الراشد بالله

الراشد بالله

أمير المؤمنين، أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن أحمد العباسي.
ولد سنة اثنتين وخمس مئة في رمضان، فقيل: ولد بلا مخرج، ففتق له مخرج بآلةٍ من ذهب، وأمه أم ولد.
خطب له بولاية العهد سنة ثلاث عشرة وخمس مئة، واستخلف في ذي القعدة سنة تسع وعشرين. وكان أبيض مليحاً، تام الشكل، شديد الأيد، يقال: إنه كان بدار الخلافة أيلٌ عظيم اعترضه في البستان، فأحجم الخدم، فهجم على الأيل، وأمسك بقرنيه ورماه، وطلب منشاراً، فقطع قرنيه.
وكان حسن السيرة، مؤثراً للعدل، فصيحاً عذب العبارة، أديباً شاعراً، جواداً، لم تطل أيامه حتى خرج إلى الموصل، ثم إلى أذربيجان، وعاد إلى أصبهان، فأقام على بابها مع السلطان داود، محاصراً لها، فقتله الملاحدة هناك، وكان بعد خروجه من بغداد مجيء السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه، فاجتمع بالأعيان، وخلعوا الراشد، وبايعوا عمه المقتفي.
قال أبو طالب بن عبد السميع: من كلام الراشد: إنا نكره الفتن إشفاقاً على الرعية، ونؤثر العدل والأمن في البرية، ويأبى المقدور إلا تصعب الأمور، واختلاط الجمهور، فنسأل الله العون على لم شعث الناس بإطفاء نائرة الناس.
قال أبو الحسن البيهقي في وشاح دمية القصر: الراشد بالله أعطاه الله مع الخلافة صورةٌ يوسفية، وسيرةٌ عمرية. أنشدني رسوله له:

زمانٌ قد استنت فصال صـروفـه

 

وذلل آساد الكرام لذي الـقـرعـى

أكولته تشكـو صـروف زمـانـه

 

وليس لها مأوى وليس لها مرعـى

فيا قلب لا تأسف علـيه فـربـمـا

 

ترى القوم في أكناف أفنائه صرعى

وله قصيدة طويلة منها:

أقسم باللـه وهـل خـلـيفـه

 

يحنث إن أقسم في الـيمـين

لأتزرن في الحروب صادقـاً

 

لأكشف العار الذي يعلونـي

مشمراً عن ساق عزمي طالباً

 

ثأر الإمام الـوالـد الأمـين

عمري عمري والذي قدر لي

 

ما ينمحي المكتوب عن جبيني

قال ابن ناصر: بقي الأمر للراشد سنة، ثم دخل مسعود، وفي صحبته أصحاب المسترشد الوزير علي بن طراد، وصاحب المخزن ابن طلحة، وكاتب الإنشاء ابن الأنباري، وخرج الراشد مع غلمان داره طالباً الموصل صحبة زنكي، فأحضر القضاة والشهود والعلماء عند الوزير أبي القاسم علي، وكتبوا محضراً فيه شهادة العدول بما جرى من الراشد من الظلم، وأخذ الأموال، وسفك الدماء، وشرب الخمر، واستفتي الفقهاء فيمن فعل ذلك، هل تصح إمامته؟ وهل إذا ثبت فسقه بذلك يجوز لسلطان الوقت أن يخلعه ويستبدل به؟ فأفتوا بجواز خلعه، والاستبدال به، فوقع الاختيار مع الغد بحضور مسعود وأمرائه في دار الخلافة على عمه أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله ولقبوه بالمفتي، وله أربعون سنة، وقد وخطه شيب، وهو أسمر، وأمه أم ولد صفراء تدعى ست السادة. قال: ثم بلغنا أن الراشد خرج من الموصل إلى بلاد أذربيجان إلى مراغة، وكان معه جماعة، فصادروا أهلها، وعاثوا، ثم ذهبوا إلى همذان، فقتلوا بها، وحلقوا لحى جماعة من الفقهاء، وعتوا، ومضوا إلى نواحي أصبهان، فانتهبوا القرى، وحاصروا البلد في جمع من أجناد داود بن محمود بن محمد، فمرض الراشد مرضاً أشفى منه، بلغنا أن جماعة من العجم كانوا فراشين في خدمته؛ اتصلوا به هناك؛ دخلوا خركاهه في السابع والعشرين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين، فقتلوه بالسكاكين، وقتلوا بعده كلهم.
وقيل: كان قد سقي سماً، ثم دفن بالمدينة العتيقة في حجرة من بناء نظام الملك، وجاء الخبر إلى عمه المقتفي، فعقدوا له العزاء يوماً واحداً.
وقال عبد الجليل كوتاه: دفن بجنب الجامع بمدينة أصبهان. قال ابن النجار: زرت قبره بجي، وهو خشب منقوش، وعليه ستر أسود، فيه كتابةٌ من إبريسم، وله فراشون وخدم، وعقبه باقٍ إلى آخر سنة ست مئة.
قلت: لما استخلف الراشد، بعث إليه السلطان مسعود يتعنته، ويطلب منه ذهباً كثيراً، ثم قدم الأتابك زنكي وغيره، فحسنوا له القتال لمسعود، وكان شجاعاً، فخافوه، ثم تغير عليه زنكي فقدم الملك داود بن محمود إلى الراشد، وقصدوا السلطان مسعوداً، فسار مسعودٌ من جهة أخرى، فنازل بغداد يحاصرها، ونهب عسكره واسطاً والنعمانية، وتملك بغداد.
وقيل: إنه أخرج خط الراشد يقول: إني متى عسكرت أو خرجت، انعزلت، وبالغ علي بن طراد الوزير في ذم الراشد، وخوف القضاة من غائلته ومن جوره، فحكم القاضي ابن الكرخي بخلعه، وعاش ثلاثين سنة، رحمه الله وسامحه.

حمزة بن هبة الله

ابن محدث نيسابور محمد بن الحسين بن داود العلوي الحسيني، شيخٌ حسن السيرة، تفرد بأشياء.
سمع ابن مسرور، وعبد الغافر الفارسي، وعبد الرحمن بن محمد الأنماطي صاحب الإسماعيلي، ومحمد بن الفضل النسوي، وسمع ببغداد، وكان زيدياً.
قال السمعاني: حدثنا عنه جماعةٌ، عاش ستاً وتسعين سنة، توفي في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة.

تاج الملوك

صاحب دمشق، تاج الملوك، بوري بن صاحب دمشق الأتابك طغتكين، مولى السلطان تتش السلجوقي.
تملك بعد أبيه في صفر سنة اثنتين وعشرين، وكان ذا حلمٍ وكرمٍ، له أثرٌ كبير في قتل وزيره والإسماعيلية. مولده في سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
ولابن الخياط فيه مدائح في ديوانه، وقد وزر له أيضاً أبو الذواد ابن الصوفي، ثم كريم الملك ابن عم المزدقاني.
ولما علم ابن صياح صاحب الألموت بما جرى على أشياعه الإسماعيلية بدمشق، تنمر، وندب طائفة لقتل تاج الملوك، فعين اثنين بشربوشين في زي الجند، ثم قدما، فاجتمعا بناسٍ منهم أجنادٌ، وتحيلا على أن صارا من السلحدانة، وضمنوهما، ثم وثبا عليه فقتلاه.
قال أبو يعلى القلانسي: وثبوا عليه في خامس جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين، فضربه الواحد بالسيف قصد رأسه، فجرحه في رقبته جرحاً سليماً، وضربه الآخر بسكين في خاصرته، فمرت بين الجلد واللحم.
قلت: كان تعلل من ذلك، ولكنه توفي في رجب سنة ست وعشرين وخمس مئة، وحلفوا بعده لولده شمس الملوك إسماعيل.
قال ابن الأثير: وصى بالأمر لإسماعيل، ووصى ببعلبك لابنه محمد.
وقيل: كان عجباً في الجهاد، لا يفتر عن غزو الفرنج، ولو كان له عسكر كثير، لاستأصل الفرنج.

شمس الملوك

صاحب دمشق، شمس الملوك، إسماعيل بن بوري بن الأتابك طغتكين التركي. تملك بعد أبيه في رجب سنة ست وعشرين، وكان بطلاً شجاعاً، شهماً مقداماً كآبائه، لكنه جبارٌ عسوف. استنقذ بانياس من الفرنج في يومين، وكانت الإسماعيلية باعوها لهم من سبع سنين، وسعر بلادهم، وأوطأهم ذلاً، ثم سار، فحاصر أخاه ببعلبك، ونازل حماة، وهي للأتابك زنكي، وأخذها لما سمع بأن المسترشد يحاصر الموصل، وصادر الأغنياء والدواوين، وظلم وعتا، ثم بدا له، فكاتب الأتابك زنكي ليسلم إليه دمشق، فخافته أمه زمرد والأمراء، فهيأت أمه من قتله، لأنه تهددها لما نصحته بالقتل، وكانت الفرنج تخافه لما هزمهم، وبيتهم، وشن الغارة على بلادهم، وعثرهم، وكان قد تسودن وتخيل من أمرائه، وأخذ يحول أمواله إلى قلعة صرخد. قال ابن القلانسي: بالغ في الظلم، وصادر وعذب، ولما علم بأن زنكي على قصد دمشق، بعث يستحثه ليعطيه إياها لهذيانٍ تخيله، ويقول: إن لم تجئ، سلمتها إلى الفرنج، كتب هذا بيده، فأشفق الناس، فحمل صفوة الملك دينها على حسم الداء، فأهلكته، وكثر الدعاء لها.
قتل في ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمس مئة، وله ثلاث وعشرون سنة، وتملك بعده أخوه محمود، ثم تزوجت أمه بصاحب حلب زنكي.

ابن الأكفاني

الشيخ الإمام، المفنن المحدث الأمين، مفيد الشام، أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس الأنصاري الدمشقي المعدل، المعروف بابن الأكفاني. ولد سنة 444.
وسمع وهو ابن تسع سنين، وبعد ذلك من والده، وأبي القاسم الحنائي، وأبي الحسين محمد بن مكي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأبي بكر الخطيب، وعبد العزيز الكتاني، ولازمه مدةً، وأبي نصر بن طلاب، وأبي الحسن ابن أبي الحديد، وطاهر بن أحمد القايني، وعبد الجبار بن برزة الواعظ، وأبي القاسم بن أبي العلاء، وخلق كثير، وكان أبوه قد سمع من عبد الرحمن بن الطبيز.
حدث عنه غيث الأرمنازي، وأبو بكر ابن العربي، وأبو طاهر السلفي، وابن عساكر، وأخوه الصائن، وعبد الرزاق النجار، وإسماعيل بن علي الجنزوي، وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون.
قال ابن عساكر: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتاً متيقظاً، معنياً بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسراً في التحديث، وتفقه على القاضي المروزي مدةً، وكان ينظر في الوقوف، ويزكي الشهود.
وقال السلفي: هو حافظٌ مكثر ثقة، كان تاريخ الشام، كتب الكثير.
وقال ابن عساكر: مات الأمين في سادس المحرم سنة أربع وعشرين وخمس مئة، رحمه الله.

