الإمام القدوة الأثري، المتقن الحافظ، شيخ المحدثين، أبو عبد الله محمد
بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل، الأزدي، الحميدي،
الأندلسي؛ الميورقي، الفقيه الظاهري، صاحب ابن حزم وتلميذه وميورقة:
جزيرةٌ فيها بلدة حصينة تجاه شرق الأندلس، هي اليوم بأيدي النصارى.
قال: مولدي قبل سنة عشرين وأربع مئة. لازم أبا محمد علي بن أحمد
الفقيه، فأكثر عنه، وأخذ عن أبي عمر بن عبد البر، وطائفة، ثم ارتحل،
فأخذ بمصر عن القاضي أبي عبد الله القضاعي، ومحمد بن أحمد القزويني،
وأبي إسحاق الحبال، وعدةٍ، والحافظ عبد الرحيم بن أحمد البخاري، وسمع
بدمشق من أبي القاسم الحنائي، والحافظ أبي بكر الخطيب، وعبد العزيز
الكتاني، وسمع بالأندلس أيضاً من أبي العباس أحمد بن عمر بن دلهاث،
وبمكة من المحدثة كريمة المروزية، وبمصر أيضاً من عبد العزيز الضراب،
وابن بقاء الوراق، وببغداد من عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن
المهتدي بالله، وأبي محمد بن هزارمرد، وأبي جعفر بن المسلمة، وبواسط من
العلامة أبي غالب بن بشران اللغوي، وأكثر عن أصحاب أبي طاهر المخلص، ثم
عن أصحاب أبي عمر بن مهدي، إلى أن كتب عن أصحاب أبي محمد الجوهري، وجمع
وصنف، وعمل الجمع بين الصحيحين، ورتبه أحسن ترتيب.استوطن بغداد، وأول
ارتحاله في العلم كان في سنة ثمانٍ وأربعين أربع مئة. حدث عنه: الحافظ
أبو عامر العبدري، ومحمد بن طرخان التركي، ويوسف بن أيوب الهمذاني
الزاهد، وإسماعيل بن محمد التيمي صاحب الترغيب والترهيب، والقاضي محمد
بن علي الجلابي، والحسين بن الحسن المقدسي، وصديق بن عثمان التبريزي،
وشيخه أبو بكر الخطيب، ومات قبله بدهر، وأبو إسحاق بن نبهان الغنوي،
وأبو عبد الله الحسين بن نصر بن خميس الموصلي، وأبو القاسم إسماعيل بن
السمرقندي، وأبو الفتح محمد بن البطي، والحافظ محمد بن ناصر، وآخرون،
وكان من بقايا أصحاب الحديث علماً وعملاً وعقداً وانقياداً، رحمة الله
عليه.
قال محمد بن طرخان: سمعت أبا عبد الله الحميدي يقول: كنت أحمل للسماع
على الكتف، وذلك في سنة خمسٍ وعشرين وأربع مئة. فأول ما سمعت من الفقيه
أصبغ بن رشد، وكنت أفهم ما يقرأ عليه، وكان قد تفقه على أبي محمد بن
أبي زيد، وأصل أبي من قرطبة من محلة تعرف بالرصافة، فتحول وسكن جزيرة
ميورقة، فولدت بها.
قال يحيى بن البناء: كان الحميدي من اجتهاده ينسخ بالليل في الحر، فكان
يجلس في إجانة في ماء يتبرد به.
قال الحسين بن محمد بن خسرو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدق الباب على
الحميدي، وظن أنه أذن له، فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحميدي،
وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحد منذ عقلت.
قال أبو نصر بن ماكولا: لم أر مثل صديقنا أبي عبد الله الحميدي في
نزاهته وعفته، وورعه، وتشاغله بالعلم، صنف تاريخ الأندلس.
وقال يحيى بن إبراهيم السلماسي: قال أبي: لم تر عيناي مثل الحميدي في
فضله ونبله، وغزارة علمه، وحرصه على نشر العلم، وكان ورعاً تقياً،
إماماً في الحديث وعلله ورواته، متحققاً بعلم التحقيق والأصول على مذهب
أصحاب الحديث بموافقة الكتاب والسنة، فصيح العبارة، متبحراً في علم
الأدب والعربية والترسل.
إلى أن قال: وله كتاب جمل تاريخ الإسلام، وكتاب الذهب المسبوك في وعظ
الملوك، وكتاب الترسل، وكتاب مخاطبات الأصدقاء، وكتاب حفظ الجار، وكتاب
ذم النميمة، وله شعرٌ رصين في المواعظ والأمثال.
قال السلفي: سألت أبا عامر العبدري عن الحميدي، فقال: لا يرى مثله قط،
وعن مثله لا يسأل، جمع بين الفقه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس،
وكان حافظاً.
قلت: كان الحميدي يقصد كثيراً في رواية كتاب الشهاب عن مؤلفه، فقال:
صيرني الشهاب شهاباً. قال أبو علي الصدفي: كان الحميدي يدلني على
الشيوخ، وكان متقللاً _ من الدنيا _ يمونه ابن رئيس الرؤساء، ثم جرت لي
معه قصصٌ أوجبت انقطاعي عنه. وحدثني أبو بكر بن الخاضبة أنه ما سمع
الحميدي يذكر الدنيا قط.
قال محمد بن طرخان: سمعت الحميدي يقول: ثلاث كتبٍ من علوم الحديث يجب
الاهتمام بها: كتاب العلل، وأحسن ما وضع فيه كتاب الدار قطني.
قلت: وجمع كتاب العلل في عدة كتب علي بن المديني إمام الصنعة، وجمع أبو
بكر الخلال ما وقع له من علل الأحاديث التي تكلم عليها الإمام أحمد،
فجاء في ثلاثة مجلدات، وفيه فوائد جمة، وألف ابن أبي حاتم كتاباً في
العلل، مجلد كبير.
قال: والثاني كتاب المؤتلف والمختلف، وأحسن ما وضع فيه الإكمال للأمير
ابن ماكولا، وكتاب وفيات المشايخ، وليس فيه كتاب، _ يريد: لم يعمل فيه
كتاب عامٌّ _ قال الحميدي: وقد كنت أردت أن أجمع فيه كتاباً، فقال لي
الأمير: رتبه على حروف المعجم بعد أن ترتبه على السنين.
قلت: قد جمع الحافظ أبو يعقوب القراب في ذلك كتاباً ضخماً، ولم يستوعب،
ولا قارب، وجمع في ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن منده الأصبهاني كتاباً
كبيراً منثوراً، وعلى ما أشار به الأمير أبو نصر عملت أنا تاريخ
الإسلام، وهو كاف في معناه فيما أحسب، ولم يكن عندي تواريخ كثيرة مما
قد سمعت بها بالعراق، وبالمغرب وبرصد مراغة، ففاتني جملة وافرةٌ.
قال محمد بن طرخان: فاشتغل الحميدي بالصحيحين إلى أن مات. قال أبو عبد
الله الحميدي في تاريخه: أخبرنا أبو عمر بن عبد البر، أخبرنا عبد الله
بن محمد الجهني بمصنف النسائي قراءة عليه، عن حمزة الكناني، عنه.
قال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر الأزدي الأندلسي، سمع بميورقة من ابن
حزم قديماً، وكان يتعصب له، ويميل إلى قوله، وأصابته فيه فتنةً، ولما
شدد على ابن حزم، خرج الحميدي إلى المشرق. توفي الحميدي في سابع عشر ذي
الحجة سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة عن بضعٍ وستين سنة أو أكثر، وصلى
عليه أبو بكر الشاشي، ودفن بمقبرة باب أبرز، ثم إنهم نقلوه بعد سنتين
إلى مقبرة باب حرب، فدفن عند بشرٍ الحافي.
قال الحافظ ابن عساكر: كان الحميدي أوصى إلى الأجلّ مظفر بن رئيس
الرؤساء أن يدفنه عند بشرٍ، فخالف، فرآه بعد مدة في النوم يعاتبه،
فنقله في صفر سنة إحدى وتسعين، وكان كفنه جديداً، وبدنه طرياً يفوح منه
رائحة الطيب، رحمه الله، ووقف كتبه.
أخبرنا أبو الفهم بن أحمد، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، وقرأت على سنقر
الزيني بحلب، أخبرنا الموفق عبد اللطيف بن يوسف قالا: أخبرنا محمد بن
عبد الباقي، أخبرنا محمد بن أبي نصر الحافظ سنة 485، أخبرنا منصور بن
النعمان بمصر، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق القاضي، حدثنا علي بن عبد
الحميد الغضائري، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن
سلمة، وحماد بن زيد قالا: حدثنا عبد العزيز ابن صهيب، عن أنس بن مالك،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة"
رواه ابن ماجة من طريق حماد بن زيد، وهو غريب عن حماد بن سلمة، وأخرجه
مسلم من طريق ابن عُلية وغيره، عن عبد العزيز. ومن نظم الحميدي:
طريق الزّهد أفضل ما طريق |
|
وتقوى الله تأدية الحـقـوق |
فثق بالله يكفك واستـعـنـه |
|
يعنك وذر بنيات الـطـريق |
وله:
لقاء الناس ليس يفيد شـيئاً |
|
سوى الهذيان من قيلٍ وقال |
فأقلل من لقاء الـنـاس إلا |
|
لأخذ العلم أو إصلاح حال |
وله:
كتاب الله عز وجل قـولـي |
|
وما صحت به الآثار دينـي |
وما اتفق الجميع عليه بـدءاً |
|
وعوداً فهو عن حقٍّ مبـين |
فدع ما صدّ عن هذي وخذها |
|
تكن منها على عين اليقـين |
الخان أحمد، كان جباراً مارقاً، قام عليه الأمراء، وأمسكوه، ثم عقدوا له مجلساً، فادعوا أنه زنديق، فجحد، فأقاموا الشهود عليه بعظائم، فأفتى الفقهاء بقتله، فخنقوه، وسلطنوا بعده ابن عمه مسعوداً، سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
المسند، أبو الفتح عبد الواحد بن علوان بن عقيل بن قيس، الشيباني،
البغدادي، السقلاطوني، النصري، أخو عبد الرحمن. سمع أبا نصر أحمد بن
محمد بن حسنون، وأبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دوست، وأبا محمد الحسن
بن رامين.
حدث عنه: قاضي المارستان، وولده عبد الباقي، وإسماعيل بن السمرقندي،
وعبد الوهاب الأنماطي، وعمر بن ظفر، وأبو الكرم بن الشهرزوري، وفخر
النساء شهدة، وعتيق بن صيلاء. مولده سنة ثلاثٍ وأربع مئة.
قال شجاع الذهلي: توفي في رجب سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
أبو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي، ينتمي إلى
ابن الفرات الوزير. ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
سمع أباه، وعبد الرحمن بن أبي نصر، ومنصور بن رامش، والعتيقي. قال ابن
عساكر: حدثنا عنه هبة الله بن طاووس، ونصر بن أحمد ابن مقاتل، وعلي بن
أشليها، وأحمد بن سلامة، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وكان من
الأدباء، لكنه رافضيٌّ رقيق الدين، توفي في صفر سنة أربع وتسعين وأربع
مئة.
الأمير الكبير، قسيم الدولة أبو الفتح آقسنقر التركي الحاجب، مملوك السلطان ملكشاه السلجوقي، وهو جد نور الدين الشهيد، وقيل: لا، بل هو لصيق بملكشاه، فيقال: اسم أبيه آل ترغان كان رفيع الرتبة عند السلطان، وتزوج بداية الملك إدريس بن طغان، وقدم مع السلطان حلب حين حارب أخاه تاج الدولة، ففر، وتملكها ملكشاه سنة تسعٍ وسبعين وأربع مئة، فقرر نيابتها لآقسنقر، فأحسن السياسة، وأباد الدعار، وعمرت حلب، وقصدها التجار، وأنشأ منارة جامعها، فاسمه منقوش عليها، وبنى مشهد قرنبيا، ومشهد الذكر، وصار دخل البلد في اليوم ألفاً وخمس مئة دينار. وأما تاج الدولة، فاستولى على دمشق، فلما كان في سنة سبعٍ وثمانين، تحارب هو وآقسنقر، وعرض آقسنقر عشرين ألف فارس، والتقى الجمعان، فبرز آقسنقر بنفسه، وحمي الوطيس، ثم تفلل جمعه، وثبت آقسنقر فأسر في طائفة في فرسانه، فأمر تاج الدولة بضرب عنقه وأعناق أصحابه، وذلك في جمادى الأولى من السنة رحمه الله، ثم دفن بالمدرسة الزجاجية بحلب بعد أن دفن مدة بمشهد قرنبيا، نقله ولده الأتابك زنكي، وأنشأ عليه قبةً، ولما قتل كان ولده زنكي صبياً، وتنقلت به الأيام، ثم صار ملكاً.
