد: برز المعتمد من قصره في غلالةٍ بلا درعٍ ولا درقةٍ، وبيده سيفه، فرماه فارس بحربة أصاب الغلالة، وضرب الفارس فتله، فولت المرابطون. ثم وقت العصر، كرت البربر، وظهروا على البلد من واديه، ورموا فيه النار، فانقطع العمل، واتسع الخرق على الراقع بقدوم سير ابن أخي السلطان، ولم يترك البربر لأهل البلد شيئاً، ونهبت قصور المعتمد، وأكره على أن كتب إلى ولديه أن يسلما الحصنين، وإلا قتلت، فدمي رهن على ذلك، وهما المعتد، والراضي، وكانا في رندة ومارتلة، فنزلا بأمان ومواثيق كاذبة، فقتلوا المعتد، وقتلوا الراضي غيلة، ومضوا بالمعتمد وآله إلى طنجة بعد أن أفقروهم، ثم سجن بأغمات عامين وزيادة، في قلة وذل، فقال:

تبدلت من ظل عز البنـود

 

بذل الحديد وثقل الـقـيود

وكان حديدي سناناً ذلـيقـاً

 

وعضباً رقيقاً صقيل الحديد

وقد صار ذاك وذا أدهمـا

 

يعض بساقي عض الأسود

قيل: إن بنات المعتمد أتينه في عيد، وكن يغزلن بالأجرة في أغمات، فرآهن في أطمارٍ رثةٍ، فصدعن قلبه، فقال:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا

 

فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جـائعة

 

يغزلن للناس ما يملكن قطمـيرا

برزن نحوك للتسلـيم خـاشـعة

 

أبصارهن حسيرات مكـاسـيرا

يطأن في الطين والأقدام حافـية

 

كأنها لم تطأ مسكاً وكـافـورا

وله من قصيدة:

قد رمت يوم نزالـهـم

 

أن لا تحصنني الدروع

وبرزت ليس سوى القمـي

 

ص عن الحشا شيءٌ دفوع

أجلي تـأخـر لـم يكـن

 

بهواي ذلي والـخـشـوع

ما سرت قط إلى الـقـتـا

 

ل وكان في أملي رجوعي

ولابن اللبانة _ ووفد بها إلى السجن _:

تنشق رياحين الـسـلام فـإنـمـا

 

أفض بها مسكاً عليك مـخـتـمـا

وقل لي مجازاً أن عدمت حـقـيقةً

 

بأنك في نعمى فقد كنت منعـمـا

أفكر في عصرٍ مضى لك مشرقـاً

 

فيرجع ضوء الصبح عندي مظلمـا

وأعجب من أفق المـجـرة إذ رأى

 

كسوفك شمساً كيف أطلع أنجـمـا

قناةٌ سعت للطعن حتى تقـصـدت

 

وسيفٌ أطال الضرب حتى تثلـمـا

بكى آل عـبـادٍ ولا كـمـحـمـدٍ

 

وأبنائه صوب الغمـامة إذ هـمـا

صباحهم كنا به نحـمـد الـسـرى

 

فلما عدمناهم سرينا على عـمـى

وكنا رعينا العز حـول حـمـاهـم

 

فقد أجدب المرعى وقد أقفر الحمى

وقد ألبست أيدي الليالي محـلـهـم

 

مناسيج سدى الغيث فيها وألحـمـا

قصورٌ خلت من ساكنيها فما بـهـا

 

سوى الأدم يمشي حول واقفة الدمى

كأن لم يكن فيها أنيسٌ ولا التـقـى

 

بها الوفد جمعاً والخميس عرمرمـا

فكنت وقد فارقت ملكك مـالـكـاً

 

ومن ولهي أبكي عليك متـمـمـا

تضيق علي الأرض حتى كأنـنـي

 

خلقت وإياها سواراً ومعـصـمـا

وإني على رسمي مقيمٌ فـإن أمـت

 

سأجعل للباكين رسمي مـوسـمـا

بكاك الحيا والريح شقت جيوبـهـا

 

عليك وناح الرعد باسمك معلـمـا

ومزق ثوب البرق واكتست الضحى

 

حداداً وقامت أنجم الليل مـأتـمـا

ولا حل بدر الـتـم بـعـدك دارةً

 

ولا أظهرت شمس الظهيرة مبسما

سينجيك من نجى من الجب يوسفـاً

 

ويؤويك من آوى المسيح ابن مريما

فلما أنشده إياها، وأراد الخروج، أعطاه تفضيلة وعشرين ديناراً، وأبياتاً يعتذر فيها. قال: فرددتها عليه لعلمي بحاله، وأنه ما ترك عنده شيئاً.
قال ابن خلكان: مولده كان في سنة إحدى وثلاثين وأربع مئة، ومات في شوال سنة ثمان وثمانين وأربع مئة. وقد سمى ابن اللبانة بني المعتمد بأسمائهم وألقابهم، فعد نحواً من ثلاثين نفساً، وعد له أربعاً وثلاثين بنتاً. قلت: افتقروا بالمرة، وتعلموا صنائع، وكذلك الدهر، نسأل الله المغفرة.

ابن المرابط

الإمام مفتي مدينة المرية وقاضيها أبو عبد الله محمد بن خلف بن سعيد بن وهب الأندلسي المريي، ابن المرابط صاحب شرح صحيح البخاري. أجاز له أبو عمر الطلمنكي، وأبو عمرو الداني.
وسمع من أبي القاسم المهلب، وأبي الوليد بن ميقل، وارتحل إليه الطلبة، وأخذ عنه أبو عبد الله بن عيسى التميمي، وأبو علي بن سكرة، وأبو محمد بن أبي جعفر السبتي، وآخرون.
توفي في شوال سنة خمس وثمانين وأربع مئة، وقد شاخ. من كبار المالكية.

الهكاري

الشيخ العالم الزاهد، شيخ الإسلام، أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة بن مأمون بن المؤمل بن القاسم بن الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، السفياني، الهكاري.
وقيل: سقط من نسبه خالد بين الوليد والقاسم.
قال السمعاني: تفرد بطاعة الله في الجبال، وابتنى أربطةً ومواضع يأوي إليها الفقراء والمنقطعون، وكان كثير العبادة، حسن الزهادة، مقبولاً، وقوراً.
رحل وسمع بمصر من أبي عبد الله بن نظيف الفراء، وببغداد من عبد الملك بن بشران، وبالرملة من ابن الترجمان، وبمكة من أبي الحسن بن صخر. حدثنا عنه يحيى بن عطاف، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وحسن بن أبي علي المقرئ، وجماعة.
وقال عبد الغفار الكرجي: ما رأيت مثل شيخ الإسلام الهكاري زهداً وفضلاً.
وقال يحيى بن منده: قدم علينا، وكان صاحب صلاةٍ، وعبادةٍ واجتهادٍ، من كبراء الصوفية.
وقال ابن عساكر: لم يكن موثقاً في روايته.
وقال ابن ناصر: مات في أول المحرم سنة ست وثمانين وأربع مئة بالهكارية، وهي جبال فوق الموصل.
قلت: عاش سبعاً وسبعين سنة، وله تواليف، وعنايةٌ بالأثر، رحمه الله.