ابن يربوع

الأستاذ الحافظ، المجود الحجة، أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن سليمان، بن يربوع الشنتريني، ثم الإشبيلي، نزيل قرطبة.
سمع من محمد بن أحمد بن منظور صحيح البخاري، ومن أبي محمد بن خزرج، وحاتم بن محمد، وأبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني، وعدة.
وأجاز له العباس بن دلهاث.
روى عنه أبو القاسم بن بشكوال، وقال: كان حافظاً للحديث وعلله، عارفاً برجاله، وبالجرح والتعديل، ضابطاً ثقةً، كتب الكثير، وصحب أبا علي الغساني، واختص به، وكان أبو علي يفضله، ويصفه بالمعرفة والذكاء.
إلى أن قال: صنف كتاب الإقليد في بيان الأسانيد، وكتاب تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطأ، وكتاب البيان عما في كتاب أبي نصر الكلاباذي من النقصان، وكتاب المنهاج في رجال مسلم، سمعت منه مجالس، وتوفي في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة عن ثمان وسبعين سنة.
وفيها مات وزير العراق جلال الدين أبو علي الحسن بن علي بن صدقة وزير المسترشد، وصاحب دمشق الأتابك طغتكين ظهير الدين والد تاج الملوك بوري، والمسند أبو منصور محمد بن علي الكراعي بمرو، وإبراهيم بن سهل النيسابوري المسجدي.

العبدري

الشيخ الإمام، الحافظ الناقد الأوحد، أبو عامر محمد بن سعدون ابن مرجى بن سعدون القرشي العبدري، الميورقي المغربي الظاهري، نزيل بغداد. مولده بقرطبة، وكان من بحور العلم، لولا تجسيمٌ فيه، نسأل الله السلامة.
سمع من مالك البانياسي، ورزق الله التميمي، ويحيى السيبي، وطراد الزينبي، ونصر بن البطر، والحميدي، وابن خيرون، وطبقتهم. حدث عنه أبو المعمر، وابن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائي، وجماعة.
قال القاضي أبو بكر بن العربي في معجمه: أبو عامر العبدري هو أنبل من لقيته.
وقال ابن ناصر: كان فهماً عالماً، متعففاً مع فقره، ويذهب إلى أن المناولة كالسماع.
وقال السلفي: هو من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام، متصرف في فنون من العلم أدباً ونحواً، ومعرفةً بالأنساب، وكان داوودي المذهب، قرشي النسب، كتب عني، وكتبت عنه.
وقال ابن نقطة: حدثنا أحمد بن أبي بكر البندنيجي أن الحافظ ابن ناصرٍ لما دفنوا العبدري، قال:

خلا لك الجو فبيضي واصفري

مات أبو عامر حافظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن شاء، فليقل ما شاء. وقال الحافظ ابن عساكر: كان العبدري أحفظ شيخٍ لقيته، وكان فقيهاً داوودياً، ذكر أنه دخل دمشق في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء، وسمعته وقد ذكر مالك، فقال: جلفٌ جاف، ضرب هشام بن عمار بالدرة، وقرأت عليه الأموال لأبي عبيد فقال _ وقد مر قولٌ لأبي عبيد _: ما كان إلا حماراً مغفلاً، لا يعرف الفقه. وقيل لي عنه: إنه قال في إبراهيم النخعي: أعور سوء، فاجتمعنا يوماً عند ابن السمرقندي في قراءة كتاب الكامل، فجاء فيه: وقال السعدي كذا، فقال: يكذب ابن عدي، إنما ذا قول إبراهيم الجوزجاني، فقلت له: فهو السعدي، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب، تقول في إبراهيم كذا وكذا، وتقول في مالك جاف، وتقول في أبي عبيد؟! فغضب وأخذته الرعدة، وقال: كان ابن الخاضبة والبرداني وغيرهما يخافوني، فآل الأمر إلى أن تقول فيّ هذا؟! فقال له ابن السمرقندي: هذا بذاك، فقلت: إنما نحترمك ما احترمت الأئمة، فقال: والله لقد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممن تقدم، وإني لأعلم من صحيح البخاري ومسلم ما لم يعلماه، فقلت مستهزئاً: فعلمك إلهامٌ إذاً، وهاجرته، وكان سيئ الاعتقاد، يعتقد من أحاديث الصفات ظاهرها، بلغني عنه أنه قال لي في سوق باب الأزج: "يوم يكشف عن ساقٍ" فضرب على ساقه، وقال: ساقٌ كساقي هذه.
وبلغني عنه أنه قال: أهل البدع يحتجون بقوله تعالى: "ليس كمثله شيء"، أي: في الإلهية، فأما في الصورة، فهو مثلي ومثلك، قد قال الله تعالى: "يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن"، أي: في الحرمة.
وسألته يوماً عن أحاديث الصفات، فقال: اختلف الناس فيها، فمنهم من تأولها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها، ومذهبي أحد هذه المذاهب الثلاثة، وكان يفتي على مذهب داود، فبلغني أنه سئل عن وجوب الغسل على من جامع ولم ينزل، فقال: لا غسل عليه، الآن فعلت ذا بأم أبي بكر.
إلى أن قال: وكان بشع الصورة زري اللباس.
وقال السمعاني: هو حافظ مبرز في صنعة الحديث، سمع الكثير، ونسخ بخطه وإلى آخر عمره، وكان ينسخ وقت السماع.
وقال ابن ناصر: فيه تساهلٌ في السماع، يتحدث ولا يصغي، ويقول: يكفيني حضور المجلس، ومذهبه في القرآن مذهب سوء، مات في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
قلت: ما ثبت عنه ما قيل من التشبيه، وإن صح، فبعداً له وسحقاً.

الرازي

الشيخ العالم، المعمر الثقة، مسند الإسكندرية ومصر، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرازي، ثم المصري الشروطي المعدل، المعروف بابن الحطاب الذي يقول فيه أبو طاهر السلفي فيما نقلته من خطه: لم يك في وقته في الدنيا من يدانيه في علو الإسناد.
قلت: مولده في سنة أربع وثلاثين وأربع مئة، واعتنى به والده المحدث أبو العباس، فسمعه الكثير في سنة أربعين، وبعدها سمع أبا الحسن بن حمصة راوي مجلس البطاقة، وعلي بن ربيعة، وعلي بن محمد الفارسي، ومحمد بن الحسين الطفال، وأحمد بن محمد بن الفتح الحكيمي، وأبا الفضل السعدي، وتاج الأئمة أحمد بن علي بن هاشم، ومحمد بن الحسين بن سعدون، ومحمد بن الحسين بن الترجمان، وعدد شيوخه سبعة وأربعون، خرج له عنهم أبو طاهر السلفي، وخرج له أيضاً السداسيات، وروى عنه هو ويحيى بن سعدون القرطبي، وأبو محمد العثماني، وعبد الواحد بن عسكر، ومحمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وأبو طالب محمد بن المسلم، وإسماعيل بن عوف الفقيه، وإسماعيل بن ياسين، وعبد الرحمن بن موقا، وآخرون.
مات في سادس جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وخمس مئة، وله إحدى وتسعون سنة. وفيها مات أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي _ بجيم ساكنة _ والخطيب أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي بالموصل، ومدرس النظامية أبو علي الحسن بن سلمان بن الفتى، والشيخ القدوة حماد بن مسلم الدباس، وطبيب الأندلس أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن زهر الإشبيلي، وأبو غالب محمد بن الحسن الماوردي، والسلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، وأبو القاسم هبة الله بن الحصين، ويحيى بن المشرف المصري التمار.

ابن أبي ذر

الشيخ الجليل الصدوق، مسند وقته، أبو بكر محمد بن علي بن الشيخ أبي ذر محمد بن إبراهيم الصالحاني الأصبهاني، والصالحان محلة مشهورة. ولد سنة ثمان وثلاثين، وكان آخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم. حدث عنه أبو موسى المديني، وخلف بن أحمد، وتميم بن أبي الفتوح المقرئ، وسعيد بن روح الصالحاني، وعبيد الله بن أبي نصر اللفتواني، ومحمد بن أبي عاصم بن زينة، ومحمد بن أبي نصر الحداد الضرير، وزاهر بن أحمد الثقفي، والمخلص محمد بن الفاخر، وأبو مسلم بن الإخوة، وإدريس بن محمد العطار، ومحمود بن أحمد المضري، وعين الشمس بنت أحمد الثقفية، وعدة.
مات في ثاني جمادى الآخرة سنة ثلاثين وخمس مئة عن اثنتين وتسعين سنة.

ابن ملوك

الشيخ الصالح الثقة، أبو المواهب أحمد بن محمد بن عبد الملك ابن ملوك البغدادي الوراق، شيخ خير، صحيح السماع.
سمع القاضي أبا الطيب الطبري، وأبا محمد الجوهري.
حدث عنه أبو القاسم بن عساكر، وعبد الخالق بن هبة الله البندار، وعمر بن طبرزد، وجماعة، عنده جزء الغطريفي.
توفي في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وخمس مئة، وله خمس وثمانون سنة. وقال ابن النجار: توفي سنة أربع.

ابن عطية

الإمام الحافظ، الناقد المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي، الغرناطي المالكي.
روى عن أبيه، والحسن بن عبيد الله الحضرمي، ومحمد بن حارث، ومحمد بن أبي غالب القروي، ورأى ابن عبد البر، وحج سنة تسع وستين، فسمع عيسى بن أبي ذر، والحسين بن علي الطبري، وأبا الفضل الجوهري، ومحمد بن معاذ التميمي المهدوي. روى عنه ولده صاحب التفسير الكبير.
قال ابن بشكوال: كان حافظاً للحديث وطرقه وعلله، عارفاً بالرجال، ذاكراً لمتونه ومعانيه، قرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمعه يذكر أنه كرر على صحيح البخاري سبع مئة مرة.
قال: وكان أديباً شاعراً لغوياً، ديناً فاضلاً، أكثر الناس عنه، وكف بصره في آخر عمره، وكتب إلينا بإجازة ما رواه.
مولده سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة وخمس مئة، وله سبع وسبعون سنة، رحمه الله.

ابنه عبد الحق بن أبي بكر

الإمام العلامة، شيخ المفسرين، أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب بن عطية المحاربي الغرناطي.
حدث عن أبيه، وعن الحافظ أبي علي الغساني، ومحمد بن الفرج مولى ابن الطلاع، وأبي الحسين يحيى بن أبي زيد المقرئ ابن البياز، وعدة.
وكان إماماً في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكياً فطناً مدركاً، من أوعية العلم.
مولده سنة ثمانين وأربع مئة، اعتنى به والده، ولحق به الكبار، وطلب العلم وهو مراهق، وكان يتوقد ذكاءً، ولي قضاء المرية في سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
حدث عنه أولاده، وأبو القاسم بن حبيش الحافظ، وأبو محمد بن عبيد الله، وأبو جعفر بن مضاء، وعبد المنعم بن الفرس، وأبو جعفر ابن حكم، وآخرون.
توفي بحصن لورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.
وقال الحافظ خلف بن بشكوال: توفي سنة اثنتين وأربعين، وقال: كان واسع المعرفة، قوي الأدب، متفنناً في العلوم، أخذ الناس عنه، رحمه الله تعالى.

