الشيخ
الإمام المحدث المفيد المسند، أبو القاسم، إسماعيل بن أحمد بن عمر بن
أبي الأشعث، السمرقندي، الدمشقي المولد، البغدادي الوطن، صاحب المجالس
الكثيرة.
ولد بدمشق في رمضان سنة أربع وخمسين وأرب مئة، فهو أصغر من أخيه،
الحافظ عبد الله.
سمعا أبا بكر الخطيب، وعبد الدائم بن الحسن، وأبا نصر بن طلاب، وأحمد
بن عبد الواحد بن أبي الحديد، وعبد العزيز الكتاني، ثم انتقل بهما
الوالد إلى بغداد، فسمعا من أبي جعفر بن المسلمة، وأبي محمد ابن
هزارمرد، وعبد العزيز بن علي السكري، وأبي الحسين بن النقور، وأحمد بن
علي بن منتاب، ومالك البانياسي، وطاهر بن الحسين القواس، وإبراهيم بن
عبد الواحد القطان، وعاصم بن الحسين، وابن الأخضر الأنباري، وجعفر بن
يحيى الحكاك، ومحمد بن هبة الله اللالكائي، وابن خيرون، ورزق الله
التميمي، وأحمد بن علي بن أبي عثمان، ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر،
ويوسف بن الحسن التفكري، وإسماعيل بن مسعدة، وطراد الزينبي، والنعالي،
وعبد الكريم بن رزمة، وأبي علي ابن البناء، وأحمد بن الحسين العطار،
وعبد الله بن الحسن الخلال، ويوسف المهرواني، وعبد السيد بن محمد
الصباغ، وأبي نصر الزينبي ووالده، وأبي إسحاق الشيرازي، وعبد الباقي بن
محمد العطار، وابن البسري، وعدد كثير.
ثم قدم إسماعيل الشام، وسمع بالقدس من مكي الرميلي، عمر، وروى الكثير.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، والسمعاني، وأعز بن علي الظهيري،
وإسماعيل بن أحمد الكاتب، وسعيد بن عطاف، ويحيى بن ياقوت، وعمر بن
طبرزد، وزيد بن الحسن الكندي، ومحمد بن أبي تمام ابن لزوا، وعلي بن هبل
الطبيب، وسليمان بن محمد الموصلي، وعبد العزيز بن الأخضر، وموسى بن
سعيد بن الصيقل، وآخرون.
قال السمعاني: قرأت عليه الكتب الكبار والأجزاء، وسمعت أبا العلاء
العطار بهمذان يقول: ما أعدل بأبي القاسم بن السمرقندي أحداً من شيوخ
العراق وخراسان.
وقال عمر البسطامي: أبو القاسم إسناد خراسان والعراق.
قال ابن السمرقندي: ما بقي أحد يروي معجم ابن جميع غيري ولا عن عبد
الدائم الهلالي، وأنشد:
وأعجب ما في الأمر أن عشت بعدهم |
|
على أنّهم ما خلّفوا فيّ من بـطـش |
قال
ابن عساكر: كان ثقةً مكثراً، صاحب أصول، دلالاً في الكتب، سمعته يقول:
أنا أبو هريرة في ابن النقور.
قال ابن عساكر: وعاش إلى أن دخلت بغداد، وصار محدثها كثرةً وإسناداً،
حتى صار يطلب على التسميع بعد حرصه على التحديث، أملى بجامع المنصور
أزيد من ثلاث مئة مجلس، وكان له بخت في بيع الكتب، باع مرةً صحيحي
البخاري ومسلم في مجلدة لطيفة بخط الصوري بعشرين ديناراً، وقال: وقعت
علي بقيراط، لأني اشتريتها وكتاباً آخر بدينار وقيراط، فبعت الكتاب
بدينار. قال السلفي: هو ثقة، له أنس بمعرفة الرجال، وقال: كان ثقةً
يعرف الحديث، وسمع الكتب، وكان أخوه أبو محمد عالماً ثقةً فاضلاً، ذا
لسن.
وقال ابن ناصر: كان دلالاً، وكان سيىء المعاملة، يخاف من لسانه، يخالط
الأكابر بسبب الكتب.
توفي في السادس والعشرين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
وقد رأى أنه يقبل قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويمر عليها وجهه، فقال
له ابن الخاضبة: أبشر بطول البقاء، وبانتشار حديثك، فتقبيل رجليه اتباع
أثره.
الشيخ
الإمام العلامة، مفتي الشام، جمال الإسلام، أبو الحسن علي بن المسلم بن
محمد بن علي بن الفتح، السلمي الدمشقي الشافعي الفرضي.
سمع أبا نصر بن طلاب الخطيب، وعبد العزيز بن أحمد الكتاني، وأبا الحسن
بن أبي الحديد، ونجا العطار، وغنائم بن أحمد، وابن أبي العلاء المصيصي،
والفقيه نصراً المقدسي وعدة.
وتفقه على القاضي أبي المظفر المروزي، وكان معيداً للفقيه نصر.
وقال الغزالي فيما حكاه ابن عساكر أنه قال: خلفت بالشام شاباً إن عاش
كان له شأن. فكان كما تفرس فيه، ودرس بحلقة الغزالي مدة، ثم ولي تدريس
الأمينية في سنة أربع عشرة.
قال ابن عساكر: سمعنا منه الكثير، وكان ثقةً ثبتاً، عالماً بالمذهب
والفرائض، يحفظ كتاب تجريد التجريد لأبي حاتم القزويني، وكان حسن الخط،
موفقاً في الفتاوى، على فتاويه عمدة أهل الشام، وكان كثير عيادة المرضى
وشهود الجنائز، ملازماً للتدريس، حسن الأخلاق، وله مصنفات في الفقه
والتفسير، وكان يعقد مجلس التذكير، ويظهر السنة، ويرد على المخالفين،
لم يخلف بعده مثله.
قلت: المخالفون يعني بهم الرافضة، وكانت الدولة لهم.
حدث عنه: السلفي، وابن عساكر، وابنه القاسم، وخطيب دومة عبد الله بن
حمزة الكرماني، وعبد الوهاب بن علي والد كريمة، ومكي ابن علي، ويحيى بن
الخضر الأرموي، وإسماعيل الجنزوي، وأبو طاهر الخشوعي، ومحمد بن الخصيب،
والقاضي أبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني، وأملى عدة مجالس.
وقد ذكره ابن عساكر في كتاب تبيين كذب المفتري، وقال: عني بكثرة
المطالعة والتكرار، فلما قدم الفقيه نصر المقدسي لازمه، ولازم الغزالي
مدة مقامه بدمشق، وهو الذي أمره بالتصدر بعد شيخه نصر، وكان يثني على
علمه وفهمه، وكان عالماً بالتفسير والأصول والفقه والتذكير والفرائض
والحساب وتعبير المنامات، توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة
ساجداً في صلاة الفجر.
قلت: مات في عشر التسعين.
ومات ابنه الفقيه إسماعيل بن علي بأصبهان بعد سنة سبعين وخمس مئة، وكان
قد سكن أصبهان، وجاءته الأولاد، وقدم قبيل موته، فباع ملكاً له، ورجع
إلى أصبهان، سمع منه الحافظ أبو المواهب.
الشيخ
الإمام المقرىء المسند، أبو الحسن، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار
بن توبة، الأسدي العكبري.
ولد سنة خمس وخمسين وأربع مئة.
وتلا بالروايات على أصحاب أبي الحسن بن الحمامي، وقرأ شيئاً من الفقه
على الشيخ أبي إسحاق.
وكان جليلاً مهيباً وقوراً.
سمع أبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب، وعبد الصمد بن المأمون،
والصريفيني.
قال السمعاني: هو صالح خير، حسن الأخذ، قرأت عليه الكثير، كنت أقدم
السماع عليه على غيره.
قلت: روى عنه ابن عساكر، والتاج الكندي.
ومات في صفر سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
وسمعت سبعة ابن مجاهد من عمر بن القواس، عن الكندي، أخبرنا ابن توبة،
أخبرنا الصريفيني، أخبرنا الكناني عنه.
الإمام المقرىء الفقيه القدوة، أبو منصور، عبد الجبار بن أحمد بن محمد
بن عبد الجبار بن توبة، العكبري الشافعي.
كان أصغر من أخيه.
سمع حضوراً من أبي الغنائم بن المأمون، وسمع من أبي محمد بن هزارمرد،
وأبي الحسين بن النقور.
وعنه: ابن عساكر، والسمعاني، والتاج الكندي، ويوسف بن المبارك الخفاف،
وعبد العزيز بن الأخضر، وآخرون.
قال السمعاني: كان حسن الإصغاء، ثقةً صالحاً، قيماً بكتاب الله، صحب
الشيخ أبا إسحاق، وخدمه، وكان كثير البكاء، أكثرت عنه، توفي في ثالث
جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
الصالح المأمون، أبو الفتوح، عبد الوهاب بن شاه بن أحمد ابن عبد الله،
النيسابوري الشاذياخي الخرزي، كان له حانوت يتبلغ فيه من بيع الخرز.