العميري

الشيخ الإمام القدوة الزاهد القانت، أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عمير بن محمد بن عمير العميري الهروي.
ولد سنة ثمان وتسعين وثلاث مئة.
وأول ما سمع في سنة سبع وأربع مئة. سمع من أباه عن أَبو العباس بن الفضل النضروي، وسمع علي بن أبي طالب الخوارزمي، وعلي بن جعفر القهندزي، وعبد الرحمن بن محمد الديناري، وضمام بن محمد الشعراني، وعدة بهراة، والقاضي أبا بكر الحيري بنيسابور، وأبا علي بن شاذان وأقرانه ببغداد، ومحمد بن الحسين الصنعاني بمكة.
قال أبو النضر الفامي: توحد العميري عن أبناء زمانه بالعلم والزهد والإتقان في الرواية، والرغبة في التحديث، والتجرد من الدنيا، والإعراض عن حطامها، والإقبال على الآخرة. وقال أبو عبد الله الدقاق: العميري ليس له نظير بخراسان فكيف بهراة! وقال في رسالته: لم أر في شيوخي كالإمام المتقن الزاهد أبي عبد الله العميري.
وقال آخر: كان إماماً في الفقه، قدوةً، واسع الرواية.
وقال السمعاني: حج ودخل اليمن، وسمع بمكة من محمد بن الحسين الصنعاني، وسمع بنيسابور من الحيري والصيرفي، وببغداد من ابن شاذان، والحرفي، وابن دوست، وبهراة من يحيى بن عمار، وأبي يعقوب القراب.
أحمد عنه: ابن طاهر، والمؤتمن، ومحمد بن أبي علي الهمذاني، وأبو الوقت، وعلي بن حمزة، وأبو النضر الفامي، والجنيد القايني. سألت إسماعيل التيمي عنه، فقال: إمامٌ زاهد.
وقال ابن أبي جعفر: قال لي أبو إسماعيل الأنصاري: احفظ الشيخ العميري، واكتب عنه، فإنه متقن، قاله مع ما كان بينهما من الوحشة.
مات في المحرم سنة تسع وثمانين وأربع مئة.

السلار

الشيخ الجليل الرئيس المسند المعمر، سلار الكرج، أبو الحسن مكي بن منصور بن محمد بن علان الكرجي المعتمد.
ولد سنة سبع أو تسع، وتسعين وثلاث مئة.
وسمع ببغداد من أبي الحسين بن بشران، وأبي القاسم اللالكائي، وطائفةٍ، وسمع بنيسابور من القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، ومحمد بن القاسم الفارسي. وطال عمره، وتفرد، وارتحل الطلبة إليه.
روى عنه: الفقيه أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي، وأبو المكارم أحمد بن محمد بن علان، وأبو بكر أحمد بن نصر ابن دلف، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وأبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، وأبوه، والقاسم بن الفضل الصيدلاني، وأبو طاهر السلفي، ورجاء بن حامد المعداني، ومحمد بن أحمد بن ماشاذه، وآخرون.
قال شيرويه: رحلت إليه إلى الكرج، وسمعت منه ولدي، وكان لا بأس به، محموداً بين الرؤساء، محسناً إلى الفقراء والعلماء.
وقال ابن طاهر: رحلت بابني أبي زرعة إلى الكرج حتى سمع مسند الشافعي من السلار مكي، وكان قد سمعه بنيسابور، وورق له ابن هارون، وكانت أصوله صحيحةً جيدةً.
وقال أبو طاهر السلفي: كان السلار جليل القدر، نافذ الأمر، محبوباً إلى رعيته بجود سجيته، وآخر قدمةٍ قدمها أصبهان كنت أول من قرأ عليه، ولم يتهيأ لي أن أكثر عنه، وأدركته المنية.
وقال السمعاني: هو من رؤساء الكرج، كانت له الثروة الكثيرة، والدنيا العريضة الواسعة، والتقدم ببلده. عمر حتى صار يرحل إليه، ونقل عنه الكثير، لأنه لحق إسناد العراق وخراسان. قال يحيى بن منده: مات بأصبهان في سلخ جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين، وأربع مئة.

المديني

الشيخ المسند أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد ابن إبراهيم بن عبد الوهاب بن بهمن، المديني المقرئ.
مولده في سنة تسع وتسعين وثلاث مئة.
وسمع من أحمد بن عبد الرحمن اليزدي، في سنة تسع وأربع مئة، ومن أبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله، ومحمد بن صالح العطار، وطائفة.
حدث عنه أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.
قال يحيى بن منده: كان شروطياً، ثقةً، أميناً، أديباً، ورعاً، قرأ كتاب الحجة لأبي علي الفارسي على أبي علي المرزوقي، ولزمه مدة. توفي في حادي عشر شعبان سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
وقال السلفي: هو أول من كتبت عنه الحديث.

الخليلي

مسند الوقت، الرئيس أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي البلخي الدهقان. ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مئة. وسمع في سنة ثمان وأربع مئة مسند الهيثم بن كليب، والشمائل من أبي القاسم الخزاعي لما قدم عليه.
حدث عنه: أبو شجاع البسطامي، ومسعود بن محمد الغانمي، ومحمد بن إسماعيل الفضيلي، وأبو نصر اليونارتي، وآخرون.
قال السمعاني: مات في صفر سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وله مئة سنةً وسنةٌ.