أبو غالب الماوردي

الشيخ الإمام، المحدث الصدوق، أبو غالب محمد بن الحسن ابن علي بن الحسن التميمي البصري الماوردي.
ولد سنة خمسين وأربع مئة.
وسمع أبا الحسين بن النقور، وعبد العزيز الأنماطي، وعبد الله بن الخلال، وعدة ببغداد، وأبا عمرو بن منده، ومحمود بن جعفر، وعدة بأصبهان، ومحمد بن المنثور الجهني، وأبا الفرج محمد بن أحمد بن علان بالكوفة، وأبا علي التستري، وعبد الملك بن شغبة بالبصرة. وكان شيخاً صالحاً عالماً، ينسخ للناس بالأجرة.
حدث عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفرج بن الجوزي، ويحيى بن بوش، وعبد الوهاب بن سكينة.
قال ابن الجوزي: نسخ بخطه الكثير، وكان صالحاً، مات في رمضان سنة خمس وعشرين وخمس مئة.
قال: ورئي في المنام، فقال: غفر الله لي ببركات الحديث، وأعطاني جميع ما أملته.
قال ابن النجار: كان ثقةً صالحاً عفيفاً، حدث بالكثير.

صاعد بن سيار

ابن محمد بن عبد الله، المحدث الحافظ، أبو العلاء الإسحاقي الهروي الدهان.
حج وحدث ببغداد عن عبد الرحمن بن أبي عاصم، وأبي عامر الأزدي، وشيخ الإسلام أبي إسماعيل، وعلي بن فضال النحوي، وعدة.
قرأ عليه ابن ناصر جامع أبي عيسى، فسمعه منه أبو الفرج عبد المنعم بن كليب وغيره. قال أبو سعد السمعاني: كان حافظاً متقناً، واسع الرواية، كتب الكثير، وجمع الأبواب، وعرف الرجال، حدثنا عنه ابن ناصر، وأبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل، وأبو المعمر الأنصاري.
قلت: وروى عنه الحافظ أبو موسى المديني، مات بقرية غورج بقرب هراة في ذي القعدة سنة عشرين وخمس مئة كهلاً، رحمه الله.

ابن صاعد

قاضي نيسابور، وصدرها وكبرها، أبو سعيد محمد بن القاضي أحمد بن محمد بن صاعد الصاعدي.
سمع أباه وعمه يحيى، وعمر بن مسرور، وأبا عثمان الصابوني، وعبد الغافر بن محمد. وحدث ببغداد، فروى عنه ابن ناصر، وغيره، وابن السمعاني. مات في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وخمس مئة عن بضع وثمانين سنة.

طاهر بن سهل

ابن بشر بن أحمد بن سعيد، الشيخ الكبير، المسند أبو محمد الإسفراييني، ثم الدمشقي الصائغ. سمّعه أبوه المحدث أبو الفرج من أبي القاسم الحنائي، وعبد الدائم الهلالي، وأبي الحسين محمد بن مكي الأزدي، والحافظ أبي بكر الخطيب، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبد العزيز بن أحمد الكناني، وطائفة.
حدث عنه أبو القاسم الحافظ، وعبد الرحمن بن علي الخرقي، وأبو القاسم بن الحرستاني، وآخرون.
توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، وله نيفٌ وثمانون سنةً، فإنه ولد عام خمسين، غمزه ابن عساكر، وقال: كان شيخاً عسراً، مع جهله بالحديث، وعدم ثقته، حك اسم أخيه من كتاب الشهاب للقضاعي، وأثبت بدله اسم نفسه.

ابن خسرو

المحدث العالم، مفيد أهل بغداد، أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسرو البلخي، ثم البغدادي الحنفي، جامع مسند أبي حنيفة.
سمع من مالك البانياسي، وأبي الحسن الأنباري، وعبد الواحد ابن فهد، والنعالي، فمن بعدهم، فأكثر وجمع، وأفاد وتعب. حدث عنه ابن الجوزي وغيره.
قال السمعاني: سألت عنه ابن ناصر، فقال: فيه لينٌ، يذهب إلى الاعتزال، وكان حاطب ليلٍ، وسألت عنه ابن عساكر، فقال: ما كان يعرف شيئاً.
قلت: توفي في شوال سنة ست وعشرين وخمس مئة.

ابن الطبر

الشيخ الإمام، المقرئ المعمر، مسند القراء والمحدثين، أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر البغدادي الحريري.
ولد يوم عاشوراء سنة خمس وثلاثين وأربع مئة.
وسمع من أبي الحسن محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة، وأبي إسحاق البرمكي، وأبي طالب العشاري، وطائفة، وتلا بالروايات على أبي بكر محمد بن علي بن موسى الخياط تلميذ أبي أحمد الفرضي.
حدث عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو الفرج ابن الجوزي، ويحيى بن ياقوت، وعبد الخالق بن هبة الله البندار، وعبد الله بن الطويلة، وعلي بن محمد بن علي الأنباري، وفاطمة بنت سعد الخير، وعبد الرحمن بن أحمد العمري، وبقاء بن حند، وأبو الفتح المدائني، وعمر بن طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وتلا عليه الكندي بست روايات، وكان خاتمة من روى عنه في الدنيا.
قال ابن الجوزي: كان صحيح السماع، قوي البدن، ثبتاً، كثير الذكر، دائم التلاوة، وهو آخر من روى عن ابن زوج الحرة، قرأت عليه، وكنت أجيء إليه في الحر، فنصعد سطح المسجد، فيسبقني في الدرج.
مات في ثاني جمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
قال أبو موسى: ذهب بصره، ثم عاد بصيراً.

حماد بن مسلم

ابن ددوه الشيخ القدم، علم السالكين، أبو عبد الله الدباس الرحبي، رحبة مالك بن طوق.
نشأ ببغداد، وكان يجلس في غرفة كاركه الدبس، وكان من أولياء الله أولي الكرامات، انتفع بصحبته خلقٌ، وكان يتكلم على الأحوال، كتبوا من كلامه نحواً من مئة جزء، وكان قليل العلم أمياً.
فعنه قال: مات أبواي في نهار ولي ثلاث سنين.
قال أحمد بن صالح الجيلي: سمع من أبي الفضل بن خيرون، وكان يتكلم على آفات الأعمال، والإخلاص، والورع، وقد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزاول أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال، وكان مكاشفاً.
فعنه قال: إذا أحب الله عبداً، أكثر همه فيما فرط، وإذا أبغض عبداً، أكثر همه فيما قسمه له. وقال: العلم محجة، فإذا طلبته لغير الله، صار حجة.
وقيل: كان يقبل النذر، ثم تركه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه يستخرج من البخيل"، ثم صار يأكل بالمنام. قال المبارك بن كامل: مات العارف الورع الناطق بالحكمة حماد في سنة خمس وعشرين وخمس مئة، لم أر مثله، كان بزي الأغنياء، وتارةً بزي الفقراء.
وقال ابن الجوزي: كان يتصوف، ويدعي المعرفة والمكاشفة، وعلوم الباطن، وكان عارياً عن علم الشرع، ونفق على الجهال، كان ابن عقيل ينفر الناس عنه، وبلغه عنه أنه كان يعطي المحموم لوزةً وزبيبة ليبرأ، فبعث إليه: إن عدت لهذا، ضربت عنقك، توفي في رمضان.
قلت: نقم ابن الأثير وسبط ابن الجوزي هذا، وعظما حماداً، رحمه الله، وكان الشيخ عبد القادر من تلامذته.

ابن زهر

العلامة الأوحد، أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان ابن زهر الإيادي الإشبيلي، الطبيب الشاعر.
أخذ الطب عن أبيه، فساد فيه، وصنف، حتى إن أهل الأندلس ليفتخرون به، وحمل عن أبي علي الجياني، وعبد الله بن أيوب.
وله النظم الفائق، وفيه كرمٌ وسؤدد، لكنه فيه بذاء، ونفق على السلطان، حتى صارت إليه رياسة البلد. روى عنه ابنه أبو مروان، وأبو عامر بن ينق، وأبو بكر بن أبي مروان. ألف كتاب الأدوية المفردة، وكتاب الخواص، وكتاب حل شكوك الرازي، وأشياء، وكان أبوه ملك الأطباء، وكان جده فقيهاً مفتياً.
توفي أبو العلاء بقرطبة سنة خمس وعشرين وخمس مئة منكوباً.

ظافر بن القاسم

ابن منصور، شاعر زمانه، أبو منصور الجذامي الإسكندراني الحداد، له ديوان مشهور. روى عنه أبو طاهر السلفي، وغيره، وهو القائل:

يذم المحبون الرقيب ولـيت لـي

 

من الوصل ما يخشى عليه رقيب

قال محمد بن الحسين الآمدي: دخلت على متولي الإسكندرية، وقد ورم خنصره من خاتم، فقلت: المصلحة قطع الخاتم، وطلبت له ظافراً الحداد، فقطع الحلقة وارتجل:

قصر عن أوصافك العالم

 

وأكثر الناثر والنـاظـم

من يكن البحر له راحةً

 

يضيق عن خنصره خاتم

فوهبه الحلقة، وكانت ذهباً.
توفي سنة تسع وعشرين وخمس مئة.

ابن حمويه

الإمام العارف أبو عبد الله محمد بن حمويه بن محمد بن حمويه الجويني الصوفي، جد آل حمويه الذين رأسوا بمصر.
كان ذا تأله وتعبد ومجاهدةٍ وصدق. حج مرتين، وحدث عن عائشة بنت البسطامي، وموسى بن عمران الصوفي، وطائفة. روى عنه أبو محمد بن الخشاب، وابن عساكر، وأبو أحمد بن سكينة وآخرون.
قال السمعاني: صاحب كرامات وآيات، اشتهر بتربية المريدين، وله إجازةٌ من الأستاذ أبي القاسم القشيري، وعاش اثنتين وثمانين سنة.
قلت: له في التصوف تأليف، وقبره يزار بقرية بحيراباذ. توفي إلى رضوان الله في مستهل ربيع الأول سنة ثلاثين وخمس مئة، رحمه الله.

ابن عيذون

ذو الوزارتين أبو محمد عبد المجيد بن عيذون، وهو منسوب إلى جده لأمه عبد المجيد بن عبد الله بن عيذون الفهري الأندلسي، اليابري النحوي، الشاعر المفلق.
أخذ عن أبي الحجاج الأعلم، وعاصم بن أيوب، وأبي مروان بن سراج، وله نظمٌ فائق، ومؤلف في الانتصار لأبي عبيد على ابن قتيبة، وكان من بحور الآداب، كتب الإنشاء للمتوكل بن الأفطس صاحب بطليوس وأشبونة، وله فيهم مرثية باهرة أولها:

الدهر يفجع بعد العين بـالأثـر

 

فما البكاء على الأشباح والصور

ثم تضعضع، واحتاج، وعمر، فقال أبو بكر بن زهر: دخل علينا رجل رث الهيئة، كأنه بدوي، فقال: يا بني، استأذن لي على الوزير أبي مروان، فقلت: هو نائم، فقال: ما هذا الكتاب؟ قلت: وما سؤالك عنه؟! هذا من كتاب الأغاني، فقال: تقابله؟ فقلت: ما هنا أصل، قال: إني حفظته في الصغر، فتبسمت، فقال: فأمسك علي، فأمسكت، فوالله ما أخطأ شيئاً، وقرأ نحواً من كراسين، فقمت مسرعاً إلى أبي، فخرج حافياً وعانقه، وقبل يده واعتذر، وسبني وهو يخفض عليه، ثم حادثه، ووهبه مركوباً، ثم قلت: يا أبت، من هذا؟ قال: ويحك! هذا أديب الأندلس ابن عيذون، أيسر محفوظاته كتاب الأغاني.
توفي ابن عيذون بيابرة سنة سبع وعشرين وخمس مئة.

