المرتب

المرتب

الإمام أبو الحسن علي بن أبي القاسم أحمد بن محمد البغدادي الدهان المرتب، كان مرتباً للصفوف بجامع المنصور، وكان يؤرخ ويذاكر، لكنه أمي.
سمع أبا الغنائم بن المأمون، وابن المهتدي بالله، وصحب أبا علي بن الشبل.
روى عنه السلفي، وخطيب الموصل، ومحمد بن درما الصلحي، وطائفة.
توفي سنة ثمان عشرة وخمس مئة.
قال أبو علي: سمع المرتب لنفسه في جزءٍ على الخطيب، وأرخه سنة خمسٍ وستين، فافتضح.

الدقاق

الحافظ الأوحد، المفيد الرحال، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني الدقاق.
كان يقول: عرفت بين الطلبة بالدقاق بصديقي أبي علي الدقاق، وولدت بمحلة جرواءان سنة بضعٍ وثلاثين وأربع مئة.
وسمعت في سنة سبعٍ وأربعين من الخطيب عبد الله بن شبيب الضبي، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وسعيد العيار، وأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وأصحاب ابن المقرئ، وشيخنا أبي القاسم ابن منده.
وأول رحلتي كان في سنة ست وستين، وسمعت بنيسابور وطوس، وسرخس ومرو، وهراة وبلخ، وجرجان، وبخارى، وسمرقند وكرمان، ولم نصل إلى العراق.
إلى أن قال: فأما الذين كتبت عنهم بأصبهان، فأكثر من ألف شيخ، وكتبت في الرحلة عن أكثر من ألفٍ أخرى، فقد سمعت بهراة ونيسابور من ست مئة.
قلت: كان الدقاق محدثاً مكثراً، أثرياً متبعاً، فقيراً متعففاً ديناً.
حدث عنه السلفي، وأبو سعدٍ الصائغ، وأبو موسى المديني، وخليل بن بدرٍ الراراني، وعدة.
مات في شوال في سادسه سنة ست عشرة وخمس مئة.

أبو صادق المديني

المحدث الثقة العالم، أبو صادقٍ مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، ثم المصري.
سمع أبا الحسن علي بن حمصة، وعلي بن ربيعة، وأبا القاسم علي بن محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وداجن السدوسي، والحكيمي، وعدة.
وأجاز له علي بن منير الخلال، وأبو الحسن بن صخر، وطائفة.
قال السلفي: كان ثقةٌ، صحيح الأصول، أكثرها بخط ابن بقاء وبقراءته. حدث عنه: السلفي، ومحمد بن علي الرحبي، وعشير بن علي المزارع، وعلي بن هبة الله الكاملي، وعبد الله بن بري النحوي، وأبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري، وآخرون.
مات في ذي القعدة سنة سبع عشرة وخمس مئة.

ابن الخياط

شاعر عصره، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة التغلبي الدمشقي الكاتب، من كبار الأدباء، ونظمه في الذروة، وديوانه شائع، عاش سبعاً وستين سنة، وتوفي سنة سبع عشرة وخمس مئة.
وله:

أوما ترى قلق الغدير كـأنـه

 

يبدو لعينك منه حلي مناطـق

مترقرق لعب الشعاع بمـائه

 

فارتج يخفق مثل ثلب العاشق

فابن الخياط الدمشقي، هو أحمد بن سني الدولة أبي الكتائب الكاتب ابن علي، وهو من طرابلس، وكتب أبو عبد الله بحماة لأبي الفوارس بن مانك، وخدمه مدة، ثم اشتهر بالشعر، ومدح الملوك والأمراء، واجتمع بحلب بالأمير أبي الفتيان بن حيوس، وروى عنه، وعن السابق محمد بن الخضر بن أبي مهزول المعري، وحسان بن الحباب، وأبي نصر بن الخيسي، وعبد الله بن أحمد بن الدويدة.
روى عنه أحمد بن محمد الطليطلي، ومحمد بن نصر القسراني الشاعر، وتخرج به.
وقال السلفي: كان ابن الخياط شاعر الشام.
وقال لي أبو الفوارس نجاء بن إسماعيل العمري بدمشق سنة عشر _ وكان شاعراً مفلقاً _ ابن الخياط في عصره أشعر الشاميين بلا خلاف.
قال السلفي: وقد اخترت من شعره مجلدة لطيفة، وسمعتها منه.
وقال ابن الخياط: دخلت في الصبا على الأمير ابن حيوس بحلب وهو مسن، فأنشدته لي:

لم يبق عندي ما يبـاع بـدرهـمٍ

 

وكفاك عين منظري عن مخبري

إلا صبابة ماء وجهٍ صنـتـهـا

 

من أن تباع وأين أين المشتـري

فقال له ابن حيوس: لو قلت: وأنت نعم المشتري. لكان أحسن، ثم قال: كرمت عندي، ونعيت إلي نفسي، فإن الشام لا يخلو من شاعر مجيد، فأنت وارثي، فاقصد عمار بطرابلس، فإنهم يحبون هذا الفن، ثم وصله بثياب، ودنانير، ومضى إلى بني عمار، فوصلوه، ومدحهم.
قال العماد الكاتب: ابن حيوس أصنع من ابن الخياط، لكن لشعر ابن الخياط طلاوة ليست له، ومن كان ينظر إلى ابن الخياط، يعتقده جمالاً أو حمالاً، لبزته وشكله وعرضه.
فمن قوله في عضد الدولة أبق بن عبد الرزاق الأمير بدمشق قصيدته المشهورة الفائقة، وهي أكثر من سبعين بيتاً، أولها:

خذا من صبا نجدٍ أماناً لقلبه

 

فقد كاد رياها يطير بلبـه

ومدح القاضي فخر الملك أبا علي بن محمد بن عمار بطرابلس بهذه:

هبوا طيفكم أعدى على الناس مسراه

 

فمن لمشوقٍ إن تهـوم جـفـنـاه

وهي طويلة.
وله في الرئيس وجيه الملك أبي الذواد مفرج بن الحسن الصوفي:

لو كنت شاهد عبرتي يوم النـقـا

 

لمنعت قلبك بعدها أن يعـشـقـا

وعذرت في أن لا أطيق تجـلـداً

 

وعجبت من أن لا أذوب تحرقـا

إن الظباء غـداة رامة لـم تـدع

 

إلا حشىً قلقاً وقـلـبـاً شـيقـا

سنحت وما منحت وكم من عارضٍ

 

قد مر مجتازاً عليك وما سـقـى

وهي طويلة.
وله في أبق الأمير المذكور قصيدته المشهورة:

سلوا سيف ألحاظه الممتشق

 

أعند القلوب دمٌ لـلـحـدق

أما من مـعـينٍ ولا عـاذرٍ

 

إذا عنف الشوق يوماً رفـق

تجلى لنا صارم المقـلـتـين

 

ماضي الموشح والمنتطـق

من الترك ما سهمه إذ رمى

 

بأفتك من طرفه إذا رمـق

ولـيلة وافـيتـــه زائراً

 

سمير السهاد ضجيع القلـق

وقد راضت الكأس أخلاقـه

 

ووقر بالسكر منه الـنـزق

وخف العناق فـقـبـلـتـه

 

شهي المقبل والمعـتـنـق

وبت أخالـج شـكـي بـه

 

أزورٌ طرا أم خيالٌ طـرق

أفكر في الهجر كيف انقضى

 

وأعجب للوصل كيف اتفق

فللحب ما عز منـي وهـان

 

وللحسن ما جل منـه ودق

لقد أبق الدمع من راحـتـي

 

لما أحس بنـعـمـى أبـق

تطاوح يهرب مـن جـوده

 

ومن أمه السيل خاف الغرق

وله في أبي النجم هبة الله بديع الأصبهاني وزير الملك تتش، منها:  

وخيلٍ تمطت بي ولـيلٍ كـأنـه

 

ترادف وفد الهم أو زاخر الـيم

شققت دجاه والنجـوم كـأنـهـا

 

قلائد نظمي أو مساعي أبي النجم

وقال أبو عبد الله أحمد الطليطلي: كان ابن الخياط أول ما دخل طرابلس وهو شاب يغشاني في حلقتي، وينشدني ما أستكثره له، فأتهمه لأنني كنت إذا سألته عن شيء من الأدب، لا يقوم به، فوبخته يوماً على قطعة عملها، وقلت: أنت لا تقوم بنحو ولا لغة، فمن أين لك هذا الشعر؟ فقام إلى زاوية، ففكر، ثم قال: اسمع:

وفاضلٍ قال إذ أنشـدتـه نـخـبـاً

 

من بعض شعري وشعري كله نخب

لا شيء عندك مما يسـتـعـين بـه

 

من شأنه معجزات النظم والخطـب

فلا عـروضٌ ولا نـحـوٌ ولا لـغةٌ

 

قل لي فمن أين هذا الفضل والأدب

فقلت قول امرئٍ صحت قريحـتـه

 

إن القريحة علمٌ لـيس يكـتـسـب

ذوقي عروضي ولفظي جله لغتـي

 

والنحو طبعي فهل يعتاقني سـبـب

فقلت: حسبك، والله لا استعظمت لك بعدها عظيماً، ولزمني بعد ذلك، فأفاد من الأدب وما استقل به.
وقال ابن القيسراني: وقع هبة الله بن بديع أبو النجم لابن الخياط بألف دينار، وهو آخر شاعر في زماننا وقع له بألف دينار. وله في سديد الملك أبي الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ بشيرز:

يقيني يقيني حـادثـات الـنـوائب

 

وحزمي حزمي في ظهور النجائب

سينجدني جيشٌ من العزم طالـمـا

 

غلبت به الخطب الذي هو غالبـي

ومن كان حرب الدهر عود نفسـه

 

قراع الليالي لا قراع الـكـتـائب

وما كل دانٍ من مـرامٍ بـظـافـرٍ

 

ولا كل ناءٍ عن رجـاءٍ بـخـائب

وإن الغنى منـي لأدنـى مـسـافةً

 

وأقرب مما بين عيني وحاجـبـي

سأصحب آمالي إلى ابن مـقـلـد

 

فتنجح ما ألوى الزمان بصـاحـب

في أبيات.

ابن الخازن

الأديب أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل ابن الخازن الدينوري، ثم البغدادي، الشاعر، صاحب الخط الفائق، والنظم الرائق.
توفي سنة ثمان عشرة.
وخطه يقارب خط الكاتب أبي الفوارس ابن الخازن. وله ولدٌ نسخ المقامات كثيراً، وهو أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن الخازن. وكان أبو الفوارس يروي عن الجوهري.
قال فيه السلفي: كان أحسن الناس خطاً.
قلت: قيل: نسخ خمس مئة ختمة، وله نظمٌ أيضاً.
توفي سنة اثنتين وخمس مئة، واسمه حسين بن علي بن حسين الديلمي، ثم البغدادي.

أبو نهشل

الشيخ الجليل المعمر، أبو نهشل عبد الصمد بن أبي الفوارس أحمد بن الفضل العنبري، التميمي الأصبهاني.
ولد سنة سبع وعشرين وأربع مئة.
أجاز له أبو الحسين بن فاذشاه، وقد سمع منه في سنة اثنتين وثلاثين جزء الزهد لأسد بن موسى، شاهدت الأصل بذلك، فهو خاتمة من حدث عنه، وروى أيضاً عن هارون بن محمد، وأبي بكر بن شاذان الأعرج، وابن ريذه؛ سمع منه معجمي الطبراني الأكبر والأصغر، وسمع فضائل القرآن لعبد الرزاق من هارون عن الطبراني، وسمع بر الوالدين لأبي الشيخ، وأشياء تفرد بها.
حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأبو جعفر محمد بن إسماعيل الطوسي، ومسعود بن أبي منصور الجمال، ومسعود بن محمود العجلي، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني.
قال أبو سعد السمعاني: أجاز لي، وكان مكثراً معمراً، وكان أبوه من فضلاء الأدباء، وكان عبد الصمد من غلاة العبد الرحمانية، ومن مروياته بعلو: فضائل القرآن لإسماعيل بن عمرو البجلي.
قلت: توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمس مئة. أنبأنا يحيى بن أبي منصور الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الغني سنة ثمان وست مئة، أخبرنا أحمد بن محمد، وإسحاق بن يحيى قالا: أخبرنا يوسف بن خليل قالا: أخبرنا مسعود الجمال _ زاد عن ابن عبد الغني، فقال _: وأخبرنا مسعود بن محمود بن خلف، وعبد الواحد بن أبي المطهر قالوا: أخبرنا عبد الصمد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين سنة 432، أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا يوسف بن يزيد، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن النعمان بن بشير، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجلٌ في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل أو القمقم". وكذلك رواه شعبة، والأعمش عن أبي إسحاق. أخرجه البخاري ومسلم بطرق.

