الزبيدي

الزبيدي

الإمام القدوة العابد الواعظ، أبو عبد الله، محمد بن يحيى بن علي ابن مسلم بن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي، نزيل بغداد، وجد المشايخ الرواة.
مولده سنة ستين وأربع مئة.
وقدم دمشق بعد الخمس مئة، فوعظ بها، وأخذ يأمر بالمعروف، فلم يحتمل له الملك طغتكين، وكان نحوياً فقيراً قانعاً متألهاً، ثم قدم دمشق رسولاً من المسترشد في شأن الباطنية، وكان حنفياً سلفياً.
قال ابن هبيرة: جلست معه من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئاً، فسألته، فقال: نواة أتعلل بها لم أجد شيئاً.
قال ابن الجوزي: كان يقول الحق وإن كان مراً، لا تأخذه في الله لومة لائم، قيل: دخل على الوزير الزينبي وعليه خلعة الوزارة، وهم يهنئونه، فقال: هو ذا يوم عزاء، لا يوم هناء، فقيل: ولم ؟ قال: أهنىء على لبس الحرير ؟! قال ابن الجوزي: حدثني الفقيه عبد الرحمن بن عيسى، سمعت الزبيدي قال: خرجت إلى المدينة على الوحدة، فآواني الليل إلى جبل، فصعدت، وناديت: اللهم إني الليلة ضيفك. ثم نوديت: مرحباً بضيف الله، إنك مع طلع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزاً وتمراً، فإذا دعوك فأجب، فسرت من الغد، فلاحت لي أهداف بئر، فجئتها، فوجدت عندها قوماً يأكلون خبزاً وتمراً، فدعوني، فأجبت. قال السمعاني: كان يعرف النحو، ويعظ، ويسمع معنا من غير قصد من القاضي أبي بكر وغيره، وكان فناً عجيباً، وكان في أيام المسترشد يخضب بالحناء، ويركب حماراً مخضوباً بالحناء، وكان يجلس ويجتمع عنده العوام، ثم فتر سوقه، ثم إن الوزير ابن هبيرة رغب فيه، ونفق عليه، وسمعت جماعةً يحكون عنه أشياء السكوت عنها أولى، وقيل: كان يذهب إلى مذهب السالمية، ويقول: إن الأموات يأكلون ويشربون وينكحون في قبورهم، وإن الشارب والزاني لا يلام، لأنه يفعل بقضاء الله وقدره.
قلت: يحتج بقصة آدم وموسى عليهما السلام، وبقول آدم: أتلومني ؟ وأنه حج موسى، ولو سلمنا أن الزاني لا يلام، فعلينا أن نحده ونغربه، ونذم فعله، ونرد شهادته، ونكرهه، فإن تاب واتقى أحببناه واحترمناه، فالنزاع لفظي.
قال: وسمعت علي بن عبد الملك يقول: زاد الزبيدي في أسماء الله أسامي: الزارع، والمتمم، والمبهم، والمظهر.
قال ابن عساكر: قال ولده إسماعيل: كان أبي في كل يوم وليلة من أيام مرضه يقول: الله الله، نحواً من خمسة عشر ألف مرة، فما زال يقولها حتى طفىء.
وقال ابن شافع، كان له في علم العربية والأصول حظ وافر، وصنف في فنون العلم نحواً من مئة مصنف، ولم يضيع شيئاً من عمره، وكان يخضب بالحناء، ويعتم ملتحياً دائماً، حكيت لي عنه من جهات صحيحة غير كرامة، منها رؤيته للخضر، توفي في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وخمس مئة رحمه الله.

البروجردي

الحافظ المفيد، أبو الفضل، محمد بن هبة الله بن العلاء البروجردي، تلميذ ابن طاهر.
سمع أبا محمد الدوني، ومكي بن بنجير، ويحيى بن مندة.
قال السمعاني: كنت أنسخ بجامع بروجرد، فقال شيخ رث الهيئة: ما تكتب ؟ فكرهت جوابه، وقلت: الحديث. فقال: كأنك طالب ؟ قلت: نعم. قال: من أين أنت ؟ قلت: من مرو. قال: عمن روى البخاري من أهل مرو ؟ قلت: عن عبد الله بن عثمان وصدقة بن الفضل. قال: لم لقب عبد الله بعبدان ؟ فتوقفت، فتبسم، فنظرت إليه بعين أخرى، وقلت: يفيد الشيخ. قال: كنيته أبو عبد الرحمن، واسمه عبد الله، فاجتمع فيه العبدان، فقيل: عبدان. فقلت: عمن هذا ؟ قال: سمعته من محمد بن طاهر.

الحصكفي

الإمام العلامة الخطيب، ذو الفنون، معين الدين، أبو الفضل، يحيى بن سلامة بن حسين بن أبي محمد عبد الله الدياربكري الطنزي الحصكفي، نزيل ميافارقين.
تأدب ببغداد على الخطيب أبي زكريا التبريزي، وبرع في مذهب الشافعي، وفي الفضائل.
مولده في سنة ستين وأربع مئة تقريباً.
وولي خطابة ميافارقين، وتصدر للفتوى، وصنف التصانيف، وله ديوان خطب، وديوان نظم وترسل.
ذكره العماد في الخريدة، فقال: كان علامة الزمان في علمه، ومعري العصر في نثره ونظمه، له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الرقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم.
قلت: مولده بطنزة: بليدة من ديار بكر بقرب من جزيرة ابن عمر، وكان مفتي تلك البلاد في عصره.
توفي سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، وقيل: في سنة ثلاث.
وهو القائل:

وخليعٍ بـتّ أعـذلـه

 

ويرى عذلي من العبث

وذكر الأبيات السائرة.

علي بن مهدي

كان أبوه من قرية بزبيد من الصلحاء، فنشأ علي في تزهد، وحج، ولقي العلماء، وحصل، ثم وعظ، وذم الجند.
وكان فصيحاً صبيحاً طويلاً، أخضر اللون، طيب الصوت، غزير المحفوظ، متصوفاً، خبيث السريرة، داهيةً، يتكلم على الخواطر، فربط الخلق، وكان يعظ وينتحب. قال عمارة اليمني: لازمته سنةً، وتركت التفقه، ونسكت، فأعادني أبي إلى المدرسة، فكنت أزوره في الشهر، فلما استفحل أمره تركته، ولم يزل من سنة 530 يعظ ويخوف في القرى، ويحج على نجيب، وأطلقت له السيدة أم فاتك ولأقاربه خراج أملاكهم، فتمولوا إلى أن صار جمعه نحو أربعين ألف مقاتل، وحارب، وكان يقول: دنا الوقت، أزف الأمر، كأنكم بما أقول لكم عياناً، ثم ثار ببلاد خولان، وعاث وسبى، وأهلك الناس، ثم لقيته عند الداعي بجبلة سنة تسع وأربعين يستنجد به، فأبى، ثم دبر على قتل وزير آل فاتك، ثم زحف إلى زبيد، فقاتله أهلها نيفاً وسبعين زحفاً، وقتل خلائق من الفريقين، ثم قتل فاتك متولي زبيد، وأخذها ابن مهدي في رجب سنة أربع وخمسين وخمس مئة، فما متع، وهلك بعد ثلاثة أشهر، وقام بعده ابنه عبد النبي، وعظم، حتى استولى على سائر اليمن، وجمع أموالاً لا تحصى، وكان حنفي المذهب أعني الأب يرى التكفير بالمعاصي، ويستحل وطء سبايا من خالفه، ويعتقد فيه قومه فوق اعتقاد الخلق في نبيهم.
قال: وحكي لي عنه أنه لم يثق بيمين من يصحبه حتى يذبح ولده أو أخاه، وكان يقتل بالتعذيب في الشمس، ولا يشفع أحد عنده، وليس لأحد من عسكره فرس يملكه ولا سلاح، بل الكل عنده إلى وقت الحرب، والمنهزم منهم يقتل جزماً، والسكران يقتل، ومن زنى أو سمع غناءً يقتل، ومن تأخر عن صلاة الجماعة قتل.