الإمام العلامة الأديب، ذو الفنون أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي
الإشبيلي، والد القاضي أبي بكر. صحب ابن حزم، وأكثر عنه، ثم ارتحل
بولده أبي بكر، فسمعا من طراد الزينبي، وعدة، وكان ذا بلاغةٍ ولسنٍ
وإنشاء.
مات بمصر في أول سنة ثلاثٍ وتسعين وأربع مئة في عشر التسعين، فإن مولده
كان في سنة خمسٍ وثلاثين وأربع مئة. ورجع ابنه إلى الأندلس.
الشيخ
الإمام الحافظ المفيد أبو الفضل جعفر بن يحيى بن إبراهيم التميمي المكي
بن الحكاك.
سمع أبا ذرٍّ الحافظ، وأبا بكر محمد بن إبراهيم الأردستاني، وأبا الحسن
بن صخر، وأبا نصر عبيد الله السجزي، وعدةً. وقدم بغداد، فانتقى على أبي
الحسين بن النقور وطبقته.
قال ابن النجار: كان موصوفاً بالمعرفة والحفظ والإتقان والفقه والصدق،
وكان يترسل عن أمير مكة ابن أبي هاشم إلى الخليفة وإلى الملوك، ويتولى
قبض الأموال منهم، ويحمل كسوة الكعبة.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وصالح بن شافع، ومحمد ابن ناصر، ويحيى
بن عبد الباقي الغزال، ومحمد بن عبد الباقي بن البطي، وآخرون.
السلفي: حدثنا ابن الطيوري، سألت أبا بكر الخطيب عند قدومه من حجه:
أرأيت بمكة من يقيم الحديث؟ قال: لا، إلا شاباً يقال له جعفر ابن
الحكاك.
وقال المؤتمن الساجي: صحب جعفرٌ أبا ذرٍّ، وأبا نصر السجزي، وكان ذا
معرفة. وقال اليونارتي: كان ابن الحكاك من الفضلاء الأثبات.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: ثقةٌ مأمون. وقال أبو علي الصدفي: قرأت عليه
ببغداد كثيراً، وكان يفهم الحديث جيداً، مولده سنة ست عشرة وأربع مئة،
ومات في صفر سنة خمس وثمانين وأربع مئة.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم الطائي، أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن
إجازة، أخبرنا محمد بن ناصر، أخبرنا جعفر بن يحيى، أخبرنا محمد بن علي
بن محمد الأزدي بمكة، حدثنا عمر بن سيف، حدثنا محمد بن دليل، حدثنا عبد
الله بن خُبيق قال: قال بشر بن الحارث: النظر في وجه الظالم غيظٌ،
والأحمق سخنة العين، والبخيل قساوة القلب.
الشيخ
الإمام المحدث اللغوي الوزير الأكمل، حجة العرب، أبو مروان عبد الملك
بن قاضي الجماعة أبي القاسم سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج الأموي،
مولاهم القرطبي، إمام اللغة غير مدافعٍ.
ولد سنة أربع مئة في ربيع الأول، قاله لأبي علي الغساني.
روى عن: أبيه، وإبراهيم بن محمد الإفليلي، ويونس بن عبد الله ابن مغيث،
ومكي بن أبي طالب القيسي، وأبي عمرو السفاقسي، وجماعة. روى عنه: أبو
علي بن سكرة، وأبو عبد الله بن الحاج، وابنه الحافظ أبو الحسن سراج،
وطائفة.
قال ابن سكرة: هو أكثر من لقيته علماً بالآداب، ومعاني القرآن والحديث.
وقال القاضي عياض: الوزير أبو مروان الحافظ اللغوي النحوي، إمام
الأندلس في وقته في فنه، وأذكرهم للسان العرب، وأوثقهم على النقل، وكان
أبوه أبو القاسم من أفضل العلماء. إلى أن قال: وأخبرني أبو الحسين
الحافظ، أن مكي بن أبي طالب كان يعرض عليه تواليفه، ويأخذ رأيه فيها،
وإليه كانت الرحلة.
قال أبو الحسن بن مغيث: كان شيخنا أبو مروان بحر علم، عنده يسقط حفظ
الحفاظ، ودونه يكون علم العلماء، فاق الناس في وقته، وكان بقية الأشراف
والأعيان.
وقال أبو علي الغساني: متع بجوارحه على اعتلاء سنه، وكان متوقد الذهن،
سريع الخاطر، توفي يوم عرفة سنة تسع وثمانين وأربع مئة، رحمه الله.
العلامة البحر ذو الفنون أبو الوليد هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد
الكناني الأندلسي الطليطلي. عرف بالوقشي، ووقش: قرية على بريدٍ من
طليطلة. مولده سنة ثمان وأربع مئة. أخذ عن الحافظ أبي عمر الطلمنكي،
وأبي محمد بن عياش الخطيب، وأبي عمرو السفاقسي، وأبي عمر الحذاء،
وجماعة.
قال صاعد: أبو الوليد أحد رجال الكمال في وقته باحتوائه على فنون
المعارف، من أعلم الناس بالنحو واللغة ومعاني الشعر والبلاغة، بليغ
شاعر، حافظ للسنن وأسماء الرجال، بصير باعتقادات وأصول الفقه، واقفٌ
على كثيرٍ من فتاوى الأئمة، نافذٌ في الفرائض والحساب والشروط وفي
الهندسة، مشرفٌ على جميع آراء الحكماء، ثاقب الذهن، مع حسن المعاشرة،
ولين الكنف، وصدق اللهجة.
وقال ابن بشكوال: أخبرنا عنه أبو بحر الأسدي، وكان مختصاً به، وكان
يعظمه، ويقدمه، ويصفه بالاستبحار في العلوم، وقد نسبت إليه أشياء،
فالله أعلم.
وقال عياض: كان غايةً في الضبط، نسابةً، له تنبيهاتٌ وردود، نبه على
كتاب أبي نصر الكلابي، وعلى مؤتلف الدارقطني، وعلى الكنى لمسلم، ولكنه
اتهم بالاعتزال، وألف في القدر والقرآن، فزهدوا فيه. توفي سنة تسع
وثمانين وأربع مئة في جمادى الآخرة.
الشيخ
الإمام العلامة القدوة المحدث، مفيد الشام، شيخ الإسلام، أبو الفتح نصر
بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي الفقيه
الشافعي، صاحب التصانيف والأمالي.
ولد قبل سنة عشر وأربع مئة، وارتحل إلى دمشق قبل الثلاثين، فسمع صحيح
البخاري من أبي الحسن بن السمسار، صاحب الفقيه أبي زيد المروزي، وسمع
من عبد الرحمن بن الطبيز، وأبي الحسن محمد ابن عوف المزني، وابن سلوان
المازني، وطبقتهم، وسمع من هبة الله بن سليمان، وغيره، وبصور من الفقيه
سليم الرازي، وبغزة من محمد بن جعفر الميماسي، سمع منه الموطأ، وبالقدس
من أبي القاسم عمر بن أحمد الواسطي، وأبي العزائم محمد بن محمد بن
الغراء البصري، وأبي الفرج عبيد الله بن محمد المراغي النحوي، وأبي بكر
محمد بن الحسن البشنوي الصوفي، وعدة، وبميافارقين من أبي الطيب سلامة
بن إسحاق الآمدي، وسمع أيضاً من أبي علي الأهوازي المقرئ، ومن عبد
الوهاب بن الحسن بن برهان الغزال، لقيه بصور، وأجاز له من مكة أبو ذر
عبد بن أحمد الهروي، ومن بغداد القاضي أبو الطيب، ومن صيدا الحسن بن
محمد بن أحمد بن جميع وطائفة. وصنف كتاب الحجة على تارك المحجة، وأملى
مجالس خمسة، وبرع في المذهب.
تفقه على الدارمي، وعلى الفقيه سليم وغيرهما، واستوطن بيت المقدس مدةً
طويلة، ثم تحول في آخر عمره، وسكن دمشق عشر سنين، وتخرج به الأصحاب.
حدث عنه: الخطيب وهو من شيوخه، ومكي الرميلي، ومحمد ابن طاهر، وأبو
القاسم النسيب، وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم، والقاضي
المنتجب يحيى بن علي القرشي، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي،
وعلي بن أحمد بن مقاتل، وحسان بن تميم، ومعالي ابن الحبوبي، وأبو يعلى
حمزة بن الحبوبي، وحمزة بن أحمد بن كروس، والقاضي أبو بكر بن العربي،
وخلقٌ كثير. ولحقه أبو حامد الغزالي، وتفقه به، وناظره، وكان يشغل في
جامع دمشق في الزاوية الغربية الملقبة بالغزالية.
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: قدم دمشق سنة ثمانين وأربع مئة، فأقام
بها يدرس المذهب إلى أن مات، ويروي الحديث، وكان فقيهاً، إماماً،
زاهداً، عاملاً، لم يقبل صلةً من أحد بدمشق، بل كان يقتات من غلةٍ تحمل
إليه من أرض نابلس، فيخبز له كل يوم قرصه في جانب الكانون. حكى لنا
ناصر النجار _ وكان يخدمه _ من زهده وتقلله وتركه الشهوات أشياء عجيبة.
قال غيث بن علي الأرمنازي: سمعت الفقيه نصراً يقول: درست على الفقيه
سليم الرازي من سنة ثمان وثلاثين وأربع مئة إلى سنة أربعين، ما فاتني
منها درسٌ، ولا وجعت إلا يوماً واحداً، وعوفيت. وسألته في كم التعليقة
التي صنفها؟ قال: في نحو ثلاث مئة جزء، ما كتبت منها حرفاً إلا وأنا
على وضوء، أو كما قال. قال: وسمعت من يحكي أن الملك تاج الدولة تتش بن
ألب أرسلان زار الفقيه نصراً يوماً، فلم يقم له، ولا التفت إليه، وكذا
ابنه الملك دقاق، فسأله عن أحل الأموال التي يتصرف فيها السلطان، قال:
أحلها أموال الجزية، فقام من عنده، وأرسل إليه بمبلغ، وقال: هذا من
الجزية، ففرقه على الأصحاب، فلم يقبله، وقال: لا حاجة بنا إليه، فلما
ذهب الرسول، لامه الفقيه نصر المصيصي، وقال: قد علمت حاجتنا إليه،
فقال: لا تجزع من فواته، فسوف يأتيك من الدنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان
كما تفرس فيه.
قال الحافظ ابن عساكر: كان رحمه الله على طريقةٍ واحدة من الزهد
والتنزه عن الدنيا والتقشف، حكى لي بعض أهل العلم قال: صحبت إمام
الحرمين بخراسان، والشيخ أبا إسحاق ببغداد، فكان طريقه عندي أفضل من
طريقة إمام الحرمين، ثم قدمت الشام، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت
طريقته أحسن من طريقتيهما.
قلت: كان الفقيه نصر يعرف أيضاً بابن أبي حائط، ألف كتاب الانتخاب
الدمشقي في بضعة عشر مجلداً، وله كتاب التهذيب في المذهب، في عشرة
أسفار، وله كتاب الكافي في المذهب، ما فيه أقوال ولا وجوه، وعاش نيفاً
وثمانين سنة، رحمه الله، ودفن بمقبرة باب الصغير.
قال الحافظ أبو القاسم: توفي في المحرم سنة تسعين وأربع مئة.
قلت: في جالسه غلطاتٌ، وأحاديث واهية.
قرأت على أبي المحاسن محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العباسي
ببستانه، أخبرنا الفضل بن عقيل بن عثمان العباسي المعدل في سنة خمس
وعشرين وست مئة، أخبرنا أبو الندى حسان بن تميم الزيات سنة ثلاث وخمسين
وخمس مئة، أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم الفقيه، أخبرنا سليم بن
أيوب، أخبرنا القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، أخبرنا إسماعيل
بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق بن
همام، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني عبد الله بن عامر ابن ربيعة، عن
حارثة بن النعمان، قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه
جبريل جالس بالمقاعد، فسلمت عليه، واجتزت، فلما رجعت، وانصرف النبي صلى
الله عليه وسلم، قال لي: "هل رأيت الذي كان معي"؟ قلت: نعم، قال: "فإنه
جبريل، وقد رد السلام عليك".