الخلعي

الشيخ الإمام الفقيه القدوة، مسند الديار المصرية، القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد الموصلي الأصل، المصري الشافعي الخلعي، صاحب الفوائد العشرين، وراوي السيرة النبوية.
مولده بمصر في أول سنة خمسٍ وأربع مئة.
وسمع أبا محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس، وأبا العباس بن الحاج، وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني، وأبا العباس منير بن أحمد الخشاب، وإسماعيل بن رجاء الأديب، والحسن بن جعفر الكللي، وأبا عبد الله بن نظيف، والخصيب بن عبد الله القاضي، وشعيب بن عبد الله بن المنهال، وأبا النعمان تراب بن عمر، وأحمد بن الحسين العطار، وأبا خازم محمد بن الحسين، وإسماعيل بن بكران، وعبد الوهاب بن أبي الكرام، وغيرهم، وكان آخر من حدث عن جماعةٍ كالنحاس والماليني.
حدث عنه: أبو علي الصدفي، ومحمد بن طاهر، وأبو الفتح سلطان ابن إبراهيم الفقيه، وسليمان بن محمد بن أبي داود الفارسي، وعلي بن محمد بن سلامة الروحاني، وعبد الكريم بن سوار التككي، وعبد الحق ابن أحمد البانياسي، ومحمد بن حمزة العرقي اللغوي، والقاضي أبو بكر ابن العربي، وعبد الله بن رفاعة السعدي، وآخرون.
قال ابن سكرة: هو فقيهٌ، له تصانيف، ولي القضاء، وحكم يوماً واحداً واستعفى، وانزوى بالقرافة، وكان مسند مصر بعد الحبال.
وقال أبو بكر بن العربي: شيخٌ معتزلٌ في القرافة، له علو في الرواية، وعنده فوائد، وقد حدث عنه الحميدي، وعبر عنه بالقرافي.
وقال آخر: كان يبيع الخلع لملوك مصر.
وقال الحافظ إسماعيل بن الأنماطي: سمعت أبا صادق عبد الحق بن هبة الله القضاعي المحدث، سمعت العالم أبا الحسن علي بن إبراهيم بن بنت أبي سعدٍ، يقول: كان القاضي الخلعي يحكم بين الجن، وإنهم أبطؤوا عليه قدر جمعةٍ، ثم أتوه، وقالوا: كان في بيتك أترج، ونحن لا ندخل مكاناً يكون فيه.
قال أبو الميمون بن وردان: حدثنا أبو الفضل، حدثنا بعض المشايخ، عن أبي الفضل الجوهري الواعظ، قال: كنت أتردد إلى الخلعي، فقمت في ليلةٍ مقمرةٍ ظننت الصبح، فإذا على باب مسجده فرسٌ حسنة، فصعدت، فوجدت بين يديه شاباً لم أر أحسن منه يقرأ القرآن، فجلست أسمع إلى أن قرأ جزءاً، ثم قال للشيخ: آجرك الله. قال: نفعك الله، ثم نزل، فنزلت خلفه، فلما استوى على الفرس، طارت به، فغشي علي، والقاضي يصيح بي: اصعد يا أبا الفضل، فصعدت، فقال: هذا من مؤمني الجن، يأتي في الأسبوع مرةً يقرأ جزءاً ويمضي.
قال ابن الأنماطي: قبر الخلعي بالقرافة يعرف بقبر قاضي الجن والإنس، يعرف بإجابة الدعاء عنده.
قال: وسألت شجاعاً المدلجي وغيره عن الخلعي: النسبة إلى أي شيء؟ فما أخبرني أحدٌ بشيء، وسألت السديد الربعي، وكان عارفاً بأخبار المصريين، عدلاً، فقال: كان أبوه بزازاً، وكانت أمراء المصريين من أهل القصر يشترون الخلع من عنده، وكان يتصدق بثلث مكسبه.
وذكر ابن رفاعة أنه سمع من الحبال، وأنه أتى إلى الخلعي، فطرده مدةً، وكان بينهما شيءٌ، أظن من جهة الاعتقاد، فهذه الحكاية منكرة، لأن أبا إسحاق الحبال كان قد منع من التحديث قبل موته بسنوات، ويصبو ابن رفاعة عن إدراك الأخذ عنه قبل ذلك.
قال أبو الحسن علي بن أحمد العابد: سمعت الشيخ ابن بخيساه قال: كنا ندخل على القاضي أبي الحسن الخلعي في مجلسه، فنجده في الشتاء والصيف وعليه قميصٌ واحدٌ، ووجهه في غايةٍ من الحسن، لا يتغير من البرد، ولا من الحر، فسألته عن ذلك، فتغير وجهه، ودمعت عينه، ثم قال: أتكتم علي ما أقول؟ قلت: نعم. قال: غشيتني حمى يوماً، فنمت في تلك الليلة، فهتف بي هاتفٌ، فناداني باسمي، فقلت: لبيك داعي الله، فقال: لا، قل: لبيك ربي الله، ما تجد من الألم؟ فقلت: إلهي وسيدي، قد أخذت مني الحمى ما قد علمت، فقال: قد أمرتها أن تقلع عنك، فقلت: إلهي، والبرد أيضاً، قال: قد أمرت البرد أيضاً أن يقلع عنك، فلا تجد ألم البرد ولا الحر، قال: فوالله ما أحس بما أنتم فيه من الحر ولا من البرد. قال هبة الله بن الأكفاني: مات الخلعي بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
أخبرنا أبو الحسن يحيى بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز الجذامي بالثغر، أخبرنا محمد بن عماد سنة عشرين وست مئة، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا علي بن الحسن الشافعي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن النحاس إملاءً، أخبرنا أحمد بن الحسين بن داناج الإصطخري إملاءً، سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة، حدثنا إسحاق الدبري، قال: قرأت على عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز: "عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيه شفاءً من كل داءٍ إلا السام" يريد الموت.

السعيداني

الإمام المحدث المفيد أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن عب محمد بن معاوية، القرشي الأموي، العتابي، السعيداني البصري المحتسب، من ذرية عتاب بن أسيد، الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على مكة.
مولده سنة تسع وأربع مئة.
وسمع في سنة ثماني عشرة من علي بن هارون المالكي، وطلحة بن يوسف المواقيتي، والمبارك بن علي بن حمدان، وحسن بن أحمد الدباس بالبصرة. وارتحل إلى بغداد، وسمع، وكان فاضلاً عالماً له تاريخ.
روى عنه: جابر بن محمد الأنصاري، وأبو نصر الغازي، ومحمد ابن عبد الواحد المغازلي المروزي، وأبو غالب الماوردي، وشجاعٌ الذهلي، وعدة. أرخ ابن النجار وفاته في سنة تسع وثمانين وأربع مئة.

الفارقي

العلامة، شيخ الأدب، أبو نصر الحسن بن أسد، صاحب كتاب الألغاز، صدرٌ معظمٌ، ولي ديوان آمد، ثم صودر، فتحول إلى ميافارقين، فخلت من أميرٍ، فقام أبو نصر بها، وحكم، ونزل القصر، ثم خاف وهرب إلى حلب، ثم تجسر ورجع إلى حران، فأخذ وشنق بأمر نائب حران، في سنة سبع وثمانين وأربع مئة.

أمير الجيوش

بدر بن عبد الله الأمير الوزير، الأرمني، الجمالي، اشتراه جمال الملك بن عمار الطرابلسي، ورباه، فترقت به الأحوال إلى الملك.
ولي نيابة دمشق للمستنصر في سنة خمس وخمسين وأربع مئة، فبقي ثلاث سنين، ثم هاج أحداث دمشق وشطارها، وكانت لهم صورةٌ كبيرة، وإليهم أسوار البلد، فتسحب منها في سنة ستين، وأخرب قصره الذي كان يسكنه خارج باب الجابية، ثم مضى إلى مصر. وقيل: بل ركب البحر من صور إلى دمياط لما علم باضطراب أمور مصر، وشدة قحطها، فهجمها بغتةً، وسر بمقدمه المستنصر الإسماعيلي، وزال القطوع عنه، والذل الذي قاساه من ابن حمدان وغيره. فلوقته قتل عدة أمراء كبار في الليل، وجلس على تخت الولاية، وقرأ القارئ: "ولقد نصركم الله ببدر"، وردت أزمة الأمور إليه، فجهز جيشاً إلى دمشق، فلم يظفروا بها، كان قد تملكها تاج الدولة تتش أخو السلطان ملكشاه. وهو الذي أنشأ بالإسكندرية جامع العطارين، وكان بطلاً شجاعاً مهيباً، من رجال العالم.
مات بمصر سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة، وقام بعده ابنه الملقب أيضاً بأمير الجيوش. وقيل: عاش بدر نحواً من ثمانين سنة، والله يسامحه. قصده علقمة العليمي الشاعر، فعجز عن الدخول إليه، فوقف على طريقه، وفي رأسه ريش نعام، ثم أنشد أبياتاً وقعت منه بموقع، ووقف له، ثم أمر الحاشية أن يخلعوا عليه، وأمر له بعشرة آلاف، فذهب بخلعٍ كثيرةٍ إلى الغاية، وهب منها لجماعة من الشعراء. وخلف بدرٌ أموالاً عظيمةً.

تتش

الملك تاج الدولة تتش بن السلطان أبي شجاع ألب أرسلان بن داود بن ميكال السلجوقي أخو السلطان ملكشاه التركي.
كان مهيباً شجاعاً جباراً، ذا سطوةٍ، وله فتوحاتٌ ومصافاتٌ، وتملك عدة مدائن، وخطب له ببغداد، وصار من كبار ملوك الزمان. قدم دمشق، فخرج ليتلقاه المتغلب عليها أطسز الخوارزمي، فسلم عليه، ثم سار، وشد عليه تتش، فضرب عنقه، وأخذ البلد، وجرت له أمور وحروب مع المصريين، وتملك بضع عشرة سنة، ثم سار في سنة ثمان وثمانين وأربع مئة ليتملك بلاد العجم، فقتل في المصاف بالري، التقاه بركياروق ابن أخيه.
وكان يتغالى في حب الشيخ أبي الفرج الحنبلي، ويحضر مجلسه، فعقد له ولخصومه في مسألة القرآن مجلساً، فقال تتش: هذا مثل ما يقول، هذا قباء حقيقةً ليس هو بحريرٍ، ولا قطنٍ، ولا كتانٍ، ولا صوفٍ. وكان عسوفاً للرعية، تملك دمشق بعده ابنه شمس الملوك دقاق وغيره، ثم مملوكه طغتكين، وأولاده، إلى أن تملكها العادل نور الدين السلجوقي، ثم صلاح الدين وابنه، ثم أخوه، وأهل بيته، ثم مواليهم، وإلى اليوم.