خوارزمشاه

صاحب خوارزم، الملك أتسز بن محمد بن نوشتكين.
مولده في سنة تسعين وأربع مئة.
وتملك مدةً طويلة، وكان مطيعاً للسلطان سنجر، تعلل مدةً بالفالج، فأعطي حرارات بلا أمر الطب، فاشتد الألم، وضعفت القوة، وتوفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، فكان يتأسف، ويقول: "مَا أَغْنَى عنِّي مالِيَه هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه" الحاقة فتملك بعده ابنه خوارزمشاه أرسلان، فقتل جماعةً من أعمامه.
وكان أتسز عادلاً، محبباً إلى رعيته.
ومات ابنه في سنة ثمان وستين وخمس مئة، وكان بطلاً شجاعاً، حارب الخطا، وهو والد تكش.

الشحام

الشيخ الصالح، أبو محمد، سلمان بن مسعود بن حسن البغدادي الشحام، ممن سمع الكثير.
وكان من أهل السنة والصدق، خرج له اليونارتي الحافظ خمسة أجزاء من سماعه على ثابت بن بندار، وجعفر السراج، وأبي الحسين بن الطيوري، وجماعة.
روى عنه: السمعاني، وعبد الخالق بن أسد، وابن الجوزي، وأبو الحسن القطيعي، وطائفة. وبالإجازة: أبو الحسن بن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح، مشتغل بكسبه، ولد سنة سبع وسبعين، ومات في المحرم سنة إحدى وخمسين وخمس مئة. كذا ورخه السمعاني.
وقال القطيعي: هذا سهو لأنه أجاز في ذي القعدة من سنة إحدى، وقرأ عليه أبو محمد بن الخشاب جزءاً في ربيع الأول من السنة.
قلت: الظاهر موته في المحرم سنة اثنتين وخمسين.

الغزنوي

الواعظ المحسن الشهير، أبو الحسن، علي بن الحسين الغزنوي.
سمع بغزنة الصحيح من حمزة القايني بسماعه من سعيد العيار، وسمع ببغداد من أبي سعد بن الطيوري وغيره. وسمع ولده المعمر أحمد جامع أبي عيسى من الكروخي.
قال ابن الجوزي: كان مليح الإيراد، لطيف الحركات، بنت له زوجه الخليفة رباطاً، وصار له جاه عظيم لميل العجم، كان السلطان يزوره والأمراء، وكثرت عنده المحتشمون، واستعبد طوائف بنواله وعطائه. وكان محفوظه قليلاً، فحدثني جماعة من القراء أنه كان يعين لهم ما يقرؤونه، سمعته يقول: حزمة حزن خير من أعدال أعمال.
وقال السمعاني: سمعته يقول: رب طالب غير واجد، وواجد غير طالب.
وقال ابن الجوزي: كان يميل إلى التشيع، ولما مات السلطان أهين، وكانت بيده قرية، فأخذت، وطولب بغلها، وحبس، ثم أخرج ومنع من الوعظ لأنه كان لا يعظم الخلافة كما ينبغي، ثم ذاق ذلاً.
مات في المحرم سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.

مجلي

شيخ الشافعية بمصر، أبو المعالي، مجلي بن جميع بن نجا القرشي المخزومي الأرسوفي الشامي، ثم المصري، مصنف كتاب الذخائر وهو من كتب المذهب المعتبرة.
ولي قضاء مصر بتفويض من العادل بن السلار سنة سبع وأربعين، ثم عزل بعد سنتين.
مات في ذي القعدة سنة خمسين وخمس مئة.
وفي كتابه مخبآت لا توجد في غيره.

أبو البيان

الشيخ القدوة الكبير، أبو البيان، نبأ بن محمد بن محفوظ القرشي الحوراني، ثم الدمشقي الشافعي اللغوي الأثري الزاهد، شيخ البيانية، وصاحب الأذكار المسجوعة.
سمع من أبي الحسن بن الموازيني، وأبي الحسن بن قبيس المالكي.
روى عنه: يوسف بن وفاء السلمي: والفقيه أحمد العراقي، وعبد الرحمن بن الحسين بن عبدان، والقاضي أسعد بن المنجا.
وكان حسن الطريقة، صيناً ديناً تقياً، محباً للسنة والعلم والأدب، له أتباع ومحبون، أنشأ الملك نور الدين له بعد موته رباطاً كبيراً عند درب الحجر. وكان صديقاً للشيخ رسلان الزاهد.
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، رحمه الله.

الخراز

الشيخ الصالح، أبو علي، أحمد بن أحمد بن علي الحريمي البغدادي ابن الخراز.
ولد سنة 475.
سمع أبا الغنائم محمد بن أبي عثمان، ومحمد بن الجبان، ومالكاً البانياسي، وطراداً الزينبي.
وعنه: عبد الخالق بن أسد، ومحمد بن المبارك بن المستعمل، وأبو علي الحسن ابن الزبيدي، وابن طبرزد، وآخرون. وبالإجازة: ابن المقير.
قال السمعاني: شيخ صالح متدين، لازم لمسجده، مات في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة رحمه الله.

صاحب نصيبين

شمس الملوك، أبو نصر، إبراهيم بن صاحب حلب رضوان بن السلطان تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان السلجوقي.
ولد سنة ثلاث وخمس مئة، ومات أبوه وهو صبي.
ثم أقبل معه صاحب الحلة دبيس وبغدوين الفرنجي محاصرين لحلب في سنة ثمان عشرة وخمس مئة، وجرت أمور، ثم إنه تملك في سنة إحدى وعشرين حلب، وفرحوا به، فأقبل صاحب أنطاكية، فنازل حلب، فترددت الرسل في صلح وهدنة، فعقدت هدنة فيها وهن على أهل حلب وحمل ذهب في العام، ثم بعد مدة أخذ الأتابك زنكي من شمس الملوك حلب، وأعطاه نصيبين، فما زال بها إلى أن مات في شعبان سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة.

عبد الصبور

ابن عبد السلام، الشيخ الصادق الجليل، أبو صابر، الهروي الفامي التاجر السفار، صالح خير مسمت أمين.
ولد سنة سبعين وأربع مئة.
وسمع الجامع من أبي عامر الأزدي، وسمع من شيخ الإسلام، ونجيب الواسطي، وإلياس بن مضر.
حدث بهمذان وببغداد في سنة تسع وثلاثين ولما حج بالجامع.
روى عنه: السمعاني وابنه عبد الرحيم، وأبو الحسن بن نجا الواعظ، وأحمد بن الحسن العاقولي.
توفي بهراة في شعبان سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة.