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أخبرنا أحمد بن الخضر، أخبرنا حمزة
بن أحمد بن فارس، أخبرنا نصر بن إبراهيم الزاهد، حدثنا عبدوس بن عمر
التنيسي، أخبرنا أبو الفتح الفرغاني، أخبرنا علي بن عبد الله الصوفي،
حدثنا محمد بن الحسن المقرئ، سمعت يوسف بن الحسين، سمعت ذا النون يقول:
كان العلماء يتواعظون بثلاث، ويكتب بعضهم إلى بعض: من أحسن سريرته،
أحسن الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه
وبين الناس، وما أصلح أمر آخرته، أصلح الله أمر دنياه.
حكى الفقيه نصر عن شيخه نصر أنه قبل موته بلحظة سمعه وهو يقول: يا سيدي
أمهلوني، أنا مأمور وأنتم مأمورون، ثم سمعت المؤذن بالعصر، فقلت: يا
سيدي المؤذن يؤذن، فقال: أجلسني، فأجلسته، فأحرم بالصلاة، ووضع يده على
الأخرى وصلى، ثم توفي من ساعته، رحمه الله.
أرخ ابن عساكر وفاة الفقيه نصر في يوم عاشوراء سنة تسعين، فقال من
شيعه: لم يمكنا دفنه إلى قريب المغرب، لأن الخلق حالوا بيننا وبينه،
ولم نر جنازة مثلها، وأقمنا على قبره سبع ليالٍ.
قلت: وفيها مات شيخ المالكية أبو يعلى أحمد بن محمد بن الحسن العبدي
البصري ابن الصواف عن تسعين سنة، وله تصانيف جمة.
ومسند أصبهان أبو نصر عبد الرحمن بن محمد السمسار، خاتمة من روى عن أبي
عبد الله الجرجاني.
وشيخ همذان أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن محمد بن عبدوس عن خمس
وتسعين سنة.
وشيخ القراء ببغداد أبو القاسم يحيى بن أحمد السيبي، تلا على الحمامي،
وعمر مئةً وسنتين.
حكى الفقيه نصر الله، عن الفقيه نصر قال: أدركت القضاعي، ولو أردت أن
أسمع منه لفعلت، ولكني تورعت لأجل أنه كان يترسل للمصريين، ثم احتجت في
التخريج، فرويت عنه بالإجازة.
قال نصر الله: أول ما تفقه الفقيه نصر بالقدس، ثم سار إلى ديار بكر،
ورأى الكازروني، ثم لقي سليماً.
إلى أن قال: وكان أبوه فامياً، وكان الفقيه ربعةً، إلا أنه لم يبق منه
غير اللحم والعظم، وكان في القدس يعمل الدعوات لتلاميذه، وينفق عليهم
شيئاً كثيراً من وقفٍ كان عليهم.
الإمام الحافظ المحدث أبو علي الحسن بن عبد الملك بن علي بن موسى بن
إسرافيل النسفي، ولد مفتي نسف القاضي أبي الفوارس. ولد سنة أربع وأربع
مئة.
وسمع الكثير من الحافظ جعفر بن محمد المستغفري، ولازمه، ومن أبي نعيم
حسين بن محمد صاحب خاف الخيام، ومن معتمد بن محمد المكحولي، وعدد كثير
لا أعرفهم، وروى الكثير ببخارى وسمرقند.
حدث عنه: المحدث عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسين ابن علي
البزدوي، وأبو المعالي محمد بن نصر وآخرون.
لحق السمعاني وابنه عبد الرحيم أصحابه. توفي بنسف في الثاني والعشرين
من جمادى الآخرة، سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
الإمام المحدث الحجة، أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن
خداداد الكرجي الباقلاني البغدادي. ولد سنة ست عشرة وأربع مئة.
وسمع من أبي علي بن شاذان كتاب السنن لسعيد بن منصور، وسمع من
البرقاني، وعبد الملك بن بشران، وجماعة كتباً مطولة ينفرد بها، وهو ابن
خال الحافظ أبي الفضل بن خيرون، ورفيقه في الطلب.
روى عنه: أبو علي الصدفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وآخرون،
وأجاز للسلفي.
قال السمعاني: كان شيخاً عفيفاً زاهداً منقطعاً إلى الله، ثقةً فهماً،
لا يظهر إلا يوم الجمعة، سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: كان أبو طاهر
الباقلاني أكثر معرفةً من أبي الفضل بن خيرون، وكان زاهداً، حسن
الطريقة، ما حدث في الجامع، وكان يقول لنا: أنا بحكمكم إلا يوم الجمعة،
فإنه للتكبير والتلاوة، وكتبوا أسماء شيوخ بغداد لنظام الملك، وألحوا
على أبي طاهر، فما أجاب إلى المجيء إليه.
توفي في ربيع الآخر و تسع وثمانين وأربع مئة.
الشيخ
الثقة المأمون أبو الحسن بن الحسين بن علي بن أيوب البغدادي المراتبي
البزاز.
سمع: أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الغفار المؤدب.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن
ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وخطيب الموصل، وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: كان من خيار البغداديين، ومتميزيهم، ومن بيت
الصون والعفاف والثقة والنزاهة، ولد سنة عشر وأربع مئة، ومات يوم عرفة
سنة اثنتين وأربع مئة.
قال السلفي: سألت شجاعاً عنه، فقال: كان صحيح السماع، ثقةً في روايته،
سمعت منه.
وقال ابن سكرة: شيخٌ من التجار نبيلٌ بزازٌ مستور.
وقال أبو بكر بن العربي: هو ثقةٌ عدل، وأصله من الموصل.
وقال إسماعيل بن السمرقندي: سألته عن مولده، فقال: الغالب على ظني أنه
سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وفيها توفي شيخ القراء أبو البركات بن طاووس، وأبو الحسين أحمد بن عبد
القادر بن يوسف اليوسفي، ومسند بلخ أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد
الخليلي، وصاحب غزنة إبراهيم بن مسعود بن فاتح الهند محمود بن سبكتكين،
وشاعر وقته أبو القاسم أسعد بن علي الزوزني، وأبو تراب عبد الباقي بن
يوسف المراغي الفقيه، وأبو الحسن علي بن الحسن ابن الحسين الخلعي، وأبو
أحمد فضلان بن عثمان القيسي بأصبهان، والمحدث مكي بن عبد السلام
الرميلي شهيداً في أخذ بيت المقدس.
الشيخ
العالم الفقيه المعمر، أبو العباس الفضل بن عبد الواحد بن الفضل
السرخسي ثم النيسابوري الحنفي التاجر.
سمع من: أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، وابن عبدان، وأبي سهل
بن حسنويه، والقاضي أبي بكر الحيري، وصاعد بن محمد القاضي، وأبي بكر
محمد بن عبويه المروزي الأنباري بمرو، وأبي سهل الكلاباذي ببخارى.
مولده في سنة أربع مئة، وقدم بغداد في سنة عشر مع أبيه للتجارة.
قال السمعاني: شيخٌ مسن معمر، حسن السيرة، ذو نعمة وثروة، حدثنا عنه
عمي الحسن، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو مضر الطبري، وعبد
الله بن الفراوي، وناصر بن سلمان الأنصاري، وجماعة كثيرة.
قال: وقرأت بخط إسماعيل بن عبد الغافر: طلبوا من الفضل هذا ألفي دينار،
وأخذوه، وضمنه ابن صاعد، وبقي أياماً، ومات في جمادى الأولى سنة أربع
وتسعين وأربع مئة، وما وجدوا له شيئاً، فإن ابنه هرب وأصحابه، وكان
صلباً في مذهب أبي حنيفة. وفيها مات أبو الفضل أحمد بن علي بن الفرات
بدمشق، وكان يترفض، والمفتي سعد بن علي العجلي بهمذان، وعبد الخالق بن
محمد ابن خلف المؤدب ابن الأبرص؛ لقي اللالكائي، وشيخ الشافعية أبو
الفرج عبد الرحمن بن أحمد المروزي البزاز، والعلامة أبو سعيد عبد
الواحد بن القشيري، وعزيزي بن عبد الملك الجيلي القاضي شيذله، ومحمد
ابن الحسن الراذاني الحنبلي العابد، وأبو مسعود محمد بن عبد الله بن
أحمد السوذرجاني، والقاضي أبو نصر بن ودعان الموصلي، ومنصور بن بكر بن
حيد، ونصر بن البطر مسند الوقت، وعلي بن أحمد بن الأخرم المؤذن.
الإمام الحافظ المجود، الحجة الناقد، محدث الأندلس أبو علي الحسين بن
محمد بن أحمد الغساني، الأندلسي، الجياني، صاحب كتاب تقييد المهمل.
مولده في المحرم سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
حدث عن: حكم بن محمد الجذامي، وهو أعلى شيخٍ له، وحاتم ابن محمد
الطرابلسي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي عبد الله محمد بن عتاب، والمحدث
أبي عمر بن الحذاء، وأبي شاكر عبد الواحد القبري، وسراج بن عبد الله
القاضي، وأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وأبي العباس أحمد بن عمر بن
دلهاث، وطائفة سواهم.
ولم يرحل من الأندلس، وكان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية، بارع اللغة،
مقدماً في الآداب والشعر والنسب. له تصانيف كثيرة في هذه الفنون، نعته
بهذا وأكثر منه خلف بن عبد الملك الحافظ، وقال: أخبرنا عنه غير واحدٍ،
ووصفوه بالجلالة، والحفظ، والنباهة والتواضع، والصيانة.
قال أبو زيد السهيلي في الروض الأنف: حدثنا أبو بكر بن طاهر، عن أبي
علي الغساني، أن أبا عمر بن عبد البر قال له: أمانة الله في عنقك؛ متى
عثرت على اسمٍ من أسماء الصحابة لم أذكره؛ إلا ألحقته في كتابي، يعني
الاستيعاب.
قال ابن بشكوال: سمعت أبا الحسن بن مغيث قال: كان أبو علي الجياني من
أكمل من رأيت علماً بالحديث، ومعرفةً بطرقه، وحفظاً لرجاله، عانى كتب
اللغة، وأكثر من رواية الأشعار، وجمع من سعة الرواية ما لم يجمعه أحدٌ
أدركناه، وصحح من الكتب ما لم يصححه غيره من الحفاظ، فكتبه حجةٌ بالغة،
جمع كتاباً في رجال الصحيحين سماه تقييد المهمل وتمييز المشكل، وهو
كتابٌ حسنٌ مفيدٌ، أخذه الناس عنه، قال ابن بشكوال: سمعناه على القاضي
أبي عبد الله بن الحجاج عنه، لزم بيته لزمانةٍ لحقته.
قلت: وروى عنه أيضاً: محمد بن محمد بن حكم الباهلي، ومحمد ابن أحمد بن
إبراهيم الجياني، الملقب بالبغدادي، والقاضي أبو علي بن سكرة، وأبو
العلاء زهر بن عبد الملك الإيادي، وعبد الله بن أحمد بن سماك الغرناطي،
والحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن أبي ليلى، ويوسف بن يبقى النحوي، ومحمد
بن عبد الله بن خليل القيسي مسند مراكش، فحدث عنه بصحيح مسلم في سنة
سبعين وخمس مئة.
توفي الأستاذ الحافظ أبو علي في ليلة الجمعة، ثاني عشر شعبان سنة ثمان
وتسعين وأربع مئة.
أخبرنا الحسن بن علي الأمين، أخبرنا جعفر بن منير المالكي، أخبرنا أبو
محمد العثماني، أخبرنا محمد بن محمد بن حكم، أخبرنا الحافظ أبو علي
الغساني، حدثنا حكم بن محمد، حدثنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا أبو
القاسم البغوي بمكة إملاءً، سنة عشرٍ وثلاث مئة، حدثنا هدبة بن خالد،
حدثنا مبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "ما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما
حباً لصاحبه". هذا حديثٌ حسن الإسناد.
ومات مع أبي علي الحافظ، مفيد بغداد أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد
البرداني عن سبعين سنة، والحافظ مفيد أصبهان أبو بكر أحمد بن محمد بن
أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه، ومسند خراسان أبو علي نصر الله بن
أحمد بن عثمان الخشنامي، وشيخ الحرم المفتي أبو عبد الله الحسين بن علي
الطبري الشافعي، ومقرئ بغداد أبو المعالي ثابت بن بندار البقال، ومسند
بغداد الشريف أبو الفضل محمد بن عبد السلام الأنصاري.
الإمام الحافظ، محدث هراة، الحاكم أبو عبد الله الحسين بن محمد الكتبي
الهروي المؤرخ.
سمع سعيد بن العباس القرشي، والحافظ أبا يعقوب القراب، وسالم ابن عبد
الله أبا معمر وطبقتهم.