عبد الكريم بن حمزة

ابن الخضر بن العباس، الشيخ الثقة المسند، أبو محمد السلمي الدمشقي، الحداد، وكيل المقرئين. سمع أبا القاسم الحنائي، وأبا بكر الخطيب، ومحمد بن مكي الأزدي، وعبد الدائم بن الحسن الهلالي، وأحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبيد الله بن عبد الله الداراني، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وجماعة. وأجاز له من بغداد أبو جعفر بن المسلمة، ومن واسط أبو الحسن ابن مخلد.
حدث عنه: أبو القاسم بن الحرستاني، والسلفي، وابن عساكر، وإسماعيل الجنزوي، وعبد الرحمن بن الخرقي، وأبو طاهر الخشوعي، وآخرون، وآخر من حدث عنه ابن الحرستاني المذكور.
قال الحافظ ابن عساكر: كان شيخاً ثقة، مستوراً سهلاً، قرأت عليه الكثير، وتوفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مئة.

أبو الحسين بن الفراء

الإمام العلامة، الفقيه القاضي، أبو الحسين محمد ابن القاضي الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي البغدادي.
ولد سنة إحدى وخمسين.
وسمع أباه، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا المظفر هناد النسفي، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا الحسين بن النقور، وعدة.
وأجاز له أبو محمد الجوهري، وتفقه بعد موت أبيه، وبرع وناظر، ودرس وصنف، وكان يبالغ في السنة، ويلهج بالصفة، وجمع طبقات الفقهاء الحنابلة.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وتمام بن الشنا، وذاكر الله الحربي، ومظفر بن البري، وعلي بن عمر الواعظ وعبد الله بن محمد بن عليان، ومحمد بن غنيمة بن القاق، وعدة.
وقال السلفي: كان أبو الحسين متعصباً في مذهبه، وكان كثيراً ما يتكلم في الأشاعرة ويسمعهم، لا تأخذه في الله لومة لائم، وله تصانيف في مذهبه، وكان ديناً ثقة ثبتاً، سمعنا منه.
وقال ابن الجوزي: كان له بيت في داره بباب داره بباب المراتب، يبيت وحده، فعلم من كان يخدمه بأن له مالاً، فذبحوه ليلاً، وأخذوا المال ليلة عاشوراء، سنة ست وعشرين وخمس مئة، ثم وقعوا بهم فقتلوا.
وقال ابن النجار: تميز وصنف في الأصلين والخلاف والمذهب، وكان ديناً ثقةً، حميد السيرة رحمه الله.

ابن أبي جعفر

الإمام العلامة، فقيه المغرب، شيخ المالكية، أبو محمد عبد الله ابن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن حدثنا الخشني المرسي.
سمع من أبي عمر بن عبد البر، وابن دلهاث العذري، وأبي الوليد الباجي، وابن مسرور، ومحمد بن سعدون القروي، وحاتم بن محمد، سمع منه الملخص، أخبرنا القابسي، وحج، فسمع بمكة من الحسين بن علي الطبري، وأخذ الفقه بقرطبة غن أبي جعفر أحمد بن رزق المالكي، وانتهت إليه الإمامة في معرفة المذهب، وكان رأساً في التفسير، له معرفةٌ بالحديث، له حرمة وجلالة، وفيه تعبد، وله بر ومعروف.
أخذ عنه أبو عبد الله بن عيسى التميمي قاضي سبتة، وجماعة، أصابه شيءٌ من الفالج، ولم يتغير حفظه.
مات في ثالث رمضان سنة ست وعشرين وخمس مئة عن ثمانين سنة.
وروى عنه أبو محمد بن منصور، وأبو محمد بن شبونه، وعمر، وارتحل إليه الناس من كل قطر، رحمه الله.

أبو غالب بن البناء

الشيخ الصالح الثقة، مسند بغداد، أبو غالب أحمد بن الإمام أبي علي الحسين بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الحنبلي.
سمع أبا محمد الجوهري، وتفرد عنه بأجزاء عالية، وأبا الحسين ابن حسون النرسي، والقاضي أبا يعلى بن الفراء، وأبا الغنائم بن المأمون، وأبا الحسين بن الغريق، ووالده أبا علي، وعدة، وله مشيخة بانتقاء الحافظ ابن عساكر.
ولد في سنة خمس وأربعين وخمس مئة، وله إجازةٌ من الفقيه أبي إسحاق البرمكي، والقاضي أبي الطيب الطبري.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وهبة الله بن مسعود الباذبيني، وأبو الفرج محمد بن هبة الله الوكيل، وإسماعيل بن علي القطان، وعمر بن طبرزد، وخلق، وكان من بقايا الثقات.
مات في صفر، وقيل: مات في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وخمس مئة.
وفيها مات أسعد بن أبي نصر الميهني الشافعي صاحب التعليقة، والحافظ أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي الأصبهاني، وأبو الحسن علي بن الزاغوني الفقيه، وأبو بكر محمد بن الحسين المزرفي، وأبو خازم محمد بن أبي يعلى محمد بن الحسين ابن الفراء الفقيه.

أبو خازم بن الفراء

الشيخ الإمام، الفقيه القدوة، الزاهد العابد، أبو خازم محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي.
ولد سنة سبع وخمسين، فمات أبوه وهو يرضع، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وجابر بن ياسين، وطائفة، وتفقه على القاضي يعقوب البرزبيني تلميذ أبيه، حتى برع في العلم، وصنف التبصرة في الخلاف، وكتاب رؤوس المسائل، وشرح مختصر الخرقي.
حدث عنه أولاده أبو يعلى محمد، وأبو الفرج علي، وأبو محمد عبد الرحيم، وابن ناصر، ويحيى بن بوش وآخرون.
وقد مر أخوه الإمام أبو الحسين بن أبي يعلى.
توفي أبو خازم في صفر سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وعاش سبعين سنة، وكنوه بكنية عمه أبي خازم محمد الراوي عن الدارقطني.

أبو الحسن بن الزاغوني

الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، ذو الفنون، أبو الحسن علي بن عبيد الله ابن نصر بن عبيد الله بن سهل الزاغوني، صاحب التصانيف.
ولد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وأبي محمد بن هزارمرد، وابن النقور، وابن البسري، وعدد كثير، وعني بالحديث، وقرأ الكثير، وأسمع أخاه المعمر أبا بكر بن الزاغوني.
حدث عنه السلفي، وابن ناصر، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وعلي بن عساكر البطائحي، وأبو القاسم بن شدقيني، ومسعود بن غيث الدقاق، وأبو الفرج بن الجوزي، وبركات بن أبي غالب، وعمر بن طبرزد، وآخرون.
وكان من بحور العلم، كثير التصانيف، يرجع إلى دينٍ وتقوى، وزهد وعبادة.
قال ابن الجوزي: صحبته زماناً، وسمعت منه، وعلقت عنه الفقه والوعظ، ومات في سابع عشر المحرم سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وكان الجمع يفوت الإحصاء.
قال ابن الزاغوني في قصيدة له:

إني سأذكر عقد ديني صادقاً

 

نهج ابن حنبل الإمام الأوحد

منها:

عالٍ على العرش الرفيع بذاته

 

سبحانه عن قول غاوٍ ملحـد

قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعلم.
قلت: وقال السمعاني: سمعت حامد بن أبي الفتح، سمعت أبا بكر بن الزاغوني يقول: حكى بعضهم ممن يوثق به أنه رأى في المنام ثلاثةً، يقول واحدٌ منهم: اخسف، وآخر يقول: أغرق، وآخر يقول: أطبق _ يعني البلد _ فأجاب أحدهم: لا، لأن بالقرب منا ثلاثة: علي ابن الزاغوني، وأحمد بن الطلاية، ومحمد بن فلان.
أملى علي القاضي عبد الرحيم بن الزريراني أنه قرأ بخط أبي الحسن بن الزاغوني: قرأ أبو محمد الضرير علي القرآن لأبي عمرو، ورأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره بهذه القراءة، وهو يسمع، ولما بلغت في الحج إلى قوله: "إن الله يدخل الذي آمنوا وعملوا الصالحات" الآية، أشار بيده، أي: اسمع، ثم قال: هذه الآية من قرأها، غفر له، ثم أشار أن اقرأ، فلما بلغت أول يس، قال لي: هذه السورة من قرأها، أمن من الفقر، وذكر بقية المنام.
ورأيت لأبي الحسن بخطه مقالةً في الحرف والصوت عليه فيها مآخذ، والله يغفر له، فيا ليته سكت.

أبو علي الفارقي

الشيخ الإمام الفقيه، شيخ الشافعية، أبو علي الحسن بن إبراهيم ابن برهون الفارقي.
ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، ثم ارتحل إلى بغداد، ولزم الشيخ أبا إسحاق حتى برع وفاق وحفظ المهذب، ثم تفقه على أبي نصر بن الصباغ، وحفظ عليه الشامل كله.
وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وأبي الغنائم بن المأمون، وجماعة. حدث عنه الصائن بن عساكر، وأبو سعد بن عصرون، وطائفة.
قال السمعاني: كان إماماً زاهداً ورعاً، قائماً بالحق، سمعت عمر ابن الحسن الهمذاني يقول: كان أبو علي الفارقي يقول لنا: كررت البارحة الربع الفلاني من المهذب، كررت البارحة الربع الفلاني من الشامل.
ولي قضاء واسط، فحمد، ودام بها إلى أن توفي ممتعاً بحواسه، عاش خمساً وتسعين سنة.
وقال ابن النجار: ولي قضاء واسط في سنة خمس وثمانين وأربع مئة، وعزل في سنة ثلاث عشرة، ولازم الإشغال بواسط، وكان إماماً ورعاً مهيباً، لا تأخذه في الله لومة لائم. روى عنه أهل واسط، وكان معدوداً في الأذكياء. مات في المحرم سنة ثمان وعشرين، وعليه تفقه فقيه الشام أبو سعد بن أبي عصرون. وفيها توفي القدوة الزاهد أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي، وأحمد بن علي بن حسن بن سلمويه الصوفي بنيسابور، والطبيب الفيلسوف أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، وأبو الحسين سليمان بن محمد بن الطراوة نحوي زمانه، وأبو الحسن علي بن محمد بن خلف بن الباذش المقرئ، وأبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي.

ابن قبليل

شيخ المالكية، أبو جعفر أحمد بن عمر بن خلف بن قبليل الهمذاني الغرناطي الفقيه. تحمل عن محمد بن فرج الطلاعي، وأبي علي الغساني الحافظ، وأصبغ بن محمد.
حدث عنه: أبو عبد الله بن عبد الرحيم، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو جعفر بن الباذش، وأبو القاسم بن بشكوال.
قال أبو عبد الله الأبار: دارت عليه الفتيا، وكان من جلة الفقهاء المشاورين.
توفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مئة.

ابن الرطبي

العلامة المفتي، أبو العباس بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد الكرخي الشافعي ابن الرطبي، أحد أذكياء العصر.
روى عن أبي القاسم بن البسري وجماعة، وتفقه بالشيخ أبي إسحاق، وبابن الصباغ، ولازم أبا بكر الشاشي، ومضى إلى أصبهان، وجالس محمد بن ثابت الخجندي، وبرع وساد، وولي قضاء الحريم والحسبة، وأدب أولاد الخليفة، وكان من رجال العالم عقلاً وسمتاً ووقاراً. روى عنه ابن عساكر، ويحيى بن ثابت البقال، ويحيى بن بوش، وكان بصيراً بالكلام، وبه تأدب الراشد بالله، وكان رأساً في المذهب.
توفي سنة سبع وعشرين وخمس مئة في أول رجب ببغداد.