كوتاه

الشيخ الإمام الحافظ المتقن، محدث أصبهان، أبو مسعود، عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني كوتاه.
ولد سنة ست وسبعين وأربع مئة.
وسمع رزق الله التميمي، وأبا بكر بن ماجه الأبهري، والقاسم بن الفضل الثقفي، وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني، وابن أشتة، وعدداً كثيراً من أصحاب أبي سعيد النقاش وأبي نعيم، ثم أصحاب أبي طاهر بن عبد الرحيم.
قال الحافظ أبو موسى: هو أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه، حدثنا لفظاً وحفظاً على منبر وعظه في سنة تسع عشرة وخمس مئة، فذكر حديثاً.
وقال السمعاني: من أولاد المحدثين، حسن السيرة، مكرم للغرباء، فقير قنوع، صحب أبي مدة مقامه بأصبهان، وسمع بقراءته الكثير، وله معرفة تامة بالحديث، هو من مقدمي أصحاب شيخنا إسماعيل ابن محمد الحافظ، حضرت مجلس إملائه، وكتبت عنه، سمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثني عليه ثناءً حسناً، ويفخم أمره، ويصفه بالحفظ والإتقان.
قال السمعاني: لما وردت أصبهان كان ما يخرج من داره إلا لحاجة مهمة، كان شيخه إسماعيل الحافظ هجره، ومنعه من حضور مجلسه لمسألة جرت في النزول، وكان كوتاه يقول: النزول بالذات، فأنكر إسماعيل هذا، وأمره بالرجوع عنه، فما فعل.
قلت: وقد ارتحل إلى نيسابور، وسمع من عبد الغفار الشيروي.
حدث عنه: أبو القاسم بن عساكر، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وطائفة، وروت عنه كريمة الدمشقية بالإجازة.
قال السمعاني أبو سعد: حدثنا عبد الخالق الشحامي، حدثنا صاعد ابن سيار الحافظ إملاءً، حدثنا عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بالمدينة، أخبرنا روح بن محمد، أخبرنا أبو الحسن الخرجاني، أخبرنا ابن خرزاذ، حدثنا علي بن روحان، حدثنا أحمد بن سنان، سمعت شيبان ابن يحيى يقول: ما أعلم طريقاً إلى الجنة أقصد ممن يسلك طريق الحديث.
مات كوتاه في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة. وهو من رواة نسخة لوين عن ابن ماجه الأبهري.
ومسألة النزول فالإيمان به واجب، وترك الخوض في لوازمه أولى، وهو سبيل السلف، فما قال هذا: نزوله بذاته، إلا إرغاماً لمن تأوله، وقال: نزوله إلى السماء بالعلم فقط. نعوذ بالله من المراء في الدين.
وكذا قوله: "وجاء ربُّك" الفجر ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم.

العباسي

الشيخ الإمام الصالح العابد المسند، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن إسماعيل بن علي بن سليمان بن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن الأمير إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب العباسي المكي، نقيب الهاشميين بمكة.
ولد سنة ثمان وستين وأربع مئة.
وسمع جماعة أجزاء من أبي علي الحسن بن عبد الرحمن الشافعي، تفرد بعلوها.
قال السمعاني: شيخ ثقة صالح متواضع، ما رأيت في الأشراف مثله، قدم علينا أصبهان لدين ركبه ومعه خمسة أجزاء، فسمعت منه، وقد سمع في الكهولة، ونسخ الكثير، ثم قدم أصبهان راجعاً من كرمان في سنة 547.
وقال ابن النجار: كان صدوقاً زاهداً عابداً، قرأت بخطه قال: سمعت الحديث من أبي علي الشافعي وعمري سبع سنين.
قلت: حدث عنه: ابن عساكر، والسمعاني، والقاضي أسعد بن منجا، وثابت بن مشرف، وعبد السلام الداهري، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وأبو محمد بن علوان الحلبي وآخرون، وتفرد عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
توفي في شعبان سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
وهو جد المحدث الحافظ جعفر بن محمد العباسي.
قال ابن النجار: سمع أبا علي الشافعي، وعبد القاهر العباسي المقرىء، وعيسى بن أبي ذر، وعبد الساتر بن عبد الله الزيادي، وببغداد من ابن الحصين، وأبي غالب بن البناء، وكتب بخطه كثيراً، كتب عنه ابن ناصر، حدثنا عنه ابن سكينة، وابن الأخضر، وعبد الرزاق، والحسن بن محمد بن حمدون، وترك بن محمد الكاتب، سمعت عامة شيوخنا يثنون عليه، ويصفونه بالزهد والعبادة والورع والنزاهة.

ابن غبرة

الشيخ الجليل المسند، أبو الحسن، محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علوي بن محمد بن زيد بن غبرة، الهاشمي الحارثي الكوفي المعدل، ويعرف قديماً بابن المعلم، وهو من ذرية ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيعة بن الحارث.
ولد سنة ثمان وستين وأربع مئة.
وسمع سنة خمس وسبعين من أبي الفرج محمد بن أحمد بن علان المعدل، وأبي غالب بن المنثور الجهني، وأبي علي محمد بن محمد بن محمد بن حمدان، والحسين بن محمد الدهقان، وجماعة، وتفرد بأجزاء عالية، ورحل إليه.
قال ابن النجار: روى لنا عنه جماعة سمعوا منه بالكوفة، وقد سمع منه أبو الفضل أحمد بن صالح الجيلي، وأبو الفرج بن النقور، حدث ببغداد قديماً.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة كريمة القرشية.
قال مسعود بن النادر: مات ابن غبرة في سلخ ذي القعدة سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
وقال أحمد بن صالح: كان ثقةً في روايته، سمعت عليه بقراءتي الأجزاء التي ظهرت له، ومات في المحرم سنة ست وخمسين وخمس مئة.
قلت: ما وقع لنا حديثه إلا وفي الطريق إجازة.

ابن محمويه

الإمام العلامة الفقيه المقرىء، أبو الحسن، علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمويه، اليزدي الشافعي، نزيل بغداد.
مولده بيزد في سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة، أو أربع.
وسمع من الحسين بن الحسن بن جوانشير، وأبي المكارم محمد بن علي بن الحسن الفسوي المقرىء، ومحمد بن الحسين بن بلوك الصوفي، وغياث بن أبي مضر الأصبهاني، ومحمد بن محمود الثقفي.
وتلا بالروايات في أصبهان على أبي الفتح الحداد.
وسمع ببغداد من ابن الطيوري، وابن خشيش، وأبي الحسن بن العلاف، وأبي القاسم الربعي، وعدة. وسمع بالدون سنن النسائي من عبد الرحمن بن حمد، وبهمذان من ناصر بن مهدي، وبأصبهان أيضاً من أحمد بن محمد بن مردويه.
وتفقه بواسط على أبي علي الفارقي، وببغداد على أبي بكر الشاشي. وسمع بالبصرة والكوفة ومكة.
وكان يسكن بقراح ظفر، وصنف كتباً نافعة في الفقه والحديث والزهد، وحدث بها وبسنن النسائي. قال ابن النجار: كان من أعيان الفقهاء، ومشهوري الزهاد والعباد وأهل الورع والاجتهاد، روى لنا عنه أبو أحمد بن سكينة، وابن الأخضر.
وقال السمعاني: نزل بغداد، فقيه فاضل زاهد، حسن السيرة، جميل الطريقة، عزيز النفس، سخي الطبع بما يملكه، قانع بما هو فيه، كثير الصوم والعبادة، صنف تصانيف في الفقه، وأورد فيها أحاديث مسندةً عن شيوخه، سمعت منه، وسمع مني، وكان دائم البشر، متواضعاً، كثير المحفوظ، وكان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه، إذا خرج ذاك قعد هذا في البيت، ودخلت عليه مع الواعظ الغزنوي، فوجدناه عرياناً متزراً، فاعتذر، وقال: نحن كما قال أبو الطيب الطبري:

قومٌ إذا غسلوا ثياب جمالـهـم

 

لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل

قال ابن النجار: سمعت حمزة بن علي الحراني يقول: كان شيخنا علي اليزدي يقول لنا: إذا مت فلا تدفنوني إلا بعد ثلاث، فإني أخاف أن يكون بي سكتة. قال: وكان جثيثاً صاحب بلغم، وكان يصوم شهر رجب، فقبل أيام منه قال لنا: قد رجعت عن قولي، فإذا مت فادفنوني في الحال، فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: يا علي، صم رجباً عندنا. قال: فمات ليلة رجب.
قال ابن شافع: مات في تاسع وعشرين، سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.
قلت: روى عنه السنن الخطيب الدولعي، وتلا عليه حمزة بن القبيطي، وعبد العزيز بن الناقد، وعلي بن الدباس.