وعنه: أبو النضر الفامي، وعبد الرشيد بن ناصر، وعبد الملك بن عبد الله،
ومسعود بن محمد الغانمي، وآخرون. أثنى عليه السمعاني، وقال: له عناية
تامة بالتواريخ، ويلقب بحاكم كراسة. مات في صفر سنة ست وتسعين وأربع
مئة، وله سبع وثمانون سنة.
الإمام المحدث الجوال الصدوق، أبو منصور عبد المحسن بن محمد ابن علي بن
أحمد بن علي بن شهدانكه الشيحي، ثم البغدادي، الفقيه، المالكي، النصري،
من محلة النصرية، التاجر، السفار.
قال غيث بن علي قال لي: ولدت في سنة إحدى وعشرين وأربع مئة، وسمعت في
سنة 427.
سمع: أبا بكر أحمد بن محمد بن الصقر، وأبا منصور محمد بن محمد بن
السواق، وعبد العزيز بن علي الأزجي، وأبا طالب بن غيلان، وأبا محمد
الخلال، وعدة، وبمصر أبا الحسن بن الطفال، وأبا القاسم الفارسي، وبدمشق
أبا عبد الله محمد بن يحيى بن سلوان، وبالرحبة عبيد الله بن أحمد
الرقي، وعدة، وكتب بخطه أكثر تصانيفه.
حدث عنه: الخطيب شيخه، وأبو السعود المجلي، وإسماعيل بن السمرقندي،
وأبو الفتح بن عبد السلام، والفقيه سعيد بن محمد الرزاز، وابن ناصر،
وابن الزاغوني، وابن البطي، وخلقٌ.
سئل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، فقال: شيخٌ جليلٌ فاضلٌ ثقةٌ.
وقال أبو عامر العبدري: كان من أنبل من رأيت وأوثقه.
وقال أبو علي بن سكرة: كان فاضلاً نبيلاً كيساً ثقة، وكان عنده أصل أبي
بكر الخطيب بتاريخ بغداد، خصه به. قال السمعاني: هو الذي نقل الخطيب
إلى العراق، فأهدى إليه تاريخه بخطه.
وقال البرداني: كان أميناً سرياً متمولاً، كتب كثيراً، مات في جمادى
الأولى سنة تسع وثمانين وأربع مئة.
العلامة، شيخ الشافعية، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن محمد ابن أحمد
بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن زاز، السرخسي
الشافعي، فقيه مرو، ويعرف بالزاز.
كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، اشتهرت كتبه، وكثرت تلامذته، وقصد من
النواحي. تفقه بالقاضي حسين، وسمع الأستاذ أبا القاسم القشيري، والحسن
ابن علي المطوعي، وأبا المظفر محمد بن أحمد التميمي، وخلقاً كثيراً،
وعني بالآثار. حدث عنه أحمد بن محمد بن إسماعيل النيسابوري، وأبو طاهر
السنجي، وعمر بن أبي مطيع، وآخرون، ومات قبل محل الرواية، فقل ما خرج
عنه.
صنف كتاب الإملاء في المذهب، وانتشر في البلاد، وكان من أئمة الدين،
ثخين الورع، محتاطاً في القوت، بحيث إنه ترك أكل الرز، لأنه لا يزرعه
إلا الجند، وكان عديم النظير في الفتوى.
توفي في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين وأربع مئة عن نيف وستين سنة، رحمه
الله.
الحافظ الإمام البارع، محدث همذان، أبو الفرج إسماعيل بن محمد بن
عثمان، القومساني، ثم الهمذاني، العابد.
روى عن جده عثمان بن أحمد بن مزدين، ووالده أبي الفضل، وعمر ابن
جاباره، وابن غزو النهاوندي، وطبقتهم، وببغداد أبي الحسين بن المهتدي
بالله، وطبقته.
قال شيرويه: هو شيخ بلدنا، والمشار إليه بالصلاح، وكان ثقةً حافظاً،
حسن المعرفة بالرجال والمتون، وحيد عصره في حفظ شرائع الإسلام وشعاره،
توليت غسله في المحرم سنة سبع وتسعين وأربع مئة، وعاش ثمانياً وخمسين
سنة. وذكره السلفي فيمن أجاز له، وأنه مشهور بالمعرفة التامة بالحديث.
السلطان الكبير، أبو المظفر إبراهيم ابن السلطان مسعود ابن السلطان
فاتح الهند ومبيد البد، محمود بن سبكتكين، صاحب غزنة.
كان إبراهيم ملكاً عادلاً، منصفاً سائساً، شجاعاً مقداماً جواداً،
محبباً إلى الرعية، واسع الممالك، دام في السلطنة أربعين سنة، وعاش
سبعين سنة، توفي سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
الفقيه العلامة، شيخ المالكية، أبو يعلى، أحمد بن محمد بن حسن بن علي
بن زكريا، العبدي، البصري، المالكي، ويعرف بابن الصواف، مسكنه القسامل،
محلة البصرة. ولد سنة أربع مئة.
وسمع إبراهيم بن طلحة، وعدة بالبصرة، وابن شاذان، والبرقاني ببغداد.
حدث عنه: أبو علي الصدفي، وأبو بكر عتيق النفزاوي، وجابر بن محمد
البصري، وأبو أحمد البوشنجي. تفقه بعلي بن هارون البصري، وصنف
التصانيف، وتخرج به أئمة، منهم أبو منصور بن باخي، وأبو عبد الله بن
ضابح. وسمع منه خلق، وأملى مجالس، وكان زاهداً عابداً قانعاً مهيباً.
قال جابر بن محمد: كان فريد عصره، وكان له معرفة بالحديث، وقيل: كان
إماماً في عشرة علوم، مات رحمة الله عليه في رمضان، سنة تسعين وأربع
مئة، وقد كمل التسعين.
قال القاضي عياض: كان أبو يعلى العبدي يملي الحديث، وعلى رأسه مستمليان
يسمعان الناس، سمع منه عالمٌ عظيمٌ.
وقال السمعاني: كان مدرساً متزهداً، خشن العيش، مجداً في العبادة، ذا
سمتٍ ووقار.
الشيخ
العالم الزاهد، بقية المسندين، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد
بن عبد الله بن إسماعيل بن أخرم المديني، ثم النيسابوري، الصندلي
المؤذن. مولده في رجب سنة خمس وأربع مئة.
سمع أبا عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبا القاسم عبد
الرحمن بن محمد السراج، وأبا بكر الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا نصر
أحمد بن علي الزاهد، وأبا صادق محمد بن أحمد ابن شاذان العطار،
والأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني، وأبا عبد الله الحسين ابن محمد بن
منجويه، وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ، وطائفة، وعقد مجلس الإملاء،
وحضره الأعيان.
حدث عنه: عبد الله بن محمد الفراوي، وأبو العباس العصاري، وعمر بن
الصفار، وعبد الخالق بن زاهر، والوزير سعد بن سهل الفلكي، وآخرون.
قال عبد الغافر في تاريخه: شيخٌ عابدٌ فاضلٌ جليلٌ، من تلامذة الإمام
أبي محمد الجويني، كان يسكن المدينة الداخلة، لزم مسجده سنين، منزوياً
عن الناس، قل ما يخرج، روى عنه خلقٌ كثير، وعقد مجلس الإملاء، توفي في
ثامن عشر المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مئة، رحمه الله. وفيها مات معه:
العتبي النيسابوري، من ذرية عتبة بن غزوان الصحابي. روى عن: الحيري، والصيرفي، وعنه عبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر.
القاضي الإمام المحدث الحافظ، أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني. ولد
سنة تسع وأربع مئة.
وسمع حمزة بن يوسف السهمي، وأحمد بن محمد الخندقي، وأصحاب ابن عدي،
والإسماعيلي، وبنيسابور من أبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر بن محمد
الفارسي، وهذه الطبقة. وجمع وصنف، وكان ذا حفظٍ وفهمٍ، جمع كتاباً في
مناقب الشافعي، وآخر في مناقب أحمد.
حدث عنه: ابن أخته تميم بن أبي سعيد المؤدب، والجنيد بن محمد القايني،
وعلي بن حمزة الموسوي، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد هبة الرحمن بن
القشيري، وآخرون.
عاش ثمانين عاماً، وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وأربع مئة. ومن
شيوخه أبو نعيم عبد الملك بن محمد الأستراباذي الصغير، صاحب أبي بكر
الإسماعيلي، وأبو معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي.
الإمام الزاهد المسند، شيخ الصوفية، أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن
زكريا الطريثيثي، ثم البغدادي الصوفي، المعروف بابن زهراء.
مولده في شوال سنة إحدى عشرة وأربع مئة، وقرأت بخط السلفي أنه سمع أبا
بكر يقول: إنه ولد في شوال سنة اثنتي عشرة وأربع مئة.
سمع أباه، وابن الفضل القطان، وهبة الله بن الحسن اللالكائي، وأبا
القاسم الحرفي، وأبا الحسن بن مخلد، وأبا علي بن شاذان، وعدة، وزعم أنه
سمع من أبي الحسن بن رزقويه.
قال السمعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بادعاء السماع
من ابن رزقويه، ولم يصح سماعه منه.
وقال شجاع الذهلي: مجمع على ضعفه.
وقال السمعاني: له قدمٌ في التصوف، رأى المشايخ وخدمهم، وكان حسن
التلاوة، صحب أبا سعيد النيسابوري.
قلت: روى عنه أبو القاسم بن السمرقندي، وابن ناصر، وعبد الخالق
اليوسفي، وأبو الفتح بن البطي، وأبو الفضل الطوسي خطيب الموصل، وقد سمع
منه عبد الغافر الألمعي، وهبة الله الشيرازي، وعمر الرواسي.
قال إسماعيل بن السمرقندي: دخلت على ابن زهراء وهو يقرأ عليه جزءٌ لابن
رزقويه، فقلت: متى ولدت؟ قال: سنة اثنتي عشرة، فقلت: فابن رزقويه في
هذه السنة توفي! وأخذت الجزء، وضربت على التسميع، فقام وخرج من المسجد.
وقال ابن ناصر: كان كذاباً.
وقال السلفي: هو أجل شيخ رأيته للصوفية، وأكثرهم حرمةً وهيبة عند
أصحابه، لم يقرأ عليه إلا من اصلٍ، وكف بصره بأَخَرة، وكتب له أبو علي
الكرماني أجزاء طرية، فحدث بها اعتماداً عليه، ولم يكن ممن يعرف طريق
المحدثين ودقائقهم، وإلا فكان من الثقات الأثبات، وأصوله كالشمس
وضوحاً. وقال أبو المعمر الأنصاري: مولده في شوال سنة إحدى عشرة، وتوفي
في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
الإمام المحدث المتقن الرحال، أبو الفرج، سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد،
الإسفراييني، الصوفي، نزيل دمشق.
سمع بمصر علي بن حمصة، وعلي بن منير، وعلي بن ربيعة، ومحمد بن الحسين
الطفال، وحسن بن خلف الواسطي صاحب أبي محمد ابن ماسي، وببغداد أبا محمد
الجوهري، وبدمشق أبا عبد الله بن سلوان، ورشأ بن نظيف، وبالرملة محمد
بن الحسين بن الترجمان، وبصور سليم بن أيوب الرازي، وبتنيس علي بن
الحسين بن جابر، وبجرجان محمد بن عبد الرحيم. حدث عنه ابناه طاهر
والفضل، وجمال الإسلام علي بن المسلم، وهبة الله بن طاووس، ومحفوظ
النجار، ونصر الله بن محمد المصيصي، وأبو يعلى حمزة بن علي بن الحبوبي،
وعبد الرحمن بن أبي الحسن، وعدة.
قال غيث بن علي: سألت أبا بكر الحافظ عن سهل بن بشر، فقال: كيِّسٌ
صدوقٌ.
قال سهل: ولدت ببسطام سنة تسع وأربع مئة.
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وكان قد تتبع السنن
الكبير للنسائي وحصله، وسمعه بمصر.
الشيخ
النبيل العالم الثقة الرئيس، أبو الحسن، أحمد بن عبد القادر ابن محمد
بن يوسف البغدادي. ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وسمع أبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دوست، وأبا علي بن شاذان، وعبد
الملك بن بشران، وطبقتهم ببغداد، وأبا الحسن بن صخر، وأبا نصر السجزي
بمكة، وأبا الحسن بن حمصة الحراني بمصر، ومحمد بن الحسين بن الترجمان
بالرملة، وعدة سواهم.