ابن الفتى

العلامة، مدرس النظامية، أبو علي الحسن بن سلمان بن عبد الله أبي طالب بن محمد النهرواني، ثم الأصبهاني.
سمع من الرئيس أبي عبد الله المفتي. روى عنه أبو المعمر الأنصاري وغيره، وكان واعظاً باهراً متضلعاً من الفقه والكلام، وافر الجلالة.
قال أبو المعمر: لم تر عيناي مثله.
وقال ابن عساكر في طبقات الأشعرية: كان ممن يملأ العين جمالاً، والأذن بياناً، ويربي على أقرانه في النظر، لأنه كان أفصحهم لساناً، تفقه بأبي بكر محمد بن ثابت الخجندي مدرس نظامية أصبهان.
قيل: إنه سئل: ما علامة قبول صوم رمضان؟ قال: أن يموت في شوال قبل التلبس برديء الأعمال، فمات في سادس شوال سنة خمس وعشرين وخمس العلاء وأظهر عليه أهل بغداد من الجزع ما لم يعهد مثله.
قلت: وروى عنه ابن عساكر.
وقال ابن الجوزي: وعظ بجامع القصر، وكان يقول: أنا في الوعظ مبتدئ، أنشأ خطباً كان يوردها، وينظم فيها مذهب الأشعري فنفقت، ومال على المحدثين والحنابلة، فاستلب عاجلاً.
قلت: توفي كهلاً، وكان أبوه أبو عبد الله رأساً في اللغة والنحو، له كتاب القانون عشر مجلدات في اللغة، وفسر القرآن، وألف في علل القراءات، أخذ عن ابن برهان، وحدث عن ابن غيلان، وتخرج به أدباء أصبهان، وروى عنه السلفي، مات سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة، تأدب به أولاد نظام الملك. وقد شاخ.

دبيس

صاحب الحلة، الملك نور الدولة أبو الأعز دبيس بن الملك سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي.
كان أديباً جواداً ممدحاً، من نجباء العرب، ترامت به الأسفار إلى الأطراف، وجال في خراسان، واستولى على كثير من بلاد العراق، وخيف من سطوته، وحارب المسترشد بالله، ثم فر من الحلة إلى صاحب ماردين نجم الدين، وصاهره، وصار إلى الشام، وأمرها في شدةٍ من الفرنج، ثم رده إلى العراق، وجرت له هناة، ففر إلى سنجر صاحب خراسان، فأقبل عليه، ثم أمسكه من أجل الخليفة مدة، ثم أطلقه، فلحق بالسلطان مسعود، فقتله غدراً بمراغة في ذي الحجة سنة تسع وعشرين، وأراح الله الأمة منه، فقد نهب وأرجف، وفعل العظائم، ولما هرب في خواصه، قصد مرِّي بن ربيعة أمير عرب الشام، فهلكوا في البرية من العطش، ومات عدةٌ من مماليكه، فحصل في حلة مكتوم بن حسان، فبادر إلى متولي دمشق تاج الملوك، فأخبره به، فبعث خليلاً، فأحضروه إلى دمشق، فاعتقله مكرماً، ثم أطلقه للأتابك زنكي ليطلق من أسره ولده سونج بن تاج الملوك، وكان دبيس شيعياً كآبائه، وله نظم جيد.
وأما أخوه:

تاج الملوك

سيف الدولة بن بدران، فشاعرٌ محسن، تحول بعد موت أبيه إلى مصر، فأقبلوا عليه مدة، ثم نفي إلى حلب. مات بعد دبيس بسنة، وسيرة دبيس وأقاربه تحتمل أن تعمل في مجيليد.

ابن الحاج

شيخ الأندلس ومفتيها، وقاضي الجماعة، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب التجيبي القرطبي المالكي ابن الحاج.
تفقه بأبي جعفر بن رزق، وتأدب بأبي مروان بن سراج، وسمع الكثير من أبي علي الغساني، ومحمد بن الفرج، وخازم بن محمد، وعدة.
قال ابن بشكوال: كان من جلة العلماء، معدوداً في المحدثين والأدباء، بصيراً بالفتوى، كانت الفتوى تدور عليه لمعرفته ودينه وثقته، وكان معتنياً بالآثار، جامعاً لها، ضابطاً لأسماء رجالها ورواتها، مقيداً لمعانيها وغريبها، ذاكراً للأنساب واللغة والنحو.
إلى أن قال: قيد العلم عمره كله، ما أعلم أحداً في وقته عني بالعلم كعنايته، سمعت منه، وكان ليناً حليماً متواضعاً، لم يحفظ له جورٌ في قضية، وكان كثير الخشوع والذكر، قتل ظلماً يوم الجمعة، وهو ساجد، في صفر سنة تسع وعشرين وخمس مئة، وله إحدى وسبعين سنة.
قلت: روى عنه أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن عميرة، وأحمد ابن يوسف بن رشد، وابن بشكوال، وولده أبو القاسم محمد بن الحاج، وعبد الله بن مغيث قاضي الجماعة، وعبد الله بن خلف الفهري، وأبو بكر بن طلحة المحاربي، وأبو الحسن بن النعمة، وهو من أجداد شيخنا أبي الوليد إمام المالكية بدمشق.

الفراوي

الشيخ الإمام، الفقيه المفتي، مسند خراسان، فقيه الحرم، أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصاعدي الفراوي، النيسابوري الشافعي.
ولد في سنة إحدى وأربعين وأربع مئة تقديراً، لأن شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني أجاز له فيها.
وسمع صحيح مسلم من أبي الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي، وسمع جزء ابن نجيد من عمر بن مسرور الزاهد، وسمع من أبي عثمان الصابوني أيضاً. وسمع من أبي سعيد الكنجروذي، والحافظ أبي بكر البيهقي، ومحمد بن علي الخبازي، وأبي يعلى إسحاق الصابوني، وأحمد بن منصور المغربي، وعبد الله بن محمد الطوسي، وأحمد بن الحسن الأزهري، وأبي القاسم القشيري، وأبي سعيد محمد بن علي الخشاب، ومحمد بن عبد الله بن عمر العدوي الهروي، وعبد الرحمن ابن علي التاجر، ونصر بن علي الطوسي الحاكم، وعلي بن يوسف الجويني، وإسماعيل بن مسعدة بن الإسماعيلي، وإسماعيل بن زاهر، وأبي عامر محمود بن القاسم الأزدي، وإمام الحرمين أبي المعالي، وأبي الوليد الحسن بن محمد البلخي، والقاضي محمد بن عبد الرحمن النسوي، والأمير مظفر بن محمد الميكالي، وعلي بن محمد بن جعفر اللحساني.
وسمع صحيح البخاري من سعيد بن أبي سعيد العيار، وأبي سهل الحفصي.
وسمع أيضاً من أبي عثمان البحيري، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وطائفة، وببغداد من أبي نصر الزينبي، وتفرد بصحيح مسلم، وبالأسماء والصفات، ودلائل النبوة، والدعوات الكبير، وبالبعث للبيهقي. قاله السمعاني، وقال: هو إمامٌ مفتٍ، مناظر واعظ، حسن الأخلاق والمعاشرة، مكرمٌ للغرباء، ما رأيت في شيوخي مثله، وكان جواداً كثير التبسم.
قلت: روى عنه أبو سعيد السمعاني، ويوسف بن آدم، وأبو العلاء العطار، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو الحسن المرادي، وابن ياسر الجياني، وأبو الخير القزويني، وابن صدقة الحراني، وأبو سعد بن الصفار، وعبد السلام بن عبد الرحمن الأكاف، وعبد الرحيم بن عبد الرحمن الشعري، ومنصور بن عبد المنعم الفراوي، وأبو الفتوح محمد ابن المطهر الفاطمي، وأبو المفاخر سعيد بن المأموني، والمؤيد بن محمد الطوسي، وعدة. وبالإجازة القاضي أبو القاسم بن الحرستاني وغيره. ذكره عبد الغافر في سياقه، فقال: فقيه الحرم، البارع في الفقه والأصول، الحافظ للقواعد، نشأ بين الصوفية، ووصل إليه بركة أنفاسهم، درس الأصول والتفسير على زين الإسلام القشيري، ثم اختلف إلى مجلس أبي المعالي، ولازم درسه ما عاش، وتفقه، وعلق عنه الأصول، وصار من جملة المذكورين من أصحابه، وحج، وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد، وأظهر العلم بالحرمين، وكان منه بهما أثرٌ وذكر، وما تعدى حد العلماء وسيرة الصالحين من التواضع والتبذل في الملبس والعيش، وتستر بكتابة الشروط لاتصاله بالزمرة الشحامية مصاهرةً، ودرس بالمدرسة الناصحية، وأم بمسجد المطرز، وعقد به مجلس الإملاء في الأسبوع يوم الأحد، وله مجالس الوعظ المشحونة بالفوائد والمبالغة في النصح، حدث بالصحيحين وغريب الحديث للخطابي، والله يزيد في مدته ويفسح في مهلته، إمتاعاً للمسلمين بفائدته.
قال السمعاني: سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو يقول: الفراوي ألف راوي.
وحكى والده الفضل بن أحمد عن الأمير أبي الحسن السمحوري أنه رأى في سنة ثلاث وخمسين النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لابني محمد: قد جعلتك نائبي في عقد المجلس.
قال ابن عساكر: إلى الفراوي كانت رحلتي الثانية، وكان يقصد من النواحي لما اجتمع فيه من علو الإسناد، ووفور العلم، وصحة الاعتقاد، وحسن الخلق، والإقبال بكليته إلى الطالب.
قال السمعاني: وسمعت الفراوي يقول: كنا نسمع مسند أبي عوانة على القشيري، وكان يحضر رئيس يجلس بجنب الشيخ، فغاب يوماً، وكان الشيخ يجلس وعليه قميصٌ أسود خشن، وعمامة صغيرة، وكنت أظن أن السماع على ذلك المحتشم، فشرع أبي في القراءة، فقلت: على من تقرأ والشيخ ما حضر؟ فقال: وكأنك تظن أن شيخك ذلك الشخص؟ قلت: نعم، فضاق صدره واسترجع، وقال: يا بني شيخك هذا القاعد، ثم أعاد لي من أول الكتاب.
ثم قال السمعاني: سمعت عبد الرزاق بن أبي نصر الطبسي يقول: قرأت صحيح مسلم على الفراوي سبع عشرة نوبة، وقال: أوصيك أن تحضر غسلي، وأن تصلي علي في الدار، وأن تدخل لسانك في فمي، فإنك قرأت به كثيراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال السمعاني: فصلي عليه بكرة، وما وصلوا به إلى المقبرة إلى بعد الظهر من الزحام، وأذكر أنا كنا في رمضان سنة ثلاثين وخمس مئة، فحملنا محفته على رقابنا إلى قبر مسلم لإتمام الصحيح، فلما فرغ القارئ من الكتاب، بكى الشيخ، ودعا وأبكى الحاضرين، وقال: لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا، فتوفي رحمه الله في الحادي والعشرين من شوال، ودفن عند إمام الأئمة ابن خزيمة.
قال: وقد أملى أكثر من ألف مجلس.
قلت: وخرجوا له أحاديث سداسية سمعناها، ومئة حديث عوالي عند أصحاب ابن عبد الدائم، وله أربعون المساواة وغير ذلك.

