الطبري

الطبري

العلامة، مفتي الشافعية، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الله الطبري، الحاجي، البزازي.
قدم بغداد في الصبا، وسكنها، وتفقه على القاضي أبي الطيب، وسمع منه، ومن الجوهري، ولزم الشيخ أبا إسحاق حتى أحكم المذهب والأصول والخلاف، وشهد عند أبي عبد الله الدامغاني، ودرس بالنظامية سنة 483، ثم قدم بعد أشهر عبد الوهاب بن محمد الفامي الشيرازي، فتقرر أن أشرك بينهما في التدريس، فدرسا مديدةً، ثم صرفا بتولية الغزالي، فلما حج الغزالي سنة ثمان وثمانين، وذهب إلى الشام وطول الغيبة، ولي الطبري تدريس النظامية في صفر سنة تسع، ثم فارق بغداد بعد ثلاثة أعوام، وسار إلى أصبهان لودائع كانت عنده.
روى عنه هبة الله بن السقطي شيئاً.
مات في شعبان سنة خمس وتسعين وأربع مئة بأصبهان، رحمه الله.

دقاق

صاحب دمشق، شمس الملوك، أبو نصر دقاق بن السلطان تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي التركي.
تملك بعد مقتل أبيه سنة سبع وثمانين وأربع مئة، فكان في حلب، فطلبه خادم أبيه ونائب قلعة دمشق سراً من أخيه رضوان صاحب حلب، فبادر دقاق وجاء، فتملك، ثم أشار عليه زوج أمه طغتكين الأتابك بقتل خادمه المذكور ساوتكين المذكور لتمكنه، فقتله، ثم أقبل رضوان أخوه محاصراً دمشق، فلم يقدر عليها، فترحل، ثم استقل دقاق، ثم عرض له مرضٌ تطاول به إلى أن مات في ثامن عشر رمضان سنة سبع وتسعين، فكانت دولته عشر سنين، فقيل: إن أمه سمته، رتبت له جارية سمته في عنقود عنب نخسته بإبرة مسمومة، ثم ندمت أمه، وتهرى جوفه، ودفن بخانقاه الطواويس.
وعمد الأتابك طغتكين، فأقام في اسم الملك طفلاً لدقاق بعد أن استحضر من سجن بعلبك أخاً لدقاق اسمه أرتاش، وسلطنه، ثم بعد ثلاثة أشهر تخيل أرتاش من الأتابك، وفر إلى بغدوين الفرنجي صاحب القدس، فما أعانه، فتوجه إلى العراق على الرحبة، فجاءه الأجل، فعمد الأتابك إلى الطفل المذكور، منصبه مديدةً، ثم تملك، وامتدت أيامه. وكان قد وزر لدقاق أبو القاسم الحسن بن علي الخوارزمي، وقد كان مصافاً بقرب حلب مع أخيه، فتقلل جمعه، ورد إلى دمشق.

صاحب خراسان

السلطان أرسلان أرغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي. لما مات أخوه السلطان ملكشاه، بادر هذا، واستولى على خراسان، وتمكن، وكان ظالماً شرس الأخلاق، كثير العقوبة لخاصيته، فدخل عليه غلامٌ له، فأنكر عليه أرغون تأخره عن الخدمة، فاعتذر، فلم يقبل له عذراً، وكان وحده، فشد الغلام عليه بسكين، فقتله في المحرم سنة تسعين وأربع مئة.
وكانت دولته أربع سنين، فعلم بمقتله السلطان بركياروق بن ملكشاه، فسار إلى خراسان، واستولى عليها، وخطبوا له أيضاً ببلاد ما وراء النهر، واستناب على خراسان أخاه الملك سنجر الذي امتدت أيامه.
وكان أرسلان قد تملك بلخ ومرو وترمذ، وظلم وغشم، وخرب سور نيسابور وغيرها من المدائن، ووزر له عماد الملك بن نظام الملك، ثم قبض عليه، وأخذ منه ثلاث مئة ألف دينار، وذبحه.

ابن السوادي

الإمام المفتي أبو الحسين المبارك بن محمد بن السوادي الواسطي الشافعي، نزيل نيسابور، مدرسٌ، مناظرٌ، متصون.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا عبد الله بن نظيف المصري. وعنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وطاهر بن مهدي، وعمر بن أحمد الصفار، وعبد الخالق الشحامي، وآخرون.
قال السمعاني: إمامٌ عديم النظير، يتجمل، يتقنع بقليل تجارةٍ، تفقه بالقاضي أبي الطيب.
مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وله سبعٌ وثمانون سنة.

ابن الطيوري

الشيخ الإمام، المحدث العالم المفيد، بقية النقلة المكثرين أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله البغدادي الصيرفي ابن الطيوري. ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
سمع أبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، ثم أبا الفرج الطناجيري، وأبا محمد الخلال، وابن غيلان، وأبا الحسن العتيقي، ومحمد بن علي الصوري، وعلي بن أحمد الفالي، وأبا طالب العشاري، وعدداً كثيراً، وارتحل، فسمع بالبصرة أبا علي الشاموخي، وغيره، وجمع وخرج، وسمع ما لا يوصف كثرة.
حدث عنه: إسماعيل بن محمد التيمي، وابن ناصر، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو المعالي الحلواني المروزي، وأبو طاهر السلفي، وأبو بكر بن النقور، وعبد الحق بن يوسف، وخطيب الموصل، وأبو السعادات القزاز، وأحمد ابن علي العلوي النقيب، وبشرٌ كثير.
قال أبو سعيد السمعاني: كان محدثاً مكثراً صالحاً، أميناً صدوقاً، صحيح الأصول، صيناً ورعاً وقوراً، حسن السمت، كثير الخير، كتب الكثير، وسمع الناس بإفادته، ومتعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية، وصار أعلى البغداديين سماعاً، أكثر عنه والدي، وكان المؤتمن الساجي يرميه بالكذب، ويصرح بذلك، وما رأيت أحداً من مشايخنا الثقات يوافق المؤتمن، فإني سألت مثل عبد الوهاب وابن ناصر، فأثنوا عليه ثناءً حسناً، وشهدوا له بالطلب، والصدق، والأمانة، وكثرة السماع، سمعت سلمان الشحام يقول: قدم أبو الغنائم النرسي، فانقطعنا عن مجلس ابن الطيوري أياماً، فلما جئنا ابن الطيوري، قال: ما قطعكم عني؟ قلنا: قدم فلانٌ كنا نسمع منه، قال: فأيشٍ أعلى ما عنده؟ قلنا: حديث البكائي، فقام الشيخ أبو الحسين، وأخرج لنا شدةً من حديث البكائي، وقال: هذه سماعي من أبي الفرج بن الطناجيري عنه. قال السمعاني: وأظنني سمعتها من ابن ناصر.
وقال أبو علي بن سكرة: هو الشيخ الصالح الثقة أبو الحسين، كان ثبتاً فهماً، عفيفاً متقناً. صحب الحفاظ ودرب معهم، سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول: شيخنا أبو الحسين ممن يستشفى بحديثه.
وقال ابن ناصر في إملائه: حدثنا الثقة الثبت الصدوق أبو الحسين.
وقال السلفي: هو محدثٌ مفيد ورعٌ كبير، لم يشتغل قط بغير الحديث، وحصل ما لم يحصله أحدٌ من كتب التفاسير والقراءات واللغة، والمسانيد والتواريخ والعلل والأدبيات والشعر، كلها مسموعة، رافق الصوري، واستفاد منه، والنخشبي، وظاهراً النيسابوري.
كتب عنه مسعود السجزي، والحميدي، وجعفر بن الحكاك، وأكثروا عنه.
وقال الأمير أبو نصر: هو صديقنا أبو الحسين يعرف بابن الحمامي _ مخفف _ سمع خلقاً، وهو من أهل الخير والعفاف والصلاح.
قال ابن سكرة: ذكر لي شيخنا أبو الحسين أن عنده نحو ألف جزءٍ بخط الدارقطني، أو أخبرت عنه بذلك، وأخبرني أن عنده أربعةً وثمانين مصنفاً لابن أبي الدنيا. انتقى السلفي عدة أجزاء من الفوائد والنوادر على ابن الطيوري، وكتب الحديث ابن إحدى عشرة سنة.
وقال أبو نصر اليونارتي: هو ثقة ثبت، كثير الأصول، يحب العلم وأهله، وقد وصفوه بالمعرفة، وسعة الرواية، وكان ديناً صالحاً، رحمه الله.
مات في نصف ذي القعدة سنة خمس مئة عن تسعين سنة.

أبو الفتح الحداد

الشيخ العالم المقرئ مسند الوقت أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد ابن سعيد الأصبهاني، الحداد، التاجر، سبط الحافظ أبي عبد الله بن منده.
تفرد بإجازة إسماعيل بن ينال المحبوبي صاحب ابن محبوب. وسمع من أبي سعيد محمد بن علي النقاش، وعلي بن عبدكويه، وأحمد بن إبراهيم بن يزداد غلام محسن، وأبي سهل عمر بن أحمد الفقيه، وأبي بكر محمد بن الحسين الدشتي، وأبي سعيد الحسن بن محمد ابن حسنويه، وعبد الواحد بن أحمد الباطرقاني، وأبي الفرج محمد بن عبد الله بن شهريار، وعدد كثير، وأجاز له أيضاً أبو سعيد الصيرفي، وعلي بن محمد الطرازي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وعبد الوهاب الأنماطي، وصدقة بن محمد، وشاكر الأسواري، وآخرون.
وقد قرأ القراءات على أبي عمر الخرقي، وبمكة على أبي عبد الله الكارزيني، فكان خاتمة أصحابه موتاً.
تلا عليه السلفي لعاصم إلى الحواميم.
مولده في سنة ثمان وأربع مئة، ومات في ذي القعدة سنة خمس مئة.

القزويني

الشيخ الفقيه الخير أبو الفرج محمد بن المفتي أبي حاتم محمود بن الحسن الأنصاري القزويني الآملي الذي أملى بالمدينة النبوية على السلفي.
سمع أباه، ومنصور بن إسحاق، وسهل بن ربيعة. روى عنه: ابن ناصر، وشهدة، وابن الخل.
مات بآمل في أول سنة إحدى وخمس مئة.
وفيها مات إسماعيل بن عمرو البحيري المحدث، وصاحب إفريقية تميم بن المعز بن باديس، وأبو علي التككي، وأبو محمد الدوني، وأبو سعد الأسدي، وصاحب الحلة سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي قتل.

ابن بشرويه

الإمام الحافظ، المفيد الصدوق، أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن بشرويه الأصبهاني.
قال: ولدت سنة خمس عشرة وأربع مئة.
سمع أبا عبد الله بن حسنكويه، ومحمد بن علي بن مصعب التاجر، والهيثم بن محمد الخراط، ومحمد بن علي بن شهريار، وأبا نعيم الحافظ، وأبا ذر الصالحاني، وإبراهيم بن محمد الجلاب، وخلقاً كثيراً.
حدث عنه: هبة الله بن طاووس، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وعدة.
قال السلفي: كان من أهل المعرفة بالفقه والحديث والفرائض. كتبت بانتخابه كثيراً، وأكثرنا عنه لثقته ومعرفته.
قلت: مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.