حدث عنه: بنوه: عبد الله، والحافظ عبد الخالق، وعبد الواحد، ومحمد بن
ناصر الحافظ، وأبو الفتح بن البطي، وشهدة الكاتبة، وعتيق بن عبد العزيز
بن صيلاء، والخطيب أبو الفضل عبد الله بن أحمد الطوسي، وخلقٌ سواهم.
قال ابن ناصر: كان صالحاً ثقة.
وقال السمعاني: شيخٌ جليلٌ ثقةٌ خير، مرضي الطريقة، حسن السيرة، سافر
الكثير، ووصل إلى المغرب.
وقال ولده عبد الخالق: حدثني أخي، قال: رأيت في النوم والدي، فقلت: يا
سيدي، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي.
توفي أبو الحسين في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
قال شجاع الذهلي: كان ثقةً متحرياً.
وقال أبو نصر اليونارتي في معجمه: كان أحد الأئمة الورعين. صحب أبا
الحسن القزويني مدةً، ونظر في الفقه والأدب، وكان أوحدي الطريقة، ما
خرج إلينا فاستند لتواضعه، وما قام عنا إلا استأذن.
الشيخ
الجليل، قاضي الموصل، أبو نصر محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن
صالح بن سليمان بن ودعان، الموصلي. تردد إلى بغداد وحدث بها في آخر
أيامه.
قال: ولدت ليلة النصف من شعبان سنة اثنتين وأربع مئة، وذكر أنه من
ربيعة الفرس، وأول سماعه سنة ثمان وأربع مئة.
روى عن عمه أبي الفتح أحمد بن عبيد الله، ومحمد بن علي بن محمد بن
بحشل، والحسين بن محمد بن جعفر الصيرفي وغيرهم.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد النيسابوري بالحجاز، ومروان بن علي الطنزي
بديار بكر، وأبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، وأبو عبد الله بن
خسرو البلخي، وأبو طاهر السلفي، ووجيه الشحامي، وآخرون.
وإنما أوردته هنا لشهرته، وقد ذكرته في الميزان وأنه غير ثقة، ولا
مأمون. قال ابن النجار: أخبرنا علي بن مختار، أخبرنا السلفي، أخبرنا
أبو نصر بن ودعان ببغداد، أخبرنا عمي، أخبرنا نصر بن أحمد المرجئ،
أخبرنا أبو يعلى التميمي، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا محمد بن ثابت،
حدثنا جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس قال:
تضيفت ميمونة خالتي، وهي ليلتئذٍ لا تصلي، فجاء النبي صلى الله عليه
وسلم، وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقةً عند رأس
الفراش، فاتزر بها، وخلع ثوبيه، فعلقهما، ثم دخل معها، حتى إذا كان في
آخر الليل قام إلى سقاءٍ معلقٍ، فحله، ثم توضأ منه، فهممت أن أقوم،
فأصب عليه، ثم كرهت أن يرى أني كنت مستيقظاً، ثم أخذ ثوبيه، ثم قام إلى
المسجد، فقام يصلي، فقمت، فتوضأت، ثم جئت، فقمت عن يساره، فتناولني
بيده من ورائه، فأقامني عن يمينه، ثم جلس، وجلست إلى جنبه، فأصغى بخده
إلى خدي حتى سمعت نفس النائم، ثم جاء بلال، فقال: الصلاة يا رسول الله،
فقام إلى المسجد، فأخذ في الركعتين، وأخذ بلال في الإقامة.
قال السلفي: سألت شجاعاً الذهلي عن ابن ودعان، فلم يجب عنه. قال
السلفي: قرأت عليه الأربعين جمعه، ثم تبين لي حين تصفحت كتابه تخليطٌ
عظيمٌ يدل إلى كذبه، وتركيبه الأسانيد على المتون.
وقال ابن ناصر: رأيته ولم أسمع منه، لأنه كان متهماً بالكذب، وكتابه في
الأربعين سرقه من زيد بن رفاعة، وزيدٌ وضعه أيضاً، وكان كذاباً، ألف
بين كلماتٍ قد قالها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين كلماتٍ من كلام
لقمان والحكماء وغيرهم، وطول الأحاديث.
وقال السلفي: كان ابن ودعان خرج على كتاب زيد بن رفاعة كتابه _ بزعمه _
حين وقعت له أحاديثه عن شيوخه، فقد أخطأ، إذ لم يتبين ذلك في الخطبة،
وإن جاز سوى ذلك، فأطم وأعم، إذ غير متصور لمثله مع نزارة روايته، وقلة
طلبه، أن يقع له كل حديث فيه من رواية من أورده عنه.
وقال السلفي أيضاً: بلغنا أنه توفي في المحرم سنة أربع وتسعين وأربع
مئة بالموصل.
الشيخ
العالم المعمر الصالح الصادق أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان،
الخشنامي، النيسابوري.
سمع أبا عبد الرحمن السلمي، والقاضي أبا بكر الحيري، وعلي بن أحمد بن
عبدان، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وصار مسند وقته، وروايته عن
السلمي حضور، فإن أبا سعيد السمعاني أرخ مولده في رمضان سنة تسع وأربع
مئة، وقال: هو ثقةٌ صالح، روى عنه خلقٌ، ومات في شعبان سنة ثمان وتسعين
وأربع مئة.
قلت: وروى عنه حفيده مسعود بن أحمد، ومحمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر
محمد بن منصور السمعاني، وعبد الخالق بن زاهر، وعمر بن أحمد الصفار
الفقيه، وآخرون، ومن متأخريهم: سعيد بن سهل الفلكي الوزير.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا
سعيد بن سهل، حدثنا أبو علي نصر الله بن أحمد إملاءً بنيسابور، أخبرنا
محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا محمد بن سنان
القزاز، حدثنا محبوب بن الحسن، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عمران
بن حصين رضي الله عنهما، أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن
له مالٌ غيرهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجزأهم ثلاثةً، ثم
أقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرق أربعة.
الشيخ
الإمام العلامة، شيخ القراء، ذو الفنون، أبو داود سليمان بن أبي القاسم
نجاح مولى صاحب الأندلس المؤيد بالله هشام بن الحكم، المرواني
الأندلسي، القرطبي، نزيل دانية وبلنسية.
ولد سنة ثلاث عشرة وأربع مئة، وصحب أبا عمرو الداني وأكثر عنه، وتخرج
به، وهو أنبل أصحابه وأثبتهم، وأخذ أيضاً عن أبي عمر بن عبد البر، وابن
دلهاث، وأبي عبد الله بن سعدون، وأبي الوليد الباجي، وأبي شاكر الخطيب،
وعدة.
تلا عليه أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن غلام الفرس، وأبو علي الصدفي،
وأبو العباس بن عاصم الثقفي، وأحمد بن سحنون المرسي، وإبراهيم بن أحمد
البكري، وجعفر بن يحيى، ومحمد بن علي النوالشي، وعبد الله بن فرج
الزهيري، وأبو الحسن بن هذيل، وأبو داود سليمان بن يحيى القرطبي، وخلق.
ال ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وخيارهم، عالماً بالروايات وطرقها،
حسن الضبط، ثقةً ديناً، له التصانيف في معاني القرآن، وكان مليح الخط،
أخبرنا عنه جماعةٌ من شيوخنا، ووصفوه بالفضل والعلم والدين، مات في
رمضان سنة ست وتسعين وأربع مئة، وتزاحموا على نعشه، قرأت بخط تلميذٍ
أبي داود تسمية تواليفه، منها: البيان في علوم القرآن في ثلاث مئة جزء،
وكتاب التبيين لهجاء التنزيل ست مجلدات، وكتاب الاعتماد أرجوزة عارض
بها شيخه في أصول القرآن والدين عشرة أجزاء، وهي ثمانية عشر ألف بيت
ونيف، وكتاب الصلاة الوسطى مجلد، وعدة تواليف جملتها ستةٌ وعشرون
مصنفاً، وكان من بحور العلم، ومن أئمة الأندلس في عصره.
قلت: قرأت بالروايات من طريقه عن أبي عمرو الدالي.
الشيخ
الإمام القدوة الفقيه العلامة، بقية المشايخ، أبو تراب عبد الباقي بن
يوسف بن علي بن صالح بن عبد الملك بن هارون المراغي، النريزي، الشافعي،
نزيل نيسابور.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا طاهر بن عبد الرحيم
الأصبهاني، وعدة.
حدث عنه عمر بن علي الدامغاني، وأبو عثمان العصايدي، وزاهر ابن طاهر،
وابنه عبد الحق بن زاهر، وآخرون.
قال السمعاني: هو الإمام أبو تراب، عديم النظير في فنه، بهي المنظر،
سليم النفس، عاملٌ بعلمه، حسن الخلق، نفاعٌ للخلق، قوي الحفظ، فقيه
النفس، تفقه ببغداد على القاضي أبي الطيب.
قال أبو جعفر بن أبي الله الهمذاني: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد
البسطامي وغيره يقول: كنا عند الإمام أبي تراب حين دخل عبد الصمد ومعه
المنشور بقضاء همذان، فقام أبو تراب، وصلى ركعتين، ثم أقبل علينا،
وقال: أنا في انتظار المنشور من الله على يد عبده ملك الموت، أنا بذلك
أليق من منشور القضاء، ثم قال: قعودي في هذا المسجد ساعةً على فراغ
القلب أحب إلي من ملك العراقين، ومسألةٌ في العلم يستفيدها مني طالب
علمٍ أحب إلي من عمل الثقلين.
قال السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن أبي تراب المراغي، فقال: مفتي
نيسابور، أفتى سنين على مذهب الشافعي، وكان حسن الهيئة، بهياً، عالماً،
قيل: عاش ثلاثاً وتسعين سنة، مات في رابع عشر ذي القعدة سنة اثنتين
وتسعين وأربع مئة. وقيل: بل مولده سنة إحدى وأربع مئة.
الشيخ
العالم الصدوق أبو مكتوم عيسى بن الحافظ الكبير أبي ذر عبد بن أحمد
الأنصاري، الهروي، ثم السروي، تزوج والده في سراة بني شبابة، وتحول إلى
هناك من مكة مدةً، فولد عيسى في سنة خمس عشرة وأربع مئة.
وسمع من أبيه شيئاً كثيراً، ومن محمد بن الحسين الصنعاني، وغير واحد.
روى عنه أبو التوفيق مسعود بن سعيد، وأبو عبيد نعمة بن زيادة الله
الغفاري، وميمون بن ياسين المرابط، وابتاع منه صحيح البخاري أصل أبيه،
وعلي بن عمار المكي، وآخرون، والسلفي بالإجازة، وقال: اجتمعت أنا وهو
في الموقف سنة سبع لما حججت، وقلنا: نسمع منه بالحرم، فتعجل أبي النفر
الأول إلى السراة.
قلت: وبعد سنة سبع وتسعين وأربع مئة انقطع خبره، وانتقل إلى الله.
الإمام الكبير المقرئ أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بن هارون بن عبد
الرحمن بن عيسى بن داود الجراح، البغدادي، الكاتب.
سأله ابن السمرقندي عن مولده، فقال: في رجب سنة تسع وأربع مئة.
تلا على الحسن بن صقر الكاتب، وابن بكير النجار، وأحمد بن مسرور،
ومسافر بن عباد. وسمع من أبي القاسم بن بشران، ومحمد بن عمر بن بكير،
وطائفة، ونظم قصيدةً في القراءات مشهورة، سماها المسعدة، وأمَّ
بالخليفة المقتدي، وبأبيه المستظهر، وكان شافعياً ثقةً صدوقاً عالماً.
تلا عليه أممٌ، وختم عليه عدة، قرأ عليه سبط الخياط أبو محمد، وأبو
الكرم الشهرزوري، وسعد الله بن الدجاجي، وأبو طاهر السلفي.
وحدث عنه هؤلاء، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعمر المغازلي،
وخطيب الموصل أبو الفضل، وأسعد بن بلدرك، وآخرون.
قال السلفي: سألت شجاعاً الحافظ عنه، فقال: أحد القراء الحفاظ
المتقنين، من أهل الفضل والأدب، وله شعر جيد مدون.
وقال السلفي في معجمه: هو إمامٌ في اللغة، وشعره ففي أعلى درجةٍ، وخطه
فمن أحسن الخطوط، تلوت عليه بقراءة أبي عمرو التي قرأ بها على ابن
الصقر، والقول يتسع في فضائله. قال شجاع: توفي في العشرين من ذي الحجة
سنة سبع وتسعين وأربع مئة.
الإمام الواعظ المحدث المذكر أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك ابن منصور
الجيلي، نزيل بغداد.