ابن الدنف

الإمام الفقيه، العابد المقرئ، بقية السلف، أبو بكر محمد بن علي بن عبيد الله بن الدنف البغدادي الحنبلي الإسكاف.
تفقه بأبي جعفر بن أبي موسى.
وسمع من عبد الصمد بن المأمون، وأبي جعفر بن المسلمة، والصريفيني، وعدة.
أخذ عنه ابن ناصر، ولاحق بن كاره، وذاكر بن كامل، وابن بوش، وكان من جلة مشايخ العلم. قرأ عليه جماعةٌ، وانتفعوا به. مات في شوال سنة خمس عشرة وخمس مئة، وله بضعٌ وسبعون سنة.
ذكره ابن النجار.

ابن الحداد

الإمام الحافظ، المتقن الثقة، العابد الخير، أبو نعيم عبيد الله بن الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد، مفيد أصبهان في زمانه.
ولد سنة ثلاث وستين وأربع مئة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن منده، وحمد بن ولكيز، وأبا طاهر أحمد بن محمد النقاش، وسليمان بن إبراهيم، وعدة بأصبهان، وأبا المظفر موسى بن عمران، وأبا بكر بن خلف الشيرازي، وخلقاً بأصبهان، وشيخ الإسلام، وأبا عبد الله العميري، ونجيب بن ميمون، وأبا عامر الأزدي بهراة، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، والنعالي، وطراد بن محمد ببغداد.
قال محمد بن عبد الواحد: هو صديقٌ لي، أحد العلماء في فنونٍ كثيرة، بلغ مبلغ الإمامة بلا مدافعة، وله عندي أيادٍ كثيرة، سفراً وحضراً، جمع ما لم يجمعه أحدٌ من أقرانه من الكتب والسماعات الغزيرة، صدوقٌ في جمعه وكتبه، أمينٌ في قراءته.
قلت: قل ما روى، وقد نسخ الكثير، وصنف، وكان يكرم الغرباء ويفيدهم، ويهبهم الأجزاء، وفيه دينٌ وتقوى وخشية، ومحاسنه جمة، جمع أطراف الصحيحين، وانتشرت عنه، واستحسنها الفضلاء، وانتقى عليه الشيوخ، فالثقفيات من تخريجه.
مات في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وخمس مئة.
وآخر من روى عنه بالإجازة عفيفة الفارفانية.
أنبؤونا عن محمد بن مكي الحنبلي، قال: قيل: إن أبا نعيم بن الحداد ناظر شهردار بن شيرويه _ وكان قد تأخر عن أبي علي الحداد لأجل سماع صحيح مسلم عن أبي الحسن النيسابوري _ فقال له: سبحان الله، تركت العوالي عند أبي، واشتغلت بالنوازل؟! فقال: ليس عند أبيك صحيح مسلم، وهو عالٍ، قال: نعم، ولكن عنده المخرج عليه لأبي نعيم الحافظ، وفيه عامة عواليه، فإذا سمعت تلك من أبي، فكأنك سمعتها من عبد الغافر الفارسي، ولو شئت لقلت: كأنك سمعت بعضها من الجلودي، وإن قلت: كأنك سمعتها من ابن سفيان لم أكذب، وإن شئت قلت: كأنك سمعتها من مسلم.
ثم قال: وفيه أحاديث أعلى من هذا، إذا سمعتها من أبي، ساويت البخاري ومسلم، ومن جملتها حديث المسور: "إنما فاطمة بضعةٌ مني".
أخبرنا طائفة إجازة أن عفيفة أنبأتهم عن عبيد الله بن الحسن، أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي، أخبرنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أحمد بن مهدي، حدثنا ثابت بن محمد، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقطع الصلاة الكشر، ولكن يقطعها القرقرة". هذا حديث منكر، وثابت واهٍ.

الميداني

العلامة، شيخ الأدب، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، الكاتب اللغوي، تلميذ الواحدي المفسر، له كتاب في الأمثال لم يعمل مثله، وكتاب السامي في الأسامي.
توفي سنة ثماني عشرة وخمس مئة في رمضان. ومات ابنه العلامة أبو سعد سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.

الطرطوشي

الإمام العلامة، القدوة الزاهد، شيخ المالكية، أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الأندلسي الطرطوشي الفقيه، عالم الإسكندرية، وطرطوشة: هي آخر حد المسلمين من شمالي الأندلس، ثم استولى العدو عليها من دهرٍ، وكان أبو بكر يعرف في وقته بتبن أبي رندقة.
لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حج، ودخل العراق. وسمع بالبصرة سنن أبي داود من أبي علي التستري، وسمع ببغداد من قاضيها أبي عبد الله الدامغاني، ورزق الله التميمي، وأبي عبد الله الحميدي، وعدة. وتفقه أيضاً عند أبي بكر الشاشي، ونزل بيت المقدس مدة، وتحول إلى الثغر، وتخرج به أئمة.
قال ابن بشكوال: كان إماماً عالماً، زاهداً ورعاً، ديناً متواضعاً، متقشفاً متقللاً من الدنيا، راضياً باليسير، أخبرنا عنه القاضي أبو بكر بن العربي، ووصفه بالعلم، والفضل، والزهد، والإقبال على ما يعنيه، قال لي: إذا عرض لك أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل لك أمر الدنيا والأخرى.
وقال إبراهيم بن مهدي بن قلينا: كان شيخنا أبو بكر زهده وعبادته أكثر من علمه، وحكى بعض العلماء أن أبا بكر الطرطوشي أنجب عليه نحوٌ من مئتي فقيهٍ مفتي، وكان يأتي إلى الفقهاء وهم نيام، فيضع في أفواههم الدنانير، فيهبون، فيرونها في أفواههم.
قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: دخل الطرطوشي إلى الأفضل ابن أمير الجيوش بمصر، فبسط تحته مئزره، وكان إلى جانب الأفضل نصراني، فوعظ الأفضل حتى أبكاه، ثم أنشده:

يا ذا الذي طاعته قـربةٌ

 

وحقه مفترضٌ واجـب

إن الذي شرفت من أجله

 

يزعم هذا أنـه كـاذب

وأشار إلى ذلك النصراني، فأقام الأفضل النصراني من موضعه.
وقد صنف أبو بكر كتاب سراج الملوك للمأمون بن البطائحي الذي وزر بمصر بعد الأفضل، وله مؤلف في طريقة الخلاف، وكان المأمون قد نوه باسمه، وبالغ في إكرامه.
قيل: كان مولده في سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.
ودخل بغداد في حياة أبي النصر الزينبي، وقال: رأيت بها آيةً في سنة ثمان وسبعين بعد العصر، فسمعنا دوياً عظيماً، وأقبل ظلامٌ، فإذا ريحٌ لم أر مثلها، سوداء ثخينة، يبين لك جسمها، فاسود النهار، وذهبت آثاره، وذهب أثر الشمس، وبقينا كأننا في أشد ظلمةٍ، لا يبصر أحدٌ يده، وماج الناس، ولم نشك أنها القيامة، أو خسف، أو عذاب قد نزل، وبقي الأمر كذلك قدر ما ينضج الخبز، ورجع السواد حمرة كلهب النار، أو جمراً يتوقد، فلم نشك حينئذ أنها نارٌ أرسلها الله على العباد، وأيسنا من الحياة، ثم مكثت أقل من مكث الظلام، وتجلت بحمد الله عن سلامة، ونهب الناس بعضهم بعضاً في الأسواق، وخطفوا العمائم والمتاع، ثم طلعت الشمس، وبقيت ساعةً إلى الغروب.
قلت: حدث عنه أبو طاهر السلفي، والفقيه سلار بن المقدم، وجوهر بن لؤلؤ المقرئ، والفقيه صالح ابن بنت معافى المالكي، وعبد الله بن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي ابن مهدي بن قلينا، وأبو طالب أحمد المسلم اللخمي، وظافر بن عطية، وأبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل، وآخرون.
وبالإجازة أبو طاهر الخشوعي وغيره، وله مؤلف في تحريم الغناء، وكتاب في الزهد، وتعليقة في الخلاف، ومؤلف في البدع والحوادث، وبر الوالدين، والرد على اليهود، والعمد في الأصول، وأشياء.
أنبأنا ابن علان عن الخشوعي عن الطرشوشي أنه كتب هذه الرسالة جواباً عن سائلٍ سأله من الأندلس عن حقيقة أمر مؤلف الإحياء، فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلامٌ عليك، فإني رأيت أبا حامد، وكلمته، فوجدته امرءاً وافر الفهم والعقل، وممارسةً للعلوم، وكان ذلك في معظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعن على الفقهاء بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن يتسلخ من الدين.
قال الحافظ أبو أحمد: إن محمد بن الوليد هذا ذكر في غير هذه الرسالة كتاب الإحياء. قال: وهو _ لعمرو الله _ أشبه بإماتة علوم الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة. قال: فلما عمل كتابه الإحياء عمد فتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبيرٍ بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتاباً على وجه بسيط الأرض أكثر كذباً على الرسول منه، ثم سبكه بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهو يرون النبوة اكتساباً، فليس النبي عندهم أكثر من شخص فاضل، تخلق بمحاسن الأخلاق، وجانب سفسافها، وساس نفسه حتى لا تغلبه شهوة، ثم ساق الخلق بتلك الأخلاق، وأنكروا أن يكون الله يبعث إلى الخلق رسولاً، وزعموا أن المعجزات حيلٌ ومخاريق، ولقد شرف الله الإسلام، وأوضح حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما مثل من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة، والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول، ثم يسوق الكلام سوقاً يرعد فيه ويبرق، ويمني ويشوق، حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة لا يجوز تسطيره في الكتب، ويقول: هذا من سر الصدر الذي نهينا عن إفشائه، وهذا فعل الباطنية وأهل الدغل والدخل في الدين يستقل الموجود ويعلق النفوس بالمفقود، وهو تشويشٌ لعقائد القلوب، وتوهينٌ لما عليه كلمة الجماعة، فلئن كان الرجل يعتقد ما سطره، لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده، فما أقرب تضليله.
وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب، فلعمري إذا انتشر بين من لا معرفة له بسمومه القاتلة، خيف عليهم أن يعتقدوا إذاً صحة ما فيه، فكان تحريقه في معنى ما حرقته الصحابة من صحف المصاحف التي تخالف المصحف العثماني، وذكر تمام الرسالة.
قال ابن المفضل: توفي بالإسكندرية في جمادى الأولى سنة عشرين وخمس مئة رحمه الله.
وفيها مات أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي، وأبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الغزالي الواعظ أخو الإمام أبي حامد، والأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي الذي استولى على الموصل وعلى حلب، وأبو بحر سفيان بن العاص الأسدي بقرطبة، وصاعد بن سيار الهروي الحافظ، وأبو محمد بن عتاب القرطبي، وقاضي الجماعة الوليد بن رشد، ومحمد بن بركات السعيدي راوي صحيح البخاري.

القلانسي

الإمام الكبير، شيخ القراء، أبو العز محمد بن الحسين بن بندار الواسطي القلانسي، صاحب التصانيف في القراءات.
ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، وتلا بالعشر على أبي علي غلام الهراس، وأخذ عن أبي القاسم الهذلي صاحب الكامل، وارتحل إلى بغداد سنة إحدى وستين، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وعدة، وقرأ ختمةً لأبي عمرو على الأواني صاحب أبي حفص الكتاني.
قال السمعاني: قرأ عليه عالمٌ من الناس، ورحل إليه من الأقطار، وسمعت عبد الوهاب الأنماطي يسيء الثناء عليه، ونسبه إلى الرفض، ثم وجدت لأبي العز أبياتاً في فضيلة الصحابة.
وقال ابن ناصر: ألحق سماعه في جزء من هاءات الكناية لعبد الواحد بن أبي هاشم من أبي علي بن البناء.
قلت: كان يأخذ الذهب على إقراء العشرة.
قال ابن النجار: سعيد أحمد بن البندنيجي يقول: سألت أبا جعفر أحمد بن أحمد بن القاص: هل قرأت على أبي العز؟ فقال: لما قدم بغداد، أردت أن أقرأ عليه، فطلب مني ذهباً، فقلت: والله إني قادر، ولكن لا أعطيك على القرآن أجراً، فلم أقرأ عليه.
قال خميسٌ الحوزي: هو أحد الأئمة الأعيان في علوم القرآن، برع في القراءات.
قلت: تلا عليه سبط الخياط، وأبو الفتح بن زريق الحداد، وأبو بكر بن الباقلاني، وعلي بن عساكر البطائحي، وعددٌ كثير، واشتهر ذكره.
مات في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.