الحموي

الإمام المفتي، شيخ الشافعية، قاضي القضاة، أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الشامي الحموي الشافعي الزاهد.
ولد سنة أربع مئة، وقدم بغداد شاباً. فسمع من عثمان بن دوست العلاف، وأبي القاسم بن بشران، وطبقتهما.
حدث عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وهبة الله بن طاووس، وآخرون.
قال السمعاني: هو أحد المتقنين للمذهب، وله اطلاعٌ على أسرار الفقه، وكان ورعاً زاهداً، متقياً سديد الأحكام، ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله الدامغاني مدةً إلى أن تغير عليه أمير المؤمنين المقتدي، فمنع الشهود من حضور مجلسه مدةً، فان يقول: ما أنعزل ما لم يتحقق علي فسقٌ، ثم إن المقتدي رضي وخلع عليه.
وشهد عنده المشطب الفرغاني، فلم يقبله، لكونه يلبس الحرير، فقال: تردني، والسلطان ووزيره نظام الملك يلبسانه؟! فقال: ولو شهدا، لما قبلتهما.
قال ابن النجار: تفقه على القاضي أبي الطيب، وحفظ تعليقه، ولم يأخذ على القضاء رزقاً، ولا غير مأكله وملبسه، وكان يسوي بين الناس، فانقلب عليه الكبراء، وكان نزهاً ورعاً على طريقة السلف له كارك يؤجره كل شهرٍ بدينارٍ ونصف، كان يقتات منه، فلما ولي القضاء، جاء إنسانٌ، فدفع إليه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغير ساكني، وقد ارتبت بك، هلا كانت الزيادة من قبل القضاء.
وكان يشد في وسطه مئزراً، ويخلع ثيابه في بيته ويجلس، وقال: ما دخلت في القضاء حتى وجب علي.
قال أبو علي الصدفي: هو ورعٌ زاهدٌ، وأما الفقه، فكان يقال: لو رفع مذهب الشافعي، لأمكنه أم يمليه من صدره. علق عنه القاضي أبو الوليد الباجي.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة، ما كان يتبسم في مجلس قضائه.
قلت: كان قدومه بغداد في سنة عشرين وأربع مئة، وكان من أوعية الفقه، وقد صنف البيان في أصول الدين ينحو فيه إلى مذهب السلف.
قال أحمد بن عبد الله الآبنوسي: كان لقاضي القضاة الشامي كيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وقميصاً من القطن الحسن، فإذا خرج لبسهما، والكيس الآخر فيه فتيتٌ يجعل منه في قصعة ويقتات منه.
وعنه قال:أعصي إن لم ألِ القضاء، وكان أبو محمد التميمي _ فيما قيل _ قد بذل فيه ذهباً كثيراً، وقيل: كانت في الشامي حدةٌ وزعارةٌ، ومناقبه جمةٌ رحمه الله.
مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وقد قارب التسعين، ودفن في تربةٍ عند أبي العباس بن سريج.

ابن مفوز

الإمام الحافظ الناقد المجود، أبو الحسن طاهر بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي، تلميذ أبي عمر بن عبد البر، وخصيصه، أكثر عنه وجود. وسمع أيضاً من أبي العباس بن دلهاث، وأبي الوليد الباجي، وابن شاكر الخطيب، وأبي الفتح التنكتي، وحاتم بن محمد القرطبي، وأبي مروان بن حيان، وعدة.
مولده في سنة تسع وعشرين وأربع مئة. ومات في رابع شعبان سنة أربع وثمانين وأربع مئة.
حدث عنه أبو علي بن سكرة الصدفي وغيره، وكان أخوه عبد الله زاهد أهل الأندلس في زمانه.

ظاهر

الشيخ الحافظ البارع المفيد، أبو محمد ظاهر بن أحمد بن علي السليطي النيسابوري، ويسمى عبد الصمد أيضاً. ولد بالري، وبها نشأ، وكتب ما لا يوصف بخطه المليح.
سمع أبا عبيد صخر بن محمد الطوسي بالري، وعبد الكريم بن أحمد المطيري بساوة، وعبد الملك بن عبد الغفار البصري، وعدة بهمذان، وأبا علي بن المذهب، وأبا إسحاق البرمكي، والقاضي أبا الطيب، والجوهري، وعدة ببغداد.
حدث عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وابن بدران الحلواني، ومحمد بن الحسين المزرفي، وطائفة. سكن همذان مدةً، ومات بظاهرها.
قال شيرويه: كان أحد من عني بهذا الشأن، حسن العبارة، كثير الرحلة، صدوقاً، جمع كثيراً في سائر العلوم، ما رأيت فيمن رأيت أكثر كتباً وسماعاً منه، عاجله الموت.
وقال يحيى بن منده: هو أحد الحفاظ، صحيح النقل، يفهم الحديث ويحفظه. قال أبو جعفر محمد بن أبي علي الحافظ: سمعت مسعود بن ناصر السجزي يقول: أشهد أن كل كتابٍ بغدادي عند عبد الصمد السليطي كلها غارةٌ ونهبٌ من نهب نوبة البساسيري ببغداد، لا ينتفع بها دنيا ولا ديناً.
قال أبو سعيد السمعاني: مات ظاهرٌ بهمذان في سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة. وهو الذي انتقى لأبي محمد الجوهري بعض مجالسه.

التنكتي

الشيخ الجليل العالم المحدث أبو الفتح نصر بن الحسن بن القاسم، التركي، الشاشي، التنكتي. وتنكت: بلد من أعمال الشاش. ولد سنة ست وأربع مئة.
وسمع على كبر من أبي الحسن الطفال بمصر، ومن أبي الحسين الفارسي، وابن مسرور بنيسابور، ومن الخطيب بصور، وبالإسكندرية من الحسين بن محمد المعافري، وبالأندلس من ابن دلهاث.
وجاب النواحي تاجراً ومحدثاً، وكثرت أمواله جداً.
روى عنه: أبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الخالق اليوسفي، ونصر ابن نصر العكبري، وطاهر بن مفوز. وروى الصحيح بالأندلس، وكان ديناً ورعاً وقوراً رئيساً متصدقاً.
توفي سنة ست وثمانين وأربع مئة. رحمه الله.

الدبوسي

العلامة، شيخ الشافعية، أبو القاسم علي بن أبي يعلى المظفر بن حمزة بن زيد، العلوي، الحسيني، الشافعي، الدبوسي.
ودبوسية: بلد بين بخارى وسمرقند.
كان فقيهاً بارعاً، أديباً أصولياً، مناظراً، مدركاً، حسن الأخلاق، سمحاً جواداً.
سمع من محمد بن عبد العزيز القنطري، وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي، وأبي مسعود البجلي، وعدة. وقدم بغداد لتدريس النظامية في سنة تسع وسبعين وأربع مئة، فدرّس، وأملى مجالس.
روى عنه هبة الله بن السقطي، وأبو العز القلانسي، وعبد الوهاب الأنماطي، وعبد الرحمن بن الحسن الشرافي.
قال السقطي: أبو القاسم هو إمام الشافعية، قرأ القرآن والفقه والحديث والأصول واللغة العربية، وكان فطناً في الاجتهاد، وله التوسع في الكلام والفصاحة في الجدال والخصام، أقوم الناس بالمناظرة، وتحقيق الدروس، وكان موفقاً في الفتوى.
وقال في مكانٍ آخر: كان المشار إليه في المذهب والخلاف، ومعرفة الغريب والبلاغة، وإليه انتهت رئاسة الشافعية، توفي في العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة. قلت: لم يشخ كثيراً، وما وقع لي حديثه عالياً، رحمه الله.