البرداني

الشافعي الإمام الحافظ الثقة، مفيد بغداد، أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسن البرداني، ثم البغدادي.
ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة.
وسمع أبا طالب بن غيلان، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا طالب العشاري، وأبا الحسن بن القزويني الزاهد، وأبا محمد الجوهري، وعبد العزيز الأزجي، والقاضي أبا يعلى، وعبد الصمد بن المأمون، والخطيب، وعدة، ولم يرحل.
قال السمعاني: كان أحد المشهورين في صنعة الحديث، وكان حنبلياً، استملى للقاضي أبي يعلى، حدثنا عنه إسماعيل الحافظ.
قلت: جمع مجلداً في المنامات النبوية، سمعنا منتقاه على الأمين الصفار، عن الساوي، عن السلفي، وقد سأله السلفي عن تبيين أحوال جماعةٍ، فأجاب وأجاد.
قال السلفي: هو كان أحفظ وأعرف من شجاع الذهلي، وكان ثقةً نبيلاً، له مصنفات.
قلت: وحدث عنه أيضاً علي بن طراد الوزير، وأحمد بن المقرب. وقرأت بخط أبي علي البرداني، أخبرنا عثمان بن دوست العلاف إجازةً سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وفيها مات، قال: أخبرنا أبو بكر الشافعي، فذكر حديثاً. وأخبرنا محمد بن طارق، أخبرنا يوسف بن محمود، أخبرنا السلفي، أخبرنا أبو علي، أخبرنا محمد بن عبد الملك، أخبرنا الحسين بن عمر، أخبرنا حامد بن شعيب، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال: "اللهم هل بلغت" _ ثلاث مرات _ "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة" وذكر باقي الحديث، وهو غريبٌ فردٌ، أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة كلهم من حديث إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة.
مات البرداني في شوال سنة ثمان وتسعين وأربع مئة، وأبوه شيخ محدث.
وفيها مات السلطان ركن الدولة أبو المظفر بركياروق بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي شاباً له خمس وعشرون سنةً، وبقي في الملك اثنتي عشرة سنة، وجرت بينه وبين أخيه السلطان محمد حروب تشيب الأطفال، مات ببروجرد. وفيها مات صاحب ماردين، وجد ملوكها الملك سقمان بن أرتق التركماني.

الخياط

الإمام القدوة المقرئ، شيخ الإسلام أبو منصور محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرزاق البغدادي الخياط الزاهد.
ولد في سنة إحدى وأربع مئة، فلو سمع في صباه، لأدرك أصحاب القاضي المحاملي، ولو تلا وهو حدثٌ، للحق أبا الحسن بن الحمامي. سمع أبا القاسم بن بشران، وعبد الغفار المؤدب، وأبا بكر محمد بن عمر بن الأخضر، وأبا الحسن بن القزويني، وتلا على أبي نصر بن مسرورٍ وغيره. جلس لتعليم كتاب الله دهراً، وتلا عليه أمم.
وروى عنه سبطاه: أبو محمد عبد الله، والحسين بن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وسعد الله بن الدجاجي، وعدة.
قال السمعاني: صالح ثقة عابدٌ ملقن، له ورد بين العشاءين بسبعٍ، وكان صاحب كرامات. وقال ابن ناصر: كانت له كرامات. وقال آخر: كان إمام مسجد ابن جردة بالحريم، لقن العميان دهراً لله، وكان يسأل لهم، وينفق عليهم، بحيث إن ابن النجار نقل في تاريخه أن أبا منصور الخياط بلغ عدد من أقرأهم من العميان سبعين ألفاً، ثم قال: هكذا رأيت بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ.
قلت: هذا مستحيل، والظاهر أنه أراد أن يكتب نفساً، فسبقه القلم، فخط ألفاً، ومن لقن القرآن لسبعين ضريراً، فقد عمل خيراً كثيراً.
ونقل السلفي عن علي بن الأيسر العكبري قال: لم أر أكثر خلقاً من جنازة أبي منصور، رآها يهوديٌّ، فاهتال لها وأسلم. وقال أبو منصور بن خيرون: ما رأيت مثل يوم صلي على أبي منصور من كثرة الخلق.
قال السمعاني: رؤي بعد موته، فقال: غفر الله لي بتعليمي الصبيان الفاتحة. مات في المحرم سنة تسع وتسعين وأربع مئة. وفيها مات أبو الفضل أحمد بن عبد المنعم بن الكريدي بدمشق، وأبو سعدٍ علي بن عبد الله بن أبي صادق الحيري، وأبو الفوارس عمر بن المبارك الحرفي المحتسب، وأبو نعيم محمد بن إبراهيم الواسطي ابن الجماري، وأبو البركات محمد بن عبد الله بن الوكيل المقرئ، وأبو البقاء الحبال.

مهارش

ابن مجلي بن عكيث الأمير أبو الحارث، مجير الدين، من وجوه العرب بعانة والحديثة، ذو برٍّ وصدقاتٍ، وصلاةٍ، وخيرٍ، أجار القائم بأمر الله في فتنة البساسيري، وآواه إليه في ذمامه إلى أن عاد إلى مقر عزه، فكان يخدم الخليفة بنفسه. وله، وكتب بها إلى القائم:

لولا الخليفة ذو الإفضال والمنـن

 

نجل الخلائف آل الفرض والسنن

ما بعت قومي وهم خير الأنام وقد

 

أصبحت أعرف بغداداً وتعرفني

ما يستحق سواي مثل منزلـتـي

 

ما دام عدلك هذا اليوم ينصفنـي

وهي طويلة. مات سنة تسع وتسعين وأربع مئة.

ابن سوار

الإمام، مقرئ العصر، أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر ابن سوار البغدادي، المقرئ، الضرير، أحد الحذاق.
ولد سنة اثنتي عشرة وأربع مئة، وقرأ بالروايات على عتبة بن عبد الملك العثماني، وأبي منصور أحمد بن محمد بن إسحاق صاحب أبي حفص الكتاني، وعبد الله بن مكي السواق، وأبي الفتح بن شيطا، وأبي نصر أحمد بن مسرورٍ، وأبي علي الشرمقاني، والحسن بن علي العطار، وعلي بن محمد الخياط، وحسن بن غالب الحربي، وفرج بن عمر الواسطي. وسمع من محمد بن عبد الواحد بن رزمة، ومحمد بن الحسين الحراني، ومحمد بن محمد بن غيلان، وأبي القاسم التنوخي، وآخرون.
قرأ عليه بالسبع وغيرها أبو علي بن سكرة، ومحمد بن الخضر المحولي، وذكوان بن علي، وأبو الكرم الشهرزوري، وأبو محمد سبط الخياط. وحدث عنه: ابن ناصر، وأبو طاهر السلفي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأحمد بن المقرب.
قال ابن سكرة: حنفيٌّ ثقةٌ خير، حبس نفسه على الإقراء والتحديث. وقال ابن ناصر: ثقةٌ، نبيل، متقنٌ، ثبت.
وقال أبو سعدٍ السمعاني: كان ثقة أميناً مقرئاً، حسن الأخذ، ختم عليه جماعةٌ كتاب الله، وكتب بخطه الكثير من الحديث. وقال السلفي: سمعت منه معظم كتاب المستنير له، وله فوت من آخره. قلت: توفي ابن سوار في شعبان سنة ستٍّ وتسعين وأربع مئة ببغداد، وأول ما تلا كان في سنة ثلاثين وأربع مئة.

الشعبي

شيخ المالكية، أبو المطرف عبد الرحيم بن قاسم الشعبي المالقي، مفتي بلده.
سمع من قاسم المأموني بالمرية، وأبي الحسن بن عيسى المالقي، وله إجازةٌ من يونس بن عبد الله بن شعيث، وطائفة. روى عنه أبو عبد الله بن سليمان وغيره.
ولي قضاء بلده، ثم سجنه أميرها تميمٌ لأمرٍ بلغه، فلما استولى ابن تاشفين، دعاه للقضاء فأبى، وأشار بأبي مروان بن حسون، فكان أبو مروان لا يبرم أمراً دونه، وعمر دهراً، وبعد صيته.
مات في رجب سنة سبعٍ وتسعين وأربع مئة، وله خمس وتسعون سنة. مات هو وابن الطلاع في جمعة.

السراج

الشيخ الإمام، البارع المحدث المسند، بقية المشايخ، أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي، السراج، القارئ، الأديب. قال: ولدت في آخر سنة سبع عشرة، أو في أول التي تليها.
سمع أبا علي بن شاذان، ثم سمع بنفسه من أحمد بن علي التوزي، ومحمد بن إسماعيل بن سنبك، وأبي محمد الخلال، وعبيد الله بن عمر بن شاهين، وأبي محمد الحسين بن المقتدر، وأبي طالب الغيلاني، وأبي الحسن بن القزويني، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي القاسم التنوخي، وأبي الفتح بن شيطا، وعدة ببغداد.
وسمع من الحافظ أبي نصر السجزي مسلسل الأولية بمكة، ومن محمد بن إبراهيم الأردستاني، وبمصر من الشيخ عبد العزيز بن الحسن الضراب، وطائفة، وبدمشق من أبي القاسم الحنائي، والخطيب؛ وخرج له شيخه الخطيب خمسة أجزاء مشهورةٍ سمعناها.
حدث عنه: ابنه ثعلب، وأبو القاسم بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، وأبو الفتح بن البطي، وأبو طاهر السلفي، وسلمان الشحام، وأبو الحسن بن الخل، وعبد الحق اليوسفي، وأبو الفضل خطيب الموصل، وشهدة بنت الإبري، وخلق كثير.
كتب بخطه الكثير، وصنف كتاب مصارع العشاق، وكتاب حكم الصبيان، وكتاب مناقب الحبش، ونظم الكثير في الفقه، وفي المواعظ واللغة، وشعره حلوٌ عذب في فنون القريض، اتنخب السلفي عليه من أصوله ثلاثين جزءاً، حدث ببغداد، ومصر، ودمشق، وسمع منه شيخه أبو إسحاق الحبال. قال شجاع الذهلي: كان صدوقاً، ألف من فنونٍ شتى.
وقال أبو علي الصدفي: هو شيخ فاضل، جميلٌ وسيم، مشهور يفهم، عنده لغة وقراءاتٌ، وكان الغالب عليه الشعر، نظم كتاب التنبيه لأبي إسحاق، ونظم منسكاً.
وقال أبو بكر بن العربي: ثقة عالم مقرئ، له أدبٌ ظاهر، واختصاص بأبي بكر الخطيب.
وقال السلفي: كان الإمام يفتخر برؤيته ورواياته لديانته ودرايته، له تواليف مفيدة، وفي شيوخه كثرة، أعلاهم ابن شاذان.
وقال حماد الحراني: سئل السلفي عن السراج، فقال: كان عالماً بالقراءات، والنحو، واللغة، ثقة ثبتاً، كثير التصنيف. وقال ابن ناصر: كان ثقة مأموناً، عالماً فهماً صالحاً، نظم كتباً كثيرة، منها كتاب المبتدأ لوهب بن منبه، وكان قديماً يستملي على الخلال والقزويني، مات في صفر سنة خمس مئة. قال السلفي: أنشدنا السراج لنفسه:

للـه در عـصـــابةٍ

 

يسعون في طلب الفوائد

يدعون أصحاب الـحـد

 

يث بهم تجملت المشاهد

طوراً تراهم بالصعـي

 

دِ وتارةً في ثغر آمـد

يتبعون مـن الـعـلـو

 

مِ بكل أرضٍ كل شارد

وهم النجوم المقـتـدى

 