المتوكلي

الشريف، أبو السعادات، أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد العباسي.
روى عن ابن المسلمة، والخطيب. حدث عنه ابن عساكر، وابن الجوزي، وجماعة.
مات شهيداً بعد أن صلى التراويح ليلة سبع وعشرين من سنة إحدى وعشرين وخمس مئة، وقع من السطح، فمات، رحمه الله.

ابن أبي روح

رأس الرفض بالشام، القاضي أبو قض أسعد بن أحمد بن أبي روح الأطرابلسي، صاحب التصانيف. أخذ عن ابن البراج، وسكن صيدا إلى أن أخذتها الفرنج، فقتل بها، وكان ذا تعبد وتهجد وصمت، ناظر مغربياً في تحريم الفقاع، فقطعه، فقال المغربي المالكي: كلني؟! قال: ما أنا على مذهبك، أي: جواز أكل الكلب.
وقيل له: ما الدليل على حدث القرآن؟ قال: النسخ، فالقديم لا يتبدل.
وقيل له: ما الدليل على أنا مخيرون في أفعالنا، غير مجبورين؟ قال: بعثة الرسل. وله كتاب عيون الأدلة في معرفة الله، وكتب في الخلاف، وكتاب حقيقة الآدمي، وأشياء ذكرها ابن أبي طي في تاريخ الإمامية.

الفراء

الشيخ العالم، الثقة المحدث، أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر بن الفراء الموصلي، ثم المصري.
سمع من عبد العزيز بن الحسن بن الضراب كتاب المجالسة للدينوري، وسمع من عبد الباقي بن فارس، والحافظ عبد الرحيم بن أحمد البخاري، وعبد الله بن المحاملي، وأبي إبراهيم أحمد بن القاسم ابن ميمون، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، وكريمة المروزية، لقيها بمكة، وابن الغراء بالقدس، وأضعافهم.
حدث عنه السلفي، وأبو القاسم البوصيري، وجماعة. وبالإجازة أبو عبد الله الأرتاحي، وسمع منه البخاري.
قال السلفي: هو من ثقات الرواة، وأكثر شيوخنا بمصر سماعاً، أصوله أصول أهل الصدق، وقد انتخبت من أجزائه مئة جزء، وقال لي: إنه ولد في سنة ثلاثين وأربع مئة في أول يوم منها.
توفي في ربيع الآخر سنة تسع عشرة وخمس مئة. وفيها مات لغوي زمانه أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن عيذون التونسي، ووزير مصر المأمون أبو عبد الله ابن البطائحي، وأبو البركات هبة الله بن محمد بن البخاري المعدل.

ابن رشد

الإمام العلامة، شيخ المالكية، قاضي الجماعة بقرطبة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي.
تفقه بأبي جعفر أحمد بن رزق. وحدث عنه، وعن أبي مروان بن سراج، ومحمد بن خيرة، ومحمد بن فرج الطلاعي، والحافظ أبي علي.
وأجاز له أبو العباس بن دلهاث.
قال ابن بشكوال: كان فقيهاً عالماً، حافظاً للفقه، مقدماً فيه على جميع أهل عصره، عارفاً بالفتوى، بصيراً بأقوال أئمة المالكية، نافذاً في علم الفرائض والأصول، من أهل الرياسة في العلم، والبراعة والفهم، مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن، والهدي الصالح، ومن تصانيفه كتاب المقدمات لأوائل الكتب المدونة، وكتاب البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، واختصار المبسوطة، واختصار مشكل الآثار للطحاوي، سمعنا عليه بعضها، وسار في القضاء بأحسن سيرة، وأقوم طريقة، ثم استعفى منه، فأعفي، ونشر كتبه، وكان الناس يعولون عليه ويلجؤون إليه، وكان حسن الخلق، سهل اللقاء، كثير النفع لخاصته، جميل العشرة لهم، بارًّا بهم.
عاش سبعين سنةً، ومات في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مئة، وصلى عليه ابنه أبو القاسم، وروى عنه أبو الوليد بن الدباغ، فقال: كان أفقه أهل الأندلس، صنف شرح العتيبة، فبلغ فيه الغاية.
قلت: وحفيده هو فيلسوف زمانه، وللقاضي عياض سؤالات لابن رشد، مؤلف نفيس.

حفيد البيهقي

الشيخ المسند، أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن شيخ الإسلام أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الخسروجردي.
سمع الكتب من جده، وسمع من أبي يعلى بن الصابوني، وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ، وعدة، وحج، فحدث ببغداد.
روى عنه: ابن ناصر، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفتح المندائي، وجماعة.
ولد سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
قال ابن عساكر: ما كان يعرف شيئاً، وكان يتغالى بكتابة الإجازة، ويقول: ما أجيز إلا بطسوج.
قال: وسمع لنفسه في جزء، وكان سماعه فيما عداه صحيحاً.
قلت: سمع منه وأبا الفتح المندائي كتاب جده في الأسماء والصفات.
قال ابن ناصر: مات ببغداد بعد مرض ثلاثة عشر يوماً في ثالث جمادى الأولى، سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.
وفيها مات جعفر بن عبد الواحد الثقفي، ومقتل وزير دمشق كمال الدين طاهر بن سعد المردقاني في ألوفٍ من الباطنية بدمشق، وأبو الحجاج يوسف بن عبد العزيز الميورقي، وحمزة بن هبة الله العلوي بنيسابور عن ست وتسعين سنة.

فاطمة

بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل، المعمرة الصالحة، مسندة الوقت، أم إبراهيم، وأم الغيث، وأم الخير، الجوزدامية الأصبهانية. آخر من روى في الدنيا عن ابن ريذه، وهي مكثرةٌ عنه.
حدث عنها: أبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، ومعمر بن الفاخر، وأبو جعفر الصيدلاني، وأبو الفخر أسعد بن روح، وعفيفة بنت أحمد، وأبو سعيد أحمد بن محمد الأرجاني، وداود بن نظام الملك، وشعيب بن الحسن السمرقندي، وعبد الرحيم بن الإخوة، وعائشة ومحمد ولدا معمر، وعددٌ كثير.
قال أبو موسى المديني: قدمت علينا من قرية جوزدان، ومولدها نحو سنة خمس وعشرين وأربع مئة، وسمعت من أبي بكر في سنة خمس وثلاثين.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرتنا كريمة القرشية، أنبأنا أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي أنها توفيت في غرة شعبان سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
وقال الحافظ ابن نقطة: توفيت في رابع عشر رجب.
قلت: سمعت المعجمين الكبير والصغير للطبراني، وكتاب الفتن من ابن ريذه.

السلطان

صاحب العراق، الملك غياث الدين أبو شجاع محمد بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان، التركي السلجوقي.
لما مات أبوه في سنة 485، اقتسموا الأقاليم، فكان بركياروق هو المشار إليه، ثم قدم أخواه محمد وسنجر، فجلس لهما المستظهر بالله، وسلطن محمداً، وألبس سبع خلع، وتاجاً، وطوقاً، وسوارين، وعقد له لواء السلطنة بيده، وقلده سيفين، ثم خلع على سنجر قريباً منه، وقطع خطبة أخيهما بركياروق في سنة خمس وتسعين، فتحرك بركياروق، وحشد وجمع، وجرى بينه وبين محمد خمس مصافات، ثم عظم شأن محمد، وتفرد بالسلطنة، ودانت له البلاد، وكان أخوه يخطب له بخراسان، وقد كان محمد فحل آل سلجوق، وله بر في الجملة، وحسن سيرة مشوبة، فمن عدله أنه أبطل ببغداد المكس والضرائب، ومنع من استخدام يهودي أو نصراني، وكسا في نهارٍ أربع مئة فقير، وكان قد كف مماليكه عن الظلم، ودخل يوماً إلى قبة أبي حنيفة، وأغلق على نفسه يصلي ويدعو، وقيل: إنه خلف من الذهب العين أحد عشر ألف ألف دينار.
ومات معه في العام صاحب قسطنطينة، وصاحب القدس بغدوين، لعنهما الله.
وقد حارب الإسماعيلية، وأباد منهم، وأخذ منهم قلعة أصبهان، وقتل ابن غطاش ملكهم، ثم تعلل مدة، ومات في آخر سنة إحدى عشرة وخمس مئة بأصبهان، ودفن بمدرسة كبيرة له، وخلف أموالاً لا تحصى، وقد تزوج المقتفي بابنته فاطمة، وعاش ثمانياً وثلاثين سنة، وتسلطن بعده ابنه محمود.

أمير الجيوش

الملك الأفضل، أبو القاسم شاهنشاه ابن الملك أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني.
كان أبوه نائباً بعكا، فسار في البحر في ترميم دولة المستنصر العبيدي، فاستولى على الإقليم، وأباد عدة أمراء، ودانت له الممالك، إلى أن مات، فقام بعده ابنه هذا، وعظم شأنه، وأهلك نزاراً ولد المستنصر صاحب دعوة الباطنية وأتابكه أفتكين متولي الثغر، وكان بطلاً شجاعاً، وافر الهيبة، عظيم الرتبة، فلما هلك المستعلي، نصب في الإمامة ابنه الآمر، وحجر عليه وقمعه، وكان الآمر طياشاً فاسقاً، فعمل على قتل الأفضل، فرتب عدة وثبوا عليه، فأثخنوه، ونزل إليه الآمر، توجع له، فلما قضى، استأصل أمواله، وبقي الآمر في داره أربعين صباحاً والكتبة تضبط تلك الأموال والذخائر، وحبس أولاده، وكانت أيامه ثمانياً وعشرين سنة، وكانت الأمراء تكرهه لكونه سنياً، فكان يؤذيهم، وكان فيه عدل، فظهر بعده الظلم والبدعة، وولي الوزارة بعده المأمون البطائحي.
قتلوه في رمضان سنة خمس عشرة وخمس مئة، وله ثمان وخمسون سنة.
قال ابن خلكان في تاريخه: قال صاحب الدولة المنقطعة: خلف الأفضل ست مئة ألف ألف دينار، ومئتين وخمسين إردباً من الدراهم، وخمسين ألف ثوب ديباج، وعشرين ألف ثوب حرير، وثلاثين راحلة كذا وكذا، ودواةً مجوهرة باثني عشر ألف دينار، وعشرة مجالس، وفي المجلس مضروب عشرة مسامير من الذهب، على المسمار منديل مشدودٌ فيه بدلة ثياب، وخمس مئة صندوق، فيها كسوة ومتاع، سوى الدواب والمماليك والبقر والغنم، ولين مواشيه يباع في السنة بثلاثين ألف دينار.
قلت: هذه الأشياء ممكنة، سوى الدنانير والدراهم، فلا أجوز ذلك، بل استبعد عشره، ولا ريب أن جمعه لهذه الأموال موجبٌ لضعف جيش مصر، ففي أيامه استولت الفرنج على القدس وعكا، وصور وطرابلس والسواحل، فلو أنفق ربع ماله، لجمع جيشاً يملأ الفضاء، ولأباد الفرنج، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. قال أبو يعلى بن القلانسي: كان الأفضل حسن الاعتقاد سنيًّا، حميد السيرة، كريم الأخلاق، لم يأت الزمان بمثله.
قلت: وصلب البطائحي المتولي بعده سنة تسع عشرة.
ووزر بعد هلاك الآمر أمير الجيوش أبو علي أحمد بن الأفضل، وكان شهماً مطاعاً، وبطلاً شجاعاً، سائساً سنيًّا، كأبيه وجده، فحجر على الحافظ، ومنعه من أعباء الأمور، فشد عليه مملوكٌ للحافظ إفرنجي، فطعنه قتله، ووزر يانس الحافظي، وكان أبو علي أحمد قد بالغ في الاحتجار على الحافظ، وحول ذخائر القصر إلى داره، وادعى أنها أموال أبيه.
وقيل: إنه ترك من الخطبة اسم الحافظ، وخطب لنفسه، وقطع الأذان بحي على خير العمل، فنفرت منه الرعية، وغالبهم شيعة، فقتل وهو يلعب بالكرة سنة ست وعشرين وخمس مئة، وجددوا البيعة حينئذ للحافظ، فمات الوزير يانس بعد ثلاث سنين، فوزر ولي العهد حسن ابن الحافظ.