الأغرجي

الإمام ذو الفنون، شيخ العلماء بخوارزم، أبو الفرج، محمد بن أحمد بن أبي سعيد.
روى عن أبي علي إسماعيل بن البيهقي، والزمخشري.
وكان ثقةً عادلاً، واعظاً مناظراً مفتياً، محباً للحديث، جاوز ثمانين سنة.
مات في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة، وازدحموا على نعشه، رحمه الله.
ذكره ابن رسلان في تاريخه.

البيكندي

الشيخ الفاضل العابد المسند، أبو عمرو، عثمان بن علي بن محمد ابن علي البخاري البيكندي.
مولده في شوال سنة خمس وستين وأربع مئة.
سمع عبد الواحد بن عبد الرحمن الوركي المعمر، وأبا بكر محمد ابن خواهرزاده، والقاضي أبا الخطاب الطبري، ومحمد بن أحمد بن أبي سهل الفقيه، وعدة.
وتفرد بالرواية عن الإمام أبي المظفر عبد الكريم، الأندقي.
روى عنه: أبو سعد السمعاني وابنه أبو المظفر عبد الرحيم، وغيرهما.
ولما حان وقت رواية الرواة عنه، أخذت التتار البلاد بالسيف، وانسد باب الرواية بخراسان أقاصيها وأدانيها.
قال أبو سعد: هو إمام فاضل ورع عفيف نزه عابد، قانع باليسير، ثقة صالح، توفي في تاسع شهر شوال سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة، وشيعه أمم.

ابن الصفار

الإمام العلامة القدوة، أبو حفص، عمر بن أحمد بن منصور بن الشيخ أبي بكر محمد بن القاسم بن حبيب، النيسابوري الشافعي، زوج بنت الإمام أبي نصر ابن القشيري.
ولد سنة سبع وسبعين وأربع مئة.
وسمع بقراءة إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي من أبي بكر بن خلف الأديب، وأبي المظفر موسى بن عمران، وأبي تراب عبد الباقي المراغي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وأبي الحسن ابن الأخرم، وطائفة.
حدث عنه: ولده أبو سعد عبد الله بن الصفار، وحفيده القاسم بن أبي سعد، والمؤيد الطوسي، ومنصور بن عبد المنعم، ويحيى بن الربيع الواسطي الفقيه، وسليمان بن محمد الموصلي، وأخوه علي، وزينب الشعرية، وأبو الفضل محمد بن عبد الكريم الرافعي والد صاحب الشرح. وكان يلقب بعصام الدين.
قال حفيده القاسم: كان جدي نظيراً لمحمد بن يحيى الفقيه، وكان يزيد عليه بمعرفة الأصلين.
وقال أبو سعد السمعاني: هو إمام بارع مبرز، جامع لأنواع الفضل من العلوم، وكان سديد السيرة، مكثراً من الحديث.
وقال عبد الغافر في تاريخه: شاب فاضل دين ورع، أحد وجوه الفقهاء.
قال السمعاني: توفي يوم النحر سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة.

الكرماني

الشيخ الصالح المعمر، أبو سعد، عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني، ثم النيسابوري.
ولد في ربيع الأول سنة ثمانين وأربع مئة.
وسمع من أبي بكر بن خلف، وموسى بن عمران الأنصاري، وأبي سهل عبد الملك بن عبد الله الدشتي، وتفرد في وقته.
حدث عنه: السمعاني وولده عبد الرحيم، ومحمد بن ناصر بن سلمان، وجماعة.
توفي سنة تسع وخمسين وخمس مئة.

ابن القطان

الشيخ الأديب البارع، شاعر بغداد، أبو القاسم، هبة الله بن الفضل ابن عبد العزيز بن محمد، البغدادي المتوثي ابن القطان.
سمع أباه، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، وابن طلحة النعالي.
وله هجاء مقذع، ومديح فائق.
روى عنه السمعاني، وقال: سألته عن مولده، فقال: سنة ثمان وسبعين، وتوفي يوم الفطر سنة ثمان وخمسين وخمس مئة، وديوانه مشهور، وقد هجا الحيص بيص.
وجده هو شيخ الخطيب المحدث محمد بن الحسين بن الفضل القطان، وكان فيه دعابة وانطباع، وممن يتقى لسانه.

جعفر بن زيد

ابن جامع بن حسين، الإمام الفاضل، أبو الفضل الطائي الشامي الحموي، ويلقب بأبي زيد.
سكن بغداد بقطفتا.
قال ابن النجار: سمع الكثير من أبي الحسين المبارك، وأبي سعد أحمد ابني عبد الجبار الصيرفي، وأبي بكر محمد بن أحمد بن الحسين، وأبي طالب اليوسفي، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وكتب بخطه كثيراً، وخطه مضبوط، وخرج تخاريج، وسمع منه القدماء، وكان مشهوراً بالدين والصلاح وحسن الطريقة، روى عنه أبو الفرج بن الجوزي، وأبو عبد الله بن الزبيدي.
وقال السمعاني: أبو زيد الحموي شيخ صالح خير، كثير العبادة، دائم التلاوة، مشتغل بنفسه، لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، كتبت عنه.
قلت: ما أراه أدرك أبا الحسين بن الطيوري، بلى سمع من أخيه.
قال: ولدت سنة ثلاث أو خمس وثمانين وأربع مئة.
ومات في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
قلت: له كتاب البرهان في السنة، سمعناه، وعليه فيه مآخذ رحمه الله.
أخبرنا ابن مؤمن، أخبرنا الحسين بن أبي بكر، أخبرنا جعفر بن زيد، أخبرنا أحمد بن عبيد الله العكبري، أخبرنا أبو طالب الحربي، أخبرنا ابن مردك، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا يونس، سمعت الشافعي يقول: نثبت هذه الصفات التي جاء بها القرآن ووردت بها السنة، وننفي التشبيه عنه كما نفى عن نفسه، فقال: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ" الشورى.
وفيها مات أبو سعد منجح بن مفلح الدومي، وعبد الوهاب بن إسماعيل النيسابوري سبط القشيري، وأبو علي الحسن بن جعفر بن المتوكل، وأبو القاسم أحمد بن قفرجل، وأبو جعفر أحمد بن محمد ابن عبد العزيز العباسي.