بهم إلى سبل المقاصـد

جياش

هو صاحب اليمن وأبو أصحابه الملك أبو فاتك جياش بن نجاح الحبشي، مولى حسين بن سلامة النوبي مولى آل زياد ملوك اليمن.
كان أبوه قد استولى على اليمن، وأباد أضداده، وتمكن إلى أن ظهر الصليحي وتملك ومكر بنجاح، فسمه، فهرب أولاده، ولحقوا بالحبشة، ورأسهم سعيد بن نجاح الأحول، وتكلم الكهان بأن هذا الأحول يقتل الصليحي، وصورت للصليحي صورة الأحول على جميع أحواله، واستشعر منه، فترقت همته، وجاء من الحبشة في خمسة آلاف حربةٍ، فكبس الصليحي بالمهجم مخيمه، فقتله، وقتل أخاه، وعدةً، وأخذ خزانته، وكانت عظيمة، وجمع بعض آل الصليحي، فقتلهم رمياً بالحراب، وتملك زبيد، وعلق الرأس، فقال العثماني شاعر:

نكرت مظلته عليه فلـم تـرح

 

إلا على الملك الأجل سعيدهـا

ما كان أقبح وجهه في خالهـا

 

ما كان أحسن رأسه في عودها

سود الأراقم قاتلت أسد الشـرى

 

يا رحمتا لأسودها من سودهـا

ثم بعد سنة، حشد مكرم بن الصليحي، وأقبل من صنعاء، فالتقوا، فانكسر السودان، وانهزم الأحول، ونزلوا السفن، واسترد مكرم زبيد، وخلص أمه، ثم فلج، ففوض الأمور إلى زوجته الحرة سيدة، وأقبل على اللهو مع فالجه إلى أن هلك سنة 484، وعهد بالملك إلى ابن عمه السلطان سبأ بن أحمد، وكان الحرب بينه وبين آل نجاح سجالاً، وكتب خليفة مصر إلى الحرة: قد زوجتك بأمير الأمراء سبأ على مئة ألف دينار، ثم لما مات سبأ، قامت بملكها، ودبر دولتها المفضل، وامتدت أيام الحرة خمسين سنة.
نعم، ثم توثب سعيدٌ الأحول على صنعاء، ثم هلك سنة ستٍّ وثمانين، وتملك بعده أخوه جياش، وقد تنكر وسار مع وزيره قسيم الملك إلى الهند.
قال جياش: دخلنا الهند سنة 481، فأقمنا ستة أشهر ورجعنا، فقدم إنسان من سرنديب يتكلم على المستقبلات، فسألنا عن حالنا، وبشرنا بأمورٍ لم تخرم، واشتريت جارية هندية، وجئنا عدن، فقلت لوزيري: امض إلى زبيد، فأشع موتي، واكشف الأمور، وصعدت جبلة، وكشفت أحوال المكرم، ثم أتيت زبيد، فخبرني الوزير بما يسر عن أوليائنا، وأنهم كثيرٌ، فأخذت من لحيتي، وسترت عيني بخرقة، وطولت أظافري، وقصدت دار ابن القم الوزير فأسمعه يقول: لو وجدت كلباً من آل نجاح لملكته، وذلك لشرٍّ وقع بينه وبين ابن شهاب رفيقه، فخرج ولد ابن القم، فقال: يا هندي، تحسن الشطرنج، قلت: نعم، قال: فغلبته، فثار، وكان طبقة أهل زبيد، فقال له أبوه: ما لنا من يغلبك إلا جياش، وقد مات، ثم لعبت مع الأب، فمنعت الدست، فأحبني وخلطني بنفسه، وهو يقول كل الوقت: عجل الله علينا بكم يا آل نجاح، فأخذت أكاتب الحبوش حتى حصل حول زبيد خمسة آلاف جربةً، وأمرت وزيري، فأخذ لي عشرة آلاف دينار مودعة، فأنفقتها فيهم، وضرب ولد ابن القم عبداً له، فنالني طرف سوطه، فقلت: أنا أبو الطامي، فقال أبوه: ما اسمك؟ قلت: بحرٌ، قال: كنية مناسبة. وقال مرة لابنه: إن غلبت الهندي، أوفدتك بارتفاع السنة على المكرم. قال: فتراخيت له، فغلبني، فطاش فرحاً، ومد يده إلى وجهي، فأحفظني، وقمت، فعثرت، فاعتزيت، وقلت: أنا جياش بن نجاح،ففهمها الأب، فوثب خلفي حافياً، وضمني، وأخرج المصحف، وحلف لي، وحلفت له، وأمر بإخلاء دار أعز بن الصليحي، وحمل إليها الأمتعة، ونقلت إليها سريتي، فولدت لوقتها ولدي الفاتك، وضربت الطبل، وظهرنا، فأسرنا ابن شهاب، فقال: مثلي لا يطلب العفو، والحرب سجالٌ، قلت: ومثلك لا يقتل. ثم أحسن إليه جياش، وتسلم دار الملك، ولم يمض شهرٌ حتى ركب في عشرين ألف حربة، ولم يقو به المكرم، ولم يزل مالكاً إلى أن مات سنة خمس مئة.
وقيل: مات سنة ثمان وتسعين عن ستة بنين، فتملك ابنه الفاتك، ثم حاربه إبراهيم أخوه، ومات فاتكٌ سنة 53، فملكت عبيده ولده المنصور صغيراً، فتوثب عبد الواحد بن جياش، فتملك زبيد، وهربت الخدم بالصبي، وجرت حروبٌ طويلة، ثم تمكن الصبي مدةً، وولي بعده ابنه فاتك بن منصور، ثم تملك ابن عمه، فدامت دولته إلى أن قتله عبيده في سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة، واسمه فاتك بن محمد بن المنصور، وكان هو وعبيده لا بأس بدولتهم، وحكموا على شطر اليمن مع بقايا آل الصليحي، ومع الشرفاء الزيدية.

صاحب ماردين

الملك سقمان بن الأمير الكبير أرتق بن أكسب التركماني أخو الملك إيلغازي. وليا إمرة القدس بعد أبيهما، فضايقهما ابن بدرٍ أمير الجيوش، وأخذه منهما قبل أخذ الفرنج له بأشهرٍ، فذهبا واستوليا على ديار بكر.
مات سقمان بقرب طرابلس سنة ثمانٍ وتسعين، وماردين اليوم ومن قبل ما زالت في يد ذريته. قيل: إن ابن عمار طلبه لينجده على الفرنج، وإن صاحب دمشق مرض، وهم بتسليم دمشق إليه، فسار إليها ليملكها، ثم يغزو الفرنج، فمات بالخوانيق، ونقل، فدفن بحصن كيفا.

الباقلاني

الشيخ الصالح المحدث أبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن خذاداذا الباقلاني، البقال، الفامي، البغدادي.
سمع من أبي علي بن شاذان، وأبي بكر البرقاني، وأحمد بن عبد الله ابن المحاملي وطائفة. روى عنه أبو بكر السمعاني، وإسماعيل بن محمد التيمي، وابن ناصر، والسلفي، وخطيب الموصل، وشهدة، وخلق.
أثنى عليه عبد الوهاب الأنماطي، وقال ابن ناصر: كان كثير البكاء من خشية الله. قلت: عاش ثمانين سنة أو أزيد، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة خمس مئة، وهو أخو أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي المذكور.

ابن زنجويه

الإمام الفقيه المعمر أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن زنجويه الزنجاني الشافعي.
ولد سنة ثلاثٍ وأربع مئة. وقدم بغداد شاباً، فسمع من أبي علي بن شاذان، وطائفة، فسمع مسند الإمام أحمد من الحسين الفلاكي صاحب القطيعي، وسمع غريب أبي عبيد من ابن هارون التغلبي عالياً، وقرأ لأبي عمرو على ابن الصقر الكاتب، وصارت الرحلة إليه، ومدار الفتوى ببلده عليه، وسمع من أبي طالب الدسكري، والعلامة عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي، والحسن بن معروف الزنجاني صاحب ابن المقرئ، سمع منه مسند أبي يعلى.
قال شيرويه الحافظ: كان فقيهاً متقناً رحلت إليه بابني شهردار، وسمعنا منه بزنجان.
قلت: وحدث عنه السلفي، وشعبة بن أبي شكرٍ الأصبهاني، وابن طاهر المقدسي، وهو من كبار تلامذة القاضي أبي الطيب الطبري، رأيت له ترجمة مفردة بخط الحافظ عبد الغني كتبها عن السلفي، وأنه قرأ كتاب المرشد على مؤلفه أبي يعلى بن السراج، وتلا عليه بما فيه، وأنه كتب بنيسابور تفسير إسماعيل بن أحمد الضرير عنه، وسمع من أبي عبد الله ابن باكويه، ثم قال: سمعته يقول: أنا أفتي من سنة تسع وعشرين وأربع مئة، وقيل لي عنه: إنه لم يفت خطأً قط، وأهل بلده يبالغون في الثناء عليه، الخواص والعوام، ويذكرون ورعه، وقلة طمعه.
قلت: ما ظفرت بوفاته، لكنه حدث في سنة خمس مئة، وانقطع خبره.

ابن أبي الصقر

العلامة أبو الحسن محمد بن علي بن حسن بن أبي الصقر الواسطي الكاتب، أحد الشعراء.
وكان من كبار الشافعية، علق المذهب بالنظامية عن الشيخ أبي إسحاق، فله عنه ثلاث تعليقاتٍ. وحدث عن عبيد الله بن هارون القطان، وعيسى بن خلفٍ الأندلسي، وأخذ الأدب عن أبي غالب بن الخالة، ومحمد بن محمد بن عيسى الخيشي النحوي، وسمع ببغداد من أبي بكر الخطيب، وعاد إلى بلده، ثم قدم بغداد، وحدث بها.
روى عنه: ابن ناصر، وابن الجواليقي، وكثير بن سماليق، والسلفي. وقال شجاع الذهلي: لا بأس به، وله شعر مطبوع.
وقال الحوزي أبو الكرم: كان يقول أنا من ولد الوزير أبي الصقر إسماعيل بن بلبل، قال أبو الكرم: ولما وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشعريين، كان قائماً وقاعداً فيها، وعمل في ذلك أشعاراً، وبلغ التسعين إلا شهوراً، مات بواسط في جمادى الأولى سنة ثمانٍ وتسعين وأربع مئة.

الدوني

الشيخ العالم، الزاهد، الصادق، أبو محمد عبد الرحمن بن حمد ابن الحسن بن عبد الرحمن الدوني الصوفي، من قرية الدون: من أعمال همذان، على عشرة فراسخ منها مما يلي مدينة الدينور. كان آخر من روى كتاب المجتبى من سنن النسائي، وغير ذلك عن القاضي أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار صاحب ابن السني.
حدث عنه: ابن طاهر المقدسي، وابنه أبو زرعة، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفتوح الطائي صاحب الأربعين، وسعد الخير الأندلسي، ومحمد بن بنيمان، وعبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، وابن عمه المطهر بن عبد الكريم، وأبو الفتح عبد الله بن أحمد الخرقي، وأبو العباس بن ينال الترك، وآخرون. قرأ عليه السلفي في سنة خمس مئة بالدون كتاب النسائي، وحدثني أنه اقتدى في التصوف بأبيه، وأبوه اقتدى بجده، وهو اقتدى بحسين بن علي الدوني، وهو اقتدى بمحمد بن عبد الخالق الدينوري صاحب ممشاذ الدينوري، وممشاذ بالشيخ أبي سنان، فقيل: إن هذا اقتدى بأبي تراب النخشبي.
وقال السلفي: قال ابنه أبو سعدٍ لي: لوالدي خمسون سنةً ما أفطر النهار.
قال شيرويه: كان صدوقاً متعبداً، سمعت منه السنن، ورياضة المتعبدين.
وقال السلفي: كان سفياني المذهب ثقةً، ولد سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
وقال غيره: سماعه للسنن في شوال سنة ثلاث وثلاثين، مات في رجب سنة إحدى وخمس مئة. قلت: ذهب إلى أصبهان، فحدث بها بالكتاب.