سمع الصحيح من أبي سهل الحفصي، وسمع الرسالة من أبي القاسم القشيري،
وسمع من أبي حامد الأزهري، وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وحسان
المنيعي، ونصر بن علي الحاكمي، وأحمد بن محمد بن مكرم، وأبي صالح
المؤذن، وعدة.
روى عنه السمعاني، وقال: كان من أهل الخير والصلاح، ولد سنة ثلاث
وخمسين.
قلت: وروى عنه ابن عساكر، وإسماعيل بن علي المغيثي، ومنصور الفراوي،
والمؤيد الطوسي، وزينب الشعرية.
قال ابن نقطة: سمع منه جميع الصحيح منصور، والمؤيد، والشعرية.
قال السمعاني: توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، عن زينب الشعرية، أخبرنا عبد الوهاب ابن
شاه، أخبرنا أبو القاسم القشيري، أخبرنا محمد بن الحسن بن فورك، حدثنا
ابن خرزاذ، حدثنا الحسن بن الحارث الأهوازي، حدثنا سلمة بن سعيد، حدثنا
صدقة بن أبي عمران، حدثنا علقمة بن مرثد، عن زاذان، عن البراء بن عازب،
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسنوا القرآن بأصواتكم، فإن
الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً.
صدقة صدوق.
كان
أحد ملوك الأندلس في حدود الخمس مئة، وهو من بيت مملكة تملكوا شرق
الأندلس، فلما استولى الملثمون على الأندلس، أبقى يوسف ابن تاشفين على
ابن هود، فلما تملك علي بن يوسف بعد أبيه كان فيه سلامة باطن، فحسن له
وزراؤه أخذ الملك من ابن هود، حتى قالوا له: إن أموال المستنصر العبيدي
صارت في غلاء مصر المفرط تحولت كلها إلى بني هود، وقالوا: الشرع يأمرك
أن تسعى في خلعهم لكونهم مسالمين الروم، فجهز لهم الأمير أبا بكر بن
تيفلوت، فتحصن عماد الدولة بروطة، وكتب إلى علي بن تاشفين يستعطفه في
المسالمة، ويقول: لكم فيما فعله أبوكم أسوة حسنة، وسيعلم مبرم هذا
الرأي عندكم سوء مغبته، والله حسيب من معي، وحسبنا الله وكفى. فأمر علي
بن يوسف بالكف، وأنى ذلك وقد أدخلته الرعية سرقسطة، وكان ابن رذمير
اللعين صاحب مملكة أرغونة من شرق الأندلس قسيساً مجرباً داهيةً
مترهباً، فقوي على بلاد ابن هود، وطواها، وقنع عماد الدولة بن هود بدار
سكناه، وكان ابن رذمير لا يتجهز إلا في عسكر قليل كامل العدة، فيلقى
بالألف آلافاً.
قال اليسع بن حزم: حدثني عنه أبو القاسم هلال أحد وجوه العرب قال: كان
بيني وبين المرابطين أمر ألجأني إلى الوفود على ابن رذمير، فرحب بي،
وأمر لي براتب كبير، فحضرت معه حرباً طعن عنه حصانه، فوقفت عليه ذاباً
عن حوزته، فلما انصرفنا إلى رشقة، أمر الصواغين بعمل كأس من ذهب رصعه
بالدر، وكتب عليه: لا يشرب منه إلا من وقف على سلطانه. فحضرت يوماً،
فأخرج الكأس، وملأه شراباً، وناولني بحضرة ألف فارس، ورأيت أعناقهم قد
اسودت من صدأ الدروع. قال: فناديت، وقلت: غيري أحق به، فقال: لا يشرب
هذا إلا من عمل عملك. وكان هلال هذا من قرية هلال بن عامر، تاب بعد،
وغزا معنا، فكان إذا حضر في الصف جبلاً راسياً يمنع تهائم الجيوش أن
تميد، وقلباً في البسالة قاسياً، يقول في مقارعة الأبطال: هل من مزيد.
أبصرته رحمه الله أمةً وحده، يتحاماه الفوارس، فحدثني عن ابن رذمير
وإنصافه قال: كنت معه بظاهر روطة وقد وجه إليه عماد الدولة وزيره أبا
محمد عبد الله بن همشك الأمير رسولاً، فطلب فارس من ابن رذمير أن يمكن
من مبارزة ابن همشك، فقال: لا، هو عندنا ضيف. فسمع بذلك ابن همشك،
وأمضى ابن رذمير حاجته، وصرفه، فقال: لا بد لي من مبارزة هذا، فأمر
الملك ذاك الفارس بالمبارزة، وقال: هذا أشجع الروم في زمانه، فانصرف
عبد الله يريد روطة، وخرج وراءه الرومي شاكاً في سلاحه، وما مع ابن
همشك درع ولا بيضة، فأخذ رمحه وطارقته من غلامه، وقصد الرومي، فحمل كل
منهما على الآخر حملات، ثم ضربه ابن همشك في الطارقة، فأعانه الله،
فانقطع حزام الفارس، فوقع بسرجه إلى الأرض، فطعنه ابن همشك، فقتله،
والملك يشاهده على بعد، فهمت الروم بالحملة على ابن همشك، فمنعهم
الملك، ونزل غلام ابن همشك، فجرد الفارس، وسلبه، وأخذ فرسه، وذهب لم
يلتفت إلى ناحيتنا، فما أدري مم أعجب، من إنصاف الملك، أو من ابن همشك
كيف مضى ولم يعرج إلينا ؟! وأقام ابن رذمير محاصراً سرقسطة زماناً،
وأخذ كثيراً من حصونها، فلما رأى أبو عبد الله محمد بن غلبون القائد ما
حل بتلك البلاد من الروم، ثار بدورقة وقلعة أيوب وملينة، وجمع وحشد،
وكافح ابن رذمير، واستولى أبو بكر بن تيفلوت على سرقسطة، وأقام بقصرها
في لذاته، وأما ابن غلبون، فأحسن السيرة، وعدل، وجاهد، ورزق الجند،
رأيته رجلاً طوالاً جداً، واجتمعت به، أقام مثاغراً لابن رذمير شجىً في
حلقه، التقى مرةً في ألف فارس لابن رذمير، والآخر في ألف، فاشتد بينهما
القتال، وطال، ثم حمل ابن غلبون على ابن رذمير، فصرعه عن حصانه، فدفع
عنه أصحابه، فسلم، ثم انهزموا، ونجا اللعين في نحو المئتين فقط، وأما
ابن تيفلوت، فإنه راسل ابن غلبون، وخدعه، حتى حسن له زيارة أمير
المسلمين علي بن يوسف، فاستخلف على بلاده ولده أبا المطرف، وكان من
الأبطال الموصوفين أيضاً، فقدم محمد مراكش، فأمسك، وألزم بأن يخاطب
بنيه في إخلاء بلاده للمرابطين، فأخلوها طاعةً لأبيهم، وترحلوا إلى غرب
الأندلس، ففرح بذلك ابن رذمير، وحصر سرقسطة، وصنع عليها برجين عظيمين
من خشب، وإن أهلها لما يئسوا من الغياث، خرجوا، وأحرقوا البرجين،
واقتتلوا أشد قتال، وكتبوا إلى ابن تاشفين يستصرخون به، ومات ابن
تيفلوت، وذلك في سنة إحدى عشرة وخمس مئة، فأنجدهم بأخيه تميم ابن يوسف،
فقدم في جيش كبير، وعنى ابن رذمير جيوشه، ففرح أهل سرقسطة بتميم، فكان
عليهم لا لهم، جاء مواجه المدينة، ثم نكب عنها، وكان طائفة من خيلها
ورجلها قد تلقوه، فحمل عليهم حملةً قتل منهم جماعةً كثيرة، ثم نكب عن
لقاء العدو، وانصرف إلى جهات المورالة، واشتد البلاء على البلد، ثم
سلموه بالأمان، على أن من شاء أقام به، وكان ابن رذمير معروفاً
بالوفاء، حدثني من أثق به أن رجلاً كان له بنت من أجمل النساء، ففقدها،
فأخبر أن كبيراً من رؤوس الروم خرج بها إلى سرقسطة، فتبعه أبواها
وأقاربها، فشكوه إلى ابن رذمير، فأحضره، وقال: علي بالنار، كيف تفعل
هذا بمن هو في جواري ؟ فقال الرومي: لا تعجل علي، فإنها فرت إلى ديننا،
فجيء بها، فأنكرت أبويها، وارتدت. ولما دخل سرقسطة، أقرهم على الصلاة
في جامعها سبعة أعوام، وبعد ذلك يعمل ما يرى، وحاصر قتندة بعد سرقسطة
سنتين، فلما كان في آخر سنة أربع عشرة، قصده عبد الله بن حيونة في جيش
فيهم قاضي المرية أبو عبد الله بن الفراء، وأبو علي بن سكرة، فبرز لهم
اللعين، فقتل خلقاً، وأسر آخرون، واستشهد المذكوران، فبنى عليهم ابن
رذمير قبوراً، ثم سلم البلد إليه، وأخذ في تلك المدة دورقة، وقلعة
أيوب، وطرسونة، وأكثر من مئتي مسور، ولم يبق أكثر من ثلاثة مدائن لم
يأخذها، وبقي من أعمال بني هود لاردة، وإفراغة، وطرطوشة، وغير ذلك