عدي

الشيخ الإمام الصالح القدوة، زاهد وقته، أبو محمد، عدي بن صخر الشامي، وقيل: عدي بن مسافر وهذا أشهر ابن إسماعيل بن موسى الشامي، ثم الهكاري مسكناً. قال الحافظ عبد القادر: ساح سنين كثيرةً، وصحب المشايخ، وجاهد أنواعاً من المجاهدات، ثم إنه سكن بعض جبال الموصل في موضع ليس به أنيس، ثم آنس الله تلك المواضع به، وعمرها ببركاته، حتى صار لا يخاف أحد بها بعد قطع السبل، وارتد جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمر حتى انتفع به خلق، وانتشر ذكره، وكان معلماً للخير، ناصحاً متشرعاً، شديداً في الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، عاش قريباً من ثمانين سنة، ما بلغنا أنه باع شيئاً ولا اشترى، ولا تلبس بشيء من أمر الدنيا، كانت له غليلة يزرعها بالقدوم في الجبل، ويحصدها، ويتقوت، وكان يزرع القطن، ويكتسي منه، ولا يأكل من مال أحد شيئاً، وكانت له أوقات لا يرى فيها محافظةً على أوراده، وقد طفت معه أياماً في سواد الموصل، فكان يصلي معنا العشاء، ثم لا نراه إلى الصبح، ورأيته إذا أقبل إلى قرية يتلقاه أهلها من قبل أن يسمعوا كلامه تائبين رجالهم ونساؤهم إلا من شاء الله منهم، ولقد أتينا معه على دير رهبان، فتلقانا منهم راهبان، فكشفا رأسيهما، وقبلا رجليه، وقالا: أدع لنا فما نحن إلا في بركاتك، وأخرجا طبقاً فيه خبز وعسل، فأكل الجماعة. وخرجت إلى زيارة الشيخ أول مرة، فأخذ يحادثنا، ويسأل الجماعة، ويوانسهم، وقال: رأيت البارحة في النوم كأننا في الجنة ونحن ينزل علينا شيء كالبرد. ثم قال: الرحمة، فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناساً، فقلت: من هؤلاء ؟ فقيل: أهل السنة والصيت للحنابلة، وسمعت شخصاً يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق. فقال: لا يا أخي، دين مكتوم دين ميشوم. وكان لا يواصل الأيام الكثيرة على ما اشتهر عنه، حتى إن بعض الناس كان يعتقد أنه لا يأكل شيئاً قط، فلما بلغه ذلك أخذ شيئاً، وأكله بحضرة الناس، واشتهر عنه من الرياضات والسير والكرامات والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أحدوثةً، ورأيته قد جاء إلى الموصل في السنة التي مات فيها، فنزل في مشهد خارج الموصل، فخرج إليه السلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوام حتى آذوه مما يقبلون يده، فأجلس في موضع بينه وبين الناس شباك بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤيةً، فكانوا يسلمون عليه، وينصرفون، ثم رجع إلى زاويته.
وقال ابن خلكان: أصله من بيت فار من بلاد بعلبك، وتوجه إلى جبل الهكارية، وانقطع، وبنى له زاويةً، ومال إليه أهل البلاد ميلاً لم يسمع بمثله، وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق جاوز اعتقادهم فيه الحد، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلون إليها، وذخيرتهم في الآخرة، صحب الشيخ عقيلاً المنبجي، والشيخ حماداً الدباس وغيرهما، وعاش تسعين سنة، وتوفي سنة سبع وخمسين وخمس مئة.
قال مظفر الدين صاحب إربل: رأيت الشيخ عدي بن مسافر وأنا صغير بالموصل، وهو شيخ ربعة، أسمر اللون، رحمه الله.
قلت: نقل الحافظ الضياء عن شيخ له أن وفاته كانت في يوم عاشوراء من السنة.

ابن الحطيئة

الشيخ الإمام العلامة القدوة، شيخ الإسلام، أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام اللخمي المغربي الفاسي المقرىء الناسخ ابن الحطيئة.
مولده بفاس سنة ثمان وسبعين وأربع مئة.
وحج، ولقي الكبار، وتلا بالسبع على أبي القاسم بن الفحام الصقلي وغيره.
وسمع من أبي الحسن بن مشرف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأبي بكر الطرطوشي.
حدث عنه: أبو طاهر السلفي وهو أكبر منه، وصنيعة الملك ابن حيدرة، وشجاع بن محمد المدلجي، والأثير محمد بن محمد بن بنان وقرأ عليه، وإسماعيل بن محمد اللمطي، والنفيس أسعد بن قادوس خاتمة أصحابه.
وقد دخل الشام، وزار، وسكن مصر، وتزوج، وكان يعيش من الوراقة، وعلم زوجته وبنته الكتابة، فكتبتا مثله، فكان يأخذ الكتاب ويقسمه بينه وبينهما، فينسخ كل منهما طائفةً من الكتاب، فلا يفرق بين الخطوط إلا في شيء نادر، وكان مقيماً بجامع راشدة خارج الفسطاط، ولأهل مصر حتى أمرائها العبيدية فيه اعتقاد كبير، كان لا يقبل من أحد شيئاً، مع العلم والعمل والخوف والإخلاص.
وتلا أيضاً بالسبع على أبي علي بن بليمة، وعلى محمد بن إبراهيم الحضرمي.
وأحكم العربية والفقه، وخطه مرغوب فيه لإتقانه وبركته. وقد كان حصل قحط بمصر، فبذل له غير واحد عطاءً، فأبى وقنع، فخطب الفضل بن يحيى الطويل إليه بنته، فزوجه، ثم طلب منه أمها لتؤنسها، ففعل، فما أجمل تلطف هذا المرء في بر أبي العباس.
قال السلفي: كان ابن الحطيئة رأساً في القراءات، وقرأت بخط أبي الطاهر بن الأنماطي قال: سمعت شيخنا شجاعاً المدلجي وكان من خيار عباد الله يقول: كان شيخنا ابن الحطيئة شديداً في دين الله، فظاً غليظاً على أعداء الله، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدعاة مع عظم سلطانه ونفوذ أمره، فما يحتشمه، ولا يكرمه، ويقول: أحمق الناس في مسألة كذا وكذا الروافض، خالفوا الكتاب والسنة، وكفروا بالله، وكنت عنده يوماً في مسجده بشرف مصر وقد حضره بعض وزراء المصريين أظنه ابن عباس، فاستسقى في مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضة، فلما رآه ابن الحطيئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخةً ملأت المسجد، وقال: واحرها على كبدي، أتشرب في مجلس يقرأ فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آنية الفضة ؟! لا والله لا تفعل، وطرد الغلام، فخرج، وطلب الشيخ كوزاً، فجيء بكوز قد تثلم، فشرب، واستحيى من الشيخ، فرأيته والله كما قال الله: "يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكَادُ يُسِيغُهُ" إبراهيم.
قال: وأتى رجل إلى شيخنا ابن الحطيئة بمئزر، وحلف بالطلاق ثلاثاً لا بد أن يقبله، فوبخه على ذلك، وقال: علقه على ذاك الوتد. فلم يزل على الوتد حتى أكله العث، وتساقط، وكان ينسخ بالأجرة، وكان له على الجزية في السنة ثلاثة دنانير، ولقد عرض عليه غير واحد من الأمراء أن يزيد جامكيته، فما قبل، وكان له من الموقع في قلوبهم مع كثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحد سواه، وعرضوا عليه القضاء بمصر، فقال: والله لا أقضي لهم.. إلى أن قال شجاع: وكتب صحيح مسلم كله بقلم واحد، وسمعته وقيل له: فلان رزق نعمةً ومعدةً، فقال: حسدوه على التردد إلى الخلاء، وسمعته كثيراً إذا ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: طويت سعادة المسلمين في أكفان عمر.
وذكرنا في طبقات القراء أن الناس بقوا بمصر ثلاثة أشهر بلا قاض في سنة ثلاث وثلاثين، فوقع اختيار الدولة على الشيخ أبي العباس، فاشترط عليهم شروطاً صعبةً، منها أنه لا يقضي بمذهبهم يعني الرفض ، فلم يجيبوا إلا أن يقضي على مذهب الإمامية.
تلوت بالسبع من طريقه على أبي عبد الله محمد بن منصور النحوي، عن الكمال العباسي، عن شجاع المدلجي، عنه.
وقرأت بخط ابن الأنماطي، قال لي شيخنا شجاع: كان الشيخ أبو العباس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل، بحيث بلغ في ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممن يأكل ثلاثين لقمةً، ويقول: لو أكل الناس من الضار ما آكل أنا من النافع ما اعتلوا. قال: وحكى لنا شجاع أن أبا العباس ولدت له بنت، فلما كبرت أقرأها بالسبع، وقرأت عليه الصحيحين وغير ذلك، وكتبت الكثير، وتعلمت عليه كثيراً من العلم، ولم ينظر إليها قط، فسألت شجاعاً: أكان ذلك عن قصد ؟ فقال: كان في أول العمر اتفاقاً، لأنه كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثم يدخل بيته وهي في مهدها، وتمادى الحال إلى أن كبرت، فصارت عادةً، وزوجها، ودخلت بيتها والأمر على ذلك، ولم ينظر إليها قط.
قلت: لا مدح في مثل هذا، بل السنة بخلافه، فقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت ابنته وهو في الصلاة.
توفي ابن الحطيئة رحمه الله في المحرم سنة ستين وخمس مئة، وقبره بالقرافة ظاهر يزار.