ابن خشيش

الشيخ الصالح المعمر الصدوق أبو سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش البغدادي. سمع أبا علي بن شاذان، وأبا الحسن بن مخلد البزاز، وسماعه صحيح، وهو من رواة جزء ابن عرفة.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، والكاتبة شهدة، وأبو السعادات القزاز، وآخرون.
مات في عاشر ذي القعدة سنة اثنتين وخمس مئة، وله تسع وثمانون سنة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي أبو الفوارس حسين بن علي بن الخازن صاحب الخط البديع، وأبو أحمد حمد بن عبد الله بن أحمد يحنه الأصبهاني المعبر، والعلامة أبو المحاسن الروياني، قتلته الإسماعيلية، وأبو القاسم الربعي، وهبة الله بن أحمد بن محمد بن الموصلي في عشر التسعين، والعلامة أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي.

ابن سوسن

الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن المظفر بن حسين بن عبد الله بن سوسن التمار. حدث عن أبي علي بن شاذان، وأبي القاسم الحرفي، وعبد الملك بن بشران.
حدث عنه: إسماعيل بن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر السلفي، ويحيى بن شاكر، وآخرون.
قال الأنماطي: شيخٌ مقاربٌ. وقال السمعاني: كان يلحق سماعاته في الأجزاء. قاله شجاع الذهلي، مات في صفر سنة ثلاث وخمس مئة، وله اثنتان وتسعون سنة.

ابن العلاف

المولى الجليل، الحاجب الثقة، مسند العراق، أبو الحسن علي بن المقرئ أبي طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن يعقوب البغدادي ابن العلاف، من بيت الرواية والعلم، ومن حجاب الخلافة.
قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: ولدت سنة ست وأربع مئة في المحرم، وسمعت من أبي الحسين بن بشران: ووعظ ابن سبعين سنة.
قلت: سمع أبا الحسن بن الحمامي، وعبد الملك بن بشران، وكان حميد الطريقة، صدوقاً، ضاع سماعه من أبي الحسن.
حدث عنه: ولده أبو طاهر محمد بن علي، ومحمد بن محمد السنجي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفضل الطوسي، وأبو بكر بن النقور، وعبد الحق اليوسفي، وقيس بن محمد السويقي، وأبو طالب بن خضير، والمبارك بن علي الخياط، ويحيى بن ثابت البقال، وعبد الله بن منصور الموصلي، ووجيه بن هبة الله السقطي، وأحمد بن علي العلوي النقيب، وعبد الله بن أحمد بن النرسي، وخمرتاش مولى ابن المسلمة، وعبد الله بن أحمد بن حمتيس السراج، وأبو السعادات نصر الله القزاز، وخلق سواهم.
مات في الثالث والعشرين من المحرم سنة خمس وخمس مئة، وقد استكمل تسعاً وتسعين سنة. وفيها مات المحدث أبو محمد عبد الله بن علي بن الآبنوسي، والحافظ أبو بكر محمد بن حيدرة بن مفوز الشاطبي، وشيخ الفقهاء بسبتة أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي، وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، وأبو سعد محمد بن علي بن محمد التاني سرفرتج من أصحاب أبي نعيم.

السنجبستي

القاضي الإمام، الفرضي المعمر، مسند خراسان، أبو القاسم إسماعيل بن الحسن بن علي بن حمدون الخراساني السنجبستي.
ولد سنة عشر وأربع مئة تقريباً أو جزماً.
وسمع أبا بكر بن الحسن الحيري، وأبا سعيد الصيرفي، وأبا علي البلخي، وألحق الأحفاد الأجداد، وهو من بيت حشمة وجلالة.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، ومحمد بن محمد السنجي، وأبو شجاع عمر بن محمد البسطامي، ومحمد بن حسين الواعظ، وأبو الفتوح الطائي، وعدة.
وثقه عبد الغافر بن إسماعيل، كان يقدم من قريته، ويحدث بنيسابور، وهي على مرحلةٍ من نيسابور.
توفي بسنجبست في صفر سنة ست وخمس مئة، وهو في عشر المئة. وفيها مات أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد بن القارئ العدل، والمحدث أبو الفضل العباس بن أحمد الشقاني النيسابوري، والفضل بن محمد بن عبيد القشيري، والواعظ أبو سعد المعمر بن علي بن أبي عمامة الحنبلي، وقاضي دمشق أبو عبد الله محمد بن موسى التركي البلاساغوني الحنفي.

الجماري

أبو نعيم محمد بن إبراهيم بن محمد بن خلف الواسطي، راوي مسند مسدد عن أحمد بن المظفر العطار. حدث عنه علي بن نغوبا، وأبو طالب الكتاني المحتسب، وهبة الله ابن الجلخت، وآخرون.
وثقه المحدث خميس.
توفي في حدود سنة خمس مئة، فإنه حدث في سنة تسع وتسعين وأربع مئة.

الشيروي

الشيخ الصالح، العابد المعمر، مسند العصر، أبو بكر عبد الغافر ابن محمد بن الحسين بن علي بن شيرويه بن علي الشيروي النيسابوري التاجر.
ولد سنة أربع عشرة وأربع مئة في ذي الحجة.
وسمع وهو ابن ستة أعوام من القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، وهو خاتمة أصحابهما، وعبد القاهر بن طاهر الأصولي، ومحمد بن إبراهيم المزكي، والقدوة فضل الله بن أبي الخير الميهني، وجماعة.
حدث عنه: أبو بكر السمعاني، وولده الحافظ أبو سعد حضوراً، وأبو الفتوح الطائي، وعبد الرحيم الحاجي، وعبد المنعم بن عبد الله الفراوي، وخلقٌ، وبالإجازة: ذاكر بن كامل الخفاف، وأبو المكارم اللبان.
قال السمعاني في الأنساب: كان شيخاً صالحاً عابداً معمراً، رحل إليه من البلاد، وقد ارتحل إلى أصبهان، وسمع من أبي بكر بن ريذة، وأبي طاهر بن عبد الرحيم، حضرني أبي مجلسه، وكان والده يروي عن أبي طاهر المخلص.
قلت: وسمع من أبيه، ومن أبي حسا المزكي، وأحمد بن محمد ابن الحارث النحوي، وأجاز لمن أدرك حياته، وهو من قرية كونابذ، وعربت فقيل لها: جنابذ، وهي من قهستان ناحية كبيرة من أعمال نيسابور، وكان يتجر إلى البلاد مضاربة، ثم كبر وانقطع لتسميع الحديث، وكان مكثراً، ألحق الأحفاد بالأجداد، وبعد صيته، وسمع منه من دب ودرج، ولم تتغير حواسه، بل ضعف بصره، وسمع أيضاً من أبي عبد الله بن باكويه.
قال الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني: سمعت الرئيس الثقفي يقول: لا جاء الله من خراسان بأحدٍ إلا بأبي بكر الشيروي، فإنه أخيرهم، وأنفعهم.
قال السمعاني: سمعت منه الكثير، ولي ثلاث سنين، وسمع منه أخي في الخامسة، فمن ذلك جزء ابن عيينة، وخمسة أجزاء من مسند الشافعي، توفي في ذي الحجة سنة عشر وخمس مئة، وقد استكمل ستاً وتسعين سنة.

القزويني

الإمام المحدث، الجوال الصدوق، أبو إبراهيم الجليل بن عبد الجبار بن عبد الله التميمي القزويني.
سمع من أبي يعلى الخليلي وطائفة بقزوين، ومن أبي الحسين بن الطفال بمصر، ومن الحسين بن جابر القاضي بتنيس، ومن أبي العلاء بن سليمان بالمعرة، سمعنا من طريقه نسخة فليح.
روى عنه أبو علي البرداني، وأبو طاهر السلفي، وقال: ثقةٌ من بيت الحديث، رحل إلى الحجاز، والعراق، ومصر، وخراسان، والشام.
روى عن قومٍ ما حدثنا عنهم سواه، وهو، وأبوه، وجده عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد، وجد أبيه، وجد جده، محدثون.
قلت: وذكره ابن النجار، وما أرخ موته، وبقي إلى سنة نيفٍ وخمس مئة.

الفامي

الإمام المفتي، مدرس النظامية، أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الواحد الفارسي الفامي الشيرازي الشافعي.
قدم بغداد مدرساً من جهة نظام الملك سنة ثلاث وثمانين مشاركاً فيها للحسين بن محمد الطبري، فكان كل واحد منهما يدرس يوماً، ثم عزلا بعد سنة.
أملى عن المحدث أبي بكر أحمد بن الحسن بن الليث، وعبد الواحد ابن يوسف القزاز، وعلي بن بندار الحنفي، وأبي زرعة أحمد بن يحيى الخطيب، والحسن بن محمد بن عثمان بن كرامة الشيرازيين.
حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر.
قال ابن النجار: أخبرنا محمد بن أحمد النحوي، حدثنا ابن ناصر، حدثنا الإمام جمال الإسلام أبو محمد عبد الوهاب عرف بالفامي، أخبرنا عبد الواحد بن يوسف، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن بيان الحافظ، حدثنا أبو علي محمد بن سعيد الرقي بها، فذكر حديثاً. قال أبو علي بن سكرة: عبد الوهاب بن محمد الفامي من أئمة الشافعية وكبارهم، سمعت عليه كثيراً، وسمعته يقول: صنفت سبعين تأليفاً، ولي التفسير ضمنته مئة ألف بيتٍ شاهداً، أملى وحفظ عليه تصحيفٌ شنيع، فأجلب عليه، وطولب، ورمي بالاعتزال حتى فر بنفسه.
وقال أحمد بن ثابت الطرقي: سمعت جماعةً أن عبد الوهاب أملى عليهم ببغداد: صلاةٌ في أثر صلاةٍ كتابٌ في عليين، فصحفها كنارٍ في غلس، فكلموه، فقال: النار في الغلس تكون أضوأ.
قال الطرقي: وسأله صديقٌ لي: هل سمعت جامع أبي عيسى؟ فقال: ما الجامع؟ ومن أبو عيسى؟ ثم سمعته بعد يعده في مسموعاته.
ولما أراد أن يملي بجامع القصر، قلت له: لو استعنت بحافظ؟ فقال: إنما يفعل ذا من قلت معرفته، وأنا، فحفظي يغنيني، فامتحنت بالاستملاء عليه، فرأيته يسقط من الإسناد رجلاً، ويزيد رجلاً، ويجعل الرجل اثنين، فرأيت فضيحةً، فمن ذلك: الحسن بن سفيان، حدثنا يزيد ابن زريع، فأمسك الجماعة، ونظر إلي وتكلموا، فقلت: قد سقط إما محمد بن منهال، أو أمية بن بسطام، فقال: اكتبوا كما في أصلي، وجاء: أخبرنا سهل بن بحر، أنا سألته، فصحفها، فقال: أنا سالبة، وقال: سعيد بن عمرو الأشعثي، فقال: والأشعثي، جعل واو عمرو للعطف، فرددته، فأبى، فقلت: فمن الأشعثي؟ قال: فضولٌ منك، وجاء ورقاء بن قيس بن الربيع، فقلت: هو عن بدل ابن وقال في حديث حميل بن بصرة: لقيت أبا هريرة وهو يجيء من الطور، فقال: الطود وفسر مرةً الخشف فقال: طائر، وقال في: "فليعمل عملاً صالحاً" انتصب على الحال.
قيل: ولد سنة أربع عشرة وأربع مئة، وعاش ستاً وثمانين سنة. توفي بشيراز في السابع والعشرين من رمضان سنة خمس مئة، وقد سقت من أخباره في التاريخ الكبير وفي ميزان الاعتدال. وقيل: كان معتزلياً.
وفيها مات: أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد الحداد سبط ابن منده، وشيخ الشافعية أبو المظفر أحمد بن محمد الخوافي بطوس، والفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن زنجويه الونجاني، وجعفر السراج، والمبارك بن الصيرفي، وأبو غالب الباقلاني، وشيخ النحو المبارك بن فاخر بن الدباس، وسلطان المغرب يوسف بن تاشفين.