معاملة عشرة أيام لم يظفر اللعين بها، فقام بلاردة الهمام البطل أبو
محمد، وقام بإفراغة الزاهد المجاهد محمد مردنيش الجذامي جد الأمير محمد
بن سعد
الملقب بالمستنصر بالله الأندلسي، من بيت مملكة وحشمة، وأموال عظيمة،
وكان بيده قطعة من الأندلس، فاستعان بالفرنج على إقامة دولته. ذكره
اليسع بن حزم، فقال: انعقد الصلح بين المستنصر بن هود وبين السليطين
ملك الروم وهو ابن بنت أذفونش إلى مدة عشرين سنة، على أن يدفع للفرنج
روطة، ويدفعوا إليه حصوناً عوضها، ويعينوه بخمسين ألفاً من الروم، يخرج
بها إلى بلاد المسلمين ليملك، فجعل الله تدميره في تدبيره، وكنا نجد في
الآثار عن السلف فساد الأندلس على يدي بني هود، وصلاحها بعد على
أيديهم، فخرج اللعين السليطين وابن هود في نحو من أربعين ألف فارس،
وتاشفين بالزهراء، فقصد ابن هود جهة إشبيلية، وبقي ينفق على جيوش
السليطين نحو ثمانية أشهر، وشرط عليهم أنهم لا يأسرون أحداً، فحدثني
المستنصر وقد ندم على فعله من شيطنة الشبيبة وطلب ملك آبائه فقال لي:
الذي أنفقت في تلك السفرة من الذهب الخالص ثلاثة آلاف ألف دينار، والذي
دفعت إليهم من مخازن روطة من الدروع أربعون ألف درع، ومن البيض مثلها،
ومن الطوارق ثلاثون ألفاً، وذكر لي جماعة أنه دفع إلى السليطين خيمةً
كان يحملها أربعون بغلاً، وذكر لي محمد ابن مالك الشاعر أنه أبصر تلك
الخيمة، قال: فما سمع بأكبر منها قط، ولما طالت إقامته على البلاد، ولم
يخرج إلى ابن هود أحد، رجع ومعه ابن هود، ولم يكن مع ابن هود إلا نحو
من مئتي فارس، فأقام ابن هود بطليطلة ليذهب منها إلى حصونه التي عوض
بها وبئس للظالمين بدلاً ثم إن قرطبة اضطرب أمرها، واشتغل أمير
المسلمين بما دهمه من خروج التومرتية، فجاء المستنصر بالله أحمد من
مدينة غرليطش، وقصد قرطبة، وكان محبباً إلى الناس بالصيت، فبرز إليه
ابن حمدين زعيم قرطبة بعسكرها، فقصد عسكرها نحو ابن هود طائعين، ففر
حينئذ ابن حمدين إلى بليدة، ودخل ابن هود قرطبة بلا كلفة ولا ضربة ولا
طعنة، فاستوزر أبا سعيد المعروف بفرج الدليل، وكاتب نواب البلاد،
ففرحوا به لأصالته في الملك، ثم خرج فرج الدليل إلى حصن المدور، فقيل
لابن هود: قد نافق وفارق، فخرج بنفسه، واستنزله من الحصن، فنزل غير
مظهر خلافاً، وكان رجلاً صالحاً، فقتله صبراً، فساء ذاك أهل قرطبة،
وثارت نفوسهم، وعظم عليهم قتل أسد من أسد الله، فزحفوا إلى القصر، ففر
ابن هود من قرطبة، فقصدها ابن حمدين، فأدخله أهله، وكثر الهيج، واشتد
البلاء بالأندلس، وغلت مراجل الفتنة، وأما أبو محمد بن عياض، فكان على
مملكة لاردة، فخرج في خمس مئة فارس، ليسعى في إصلاح أمر الأمة، وقصده
أهل مرسية وبلنسية ليملكوه عليهم، فامتنع، ثم بايع أهل بلنسية عن
الخليفة عبد الله العباسي، ثم اتفق ابن عياض وابن هود على أن اسم
الخلافة لأمير المؤمنين العباسي، وأن النظر في الجيوش والأموال لابن
عياض رحمه الله، وأن السلطنة لابن هود.
قال اليسع: فكتبت بينهما عهداً هذا نصه: كتاب اتفاق ونظام وائتلاف لجمع
كلمة الإسلام يفرح به المؤمنون، انعقد بين الأمير المستنصر بالله أحمد،
وبين المجاهد المؤيد أبي محمد عبد الله بن عياض، وصل الله بهما أبواب
التوفيق... إلى أن قال: وأنا لي في جزيرة الأندلس غرباء في مادة الروم،
فلم لا تعزم على إذاعة العدل وتروم ؟ وقد توجه نحوكم كاتبنا ابن اليسع،
وكل ما عقده وفي أموركم اعتمده أمضيناه.
قال: فلما وصلت المدينة، وقرأت الكتاب، فرحوا...
إلى أن قال: فأغارت الروم على أحواز شاطبة، فبعثني عبد الله بن عياض
إلى المستنصر يقول له: أنا أحتفل للقاء القوم، فلا تخرج. فلما جئته
بهذه الرسالة، قال لي: إنما تريد أن تفسد ما بيني وبين الروم من وكيد
الذمة، وإذا أنا خرجت، واجتمعت بملوكهم، ردوا ما أخذوه، فأعلمت ابن
عياض، فقال لي: يحسب هذا أن الروم تفي له، سيتبع رأيي حين لا ينفعه،
فتضرعت إلى المستنصر، فأبى، فخرجنا جميعاً نؤم العدو، حتى وصلنا،
فأمراني بكتابين عنهما إلى الملكين مونق وفراندة، وكتاب عن ابن عياض
إلى صهره أبي محمد ليصل بعسكر بلنسية، فقال له ابن عياض: يقرب صيدنا،
والحرب خدعة، فأبى، وقال: إذا وصلهم كتابي، ردوا الغنائم، فلم يغن
كتابه شيئاً. إلى أن قال: فالتقينا نحن والروم، فكمنوا لنا ألفي فارس،
وظهر لنا أربعة آلاف، ونحن نحو الألفين، ووقع الحرب، فمات من أهل
بلنسية نحو سبع مئة، ومن الروم نحو الألف، وفر أهل مرسية عن ابن عياض،
وفر ابن هود، فثبت ابن عياض في نحو مئة فارس، وانكسرت الروم، لكن خرج
كمينهم، فانكسرنا بعد بأس شديد، واستشهد الأمير أبو محمد عبد الله بن
مردنيش صهر ابن عياض، وأحمد بن مردنيش، فشق حينئذ ابن عياض وسط الروم،
وجاز نهر شقر حتى وصل مدينة جنجالة، وتوصل الفل إليه، وفقدنا ابن هود،
ودخلنا مرسية، واستبشر أهلها بسلامة الملك المجاهد عبد الله بن عياض،
وذلك سنة بضع وثلاثين وخمس مئة.
العلامة المفتي، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن يحيى، العثماني المقدسي
الشافعي الأشعري، نزيل بغداد، من ذرية محمد بن عبد الله الديباج.
مولده سنة اثنتين وستين وأربع مئة ببيروت.
وأخذ عن الفقيه نصر.
روى عنه ابن عساكر، والمبارك بن كامل.
ودرس وأقرأ، ووعظ، وحج مرات.
وروى عن الحسين بن علي الطبري.
قال ابن كامل: لم أر في زماني مثله، جمع العلم والعمل والزهد والورع
والمروءة وحسن الخلق، وكان يوم جنازته يوماً مشهوداً.
قال أبو الفرج بن الجوزي: رأيته يعظ بجامع القصر، وكان غالياً في مذهب
الأشعري.
وقال ابن عساكر: كان يفتي ويناظر ويذكر، وكانت مجالس تذكيره قليلة
الحشو، على طريقة المتقدمين، مات في سابع عشر صفر سنة سبع وعشرين وخمس
مئة.
قلت: غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة،
وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرامية، قد ماجت بهم الدنيا،
وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء، نسأل الله العفو والمغفرة لأهل
التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب
العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما ابتدع فيه
بتأويل سائغ، وإنما العبرة بكثرة المحاسن.
الشيخ
أبو الحسن عبد الجبار بن عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن الدهان،
النيسابوري البيع، شيخ سديد الطريقة، من بيت ثروة ومروءة.
سمع أبا بكر البيهقي فأكثر، وسعيد بن أبي سعيد العيار، وجماعةً.
وروى الكثير، فسمع منه السنن الكبير عبد الرحيم بن عبد الرحمن الشعري.
وقال أبو سعيد السمعاني: أجاز لي في سنة سبع وعشرين وخمس مئة، وهو شيخ
ثقة، من أهل الخير والأمانة، عنده تصانيف البيهقي، وسمع أبا طاهر محمد
بن علي الحافظ الزراد، وأبا يعلى بن الصابوني.
وذكره أيضاً عبد الغافر، وأثنى عليه، ولم يذكرا له وفاةً.
لم يدركه ابن عساكر.