الداراني

أبو محمد، عبد الرحمن بن أبي الحسن بن إبراهيم بن عبد الله الكناني الداراني الدمشقي.
سمعه خاله محمد بن إبراهيم النسائي من سهل بن بشر الإسفراييني، وعبد الله بن عبد الرزاق، وأبي الفضل بن الفرات.
وعنه: ابن عساكر وابنه، والمسلم المازني، ومكرم، وكريمة، وآخرون.
قال ابن عساكر: لم يكن الحديث من صنعته، توفي في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وخمس مئة. روى كثيراً من سنن النسائي الكبير عن الإسفراييني.

الجواد

الوزير الصاحب، الملقب بالجواد، أبو جعفر، محمد بن علي بن أبي منصور الأصبهاني، وزير صاحب الموصل زنكي الأتابك.
ولاه زنكي نيابة الرحبة ونصيبين، واعتمد عليه.
وكان كريماً نبيلاً، محبباً إلى الرعية، دمث الأخلاق، كامل الرئاسة، امتدحه القيسراني بهذه الكلمة:

سقى اللّه بالزوراء من جانب الغرب

 

مهاً وردت ماء الحياة من القـلـب

قال ابن خلكان: كان ينفذ في السنة إلى الحرمين ما يكفي الفقراء، وواسى الناس في قحط حتى افتقر وباع بقياره، وأجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم، وأنشأ مدرسةً بالمدينة، ثم وزر لغازي بن زنكي، ثم من بعده لأخيه مودود، ثم إنه استكثر إقطاعه، وثقل عليه، فسجنه في سنة 558، فمات مضيقاً عليه في سنة تسع، وكانت جنازته مشهودةً من ضجيج الضعفاء والأيتام، ودفن بالموصل، ثم نقل بعد عام، فدفن بالمدينة النبوية.

ابنه جلال الدين علي

وكان ابنه جلال علي أحد البلغاء، دونت رسائله، وعنه أخذ مجد الدين المبارك بن الأثير.
توفي سنة أربع وسبعين وخمس مئة، وقد وزر أيضاً.

سديد الدولة

كاتب السر للخلافة، سديد الدولة، محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم ابن رفاعة الشيباني ابن الأنباري.
أقام في كتابة الإنشاء خمسين سنة، وناب في الوزارة، ونفذ رسولاً إلى الشام وإلى خراسان.
وكان من نبلاء الرجال، وكان بينه وبين الحريري مراسلات قد دونت.
حدث عن: هبة الله بن الحصين، وعبد الله بن السمرقندي.
أخذ عنه: المبارك بن النقور، وغيره.
وعاش نيفاً وثمانين سنة، توفي سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.
حكى أن الحريري كتب إليه رقعةً، قال: فأجبته:

أهلاً بمن أهدى إليّ صحيفةً

 

صافحتها بالرّوح لا بالرّاح

وتبلّجت فتأرّجت نفحاتـهـا

 

كالمسك شيب نسيمه بالرّاح

فكتب إلى جواب هذه: لقد صدقت رواة الأخبار: أن معدن الكتابة الأنبار.

اللباد

الشيخ المسند، أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن أبي العباس، الأصبهاني اللباد.
سمع أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة، ورزق الله التميمي، ورجاء ابن قولويه، والرئيس الثقفي، وأبا نصر السمسار، وله إجازة صحيحة من أبي بكر بن خلف الأديب.
انتخب عليه معمر بن الفاخر جزءاً.
حدث عنه: محمد بن مكي، وأهل تلك الديار.
ولم يقع لنا حديثه متصلاً.
وروى عنه بالإجازة ابن اللتي، وكريمة، وغيرهما.
توفي في شوال سنة ستين وخمس مئة، وكان من أبناء التسعين.

البزري

الإمام عالم أهل الجزيرة، أبو القاسم، عمر بن محمد بن أحمد بن عكرمة، ابن البزري الجزري الشافعي.
ارتحل، وأخذ المذهب عن الغزالي، وإلكيا، وطائفة.
وبرع في غوامض الفقه، وتخرج به أئمة.
وله مصنف كبير شرح فيه إشكالات المهذب.
قال ابن خلكان: كان أحفظ من بقي في الدنيا على ما يقال لمذهب الشافعي، وكان يلقب بزين الدين جمال الإسلام، لم يدع بالجزيرة نظيره، توفي في أحد الربيعين سنة ستين وخمس مئة وله تسع وثمانون سنة.
وهذه نسبة إلى عمل البزر وبيعه وهو استخراج زيت الكتان.

الحراني

العدل الجليل، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن العباس بن عبد الحميد الحراني ثم البغدادي.
سمع رزق الله التميمي، وهبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري، وطراداً الزينبي، وبأصبهان أبا الفتح الحداد، وجماعة.
روى عنه بنته خديجة، وعبد اللطيف بن القبيطي. وأجاز للرشيد بن مسلمة.
وله نظم حسن، ألف كتاباً سماه روضة الأدباء.
وكان آخر من مات من شهود القاضي أبي الحسن بن الدامغاني.
توفي في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ستين وخمس مئة.

ابن الفراء

شيخ الحنابلة، المفتي القاضي، أبو يعلى الصغير، محمد بن أبي خازم محمد بن القاضي الكبير أبي يعلى بن الفراء البغدادي، من أنبل الفقهاء وأنظرهم.
تخرج به خلق.
سمع من أبي الحسن بن العلاف، والحسن بن محمد التككي، وطائفة.
وولي قضاء واسط مدةً، ثم عزل، ولزم الإفادة.
روى عنه: أبو الفتح المندائي، وابن الأخضر.
توفي في جمادى الأولى سنة ستين وخمس مئة وله ست وستون سنة.
تفقه بأبيه وبعمه أبي الحسين محمد.
وقد أضر بأخرة، وكان أحد الأذكياء.

ابن التلميذ

قسيس النصارى، وبقراط وقته، أمين الدولة، أبو الحسن، هبة الله ابن صاعد، المسيحي الطبيب، صاحب التصانيف.
كان كثير الأموال والتجمل، وعاش أربعاً وتسعين سنة.
مات سنة ستين وخمس مئة.

ابن الصابوني

المقرى الإمام، أبو الفتح، عبد الوهاب بن محمد بن الحسين المالكي، من قرية المالكية، البغدادي الصابوني أبوه الخفاف الحنبلي.
قرأ بالعشر على ابن بدران، وأبي العز القلانسي.
وسمع الكثير من النعالي، وابن البطر، وثابت بن بندار، وابن الطيوري.
روى عنه: سبطه عمر بن كرم تلك الأربعين المخرجة له، وابن الأخضر.
قال ابن النجار: كان ثبتاً صدوقاً، قيماً بمعرفة القراءات.
وقال السمعاني: صدوق صالح، حسن السيرة بكتاب الله، يأكل من كد يده، كتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة اثنتين وثمانين وأربع مئة.
قلت: توفي في صفر سنة ست وخمسين وخمس مئة.
وكان يصنع خفاف النساء.

علي بن عساكر

ابن سرور، الشيخ الأمين المعمر، أبو الحسن المقدسي الخشاب، نزيل دمشق.
ولد سنة ثمان وخمسين وأربع مئة.
وسمع في سنة سبعين من الفقيه نصر المقدسي، وسمع بدمشق من أبي عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد.
وقدم دمشق في تجارة، ثم سكنها بعد استيلاء النصارى على بيت المقدس.
وكان يصحب الفقيه نصر الله المصيصي.
حدث عنه: الحافظ ابن عساكر وابنه القاسم، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم الحسين، وجماعة.
مات في شوال سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة.
وقع لي جزء من عواليه.