البرزبيني

شيخ الحنابلة، القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطورا، العكبري، الحنبلي، تلميذ القاضي أبي يعلى.
وكان صاحب فنونٍ، يدري الأصول والحديث والقرآن، تفقه به خلقٌ كثير، وصنف في المذهب، وما درس عليه أحدٌ إلا وتميز. تفقه به أبو حازم بن الفراء، وأجاز لغانم بن خلف، وأبي نصر الغازي.
مات في شوال سنة ست وثمانين وأربع مئة في عشر الثمانين.

نظام الملك

الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي ابن إسحاق الطوسي، عاقلٌ، سائسٌ، خبيرٌ، سعيدٌ، متدينٌ، محتشمٌ، عامر المجلس بالقراء والفقهاء.
أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم، وأدرّ على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعُد صيته.
وكان أبوه من دهاقين بيهق، فنشأ وقرأ نحواً، وتعانى الكتابة والديوان، وخدم بغزنة، وتنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جنابه، وازدادت رفعته، واستمر عشرين سنة.
سمع من القشيري، وأبي مسلم بن مهربزد، وأبي حامد الأزهري. روى عنه علي بن طرادٍ الزينبي، ونصر بن نصر العكبري، وجماعة. وكان فيه خيرٌ وتقوى، وميلٌ إلى الصالحين، وخضوعٌ لموعظتهم، يعجبه من يبين له عيوب نفسه، فينكسر ويبكي.
مولده في سنة ثمانٍ وأربع مئة، وقتل صائماً في رمضان، أتاه باطني في هيئة صوفي يناوله قصة، فأخذها منه، فضربه بالسكين في فؤاده، فتلف، وقتلوا قاتله، وذلك ليلة جمعةٍ سنة خمسٍ وثمانين وأربع مئة، بقرب نهاوند، وكان آخر قوله: لا تقتلوا قاتلي، قد عفوت، لا إله إلا الله.
قال ابن خلكان: قد دخل نظام الملك على المقتدي بالله، فأجلسه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك، كرضى أمير المؤمنين عنك. وللنظام سيرةٌ طويلة في تاريخ ابن النجار، وكان شافعياً أشعرياً. وقيل: إن قتله كان بتدبير السلطان، فلم يمهل بعده إلا نحو شهرٍ. وكان النظام قد ختم وله إحدى عشرة، واشتغل بمذهب الشافعي، وسار إلى غزنة، فصار كاتباً نجيباً، إليه المنتهى في الحساب، وبرع في الإنشاء، وكان ذكياً، لبيباً، يقظاً، كامل السؤدد.
قيل: إنه ما جلس إلا على وضوء، وما توضأ إلا تنفل، ويصوم الاثنين والخميس، جدد عمارة خوارزم، ومشهد طوس، وعمل بيمارستاناً، نابه عليه خمسون ألف دينار، وبنى أيضاً بمرو مدرسة، وبهراة مدرسةً، وببلخ مدرسةً، وبالبصرة مدرسةً، وبأصبهان مدرسةً، وكان حليماً رزيناً جواداً، صاحب فتوة واحتمال ومعروف كثير إلى الغاية، ويبالغ في الخضوع للصالحين.
وقيل: كان يتصدق كل صباح بمئة دينار.
قال ابن عقيل: بهر العقول سيرة النظام جوداً وكرماً وعدلاً، وإحياءً لمعالم الدين، كانت أيامه دولة أهل العلم، ثم ختم له بالقتل وهو مارٌّ إلى الحج في رمضان، فمات ملكاً في الدنيا، ملكاً في الآخرة، رحمه الله.

عبدوس

ابن عبد الله بن محمد بن عبدوس الإمام الجليل المتقن، شيخ همذان، أبو الفتح الروذباري، الفارسي، ثم الهمذاني، أكبر أهل همذان، وأعلامهم إسناداً.
ولد في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة. سمع عم أبيه علي بن عبدوس، ومحمد بن أحمد بن حمدويه صاحب أبي العباس الأصم، وأبا طاهر الحسين بن سلمة، والحسين بن محمد بن منجويه، ومحمد بن عيسى المحتسب، ورافع بن محمد القاضي، وعدة.
وله إجازةٌ صحيحة من أبي بكر أحمد بن علي بن لال، وأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وشيخ الحرم أبي الحسن بن جهضم.
روى عنه: أبو الحسين بن الطيوري، وإسماعيل بن السمرقندي، ومحمد بن بنيمان الهمذاني، وأبو زرعة المقدسي، وآخرون، وأجاز لأبي طاهرٍ السلفي.
قال شيرويه: سمعت منه، وكان صدوقاً متقناً فاضلاً ذا حشمة وصيتٍ، حسن الخط، حلو المنطق، كف بصره وأصم في آخر عمره، وسماع القدماء منه أصح إلى سنة نيف وثمانين، ومات في جمادى الآخرة سنة تسعين وأربع مئة، فغسلته. قال ابن طاهر: دخلت همذان بعد رجوعي من الري بأولادي، وكنت أسمع أن سنن النسائي يرويه عبدوس، فقصدته، فأخرج إلي الكتاب، وفيه السماع ملحقٌ طريٌّ بخطه، فلم أقرأه، وبعد مدةٍ خرجت بابني أبي زرعة إلى الدوني، فقرأت له الكتاب عليه.

السيبي

الإمام المقرئ المعمر الكبير أبو القاسم يحيى بن أحمد بن محمد بن محمد بن علي السيبي القصري. قال لجماعةٍ: ولدت في سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة بقصر ابن هبيرة. وتلا على الحمامي. وسمع أبا الحسن أحمد بن محمد بن الصلت، وأبا الحسين بن بشران، وأبا الفضل عبد الواحد التميمي، وابن الفضل القطان.
ولو سمع في الصغر، للحق أصحاب البغوي، وكان مجوداً محققاً، قرأ بالروايات على أبي الحسن بن الحمامي، وختم عليه خلق.
قال السمعاني: رحل الناس إليه من الآفاق، وأكثروا عنه، وكان خيراً صالحاً، ثقةً ثبتاً، روى لنا عنه أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وأبو البركات الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو القاسم إسماعيل التيمي، وأبو نصر الغازي.
وقال ابن سكرة: كان صالحاً مسنًّا عفيفاً، كان يتعمم بالسواد. قال ابن ناصر: مات في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة تسعين وأربع مئة. وفيها مات فقيه البصرة أبو يعلى العبدي، وأبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار الأصبهاني، وعبدوس بن عبد الله بن محمد الفارسي بهمذان، والفقيه نصرٌ المقدسي بدمشق.
وفيها في ربيع الآخر اجتمعت الستة: الشمس، والقمر، والزهرة، والمريخ، وعطارد، والمشتري، في برج الحوت، وزعموا أنهم لم يسمعوا باجتماعهم في برجٍ في هذه الأزمنة، ثم فسروا بأنه يكون غرق عظيم، فكانت المياه قليلة.