صاحب الغرب

أمير المسلمين، السلطان أبو يعقوب يوسف بن تاشفين اللمتوني البربري الملثم، ويعرف أيضاً بأمير المرابطين، وهو الذي بنى مراكش، وصيرها دار ملكه.
وأول ظهور هؤلاء الملثمين مع أبي بكر بن عمر اللمتوني، فاستولى على البلاد من تلمسان إلى طرف الدنيا الغربي، واستناب ابن تاشفين، فطلع بطلاً شجاعاً شهماً عادلاً مهيباً، فاختط مراكش في 465، اشترى أرضها بماله الذي خرج به من صحراء السودان، وله جبل الثلج، وكثرت جيوشه، وخافته الملوك، وكان بربرياً قحاً، وثارت الفرنج بالأندلس، فعبر ابن تاشفين ينجد الإسلام، فطحن العدو، ثم أعجبته الأندلس، فاستولى عليها، وأخذ ابن عباد وسجنه، وأساء العشرة.
وقيل: كان ابن تاشفين كثير العفو، مقرباً للعلماء، وكان أسمر نحيفاً، خفيف اللحية، دقيق الصوت، سائساً، حازماً، يخطب لخليفة العراق، وفيه بخل البربر، تملك بضعاً وثلاثين سنة، وهو وجيشه ملازمون للثام الضيق، وفيهم شجاعة وعتو وعسفٌ، جاءته الخلع من المستظهر، وولي بعده ولده علي.
مات في أول سنة خمس مئة، وله بضع وثمانون سنة، وتملك مدائن كباراً بالأندلس، وبالعدوة، ولو سار، لتملك مصر والشام.

المطرز

الشيخ العالم، الثقة الجليل، مسند أصبهان أبو سعد محمد بن محمد بن أحمد بن سنده الأصبهاني المطرز، خازن الرئيس الثقفي.
سمع أبا علي غلام محسن، وعلي بن عبدكويه، والحسين بن إبراهيم الجمال، ومحمد بن عبد الله العطار، وأبا نعيم الحافظ، وعدة.
حدث عنه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وأبو طاهر السلفي، وآخرون، وأبو موسى المديني بالحضور.
قال السمعاني: ثقة صالح.
وقال السلفي: كاتبٌ رئيسٌ على غايةٍ من الجلالة، قرأنا عليه عن غلام محسن، وابن مصعب، وجماعة، وقرأت عليه القرآن عن أبي بكر بن البقار تلميذ أبي علي بن حبش، وخرج له غانم بن محمد خمسة أجزاء سمعناها.
قلت: ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة في ربيع الأول منها.
وقال أبو موسى: مات في الثاني والعشرين من شوال سنة ثلاث وخمس مئة. وفيها مات أحمد بن المظفر بن سوسن، والقدوة الكبير أبو بكر أحمد ابن علي بن أحمد بن العلبي الحنبلي، وأبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواسي الحافظ، وأبو طاهر المحسد بن محمد الإسكاف راوي المعجم الكبير عن ابن فاشاذه، والوزير الكبير و المعالي هبة الله بن محمد ابن المطلب الكرماني ببغداد، وآخرون.
قال ابن نقطة: روى مسند الطيالسي عن الجمال وأبي نعيم، وسمع منه السلفي مسند الحميدي بسماعه من أبي نعيم.

ابن نبهان

الشيخ الكبير، العالم المعمر، مسند وقته، أبو علي محمد بن سعيد ابن إبراهيم بن سعيد بن نبهان، البغدادي، الكرخي، الكاتب.
ولد سنة إحدى عشرة وأربع مئة.
وسمع بعد العشرين من أبي الله بن شاذان، وبشرى الفاتني، وابن دوما النعالي، وجده لأمه أبي الحسين الصابئ، وعمر دهراً طويلاً، وألحق الصغار بالكبار، ولم يكن سماعه كثيراً.
حدث عنه: حفيده محمد بن أحمد، ومحمد بن جعفر بن عقيل، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء العطار، ودهبل بن كاره، وعيسى بن محمد الكلواذاني، وعبد المنعم بن كليب، وخلق كثير.
قال السمعاني: هو شيخٌ عالم، فاضل مسن، من ذوي الهيئات، وكان آخر من روى عن ابن شاذان، ولي منه إجازة.
قال ابن ناصر: فيه تشيع، وكان سماعه صحيحاً، بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل، فمن قرأ عليه في تلك الحالة، فقد أخطأ وكذب عليه، فإنه لم يكن يفهم ما يقرأ عليه من أول سنة إحدى عشرة، قال ابن ناصر: وسمعته يذكر مولده، ثم سمعته مرة يقول: سنة خمس عشرة، فكلمته في ذلك، فقال: أردت أن أدفع عني العين، وإلا فمولدي سنة إحدى عشرة.
قال أبو سعيد السمعاني: سمعت العلاء بن عقيل يقول: كان شيخنا ابن نبهان إذا طول عليه المحدثون، قال: قوموا، فإن عندنا مريضاً، بقي على هذا سنين، فكانوا يقولون: مريض ابن نبهان لا يبرأ.
وقال ابن ناصر: كان ابن نبهان قد بلغ ستاً وتسعين سنة، سمعه جده هلال بن المحسن في سنة ثلاث وعشرين، ولم يكن من أهل الحديث، وكان أولاً على معاملة الظلمة، وكان رافضياً، والصحيح أن مولده سنة خمس عشرة، وكذا نقل الحميدي، وذكر أنه وجده بخط جده ابن الصابئ، ومات في شوال سنة إحدى عشرة وخمس مئة.

ابن بيان

الشيخ الصدوق المسند، رحلة الآفاق، أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان بن الرزاز البغدادي، راوي جزء ابن عرفة.
سمع أبا الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد البزاز، وطلحة ابن الصقر، وأبا القاسم الحرفي، وأبا علي بن شاذان، وعبد الملك بن بشران، والقاضي أبا العلاء الواسطي، وجماعة.
حدث عنه: أبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي، وأبو العلاء العطار، وأبو محمد بن الخشاب، وأحمد بن محمد بن قضاعة، وأبو الفضل خطيب الموصل، ووفاء بن أسعد، ومحمد بن بدر الشيحي، ومحمد بن جعفر بن عقيل، وأبو الفرج محمد بن أحمد بن نبهان، وعبيد الله ابن شاتيل، وأحمد بن المبارك بن درك، وأحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبو السعادات القزاز، وأبو منصور بن عبد السلام، وخلقٌ كثير، آخرهم أبو الفرج بن كليب.
قال السمعاني: كان يأخذ على نسخة ابن عرفة ديناراً من كل واحدٍ على ما سمعت، أجاز لي، وحدثني عنه جماعة كثيرة، سمعت أبا بكر محمد بن عبد الباقي يقول: كان أبو القاسم بن بيان يقول: أنتم ما تطلبون الحديث والعلم، أنتم تطلبون العلو، وإلا ففي دربي جماعة سمعوه مني، فاسمعوه منهم، ومن أراد العلو، فليزن ديناراً، سمعت محمد بن عبد الله العطار بمرو يقول: وزنت الذهب لابن بيان حتى سمعت منه جزء ابن عرفة، وكذا ذكر لي بسمرقند محمد بن أبي العباس أنه أعطاه ديناراً وسمعه.
مولد ابن بيان في سنة ثلاث عشرة وأربع مئة، وتوفي في سادس شعبان سنة عشر وخمس مئة.
قال شجاع الذهلي: هو صحيح السماع.
وقد قال إسماعيل بن السمرقندي وغيره: سمعناه يقول: ولدت سنة اثنتي عشرة، وبخط ابن عطاف أنه سأله، فقال: كان عندي أنني ولدت سنة اثنتي عشرة، حتى وجد بخط والدي أنه سنة ثلاث عشرة.
وقال السلفي: سألته، فقال: ولدت بين العيدين سنة ثلاث عشرة. قال: ومات وأنا بدمشق، ولا يعرف في الإسلام محدثٌ وازاه في قدم السماع. كذا قال السلفي، وذلك منتقض بالبغوي، وبالوركي، وغيرهما.

التككي

الشيخ الصالح، الثقة المعمر، أبو علي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي التككي، من بقايا أصحاب أبي علي بن شاذان.
حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو بكر السمعاني، وأبو طاهر السلفي، وسلمان بن مسعود الشحام، وأبو بكر بن النقور، وآخرون.
قال ابن النجار: شيخٌ صالح، صحيح السماع، ولد سنة أربع عشرة.
قلت: توفي في رمضان سنة إحدى وخمس مئة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل، أخبرنا الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة سنة سبع عشرة وست مئة، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن النرسي، أخبرنا أبو علي التككي الحسن بن محمد، أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا عثمان بن السماك، حدثنا موسى ابن سهل، حدثنا إسماعيل ابن علية، حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمده عليها".

ابن الموصلي

الشيخ المسند الثقة أبو عبد الله هبة الله بن أحمد بن محمد بن علي الزهري، الموصلي، ثم البغدادي، المراتبي، شيخٌ صالح خير، صحيح السماع.
سمع أبا القاسم بن بشران، والحسين بن علي بن بطحاء.
وعنه: عبد الوهاب الأنماطي، وعبد الخالق اليوسفي، وابن ناصر، والسلفي، وشهدة، وخطيب الموصل. ولد سنة إحدى وعشرين وأربع مئة في ربيع الأول منها، وتوفي في شهر رمضان سنة اثنتين وخمس مئة.

الروياني

القاضي العلامة، فخر الإسلام، شيخ الشافعية، أبو المحاسن عبد الواحد إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، الطبري، الشافعي.
مولده في آخر سنة خمس عشرة وأربع مئة، وتفقه ببخارى مدة.
سمع أبا منصور محمد بن عبد الرحمن الطبري، وأبا غانم أحمد بن علي الكراعي المروزي، وعبد الصمد بن أبي ناصر العاصمي البخاري، وأبا نصر أحمد بن محمد البلخي، وشيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني، وعبد الله ابن جعفر الخبازي، وأبا حفص بن مسرور، وأبا بكر عبد الملك بن عبد العزيز، وأبا عبد الله محمد بن بيان الفقيه، وعدة.
وارتحل في طلب الحديث والفقه جميعاً، وبرع في الفقه، ومهر، وناظر، وصنف التصانيف الباهرة.
حدث عنه: زاهر الشحامي، وإسماعيل بن محمد التيمي، وأبو طاهر السلفي، وأبو رشيد إسماعيل بن غانم، وأبو الفتوح الطائي، وعدة، وكان يقول: لو احترقت كتب الشافعي، لأمليتها من حفظي، وله كتاب البحر في المذهب، طويلٌ جداً، غزير الفوائد. وكتاب مناصيص الشافعي، وكتاب حلية المؤمن، وكتاب الكافي. وكان ذا جاهٍ عريضٍ، وحشمةٍ وافرة، وقبولٍ تام، وباعٍ طويل في الفقه.
قال السلفي: بلغنا أنه أملى بآمل، وقتل بعد فراغه من مجلس الإملاء بسبب التعصب في الدين في المحرم.
قال: وكان العماد محمد بن أبي سعد صدر الري في عصره يقول: أبو المحاسن القاضي شافعي عصره.
قال معمر بن الفاخر: قتل بجامع آمل يوم جمعة حادي عشر المحرم، قتلته الملاحدة _ يعني الإسماعيلية _ قال: وكان نظام الملك كثير التعظيم له.
قلت: قتل سنة إحدى وخمس مئة. ورويان: بلدةٌ من أعمال طبرستان، وأما الري، فمدينة كبيرة، والنسبة إليها رازي.