البرسقي

الملك، قسيم الدولة، أبو سعيد آقسنقر مملوك برسق غلام السلطان طغرلبك.
ولي الموصل والرحبة، وقد ولي شحنكية بغداد، وكان بلك قد قتل بمنبج، فتملك ابن عمه تمرتاش بن إيلغازي حلب، وكان بلك قد أسر بغدوين صاحب القدس، فاشترى نفسه، وهادنه، فغدر بغدوين، وحاصر حلب، هو ودبيس الأسدي، ومعهما إبراهيم بن صاحب حلب رضوان بن تتش السلجوقي، فهلك أهلها جوعاً وموتاً، فخرج في الليل قاضيها أبو غانم، والشريف زهرة، وآخر إلى تمرتاش بماردين، وفاتوا الفرنج، فأخذ يماطلهم تمرتاش، فانملسوا منه إلى الموصل، فوجدوا البرسقي مريضاً، فقلنا: عاهد الله إن عافاك أن تنصرنا، فقال: إي والله، فعوفي بعد ثلاثٍ، فنادى الغزاة، ولما أشرف على حلب، تقهقرت الفرنج، فخرج إليه مقاتلتها، وحملوا على العدو هزموهم، ورتب أمور البلد، وأمدهم بالغلات، فبادروا، وبذروا في آذار، ونقعوا القمح والشعير، فرتب بها ابنه ورجع، وكان قد أباد في الإسماعيلية، فشد عليه عشرةٌ بالجامع، فقتل بيده منهم ثلاثة، وقتل رحمه الله في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مئة، كانوا بزي الصوفية، نجا منهم واحد.
وكان _ رحمه الله _ ديناً عادلاً، حسن الأخلاق، وصى قاضيه بالعدل، حيث إنه أمر زوجته أن تدعي عليه بصداقها، فنزل إلى قاضيه، وجلس بين يديه، فتأدب كل أحد.

الطبقة الثامنة والعشرون

الأبيوردي

الشيخ الصالح، المعمر العفيف، مسند خراسان، أبو القاسم الفضل بن محمد بن أحمد بن أبي منصور الأبيوردي العطار.
ولد قبل العشرين وأربع مئة.
وسمع من العارف فضل الله بن أبي الخير الميهني، ومحمد بن عبد العزيز النيلي، وأبي حفص بن مسرور، وأبي عثمان الصابوني، وسمع معجم أبي القاسم البغوي من أبي نصر الإسفراييني، ورحل إليه إلى إسفرايين، وسمع سنن الدارقطني من النوقاني، وتفرد به مدة. حدث عنه عمر الفرغولي، وإبراهيم بن سهل المسجدي، ويوسف ابن شعيب، وآخرون، وروى عنه سنن الدارقطني أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وانفرد بعلوه.
قال عبد الغافر الفارسي، شيخٌ مستورٌ، كثير العبادة، مشتغلٌ بنفسه، سمع الكثير من جدي، وابن مسرور، وجماعة، وقد نيف على المئة. مات في سادس صفر سنة ثمان عشرة وخمس مئة بنيسابور.
وفيها توفي العلامة أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الميداني، وأبو إبراهيم إسحاق بن محمد بن إبراهيم النوحي خطيب سمرقند، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي الشافعي، وأبو طاهر الدشتج.

ابن عتاب

الشيخ العلامة، المحدث الصدوق، مسند الأندلس، أبو محمد عبد الرحمن ابن المحدث محمد بن عتاب بن محسن القرطبي.
سمع من أبيه فأكثر، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وطائفة. وتلا بالسبع على عبد الرحمن بن محمد بن شعيب المقرئ، وأجاز له مكي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن عابد، وعبد الله بن سعيد الشنتجيالي، وأبو عمرو السفاقسي، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر بن الحذاء، وأبو حفص بن الزهراوي. قال خلف بن بشكوال: هو آخر الشيوخ الأكابر الجلة بالأندلس في علو الإسناد، وسعة الرواية، سمع معظم ما عند أبيه، وكان عارفاً بالطرق، واقفاً على كثير من التفسير والغريب والمعاني، مع حظ وافر من اللغة والعربية، وتفقه عند أبيه، وشوور في الأحكام بقية عمره، وكان صدراً فيمن يستفتى لسنه وتقدمه، وكان من أهل الفضل والحلم، والوقار والتواضع، وجمع كتاباً حفيلاً في الزهد والرقائق، سماه شفاء الصدور، وكانت الرحلة إليه في وقته، وكان صابراً للطلبة، مواظباً على الإسماع، يجلس لهم النهار كله، وبين العشاءين، سمع منه الآباء والأبناء، وسمعت عليه معظم ما عنده، وقال: مولدي سنة 433، ومات في جمادى الأولى سنة عشرين وخمس مئة.
قلت: وروى عنه الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد، وعبد الحق بن بونه، وأخوه محمد، وأحمد بن عبد الملك بن عميرة، وأحمد بن يوسف بن رشد، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبادة، ومحمد ابن يوسف بن سعادة، ومحمد بن عراق، وعبد الله بن خلف الفهري، وخلق.

أبو بحر بن العاص

الإمام المتقن النحوي، أبو بحر سفيان بن العاص بن أحمد بن العاص بن سفيان بن عيسى الأزدي المربيطري، نزيل قرطبة.
روى عن أبي عمر بن عبد البر، فقال ابن الدباغ: سمع منه الموطأ، وكتابه في الفرائض، وبهجة المجالس.
قلت: وروى الكثير عن أبي العباس بن دلهاث، واختص بهشام ابن أحمد الكناني، وروى أيضاً عن أبي الوليد الباجي، وأبي الفتح الليث بن الحسن التركي، ومحمد بن سعدون، وأبي داود بن نجاح.
قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، وكبار الأدباء، ضابطاً لكتبه، صدوقاً، سمع الناس منه كثيراً. قلت: روى عنه ابن بشكوال، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو بكر بن الجد الفقيه، وعبد الحق بن بونه العبدري، وآخرون.
توفي في جمادى الآخرة سنة عشرين وخمس مئة، وقد كمل الثمانين، رحمه الله.

ابن أبي تليد

الشيخ الصدوق، وأبا عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف بن موسى بن أبي تليد الشاطبي.
مكثر عن أبي عمر بن عبد البر، وسماعه بخطوط الثقات.
أثنى عليه ابن الدباغ، وقال: سمع كتاب الاستذكار، وروى عنه أبو عبد الله بن زرقون، وطائفة.
توفي سنة سبع عشرة وخمس مئة، وكان جدهم أبو تليد ممن رحل، وسمع من النسائي.

الحلواني

العلامة أبو سعد يحيى بن علي الحلواني الشافعي، مصنف كتاب التلويح في المذهب.
كان من كبار تلامذة الشيخ أبي إسحاق، لزمه مدةً، وكان من فحول المناظرين. حدث عن أبي جعفر بن المسلمة وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: قدم مرو إلى خاقان صاحب ما وراء النهر رسولاً، فسمعت منه جزءاً، وكان سيئ الخلق، تكبراً عسراً، مات بسمرقند في رمضان سنة عشرين وخمس مئة.

ابن منظور

قاضي إشبيلية، أبو القاسم أحمد بن القاضي أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن منظور القيسي المالكي الإشبيلي. فقيهٌ إمامٌ محدث محتشم، من بيت علم وجلالة. روى عن أبيه، وعن ابن عمهم أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور.
أخذ عنه ابن بشكوال، وغلط في نسبه، وجعله ابناً لأبي عبد الله ابن منظور الراوي الصحيح عن أبي ذر، وتلاه في الوهم أبو جعفر ابن عميرة.
توفي سنة عشرين وخمس مئة، وله أربع وثمانون سنة، وكان من رواة الصحيح، فحمله عنه سماعاً أبو بكر بن الجد الحافظ.

طغتكين

صاحب دمشق، الملك أبو منصور طغتكين الأتابك، من أمراء السلطان تتش بن ألب أرسلان السلجوقي فزوجه بأم ولده دقاق، فقتل السلطان، وتملك بعده ابنه دقاق، وصار طغتكين مقدم عسكره، ثم تملك بعد دقاق. وكان شهماً شجاعاً، مهيباً مجاهداً في الفرنج، مؤثراً للعدل، يلقب ظهير الدين.
قال أبو يعلى بن القلانسي: مرض ونحل، ومات في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفت في الأعضاد، وفتت الأكباد، وزاد في الأسف، فرحمه الله، وبرد مضجعه، ثم ماتت زوجته الخاتون أم بوري بعده بأيام، فدفنت بقبتها خارج باب الفراديس.
قلت: لولا أن الله أقام طغتكين للإسلام بإزاء الفرنج، وإلا كانوا غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة، وأنجده عسكر الموصل، مع مودود، ومع البرسقي، وسار إلى بغداد هو إلى خدمة السلطان محمد بن ملكشاه، فبالغ في احترامه وإجلاله. قال ابن الأثير: تملك بعده ابنه الكبير تاج الملوك بوري بعهد منه.
وقال ابن الجوزي: كان طغتكين شهماً عادلاً، حزن عليه أهل دمشق، فلم تبقى محلة ولا سوق إلا والمأتم قائمٌ فيه عليه لعدله، وحسن سيرته، حكم على الشام خمساً وثلاثين سنة، وسار ابنه بسيرته مديدةً، ثم تغير وظلم.
قلت: قد كان طغتكين سيفاً مسلولاً على الفرنج، ولكن له خرمةٌ كان قد استفحل البلاء بداعي الإسماعيلية بهران بالشام، وكان يطوف المدائن والقلاع متخفياً، ويغوي الأغتام والشطار، وينقاد له الجهال، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قربه صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين، فأخذ يكرمه، ويبالغ، اتقاءً لشره، فتبعه الغوغاء والسفهاء، والفلاحون، وكثروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم التمس من الملك طغتكين قلعةً يحتمي بها، فأعطاه بانياس في سنة عشرين وخمس مئة، فعظم الخطب، وتوجع أهل الخير، وتستروا من سبهم، وكانوا قد قتلوا عدةً من الكبار، فما قصر تاج الملوك فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المذكور في رمضان سنة ثلاث وعشرين بالقلعة، ونصب رأسه، وكب جنده، فوضعوا السيف بدمشق بالملاحدة الإسماعيلية، فسبكوا منهم في الحال نحواً من ستة آلاف نفس في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة الصالح بالطالح.
وأما بهران، فتمرد وعتا، وقتل ساباً من أهل وادي التين اسمه برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهران، فكبسوه وذبحوه إلى اللعنة، وسلمت الملاحدة بانياس للفرنج، وذلوا.
وقيل: إن المزدقاني كاتب الفرنج ليسلم إليهم دمشق، ويعطوه صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدة تغلق أبواب الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك رحمه الله، وقد التقى الفرنج وهزمهم، وكانت وقعة مشهودة.
وفي سنة عشرين أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق، ونزلوا بشقحب، فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق، والتقاهم في آخر العام، وحمي القتال، ثم فر طغتكين وفرسانه عجزاً، فعطفت الرجالة على خيام العدو، وقتلوا في الفرنج، وحازوا الأموال والغنائم، فوقعت الهزيمة على الفرنج، ونزل النصر.

ابن الفاعوس

الفقيه الزاهد، العابد القدوة، أبو الحسن علي بن المبارك بن علي ابن الفاعوس البغدادي الإسكاف، تلميذ الشريف أبي جعفر بن أبي موسى الحنبلي.
روى عن القاضي أبي يعلى، وأبي منصور العطار. روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وكان يقرأ للناس الحديث بلا إسناد يوم الجمعة، وله قبولٌ زائد لصلاحه وإخلاصه.
قال ابن الجوزي: توفي الفقيه تاسع عشر شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة، وغلقت الأسواق وضج العوام بذكر السنة ولعن أهل البدع، ودفن بقرب الإمام أحمد.
وقيل: كان يتمنع من الرواية إزراءً على نفسه، رحمه الله. مات عن نيف وسبعين سنة.
قال السمعاني: سمعت أبا القاسم بدمشق يقول: أهل بغداد يعتقدون فيه، وكان أبو القاسم بن السمرقندي يقول: إن ابن الخاضبة كان يقول لابن الفاعوس: الحجري، لأنه كان يقول: الحجر الأسود يمين الله حقيقةً.
قال كاتبه: هذا أذًى لا يسوغ في حق رجل صالح، وإلا فهذا نزاع في إطلاق عبارة ما تحتها محذور أصلاً، وهو كقولنا: بيت الله حقيقة، وناقة الله حقيقة، وروح الله ابن مريم حقيقة، وذلك من قبيل إضافة التشريف، ونحو ذلك، وما يقول من له عقل قط: إن ذلك إضافة الصفة، وفي سياق الخبر ما يوضح أنه إضافة ملكٍ، لا إضافة صفة، وهو قوله: "فمن صافحه، فكأنما صافح الله" يعني أنه بمنزلة يمين البارئ تعالى في الأرض.
روى ابن جريج قال: سمعت محمد بن عباد بن جعفر يقول: سمعت ابن عباس يقول: هذا الركن السود يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه.
ولكن الأولى في هذا ترك الخوض في حقيقة أو مجاز، فلا حاجة بنا إلى تقييد ما أطلقه السلف، بل نؤمن ونسكت، وقولنا في ذلك: حقيقة أو مجازاً؛ ضربٌ من العي واللكن، فنزجر من بحث في ذلك، والله الموفق.