الثقة
العالم، أبو سهل، محمد بن إبراهيم بن محمد بن سعدويه، الأصبهاني
الأمين.
صالح خير صدوق مكثر.
سمع إبراهيم سبط بحرويه، وأبا الفضل بن بندار، والحافظ محمد بن الفضل
الحلاوي.
أكثر عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، ومحمد بن معمر،
وآخرون.
وأجاز لابن السمعاني أبي سعد، وقال: من سماعه مسند الروياني، والغرر
والدرر له، سمعهما من ابن بندار، عن ابن فناكي، عنه، وكتاب العلم لابن
مردويه: سمعه من الحلاوي عنه، مولده في سنة ست وأربعين وأربع مئة. قال:
ومات في ذي القعدة سنة ثلاثين وخمس مئة.
الشيخ، أبو النجم، بدر بن عبد الله، الأرمني الشيحي.
سمعه مولاه المحدث عبد المحسن الكثير من أبي جعفر بن المسلمة، وأبي بكر
الخطيب، وأبي الغنائم بن المأمون، وعدة.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، ومحمد بن
هبة الله الوكيل.
وكان عرياً من الفضيلة، يقال: طلب منه أن يجيز، فقال: كم ذا ! ما بقي
عندي إجازة.
مات في رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة، وعاش ثمانين سنة.
وابنه محمد بن بدر بقي إلى حدود السبعين، يروي عن أبي الحسن بن العلاف.
روى عنه الموفق عبد اللطيف بحلب.
أبو
الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب، الجذامي الأندلسي
المريي المحدث.
روى عن: أبي العباس العذري، وأبي إسحاق بن وردون، وأبي بكر ابن صاحب
الأحباس، وأجاز له أبو عمر بن عبد البر، وأبو الوليد الباجي. قال ابن
بشكوال: كان من أهل المعرفة والعلم والذكاء والفهم، له تفسير مفيد،
ومعرفة بأصول الدين، حج، وأخذوا عنه، وأجاز لنا، مولده في سنة إحدى
وأربعين وأربع مئة، وتوفي في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنةً عام
اثنين وثلاثين وخمس مئة.
قلت: روى عنه جماعة منهم عبد الله بن محمد الأشيري.
الشيخ
أبو منصور علي بن علي بن عبيد الله، البغدادي الأمين، راوي الجعديات عن
ابن هزارمرد الصريفيني.
وسمع أيضاً من النعالي، وجعفر السراج.
روى عنه: ولده أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، وأبو سعد السمعاني، وابن
عساكر، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وآخرون.
وكان ناظر الأيتام، ديناً خيراً، متعبداً صواماً، ثقةً متواضعاً.
مات في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة في عشر التسعين.
الملك
شهاب الدين أبو القاسم محمود بن تاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين.
تملك بعد مقتل أخيه بإعانة أمه زمرد، وكان مقدم عسكره معين الدين أنر.
قال ابن عساكر: كانت الأمور تجري في أيامه على استقامة، إلى أن وثب
عليه جماعة من خدمه، فقتلوه في شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة، وجاء
أخوه من بعلبك، فتسلم دمشق بلا منازعة.
قال أبو يعلى بن القلانسي: قتله البقش الأرمني، ويوسف الخادم الذي وثق
به في نومه، والفراش، فكانوا ثلاثتهم يبيتون حول فراشه، فقتلوه وهو
نائم، وخرجوا خفيةً، ثم طلبوا، فهرب ألبقش، وصلب الآخران.
وأخوه
الملك جمال الدين أبو المظفر محمد.
قيل: هو عمل على أخيه، ثم تملك، فأساء السيرة، فما متعه الله، فمات بعد
محمود بعشرة أشهر، فأجلسوا في الملك ولده أبق وهو مراهق، ودفن بتربة
جده طغتكين بظاهر دمشق.
شاعر
وقته، أبو إسحاق، إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الأندلسي.
له ديوان مشهور، ولم يتعرض لمدح ملوك الأندلس، وهو القائل:
والشمس تجنح للغروب عليلةً |
|
والرعد يرقي والغمامة تنفث |
توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة وله ثلاث وثمانون سنة.
الواعظ الكبير، أبو البركات، مهدي بن محمد الحسيني الموسوي.
ولد بأصبهان، ونشأ ببغداد.
وسمع ابن طلحة النعالي، وابن البطر.
قال السمعاني: كتبت عنه، وخسف بجنزة في سنة أربع وثلاثين وخمس مئة،
فهلك فيها عالم لا يحصون من المسلمين، منهم هذا الواعظ.
بديع
الزمان، ومن يضرب به المثل في عمل الأسطرلاب وآلات النجوم، أبو القاسم،
هبة الله بن الحسين البغدادي الأسطرلابي.
كان الناس يتنافسون في شراء عمله، فحصل أموالاً.
وله نظم جيد، وخلاعة ومجون.
رتب ديوان ابن الحجاج على مئة وأربعين باباً، وسماه درة التاج في شعر
ابن حجاج.
وقيل: كان بارعاً في الطب والفلسفة.
قال ابن النجار: هو وحيد دهره، وفريد عصره في علم الهيئة، مات بالفالج
سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
المسند المقرىء، أبو القاسم، يحيى بن بطريق، الطرسوسي، ثم الدمشقي.
قال ابن عساكر: مستور، حافظ للقرآن، سمع أبا الحسين محمد بن مكي، وأبا
بكر الخطيب، توفي في رمضان سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
قلت: روى عنه ابن عساكر، وعبد الخالق بن أسد، والقاسم بن الحافظ،
وآخرون.
الإمام المحدث الصادق، أبو الفضل، محمد بن محمد بن محمد بن عطاف،
الهمداني الجزري، ثم الموصلي.
قدم بغداد، وسمع من مالك البانياسي، وطراد الزينبي، وابن طلحة النعالي،
فمن بعدهم.
وعمل المعجم، والطب النبوي، وغير ذلك.
وارتحل إلى الكوفة، وآمل، وهمذان.
روى عنه: ولده سعيد، وابن عساكر، وأبو سعيد السمعاني.
مات في شوال سنة أربع وثلاثين وخمس مئة وله سبعون سنة.
ابن
عطاء، الإمام المحدث الزاهد، أبو محمد الثعلبي الهروي الفقاعي الصوفي،
تلميذ شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري.
مولده سنة أربع وأربعين وأربع مئة بمالين.
سمع من شيخه، ومن أبي القاسم بن السبري، وأبي نصر الزينبي، وعدة
ببغداد، ومن فاطمة بنت الدقاق بنيسابور.
روى عنه بنوه الثلاثة، وقد سمع أبو سعد السمعاني من الثلاثة عن أبيهم،
وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، ومحمود بن الفضل.
قال السمعاني: كان ممن يضرب به المثل في إرادة شيخ الإسلام والجد في
خدمته، وله حكايات ومقامات في خروج شيخه إلى بلخ في المحنة، وجرى بينه
وبين الوزير نظام الملك محاورة ومراددة، واحتمل له النظام.
قال: وسمعت أن عطاءً قدم للخشبة ليصلب، فنجاه الله لحسن نيته، فلما
أطلق، عاد إلى التظلم، وما فتر، وخرج مع النظام ماشياً إلى الروم، فما
ركب، وكان يخوض الأنهار مع الخيل، ويقول: شيخي في المحنة، فلا أستريح،
قال لي ابنه محمد عنه قال: كنت أعدو في موكب النظام، فوقع نعلي، فما
التفت، ورميت الأخرى، فأمسك النظام الدابة، وقال: ابن نعلاك ؟ فقلت:
وقع أحدهما، فخشيت أن تسبقني إن وقفت. قال: فلم رميت الأخرى ؟ فقلت:
لأن شيخي أخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمشي الرجل في نعل
واحد، فما أردت أن أخالف السنة. فأعجبه، وقال: أكتب إن شاء الله حتى
يرجع شيخك إلى هراة. وقال لي: اركب بعض الجنائب، فأبيت، وعرض علي
مالاً، فأبيت.
قال لي ابنه: وقدم أبي بأصبهان ليصلب بعد أن حبسوه مدةً، فقال له
الجلاد: صل ركعتين. قال: ليس ذا وقت صلاة، اشتغل بما أمرت به، فإني
سمعت شيخي يقول: إذا علقت الشعير على الدابة في أسفل العقبة، لا توصلك
في الحال إلى أعلاها، الصلاة نافعة في الرخاء لا في حالة البأس. فوصل
مسرع من السلطان ومعه الخاتم بتسريحه، كانت الخاتون معنيةً في حقه،
فلما أطلق، رجع إلى التظلم والتشنيع.
قال السمعاني: سمعت عبد الخالق بن زياد يقول: أمر بعض الأمراء أن يضرب
عطاء الفقاعي في محنة الشهيد عبد الهادي بن شيخ الإسلام مئةً، فبطح على
وجهه، فكان يضرب إلى أن ضرب ستين، فشكوا كم ضرب خمسين أو ستين ؟ فقال
عطاء: خذوا بالأقل احتياطاً، وحبس مع نساء، وكان في الموضع أترسة، فقام
بجهد من الضرب، وأقام الأترسة بينه وبينهن، وقال: نهى رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الخلوة بالأجنبية.