تاج الملك

الوزير أبو الغنائم، مرزبان بن خسرو بن دارست. كان كاتباً للأمير سرهنك، فمات مخدومه، فصادره نظام الملك، وقال: عندك لمخدومك ألف ألف دينار، فقال: إذا قيل هذا عني، فما يقال فيمن خدم سلطانين ثلاثين سنة؟! ولكن أنا القائم بما يطلب مني، وحمل إلى خزانة السلطان ألفي دينار، فعظم بذلك عنده، وقربه، فتألم النظام، وبقي يعظم النظام صورةً، ويحط عليه باطناً، فلما قتل النظام، وزر هذا لملكشاه، ثم لابنه محمود، وجرت حروبٌ على الملك، فأسر مرزبان، فشد عليه غلمان النظام، فقتلوه في المحرم سنة ست، وكانت أيامه أربعة أشهر، وكان يتعبد ويصوم، رحمه الله.

النّعاليّ

الشيخ المعمر، مسند العراق، أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة، النعالي، البغدادي، الحمامي، الحافظ، يعني يحفظ ثياب الحمام وغلته.
أسمعه جده من أبي عمر بن مهدي، وأبي سعد الماليني، وأبي الحسن محمد بن عبيد الله الحنائي، وأبي سهل محمود العكبري، وأبي القاسم بن المنذر القاضي، وهو آخر من حدث عنهم. حدث عنه: ابن ناصر، وهبة الله بن الحسن الدقاق، ومحمد بن إسحاق بن الصابي، وعبد الله بن منصور الموصلي، وأبو الفتح بن البطي، والمبارك بن المبارك السمسار، ويحيى بن ثابت البقال، ومحمد بن علي ابن العلاف، وصالح ابن الرخلة، وأبو علي أحمد بن محمد بن الرحبي، وأحمد بن المقرب، وعبد الله الطامذي، وكمال بنت المحدث عبد الله بن السمرقندي، وتركناز بنت عبد الله بن الدامغاني، وشهدة بنت الإبري، ونفيسة البزازة، وتجني الوهبانية، وعددٌ كثير.
قال أبو علي بن سكرة: هو رجل أميٌّ، له سماع صحيحٌ عالٍ، وكان فقيراً عفيفاً، من بيت علمٍ، يخدم حماماً في الكرخ، حدثنا عن أبي الحسن بن رزقويه.
قلت: ويروي أيضاً عن أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن الحمامي. قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع، خالٍ من العلم والفهم، سمعت منه.
وقال أبو عامر العبدري: هو عاميٌّ أميٌّ رافضيٌّ، لا يحل أن يحمل عنه حرفٌ، ولا يدري ما يقرأ عليه. وقال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ بأصبهان، فقال: هو من أولاد المحدثين، سمع الكثير، وسألت إبراهيم بن سليمان عنه، فقال: لا أحدث عنه، كان لا يعرف ما يقرأ عليه. وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: دلنا عليه أبو الغنائم بن أبي عثمان، فمضينا إليه، فقرأت عليه جزءاً فيه اسمه، وسألته: هل عندك شيء من الأصول؟ فقال: كان عندي شدة بعتها لأبي الحسين بن الطيوري، ما أدري ما فيها، فمضينا إلى ابن الطيوري، فأخرجها فيها سماعه من الماليني وغيره، فقرأناها عليه.
قلت: مات الحافظ أبو عبد الله هذا في صفرٍ سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مئة عن أرجح من تسعين سنة، وقد روى عنه السلفي بالإجازة، ووقع لنا من عواليه جماعة أجزاء.

الذّكواني

الصدوق، المكثر، أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر محمد بن أبي علي الهمذاني، الذكواني، الأصبهاني، صاحب أصول، واسع الرواية. سمع من ابن ميلة، وأبي بكر بن مردويه، والماليني، وجده، وعثمان البرجي، وخلقٍ.
ولد سنة نيفٍ وتسعين وثلاث مئة. وتوفي في يوم عرفة سنة أربعٍ وثمانين وأربع مئة. حدث عنه خلقٌ، منهم: عبد الجليل بن محمد كوتاه، والحافظ إسماعيل التيمي، وأبو سعد بن البغدادي، وأبو نصر الغازي، وكان صدوقاً جليلاً نبيلاً، وعنده عن محمد بن إبراهيم الجرجاني، وعثمان بن أحمد البرجي.

الوَرْكيّ

الشيخ الإمام الفقيه الصالح المعمر، مسند الدنيا أبو محمد عبد الواحد ابن عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل، القرشي، الزبيري، البخاري، الوركي. قال أبو سعد السمعاني: عمّر الوركي مئةً وثلاثين سنة، وبين كتابته للإملاء عن أبي ذرٍّ عمار بن محمد، صاحب يحيى بن صاعد، وبين موته مئة سنةٍ وعشر سنين. رحل الناس إليه من الأقطار.
حدث عن أبي ذرٍّ المذكور، وإبراهيم بن محمد بن يزداد الرازي، وإسماعيل بن حسين البخاري، وإسحاق بن حمدان المهلبي، وأحمد بن محمد بن سليمان الجوري.
حدث عنه جماعةٌ ذكرهم السمعاني، وقال: قبره بوركي على فرسخين من بخارى، زرت قبره. قلت: حدث عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو العطاء أحمد بن أبي بكر الحمامي، ومحمد بن أبي بكر بن عثمان البزدوي، وأخوه عمر الصابوني، ومحمد بن ناصر السرخسي، ومحمود بن أبي القاسم الطوسي، وآخرون. قال السمعاني: هو فقيهٌ إمامٌ زاهدٌ، مات في سنة خمسٍ وتسعين وأربع مئة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله قراءةً، أنبأنا عبد الرحيم بن عبد الكريم المروزي، أخبرنا عثمان بن علي، أخبرنا الإمام عبد الواحد بن عبد الرحمن سنة أربعٍ وتسعين وأربع مئة، حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان الفارسي إملاءً سنة ستٍّ وثمانين وثلاث مئة، حدثنا علي بن محمد بن الزبير القرشي، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، حدثنا زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، حدثنا عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، سمع عمرو بن الحمق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عسله"، فقيل: يا رسول الله، وما عسله؟ قال: "فتح له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضي عنه من حوله".