المسجدي

الشيخ الصالح المسند، أبو القاسم سهل بن إبراهيم النيسابوري المسجدي، ويعرف أيضاً بالسبعي.
روى عن أبي محمد الجويني الفقيه، وأبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وأبي عثمان الصابوني، وأبي سعد الطبيب، ووجيه بن أبي الطيب. روى عنه أبو سعد السمعاني، وحفيده محمد بن أحمد المسجدي، وعبد المنعم بن الفراوي، وعبد الرحمن بن أبي القاسم الشعري، وأبو سعد عبد الله بن عمر الصفار، وابن ياسر الجياني، وغيرهم.
وقيل له: المسجدي، لأنه كان خادم مسجد المطرز، وكان ديناً خيراً، عالي الإسناد، وكان والده قد عرف بتلاوة سبعٍ كل يوم، وكان ولده أحمد بن سهل يروي عن يعقوب بن أحمد الصيرفي.
مات سهل سنة بضع وعشرين وخمس مئة، وقد ذكرته في تاريخ الإسلام تقريباً في اثنتين وعشرين.

السلطان

صاحب العراق، مغيث الدين محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي. تملك بعد أبيه وهو حدث أمرد في أول سنة اثنتي عشرة، وخطب له على منابر بغداد، وكان ذكياً فطناً، له معرفة بالنحو، وميل إلى العلم، ونظر في التاريخ، مدحه الحيص بيص، وضعفت دولة بني سلجوق في أواخر أيامه، وكان عمه السلطان سنجر أعلى رتبةً منه.
مات بهمدان في شوال سنة خمس وعشرين وخمس مئة، ويكنى أبا القاسم، وسلطنوا بعده أخاه طغرل، فمات بعد عامين، ثم تسلطن أخوهما مسعود، وطول.

الدينوري

الشيخ المعمر الصدوق، أبو الحسن علي بن عبد الواحد بن أحمد الدينوري، ثم البغدادي.
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا طالب بن غيلان، والحافظ أبا محمد الخلال، وأبا محمد الجوهري، وغيرهم.
حدث عنه: أبو المعمر الأنصاري، والحافظ ابن عساكر، وأخوه الصائن هبة الله، وأبو طاهر السلفي، وأبو الفرج بن الجوزي، وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: كان صاحب الخبر، توفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمس مئة، وكان يقول: قد مر بي أبي من الدينور وأنا صبي، واحترقت كتبي زمن المستظهر، وقد سمع أبو الحسن القزويني من جدي أحمد.

ابن البخاري

الشيخ العدل، الكبير المسند، أبو البركات هبة الله بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي ابن البخاري، وهو المبخر.
ولد سنة أربع وثلاثين وأربع مئة.
سمع أبا طالب بن غيلان، وأبا القاسم التنوخي، وأبا علي بن المذهب، وأبا محمد الجوهري، وأبا الحسن الباقلاني، وأبا طالب العشاري.
وعنه: عبد الجبار بن هبة الله البندار، والصائن بن عساكر، ويحيى بن بوش، وجماعة. وكان صحيح السماع، توفي في رجب سنة تسع عشرة وخمس مئة ببغداد.

جعفر بن عبد الواحد

ابن محمد بن محمود بن أحمد المولى، الرئيس المعمر، أبو الفضل الأصبهاني الثقفي.
سمع أبا بكر بن ريذه، وعبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، ومحمد بن عبد الرحمن الأرزنابي، وعبد الرزاق بن أحمد الخطيب، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعدة.
حدث عنه: السلفي، وأبو موسى المديني، وأحمد بن أبي منصور بن الزبرقان، وناصر بن محمد الويرج، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني، وعبد الجليل بن أبي نصر بن رجاء، ومحمد بن أحمد المهاد، وخلق.
قال السمعاني: كان صالحاً سديداً، ومن مروياته: شروط الذمة، وكتاب السنة، والضحايا، والعقيقة، والنوادر، والعتق، والرمي، والسبق، والسرقة، وفوائد العراقيين، الكل لأبي الشيخ، سمعها من ابن عبد الرحيم عنه، والأدب لابن أبي عاصم، والآحاد والمثاني له، وكتاب الجامع لأحمد بن الفرات، والصلاة لأبي نعيم.
مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، وتوفي في تاسع جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة، ولم يبق بعده من أصحاب ابن ريذه سوى فاطمة.

الطرقي

الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، وطرق: من قرى أصبهان. سكن برد، وكان متفنناً، له تصانيف، إلا أنه جهل، وقال بقدم الروح. سمع عبد الوهاب بن منده وطبقته، وجال في الطلب، ولحق أبا القاسم بن البسري.
توفي في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.

خوارزمشاه

الملك العالم، أبو الفتح محمد بن نوشتكين، ديّن فاضل، خيرٌ تقي، سخي، كثير التلاوة والغزو، عارف بالتفسير، كان يقول: سمعت نظام الملك يقول: صلاة الصبح بغلسٍ تذهب ظلمة القبر. توفي سنة اثنتين وعشرين في شوال، وكانت دولته بخوارزم ثلاث سنة، كان من أعدل الملوك، وتسلطن بعده ابنه أتسز.

القطائفي

 الشيخ المعمر أبو بكر أحمد بن عمر بن علي بن حمد النهاوندي القطائفي، نزيل بغداد. ولد بالدينور في سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وجاء هو وأبوه إلى بغداد منجفلين وقت ظهور الغز السلجوقية.
سمع من علي بن المحسن التنوخي، وأبي محمد الجوهري، والقاضي أبي يعلى، والخطيب، وجماعة روى عنه أبو المعمر الأنصاري، وعلي بن أبي سعيد الخباز، ومحمد بن عبد الملك الهمذاني، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي.
قال ابن ناصر: هو رجل صالح حلواني، من أهل السنة، وسماعه صحيح.
وقال ابن كامل: مات في السادس والعشرين من رمضان سنة عشرين وخمس مئة.

ابن رضوان

الجليل الرئيس، أبو نصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن رضوان ابن محمد بن رضوان البغدادي المراتبي.
سمع أبا محمد الجوهري، وأبا يعلى بن الفراء، وأجاز له عبد العزيز بن علي الأزجي. روى عنه محمد بن طاهر في معجمه، وأبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو القاسم بن السبط، وطائفة.
قال ابن النجار: كان صالحاً صدوقاً، كثير الصلاة والصدقة. مات في جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وخمس مئة، وله إحدى وثمانين سنة.

العطار

الشيخ المعمر، أبو غالب أحمد بن عبد الباقي بن أحمد بن بشر الكرخي، البغدادي العطار. سمع أبا طالب بن غيلان والجوهري. وعنه أبو المعمر الأنصاري، وأبو العلاء بن عقيل. أعرض عنه المحدثون، لأن السمعاني قال: سألت أبا المعمر الأنصاري عن أبي غالب بن بشر، فقال: كان يشرب إلى أن مات _ يعني الخمر.
مولده في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، ومات في جمادى الأولى سنة عشرين وخمس مئة.

ابن عيذون

لغوي العصر، أبو الحسن علي بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون الهذلي التونسي المعمر. مولده في سنة ثمان وعشرين وأربع مئة.
رأى ابن البر، فتركه لتهتكه، ولقي ابن رشيق الشاعر. أخذ عنه السلفي بالثغر، ووصفه بإتقان اللغة، وأن له قصيدةً من أحد عشر ألف بيت في الرد على المرتد البغدادي، ولو قيل: لم يكن في زمانه ألغى منه، لما استبعد، وقال لي: لم أر أحفظ للغة والعربية من ابن القطاع، فأكثرت عنه.
مات ابن عيذون سنة تسع عشرة وخمس مئة.

البطليوسي

العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد النحوي اللغوي، صاحب التصانيف. أقرأ الآداب، وشرح الموطأ، وله كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، وكتاب الأسباب الموجبة لاختلاف الأئمة، وأشياء، ونظم فائق.
مات في رجب سنة إحدى وعشرين وخمس مئة.

البارع

الإمام النحوي، شيخ القراء، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن الحسن بن الوزير القاسم بن عبيد الله ابن سليمان الحارثي البغدادي ابن الدباس الشاعر، الملقب بالبارع، من بيت حشمة ووزارة. نسبه هكذا أبو محمد بن الخشاب. ولد سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
وتلا بالروايات على أبي بكر محمد بن علي الخياط، وأبي علي بن البناء، ويوسف الغوري، وأبي بكر أحمد بن الحسن اللحياني، وأبي الخطاب الصوفي، والحسين بن الحسن الإسكاف، ومحمد بن محمد بن علي البصير.
وسمع من الحسن بن غالب، وأبي جعفر بن المسلمة، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسين بن النرسي، وعبد الواحد بن برهان الأسدي، وعدة.
وبرع في اللغات والنحو، ومدح المقتدي، والمستظهر، وعدة وزراء وكبراء، ودخل خراسان واليمن والشام، ولعب وعاشر، ثم تاب وأناب، ولزم مسجده بباب المراتب، وتكاثر عليه المقرئون والمحدثون والنحاة، وصنف له سبط الخياط كتاب الشمس المنيرة في التسعة الشهيرة.
قرأ عليه خلق، منهم: أبو جعفر عبد الله بن أحمد الواسطي الضرير، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو العلاء الهمذاني، ونصر الله ابن الكيال، ويعقوب بن يوسف الحربي، والحسين بن علي بن مهجل الباقدرائي، وعوض المراتبي، وأبو بكر محمد بن خالد بن بختيار، وأبو المظفر أحمد بن أحمد بن حمدي وآخرون. حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو بكر بن الباقلاني الواسطي، وأبو الفرج ابن الجوزي، وأبو الفتح المندائي، وإبراهيم بن حمدية، وله ديوان شعر، وقد أضر في آخر عمره.
قال ابن عساكر: ما كان به بأس.
وقال أبو الفضل بن شافع: فيه تساهل وضعف. قال ابن الخشاب: أخبرنا الشيخ البارع بكتاب إصلاح المنطق لابن السكيت بقراءتي من أصله، أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة بقراءة أخي الإمام أبي الكرم بن فاخر النحوي عليه سنة ثمان وخمسين، أخبرنا أبو القاسم بن سويد، أخبرنا ابن الأنباري، أخبرنا أبي، أخبرنا ابن رستم، أخبرنا المؤلف.
مات البارع في سابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وخمس مئة.

ابن الحصين

الشيخ الجليل، المسند الصدوق، مسند الآفاق، أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني، الهمذاني الأصل، البغدادي الكاتب. مولده في رابع ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
وسمع في سنة سبع وثلاثين من أبي طالب بن غيلان، وأبي علي ابن المذهب، وأبي محمد بن المقتدر، وأبي القاسم التنوخي، والقاضي أبي الطيب الطبري، وطائفة.
وتفرد برواية مسند أحمد، وفوائد أبي بكر الشافعي المشهورة بالغيلانيات، وباليشكريات، وسماعه لكثير من المسند كان في سنة ست وثلاثين، كذلك بينه ابن المذهب في الثبت لابن الحصين، فقال: سمع مني الكتاب في سنتي ست وسبع وثلاثين.
قلت: فعلى هذا يكون سماعه في سنة ست، وهو في الخامسة، وأملى عدة مجالس، وتكاثر عليه الطلبة.
حدث عنه ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء العطار، وأبو موسى المديني، وأبو الفتح بن المني الفقيه، وقاضي بغداد أبو الحسن علي بن أحمد بن الدامغاني، وقاضي دمشق أبو سعد بن أبي عصرون، وأبو منصور عبد الله وإبراهيم ابنا محمد بن حمدية، وأبو محمد بن شدقيني، وعبد الرحمن بن سعود القصري، والعلامة مجير الدين محمود الواسطي، وعبد الخالق بن هبة الله، والقاضي عبيد الله بن محمد الساوي، وعبد الرحمن بن ملاح الشط، وعبد الله بن أبي بكر بن الطويلة، وعلي بن عمر الحربي الواعظ، وعبد الله بن أبي المجد الحربي، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن محمد الأنباري، وعبد الله بن نصر بن مزروع، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، والحسن ابن أشنانة، وعبد الله بن محمد بن عليان، ولاحق بن قندرة، وفاطمة بنت سعد الخير، وعمر بن جريرة القطان، والمبارك بن مختار السبتي، وعبد الله بن عبد الرحمن البقلي، وحنبل بن عبد الله المكبر، وأبو الفتح المندائي، والحسين بن أبي نصر القارص، وأبو أحمد عبد الوهاب ابن سكينة، وعمر بن طبرزد، وآخرون.
قال السمعاني: شيخٌ ثقة دين، صحيح السماع، واسع الرواية، تفرد وازدحموا عليه، وحدثني عنه معمر بن الفاخر، وأبو القاسم بن عساكر، وعدة، وكانوا يصفونه بالسداد والأمانة والخيرية0 وقال ابن الجوزي: بكَّر به أبوه وبأخيه عبد الواحد، فأسمعهما، سمعت منه المسند وكان ثقة، توفي في رابع عشر شوال سنة خمس وعشرين وخمس مئة. وقال الحسين بن خسرو: دفن يوم الجمعة بباب حرب في ثالث يوم من وفاته.