ابن آسه

الإمام العالم، أبو محمد علي بن عبد القاهر بن آسه، واسمه الخضر بن علي المراتبي الفرضي، تلميذ أبي حكيم الخبري.
سمع من عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وابن النقور، وألف في الفرائض، وكان خيراً صالحاً.
روى عنه هبة الله بن الحسن السبط، وطائفة.
عاش خمساً وثمانين سنة. توفي في ربيع الأول سنة ثلاثين وخمس مئة، رحمه الله.

الخلال

الشيخ الإمام الصدوق، مسند أصبهان، شيخ العربي، بقية السلف، أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد بن علي الأصبهاني الخلال، الأثري الأديب.
ولد في صفر سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة.
وسمع أحمد بن محمود الثقفي، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، وعبد الرزاق بن شمة، وأبا الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وعبد الرحمن بن منده، وأخويه عبد الوهاب وعبيد الله، وخلقاً كثيراً.
وسمع ببغداد في الكهولة من أبي القاسم بن بيان، وطائفة.
حدث عنه: السلفي، والسمعاني، وابن عساكر، والمديني، ومعمر، وبنوه، وأبو المجد زاهر بن أحمد، وأبو نجيح فضل الله بن عثمان، والمؤيد بن الإخوة، ومحمود بن أحمد المضري، وتقية بنت أموسان، وخلقٌ سواهم. قال السمعاني: رأيته بعد أن كبر وأضر، وكان حسن المعاشرة والمحاورة، بساماً كثير المحفوظ، قرأ عليه ابن ناصر ببغداد صحيح البخاري، وكان عزيز النفس قانعاً، لا يقبل من أحد شيئاً مع فقره، خرج له محمد بن أبي نصر اللفتواني معجماً في أكثر من عشرة أجزاء، توفي في حادي عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، وكان يلقب بالأثري.
قال ابن النجار: لم يحدثنا عنه من بلده إلا داود بن سليمان بن نظام الملك، وكان من الأدباء الفضلاء، سمع الكثير.

اليونارتي

الشيخ الإمام، المفيد الحافظ، أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي اليونارتي، الأصبهاني، ويونارت: قرية على باب أصبهان.
ولد سنة ست وستين وأربع مئة.
وسمع أبا بكر بن ماجه، وأبا منصور بن شكرويه، وعدة، ولم يلحق أبا عمرو بن منده، وارتحل فأكثر عن أبي بكر بن خلف وطبقته نبيسابور، ولقي أبا عامر الأزدي بهراة، ولقي ببلخ أبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي، وببغداد أحمد بن عبد القادر اليوسفي، وابن العلاف. روت عنه فاطمة بنت سعد الخير جزءاً مشهوراً به.
وقال السمعاني: قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: ما كان له كبير معرفة، غير أنه كان نظيف الأجزاء.
وقال يحيى بن منده: كان حافظاً لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأطرافٍ من الأدب والنحو، حسن الخلق، شجاعاً، سمعنا منه طبقات السمرقنديين للإدريسي.
قلت: توفي في شوال سنة سبع وعشرين وخمس مئة عن نيفٍ وستين سنة، رحمه الله.

الصيرفي

الشيخ الصالح، العالم الثقة، بقية المشايخ، أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي منصور بكر بن أبي الفتح بن بكر بن حجاج الأصبهاني الصيرفي، السمسار في العقار.
ولد في حدود عام أربعين وأربع مئة.
وسمع من أحمد بن محمد بن النعمان الصائغ مسند العدني في سنة ست وأربعين، وسمع مسند أحمد بن منيع من عبد الواحد بن أحمد المعلم، وسمع من ابن النعمان، ومن سبط بحرويه مسند أبي يعلى ملفقاً، وسمع من منصور بن الحسين التاني، وأحمد بن الفضل الباطرقاني، وأبي المظفر بن شبيب، وأبي نصر إبراهيم بن محمد الكسائي، وأحمد بن محمد بن هاموشة، وأبي مسلم محمد بن علي بن مهربزد، وسعيد العيار، وبني منده، وخلق.
حدث عنه السلفي، وابن عساكر، وأبو موسى، والسمعاني، وأبو الخير عبد الرحيم بن موسى، ومحمد بن أبي القاسم بن فضل، ومحمود بن أحمد الثقفي، ومحفوظ بن أحمد الثقفي، وأبو المجد زاهر ابن أحمد، وأبو مسلم بن الإخوة، وعائشة بنت معمر، وعين الشمس بنت سليم، وزليخا بنت أبي حفص الغضائري، وآخرون، وكان عبد الرحيم بن الإخوة يقول: حدثنا سعيد بن أبي الرجاء الدوري، لأنه كان يسمسر في الدور.
وقال إسماعيل بن محمد التيمي: لا بأس به، كثير السماع.
وقال السمعاني: شيخٌ صالح مكثر، صحيح السماع، سمعه خاله، وطال عمره، وكان حريصاً على الرواية، سمعت منه الكثير، وقال لي: رويت ببغداد جزءاً واحداً، مات في تاسع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.
قلت: خاله هو المحدث محمد بن أحمد الخلال.

ابن القشيري

عبد المنعم، الشيخ الإمام، المسند المعمر، أبو المظفر بن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري.
ولد سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
وسمع مسند أبي يعلى من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وسمع مسند أبي عوانة من والده، وسمع من أبي عثمان سعيد بن محمد البحيري، والحافظ أبي بكر البيهقي، والحسن بن محمد البندري، وأحمد بن منصور بن خلف المغربي، وبمكة من أبي علي الشافعي، وأبي القاسم الزنجاني، وببغداد من أبي الحسين بن النقور، وعبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي القاسم يوسف المهرواني، وحدث ببغداد، وغيرها.
حدث عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح بن عبد السلام، وأبو سعد السمعاني، وابن عساكر، وعبد الرحيم بن أبي القاسم الشعري، وأخته زينب الشعرية وآخرون.
قال السمعاني: شيخٌ ظريف، مستور الحال، سليم الجانب، غير مداخل للأمور، رباه أخوه أبو نصر، وحج معه، وخرج ثانياً، فأقام ببغداد، ومضى إلى كرمان، سمعت منه مسند أبي عوانة، وأحاديث السراج مجلدة، والرسالة لأبيه، وكان حسن الإصغاء لما يقرأ عليه، كان ابن عساكر يفضله في ذلك على الفراوي. وقال عبد الغافر: خرج له أخوه أبو نصر فوائد.
وقال ابن النجار: لزم البيت، واشتغل بالعبادة، وكتابة المصاحف، وكان لطيف المعاشرة، ظريفاً كريماً، خرج له أخوه فوائد عشرة أجزاء، مات بين العيدين سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، رحمه الله.

بنت زعبل

الشيخة العالمة، المقرئة الصالحة، مسندة نيسابور، أم الخير فاطمة بنت علي بن مظفر بن الحسن بن زعبل بن عجلان البغدادية، ثم النيسابورية.
ولدت في سنة خمس وثلاثين وأربع مئة. وسمعت من أبي الحسين عبد الغافر الفارسي، فكانت آخر من حدث عنه.
قال أبو سعد السمعاني: امرأةٌ صالحة عالمة، تعلم الجواري القرآن، سمعت من عبد الغافر جميع صحيح مسلم، وغريب الحديث للخطابي، وغير ذلك.
قلت: حدث عنها أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم بن عساكر، والمؤيد بن محمد، وزينب الشعرية، وجماعة.
توفيت في أوائل المحرم سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة. وقيل: توفيت في سنة ثلاث وثلاثين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء، عن المؤيد بن محمد الطوسي، وزينب بنت أبي القاسم أن فاطمة بنت الحسن العجلانية أخبرتهم في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة قالت: أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي في المحرم سنة إحدى وأربعين وأربع مئة، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا قتيبة بن سعيد، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وأبو كامل قالوا: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله صلاةً بغير طهورٍ، ولا صدقةً من غلولٍ" رواه النسائي، عن قتيبة، فوافقناه.

ابن المؤذن

الإمام الفقيه الأوحد، أبو سعد إسماعيل بن الحافظ المؤذن أبي صالح أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الواعظ، المشهور بالكرماني، لسكناه بها.
قال أبو سعد السمعاني: كان ذا رأي وعقل وعلم، برع في الفقه، وكان له عز ووجاهة عند الملوك.
تفقه على أبي المعالي الجويني، وأبي المظفر السمعاني، وأسمعه أبوه من طائفة. ولد سنة إحدى وخمسين أو اثنتين وخمسين وأربع مئة.
سمع أباه، وأبا حامد أحمد بن الحسن الأزهري، وأحمد بن منصور المغربي، والحاكم أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وبكر بن محمد بن حيد، وشجاع بن طاهر، وشبيب بن أحمد البستيغي، وصاعد بن منصور الأزدي، والأستاذ أبا القاسم القشيري، وأبا سهل الحفصي، ويعقوب بن أحمد الصيرفي، وعدة.
وله إجازة من أبي سعد الكنجروذي.
حدث عنه ابن طاهر في معجمه، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، والقاضي أبو سعد بن أبي عصرون، وعبد الخالق بن الصابوني، وهبة الله بن الحسن السبط، وعلي بن فاشاذه، وعبد الواحد ابن أبي المطهر الصيدلاني، وأبو الفرج بن الجوزي، وآخرون، وعمل الرسلية من ملك كرمان، وقرأ الإرشاد على إمام الحرمين، وكان وافر الجلالة، كامل الحشمة، مات ليلة الفطر سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة بكرمان، وقع لنا ثمانية أجزاء من حديثه.

عيسى بن محمد

ابن عبد الله بن عيسى بن مؤمل بن أبي البحر الشيخ العالم المعمر أبو الأصبغ الزهري الشنتريني.
سمع من كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد الباجي، وابن دلهاث، وعدة. أخذ الناس عنه، وسكن العدوة.
قال ابن بشكوال: كتب لي القاضي أبو الفضل أنه توفي نحو سنة ثلاثين وخمس مئة، وأنه أخذ عنه.
قلت: وروى عنه أبو بكر بن خير، وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من الصحيح.