سمع بجيلان من أبي سعد إسماعيل بن علي التميمي، وشيخ الإسلام الصابوني،
قدما عليه حاجين، وبآمل طبرستان الإمام أبا حاتم محمود بن الحسين
القزويني، وببغداد ابن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا منصور بن السواق،
وأبا الحسن العتيقي، وعلي بن أحمد الفالي، وعبيد الله بن شاهين،
والحافظ الصوري.
وعمل لنفسه معجماً، وله تصانيف في الوعظ، وكان عارفاً بمذهب الشافعي،
واعظاً، فصيحاً، ظريفاً، مليح النوادر.
روى عنه: أبو الحسن بن الخل الفقيه، والحسين بن علي بن سلمان،وشهدة
الكاتبة، وولي القضاء بباب الأزج.
قال السمعاني: سمعت علي بن طراد يقول: ضاع حمارٌ لسوادي بباب الأزج،
فتطلبه، فقال له عزيزي: خذ المقود، وشده في رقبة من أردت من أهل
المحلة، فإنهم مثل ما تطلبه.
قال ابن سكرة: كان شيذله شيخ الوعاظ، وكان متزهداً متقللاً، لم يكن
يدري ما الحديث، وكان شافعياً.
قلت: مات في صفر سنة أربع وتسعين، وأربع مئة.
الوزير الكامل عميد الدولة أبو منصور محمد بن الوزير الكبير الملك، فخر
الدولة محمد بن محمد بن جهير، وزر في أيام والده، وخدم ثلاثة خلفاء،
وأوصى به القائم حفيده المقتدي، وأثنى عليه، ثم وزر سنة اثنتين وسبعين،
واستقل خمس سنين، وعزل بأبي شجاع، ثم عزل أبو شجاع سنة أربع وثمانين،
واستوزر هذا، فدام تسعة أعوام، ولكن كانت وزارة الخلفاء هذا الزمان دون
رتبة وزارة السلطان، فكان نظام الملك أعلى رتبةً منه.
وكان عميد الدولة خبيراً، سائساً، شجاعاً، شهماً، تياهاً، فصيحاً،
أديباً، بالغاً، يتقعر كابن عباد في خطابه، وله هيبةٌ شديدة، وألفاظه
معدودة، مدحته الشعراء.
وفي الآخر حبسه المستظهر وصادر وزير السلطنة، ثم أخرج ميتاً في شوال
سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة، وكان بكبره يضرب المثل، ولكنه في النكبة
ذل، وخارت نفسه، وأناب إلى الله، وآخر ما سمع منه الشهادة، سامحه الله.
وعاش تسعاً وخمسين سنة. روى عن أبي نصر الزينبي، وغيره، وله نظم جيد.
الشيخ
المحدث المعمر، مسند وقته أبو مطيع محمد بن عبد الواحد ابن عبد العزيز
بن أحمد بن زكريا الضبي، المديني، الناسخ، المجلد الصحاف، الملقب
بالمصري.
سمع من الحافظ أبي بكر بن مردويه، وأبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعبد
الله بن محمد بن عقيل الباوردي، وأبي منصور معمر بن زياد، والحسين بن
إبراهيم الجمال، وأبي بكر بن أبي علي المعدل، وأبي زرعة روح بن محمد،
والفضل بن عبيد الله، وجماعة، تفرد بالرواية عن كثير منهم، وأملى عدة
مجالس.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن معمر اللنباني، وأبو حنيفة
محمد بن عبيد الله الخطيبي، ومحمد بن عبد الله بن علي المقرئ، وعمر بن
أبي سعد، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو
العباس الترك، وعدة.
قال السمعاني: كان صالحاً معمراً أديباً فاضلاً، مات سنة سبع وتسعين
وأربع مئة.
قلت: مات وهو في عشر المئة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو حنيفة
القاضي، حدثنا أبو مطيع، حدثنا أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا أحمد بن
هشام بن حميد، حدثنا يحيى بن أبي طالب، أخبرنا علي بن عاصم، أخبرنا
حصين، عن عامر، عن عروة البارقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "الخيل معقودٌ بنواصيها الخير"، قيل: وما ذاك؟ قال: "الأجر
والمغنم إلى يوم القيامة". اتفقا عليه من حديث حصين بن عبد الرحمن.
الإمام الحافظ العالم الشهيد أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين
الرميلي المقدسي، أحد الجوالين.
قال السمعاني: كان كثير التعب والسهر والطلب، ثقةً، متحرياً، ورعاً،
ضابطاً، شرع في تاريخٍ لبيت المقدس، سمع من محمد بن يحيى ابن سلوان،
وأبا عثمان بن ورقان، وأبا القاسم الحنائي، وعبد الباقي بن فارس، وعبد
العزيز بن الحسن الضراب، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب،
وخلقاً كثيراً بالشام ومصر والعراق والجزيرة وآمد. روى عنه: عمر
الرواسي، ومحمد بن علي المهرجاني، وعمار بن طاهر، وإسماعيل بن
السمرقندي، وأبو الحسن بن المسلم السلمي، وحمزة بن كروس، وغالب بن
أحمد، وآخرون.
ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وكان مفتياً على مذهب الشافعي،
وكانت الفتاوى تجيئه من البلاد، وكان عالماً ثبتاً، ابتلي بالأسر وقت
أخذ العدو بيت المقدس، وطلبوا في فدائه ذهباً كثيراً، فلم يفد، فقتلوه
بالحجارة عند البثرون، رحمه الله، في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وتسعين
وأربع مئة، وله سبعين سنة وأشهر.
وقتلوا بالقدس نحواً من سبعين ألفاً، ودام في أيديهم تسعين سنة.
الوزير الكبير، أبو الفضل أسعد بن موسى البلاشاني وزر للسلطان بركياروق، وكان فيه خيرٌ وعدلٌ وديانةٌ وقلة ظلم، وكان كبير الشأن، عالي الرتبة، وصار يعتضد بالباطنية، فقيل: رتب من قتل الأمير برسق، فنفر منه الأمراء، وقاموا عليه، وتنكروا لبركياروق، وما زالوا حتى غلب عنهم، وأسلمه إليهم، فقتلوه، وكان شيعياً قد هيأ في كفنه سعفةً وتربة، وكان له مع بدعته تهجد وتعبدٌ وصلاتٌ دارة على العلوية، قتل في رمضان سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
الإمام المعمر الواعظ مسند بخارى أبو الحسن علي بن محمد ابن حسين بن
خذام الخذامي البخاري. ولد سنة نيفٍ وأربع مئة.
وسمع من منصور الكاغدي، وحسين بن خضر النسفي القاضي، وأحمد بن محمد بن
القاسم الفارسي، وأحمد بن حسن المراجلي، وخلق.
روى عنه: عثمان بن علي البيكندي، وأبو ثابت الحسن بن علي البرديجي،
وأبو رجاء محمد بن محمد، ومحمد بن محمد السنجي، ومحمد بن علي الواعظ،
وآخرون، وعاش تسعين عاماً. توفي سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، أو قريباً
منها.
الشيخ
الجليل الأمين، أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حيد
بن عبد الجبار النيسابوري التاجر، نزيل بغداد.
سمع من جده أبي بكر بن حيد صاحب الأصم، وابن ناصر، والسلفي، وخطيب
الموصل، وشهدة بنت الإبري، وعدة.
مات في شوال سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وقد شاخ وأسن.
ابن
يحيى بن محمد بن إدريس، قاضي القضاة، جمال الإسلام، أبو العلاء الكناني
الهروي.
سمع أبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد الطرازي صاحبي الأصم،
وجده القاضي أبا نصر يحيى بن محمد، والقاضي أبا العلاء صاعد بن محمد
الحنفي، وأبا بشر الحسن بن أحمد المزكي، وسعيد بن العباس القرشي،
وطائفة، وانتخب عليه شيخ الإسلام أبو إسماعيل.
وحدث عنه: محمد بن طاهر، وحفيده نصر بن سيار بن صاعد. وكان صيناً
نزهاً، وقوراً علامةً، معظماً في النفوس، صاحب سنة وجماعة، عمر دهراً،
وكان مولده في وسط سنة خمس وأربع مئة.
ومن الرواة عنه: حفيده شهاب بن سيار، وعلي بن سهل الشاشي، وعبد المعز
بن بشر، ومحمد بن الفضل الدهان، وعبد الواسع بن عطاء، ومسرور بن عبد
الله الحنفي.
توفي في شهر رجب سنة أربع وتسعين وأربع مئة، وله تسعون سنة غير أشهر.
الشيخ
الثقة المسند أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن أحمد بن علي ابن أشتة
الأصبهاني الكاتب.
سمع الحافظ أبا سعيد محمد بن علي، وعلي بن ميلة الفرضي، وابن عقيل
البارودي، والفضل بن شهريار، وعدة. حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي،
وأبو سعد بن البغدادي، وأبو طاهر السلفي.
ملت في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وله اثنتان وثمانون سنة.
وفيها مات أبو العباس بن إبراهيم الرازي، ثم المصري ابن الحطاب،
والعابد أحمد بن سهل السراج بنيسابور، وأبو العباس أحمد بن محمد بن
بشرويه المحدث، ومسند الوقت طراد الزينبي، وسهل بن بشر الإسفراييني
محدث دمشق، والحافظ الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي، وعبد الرزاق بن
حسان بن سعيد المنيعي، وأبو الفتح عبد الواحد بن علوان الشيباني، وأبو
سعد محمد بن الحسين الحرمي المحدث، ومكي السلار، وهبة الله عبد الرزاق
الأنصاري صاحب الحفار.
الشيخ
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الساوي الكامخي، محدث رحال فاضل.
سمع بنيسابور القاضي أبا بكر الحيري، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي،
وأبا بكر البرقاني، وهبة الله اللالكائي، وطائفة. حدث عنه: إسماعيل بن
محمد الحافظ، وسعيد بن سعد الله الميهني، وأخواه هبة الله، وراضية،
وأبو زرعة المقدسي، وآخرون. حدث بمسند الشافعي من غير أصل.
قال ابن طاهر: سماعه فيما عداه صحيح.
قلت: حدث بحران غيبته سنة خمس وتسعين وأربع مئة.
وفيها توفي مفتي أصبهان حسين بن محمد الطبري، ثم البغدادي، الشافعي،
وصاحب مصر المستعلي أحمد بن المستنصر، وأبو طاهر خالد بن عبد الواحد
التاجر، ومعمر زمانه عبد الواحد بن عبد الرحمن الوركي، وأبا بكر محمد
بن أحمد بن الفقير ببغداد، وأبو ياسر محمد ابن عبد العزيز الخياط، سمعا
من أبي القاسم بن بشران، وشيخ الشافعية و الحسن بن أبي عاصم العبادي
المروزي مصنف كتاب الرقم في المذهب، وله ثمانون سنة.
الشيخ
الصالح الثقة أبو عبد الله الحسين بن الشيخ أبي القاسم علي بن أحمد بن
محمد بن البسري البندار البغدادي، بقية المشيخة، وآخر من حدث عن عبد
الله بن يحيى السكري. وسمع أيضاً من أبي الحسن بن مخلد، وأبي علي بن
شاذان، وأبي بكر البرقاني، وطائفة.
حدث عنه أبو علي بن سكرة، وسعد الخير الأنصاري، وأبو طاهر السلفي، وعبد
الخالق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، وأبو الفتح بن شاتيل، وآخرون، وكان من
الصلحاء.
قال السلفي: لم يرو لنا عن السكري سواه.
قلت: ولد سنة تسع وأربع مئة أو نحوها، ومات في جمادى الآخرة سنة سبع
وتسعين وأربع مئة.
وفيها مات صاحب دمشق السلطان شمس الملوك، أبو نصر دقاق بن الملك تاج
الدولة تتش بن السلطان الكبير ألب أرسلان السلجوقي، وكانت دولته بعد
أبيه عشر سنين، ودفن بخانقاه الطواويس.
وفيها مات أبو ياسر أحمد بن بندار البقال، وأبو بكر محمد بن علي
الطريثيثي، والقاضي أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمزة الثقفي
الكوفي، والمحدث الزاهد أبو الفرج إسماعيل بن القدوة محمد بن عثمان
القومساني بهمذان، والواعظ الكبير الأمير أردشير العبادي، وكان تالفاً،
وطاهر بن أسد الشيرازي الطباخ، والمنشئ البليغ أبو سعد العلاء ابن حسن
بن الموصلايا، وأبو الخطاب بن الجراح، وعيسى ابن أبي ذر الهروي، وأبو
مطيع المديني، ومحمد بن الفرج الفقيه الطلاعي، وأبو المطرف عبد الرحمن
الشعبي بمالقة.