ابن تومرت

الشيخ الإمام، الفقيه الأصولي الزاهد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت البربري المصمودي الهرغي، الخارج بالمغرب، المدعي أنه علوي حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي، وأنه محمد ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب.
رحل من السوس الأقصى شاباً إلى المشرق، فحج وتفقه، وحصل أطرافاً من العلم، وكان أماراً بالمعروف، نهاءً عن المنكر، قوي النفس، زعراً شجاعاً، مهيباً قوالاً بالحق، عمالاً على الملك، غاوياً في الرياسة والظهور، ذا هيبةٍ ووقار، وجلالةٍ ومعاملة وتأله، انتفع به خلق، واهتدوا في الجملة، وملكوا المدائن، وقهروا الملوك. أخذ عن إلكيا الهراسي، وأبي حامد الغزالي، وأبي بكر الطرطوشي، وجاور سنةً.
وكان لهجاً بعلم الكلام، خائضاً في مزال الأقدام، ألف عقيدة لقبها بالمرشدة، فيها توحيد وخير بانحراف، فحمل عليه أتباعه، وسماهم الموحدين، ونبز من خالف المرشدة بالتجسيم، وأباح دمه، نعوذ بالله من الغي والهوى.
وكان خشن العيش، فقيراً، قانعاً باليسير، مقتصراً على زي الفقر، لا لذة له في مأكل ولا منكح، ولا مال، ولا في شيء غير رياسة الأمر، حتى لقي الله تعالى. وكان ذا عصاً وركوة ودفاس، غرامه في إزالة المنكر، والصدع بالحق، وكان يتبسم إلى من لقيه. وله فصاحة في العربية والبربرية، وكان يؤذى ويضرب ويصبر، أوذي بمكة، فراح إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فطردوه، وآذوه، وكان إذا خاف من البطش به خلط وتباله.
ثم سكن الثغر مدة، ثم ركب البحر إلى المغرب، وقد رأى أنه شرب ماء البحر مرتين، وأخذ ينكر في المركب على الناس، وألزمهم بالصلاة، فآذوه، فقدم المهدية وعليها ابن باديس، فنزل بمسجد معلق، فمتى رأى منكراً أو خمراً، كسر وبدد، فالتف عليه جماعة واشتغلوا عليه، فطلبه ابن باديس، فلما رأى حاله، وسمع كلامه، سأله الدعاء، فقال: أصلحك الله لرعيتك.
وسار إلى بجاية، فبقي ينكر كعادته، فنُفي، فذهب إلى قرية ملالة، فوقع بها بعبد المؤمن الذي تسلطن، وكان أمر عاقلاً، فقال: يا شاب، ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن، قال: الله أكبر، أنت طلبتي، فأين مقصدك، قال: طلب العلم، قال: قد وجدت العلم والشرف، اصحبني، ونظر في لحيته، فوافقت عنده مما قيل: إنه اطلع على كتاب الجفر، فالله أعلم، فقال: ممن أنت؟ قال من كومية، فربط الشاب، وشوقه إلى أمور عشقها، وأفضى إليه بسره، وكان في صحبته الفقيه عبد الله الونشريسي، وكان جميلاً نحوياً، فاتفقا على أن يخفي علمه وفصاحته، ويتظاهر بالجهل واللكن مدةً، ثم يجعل نفسه معجزة، ففعل ذلك، ثم عمد إلى ستة من أجلاد أتباعه، وسار بهم إلى مراكش، وهي لابن تاشفين، فأخذوا في الإنكار، فخوفوا الملك منهم، وكانوا بمسجد خراب، فأحضرهم الملك، فكلموه فيما وقع فيه من سب الملك، فقال: ما نقل من الوقيعة فيه، فقد قلته، هل من ورائه أقوال، وأنتم تطرونه وهو مغرور بكم، فيا قاضي، هل بلغك أن الخمر تباع جهاراً، وتمشي الخنازير في الأسواق، وتؤخذ أموال اليتامى؟ فذرفت عينا الملك وأطرق، وفهم الدهاة طمع ابن تومرت في الملك، فنصح مالك بن وهيب الفيلسوف سلطانه، وقال: إني خائف عليك من هذا، فاسجنه وأصحابه، وأنفق عليهم مؤنتهم، وإلا أنفقت عليهم خزائنك، فوافقه، فقال الوزير: يقبح بالملك أن يبكي من وعظه، ثم يسيء إليه في مجلس، وأن يظهر خوفك، وأنت سلطان: من رجل فقير، فأخذته نخوةٌ، وسأله الدعاء.
وسار ابن تومرت إلى أغمات، فنزلوا على الفقيه عبد الحق المصمودي، فأكرمهم، فاستشاروه، فقال: هنا لا يحميكم هذا الموضع، فعليكم بتينملل فهي يومٌ عنا، وهو أحصن الأماكن، فأقيموا به برهة كي ينسى ذكركم. فتجدد لابن تومرت بهذا الاسم ذكر لما عنده، فلما رآهم أهل الجبل على تلك الصورة، علموا أنهم طلبة علم، فأنزلوهم، وأقبلوا عليهم، ثم تسامع به أهل الجبل، فتسارعوا إليهم، فكان ابن تومرت من رأى فيه جلادة، عرض عليه ما في نفسه، فإن أسرع إليه، أضافه إلى خواصه، وإن سكت، أعرض عنه، وكان كهولهم ينهون شبانهم ويحذرونهم وطالت المدة، ثم كثر أتباعه من جبال درن، وهو جبل الثلج، وطريقه وعر ضيق.
قال اليسع في تاريخه: لا أعلم مكاناً أحصن من تينملل لأنها بين جبلين، ولا يصل إليهما إلا الفارس، وربما نزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفي مواضع يعبر على خشبة، فإذا أزيلت الخشبة، انقطع الدرب، وهي مسافة يوم، فشرع أتباعه يغيرون ويقتلون، وكثروا وقووا، ثم غدر بأهل تينملل الذين آووه، وأمر خواصه، فوضعوا فيهم السيف، فقال له الفقيه الإفريقي أحد العشرة من خواصه: ما هذا؟ قوم أكرمونا وأنزلونا نقتلهم!! فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، فاقتلوه، فقتل.
قال اليسع: وكل ما أذكره من حال المصامدة، فقد شاهدته، أو أخذته متواتراً، وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابط أو تلمساني أن يحرقوه. فلما كان عام تسعة عشر وخمس مئة، خرج يوماً، فقال: تعلمون أن البشير _ يريد الونشريسي _ رجل أمي، ولا يثبت على دابة، فقد جعله الله مبشراً لكم، مطلعاً على أسراركم، وهو آية لكم، قد حفظ القرآن، وتعلم الركوب، وقال: اقرأ، فقرأ الختمة في أربعة أيام، وركب حصاناً وساقه، فبهتوا، وعدوها آية لغباوتهم، فقام خطيباً، وتلا: "ليميز الله الخبيث من الطيب"، وتلا: "منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"، فهذا البشير مطلع على الأنفس، ملهم، ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: "إن في هذه الأمة محدثين، وإن عمر منهم" وقد صحبنا أقوامٌ أطلعه الله على سرهم، ولا بد من النظر في أمرهم، وتيمم العدل فيهم، ثم نولي في جبال المصامدة: من كان مطيعاً للإمام، فليأت، فأقبلوا يهرعون، فكانوا يعرضون على البشير، فيخرج قوماً على يمينه، ويعدهم من أهل الجنة، وقوماً على يساره، فيقول: هؤلاء شاكون في الأمر، وكان يؤتى بالرجل منهم، فيقول: هذا تائب ردوه على اليمين تاب البارحة، فيعترف بما قال، واتفقت له فيهم عجائب، حتى كان يطلق أهل اليسار، وهم يعلمون أن مآلهم إلى القتل، فلا يفر منهم أحد، وإذا تجمع منهم عدة، قتلهم قراباتهم حتى يقتل الأخ أخاه.
قال: فالذي صح عندي أنهم قتل منهم سبعون ألفاً على هذه الصفة، ويسمونه التمييز، فلما كمل التمييز، وجه جموعه مع البشير نحو أغمات، فالتقاهم المرابطون، فهزمهم المرابطون، وثبت خلق من المصامدة، فقتلوا، وجرح عمر الهنتاني عدة جراحات، فحمل على أعناقهم مثخناً، فقال لهم البشير: إنه لا يموت حتى تفتح البلاد، ثم بعد مدة فتح عينيه، وسلم، فلما أتوا، عزاهم ابن تومرت، وقال: يوم بيوم، وكذلك حرب الرسل.
وقال عبد الواحد المراكشي: سمع ابن تومرت ببغداد من المبارك بن الطيوري، وأخذ الأصول عن الشاشي، ونفاه من الإسكندرية أميرها، فبلغني أنه استمر ينكر في المركب، فألقوه، فأقام نصف يوم يعوم، فأنزلوا من أطلعه، واحترموه، فنزل ببجاية، فدرس ووعظ، وأقبلوا عليه، فخاف صاحبها، وأخرجه، وكان بارعاً في خط الرمل.
وقيل: وقع بالجفر، وصادف عبد المؤمن، ثم لقيهما عبد الواحد الشرقي، فساروا إلى أقصى المغرب.
وقيل: لقي عبد المؤمن يؤدب بأرض متيجة، ورأى عبد المؤمن أنه يأكل مع الملك علي بن تاشفين، وأنه ذاد على أكله، ثم اختطف منه الصحفة، فقال له العابر: لا ينبغي أن تكون هذه الرؤية لك، بل لمن يثور على أمير المسلمين إلى أن يغلب على بلاده.
وكان ابن تومرت طويل الصمت، دائم الانقباض، له هيبة في النفوس، قيل له مرة: فلان مسجون، فأتى الحبس، فابتدر السجانون يتمسحون به، فنادى: فلان، فأجابه، فقال: اخرج، فخرج والسجانون باهتون، فذهب به، وكان لا يتعذر عليه أمر، وانفصل عن تلمسان وقد استحوذ على قلوب كبرائها، فأتى فاس، وأخذ في الأمر بالمعروف. قال: وكان جل ما يدعو إليه الاعتقاد على رأي الأشعري، وكان أهل الغرب ينافرون هذه العلوم، فجمع متولي فاس الفقهاء، وناظروه، فظهر، ووجد جوّاً خالياً، وقوماً لا يدركون الكلام، فأشاروا على الأمير بإخراجه، فسار إلى مراكش، فبعثوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فناظره ابن وهيب الفيلسوف، فاستشعر ذكاءه وقوة نفسه، فأشار على ابن تاشفين بقتله، وقال: إن وقع إلى المصامدة، قوي شره، فخاف الله فيه، فقال: فاحبسه، قال: كيف أحبس مسلماً لم يتعين لنا عليه حق؟ بل يسافر، فذهب ونزل بتينملل، ومنه ظهر، وبه دفن، فبث في المصامدة العلم، ودعاهم إلى الأمر بالمعروف، واستمالهم، وأخذ يشوق إلى المهدي، ويروي أحاديث فيه، فلما توثق منهم قال: أنا هو، وأنا محمد بن عبد الله، وساق نسباً له إلى علي، فبايعوه، وألف لهم كتاب: أعز ما يطلب، ووافق المعتزلة في شيء، والأشعرية في شيء، وكان فيه تشيع، ورتب أصحابه، فمنهم العشرة، فهم أول من لباه، ثم الخمسين، وكان يسميهم المؤمنين، ويقول:ما في الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة الذين عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين" وأنتم تفتحون الروم، وتقتلون الدجال، ومنكم الذي يؤم بعيسى، وحدثهم بجزيئات اتفق وقوع أكثرها، فعظمت فتنة القوم به حتى قتلوا أبناءهم وإخوتهم لقسوتهم وغلظ طباعهم، وإقدامهم على الدماء، فبعث جيشاً، وقال: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدلين الدين، فادعوهم إلى إماتة المنكر وإزالة البدع، والإقرار بالمهدي المعصوم، فإن أجابوا، فهم إخوانكم، وإلا فالسنة قد أباحت لكم قتالهم، فسار بهم عبد المؤمن يقصد مراكش، فالتقاه الزبير بن أمير المؤمنين، فكلموه بالدعوة، فردوا أقبح رد، ثم انهزمت المصامدة، وقتل منهم ملحمة، فلما بلغ الخبر ابن تومرت، قال: أنجى عبد المؤمن؟ قيل: نعم، قال:لم يفقد أحد، وهون عليهم، وقال: قتلاكم شهداء.
قال الأمير عزيز في أخبار القيروان: سمى ابن تومرت أصحابه بالموحدين، ومن خالفه بالمجسمين، واشتهر سنة خمس عشرة، وبايعته هرغة على أنه المهدي، فقصده الملثمون، فكسورا الملثمين، وحازوا الغنائم، ووثقت نفوسهم، وأتتهم أمداد القبائل، ووحدت هنتاتة، وهي من أقوى القبائل.
ثم قال عزيز: لهم تودد وأدب وبشاشة، ويلبسون الثياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يوماً من طرادٍ ومثاقفة ونضال، وكان في القبائل مفسدون، فطلب ابن تومرت مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لا يصلح دينكم إلا بالنهي عن المنكر، فابحثوا عن كل مفسد، فانهوه، فإن لم ينته، فاكتبوا إلي أسماءهم، ففعلوا، ثم هدد ثانياً، فأخذ ما تكرر من الأسماء، فأفردها، ثم جمع القبائل، وحضهم على أن لا يغيب منهم أحد، ودفع تلك الأسماء إلى البشير، فتأملها، ثم عرضهم رجلاً رجلاً، فمن وجد اسمه، رده إلى الشمال، ومن لم يجده، بعثه على اليمين، ثم أمر بتكتيف أهل الشمال، وقال لقراباتهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار، فلتقتل كل قبيلة أشقياءها، فقتلوهم، فكانت واقعة عجيبة، وقال: بهذا القتل صح دينكم، وقوي أمركم.
وأهل العشرة هم: عبد المؤمن، والهرزجي، وعمر بن يحيى الهنتاني، وعبد الله البشير، وعبد الواحد الزواوي طير الجنة، وعبد الله ابن أبي بكر، وعمر بن أرناق، وواسنار أبو محمد، وإبراهيم بن جامع، وآخر.
وفي أول سنة أربع وعشرون، جهز عشرون ألف مقاتل عليهم البشير، وعبد المؤمن بعد أمور يطول شرحها، فالتقى الجمعان، واستحر القتل بالموحدين، وقتل البشير، ودام الحرب إلى الليل، فصلى بهم عبد المؤمن صلاة الخوف، ثم تحيز بمن بقي إلى بستان يعرف بالبحيرة، فراح منهم تحت السيف ثلاثة عشر ألفاً، وكان ابن تومرت مريضاً، فأوصى باتباع عبد المؤمن، وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضدوه بأنفسكم وأموالكم، ثم مات في آخر سنة أربع وعشرون وخمس مئة.
قال اليسع بن حزم: سمى ابن تومرت المرابطين بالمجسمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلا بتنزيه الله تعالى عما لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عما تقصر العقول عن فهمه.
إلى أن قال: فكفرهم ابن تومرت لجهلهم العرض والجوهر، وأن من لم يعرف ذلك، لم يعرف المخلوق من الخالق، وبأن من لم يهاجر إليه، ويقاتل معه، فإنه حلال الدم والحريم، وذكر أن غضبه لله وقيامه حسبةٌ. قال ابن خلكان: قبره بالجبل معظم، مات كهلاً، وكان أسمر ربعةً، عظيم الهامة، حديد النظر مهيباً، وآثاره تغني عن أخباره، قدمٌ في الثرى، وهامةٌ في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون إراقة ماء المحيا، أغفل المرابطون ربطه وحله، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وكان قوته من غزل أخته رغيفاً بزيت، أو قليل سمن، لم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدنيا، رأى أصحابه يوماً، وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من أراد الدنيا، فهذا له عندي، ومن كان يبغي الآخرة، فجزاؤه عند الله، وكان يتمثل كثيراً:

تجرد من الدنيا فإنـك إنـمـا

 

خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد

ولم يفتح شيئاً من المدائن، وإنما قرر القواعد، ومهد، وبغته الموت، وافتتح البلاد بعده عبد المؤمن.
وقد بلغني _ فيما يقال _ أن ابن تومرت أخفى رجالاً في قبور دوارس، وجاء في جماعة ليريهم آية، يعني فصاح: أيها الموتى أجيبوا، فأجابوه: أنت المهدي المعصوم، وأنت وأنت، ثم إنه خاف من انتشار الحيلة، فخسف فوقهم القبور فماتوا.
وبكل حال، فالرجل من فحول العالم، رام أمراً، فتم له، وربط البربر بالعصمة، وأقدم على الدماء إقدام الخوارج، ووجد ما قدم.
قال الحافظ منصور بن العمادية في تاريخ الثغر: أملى علي نسبه فلان، وفي ذلك نظر من حيث إن محمد بن الحسن لم يعقب.
ولابن تومرت:

دعني ففي النفس أشـياء مـخـبـأة

 

لألبسن بـهـا درعـاً وجـلـبـابـا

والله لو ظفرت نفسي بـبـغـيتـهـا

 

ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبى

حتى أطهر ثوب الـدين عـن دنـس

 

وأوجب الحق للـسـادات إيجـابـا

ابن صدقة

الوزير الكبير، جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة النصيبي. تنقل في الأعمال، ثم تزوج بنت الوزير ابن المطلب، وولي الحلة، ثم وزر بعد أبي شجاع، وكان شهماً كافياً مهيباً سائساً، فوزر ثلاثة أعوام، وأمسك سنة ست عشرة، ونهبت داره، وسجن، ثم احتاجوا إليه بعد عام، ووزر إلى أن توفي في رجب سنة اثنتين وعشرون وخمس مئة، وله يد بيضاء في النظم والنثر، عاش ثلاثاً وستون سنة.

البطائحي

هو وزير الديار المصرية، والدولة العبيدية، الملك أبو عبد الله المأمون بن البطائحي، وكان من قصته أن أباه كان صاحب خبرٍ بالعراق للمصريين من أجلاد الرافضة، فمات، ونشأ المأمون فقيراً صعلوكاً، فكان حمالاً في السوق بمصر، فدخل مرة إلى دار الأفضل أمير الجيوش مع الحمالين، فرآه الأفضل شاباً مليحاً، خفيف الحركات، فقال: من هذا؟ قال بعضهم: هذا ابن فلان، فاستخدمه فرّاشاً مع الجماعة، فتقدم وتميز، وترقى به الحال إلى الملك، وهو الذي أعان الآمر بالله على الفتك بأمير الجيوش، وولي منصبه، وكان شهماً مقداماً، جواداً بالأموال، سفاكاً للدماء، عضلة من العضل، ثم إنه عامل أخا الخليفة الآمر على قتل الآمر، ودخل معهما أمراء، فعرف بذلك الآمر، فقبض على المأمون، وصلبه، واستأصله في سنة تسع عشرة وخمس مئة.

الغزي

شاعر خراسان، أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن عثمان الكلبي، صاحب الديوان. سمع بدمشق من الفقيه نصر، وأقام بنظامية بغداد مدة، ومدح الأعيان، ثم تحول إلى خراسان، ومدح وزير كرمان، ولو لم يكن له إلا قصيدته:

بجمع جفنيك بين البرء والـسـقـم

 

لا تسفكي من دموعي بالفراق دمي

إشارة منك تكفينـا وأحـسـن مـا

 

رد السلام غداة البين بـالـعـنـم

تعليق قلبي بذات القـرط يؤلـمـه

 

فليشكر القرط تعلـيقـاً بـلا ألـم

تبسمت فأضاء الليل فالتـقـطـت

 

حبات منتثر في ضوء منـتـظـم

مات بنواحي بلخ سنة أربع وعشرون وخمس مئة عن ثلاث وثمانين سنة.

ابن الأخشيذ

الشيخ الأمين، المسند الكبير، أبو سعد إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن محمد بن علي بن الأخشيذ الأصبهاني التاجر، ويعرف بالسراج.
سمع أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني، وأبا طاهر بن عبد الرحيم الكاتب، وعلي بن القاسم المقرئ، وأبا العباس بن النعمان الصائغ، وأبا الفضل الرازي المقرئ، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعدة من أصحاب ابن المقرئ، وغيره، ويكنى أيضاً أبا الفتح، وبها كناه السمعاني، وكناه بأبي سعد أبو طاهر السلفي، ووثقه.
 وحدث عنه هو، وأبو موسى المديني، ويحيى بن محمود الثقفي، وناصر الويرج، وخلف بن أحمد الفراء، وأسعد بن أحمد الثقفي، وأبو جعفر الصيدلاني، وجمع كثير.
قال أبو موسى: سمعته يقول: ولدت ليلة نصف شعبان سنة ست وثلاثين وأربع مئة، وكان اسم أبي: محمداً، ويكنى أبا الفضل، فغلب عليه الفضل.
قال السمعاني: كان سديد السيرة، قرأ بروايات، ونسخ أجزاء كثيرة، وكان واسع الرواية، موثوقاً به، كتب إلي بالإجازة، فمن مسموعه: طبقات الصحابة لأبي عروبة مجلد سمعه من ابن عبد الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب الأشراف لابن المنذر سمعه من ابن عبد الرحيم عن ابن المقرئ عنه، وكتاب السنن للحسن بن علي الحلواني.
قلت: توفي في شعبان، وقيل: في رمضان سنة أربع وعشرون وخمس مئة.

الكراعي

الشيخ الجليل المعمر، مسند مرو، أبو منصور محمد بن علي بن محمود الزولهي التاجر، المشهور بالكراعي، ويقال: إن اسمه أحمد، من قرية زولاه بنواحي مرو، شيخ صالح، صين دين، رحل إليه الناس، وصارت زولاه مقصداً لطلبة الحديث، وكان آخر من حدث عن جده لأمه أبي غانم الكراعي صاحب عبد الله بن الحسين النضري، فسمع منه نحواً من عشرين جزءاً.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت منه بقراءة أبي طاهر السنجي اثني عشر جزءاً، ثم أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن المروزي في الخانقاه، وقرئت عليه الأجزاء المسموعة له، فسمعتها. إلى أن قال: ولد في العشرون من شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة.
قال: ومات في أواخر سنة أربع وعشرون وخمس مئة، أو في أوائل سنة خمس بقريته. قلت: وممن روى عنه بالشام محمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي الباقي إلى سنة ثمانين وخمس مئة، وداود بن محمد الخالدي.
ومات في سنة أربع أبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك الوراق، وشاعر وقته أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن محمد الغزي ببلخ عن ثلاث وثمانين سنة، وإسماعيل بن الأخشيذ السراج، وأبو عبد الله البارع، وعبد الله بن محمد بن إسماعيل الغزال بمكة.
وقيل: مات فيها سهل المسجدي، وفيها ماتت فاطمة الجوزدانية، وقراتكين بن الأسعد التركي، والحافظ أبو عامر محمد بن سعدون العبدري، وابن تومرت كبير الموحدين، والآمر بأحكام الله منصور، وهبة الله بن الأكفاني، وهبة الله بن القاسم المهراني.