ابن الفارسي

الإمام المحدث، المتقن العالم الصدوق، أبو عبد الله إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر بن أحمد الفارسي، ثن النيسابوري، ولد الشيخ أبي الحسين، وزوج ابنة الأستاذ القشيري.
أكثر عن أبيه، وأبي حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن محمد بن الحارث النحوي، ومحمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي حفص بن مسرور، فمن بعدهم.
وارتحل سنة ثلاث وخمسين، وطوف أعواماً في فارس، وخوزستان، وكتب بخطه نحواً من ألف جزء، وسمع ببغداد أبا محمد الجوهري، وطبقته.
حدث عنه: ولده الحافظ عبد الغافر، وبنته أم سلمة، وعمر بن أحمد الصفار، وأبو بكر التفتازاني، وعبد الله بن الفراوي، وعبد الخالق بن زاهر، وأبو شجاع البسطامي، وعدة.
قال السمعاني: كان فاضلاً عالماً، لم يفتر من السماع والتحصيل.
قلت: توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمس مئة، وله نيفٌ وثمانون سنة.
وفيها مات شيخ الشافعية أبو الحسن علي بن محمد إلكيا الهراسي، وعبد المنعم بن الغمر الكلابي، وأبو يعلى حمزة بن محمد الزينبي أخو طراد، وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمد البلدي النسفي، ومقرئ مصر أبو الحسين الخشاب.

ابن باديس

صاحب إفريقية، السلطان أبو يحيى تميم بن المعز بن باديس بن المنصور الحميري، الصنهاجي، من أولاد الملوك، كان بطلاً شجاعاً، مهيباً سائساً، عالماً شاعراً، جواداً ممدحاً.
ولد سنة 422، وولي المهدية لأبيه سنة خمس وأربعين، ثم بعد أشهر مات المعز، وتملك هذا، فامتدت أيامه إلى أن مات في رجب سنة إحدى وخمس مئة، وخلف من البنين فوق المئة، ومن البنات ستين بنتاً على ما قاله حفيده العزيز بن شداد، ثم تملك بعده ابنه يحيى بن تميم، فأحسن السيرة، وافتتح حصوناً كثيرة.

صاحب الحلة

الملك، سيف الدولة، صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري العراقي، اختط مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مئة، وسكنها الشيعة، وكان ذا بأسٍ وإقدامٍ، نافر السلطان محمد بن ملكشاه، وحاربه، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فقتل صدقة في المصاف سنة إحدى وخمس مئة، وقد نفذ إليه المستظهر بالله ينهاه عن الخروج، فما سمع، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجرح فرسه المهلوب، وكان عديم المثل، وهرب وزيره على فرسٍ له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربة سيف في وجهه، وقتل، وهلك من العرب ثلاثة آلاف، وأسر ابنه دبيس ووزيره وعدة، ومات أبوه سنة 479.

التميمي

مفتي سبتة، القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى بن حسن التميمي المغربي السبتي المالكي. أخذ عن أبي محمد المسيلي، ولازمه، وعن أبي عبد الله أبي العجوز.
وسمع صحيح البخاري بالمرية على ابن المرابط، وأخذ بقرطبة عن عبد الملك بن سراج، ومحمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني. وكان حسن العقل، مليح السمت، متجملاً نبيلاً، تفقه به أهل بلده، وكان يسمى الفقيه العاقل، تفقه به أبو محمد بن شبونة، والقاضي عياض، وأبو بكر بن صلاح.
رحل إليه الناس من النواحي، وبعد صيته، واشتهر ذكره، وتخرج به أئمة، وكان ديناً، سريع الدمعة، مؤثراً للطلبة، بنى جامع سبتة، وعزل نفسه من القضاء بأخَرة، ثم طلبوه، وولوه قضاء فاس، فلم تعجبه الغربة، فرجع إلى وطنه، وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وخمس مئة، قال ذلك تلميذه أبو عبد الله محمد بن حمادة الفقيه، وبالغ في تعظيمه، بحيث إنه قال: كان إمام المغرب في وقته، ولم يكن في قطر من الأقطار منذ يحيى ابن يحيى الأندلسي من حمل الناس عنه أكثر منه، ولا أكثر نجابةً من أصحابه.
قلت: عاش سبعاً وسبعين سنة، ضبط القاضي مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة، وأخرج عنه في الشفاء.

ابن غطاش

طاغية الإسماعيلية، هو الرئيس أحمد بن عبد الملك بن غطاش العجمي.
كان أبوه من كبار دعاة الباطنية، ومن أذكياء الأدباء، له بلاغة وسرعة جواب، استغوى جماعةً، ثم هلك، وخلفه في الرياسة ابنه هذا، فكان جاهلاً، لكنه شجاعٌ مطاع، تجمع له أتباع، وتحيلوا، حتى ملكوا قلعة أصبهان التي غرم عليها السلطان ملكشاه ألفي ألف دينار، وصاروا يقطعون السبل، والتف عليهم كل فاجر، ودام البلاء بهم عشر سنين، حتى نازلهم محمد بن ملكشاه أشهراً، فجاعوا، ونزل كثيرٌ منهم بالأمان، وعصى ابن غطاش في برج أياماً، وجرت أمورٌ طويلة، ثم أخذ وسلخ، وتأمر على الباطنية بعده ابن صباح، وكانوا بلاءً على المسلمين، وقتلوا عدداً من الأعيان بشغل السكين.

متولي همذان

الأمير أبو هاشم زيد بن الحسين بن علي العلوي الحسيني الهمذاني سبط الصاحب إسماعيل بن عباد، كان هيوباً مطاعاً، جباراً عسوفاً، كثير الأموال، يطرح ما يساوي مئةً بثلاث مئة وأزيد، وقد صادره السلطان مرة، فأدى جملةً سبع مئة ألف دينار، وكانت الرعية معه في بلاء وضر. مات في رجب سنة اثنتين وخمس مئة، وله ثلاث وتسعين سنة.

الكشامي

الإمام الخطيب أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن محمد بن أحيد الكشامي. ثقة مكثر مسند. ولد في نحو سنة عشر وأربع مئة.
حدث عن محمد بن الحسن الباهلي، وعلي بن أحمد بن ربيع السنكباثي، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذي، وعدة.
وعنه: إبراهيم بن يعقوب الكشامي، وآصف بن محمد الخالدي، وعطاء بن مالك بن أحمد النقاش، وأبو المعالي محمد بن نصر المديني، وآخرون.
مات في رجب سنة اثنتين وخمس مئة.

التبريزي

إمام اللغة، أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد بن حسن بن بسطام الشيباني، الخطيب، التبريزي، أحد الأعلام.
ارتحل، وأخذ الأدب عن أبي العلاء المعري، وعبيد الله بن علي الرقي، وأبي محمد بن الدهان.
وسمع بصور من الفقيه سليم، وعبد الكريم بن محمد السياري، وأبي بكر الخطيب، وأقام بدمشق مدةً، ثم ببغداد، وكثرت تلامذته، وأقرأ علم اللسان.
أخذ عنه ابن ناصر، وأبو منصور بن الجواليقي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، والسلفي. وقد روى عنه شيخه الخطيب، وكان ثقةً، صنف شرحاً للحماسة، ولديوان المتنبي، ولسقط الزند، وأشياء، ودخل إلى مصر وأخذ عن طاهر بن بابشاذ، وله شعر رائق.
ولم يكن بالصين، قال ابن نقطة: ثقةٌ في علمه، مخلطٌ في دينه، ولعبةٌ بلسانه، وقيل: إنه تاب. وتبريز: بكسر أوله، قاله ابن ناصر.
وقال أبو منصور بن خيرون: ما كان بمرضي الطريقة.
قلت: توفي لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمس مئة، وله إحدى وثمانون سنة.

أبو الهيجاء

الأمير الشاعر، شبل الدولة، مقاتل بن عطية البكري الحجازي، سار إلى بغداد، وإلى غزنة وخراسان، ومدح الكبار، واختص بنظام الملك، ثم سار إلى ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان، ومعه ورقة وقع له فيها المستظهر بالله: يا أبا الهيجاء أبعدت النجعة، أسرع الله بك الرجعة، وفي ابن العلاء مقنع، وطريقه في الخير مهيع، فلما دخل إلى ابن العلاء، أراه الورقة، فقام وخضع لها، وأمر في الحال له بألف دينار، فلما أنشده:

دع العيس تذرع عرض الفلا

 

إلى ابن العـلاء وإلا فـلا

أمر له بألف دينار أخرى، وفرس وخلعة، ثم نزل بهراة، وهوي بها امرأة، ثم مرض وتسودن، ومات في حدود خمس وخمس مئة.

أبو غالب العدل

الشيخ العدل الجليل المعمر، مسند همذان، أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن القارئ، الهمذاني الخفاف، وجد سماعه في أصول المحدثين.
حدث عن أبي سعيد عبد الرحمن بن شبانة، ومنصور بن عبد الرحمن الحنبلي، والحسين بن عمر النهاوندي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي، وشهردار بن شيرويه، وأبو الكرم علي ابن عبد الكريم، وأظن أن الحافظ أبا العلاء العطار سمع منه، فإنه أدركه، وحدث في سنة ست وخمس مئة، وكان من أبناء التسعين. لم يذكر له شيرويه وفاة، وكان من أهل الشهادات.

البحيري

الشيخ الإمام الأمين الجليل أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن محمد بن أحمد البحيري النيسابوري المحدث.
ولد سنة تسع عشرة وأربع مئة، وكان يقول: قرأت صحيح مسلم على أبي الحسين عبد الغافر الفارسي أكثر من عشرين مرة.
سمع من الحافظ أبي بكر أحمد بن منجويه، وأبي حسان المزكي وأبي العلاء صاعد بن محمد، وعبد الرحمن النصروي.
وعنه: إسماعيل بن جامع، وأبو شجاع البسطامي، وإسماعيل بن محمد التيمي.
قال السمعاني: سمع بإفادته خلقٌ، وتفقه على ناصر العمري، وكان يقرأ دائماً صحيح مسلم للغرباء والرحالة، وأضر بأخرة.
وقال ابن النجار: كان نظيفاً عفيفاً، اشتغل بالتجارة، وبورك له فيها، وحصل مالاً.
توفي في آخر سنة إحدى وخمس مئة بنيسابور. أملى مجالس.