شيخ
الشافعية أبو سعد عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن محمد الأبيوردي
المتولي، تفقه ببخارى وغيرها، وهو من أصحاب القاضي حسين، وكان رأساً في
الفقيه والأصول، ذكياً، مناظراً، حسن الشكل، كيساً متواضعاً، تمم كتاب
الإبانة للفوراني، فجاء في عشرة أسفار، والإبانة سفران، وكان يلقب بشرف
الأئمة.
مولده بأبيورد سنة سبع وعشرين وأربع مئة، ومات في شوال سنة ثمان وسبعين
وأربع مئة، ورثي بقصائد، وقد درس بالنظامية بعد وفاة الشيخ أبي إسحاق
مدةً يسيرة، ثم صرف بابن الصباغ. تفقه عليه جماعة.
إمام
الطب أبو علي يحيى بن عيسى بن جزلة البغدادي، كان نصرانياً، فأسلم في
كهولته على يد قاضي القضاة الدامغاني، ولازم أبا علي بن الوليد في
المنطق، وله منهاج البيان في الطب وفي الأدوية المفردة والمركبة، وكتاب
تقويم الأبدان مجدول، ورسالة في الرد على النصارى. مات في شعبان سنة
ثلاث وتسعين وأربع مئة.
وكان ذكياً صاحب فنون ومناظرة واحتجاج، وكان يداوي الفقراء من ماله.
الصاحب الأمجد أبو سعد محمد بن منصور الخوارزمي الكاتب المستوفي، كان صدراً معظماً محتشماً، كثير الأموال، وكان يستوفي ديوان المملكة الملكشاهية، فيه خير وسؤدد، بنى مدارس ومساجد، وهو منشئ المشهد على ضريح الإمام أبي حنيفة، والقبة، والمدرسة، ثم إنه في أواخر أمره، لزم داره مكرماً محترماً، كانت الملوك يصدرون عن رأيه، وفيه يقول الصدر أبو جعفر البياضي لما بنى المشهد:
ألم تر أن العلم كان مـبـدداً |
|
فصيره هذا المغيب في اللحد |
كذلك كانت هذه الأرض ميتةً |
|
فأنشرها فعل العميد أبي سعد |
قال:
فوصله بألف دينار، حكى ذلك أبو طالب الحسين بن محمد بن علي الزينبي.
مات شرف الملك في المحرم سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
المحدث الرحال أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الفضل
الكرماني الصوفي، تعب وكتب الكثير، وتغرب. وسمع من أبي الحسين محمد بن
مكي بدمشق، ومن سليم بصور، ومن ابن طلحة، وعاصم بن حسن ببغداد، وكان ذا
عبادةٍ ونسكٍ.
روى عنه: أبو البركات إسماعيل بن أحمد الصوفي، والسلفي، ولاح كذبه
وتزويره.
قال شجاع: ضعيف.
وقال المؤتمن: ينبغي أن ينادى على قبره: هذا كذاب.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو خرب بيت ابن زهراء الطريثيثي.
وقال ابن ناصر: كان يكذب.
وقال السلفي: لم أكتب إلا من أصوله.
وقال السمعاني: كتب ما لا يدخل تحت الحصر ولا ينفع، وادعى أشياء، وسمع
لنفسه.
مات سنة خمس وتسعين وأربع مئة في شعبان، وله سبع وثمانون سنة.
الإمام المحدث الفقيه أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن الحطاب،
الرازي، الشافعي، نزيل مصر.
حج سنة أربع عشرة وأربع مئة، ودخل اليمن.
وسمع بمصر شعيب بن عبد الله بن المنهال وطبقته، ثم سمع ولده من ابن
حمصة، وابن الطفال، وعدة، سنة إحدى وأربعين وأربع مئة وقبلها وبعدها،
وسمع هو بدمشق من علي بن السمسار، وتلا على الحسين بن عامر، وتلا بمكة
برواياتٍ على أبي عبد الله الكارزيني، وانتقل إلى الإسكندرية في القحط
الكائن في قرب سنة ستين وأربع مئة، وقرؤوا عليه كثيراً، وكتب عنه
الحافظ أبو زكريا البخاري، ومكي الرميلي، وغيث الأرمنازي، وعبد المحسن
الشيحي، وسمع عليه ابنه الوليد أبو عبد الله الشاهد الكثير بالإسكندرية
وبمصر.
قال السلفي: كان من الثقات، خيراً، كثير المعروف.
قال ابنه في مشيخته: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن الحسن أنا عمر الصيرفي
بانتخاب أبي نصر السجزي. فذكر حديثاً. ثم قال ابنه: كان أبي في سكرة
الموت وهو يقول لي: ما لي حسرة إلا أني أموت؛ ولم يؤخذ عني ما سمعته
على الوجه الذي أردته.
مات سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
العلامة القاضي أبو محمد مروان بن عبد الملك اللواتي المغربي الطنجي
المالكي، إمامٌ صاحب فنونٍ وقراءات.
حج وتلا على أبي العباس بن نفيس وغيره. وسمع من أبي محمد بن الوليد،
وكان خطيباً مفوهاً نحوياً، ولي الفتيا والخطابة بسبتة في دولة
البرغواطي، وكان ذا هيبةٍ وسطوةٍ، درس المدونة، وأكثر الناس عنه.
قال القاضي عياض: سمع عليه خالاي أبو عبد الله، وأبو محمد ابنا الجوزي،
وعبود بن سعيد القاضي، وأبو إسحاق بن جعفر.
توفي سنة إحدى وتسعين. وأخوه أبو الحسن مفتي طنجة علي بن عبد الملك.
ولأبي الحسن ولدان: أحدهما: عبد الله قاضي غرناطة، ثم قاضي تلمسان.
والثاني: قاضي مكناسة، الفقيه عبد الرحمن والد قاضي تلمسان في سنة
ثلاثين وخمس مئة أبي الحسن علي بن عبد الرحمن.
وكان لمروان بنون أئمة، منهم قاضي طنجة عبد الخالق، ثم عبد الوهاب قاضي
طنجة أيضاً، وكان من قضاة العدل، والثالث العلامة ذو الفنون عبد الرزاق
قاضي جيان، والرابع القاضي عبد المنعم ولي قضاء مكناسة، ثم المرية، ثم
ولي قضاء إشبيلية، ثم استعفى، فنقل إلى غرناطة. ذكرهم القاضي عياض، ولم
يذكر وفياتهم.
السلطان نصر بن إبراهيم صاحب ما وراء النهر.
قال السمعاني: كان من أفاضل الملوك علماً ورأياً وسياسة وحزماً، درس
الفقه، وكتب بخطه المليح مصحفاً، وخطب على منبر بخارى، وعلى منبر
سمرقند، وتعجبوا من فصاحته، وأملى الحديث عن حمد بن محمد الزبيري،
وغيره، وكان يعرف النجارة، عمل بيده باب المقصورة. روى عنه محمد بن نصر
الخطيب.
توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
المسند الصدوق، بقية المشيخة، أبو الفتح أحمد بن عبد الله ابن أحمد
السوذرجاني الأصبهاني، أخو الشيخ المسند الصادق أبي مسعود محمد بن عبد
الله.
سمعا معاً من علي بن ميلة الفرضي، وأبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعلي
بن عبدكويه، وأبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعمرا دهراً، وتفردا. وسمع
منهما أبو طاهر السلفي، وهما من كبار شيوخه.
وروى عن أبي الفتح هذا إسماعيل بن غانم البيع، ومحمود بن حمكا، وأبو
الفتح عبد الله بن أحمد الحرفي، وعدة، وكان نحوياً ماهراً مشهوراً،
انتخب عليه الحفاظ، ومات في صفر سنة ست وتسعين وأربع مئة، وله نحوٌ من
تسعين عاماً. وتوفي أخوه محمد قبله بعامين في سنة أربع. قال يحيى بن
منده: حدث عن ابن ماشاذه، والفضل بن عبيد الله بن شهريار، وأبي سهل
الصفار، وأكثر عن أبي نعيم، وكان محباً لأبي الحسن الأشعري، يؤدب
الصبيان.
ومات في سنة ست مقرئ العراق أبو طاهر بن سوار، وأبو سعد الحسين بن علي
الهاشمي الفانيدي، وأبو بكر خازم بن محمد القرطبي _ وفيه ضعف _ وأبو
داود سليمان بن نجاح الأموي مولاهم المقرئ، وأبو الحسن علي بن عبد
الرحمن بن الدوش الشاطبي، وأبو الحسين يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد
البياز، وأبو البركات محمد بن المنذر ابن طيبان، والمحدث أبو ياسر بن
كادش، وأبو العلاء محمد بن عبد الجبار الضبي الفرساني.
الشيخ
الفقيه العالم المسند أبو القاسم علي بن الحسين بن عبد الله ابن عريبة
الربعي، البغدادي، الشافعي.
قال: ولدت سنة أربع عشرة وأربع مئة.
سمع أبا الحسن بن مخلد البزاز، وأبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن
بشران، وتفقه على القاضي أبي الطيب، وأقضى القضاة الماوردي، وأخذ
الكلام عن أبي علي بن الوليد المعتزلي، وغيره.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر السلفي،
وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو محمد بن الخشاب النحوي، وشهدة
بنت الإبري، وأبو الفتح بن شاتيل، وأبو السعادات القزاز.
قال شجاع الذهلي: كان يذهب إلى الاعتزال.
وقال السمعاني: سمعت أبا المعمر الأنصاري _ إن شاء الله _ أو غيره يذكر
أنه رجع عن الاعتزال، وأشهد المؤتمن الساجي وغيره على نفسه بالرجوع عن
رأي المعتزلة، والله أعلم. مات في الثالث والعشرين من رجب سنة اثنتين
وخمس مئة.
قال ابن النجار: قرأ الأدب على أبي القاسم بن برهان، والمذهب على
القاضي أبي الطيب. ومن شعره:
إن كنت نلت من الحياة وطيبها |
|
مع حسن وجهك عفةً وشبابا |
فاحذر لنفسك أن ترى متمنـياً |
|
يوم القيامة أن تكون تـرابـا |
وأمه هي عريبة، وقال للسلفيٌ: مولدي سنة اثنتي عشرة.
السلطان الكبير، ركن الدين، أبو المظفر بركياروق بن السلطان ملكشاه بن
ألب أرسلان السلجوقي، ويلقب أيضاً: بهاء الدولة. تملك بعد أبيه، وناب
عنه على خراسان، أخوه السلطان سنجر.
وكان بركياروق شاباً شهماً لعاباً، فيه كرمٌ وحلمٌ، وكان مدمناً للخمر،
تسلطن وهو حدث، له ثلاث عشرة سنة، فكانت دولته ثلاث عشرة سنة في نكدٍ
وحربٍ بينه وبين أخيه محمد، يطول شرحها، هي مذكورة في الحوادث.
مات ببروجرد في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وأربع مئة بعلة السل
والبواسير، وكان في أواخر دولته قد توطد ملكه، وعظم شأنه، ولما احتضر،
عهد بالأمر من بعده لابنه ملكشاه بمشورة الأمراء، فعقدوا له، وهو ابن
خمسة أعوام.
العلامة المفتي أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت، الشافعي الضرير،
تلميذ أبي إسحاق الشيرازي. درس في أيام شيخه، ثم جاور. وحدث عن أبي
إسحاق البرمكي. روى عنه: أبو سعد البغدادي، وإسماعيل التيمي، وعبد
الخالق اليوسفي.
وكان متعبداً معتمراً، كثير التلاوة، وعاش ثمانياً وثمانين سنة، توفي
سنة خمس وتسعين وأربع مئة.
مفتي
همذان وعالمها الإمام أبو منصور سعد بن علي بن حسن العجلي الأسداباذي،
ثم الهمذاني الشافعي.
قال السمعاني: هو ثقةٌ، مفتٍ، مناظرٌ، كثير العلم والعمل. سمع أبا
إسحاق البرمكي، وكريمة المروزية، وطائفة.
قلت: روى عنه ابنه أبو علي أحمد، وإسماعيل بن محمد التيمي، وبالإجازة
أبو طاهر السلفي.
قال السمعاني: مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
الشيخ
الصالح المعمر أبو تراب عبد الخالق بن محمد بن خلف البغدادي ابن الأبرص
المؤدب. سمع هبة الله بن الحسن الحافظ، وأبا القاسم الحرفي.
روى عنه إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر
السلفي، وآخرون. مات في شهر رمضان سنة أربع وتسعين أيضاً.