ابن كادش

الشيخ الكبير، أبو العز أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله ابن محمد بن أحمد بن حمدان بن عمر بن إبراهيم بن عيسى بن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بن فرقد السلمي العكبري، المعروف بابن كادش، أخو المحدث أبي ياسر محمد.
ولد في صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة، وطلب الحديث وقرأ على المشايخ، ونسخ بخطه الرديء المعقد جملةً، وجمع وخرّج.
سمع أبا الطيب الطبري، وأقضى القضاة أبا الحسن الماوردي، وأبا محمد الجوهري، وأبا علي محمد بن الحسين الجازري، وأبا طالب العشاري، وأبا الحسين بن النرسي، وعدة.
سمع منه ابن ناصر، والسلفي، وأبو العلاء الهمذاني، وأبو القاسم ابن عساكر، ومعمر بن الفاخر، وأبو موسى المديني، وهبة الله ابن السبط، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي، وآخرون.
قال ابن النجار: كان ضعيفاً في الرواية، مخلطاً كذاباً، لا يحتج به، وللأئمة فيه مقال.
قال السمعاني: كان ابن ناصر يسيء القول فيه.
وقال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطاً.
وقال ابن ناصر: لم يسمع كل كتاب الجليس من أبي علي الجازري، قال السمعاني:فذكرت هذا لأبي القاسم الدمشقي، فأنكره غاية الإنكار، وقال: كان صحيح السماع، ورأيت سماعه لهذا الكتاب في الأصل مثبتاً، وأثنى على أبي العز.
ثم قال السمعاني: سمعت ابن ناصر يقول: سمعت إبراهيم بن سليمان يقول: سمعت أبا العز بن كادش يقول: وضعت حديثاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقر عندي بذلك.
قال عمر بن علي القرشي: سمعت أبا القاسم علي بن الحسن الحافظ يقول:قال لي ابن كادش: وضع فلان حديثاً في حق علي، ووضعت أنا في حق أبي بكر حديثاً، بالله أليس فعلت جيداً. قلت: هذا يدل على جهله، يفتخر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن النجار: رأيت له كتاباً سماه الانتصار لرتم القحاب فيه أشعار، فيقول: أنشدتني المغنية فلانة، وأنشدتني ستوت المغنية بأوانا، وقد قرأه عليه ابن الخشاب.
قال مرة: ولدت سنة اثنتين وثلاثين، وسئل مرة، فقال: سنة إحدى وثلاثين.
وقال يوسف الدمشقي: سألته فقال: في المحرم سنة سبع وثلاثين. مات في جمادى الأولى سنة ست وعشرون وخمس مئة. وفيها مات الملك الأكمل أحمد بن أمير الجيوش بمصر، وتاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحب دمشق، والمحدث الحسين ابن محمد بن خسرو ببغداد، وفقيه المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي المالكي، وعبد الكريم بن حمزة السلمي، وشيخ الحنابلة أبو الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى، وأبو علي منصور ابن الخير المالقي.

المسترشد بالله

أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي العباسي البغدادي.
مولده في شعبان سنة ست وثمانين وأربع مئة في أيام جده المقتدي، وخطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضربت السكة باسمه.
وسمع في سنة أربع وتسعين من أبي الحسن بن العلاف، وسمع من أبي القاسم بن بيان، ومن مؤدبه أبي البركات بن السيبي.
روى عنه وزيره علي بن طراد، وحمزة بن علي الرازي، وإسماعيل بن الملقب. وله خط بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دينٍ ورأيٍ، وشهامةٍ وشجاعة، وكان خليقاً للإمامة، قليل النظير.
قال ابن النجار: ذكر قثم بن طلحة الزينبي _ ومن خطه نقلت _ أن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف، ويتعبد، وختم القرآن، وتفقه، لم يكن في الخلفاء من كتب أحسن منه، وكان يستدرك على كتابه، ويصلح أغاليط في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: أنا وراق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسه الشريفة.
قال ابن النجار: كان ذا شهامةٍ وهيبة، وشجاعةٍ وإقدامٍ، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج، فكسر، وأسر، ثم استشهد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديث. قال: وله نظم، ونثرٌ مليح، ونبل رأي.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا الكندي، أخبرنا إسماعيل بن السمرقندي، أخبرنا علي بن طراد، أخبرنا المسترشد بالله، أخبرنا ابن بيان الرزاز، أخبرنا ابن مخلد، أخبرنا الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، فذكر حديثاً.
قال ابن النجار: أنشدنا هبة الله بن الحسن بن السبط حفظاً للمسترشد بالله:

قالوا تقيم وقـد أحـا

 

ط بك العدو ولا تفر

فأجبتهم المرء ما لـم

 

يتعظ بالوعـظ غـر

لا نلت خيراً ما حييت

 

ولا عداني الدهر شر

إن كنت أعلم أن غي

 

ر الله ينفع أو يضر

وله

أنا الأشقر الموعود بي في الملاحـم

 

ومن يملك الدنيا بغـير مـزاحـم

ستبلغ أرض الروم خيلي وتنتضـى

 

بأقصى بلاد الصين بيض صوارمي

وقيل: إنه قال لما أسر مستشهداً:

ولا عجباً للأسد إن ظفرت بهـا

 

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى

 

وموت علي من حسام ابن ملحم

قال سعد الله بن نجا بن الوادي: حكى لي صديقي منصور بن إبراهيم قال: لما عاد الحيص بيص إلى بغداد، وكان قد هجا الخليفة المسترشد طالباً لذمامه، فقال فيه:

ثنيت ركابي عن دبيس بن مزيد

 

مناسمها مما تـغـذ دوامـي

فراراً من اللؤم المظاهر بالخنا

 

وسوء ارتحالٍ بعد سوء مقـام

ليخصب ربعي بعد طول محيله

 

بأبيض وضاح الجبـين إمـام

فإن يشتمل طول العميم بـرأفةٍ

 

بلفظ أمانٍ أو بعـقـد ذمـام

فإن القوافي بالثناء فـصـيحةٌ

 

تناضل عن أنسابكم وتحامـي

قال: فخرج لفظ الخليفة: سرعة العفو عن كبير الجرم استحقار بالمعفو عنه.
وبخط قاضي المارستان قال: حكي أن الوزير علي بن طراد أشار على المسترشد أن ينزل في منزل اختاره، وقال: هو أصون، قال: كف يا علي، والله لأضربن بسيفي حتى يكل ساعدي، ولألقين الشمس بوجهي حتى يشحب لوني:

وإذا لم يكن من الموت بد

 

فمن العجز أن تكون جبانا

 ابن النجار: أخبرنا زين الأمناء عن محمد بن محمد الإسكافي إمام الوزير قال: لما كنا مع المسترشد بباب همذان، كان معنا إنسان يعرف بفارس الإسلام، وكان يقرب من خدمة الخليفة، فدخل على الوزير ابن طراد، فقال: رأيت الساعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في هذا الجيش؟ قال: مكسور مقهور، فأريد أن تطالع الخليفة بهذا، فقال: يا فارس الإسلام، أنا أشرت على الخليفة أن لا يخرج من بغداد، فقال: يا علي، أنت عاجز رد إلى بيتك، فلا أبلغه هذا، لكن قل لابن طلحة صاحب المخزن، فذهب إلى ابن طلحة، فأخبره، فقال: لا أنهي إليه ما تطير به، فاكتب هذا إليه واعرضها، وأخل موضع مقهور، فكتبها، وجئت إلى السرداق، فوجدت نجا في الدهليز، وقد صلى الخليفة الفجر، وبين يديه مصحف، ومقابله ابن سكينة إمامه، فدخل نجا الخادم، فسلم الرقعة إليه، وأنا أنظره، فقرأها غير مرة، وقال: من كتب هذه؟ فقال: فارس الإسلام، قال: أحضره، فجاء، فقبض على يدي، فأرعدت، وقبلت الأرض، فقال: وعليكم السلام، ثم قرأ الرقعة مرات، ثم قال: من كتب هذه؟ قلت: أنا، قال: ويلك، لم أخليت موضع الكلمة الأخرى؟ قلت: هو ما رأيت يا أمير المؤمنين. قال: ويلك، هذا المنام أريته أنا في هذه الساعة، فقلت: يا مولانا، لا يكون أصدق من رؤياك، ترجع من حيث جئت، وقال: ما يشاء، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث، وقع المصاف، وتم ما تم، وكسر وأسر، وقتل رحمه الله.
قال ابن ناصر: خرج المسترشد بالله سنة تسع وعشرين وخمس مئة إلى همذان للإصلاح بين السلاطين، واختلاف الجند، وكان معه جمعٌ كثير من الأتراك، فغدر به أكثرهم، ولحقوا بمسعود بن محمد بن ملكشاه، ثم التقى الجمعان، فانهزم جمع المسترشد بالله في رمضان، وقبض عليه، وعلى خواصه، وحملوا إلى قلعةٍ هناك، فحبسوا بها، وبقي الخليفة مع السلطان مسعود إلى نصف ذي القعدة، وحمل معهم إلى مراغة، ثم إن الباطنية ألفوا عليه جماعةً من الملاحدة، وكان قد أنزل ناحية من المعسكر، فدخلوا عليه، ففتكوا به، وبجماعةٍ كانوا على باب خركاهه، وقتلوا، ونقل، فدفن بمراغة، وكان مصرعه يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة. وجاء الخبر يوم التاسع من مقتله إلى بغداد، فكثر النوح والبكاء بها، وعمل العزاء.
وقال صدقة بن الحسين الحداد: كان قد صلى الظهر، وهو يقرأ في المصحف، وهو صائم، فدخل عليه من شرج الخيمة جماعةٌ بالسكاكين، فقتلوه، ووقعت الصيحة، فقتل عليه جماعةٌ من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وابن الخزري، وخرجوا منهزمين، فأخذوا وقتلوا، ثم أحرقوا، فبقيت يد أحدهم خارجة من النار مضمومة لم تحترق، ففتحت، وإذا فيها شعراتٌ من لحيته صلوات الله عليه، فأخذها السلطان مسعود، وجعلها في تعويذ ذهب، وجلس للعزاء، وجاز الخادم ومعه المصحف، وعليه الدم إلى السلطان، وخرج أهل مراغة في المسوح وعلى وجوههم الرماد، وكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر.
قال قثم بن طلحة: كان أشقر أعطر أشهل، خفيف العارضين، وخلف من الذكور منصوراً الراشد بالله، وأحمد، وعبد الله، وإسحاق توفي قبله، وبنتان، ووزر له محمد بن الحسين، وأبو علي بن صدقة، وعلي بن طراد، وأنوشروان.
وقضاته: علي بن الدامغاني، وعلي بن الحسين الزينبي.
قلت: بويع عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، فكانت دولته سبع عشرة سنة وسبعة أشهر، وعاش ستاً وأربعين سنة، فقيل: إن الذين فتكوا به جهزهم مسعود، وكانوا سبعة عشر نفساً، فأمسكوا، وقتلهم السلطان، وأظهر الحزن والجزع.
وقيل: بعث السلطان سنجر بن ملكشاه إلى ابن أخيه مسعود يوبخه على انتهاك حرمة المسترشد، ويأمره برده إلى مقر عزه، وأن يمشي بين يديه بالغاشية، ويخضع، ففعل ذلك ظاهراً، وعمل على قتله، وقيل: بل الذي جهز الباطنية عليه السلطان سنجر من خراسان، وفيه بعد.
وقيل: إن الشاشي عمل العمدة في الفقه للمسترشد.
وفي سنة سبع عشرة كان المصاف بين المسترشد وبين دبيس الأسدي، وجذب يومئذ المسترشد سيفه، فانهزم دبيس وتمزق جمعه ثم كانت بينهما وقعةٌ سنة 519، فذل دبيس، وجاء وقبل الأرض، فلم يعط أماناً، ففر إلى السلطان سنجر، واستجار به، فحبسه خدمةً للمسترشد، وصلى المسترشد بالناس يوم الأضحى وخطبهم، ونزل، فنحر بدنه بيده. وفي سنة إحدى وعشرين وصل السلطان محمود، وحاصر بغداد، واستظهر الخليفة.
وفي سنة سبع وعشرين سار المسترشد في اثنتي عشر ألف فارس، فحاصر الموصل ثمانين يوماً، فبذل له زنكي متوليها أموالاً ليرحل، فأبى، ثم إنه ارتحل، وعظمت هيبته في النفوس، وخضع زنكي، وبعث الحمل إلى المسترشد، وقدم رسول السلطان سنجر، فأكرم، ونفذ المسترشد لسنجر خلعة السلطنة ثمنت بمئة ألف دينار وعشرين ألف دينار، وعرض المسترشد جيوشه في هيئة لم يعهد مثلها من دهر طويل، فكانوا خمسة عشر ألفاً.
وفارق مسعود بغداد على غضب، وانضم إليه دبيس، وعزموا على أخذ بغداد، فطلب المسترشد زنكي بن أقسنقر، وهو محاصر دمشق، وطلب نائب البصرة بكبه، فبيت مسعود لطلائع المسترشد، فانهزموا، ولكن خامر أربعة أمراء إلى المسترشد، فأنعم عليهم بثمانين ألف دينار، وسار في سبعة آلاف، وكانت الملحمة في رمضان سنة تسع كما ذكرنا، فانهزم جيش الخليفة، وأسلموه، فأسره مسعود في نوع احترام، وحاز خزانته، وكانت أربعة آلاف ألف دينار، ومجموع القتلى خمسة أنفس، وزور السلطان على لسان الخليفة كتباً إلى بغداد بما شاء، وقامت قيامة البغاددة على خليفتهم، وكان محبوباً إلى الرعية جداً، وبذلوا السيف في أجناد السلطان، فقتل من العامة مئة وخمسون نفساً، وأشرفت على البلاد، ولما قتل المسترشد، بويع بالخلافة، ولده الراشد بالله ببغداد.