ابن قفرجل

الشيخ الثقة المسند، أبو القاسم، أحمد بن المبارك بن عبد الباقي بن محمد بن قفرجل البغدادي الذهبي القطان المقرىء، أخو الشيخ أبي محمد أحمد بن المبارك الذي يروي عن طراد ومات قبل أبي القاسم بعشر سنين.
وأبو القاسم هذا سمع عاصم بن الحسن، وطراد بن محمد الزينبي، ورزق الله التميمي، والفضل بن أبي حرب الجرجاني، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وأبا الفضل بن خيرون، وأبا طاهر الباقلاني.
حدث عنه: السمعاني، وسعد بن طاهر البلخي، وزيد بن يحيى البيع، ومحمد بن ليث الوسطاني، وعدة. وأجاز لأبي الحسن بن المقير.
وكان شيخاً مستوراً لا بأس به.
مات في سنة ست وخمسين وخمس مئة، وهو في عشر التسعين.
وقع لي من المحامليات من طريقه..
قال ابن النجار: روى لنا عنه ابن سكينة، وعبد الرزاق، وابن الأخضر، وثابت بن مشرف، مولده في شعبان سنة سبعين وأربع مئة، ومات يوم عاشوراء سنة ست وخمسين.

ابن الحبوبي

الشيخ الجليل المسند، أبو يعلى، حمزة بن علي بن هبة الله بن حسن بن علي، الثعلبي الدمشقي البزاز ابن الحبوبي.
ولد سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة.
وسمع أبا القاسم بن أبي العلاء، وأبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وسهل بن بشر الإسفراييني. سمعه عمه أبو المجد معالي بن الحبوبي.
وقال الحافظ ابن عساكر: لا بأس به.
قلت: حدث عنه: ابن عساكر وابنه، وأبو المواهب بن صصرى، وأخوه الحسين، وعبد الخالق بن أسد، وابنه غالب، وحمزة بن عبد الوهاب، وابنه أحمد بن حمزة ابن الحبوبي، ومكرم بن أبي الصقر، وأبو نصر بن الشيرازي، وكريمة الزبيرية وهي آخر من حدث عنه.
مات في جمادى الأولى سنة خمس وخمسي وخمس مئة، ودفن بسفح قاسيون.

الأقليشي

العلامة، أبو العباس، أحمد بن معد بن عيسى بن وكيل، التجيبي الأقليشي الداني.
سمع أباه، وتفقه بأبي العباس بن عيسى.
وسمع من صهره طارق بن يعيش، وابن الدباغ، وبمكة من أبي الفتح الكروخي، وبالثغر من السلفي.
وله تصانيف ممتعة، وشعر، وفضائل، ويد في اللغة.
مات بقوص بعد الخمسين وخمس مئة.

ابن التريكي

الشيخ الإمام المسند العدل، خطيب جامع المهدي، أبو المظفر، محمد بن أحمد بن علي بن الحسين، الهاشمي العباسي، المعروف بابن التريكي.
ولد سنة سبعين وأربع مئة.
حدث عن: أبي نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، ورزق الله التميمي.
حدث عنه: السمعاني، وعلي بن هارون الحلي، وأبو الفرج محمد ابن عبد الرحمن الواسطي التاجر، وعبد السلام بن سكينة، ويحيى بن أبي المظفر الحنفي مدرس النفيسية، وآخرون.
توفي في نصف ذي القعدة سنة خمس وخمسين وخمس مئة.

الغانمي

الإمام الفقيه العابد الأديب، أبو المحاسن، مسعود بن محمد بن غانم ابن محمد الغانمي الهروي.
ولد بطوس في سنة أربع وستين وأربع مئة.
وأجاز له الإمامان أبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن. وسمع أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الأصبهاني، وطائفةً. وسمع مسند الهيثم الشاشي من أبي القاسم أحمد بن محمد الخليلي.
وعنه: ابن عساكر، والسمعاني، والتاج المسعودي، وعبد الرحيم ابن السمعاني. سمع منه عبد الرحيم مسند الشاشي، ورسالة القشيري.
قال أبو سعد: كان إماماً ورعاً، كثير العبادة، تورع عن طعام والده لاختلاطه بالدولة، وعمر في الطاعة، وكان سريع النظم، مات في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة.

الطائي

الشيخ الإمام الصالح الواعظ المحدث، أبو الفتوح، محمد بن أبي جعفر محمد بن علي بن محمد، الطائي الهمذاني، صاحب الأربعين المشهورة.
ولد سنة خمس وسبعين وأربع مئة بهمذان.
سمع فيد بن عبد الرحمن الشعراني، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وظريف بن محمد النيسابوري، والأديب محمد بن أبي العباس الأبيوردي، وإسماعيل بن الحسن السنجبستي، وعبد الغفار بن محمد الشيروي، والعلامة أبا المحاسن الروياني، وأبا القاسم بن بيان الرزاز، وشيرويه الديلمي، وابن طاهر المقدسي، ومحيي السنة البغوي، وتاج الإسلام أبا بكر السمعاني، وتفقه عليهما بمرو.
قال أبو سعد السمعاني: كان يرجع إلى نصيب من العلوم فقه وحديث وأدب ووعظ، حضرت وعظه بهمذان، فاستحسنته.
قلت: حدث عنه: محمد بن عبد الله بن البناء الصوفي، وأبو عبد الله الحسين بن الزبيدي، وأخوه الحسن، وأبو المنجا بن اللتي، وجماعة سمعوا منه ببغداد.
توفي بهمذان في شوال سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
وفيها مات مؤرخ دمشق العميد حمزة بن أسد التميمي ابن القلانسي، وحمزة بن علي ابن الحبوبي، والفائز عيسى بن الظافر خليفة العبيدية وله عشر سنين، وأمير المؤمنين المقتفي، والشيخ محمد بن يحيى الزبيدي الواعظ، وأبو طاهر محمد بن أبي بكر البخاري الصابوني، ومسعود بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني، ويحيى بن عبد الرحمن الطوسي ابن تاج القراء، وأبو المظفر محمد بن أحمد ابن التريكي.