قال محمد بن عطاء: توفي أبي تقديراً سنة خمس وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
المسند الكبير، أبو سعد أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن ماخرة
الزوزني، ثم البغدادي، من مشاهير الصوفة.
ولد سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
سمع القاضي أبا يعلى، وأبا جعفر بن المسلمة، وأبا الحسين بن الغريق،
وابن هزارمرد، وأبا علي بن وشاح، وأبا بكر الخطيب.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وابن الجوزي، وابن
طبرزد، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو حامد بن النخاس، ويوسف بن كامل،
وآخرون.
وكان مسرفاً على نفسه، لعاباً، حفظةً للنظم والنادرة.
قال السمعاني: كان منهمكاً في الشرب، سامحه الله.
وقال ابن الجوزي: ينسبونه إلى التسمح في دينه.
قال السمعاني: قرأت عليه الكثير، وحدثني ابن ناصر الحافظ قال: كان أبو
سعد الزوزني متسمحاً، فرأيته في النوم، فقلت: ما فعل الله بك ؟ قال:
غفر لي. قلت: فأين أنت ؟ قال: في الجنة. قال ابن ناصر: لو حدثنيه غيري
ما صدقته.
قال ابن الجوزي: مات في شعبان سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
وفيها مات شيخ الحنفية العلامة أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن عمر ابن
عبد العزيز بن مازة البخاري الحنفي، ومحدث بغداد أبو القاسم إسماعيل بن
أحمد بن السمرقندي، وزاهد الأندلس أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى ابن
العريف الصنهاجي الصوفي المقرىء، وفقيه مرو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد
المروروذي، والحسين بن أحمد بن فطيمة البيهقي، وعبد الجبار بن محمد
الخواري، والزاهد أبو الحكم بن برجان الإشبيلي، وشرف الإسلام أبو
القاسم عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي، والعلامة أبو عبد الله
محمد بن علي المازري المالكي، والعلامة أبو عبد الله محمد بن سليمان
البوني الأندلسي، وأبو الكرم نصر الله بن محمد بن محمد بن الجلخت
الواسطي، وهبة الله بن أحمد بن طاووس إمام جامع دمشق، وأبو محمد يحيى
بن علي بن الطراح.
الشيخ
العالم الصالح الثقة، مسند واسط، أبو الكرم نصر الله بن محمد بن محمد
بن مخلد بن أحمد بن خلف، الأزدي الواسطي.
سمع أباه، وأبا تمام علي بن محمد العبدي القاضي، وسعيد بن كثير الشاهد،
وعلي بن محمد الحوزي. وعنه: السمعاني، وأبو علي يحيى بن الربيع، وعلي
بن علي بن نغوبا، وحسين بن عبد العزيز، وأبو الفتح المندائي، وعلي بن
عبد الله بن فضل الله، هو آخر من روى عنه، كما أنه آخر من روى عن أبي
تمام.
قال السمعاني: انحدرت إليه، وهو شيخ صالح ثقة، من بيت الحديث.
وقال خميس الحوزي: ثقة صالح.
قلت: توفي في ذي الحجة سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
الثقة المقرىء الصالح، أبو المعالي، عبد الخالق بن عبد الصمد بن علي بن
البدن البغدادي الصفار.
سمع أبا الحسين بن المهتدي بالله، وعبد الصمد بن المأمون، وأبا جعفر بن
المسلمة، والصريفيني، وعدة.
وعنه: ابن عساكر، وأبو أحمد بن سكينة، وأبو شجاع بن المقرون، وسليمان
الموصلي، وأخوه علي بن محمد.
قال السمعاني: شيخ ثقة، قيم بكتاب الله، كثير البكاء، حسن الإصغاء،
مواظب على الجماعة، ذهبت أصوله، وسماعه كثير في أصول الناس، قرأت عليه
الكثير، ولد سنة اثنتين وخمسين وأربع مئة.
وقال ابن شافع: ولد سنة ست وخمسين، وتوفي في سلخ جمادى الأولى سنة ثمان
وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
الإمام الفقيه، المسند القاضي، أبو عبد الله، الحسين بن أحمد بن علي بن
حسن بن فطيمة، الخسروجردي الشافعي، قاضي بيهق.
ولد سنة بضع وأربعين وأربع مئة.
وسمع كتاب السنن والآثار من البيهقي، وسمع من أبي سعيد محمد بن علي
الخشاب، وأبي القاسم القشيري، وأبي منصور محمد بن أحمد السوري، وأبي
بكر أحمد بن منصور المغربي، ومحمد بن القاسم الصفار، وعدة.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وطائفة.
قال السمعاني: كثير السماع، حسن السيرة، مليح المجالسة، ما رأيت أخف
روحاً منه مع السخاء والبذل، سمعت منه الكثير، وكتب لي أجزاء، ومن
العجب أنه قطعت أصابعه بكرمان من علة، فكان يأخذ القلم، ويترك الورق
تحت رجله، ويمسك القلم بكفيه، فيكتب خطاً مليحاً سريعاً، يكتب في اليوم
خمس طاقات خطاً واسعاً، تفقه بمرو على جدي أبي المظفر، وحج، خرجت نحو
أصبهان، فتركت القافلة، ومضيت إلى خسروجرد مع رفيق لي راجلين، فدخلنا
داره، وسلمنا على أصحابه، فما التفتوا علينا، ثم خرج الشيخ،
فاستقبلناه، فأقبل علينا، وقال: لم جئتم ؟ قلنا: لنقرأ عليك جزأين من
معرفة الآثار للبيهقي. فقال: لعلكم سمعتم الكتاب من الشيخ عبد الجبار،
وفاتكم هذا القدر ؟ قلنا: بلى، وكان الجزءان فوتاً لعبد الجبار، فقال:
تكونون عندي الليلة، فإن لي مهماً، أريد أن أخرج إلى ستروار، فإن ابني
كتب إلي أن ابن أستاذي جائي في هذه القافلة، فأريد أن أسلم عليه،
وأسأله أن يقيم عندي أياماً، وسماني، فتبسمت، فقال لي: تعرفه؟ قلت: هو
بين يديك، فقام ونزل وبكى، وكاد أن يقبل رجلي، ثم أخرج الكتب والأجزاء،
ووهبني بعض أصوله، فكنت عنده ثلاثة أيام.
توفي بخسروجرد في ثالث عشر رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
العالم الدين الخير، المسند، أبو القاسم، عبد الله بن أحمد ابن عبد
القادر بن محمد بن يوسف، اليوسفي الحربي النجار، المجاور بمكة زماناً.
ولد في أول سنة اثنتين وخمسين.
وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن المأمون، وابن المهتدي بالله،
والصريفيني.
وعنه: السلفي، والسمعاني، وابن عساكر، وعبد المجيب بن زهير، ومحاسن بن
أبي بكر، وضياء بن جندل، والتاج الكندي، وخلق.
قال السمعاني: دين خير صالح، من بيت الحديث، جرى أمره على سداد
واستقامة، مات بالحربية في رجب سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة.
قال ابن النجار: آخر من روى عنه أبو علي عبد الله بن أبي بكر بن طليب.
الشيخ
الإمام الفقيه الكبير، القاضي أبو المفضل، يحيى بن علي ابن عبد العزيز
بن علي بن الحسين، القرشي الدمشقي الشافعي، ويعرف في وقته بابن الصائغ.
قال سبطه حافظ الشام أبو القاسم: قال لي: إنه ولد سنة ثلاث وأربعين
وأربع مئة.
سمع عبد العزيز بن أحمد الكتاني، والحسن بن علي بن البري، وحيدرة بن
علي، وعبد الرزاق بن الفضيل، وأبا القاسم بن أبي العلاء، وارتحل إلى
بغداد، فسمع بها، وتفقه على أبي بكر الشاشي، وبدمشق على القاضي
المروزي، والفقيه نصر.
وكان عالماً بالعربية، ناب في القضاء عن أبي عبد الله البلاساغوني، ثم
عن أبي سعد محمد بن نصر الهروي، ثم قتل الهروي، وحج جدي، فكان ولده
القاضي أبو المعالي هو الحاكم...
إلى أن قال: وكان ثقةً، حلو المحاضرة، فصيحاً، أخبرنا جدي، أخبرنا عبد
الرزاق بقراءة أبي الفرج الحنبلي في سنة خمس وخمسين وأربع مئة، فذكر
حديثاً.
قلت: وروى عنه نافلته أبو القاسم بن الحافظ، وعبد الخالق بن أسد، ودفن
عند مسجد القدم في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين
وخمس مئة.
الشيخ
الجليل، مسند هراة، أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الفضيل بن محمد بن
الفضيل، الأنصاري الفضيلي الهروي المزكي.
سمع محلم بن إسماعيل الضبي، وأبا عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي،
وسعيد بن أبي سعيد العيار.
حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو روح عبد المعز، وجماعته.
قال السمعاني في تحبيره: أملى مدةً بجامع هراة، وأجاز لي، وورد مرو
وأنا بالعراق.