أُبي النرسي

الشيخ الإمام الحافظ، المفيد المسند، محدث الكوفة، أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون بن محمد النرسي، الكوفي، المقرئ، الملقب بأُبي لجودة قراءته.
ولد سنة أربع وعشرين وأربع مئة.
وسمع محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي، وأبا طاهر محمد بن العطار، ومحمد بن إسحاق بن فدويه، ومحمد بن محمد بن خازم بن نفط، وأبا عبد الله بن حبيب القادسي، وأبا إسحاق البرمكي، وأبا بكر بن بشران، وأبا القاسم التنوخي، والقاضي أبا الطيب الطبري، وأبا منصور بن السواق، وكريمة المروزية المجاورة، وعبد العزيز بن بندار الشيرازي، وأبا الحسن أحمد بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن قفرجل، وأبا الفتح بن شيطا، وخلقاً سواهم، وسمع بالشام لما زار بيت المقدس، وكان ينوب عن خطيب الكوفة. حدث عنه: الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي مع تقدمه، وابن ناصر، والسلفي، ومعالي بن أبي بكر الكيال، ومسلم بن ثابت، ومحمد بن حيدرة الحسيني، وعدة، وتلا عليه لعاصم أبو الكرم الشهرزوري بحق قراءته على العلوي، عن أبي عبد الله الجعفي، وسمع منه الحميدي، وجعفر الحكاك، وابن الخاضبة، وأبو مسلم عمر بن علي الليثي، وعبد المحسن الشيحي.
وخرج لنفسه معجماً، ونسخ الكثير، وكان يقول: كنت أقرأ على المشايخ وأنا صبي، فقال الناس، أنت أُبي، لجودة قراءتي، وأول سماعي في سنة اثنتين وأربعين، ولحقت البرمكي، فسمعت منه ثلاثة أجزاء ومات.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كانت له معرفةٌ ثاقبة، ووصفه بالحفظ والإتقان.
وقال ابن ناصر: كان ثقةً حافظاً، متقناً، ما رأينا مثله، يتهجد، ويقوم الليل، قرأ عليه أبو طاهر بن سلفة حديثاً، فأنكره، وقال: ليس هذا من حديثي، فسأله عن ذلك، فقال: أعرف حديثي كله، لأني نظرت فيه مراراً، فما يخفى علي منه شيء.
وكان يقدم كل سنة من الكوفة من سنة ثمان وتسعين في رجب، فيبقى ببغداد إلى بعد الفطر، ويرجع، وكان ينسخ بالأجرة، يستعين على العيال، وكذا كان أبو عامر العبدري يثني عليه، ويقول: ختم هذا الشأن بأُبي رحمه الله.
مرض أُبي ببغداد، وحمل، فأدركه الأجل بالحل، وحمل إلى الكوفة ميتاً، فدفن بها، مات يوم سادس عشر شعبان سنة عشر وخمس مئة.
قلت: عاش ستًّا وثمانين سنة.
ولأبي الفرج بن كليب منه إجازة.
وفيها مات مسند زمانه أبو القاسم بن بيان الرزاز، ومسند زمانه أبو بكر عبد الغافر بن محمد الشيروي، ومحدث واسط خميس الحوزي، وأبو الخير المبارك بن الحسين الغسال المقرئ، وأبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي، والحافظ أبو بكر محمد بن منصور السمعاني، ومحمود بن سعادة السلماسي، وأبو الفتح نصر بن أحمد الحنفي بهراة.

الأعمش

الإمام الحافظ، محدث همذان، أبو العلاء، حمد بن نصر بن أحمد الهمذاني الأديب، المعروف بالأعمش، ذكره شيرويه، وأبو سعد السمعاني.
مولده في سنة وثلاثين وأربع مئة.
سمع من أبي مسلم بن غزو النهاوندي، وعبيد الله بن الحافظ بن منده، وأبي محمد بن ماهله _ واسمه هارون _ وعلي بن حميد الحافظ، وطبقتهم.
قال السمعاني: أجاز لي مروياته، وكان عارفاً بالحديث، حافظاً ثقة، مكثراً، سمع بنفسه وأملى، مات في عاشر شوال سنة اثنتي عشرة وخمس مئة عن نيفٍ وثمانين سنة، وهو حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن معروف.
قلت: حدث عنه السلفي، وأبو العلاء العطار المقرئ، وجماعة، وكان بصيراً بمذهب أحمد، ناصراً للسنة، وافر الحرمة ببلده، بارع الأدب.
قرأت على أحمد بن عبد الكريم المحتسب، أخبرني نصر بن جرو، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، سمعت حمد بن نصر الحافظ بهمذان، سمعت علي بن حميد الحافظ، سمعت طاهر بن عبد الله الحافظ، سمعت حمد بن عمر الزجاج الحافظ يقول: لما أملى صالح بن أحمد التميمي الحافظ بهمذان كانت له رحًى، فباعها بسبع مئة دينار، ونثرها على محابر أصحاب الحديث. رواه أبو سعد السمعاني، عن رجل، عن السلفي.

ابن الآبنوسي

الإمام المحدث الصادق أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن الآبنوسي، البغدادي، والد الفقيه أبي الحسن أحمد بن الآبنوسي.
كان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
وسمع من أبي محمد الجوهري، وأبي القاسم التنوخي، وأبي طالب العشاري، وأبي الطيب الطبري، وأبي بكر بن بشران، وابن مكي السواق، وسمع تاريخ الخطيب منه.
روى عنه محمد بن محمد السنجي، وعبد الله الحلواني، وأبو طاهر السلفي، وكان أحد الوكلاء عند الدامغاني.
قال أبو بكر السمعاني: سمعته يقول: كنت لا أسمع مدةً من التنوخي لما أسمع من ميله إلى الاعتزال، ثم سمعت منه، وصرت عنده أعز من كل أحد، وكان يسميني: يحيى بن معين.
مات ابن الآبنوسي في سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمس مئة.
قال ابن ناصر: كان أبو محمد ثقةً مستوراً، له معرفةٌ بالحديث.
وقال السلفي: هو من أهل المعرفة بالحديث وقوانينه التي لا يعرفها إلا من طال اشتغاله به، وكان ثقة شافعياً، كتبنا عنه بانتقاء البرداني.

وابنه أبو الحسن الآبنوسي

الإمام أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي بن الآبنوسي الشافعي الوكيل. مولده سنة 466. سمع أبا القاسم بن البسري، وإسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي، ومحمد بن محمد الزينبي، ورزق الله، وتفقه على القاضي محمد ابن المظفر الشامي، ونظر في الاعتزال، ثم أنقذه الله وتسنن.
حدث عنه: ابنته شرف النساء، وابن عساكر، والسمعاني، وسليمان الموصلي، وأبو اليمن الكندي، وعدة، وأجاز لأبي منصور بن عفيجة.
قال السمعاني: فقيهٌ، مفتٍ، زاهدٌ، اختار الخمول وترك الشهرة، وكان كثير الذكر، تاركاً للتكليف.
قلت: جمع وصنف، ودعا إلى السنة.
قيل: كان لا يأتي الجمعة، وما علم عذره، ولا رؤي في مسجد. مات في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة.

الشقاني

الفقيه المحدث، مفيد نيسابور، أبو الفضل العباس بن أحمد بن محمد الحسنوي النيسابوري، الشقاني، أحد من أفنى عمره في طلب الحديث، وطال عمره وتفرد.
سمع عبد الرحمن بن حمدان النصروي، ومحمد بن إبراهيم المزكي، وأحمد بن محمد بن الحارث التميمي، وأبا حسان محمد بن أحمد بن جعفر، فمن بعدهم، وقل أن يوجد جزء إلا وقد سمعه، وما علمت له رحلةً.
روى عنه: محمد بن أبي بكر السنجي، وعمر أبو شجاع البسطامي، وعبد الرحيم بن الاخوة، وآخرون.
مات في ذي الحجة سنة ست وخمسين وخمس مئة، وهو في عشر التسعين فيما أرى، وكان والده أبو العباس من علماء وقته، وله ولدان: أبو بكر محمد، وأحمد، يرويان الحديث.

القشيري

الشيخ العالم المأمون أبو محمد الفضل بن محمد بن عبيد بن محمد ابن محمد بن مهدي القشيري النيسابوري المعدل الصوفي.
سمع العلامة عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبا حسان المزكي، وعبد الغافر الفارسي، وهو أخو عبيد القشيري. حدث ببغداد لما حج، فروى عنه أبو الفتح محمد بن عبد السلام الكاتب وغيره.
توفي في رمضان سنة ست وخمس مئة، وله ست وثمانون سنة، وكان خيراً فاضلاً، حسن السمت من شهود نيسابور الكبار.

الأنباري

كبير الوعاظ، الإمام المقرئ، أبو منصور علي بن محمد بن علي الأنباري، ثم البغدادي.
تلا بالروايات على أبي علي الشرمقاني، وأظنه آخر أصحابه. وسمع من ابن غيلان، وأبي إسحاق البرمكي، وجماعة، وتفقه على أبي يعلى حتى برع في مذهب أحمد، وكان ديناً صالحاً، عذب الألفاظ، طيب التلاوة، من أعيان العلماء، أفتى، ودرس، ووعظ بجامع القصر، وجامع المنصور، وجامع المهدي، وسمع الكثير، ونسخ الأجزاء.
روى عنه أبو البركات بن السقطي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبو طالب ابن خضير، وآخرون.
مولده في سنة خمس وعشرين وأربع مئة.
ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمس مئة، وشيعه الخلق، وازدحموا عليه، رحمه الله تعالى. وما استحضر أحداً قرأ عليه بالروايات.

السقطي

الشيخ المحدث، مفيد بغداد، أبو البركات هبة الله بن المبارك بن موسى البغدادي السقطي صاحب المعجم الضخم.
كتب عمن دب ودرج وخرج وجمع وتنبه، لكنه ضعيف، قليل الإتقان. سمع القاضي أبا يعلى، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا جعفر بن المسلمة، ومحمد بن علي بن الدجاجي، وجابر بن ياسين، وأبا بكر الخطيب، وهناداً النسفي، فمن بعدهم.
ورحل إلى أصبهان والكوفة والبصرة والموصل والجبال، وبالغ وبحث عن الشيوخ حتى كتب عمن هو دونه.
روى عنه ولده وجيه، وإسماعيل بن السمرقندي، والشيخ عبد القادر، والمبارك بن كامل، والسلفي، وآخرون.
قال ابن النجار: أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، أخبرنا هبة الله السقطي بواسط، أخبرنا أبو يعلى، فذكر حديثاً. وله نظم جيد.
قال السلفي: سألت هبة الله بن السقطي عن مولده، فقال: سنة خمس وأربعين وأربع مئة، سمع كثيراً، وكان من أهل الحفظ والمعرفة، وشعره حسن، رأيته بأصبهان لما قدم مع رزق الله يقرأ عليه الحديث.
قال ابن فولاذ: ذاكرت شجاعاً الذهلي برواية السقطي عن أبي محمد الجوهري، فقال: ما سمعنا بهذا قط، وضعفه فيه جداً.
وقال السمعاني: سألت ابن ناصر عن السقطي: أكان ثقة؟ قال: لا والله، ظهر كذبه، وهو من سقط المتاع، مات سنة تسع وخمس مئة.