البار

الشيخ العالم، المحدث الرحال المكثر، أبو نصر إبراهيم بن الفضل الأصبهاني البار، ويلقب بدعلج، كان أبوه يحفر الآبار.
ولد سنة بضعٍ وأربعين وأربع مئة.
وسمع من أبي الحسين بن النقور وطبقته ببغداد، ومن الفضل بن عبد الله بن المحب وطبقته بنيسابور، ومن أبي القاسم عبد الرحمن بن منده، وطائفة بأصبهان، ومن أبي إسماعيل الأنصاري وجماعة بهراة.
قال السمعاني: رحل، وسمع، ونسخ، وجمع، وما أظن أن أحداً بعد ابن طاهر رحل وطوف مثله، أو جمع جمعه، إلا أن الإدبار لحقه في آخر الأمر، وكان يقف في أسواق أصبهان، ويروي من حفظه بالإسناد، وسمعت أنه يضع في الحال. قال لي إسماعيل بن محمد الحافظ: اشكر الله كيف ما لحقت البار، وأساء الثناء عليه.
قلت: روى عنه السلفي، ويحيى الثقفي، وداود بن نظام الملك، وغيرهم.
 قال السلفي: يسمى بدعلج، له معرفة، سمعنا بقراءته كثيراً، وغيره أرضى منه.
وقال معمر بن الفاخر: رأيت إبراهيم البار واقفاً في السوق، وقد روى أحاديث منكرة بأسانيد صحاح، فكنت أتأمله تأملاً مفرطاً، ظناً مني أن الشيطان على صورته.
وقال ابن طاهر: حدثت الأنباري عن مشايخ مكيين ومصريين، فبعد أيام بلغني أنه حدث عنهم، فبلغت القصة إلى شيخ الإسلام الأنصاري، فسأله عن لقي هؤلاء بحضرتي، فقال: سمعت مع هذا، قلت: ما رأيتك قط إلا ها هنا، قال له الشيخ: أحججت؟ قال: نعم، قال: فما علامات عرفات؟ قال: دخلناها بالليل، قال: يجوز، فما علامة منى؟ قال: كنا بها بالليل، فقال: ثلاثة أيام وثلاث ليال لم يصبح لكم الصبح؟! لا بارك الله فيك، وأمر بإخراجه من البلد، وقال: هذا دجال، ثم انكشف أمره حتى صار آيةً في الكذب.
قال ابن الفاخر: توفي في شوال سنة ثلاثين وخمس مئة.
وفيها مات صاحب الحلة تاج الملوك بدران بن صدقة الأسدي المزيدي الشاعر، وصاحب جعبر بدران بن مالك بن سالم العقيلي، وزين القضاة سلطان بن القاضي يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي بدمشق، وعبد الله بن عيسى السرقسطي الذي حفظ البخاري وسنن أبي داود، وعلي بن أحمد بن الموحد الوكيل ابن البقشلام، وأبو الحسن بن قبيس المالكي، وأبو سهل محمد ابن إبراهيم ابن سعدويه الأصبهاني، والقدوة محمد بن حمويه الجويني، والواعظ بن بكر محمد بن عبد الله بن حبيب العامري، والفراوي، وابن أبي ذر الصالحاني.

المزرفي

الإمام، شيخ القراء، بن بكر محمد بن الحسين بن علي البغدادي، ومزرفة، دون عكبرا. ولد سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.
وسمع أبا حفص من المسلمة وطبقته، وتلا على أصحاب الحمامي.
روى عنه ابن عساكر، وابن أبي عصرون، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأبو الفتح المندائي. وكان ثقةً متقناً.
توفي سنة سبع وعشرين وخمس مئة.

العجلي

شيخ الشافعية، القدوة الكبير، أبو سعد عثمان بن علي بن شراف المروزي البنجديهي العجلي _ بفتحتين _ نسبة إلى نجارة العجلة.
ولد سنة خمس وثلاثين وأربع مئة، ولازم القاضي حسيناً، وبرع في الفقه.
وسمع من أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، والقاضي حسين، وجماعة.
أثنى عليه أبو سعد السمعاني ووصفه بالزهد والورع والإمامة، وأنه كان لا يمكن أحداً من الغيبة عنده، وأنه مات ببنجديه في شعبان سنة ست وعشرين وخمس مئة.

الميهني

شيخ الشافعية، مجد الدين، أبو الفتح أسعد بن أبي نصر بن الفضل القرشي العمري الميهني، صاحب التعليقة البديعة.
تفقه بمرو، وسار إلى غزنة وشاع فضله، وتخرج به الكبار، ومدحه أبو إسحاق الغزي، ثم قدم بغداد، ودرس بالنظامية سنة سبع وخمس مئة، ثم عزل بعد ست سنين، ثم وليها سنة سبع عشرة، ونشر العلم.
تفقه على العلامة أبي المظفر السمعاني، والموفق الهروي، وكان يتوقد ذكاءً، وأخذ الأصول عن أبي عبد الله الفراوي، وسمع من إسماعيل بن الحسن الفرائضي، ولم يرو.
ونقل السمعاني أن فقيهاً سمع أسعد الميهني يلطم وجهه ويقول: "يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله" وبكى، وردد الآية، إلى أن مات بهمذان سنة سبع وعشرين، وكان قد نفذ رسولاً إلى سنجر بمرو، ورسولاً إلى همذان، وخلف أموالاً كثيرة، وعبيداً.
وعاش ستاً وستين سنة، وقد ذكره الحافظ ابن عساكر في تبيين كذب المفتري، وميهنة: قريبة من طوس، صغيرة.

ابن أبي الصلت

العلامة القيلسوف، الطبيب الشاعر المجود، أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، صاحب الكتب.
ولد سنة ستين وأربع مئة.
وتنقل، وسكن الإسكندرية، ثم رد إلى الغرب، وأقبل عليه علي ابن باديس، وكان رأساً في النجوم والوقت والموسيقى، عجباً في لعب الشطرنج، رأساً في المنطق وهذيان الأوائل، سجنه صاحب مصر مدةً لكونه غرق له سفينةً موقرةً صفراً، فقال له: أنا أرفعه، وعمد إلى حبال دلاها من سفينة، ونزل البحرية، فربطوا السفينة، ثم استيقت بدواليب، فارتفعت، ووصلت، لكن تقطعت الحبال، فوقعت، فغضب الأمير عليه.
مات بالمهدية في آخر سنة ثمان وعشرين وخمس مئة.

الإسلامي

العلامة، شيخ الحنفية ببلخ، أبو الحسن علي بن أحمد بن علي السجزي، ثم البلخي الزاهد. حدث علي سعيد العيار، ومنصور بن إسحاق الحافظ، وأبي علي الوخشي. سمع منه سنن أبي داود، وسمع من العيار صحيح البخاري. أجاز لأبي سعيد السمعاني، وقال: مات سنة ثمان وعشرين وخمس مئة.

سير أعلام النبلاء

تصنيف الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفي 748 ه 1374 ه

الجزء العشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

الواسطي

الإمام الثقة المحدث، أبو القاسم، هبة الله بن عبد الله بن أحمد، الواسطي، ثم البغدادي، الشروطي.
سمع ابن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وأبا الغنائم بن المأمون، وطبقتهم.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وطائفة آخرهم عمر ابن طبرزد.
قال السمعاني: شيخ ثقة صالح مكثر، نسخ، وحصل الأصول، وحدثنا عنه جماعة، وسمعتهم يثنون عليه، ويصفونه بالفضل والعلم والاشتغال بما يعنيه.
مات في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وخمس مئة، عن ست وثمانين سنة.

الحاكمي

العلامة أبو القاسم، إسماعيل بن عبد الملك بن علي الطوسي الحاكمي الشافعي، صاحب إمام الحرمين.
سمع أحمد بن الحسن الأزهري، وأبا صالح المؤذن.
وبرع في المذهب، وسافر إلى العراق والشام مع الغزالي، وهو مدفون إلى جنبه.
توفي سنة تسع وعشرين وخمس مئة عن سن عالية.

ابن البناء

الشيخ الإمام، الصادق العابد، الخير المتبع الفقيه، بقية المشايخ، أبو عبد الله، يحيى بن الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن البناء، البغدادي الحنبلي.
روى شيئاً كثيراً عن عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي الحسين بن الأبنوسي، وابن النقور، وعدة.
حدث عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وعمر بن طبرزد، ويحيى بن ياقوت، وفاطمة بنت سعيد الخير، وآخرون.
قال السمعاني: سمعت الحافظ عبد الله بن عيسى الأندلسي يثني على يحيى ابن البناء، ويمدحه ويطريه، ويصفه بالعلم والتمييز والفضل، وحسن الأخلاق، وترك الفضول، وعمارة المسجد وملازمته، ما رأيت مثله في حنابلة بغداد.
قال السمعاني: وكذا كل من سمعه كان يثني عليه، ويمدحه.
ولد سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة.
وتوفي في ثامن ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة.
وقد مر أخوه أبو غالب.
ومات قبلهما أخوهما أبو الفضل إبراهيم بن البناء سنة ثماني عشرة وخمس مئة وله سبعون سنة، يروي عن ابن المهتدي بالله، وابن النقور. سمع منه يحيى بن بوش.
وفيها توفي أبو القاسم تميم الجرجاني، وأبو عبد الله الحسين ابن محمد بن الفرحان السمناني، وطاهر بن سهل الإسفراييني بدمشق، وأبو جعفر محمد بن أبي علي الهمذاني المحدث، وهبة الله بن الطبر الحريري المقرىء.

الغازي

الشيخ الإمام، الحافظ المتقن، المسند الصالح الرحال، أبو نصر، أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد، الأصبهاني الغازي.
ولد في حدود سنة ثمان وأربعين وأربع مئة.
وجال وطوف، وجمع فأوعى.
سمع أبا الحسين بن النقور، وعبد الباقي بن محمد العطار، وأبا القاسم بن البسري، وعدةً ببغداد، وأبا علي التستري بالبصرة، ومحمد بن عبد الملك المظفري بسرخس، وعبد الرحمن بن مندة، وأخاه أبا عمرو، وابن شكرويه، وخلقاً كثيراً بأصبهان، والفضل بن عبد الله بن المحب، وطبقته بنيسابور، وأبا عامر الأزدي، وأبا إسماعيل الأنصاري، وطبقتهما بهراة.
حدث عنه: السلفي، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن عساكر، والمؤيد بن الإخوة، ومحمود بن أحمد المضري، وآخرون.
قال السلفي: كان من أهل المعرفة والحفظ، سمعنا بقراءته كثيراً، وأملى علي.
وقال السمعاني: ثقة حافظ، دين، واسع الرواية، كتب الكثير، وحصل الكتب، ما رأيت في شيوخي أكثر رحلةً منه، أكثرت عنه، وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل بن محمد التيمي في الإتقان والمعرفة، ولم يبلغ هذا الحد، لكنه أعلى إسناداً من إسماعيل، مات في ثالث رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، وشهدته، وصلى عليه إسماعيل الحافظ.