قلت: فمات غريباً بمرو في صفر سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
ومن مروياته صحيح البخاري سمعه من المليحي، عن النعيمي، عن الفربري،
عنه.
وفيا مات أحمد بن منصور بن المؤمل الغزال، وإبراهيم بن طاهر الخشوعي
والد بركات، وشاعر الأندلس جعفر بن محمد بن شرف الوزير، والقاضي أبو
المظفر شبيب بن الحسين البروجردي، وفاطمة بنت أبي حكيم الخبري، وأبو
نصر محمد بن محمود السرخسي السره مرد، وأبو القاسم يحيى بن بطريق
بدمشق، والقاضي يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي.
ابن
يوسف بن حسين بن وهرة، الإمام العالم الفقيه القدوة العارف التقي، شيخ
الإسلام، أبو يعقوب الهمذاني الصوفي، شيخ مرو.
ولد في حدود سنة أربعين وأربع مئة.
وقدم بغداد شاباً أمرد، وسمع من أبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد بن
المأمون، وابن المهتدي بالله، وأبي بكر الخطيب، وابن هزارمرد، وابن
النقور، وعدة، وسمع بأصبهان من حمد بن ولكيز، وطائفة، وببخارى من أبي
الخطاب محمد بن إبراهيم الطبري، وبسمرقند من أحمد بن محمد بن الفضل
الفارسي.
وكتب الكثير، وعني بالحديث، وأكثر الترحال، لكن تفرقت أجزاؤه بين
الكتب، فما كان يتفرغ لإخراجها، كان مشغولاً بالعبادة، من أولياء الله.
قال أبو سعد السمعاني: هو الإمام الورع التقي الناسك، العامل بعلمه،
والقائم بحقه، صاحب الأحوال والمقامات، انتهت إليه تربية المريدين
الصادقين، واجتمع في رباطه جماعة من المنقطعين إلى الله ما لا يتصور أن
يكون في غيره من الربط مثلهم، وكان عمره على طريقة مرضية، وسداد
واستقامة، سار من قريته إلى بغداد، وقصد الشيخ أبا إسحاق، فتفقه عليه،
ولازمه مدة، حتى برع، وفاق أقرانه، خصوصاً في علم النظر، وكان أبو
إسحاق يقدمه على عدة مع صغر سنه، لعلمه بحسن سيرته وزهده، ثم ترك كل ما
كان فيه من المناظرة، واشتغل بالعبادة ودعوة الخلق وإرشاد الأصحاب،
أخرج لنا أكثر من عشرين جزءاً سمعناها، وقد قدم بغداد في سنة ست وخمس
مئة، وظهر له قبول تام، ووعظ، وازدحموا عليه، ثم رجع، وسكن مرو، ثم سار
إلى هراة، وأقام بها مدةً، ثم رجع إلى مرو، ثم سار إلى هراة ثانياً،
فتوفي في الطريق بقرب بغشور، سمعت صافي بن عبد الله الصوفي يقول: حضرت
مجلس يوسف في النظامية، فقام ابن السقا، فآذى الشيخ، وسأله عن مسألة،
فقال: اجلس، إني أجد من كلامك رائحة الكفر، ولعلك تموت على غير
الإسلام. فاتفق أن ابن السقاء ذهب في صحبة رسول طاغية الروم، وتنصر
بقسطنطينية، وسمعت من أثق به أن ابني أبي بكر الشاشي قاما في مجلس
وعظه، وقالا له: إن كنت تنتحل مذهب الأشعري وإلا فانزل. فقال: اقعدا لا
متعتما بشبابكما، فسمعت جماعةً أنهما ماتا قبل أن يتكهلا. وسمعت السيد
إسماعيل بن عوض العلوي، سمعت يوسف بن أيوب يقول للفصيح وكان من أصحابه،
فخرج عليه، ورماه بأشياء : هذا الرجل يقتل، وسترون ذلك. فكان كما جرى
على لسانه. وقال جدي أبو المظفر السمعاني: ما قدم علينا من العراق مثل
يوسف الهمذاني، وقد تكلم معه في مسألة البيع الفاسد، فجرى بينهما سبعة
عشر مجلساً في المسألة... إلى أن قال أبو سعد: سمعت يوسف الإمام يقول:
خلوت نوباً عدةً، كل نوبة أكثر من خمس سنين وأقل، وما كان يخرج حب
المناظرة والخلاف من قلبي، إلى أن وصلت إلى فلان السمناني، فلما رأيته،
خرج جميع ذلك من قلبي، كانت المناظرة تقطع علي الطريق.
سئل أبو الحسين المقدسي: هل رأيت ولياً لله ؟ قال: رأيت في سياحتي
أعجمياً بمرو يعظ، ويدعو إلى الله، يقال له: يوسف.
قال أبو سعد: ولما عزمت على الرحلة، دخلت على شيخنا يوسف مودعاً، فصوب
عزمي، وقال: أوصيك: لا تدخل على السلاطين، وأبصر ما تأكل لا يكون
حراماً.
قلت: وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، وأبو روح عبد المعز، وجماعة.
مات في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وخمس مئة وله بضع وتسعون سنة رحمه
الله.
وأما ابن السقاء المذكور، فقال ابن النجار: سمعت عبد الوهاب بن أحمد
المقرىء يقول: كان ابن السقاء مقرئاً مجوداً، حدثني من رآه
بالقسطنطينية مريضاً على دكة، فسألته: هل القرآن باق على حفظك ؟ قال:
ما أذكر منه إلا آيةً واحدة: "رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ
كَانُوا مُسْلِمِيْنَ" الحجر والباقي نسيته.
الشيخ
الجليل الثقة، أبو منصور، عبد الرحمن بن المحدث أبي غالب محمد بن عبد
الواحد بن حسن بن منازل بن زريق، الشيباني البغدادي الحريمي القزاز.
راوي تاريخ الخطيب عنه سوى الجزء السادس بعد الثلاثين، غاب لوفاة أمه.
وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وأبا علي بن وشاح، وعبد الصمد بن المأمون،
وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وطائفة.
وله مشيخة.
حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، وأبو موسى المديني، وابن الجوزي، وأحمد
بن بذال، وأحمد بن الحسن العاقولي، وأحمد بن الحسن الدبيقي، وعمر بن
طبرزد، وأبو اليمن الكندي، وعدة، وابنه أبو السعادات نصر الله القزاز.
وبالإجازة المؤيد الطوسي.
وكان شيخاً صالحاً متودداً، سليم القلب، حسن الأخلاق، صبوراً، مشتغلاً
بما يعنيه.
ولد في سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة ظناً.
وتوفي في رابع عشر شوال سنة خمس وثلاثين وخمس مئة، وصلى عليه أخوه أبو
الفتح، سمع الكثير، ورواه، وكان صحيح السماع، أثنى عليه السمعاني
وغيره.
ومات معه القاضي أبو بكر، وأبو علي أحمد بن سعد العجلي البديع، والحافظ
إسماعيل التيمي، وجعفر بن محمد بن مكي القيسي اللغوي، والمحدث رزين
العبدري، وعبد الجبار بن أحمد بن توبة، وعبد الوهاب الشاذياخي، وعطاء
بن أبي سعد خادم شيخ الإسلام يوسف الهمذاني الزاهد.
الشيخ
الإمام المفتي المعمر الثقة، إمام جامع نيسابور المنيعي، أبو محمد عبد
الجبار بن محمد بن أحمد، الخواري البيهقي.
ولد سنة خمس وأربعين وأربع مئة.
وسمع من أبي بكر البيهقي فأكثر، ومن أبي الحسن الواحدي المفسر، وأبي
القاسم القشيري، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد أخي الواحدي.
حدث عنه: السمعاني، وابن عساكر، وأبو الحسن المرادي، وأبو الخير أحمد
بن إسماعيل الطالقاني، ومحمد بن فضل الله السالاري، وأبو سعد الصفار،
ومنصور بن عبد المنعم الفراوي، والحافظ أحمد بن محمد الشوكاني، والمؤيد
بن محمد الطوسي، وزينب الشعرية، وآخرون.
وكان متواضعاً خيراً، بصيراً بمذهب الشافعي.
قال السمعاني: فمن جملة ما سمعت منه بنيسابور كتاب معرفة السنن والآثار
للبيهقي، ورأيت في جزأين منه سماعه ملحقاً، وذكر ابن حبيب الحافظ أنه
طالع أصل البيهقي، فلم يجد سماع عبد الجبار لجزأين.
قال السمعاني: فقرأتهما على القاضي ابن فطيمة، وكان سمع الكتاب كله.
قال: وأكثر سماع عبد الجبار بقراءة ابن محمد في سنة ثلاث وخمسين، ثم
ذكر شيخنا عبد الجبار أنه وجد سماعه بالجزأين في نسخة الأصل بنيسابور.
توفي في شعبان سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
الشيخ
الإمام العارف القدوة، أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي
الرجال محمد بن عبد الرحمن، اللخمي المغربي الإفريقي، ثم الأندلسي
الإشبيلي، شيخ الصوفية.
سمع صحيح البخاري من أبي عبد الله محمد بن أحمد بن منظور صاحب أبي ذر
الهروي، وحدث به.