الأبيوردي

الأستاذ العلامة الأكمل أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان ابن حرب بن أمية الأموي العنبسي المعاوي الأبيوردي اللغوي، شاعر وقته، وصاحب التصانيف، فالواسطة بينه وبين أبي سفيان خمسة عشر أباً.
سمع إسماعيل بن مسعدة، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، ومالك بن أحمد البانياسي، وأخذ العربية عن عبد القاهر الجرجاني.
روى عنه ابن طاهر المقدسي، وأبو الفتوح الطائي، وأبو طاهر السلفي، وجماعة.
قال يحيى بن منده: سئل الأديب أبو المظفر عن أحاديث الصفات، فقال: تقر وتمر.
وقال السمعاني: صنف كتاب المختلف، وكتاب طبقات العلم، وكتاب أنساب العرب، وله في اللغة مصنفات ما سبق إليها.
قلت: ديوانه كبير، وهو أقسام: العراقيات، والنجديات، والوجديات، وعمل تاريخاً لأبيورد.
قال السمعاني: سمعت غير واحد يقولون: كان الأبيوردي يقول في صلاته: اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها.
قلت: هو ريان من العلوم، موصوفٌ بالدين والورع، إلا أنه تياه، معجبٌ بنفسه، وقد قتله حب السؤدد، وكان جميلاً لبّاساً له هيئة ورواء، وكان يفتخر، ويكتب اسمه: العبشمي المعاوي، يقال: إنه كتب رقعة إلى الخليفة المستظهر بالله، وكتب: المملوك المعاوي، فحك المستظهر الميم، فصار: العاوي، ورد الرقعة إليه.
قال جماد الحراني: سمعت السلفي يقول: كان الأبيوردي _ والله _ من أهل الدين والخير والصلاح والثقة، قال لي: والله ما نمت في بيت فيه كتاب الله، ولا حديث رسول الله احتراماً لهما أن يبدو مني شيءٌ لا يجوز.
أنشدنا أبو الحسين بن الفقيه، أخبرنا جعفر، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:

وشادنٍ زارني علـى عـجـلٍ

 

كالبدر في صفحة الدجى لمعـا

لم أزل مـوهـنـاً أحـدثــه

 

والبدر يصغي إلي مستـمـعـا

وصلت خدي بخـده شـغـفـاً

 

حتى التقى الروض والغدير معا

قال عبد الغافر في السياق: فخر العرب أبو المظفر الأبيوردي الكوفني، الرئيس الأديب، الكاتب النسابة، من مفاخر العصر، وأفاضل الدهر، له الفضائل الرائقة، والفصول الفائقة، والتصانيف المعجزة، والتواليف المعجبة، والنظم الذي نسخ أشعار المحدثين، ونسج فيه على منوال المعري، ومن فوقه من المفلقين، رأيته شاباً قام في درس إمام الحرمين مراراً، وأنشأ فيه قصائد كباراً، يلفظها كما يشاء زبداً من بحر خاطره كما نشاء، ميسرٌ له الإنشاء، طويل النفس، كثير الحفظ، يلتفت في أثناء كلامه إلى الفقر والوقائع، والاستنباطات الغريبة، ثم خرج إلى العراق، وأقام مدةً يجذب فضله بضبعه، ويشتهر بين الأفاضل كمال فضله، ومتانة طبعه، حتى ظهر أمره، وعلا قدره، وحصل له من السلطان مكانةٌ ونعمة، ثم كان يرشح من كلامه نوع تشبثٍ بالخلافة، ودعوةٌ إلى اتباع فضله، وادعاء استحقاق الإمامة، تبيض وساوس الشيطان في رأسه وتفرخ، وترفع الكبر بأنفه وتشمخ، فاضطره الحال إلى مفارقة بغداد، ورجع إلى همذان، فأقام بها يدرس ويفيد، ويصنف مدة.
ومن شعره:

وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني

 

عليها ويغريني بها أن يعيبـهـا

أميل بإحدى مقلـتـي إذا بـدت

 

إليها وبالأخرى أراعي رقيبهـا

وقد غفل الواشي فلم يدر أننـي

 

أخذت لعيني من سليمى نصيبها

وله:

أكوكبٌ ما أرى يا سـعـد أم نـار

 

تشبها سهلة الخـدين مـعـطـار

بيضاء إن نطقت في الحي أو نظرت

 

تقاسم الشمس أسمـاعٌ وأبـصـار

والركب يسرون والظلمـاء راكـدة

 

كأنهم في ضمير الـلـيل أسـرار

فأسرعوا وطـلا الأعـنـاق مـائلةٌ

 

حيث الوسـائد لـلـنـوام أكـوار

وله:

تنكر لي دهري ولم يدر أنـنـي

 

أعز وأحداث الزمـان تـهـون

فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه

 

وبت أريه الصبر كيف يكـون

وله:

نزلنا بنعمان الأراك وللـنـدى

 

سقيطٌ به ابتلت علينا المطارف

فبت أعاني الوجد والركب نومٌ

 

وقد أخذت منا السرى والتنائف

وأذكر خوداً إن دعاني على النوى

 

هواها أجابته الدموع الـذوارف

لها في مغاني ذلك الشعب منزلٌ

 

لئن أنكرته العين فالقلب عارف

قال محمد بن طاهر الحافظ: أنشدنا أبو المظفر الأبيوردي لنفسه:

يا من يساجلني وليس بمـدركٍ

 

شأوي وأين له جلالة منصبي

لا تتعبن فدون ما حـاولـتـه

 

خرط القتادة وامتطاء الكوكب

والمجد يعلم أينـا خـيرٌ أبـاً

 

فأسأله تعلم أي ذي حسبٍ أبي

جدي معاوية الأغر سمت بـه

 

جرثومةٌ من طينها خلق النبي

ورثته شرفاً رفعت مـنـاره

 

فبنو أمية يفخرون بـه وبـي

أنشدني علي بن محمد الحافظ، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:

من رأى أشباح تبرٍ

 

حشيت ريقة نحله

فجمعناها بـدوراً

 

وقطعناها أهلـه

توفي الأبيوردي بأصبهان مسموماً في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وخمس مئة كهلاً. قال قاضي القضاة عبد الواحد بن أحمد الثقفي: أنشدنا الأبيوردي:

لم يبق مني الحب غير حشاشةٍ

 

تشكو الصبابة فاذهبي بالباقـي

أيبل من جلب السقام طبـيبـه

 

ويفيق من سحرته عين الراقي

إن كان طرفك ذاق ريقك فالذي

 

ألقى من المسقي فعل الساقي

نفسي فداؤك من ظلومٍ أعطيت

 

رق القلوب وطاعة الأحـداق

وقد ذكره ابن طاهر، فلم يتقن نسبه، وقال: كان أوحد أهل زمانه في علوم عدة. وقد عمل السلفي له سيرة وطول، وقال: كان في زمانه درة وشاحه، وغرة أوضاحه، ومالك رق المعاني، فلله دره حين يتناثر من فيه دره.

في كل معنًى يكاد الميت يفهمه

 

حسناً ويعبده القرطاس والقلـم

هذا مع ما تجمع فيه من الخلال الرضية، والخصال المرضية، كالتبحر في اللغة، والتقدم في النحو، والمعرفة برجال الحديث والأنساب، ونزاهة النفس، والمواظبة على الشرع، والتواضع الزائد للزاهدين، والصلف التام على أبناء الدنيا، وكان نادراً في أنساب العرب قاطبة، كأنه يغرف من بحر، سمعته يقول: ما دخلت بلداً يروى فيه الحديث إلا بدأت بسماع شيءٍ منه قبل التصدي لشؤوني، وحفظت كتاب البلغة في اللغة وأنا صبي، وما مقلت لغوياً قط، وأما النحو، فعبد القاهر، وأثنى عليه.
وحكى لي الشريف أبو البلقاء خطيب جامع السلطان قال: كان أبو المظفر يطالع الرقعة الطويلة مرةً واحدة، ويعيدها حفظاً، قال: وممن كان يبالغ في مدحه أبو نصر بن أبي حفص، وأبو إسماعيل الأثعل الأصبهانيان كاتبا العصر، وبلغني وأنا بسلماس أنه فوض إليه إشراف الممالك، وأحضر عند السلطان محمد بن ملكشاه للشخصية وهو على سرير الملك، فارتعد منه ووقع، ورفع ميتاً.
قال شيرويه: سمع الأبيوردي من إسماعيل بن مسعدة، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي الفتح الشيرازي بالري، وعاصم بن الحسن، إلى أن قال: وكان من أفراد الوقت الذين ملكوا القلوب بفضلهم، وعمروا الصدور بودهم متعصباً للسنة وأهلها، وله تصانيفٌ كثيرة، ألف تاريخ أبيورد ونسا والمختلف والمؤتلف وطبقات العلماء في كل فن وما اختلف وائتلف من أنساب العرب، وله في النحو واللغة مصنفات ما سبق إليها، حسن السيرة، خفيف الروح، متواضعاً، طرازاً لأهل البلد.
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: قدم بغداد سنة ثمانين، ولازم خزانة الكتب النظامية، وكان من الذكاء على وصف عجيب، كان يسمع القصيدة الطويلة في نوبةٍ، فيرويها، ويتصفح الكتاب مرة، فيذكر فوائده ويحكيها، كان يعاب بإعجابه بنفسه، وكان عفيفاً متصوناً، أكثر من مدائح الوزير الملك بن النظام، فسعى ابن جهير إلى الخليفة بأنه قد هجاك، ومدح صاحب مصر، فأبيح دمه، فهرب إلى همذان، واختلق هذا النسب حتى ذهب عنه اسم صاحب مصر، ويقال: إن الخطير الوزير سمه، فمات فجأة.
قال ابن الخشاب: قرأت على عبد الرحيم بن الاخوة ثلاثة أجزاء من أول كتاب زاد الآفاق للأبيوردي، وهذا الكتاب _ نعم والله _ بارد الوضع، مشوبٌ أدبه بفضولٍ من علوم لا تعد في الفضل، دالة على أن الأبيوردي كان ممخرقاً محباً لأن يرى بعين مفتن، متشبعاً بما لم يعط. ولأبي إسماعيل الطغرائي يرثي الأبيوردي:

إن ساغ لي بعدك ماءٌ على ظـمـأ

 

فلا تجرعت غير الصاب والصبـر

أو إن نظرت من الدنيا إلى حـسـنٍ

 

مذ غبت عني فلا متعت بالنـظـر

صحبتني والشباب الغض ثم مضـى

 

كما مضيت فما في العيش من وطر

هبني بلغت من الأعمار أطـولـهـا

 

أو انتهيت إلى آمـالـي الـكـبـر

فكيف لي بشبابٍ لا ارتـجـاع لـه

 

أم أين أنت فما لي عنك من خـبـر

سبقتماني ولو خيرت بـعـدكـمـا

 

لكنت أول لحـاقٍ عـلـى الأثـر

الأبيوردي

الشيخ أبو القاسم الفضل بن محمد الأبيوردي العطار الذي روى سنن الدارقطني بفوت جزئين عن أبي منصور النوقاني عن المؤلف، وكمل الجزئين على أبي عثمان الصابوني عنه إجازة. سمع الكتاب منه أبو سعد الصفار في سنة سبع عشرة وخمس مئة، وتوفي بعد عامٍ بنيسابور.

الفضل بن محمد

ابن عبيد محمد بن محمد بن مهدي، العدل المأمون الصالح، أبو محمد القشيري النيسابوري، أخو عبيد بن محمد.
ولد سنة عشرين وأربع مئة.
وسمع من الأستاذ أبي منصور عبد القاهر البغدادي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأبي حسان المزكي، وعبد الغافر بن محمد الفارسي.
وحدث ببغداد، حج، فروى عنه أبو الفتح بن عبد السلام الكاتب وغيره. مات في رمضان سنة ست وخمس مئة.

أخوه عبيد بن محمد

التاجر الأمين المعمر أبو العلاء عبيد بن محمد القشيري.
سمع عبد القاهر بن طاهر البغدادي الأصولي، وأبا حسان المزكي، وعبد الرحمن بن حمدان، وأبا حفص بن مسرور، وسافر إلى المغرب في التجارة، وأقام هناك مدة، وحصل أموالاً، ثم عاد إلى نيسابور، وشاخ، ولزم داره، وكان قليل المخالطة، وكان الأخ الأكبر.
ولد سنة سبع عشرة وأربع مئة، وصفع عبد الغافر بن إسماعيل في تاريخه بالصدق والعدالة والعبادة، وصحة السماع، والإنفاق على الفقراء، تصدق في آخر عمرة بشيءٍ كثير، وثقل سمعه.
روى عنه أبو سعد السمعاني حضوراً بقراءة أبيه.
قال ابن النجار: مات في ثامن عشر شعبان سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، وعاش خمساً وتسعين سنة.