زاهر بن طاهر

ابن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن مرزبان، الشيخ العالم، المحدث المفيد المعمر، مسند خراسان، أبو القاسم بن الإمام أبي عبد الرحمن، النيسابوري الشحامي المستملي الشروطي الشاهد.
ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وأربع مئة.
واعتنى به أبوه، فسمعه في الخامسة وما بعدها، واستجاز له.
أجاز له أبو الحسين عبد الغافر الفارسي، وأبو حفص بن مسرور، وأبو محمد الجوهري مسند بغداد.
وسمع من أبي عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبي سعد الكنجروذي، ومحمد بن محمد بن حمدون، وأبي يعلى بن الصابوني، وأبي بكر محمد بن الحسن المقرىء، ومحمد بن علي الخشاب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدربندي، وأبي بكر البيهقي، وسعيد بن منصور القشيري، وأبي سعد أحمد بن أبي شمس، وأحمد بن منصور المغربي، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وعدد كثير، وسمع من علي بن محمد البحائي كتاب ابن حبان، وسمع من البيهقي سننه الكبير، ومن الكنجروذي أكثر مسند أبي يعلى.
وروى الكثير، واستملى على جماعة، وخرج، وجمع، وانتقى لنفسه السباعيات، وأشياء تدل على اعتنائه بالفن، وما هو بالماهر فيه، وهو واه من قبل دينه.
وكان ذا حب للرواية، فرحل لما شاخ، وروى الكثير ببغداد وبهراة وأصبهان وهمذان والري والحجاز ونيسابور، واستملى على أبي بكر ابن خلف الأديب فمن بعده، وخرج لنفسه أيضاً عوالي مالك، وعوالي ابن عيينة، وما وقع له من عوالي ابن خزيمة، فجاء أزيد من ثلاثين جزءاً، وعوالي السراج، وعوالي عبد الرحمن بن بشر، وعوالي عبد الله بن هاشم، وتحفتي العيدين، ومشيخته، وأملى نحواً من ألف، مجلس، وكان لا يمل من التسميع.
قال أبو سعد السمعاني: كان مكثراً متيقظاً، ورد علينا مرو قصداً للرواية بها، وخرج معي إلى أصبهان لا شغل له إلا الرواية بها، وازدحم عليه الخلق، وكان يعرف الأجزاء، وجمع ونسخ وعمر، قرأت عليه تاريخ نيسابور في أيام قلائل، كنت أقرأ فيه سائر النهار، وكان يكرم الغرباء، ويعيرهم الأجزاء، ولكنه كان يخل بالصلوات إخلالاً ظاهراً وقت خروجه معي إلى أصبهان، فقال لي أخوه وجيه: يا فلان، اجتهد حتى يقعد، لا يفتضح بترك الصلاة، وظهر الأمر كما قال وجيه، وعرف أهل أصبهان ذلك، وشغبوا عليه، وترك أبو العلاء أحمد بن محمد الحافظ الرواية عنه، وأنا فوقت قراءتي عليه التاريخ ما كنت أراه يصلي، وعرفنا بتركه الصلاة أبو القاسم الدمشقي، قال: أتيته قبل طلوع الشمس، فنبهوه، فنزل لنقرأ عليه، وما صلى، وقيل له في ذلك، فقال: لي عذر، وأنا أجمع الصلوات كلها، ولعله تاب، والله يغفر له، وكان خبيراً بالشروط، وعليه العمدة في مجلس الحكم، مات بنيسابور في عاشر ربيع الآخر سنة ثلث وثلاثين وخمس مئة.
قلت: الشره يحملنا على الرواية لمثل هذا.
وقد حدث عنه: أبو موسى المديني، والسمعاني، وابن عساكر، وصاعد بن رجاء، ومنصور بن أبي الحسن الطبري، وعلي بن القاسم الثقفي، ومحمود بن أحمد المضري، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو المجد زاهر الثقفي، وعبد اللطيف بن محمد الخوارزمي، ومحمد بن محمد بن محمد بن الجنيد، وعبد الباقي بن عثمان الهمذاني، وإبراهيم بن بركة البيع، وإبراهيم بن حمدية، وعلي بن محمد بن علي بن يعيش، ومودود ابن محمد الهروي، والمؤيد بن محمد الطوسي، وزينب الشعرية، وعبد المعز بن محمد الهروي، وخلق كثير.
وعاش سبعاً وثمانين سنة.
ومات معه أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي الذي أجاز له أبو عمرو الداني، والفقيه أبو علي الحسين بن الخليل النسفي، وأبو القاسم عبد الله بن أحمد بن يوسف اليوسفي، وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخطيبي بأصبهان، وأبو القاسم علي بن أفلح البغدادي الشاعر، وجمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم الشافعي، وأم المجتبى فاطمة بنت ناصر العلوي، وأبو بكر محمد بن أبي نصر اللفتواني المحدث، ومحمد بن حمد الأصبهاني الطيبي، وصاحب دمشق شهاب الدين محمود بن بوري، وهبة الله بن سهل بن عمر بن البسطامي السيدي.

السيدي

الشيخ الإمام الصالح العابد، مسند وقته، أبو محمد هبة الله بن سهل ابن عمر بن الشيخ أبي عمر محمد بن الحسين بن أبي الهيثم، البسطامي، ثم النيسابوري، المعروف بالسيدي.
ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وأربع مئة. سمع: أبا حفص بن مسرور، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسي، وأبا عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبا يعلى الصابوني، وأبا بكر البيهقي، وأبا سعد الكنجروذي، وطائفة.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والمؤيد بن محمد الطوسي، والقطب النيسابوري، وجماعة، وبالإجازة أبو القاسم بن الحرستاني.
قال السمعاني: شيخ عالم خير، كثير العبادة والتهجد، ولكنه عسر الخلق، بسر الوجه، لا يشتهي الرواية، ولا يحب أصحاب الحديث، كنا نقرأ عليه بجهد جهيد وبالشفاعات، وكان زوج بنت إمام الحرمين أبي المعالي، وكان أحد الفقهاء، وتفرد بالموطأ وبجزء ابن نجيد، وأشياء، مات في الخامس والعشرين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة، وله تسعون سنة.
قلت: سمعنا الموطأ من طريقه بفوت قديم، وهو المساقاة، والقراض، والفرائض.

أنو شروان

ابن خالد، الوزير الكبير، أبو نصر القاشاني.
وزر للمسترشد، ووزر للسلطان محمود بن محمد.
وكان عاقلاً سائساً رزيناً، وافر الجلالة، حسن السيرة، محباً للعلماء.
أحضر ابن الحصين إلى داره، فسمع أولاده المسند بقراءة ابن الخشاب، وسمعه خلق.
وقد حدث عن الساوي.
روى عنه الحافظ ابن عساكر.
ثم أسن وتضعضع، ولزم المنزل، وكان مهيباً عظيم الخلقة.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.

عبد الغافر

ابن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر، الإمام العالم البارع الحافظ أبو الحسن ابن الحافظ أبي عبد الله بن الشيخ الكبير أبي الحسين، الفارسي، ثم النيسابوري، مصنف كتاب مجمع الغرائب في غريب الحديث، وكتاب السياق لتاريخ نيسابور، وكتاب المفهم لشرح مسلم.
ولد سنة إحدى وخمسين وأربع مئة.
وأجاز له من بغداد أبو محمد الجوهري وغيره، ومن نيسابور أبو سعد الكنجروذي، وأبو بكر محمد بن الحسن بن علي الطبري المقرىء، وسمع من جده لأمه أبي القاسم القشيري، وأحمد بن منصور المغربي، وأحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، وأحمد بن الحسن الأزهري، والفضل بن المحب، ومحمد بن عبيد الله الصرام، وأبي نصر عبد الرحمن بن علي التاجر، وخلق كثير.
وتفقه بإمام الحرمين، وبرع في المذهب، وارتحل إلى غزنة والهند وخوارزم، ولقي الكبار، وولي خطابة نيسابور.
وكان فقيهاً محققاً، وفصيحاً مفوهاً، ومحدثاً مجوداً، وأديباً كاملاً.
مات سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
وآخر من حدث عنه أبو سعد عبد الله بن عمر الصفار.
وفيها مات شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك مقتولاً، وملك العرب نور الدولة دبيس بن صدقة الأسدي، والمسترشد بالله بن المستظهر، وقاضي الجماعة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف بن الحاج التجيبي، والعلامة محمد بن أبي الخيار العبدري القرطبي.

ابن قبيس

الشيخ الإمام، الفقيه النحوي، الزاهد العابد القدوة، أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن محمد بن قبيس، الغساني الدمشقي المالكي.
ولد سنة اثنتين وأربعين وأربع مئة.
وسمع أباه، وأبا القاسم السميساطي، وأبا بكر الخطيب، وأبا نصر ابن طلاب، وغنائم الخياط، وأبا الحسن بن أبي الحديد، وجماعة.
حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، والسلفي، وإسماعيل الجنزوي، وأبو القاسم بن الحرستاني، وآخرون.
قال ابن عساكر: كان ثقةً متحرزاً متيقظاً، منقطعاً في بيته بدرب النقاشة، أو بيته في المنارة الشرقية بالجامع، وكان فقيهاً مفتياً، يقرىء النحو والفرائض، وكان متغالياً في السنة، محباً لأصحاب الحديث، قال لي غير مرة: إني لأرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن في هذا البلد، وكان لا يحدث إلا من أصل، سمعت منه الكثير، ومات يوم عرفة سنة ثلاثين وخمس مئة.
وقال السلفي: كان يسكن المنارة، وكان زاهداً عابداً ثقة، لم يكن في وقته مثله بدمشق، وهو مقدم في علوم شتى، محدث ابن محدث.

القارىء

الشيخ الصدوق المعمر المسند، أبو محمد، إسماعيل بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر صالح، النيسابوري القارىء.
قال ابن نقطة: سمع من أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي صحيح مسلم، وأحاديث يحيى بن يحيى التميمي، وسمع من أبي حفص بن مسرور عدة أجزاء. حدث عنه: أبو العلاء العطار، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، والحسن بن محمد القشيري، وزينب الشعرية، وآخرون. قال السمعاني: شيخ صالح عفيف، صوفي نظيف، مواظب على الجماعة، خدم الأستاذ أبا القاسم القشيري، مولده في رجب سنة تسع وثلاثين وأربع مئة.
وقال ابن نقطة: روى عنه الصحيح أبو سعد الحسن بن محمد بن المحسن القشيري، وسمعت من زينب الشعرية جزء ابن نجيد بسماعها منه في سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
قلت: وقد حدث عنه أبو القاسم بن الحرستاني بالإجازة بأجزاء عمر ابن مسرور.
مات في العشرين من رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة. أرخه السمعاني.

تميم

ابن أبي سعيد بن أبي العباس، الشيخ الفاضل المؤدب، مسند هراة، أبو القاسم الجرجاني.
مولده بعد الأربعين وخمس مئة.
وسمع من: أبي حفص بن مسرور، وأبي عامر الحسن بن محمد بن علي النسوي، ومحمد بن محمد بن حمدون السلمي، وأبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وأبي بكر أحمد بن منصور المغربي، وعلي بن محمد بن علي بن عبيد الله البحاثي، فسمع منه كتاب الأنواع والتقاسيم لأبي حاتم بن حبان، وسمع مسند أبي يعلى من أبي سعد.
وانتهى إليه بهراة علو الإسناد، كان قد اعتنى به خاله الحافظ عبد الله بن يوسف، فسمعه بنيسابور من المذكورين.
قال السمعاني: لم ألقه، وأجاز لي، وكان ثقةً صالحاً، يعلم الصبيان، سمع ابن مسرور، وعبد الغافر، وأبا عثمان الصابوني، وأبا عثمان البحيري، والبيهقي، ومحمد بن عبد الله العمري، وأبا بكر محمد بن الحسين بن علي الطبري، ومن سماعاته: معجم الحاكم سمعه من البيهقي، أخبرنا الحاكم، والقدر الذي عند أبي سعد وذلك خمسة وثلاثون جزءاً من مسند أبي يعلى، وكتاب المتفق للجوزقي، وكتاب الترغيب لحميد بن زنجويه: أخبرنا العمري، أخبرنا ابن أبي شريح، أخبرنا الرذاني عنه، سوى الجزء الخامس من تجزئة عشرة.
قلت: وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وطائفة.
قال ابن نقطة: ذكر لي يحيى بن علي المالقي أنه لما قدم أبو جعفر بن خولة الغرناطي من الهند إلى هراة، أخرج إليهم بقية الأصل بمسند أبي يعلى، وفيه سماع أبي روح من تميم، قال يحيى: فكمل له المسند سماعاً من تميم بتلك المجلدة.
أخبرنا ابن الخلال، أخبرنا عتيق السلماني، أخبرنا أبو القاسم الحافظ، أخبرنا تميم الجرجاني بهراة في شعبان سنة ثلاثين وخمس مئة.. فذكر حديثاً.
فهذا آخر العهد بتميم، ولا أدري متى توفي.
أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي، أنبأنا عبد المعز بن محمد، أخبرنا تميم بن أبي سعيد المعلم سنة تسع وعشرين، أخبرنا أبو سعد الكنجروذي في سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا فليح، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان.
أخرجه البخاري عن الزهراني.