روى عنه: أبو القاسم القنطري، وأبو محمد عبد الحق الأزدي، وأبو عبد
الله بن خليل القيسي، وآخرون. قال أبو عبد الله بن الأبار: كان من أهل
المعرفة بالقراءات والحديث، والتحقيق بعلم الكلام والتصوف، مع الزهد
والاجتهاد في العبادة، وله تصانيف مفيدة، منها تفسير القرآن لم يكمله،
وكتاب شرح أسماء الله الحسنى، وقد رواهما عنه القنطري، توفي مغرباً عن
وطنه بمراكش في سنة ست وثلاثين وخمس مئة، وقبره بإزاء قبر الزاهد
الكبير أبي العباس بن العريف.
قلت: أخذ هذان، وغربا، واعتقلا، توهم ابن تاشفين أن يثورا عليه كما فعل
ابن تومرت.
الإمام المحدث المفيد، أبو بكر، محمد بن أبي نصر شجاع بن أحمد بن علي،
اللفتواني الأصبهاني.
سمع عبد الوهاب بن مندة، وسهل بن عبد الله الغازي، وسليمان بن إبراهيم
الثقفي، وأبا منصور بن شكرويه، ومحموداً الكوسج، وأبا الخير بن ررا،
والثقفي، وعدة، وببغداد من رزق الله التميمي، وطراد بن محمد الزينبي،
وابن البطر.
وكتب ما لا يوصف، وسمع الكثير.
حدث عنه: أبو موسى المديني، وابن عساكر، وأبو سعد السمعاني، وابنه عبيد
الله بن محمد، وآخرون.
وكان شيخاً صالحاً، ثقةً عابداً، فقيراً قانعاً.
مولده سنة سبع وستين وأربع مئة.
وقال أبو موسى: لم أر في شيوخي أكثر كتباً وتصنيفاً منه، استغرق عمره
في طلب الحديث وكتبته وتصنيفه ونشره.
وقال السمعاني: كان شيخاً صالحاً، كثير الصلاة، حسن الطريقة خشنها،
سمعت منه الكثير، وما دخلت عليه إلا وهو مشتغل بخير، يصلي، أو ينسخ، أو
يتلو، وكان يقرأ قراءةً غير مفهومة، وهو عارف بالحديث وطرقه، كتب عمن
أقبل وأدبر، وخطه لا يمكن قراءته لكل أحد، فكان يقول: يكفي من السماع
شمه.
قلت: هذا القول غير مسلم.
مات في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة.
وكان والده من مشيخة السلفي.
الإمام الفاضل، أبو عبد الله، محمد بن محمد بن أحمد بن أحمد ابن السلال
الكرخي الوراق الحبار، له حانوت عند باب النوبي.
سمع أبا جعفر بن المسلمة، وأبا الغنائم بن المأمون، وجابر بن ياسين،
ومن أبي علي محمد بن وشاح، وأبي الحسن بن البيضاوي، وأبي بكر بن سياوش
الكازروني، وتفرد في وقته عن هؤلاء الثلاثة.
مولده في سنة 447.
قال السمعاني: كان في خلقه زعارة، وكنا نسمع عليه بجهد، وهو يتهم،
معروف بالتشيع.
قال الحافظ ابن ناصر: كنت أمضي إلى الجمعة وقد قارب الوقت، فأرى ابن
السلال في دكانه فارغ القلب ليس على خاطره الصلاة.
قلت: حدث عنه السمعاني، وعمر بن طبرزد، وسليمان الموصلي، وأبو الفرج بن
الجوزي، والنفيس بن وهبان، وبالإجازة أبو منصور بن عفيجة، وأبو القاسم
بن صصرى.
وعاش أربعاً وتسعين سنة، توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وخمس
مئة.
وفيها مات أحمد بن محمد بن محمد بن الإخوة الوكيل ببغداد، وأبو البركات
إسماعيل بن أبي سعد شيخ الشيوخ، وأبو جعفر حنبل بن علي البخاري،
والأتابك زنكي بن أقسنقر، والمحدث سعد الخير بن محمد البلنسي، وظاهر بن
أحمد المساميري، وأبو محمد سبط الخياط، وأبو محمد عبد الحق بن غالب بن
عطية المحاربي صاحب التفسير، وأبو الحسن محمد بن طراد الزينبي، وأبو
الفتح محمد بن محمد بن عبد الرحمن الخشاب سمع القشيري، ووجيه بن طاهر
الشحامي، والمقرىء يحيى بن الخلوف الغرناطي.
الشيخ
العالم الصالح المسند، أبو محمد، يحيى بن علي بن محمد ابن علي بن
الطراح البغدادي المدير.
ولد سنة بضع وخمسين وأربع مئة.
وسمع عبد الصمد بن المأمون، وأبا الحسين بن المهتدي بالله، وأبا بكر
الخطيب، وأبا الحسين بن النقور، ومحمد بن أحمد بن المهتدي بالله،
وجماعةً.
وعنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وابن الجوزي، وابن طبرزد، وابن
الأخضر، والكندي، وعبد الكريم بن مبارك البلدي، وسليمان بن محمد
الموصلي، ويحيى بن ياقوت، وحفيدته ست الكتبة بنت علي، وآخرون.
قال السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان صالحاً ساكناً، مشتغلاً بما
يعنيه، كثير الرغبة في الخير وفي زيارة القبور، سمعه أبوه، وحصل له
الأجزاء، وكان مدير قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي.
توفي في رابع عشر رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مئة وقد ناطح الثمانين.
وفيها مات أبو سعد أحمد بن محمد الزوزني، وأبو القاسم إسماعيل ابن
السمرقندي، وأبو العباس بن العريف الزاهد بالغرب، وأبو عبد الله بن
فطيمة البهيقي، وعبد الجبار بن محمد الخواري، والزاهد أبو الحكم عبد
السلام بن برجان، والعلامة عمر بن عبد العزيز بن مازة الحنفي، وشرف
الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي، وأبو عبد الله محمد بن
علي المازري، وأبو الكرم نصر الله بن محمد بن الجلخت الواسطي، والإمام
هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس المقرىء، وأبو منصور محمود بن
أحمد بن ماشاذة الواعظ.
الشيخ
الفقيه العالم المسند، أبو البدر، إبراهيم بن محمد بن منصور ابن عمر،
البغدادي الكرخي، المنفرد بسماع أمالي ابن سمعون عن خديجة الشاهجانية.
وسمع أيضاً من أبي الغنائم بن المأمون، وأبي بكر الخطيب، وأبي محمد بن
هزارمرد، وأبي الحسين بن النقور.
وله مشيخة مروية.
صحب الشيخ أبا إسحاق للتفقه.
وولد في حدود سنة خمسين وأربع مئة. قاله أبو سعد.
قال: وأصله من كرخ جدان: وكان يسكن في دار الشيخ أبي حامد الإسفراييني،
وهو شيخ صالح معمر ثقة، عجز عن المشي، مات في التاسع والعشرين من ربيع
الأول سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
قلت: حدث عنه ابن عساكر، والسمعاني، وأبو أحمد بن سكينة، وابن طبرزد،
وعبد الله بن عثمان سبط ابن هدية، وعبد العزيز بن منينا، وعبد الملك بن
المبارك القاضي، وإسماعيل بن هبة الله، والحسن ابن مسلم الفارسي
الزاهد، وترك بن محمد العطار خاتمة من روى عنه.
الإمام العلامة الحافظ، شيخ الإسلام، أبو القاسم، إسماعيل بن محمد بن
الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر القرشي التيمي، ثم الطلحي الأصبهاني
الملقب بقوام السنة، مصنف كتاب الترغيب والترهيب.
مولده في سنة سبع وخمسين وأربع مئة.
سمع أبا عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، وعائشة بنت الحسن،
وإبراهيم بن محمد الطيان، وأبا الخير محمد بن أحمد بن ررا، والقاضي أبا
منصور بن شكرويه، وأبا عيسى عبد الرحمن بن محمد بن زياد، وسليمان بن
إبراهيم الحافظ، ومحمد بن أحمد بن علي السمسار، وأحمد بن عبد الرحمن
الذكواني، والرئيس أبا عبد الله الثقفي، وطبقتهم بأصبهان، وأبا نصر
محمد بن محمد الزينبي، وعاصم بن الحسن، وخلقاً ببغداد، وأبا بكر بن خلف
الشيرازي، وأبا نصر محمد بن سهل السراج، وعبد الرحمن بن أحمد الواحدي،
وأقرانهم بنيسابور، وأقدم سماعه من محمد بن عمر الطهراني صاحب ابن مندة
في سنة سبع وستين وهو ابن عشر سنين.
وسمع بمكة، وجاور سنةً، وأملى وصنف، وجرح وعدل، وكان من أئمة العربية
أيضاً، وفي تواليفه الأشياء الموضوعة كغيره من الحفاظ.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو العلاء الهمذاني، وأبو طاهر السلفي،
وأبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المديني، وأبو سعد الصائغ، ويحيى بن
محمود الثقفي وهو سبطه، وعبد الله بن محمد بن حمد الخباز، وأبو الفضائل
محمود بن أحمد العبدكوي، وأبو نجيح فضل الله بن عثمان، والمؤيد بن
الإخوة، وأبو المجد زاهر بن أحمد الثقفي، وخلق سواهم.
قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته،
وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال
حياته، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين وخمس مئة، ثم فلج بعد مدة، ومات
يوم النحر سنة خمس وثلاثين، واجتمع في جنازته جمع لم أر مثلهم كثرةً،
وكان أبوه أبو جعفر محمد صالحاً ورعاً، سمع من سعيد العيار، وقرأ
القرآن على أبي المظفر بن شبيب، وتوفي في سنة إحدى وتسعين وأربع مئة...
إلى أن قال: ووالدته كانت من ذرية طلحة بن عبيد الله التيمي أحد العشرة
رضي الله عنهم.
قال أبو موسى: قال إسماعيل: سمعت من عائشة وأنا ابن أربع سنين، وقد سمع
من أبي القاسم بن عليك في سنة إحدى وستين.
قال أبو موسى: ولا أعلم أحداً عاب عليه قولاً ولا فعلاً، ولا عانده أحد
إلا ونصره الله، وكان نزه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين، ولا
على من اتصل بهم، قد أخلى داراً من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده،
ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، أملى ثلاثة آلاف وخمس
مئة مجلس، وكان يملي على البديهة. وقال الحافظ يحيى بن مندة: كان أبو
القاسم حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام، ليس في وقته مثله.
وقال عبد الجليل كوتاه: سمعت أئمة بغداد يقولون: ما رحل إلى بغداد بعد
الإمام أحمد أفضل ولا أحفظ من إسماعيل.
قلت: هذا قول من لا يعلم.
وقال أبو موسى المديني في ذكر من هو على رأس المئة الخامسة: لا أعلم
أحداً في ديار الإسلام يصلح لتأويل الحديث إلا إسماعيل الحافظ.
قلت: وهذا تكلف، فإنه على رأس المئة الخامسة ما اشتهر، إنما اشتهر قبل
موته بعشرين عاماً.
وروي عن إسماعيل الحافظ أنه قال: ما رأيت في عمري من يحفظ حفظي.
قال أبو موسى: وقرأ بروايات على جماعة من القراء، وأما التفسير
والمعاني والإعراب، فقد صنف فيه كتباً بالعربية وبالفارسية، وأما علم
الفقه فقد شهرت فتاويه في البلد والرساتيق.
قال أبو المناقب محمد بن حمزة العلوي: حدثنا الإمام الكبير، بديع وقته،
وقريع دهره، أبو القاسم إسماعيل بن محمد... فذكر حديثاً.
وبلغنا عن أبي القاسم تعبد وأوراد وتهجد، فقال أبو موسى: سمعت من يحكي
عنه في اليوم الذي قدم بولده ميتاً، وجلس للتعزية، أنه جدد الوضوء في
ذلك اليوم مرات نحو الثلاثين، كل ذلك يصلي ركعتين، وسمعت بعض أصحابه
أنه كان يملي شرح صحيح مسلم عند قبر ولده أبي عبد الله، ويوم تمامه عمل
مأدبةً وحلاوةً كثيرة، وكان ابنه ولد في سنة خمس مئة، ونشأ، وصار
إماماً في اللغة والعلوم، حتى ما كان يتقدمه كبير أحد في الفصاحة
والبيان والذكاء، وكان أبوه يفضله على نفسه في اللغة وجريان اللسان،
أملى جملةً من شرح الصحيحين، وله تصانيف كثيرة مع صغر سنه، مات بهمذان
سنة ست وعشرين، وفقده أبوه، وسمعت أحمد ابن حسن يقول: كنا مع الشيخ أبي
القاسم، فالتفت إلى أبي مسعود الحافظ، فقال: أطال الله عمرك، فإنك تعيش
طويلاً، ولا ترى مثلك. فهذا من كراماته...
إلى أن قال الحافظ أبو موسى: وله التفسير في ثلاثين مجلداً، سماه
الجامع، وله تفسير آخر في أربع مجلدات، وله الموضح في التفسير في ثلاث
مجلدات، وكتاب المعتمد في التفسير عشر مجلدات، وكتاب السنة مجلد، وكتاب
سير السلف مجلد ضخم، وكتاب دلائل النبوة مجلد، وكتاب المغازي مجلد،
وأشياء كثيرة.
وقال محمد بن نصار الحافظ: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن أخي
إسماعيل الحافظ، حدثني أحمد الأسواري الذي تولى غسل عمي وكان ثقةً أنه
أراد أن ينحي عن سوأته الخرقة لأجل الغسل، قال: فجبذها إسماعيل بيده،
وغطى فرجه، فقال الغاسل: أحياة بعد موت؟! قال أبو سعد السمعاني: أبو
القاسم هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر، وهو إمام في التفسير
والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، كنت إذا سألته عن
المشكلات، أجاب في الحال، وهب أكثر أصوله في آخر عمره، وأملى بالجامع
قريباً من ثلاثة آلاف مجلس، وكان أبي يقول: ما رأيت بالعراق من يعرف
الحديث ويفهمه غير اثنين: إسماعيل الجوزي بأصبهان، والمؤتمن الساجي
ببغداد.
قال أبو سعد: تلمذت له، وسألته عن أحوال جماعة، قال: ورأيته وقد ضعف،
وساء حفظه.
وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق: كان أبو القاسم عديم النظير، لا مثل
له في وقته، كان ممن يضرب به المثل في الصلاح والرشاد.
وقال أبو طاهر السلفي: هو فاضل في العربية ومعرفة الرجال.
وقال أبو عامر العبدري: ما رأيت أحداً قط مثل إسماعيل، ذاكرته، فرأيته
حافظاً للحديث، عارفاً بكل علم، متفنناً، استعجل عليه بالخروج. روى
السلفي هذا عن العبدري.
وقال السلفي: وسمعت أبا الحسين بن الطيوري غير مرة يقول: ما قدم علينا
من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.
قلت: قول أبي سعد السمعاني فيه: الجوزي بضم الجيم وبزاي، هو لقب أبي
القاسم، وهو اسم طائر صغير. وقد سئل أبو القاسم التيمي رحمه الله: هل
يجوز أن يقال: لله حد أو لا ؟ وهل جرى هذا الخلاف في السلف ؟ فأجاب:
هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها، وقلة وقوفي على غرض السائل
منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني، تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد
بعبارات مختلفة، محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره، فإن كان
غرض القائل: ليس لله حد: لا يحيط علم الحقائق به، فهو مصيب، وإن كان
غرضه بذلك: لا يحيط علمه تعالى بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله
بذاته في كل مكان فهو أيضاً ضال.
قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك، إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى
صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب
شيء من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا.
وقد ذكر أبو القاسم بن عساكر أبا نصر الحسن بن محمد اليونارتي الحافظ،
فرجحه على أبي الاسم إسماعيل، فالله أعلم، وكأن ابن عساكر لما رأى
إسماعيل بن محمد وقد كبر ونقص حفظه، قال هذا.
قد مر أنه مات سنة خمس وثلاثين.
وفيها مات الإمام الكبير المحدث أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري
السرقسطي المجاور، والفقيه البديع أبو علي أحمد بن سعد العجلي
الهمذاني، والعلامة اللغوي الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد ابن مكي
بن أبي طالب القيسي القرطبي، ومسند بغداد أبو منصور عبد الرحمن بن محمد
بن زريق الشيباني القزاز، ومسند العصر قاضي المرستان أبو بكر محمد بن
عبد الباقي الأنصاري البغدادي، والزاهد القدوة يوسف بن أيوب الهمذاني
بمرو، ومسند نيسابور أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي، والمعمر
أبو الحسن محمد بن أحمد بن ممد بن توبة الأسدي العكبري، وأخوه أبو
منصور عبد الجبار.
أخبرنا محمد بن عمر بن محمود الفقيه، أخبرنا محمد بن عبد الهادي،
أخبرنا يحيى بن محمود، أخبرنا جدي لأمي إسماعيل بن محمد الحافظ
بأصبهان، أخبرنا أبو نصر محمد بن سهل السراج، أخبرنا عبد الملك بن
الحسن الأزهري، حدثنا أبو عوانة، حدثنا الحسن بن علي بن عفان، وإبراهيم
بن مسعود الهمذاني، قالا: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن شقيق، عن
مسروق، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطعمت
المرأة من بيت زوجها غير مفسدة، فلها أجرها، وله مثله، وللخازن مثل
ذلك، له بما احتسب، ولها بما أنفقت.
قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يوماً: أليس قد روي عن ابن عباس في
قوله: استوى: قعد ؟ قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف
بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق. وسمعته يقول:
أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه
هذا فحسب.
قال أبو موسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل
زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.
وعن أبي مسعود عبد الرحيم قال: كنا نمضي مع أبي القاسم إلى بعض
المشاهد، فإذا استيقظنا من الليل، رأيناه قائماً يصلي.
وذكر أبو موسى في نسبة أبي القاسم التيمي الطلحي أن ذلك النسب له من
جهة أمه، ثم قال: وابن أخت القوم منهم.