ابن خَيرون

الإمام العالم الحافظ المسند الحجة، أبو الفضل أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي المقرئ ابن الباقلاّني. ولد سنة أربعٍ وأربع مئة.
وأجاز له أبو الحسن محمد بن أحمد بن الصلت الأهوازي، وأبو الحسين بن المتيم، ومحمد بن أحمد بن المحاملي، وأبو الحسن بن رزقويه، وأبو الحسين بن بشران، وأبو نصر حسنون النرسي، ومحمد بن فارس الغوري، ومحمد بن عبد الله بن أبان النصيبي، وإسماعيل بن عباس، وأبو سهل محمود بن عمر العكبري، والقاضي أبو إسحاق الباقرحي، وجماعة.
وسمع من أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وعثمان بن دوست العلاف، وأبي القاسم الحرفي، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي، وعبد الملك بن بشران، وأبي يعلى أحمد بن عبد الواحد، والحسن بن محمد الخلال، وخلقٍ، وينزل إلى أصحاب المخلص، ونحوه، وتفرد بأشياء وبإجازات.
حدث عنه: شيخه أبو بكر الخطيب، وأبو علي بن سكرة، وأبو عامر العبدري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الطلحي الحافظ، وأبو بكر قاضي المارستان، وإسماعيل بن أبي سعد الصوفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن البطي، وخلقٌ كثير.
ذكره أبو سعد السمعاني، فقال: ثقةٌ عدلٌ متقنٌ، واسع الرواية، كتب بخطه الكثير، وكان له معرفةٌ بالحديث، سمعت أبا منصور بن خيرون يقول: كتب عمي أبو الفضل عن ابن شاذان ألف جزءٍ، وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: ما رئي مثل أبي الفضل بن خيرون، لو ذكرت له كتبه وأجزاءه التي سمعها، يقول لك عمن سمع، وبأي طريقٍ سمع، وكان يذكر الشيخ وما يرويه، وما ينفرد به.
قال أبو منصور: كتبوا مرة لعمي: الحافظ، فغضب، وضرب عليه، وقال: قرأنا حتى يكتب لي الحافظ؟! قلت: وتلا بالروايات على أبي علي الواسطي، وعلي بن طلحة، قرأ عليه ابن أخيه أبو منصور بن خيرون، وأبي علي بن سكرة الصدفي، وكان يقال في ذلك الزمان: هو كيحيى بن معين في زمانه، إشارة إلى تزكيته لمشايخ وقته، وتبيين جرحهم، وكان ينصف.
قال السلفي: كان يحيى بن معين وقته. وقد تكلم فيه ابن طاهر بكلام زيفٍ، فذكر أنه كان يلحق بخطه أشياء في تاريخ الخطيب.
قلت: ماذا بإلحاق، بل هو حواشٍ، وقد كان شيخه الخطيب أذن له في مثل ذلك، وخطه، فمشهور بين، لا يلتبس بغيره، مات في رجب سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة، وله أربع وثمانون سنةً وشهرٌ. ومات معه شيخ العراق أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، وشيخ المعتزلة المفسر أبو يوسف عبد السلام القزويني، وطائفة، ذكرتهم في التذكرة وغيرها.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن خيرون، أخبرنا عبد الملك ابن محمد، أخبرنا أحمد بن خزيمة، حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي، حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: سمعت عطاءً يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أن لابن آدم وادياً من مالٍ، لأحب أن يكون له إليه مثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، والله يتوب على من تاب". قال ابن عباس: فلا أدري أمن القرآن هو أم لا؟ رواه مسلم عن زهير، عن حجاج.

الطبقة السادسة والعشرون

ابن الخاضبة

الشيخ الإمام، المحدث الحافظ، الصادق القدوة، بركة المحدثين، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور البغدادي الدقاق، عرف بابن الخاضبة. أخبرنا المقداد بن أبي القاسم في كتابه، أخبرنا أبو البقاء النحوي ببغداد، أخبرنا محمد بن عبد الباقي، حدثنا محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، حدثنا عبيد الله بن محمد، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخله الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، فإذا دخل آخرهم أغلق". أخرجه البخاري عن خالد، ومسلم عن ابن أبي شيبة، فوافقناهما.
ولد سنة نيفٍ وثلاثين وأربع مئة. وسمع من مؤدبه أبي طالبٍ عمر بن محمد بن الدلو في سنة ستٍّ وأربعين، قال: حدثنا عنه أبو عمر بن حيويه، فهذا أقدم شيخٍ له، وأخذ عن أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، والحافظ أبي بكر بن ثابت الخطيب، وأبي محمد ابن هزارمرد الصريفيني، وأبي الحسين بن النقور، وإمام جامع دمشق عبد الصمد بن تميم، وأبي الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي _ صادفه ببيت المقدس _ وأبي الغنائم محمد بن الغراء، وخلقٍ من طبقتهم، وبعدهم.
وقرأ للناس الكثير، هو كان مقرئ المحدثين ببغداد، وكتب، وخرج، وأفاد، وهو متوسطٌ في الفن، مع ديانة متينة، وتعبد وفصاحة، وحسن قراءة.
حدث عنه: القاضي أبو علي بن سكرة، وأبو الفضل محمد بن طاهر، وأبو الفتح بن البطي، وجماعةٌ يسيرة، فإنه توفي قبل أن ينفق مروياته. قال أبو علي الصدفي: كان أبو بكر محبوباً إلى الناس كلهم، فاضلاً حسن الذكر، ما رأيت مثله على طريقته، وكان لا يأتيه مستعيرٌ كتاباً إلا أعطاه أو دله عليه.
وسمعت أبا الوفاء بن عقيل الحنبلي الإمام يقول: وذكر شدة إصابته بمطالبةٍ طولب بها، وأنه كانت له عند ذلك خلواتٌ يدعو ربه فيها ويناجيه، فقرأ عليّ مناجاته يقول: ولئن قلت لي يا ربّ: هل واليت فيّ ولياً؟ أقول: نعم يا ربّ، أبو بكر بن الخاضبة، ولئن قلت لي: هل عاديت فيّ عدواً؟ فأقول: نعم يا ربّ. ولم يسمه. قال: فأخبرت ابن الخاضبة بقوله، فقال: اغترّ الشيخ.
قال أبو سعدٍ السمعاني: نسخ ابن الخاضبة صحيح مسلم بالأجرة سبع مراتٍ.
قال محمد بن طاهر: ما كان في الدنيا أحدٌ أحسن قراءةً للحديث من ابن الخاضبة في وقته، لو سمع إنسانٌ بقراءته يومين، لما ملّ.
قال السلفي: سألت أبا الكرم خميساً الحوزي عن ابن الخاضبة، فقال: كان علامةً في الأدب، قدوةً في الحديث، جيد اللسان، جامعاً لخلال الخير، ما رأيت ببغداد من أهلها أحسن قراءةً للحديث منه، ولا أعرف بما يقوله.
قال ابن النجار: كان ابن الخاضبة ورعاً تقيًّا، زاهداً ثقة، محبوباً إلى الناس، روى اليسير.
وقال علي بن محمد الفصيحي: ما رأيت في أصحاب الحديث أقوم باللغة من ابن الخاضبة.
قال السلفي: وسألت أبا عامر العبدري عن ابن الخاضبة، فقال: كان خير موجودٍ في وقته، وكان لا يحفظ، إنما يعول على الكتب.
ابن طاهر: سمعت ابن الخاضبة، وكنت ذكرت له أن بعض الهاشميين حدثني بأصبهان أن أبا الحسين بن المهتدي بالله يرى الاعتزال، فقال: لا أدري، لكن أحكي لك: لما كان سنة الغرق، وقعت داري على قماشي وكتبي، ولم يكن لي شيء، وعندي الأم، والزوجة والبنات، فكنت أنسخ، وأنفق عليهن، فأعرف أنني كتبت صحيح مسلم في تلك السنة سبع مراتٍ، فلما كان في ليلةٍ من الليالي، رأيت القيامة قد قامت، ومنادٍ ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت، فقيل لي: ادخل الجنة، فلما دخلت الباب، وصرت من داخل، استلقيت على قفاي، ووضعت إحدى رجلي على الأخرى، وقلت: استرحت والله من النسخ، فرفعت رأسي، فإذا ببغلة في يد غلامٍ، فقلت: لمن هذه؟ قال: للشريف أبي الحسين بن الغريق، فلما أصبحت، نعي لنا الشريف، رحمه الله. أبو القاسم بن عساكر: سمعت أبا الفضل محمد بن محمد بن عطاف، يحكي أنه طلع في بعض أولاد الرؤساء ببغداد إصبعٌ زائدة، فاشتد ألمه له، فدخل عليه ابن الخاضبة، فمسح عليها، وقال: أمرها يسير، فلما كان الليل نام وانتبه، فوجدها قد سقطت، أو كما قال.
قال ابن عساكر: سمع ابن الخاضبة بالقدس من عبد الرحيم البخاري، وأحمد بن علي الدينوري، وكتب الكثير، وكان مفيد بغداد في وقته، وكان صالحاً متواضعاً. مات ابن الخاضبة في ثاني ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة. وكانت جنازته مشهودةً، وختم على قبره عدة ختمات.
أخبرنا القاسم بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا عبد اللطيف الطبري، أخبرنا محمد بن البطي، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الباقي، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا ابن أبي الفوارس، حدثنا الحسين بن أحمد الهروي الصفار، قال: كنت عند الشبلي، فسأله بعض المتصوفة: الرجل يسمع قولاً لا يفهمه، فيتواجد عليه، فأنشأ يقول:

ربَّ ورقاء هتوفٍ في الضحى

 

ذات شجوٍ صدحت في فنـن

فبـكـائي ربـمـا أرّقـهـا

 

وبكاهـا ربـمـا أرّقـنـي

ولقد أشكو فما أفـهـمـهـا

 

ولقد تشكو فما تفـهـمـنـي

غير أني بالجوى أعـرفـهـا

 

وهي أيضاً بالجوى تعرفنـي

وفيها مات أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاّني، والمقرئ أحمد بن عمر بن الأشعث، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن السراج، والمحدث عبد الله بن يوسف الجرجاني، والمحدث عبد المحسن بن محمد الشيحي، وأبو مروان عبد الملك بن سراج لغوي زمانه بالأندلس، ومسند الوقت القاسم بن الفضل الثقفي، وأبو عبد الله محمد بن علي العميري الزاهد، وأبو المظفر منصور بن محمد السمعاني.

أبو المظفر السمعاني

الإمام العلامة، مفتي خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر منصور ابن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني، المروزي، الحنفي كان، ثم الشافعي.
ولد سنة ستٍّ وعشرين وأربع مئة. وسمع أبا غانم أحمد بن علي الكراعي، وأبا بكر بن عبد الصمد الترابي، وطائفةً بمرو، وعبد الصمد بن المأمون، وطبقته ببغداد، وأبا صالحٍ المؤذن، ونحوه بنيسابور، وأبا علي الشافعي، وأبا القاسم الزنجاني بمكة، وأكبر شيخٍ له الكراعي، وبرع في مذهب أبي حنيفة على والده العلامة أبي منصور السمعاني، وبرز على الأقران.
روى عنه: أولاده، وعمر بن محمد السرخسي، وأبو نصر محمد بن محمد الفاشاني، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو نصر الغازي، وأبو سعد بن البغدادي، وخلقٌ كثير.
حج على البرية أيام انقطع الركب، فأخذ هو وجماعةٌ، فصبر إلى أن خلصه الله من الأعراب، وحج وصحب الزنجاني. كان يقول: أسرونا، فكنت أرعى جمالهم، فاتفق أن أميرهم أراد أن يزوج بنته، فقالوا: نحتاج أن نرحل إلى الحضر لأجل من يعقد لنا. فقال رجل منا: هذا الذي يرعى جمالكم فقيه خراسان، فسألوني عن أشياء، فأجبتهم، وكلمتهم بالعربية، فخجلوا واعتذروا، فعقدت لهم العقد، وقلت الخطبة، ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئاً، فامتنعت، فحملوني إلى مكة وسط العام.
قال عبد الغافر في تاريخه: هو وحيد عصره في وقته فضلاً وطريقةً، وزهداً وورعاً، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، وأخذ يطالع كتب الحديث، وحج ورجع، وترك طريقته التي ناظر عليها ثلاثين سنة، وتحول شافعيًّا، وأظهر ذلك في سنة ثمانٍ وستين، فاضطرب أهل مرو، وتشوش العوام، حتى وردت الكتب من الأمير ببلخ، في شأنه والتشديد عليه، فخرج من مرو، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم الموسوي، وطائفةٌ من الأصحاب وفي خدمته عدةٌ من الفقهاء، فصار إلى طوس، وقصد نيسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالاً عظيماً أيام نظام الملك، وعميد الحضرة أبي سعد، فأكرموه، وأنزل في عزٍّ وحشمة، وعقد له مجلس التذكير في مدرسة الشافعية، وكان بحراً في الوعظ، حافظاً، فظهر له القبول، واستحكم أمره في مذهب الشافعي، ثم عاد إلى مرو، ودرس بها في مدرسة الشافعية، وقدمه النظام على أقرانه، وظهر له الأصحاب، وخرج إلى أصبهان، وهو في ارتقاء.
صنف كتاب الاصطلام، وكتاب البرهان، وله الأمالي في الحديث، تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجةً لأهل السنة. وقال أبو سعد: صنف جدي التفسير، وفي الفقه والأصول والحديث، وتفسيره ثلاث مجلدات، وله الاصطلام الذي شاع في الأقطار، وكتاب القواطع في أصول الفقه، وله كتاب الانتصار بالأثر في الرد على المخالفين، وكتاب المنهاج لأهل السنة، وكتاب القدر، وأملى تسعين مجلساً. سمعت من يحكي عن رفيق جدي في الحج حسين بن حسن، قال: اكترينا حماراً، ركبه الإمام أبو المظفر إلى خرق، وبينها وبين مرو ثلاثة فراسخ، فنزلنا، وقلت: ما معنا إلا إبريق خزف، فلو اشترينا آخر؟ فأخرج خمسة دراهم، وقال: يا حسين، ليس معي إلا هذه، خذ واشتر، ولا تطلب بعدها مني شيئاً. قال: فخرجنا على التجريد، وفتح الله لنا.
وسمعت شهردار بن شيرويه، سمعت منصور بن أحمد، وسأله أبي، فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفياً، فبدا لي، وحججت، فلما بلغت سميراء، رأيت رب العزة في المنام، فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر، فانتبهت، وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي، فرجعت إليه.
وقال الحسين بن أحمد الحاجي: خرجت مع أبي المظفر إلى الحج، فكلما دخلنا بلدةً، نزل على الصوفية، وطلب الحديث، ولم يزل يقول في دعائه: اللهم بين لي الحق، فلما دخلنا مكة، نزل على أحمد بن علي بن أسد، وصحب سعداً الزنجاني حتى صار محدثاً.
وقرأت بخط أبي جعفر الهمذاني الحافظ: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطواف، فوصلت إلى الملتزم، وإذا برجل قد أخذ بردائي، فإذا الإمام سعدٌ، فتبسمت، فقال: أما ترى أين أنت؟! هذا مقام الأنبياء والأولياء، ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: اللهم كما سقته إلى أعز مكان، فأعطه أشرف عزٍّ في كل مكانٍ وزمانٍ، ثم ضحك إليّ، وقال: لا تخالفني في سرك، وارفع يديك معي إلى ربك، ولا تقولن البتة شيئاً، واجمع لي همتك حتى أدعو لك، وأمّن أنت، ولا يخالفني عهدك القديم، فبكيت، ورفعت معه يديّ، وحرك شفتيه، وأمّنت، ثم قال: مر في حفظ الله، فقد أجيب فيك صالح دعاء الأمة، فمضيت وما شيءٌ أبغض إلي من مذهب المخالفين.
وبخط أبي جعفر: سمعت إمام الحرمين يقول: لو كان الفقه ثوباً طاوياً، لكان أبو المظفر السمعاني طرازه. وقال الإمام أبو علي بن الصفار: إذا ناظرت أبا المظفر، فكأني أناظر رجلاً من أئمة التابعين، مما أرى عليه من آثار الصالحين.
قال أبو سعد: حدثنا أبو الوفاء عبد الله بن محمد، حدثنا أبوك أبو بكر يقول: سمعت أبي يقول: ما حفظت شيئاً فنسيته. وقال أبو سعدٍ: سمعت أبا الأسعد بن القشيري يقول: سئل جدك بحضور والدي عن أحاديث الصفات، فقال: عليكم بدين العجائز. إلى أن قال: ولد جدي سنة 426، وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة. عاش ثلاثاً وستين سنة رحمه الله.