المنشئ البليغ، ذو الترسل، الفائق، أمين الدولة، أبو سعد العلاء ابن
حسن بن وهب البغدادي. كان نصرانياً، فأسلم على يد المقتدي، وله باعٌ
مديدٌ في النظم والنثر، عمر دهراً، وأضر، بعد أن كتب الإنشاء نيفاً
وستين سنة، ولما أسلم كان قد شاخ، وقد ناب في الوزارة غير مرة، وكان
أفصح أهل زمانه، وفيه مكارم وآدابٌ وعقل. مات فجأةً، وكان كثير
الصدقات، وقف أملاكه، أسلم لما ألزمت الذمة بلبس الغيار.
توفي سنة سبع وتسعين وأربع مئة، وخلفه في كتابة الإنشاء ابن أخته
العلامة أبو نصر.
الشيخ
الإمام، العلامة القدوة، مفتي الأندلس ومحدثها، أبو عبد الله محمد بن
الفرج القرطبي المالكي، مولى محمد بن يحيى بن الطلاع.
ولد سنة أربع وأربع مئة.
قال ابن بشكوال: هو بقية الشيوخ الأكابر في وقته، وزعيم المفتين
بحضرته.
حدث عنه يونس بن عبد الله القاضي، ومكي بن أبي طالب، وأبي عبد الله بن
عابد، وحاتم بن محمد، وأبي عمرو المرشاني، ومعاوية بن محمد العقيلي،
وأبي عمر بن القطان.
وكان فقيهاً، حافظاً للفقه، حاذقاً بالفتوى، مقدماً في الشورى، وفي علل
الشروط، مشاركاً في أشياء من العلم حسنة، مع دينٍ، وخيرٍ، وفضلٍ، وطول
صلاة، قوالاً للحق وإن أوذي، لا تأخذه في الله لومة لائم، معظماً عند
الخاصة والعامة، يعرفون له حقه، ولي الصلاة بقرطبة، وكان مجوداً لكتاب
الله، أفتى وحدث وعمر، وصارت الرحلة إليه، ألف كتاباً في أحكام النبي
صلى الله عليه وسلم، قرأته على أبي عنه.
وقال القاضي عياض: كان صالحاً، قوالاً للحق، شديداً على المبتدعة، شوور
عند موت ابن القطان إلى أن دخل المرابطون، فأسقطوه من الفتيا لتعصبه
عليهم.
سمع منه عالمٌ كثير، ورحلوا إليه لسماع الموطأ ولسماع المدونة لعلوه في
ذلك، ولسنن النسائي وكان أسند من بقي صحيحاً فاضلاً، عنده بلهٌ بأمر
دنياه وغفلة، ويؤثر عنه في ذلك طرائف، وكان شديداً على أهل البدع،
مجانباً لمن يخوض في غير الحديث.
ونقل اليسع بن حزم عن أبيه قال: كنا مع ابن الطلاع في بستانه، فإذا
بالمعتمد بن عباد مجتازٌ من قصره، فرأى ابن الطلاع، فنزل عن مركوبه،
وسأل دعاءه، وتضرع، وتذمم، ونذر، وتبرع، فقال له الشيخ: يا محمد، انتبه
من غفلتك وسنتك.
قلت: روى عنه عددٌ كثيرٌ، منهم أبو جعفر البطروجي، ومحمد بن عبد الخالق
الخزرجي، ومحمد بن عبد الله بن خليل القيسي، نزيل مراكش الذي بقي إلى
سنة سبعين وخمس مئة، وعلي بن حنين، بينه وبين مالك في الموطأ أربعة
أنفسٍ، وبينه وبين النسائي في سننه الكبير اثنان.
مات في رجب سنة سبع وتسعين وأربع مئة. أرخه ابن بشكوال، وقال: شهده
جمعٌ عظيم.
كتب إلي بالموطأ ابن هارون من تونس، أخبرنا ابن بقي، أخبرنا محمد بن
عبد الخالق، أخبرنا محمد بن الفرج، أخبرنا يونس بن عبد الله، أخبرنا
أبو عيسى، أخبرنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أخبرنا أبي، عن مالك.
الإمام الحافظ القدوة أبو سعد محمد بن الحسين بن محمد المزكي الحرمي،
نزيل هراة.
سمع أبا نصر السجزي وطائفة بمكة، ومحمد بن الحسين الطفال، وعلي بن
حمصة، وعلي بن بقاء بمصر، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب
ببغداد، وأقرانهم. ومحمد زاهداً عابداً ربانياً.
قال أبو جعفر محمد بن أبي علي: كان أبو سعد الحرمي من الأوتاد، لم أر
بعيني أحفظ منه.
وقال الواعظ أبو حامد الخياط: إن كان لله بهراة أحدٌ من الأولياء، فهو
هذا، وأشار إلى الحرمي.
مات بهراة في شعبان سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، والحسن بن علي قالا: أخبرنا أبو الفضل
الهمذاني، أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا المؤتمن بن أحمد، سمعت أبا
سعد الحرمي الحافظ يقول: لا يصبر على الخل إلا دوده، يعني: لا يصبر على
الحديث إلا أهله.
الإمام، مفتي مكة ومحدثها، أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسين
الطبري الشافعي. ولد بآمل سنة ثمان عشرة وأربع مئة.
وسمع في سنة تسع وثلاثين صحيح مسلم من أبي الحسين الفارسي، ورواه
مراتٍ، وسمع من أبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني، وناصر العمري،
وتفقه عليه، وكريمة المروزية، وله أعقابٌ بمكة. حدث عنه إسماعيل
التيمي، ورزينٌ العبدري، والقاضي أبو بكر بن العربي، ووجيه الشحامي،
وأحمد بن محمد العباسي، وأبو طاهر السلفي، وخلق. وكان من كبار
الشافعية، ويدعى بإمام الحرمين، تفقه به جماعة بمكة.
توفي بمكة في شعبان سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
ابن
إبراهيم ابن بندار، الشيخ الإمام، المقرئ المجود، المحدث الثقة، بقية
المشايخ، أبو المعالي الدينوري، ثم البغدادي البقال.
ولد سنة ست عشرة وأربع مئة، وطلب العلم في حداثته.
وسمع أبا القاسم الحرفي، وأبا بكر البرقاني، وأبا علي بن شاذان، وعثمان
بن دوست، وأبا علي بن دوما، وعدة، وتلا على ابن الصقر الكاتب، وأبي
العلاء الواسطي، وأبي ثعلب الملحمي وغيرهم. قرأ عليه أبو محمد سبط
الخياط، وأبو الفضل أحمد بن شنيف، وطائفة.
وحدث عنه: ابنه يحيى بن ثابت _ وسمع منه موطأ القعنبي _ وإسماعيل بن
السمرقندي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر السلفي، وأحمد
بن المبارك المرقعاني، وعمر بن بنيمان، وأخوه أحمد، وشهدة الكاتبة،
وخلق. وقد حدث عنه بالإجازة الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي.
قال السمعاني: قرأت بخط أبي: ثابتٌ ثابتٌ.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: هو ثقة مأمون دين كيِّس خير.
وقال غيره: كان ثابتٌ يعرف بابن الحمامي.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وأربع مئة.
قال ابن النجار: كان من أعيان القراء وثقات المحدثين، سمع الكثير
بنفسه، وكتب بخطه، وروى أكثر مسموعاته.
وقيل: كان جده إبراهيم حمامياً بالدينور.
قلت: أول سماعه في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة.
الإمام الحافظ الرحال، أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد بن قاسم بن جعفر
السمرقندي، الكوخميثني.
ولد سنة تسع وأربع مئة.
وصحب جعفر بن محمد المستغفري الحافظ، وتخرج به، وأكثر عنه. وسمع عبد
الصمد العاصمي، وحمزة بن محمد الجعفري، وأبا حفص بن مسرور، وأبا عثمان
الصابوني، وأبا سعد الكنجروذي، وأمثالهم، وأكبر سيخٍ له منصور الكاغدي،
ولم يرحل إلى العراق، وقد جمع وصنف.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، ووجيه الشحامي، وأبو الأسعد بن
القشيري، ومحمد بن جامع خياط الصوف، والجنيد القايني، وآخرون.
قال السمعاني: سألت عنه إسماعيل الحافظ، فقال: إمامٌ حافظٌ، سمع، وجمع
وصنف.
وقال عمر بن محمد النسفي في كتاب القند: هو الإمام الحافظ، قوام السنة
أبو محمد، نزيل نيسابور، لم يكن في زمانه مثله في فنه في الشرق والغرب،
له كتاب بحر الأسانيد في صحاح المسانيد، جمع قيه مئة ألف حديث، فرتب
وهذب، لم يقع في الإسلام مثله، وهو ثمان مئة جزء.
وقال عبد الغافر في السياق" أبو محمد عديم النظير في حفظه، استوطن
بنيسابور، وهو مكثر عن المستغفري، مات في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين
وأربع مئة عن نيفٍ وثمانين سنة.
الشافعي الإمام المحدث العالم أبو بكر أحمد بن محمد بن الحافظ الكبير
أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فوزك بن موسى الأصبهاني.
ولد سنة تسع وأربع مئة، قاله يحيى بن منده.
عمر أبا منصور محمد بن سليمان الوكيل، وأبا علي غلام محسن، وعمر بن عبد
الله بن الهيثم الواعظ، وأبا بكر بن أبي علي الذكواني، والحسين بن
إبراهيم الجمال، وعبد الله بن أحمد بن قولويه التاجر، وأحمد بن إبراهيم
الثقفي الواعظ، وأبا نعيم الحافظ، وأبا الحسين بن فاذشاه، والناس، ولم
يرحل.
قال السلفي: كتبنا عنه كثيراً، وكان ثقةً جليلاً، سمعته يقول: كتبوا
عني في مجلس أبي نعيم الحافظ. وروى عنه السلفي، وإسماعيل بن غانم،
وجماعةٌ، وحفيده علي بن عبد الصمد بن أحمد.
وكان أبو بكر يفهم الحديث، رأيت له جزءاً في طرق طلب العلم فريضة يدل
على معرفته، ولم يدرك السماع من جده.
مات بسوذرجان من قرى أصبهان، سنة ثمان وتسعين وأربع مئة، وله تسع
وثمانون سنةً، ومات حفيده المذكور سنة سبعين وخمس مئة، أو بعدها، في
عشر التسعين. قرأنا على عيسى بن يحيى، أخبركم منصور بن سند، أخبرنا أبو
طاهر السلفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الحافظ، أخبرنا عمر بن عبد
الله ابن عمر الواعظ، أخبرنا أبو أحمد العسال، حدثنا محمد بن عبد الله
بن رسته، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن المستلم بن
سعيد، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "ما من ولد بار ينظر إلى والده نظرة رحمة إلا كانت له بكل
رحمة حجة مبرورة"، قيل: وإن نظر إليه في كل يوم مئة رحمة؟ قال: "نعم،
إن الله أطيب وأكثر". هذا منكر.
وفيها مات الحافظ أبو علي البرداني، والمحدث أبو بكر سبط ابن مردويه،
والسلطان بركياروق بن ملكشاه، وثابت بن بندار البقال، وفقيه الحرم
الحسين بن علي الطبري، والحافظ أبو علي الغساني، وأبو الحسن علي بن خلف
العبسي بقرطبة، وفيد بن عبد الرحمن بن محمد الشعراني، ونصر الله بن
أحمد الخشنامي، والشريف محمد بن عبد السلام.
الشيخ
الثقة أبو البقاء المعمر بن محمد بن علي بن إسماعيل الكوفي الحبال
الخزاز _ بمعجمات _ ويعرف بخريبة.
ولد سنة عشر وأربع مئة.
وسمع من القاضي نجاح بن نذير المحاربي، وزيد بن أبي هاشم العلوي، وأبي
الطيب أحمد بن علي الجعفري، وليس هو بالمكثر، لكنه اشتهر.
وحدث عنه أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، وأبو المعالي الحلواني
المروزي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وكثير بن سماليق، وعبد
الخالق اليوسفي، وابن ناصر، وأبو طاهر السلفي، وآخرون.
قال السمعاني: شيخٌ ثقةٌ، صحيح السماع، انتشرت عنه الرواية، وعمر حتى
روى كثيراً، وبورك له فيما سمع، سأله هزارسب عن مولده، فقال: سنة عشر،
وقال أبو بكر بن طرخان، والحسين بن خسرو: سألناه عن مولده، فقال: سنة
ثلاث عشرة.
قلت: حدث ببغداد، وبالكوفة، وبها مات في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين
وأربع مئة.