سنجر

السلطان، ملك خراسان، معز الدين، سنجر بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن جغريبك بن ميكائيل بن سلجوق الغزي التركي السلجوقي، صاحب خراسان وغزنة وبعض ما وراء النهر.
خطب له بالعراق وأذربيجان والشام والجزيرة وديار بكر وأران والحرمين.
واسمه بالعربي أبو الحارث أحمد بن حسن بن محمد بن داود. كذا قال السمعاني، لكن قال في أبيه: حسن إن شاء الله.
ولد بسنجار من الجزيرة في رجب سنة تسع وسبعين وأربع مئة إذ توجه أبوه لغزو الروم، ونشأ ببلاد الخوز، ثم سكن خراسان، وتدير مرو.
قال ابن خلكان: ولي نيابةً عن أخيه السلطان بركياروق سنة تسعين وأربع مئة، ثم استقل بالملك في سنة اثنتي عشرة وخمس مئة.
قال السمعاني: كان في أيام أخيه يلقب بالملك المظفر إلى أن توفي أخوه محمد بالعراق في آخر سنة إحدى عشرة، فتسلطن، ورث الملك عن آبائه، وزاد عليهم، وملك البلاد، وقهر العباد، وخطب له على أكثر منابر الإسلام.
وكان وقوراً حيياً، كريماً سخياً، مشفقاً، ناصحاً لرعيته، كثير الصفح، جلس على سرير الملك قريباً من ستين سنة.
قال: وحكى أنه دخل مع أخيه محمد على المستظهر بالله، قال: فلما وقفنا ظنني السلطان، فافتتح كلامه معي، فخدمت، وقلت: يا مولانا، هو السلطان، وأشرت إلى أخي، ففوض إليه السلطنة، وجعلني ولي عهده. أجاز أبو الحسن علي بن أحمد المديني لسنجر مسموعاته، فقرأت عليه بها أحاديث، وقد ثقل سمعه.
قال ابن الجوزي: حارب سنجر الغز يعني قبل سنة خمسين وخمس مئة فأسروه، ثم تخلص بعد مدة.
وقال ابن خلكان: كان من أعظم الملوك همةً، وأكثرهم عطاءً، ذكر أنه اصطبح خمسة أيام متواليه ذهب بها في الجود كل مذهب، فبلغ ما وهب من العين سبع مئة ألف دينار سوى الخلع والخيل.
قال: وقال خازنه: اجتمع في خزائنه من الأموال ما لم يسمع أنه اجتمع في خزائن ملك، قلت له يوماً: حصل من خزائنك ألف ثوب ديباج أطلس، وأحب أن تراها، فسكت، فأبرزت جميعها، فحمد الله، ثم قال: يقبح بمثلي أن يقال: مال إلى المال. وأذن للأمراء في الدخول، وفرق عليهم الثياب. قال: واجتمع عنده من الجواهر ألف رطل ونيف، ولم يسمع عند ملك ما يقارب هذا. قال ابن خلكان: لم يزل في ازدياد إلى أن ظهرت عليه الغز في سنة 548 وهي وقعة مشهورة استشهد فيها الفقيه محمد بن يحيى، فكسروه، وانحل نظام ملكه، وملكوا نيسابور، وقتلوا خلقاً كثيراً، وأخذوا السلطان، وضربوا رقاب عدة من أمرائه، ثم قبلوا الأرض، وقالوا: أنت سلطاننا، وبقي معهم مثل جندي يركب اكديشاً، ويجوع وقتاً، وأتوا به، فدخلوا معه مرو، فطلبها منه أميرهم بختيار إقطاعاً، فقال: كيف يصير هذا ؟! هذه دار الملك. فصفى له، وضحكوا، فنزل عن الملك، ودخل إلى خانقاه مرو، وعملت الغز ما لا تعمله الكفار من العظائم، وانضمت العساكر، فملكوا مملوك سنجر أيبه، وجرت مصائب على خراسان، فبقي في أسرهم ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم أفلت منهم، وعاد إلى خراسان، وزال بموته ملك بني سلجوق عن خراسان، واستولى على أكثر مملكته خوارزم شاه أتسز بن محمد بن نوشتكين، ومات أتسز قبل سنجر.
قال السمعاني: مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة، ودفن في قبة بناها، وسماها دار الآخرة.
قال ابن الجوزي: لما جاء خبر موته إلى بغداد، قطعت خطبته، ولم يعقد له عزاء.
قال السمعاني: تسلطن بعده ابن أخته الخاقان محمود بن محمد بن بغراجان.
قلت: وقد عمل في أثناء دولته مصافاً ما سمع بمثله أبداً مع كافر ترك، انكسر سنجر فيها، وقتل من جنده سبعون ألفاً.

أبق

الملك المظفر، مجير الدين، أبو سعيد، أبق، صاحب دمشق وابن صاحبها جمال الدين محمد بن تاج الملوك بوري بن طغتكين البعلبكي المولد.
تملك بعد أبيه وهو حدث، ودبر الدولة أنر الطغتكيني والوزير ابن الصوفي، فلما مات أنر استقل بالملك مجير الدين، ثم نفى الوزير إلى صرخد، واستوزر أخاه حيدرة مدةً، ثم قتله، وقدم على الجيش عطاء البعلبكي، ثم قتله، فقصد نور الدين دمشق، وعامله أهلها، فأخذها بالأمان، وعوض مجير الدين بحمص، فأقام بها، ثم أمره نور الدين بالتحول إلى بالس، فسار إليها، ثم تركها، وقدم على الخليفة، فأعطاه خبز سبعين فارساً إلى أن مات ببغداد سنة أربع وستين وخمس مئة كهلاً.

عبد المؤمن بن علي

ابن علوي، سلطان المغرب الذي يلقب بأمير المؤمنين، الكومي القيسي، المغربي.
مولده بأعمال تلمسان. وكان أبوه يصنع الفخار.
قيل: إنه قال أعني عبد المؤمن : إنما نحن من قيس غيلان بن مضر بن نزار، ولكومية علينا حق الولادة، والمنشأ فيهم، وهم أخوالي.
وكان الخطباء إذا دعوا له بعد ابن تومرت، قالوا: قسميه في النسب الكريم.
مولده سنة سبع وثمانين وأربع مئة.
وكان أبيض جميلاً، ذا جسم عمم، تعلوه حمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، جهوري الصوت، فصيحاً جزل المنطق، لا يراه أحد إلا أحبه بديهةً، وكان في كبره شيخاً وقوراً، أبيض الشعر، كث اللحية، واضح بياض الأسنان، وكان عظيم الهامة، طويل القعدة، شثن الكف، أشهل العين، على خده الأيمن خال، يقال: كان في صباه نائماً،، فسمع أبوه دوياً، فإذا سحابة سمراء من النحل قد أهوت مطبقةً على بيته، فنزلت كلها على الصبي، فما استيقظ، فصاحت أمه، فسكنها أبوه، وقال: لا بأس، لكني متعجب مما تدل عليه، ثم طارت عنه، وقعد الصبي سالماً، فذهب أبوه إلى زاجر، فذكر له ما جرى، فقال: يوشك أن يكون لابنك شأن، يجتمع عليه طاعة أهل المغرب. وكان محمد بن تومرت قد سافر في حدود الخمس مئة إلى المشرق، وجالس العلماء، وتزهد، وأقبل على الإنكار على الدولة بالإسكندرية وغيرها، فكان ينفى ويؤذى، ففي رجعته إلى إفريقية هو ورفيقه الشيخ عمر الهنتاتي صادف عبد المؤمن، فحدثه ووانسه، وقال: إلى أين تسافر ؟ قال: أطلب العلم. قال: قد وجدت طلبتك. ففقهه، وصحبه، وأحبه، وأقضى إليه بأسراره لما رأى فيه من سمات النبل، فوجد همته كما في النفس، فقال ابن تومرت يوماً لخواصه: هذا غلاب الدول. ومضوا إلى جبل تينمل بأقصى المغرب، فأقبل عليهم البربر، وكثروا، وعسكروا، وشقوا العصا على ابن تاشفين، وحاربوه مرات، وعظم أمرهم، وكثرت جموعهم، واستفحل أمرهم، وخافتهم الملوك، وآل بهم الحال إلى الإستيلاء على الممالك، ولكن مات ابن تومرت قبل تمكنهم في سنة أربع وعشرين وخمس مئة. وكانت وقعة البحيرة بظاهر مراكش بين ابن تاشفين صاحب المغرب وبين أصحاب ابن تومرت في سنة إحدى وعشرين، فانهزم فيها الموحدون، واستحر بهم القتل، ولم ينج منهم إلا نحو من أربع مئة مقاتل، ولما توفي ابن تومرت كتموا موته، وجعلوا يخرون من البيت، ويقولون: قال المهدي كذا، وأمر بكذا، وبقي عبد المؤمن يغير في عسكره على القرى، ويعيشون من النهب، وضعف أمرهم، وكذلك اختلف جيش ابن تاشفين الذين يقال لهم: المرابطون، ويقال لهم: الملثمون، فخامر منهم الفلاكي من كبارهم، وسار إلى عبد المؤمن، فتلقاه بالاحترام، واعتضد به، فلما كان بعد خمسة أعوام أفصحوا بموت ابن تومرت، ولقبوا عبد المؤمن أمير المؤمنين، وصارت حصون الفلاكي للموحدين، وأغاروا على نواحي أغمات والسوس الأقصى، واستفحل بهم البلاء.
وقال صاحب المعجب عبد الواحد المراكشي: استدعى ابن تومرت قبل موته الرجال المسمين بالجماعة وأهل الخمسين والثلاثة عمر أرتاج، وعمر إينتي، وعبد الله بن سليمان، فحمد الله، ثم قال: إن الله سبحانه، وله الحمد من عليكم أيتها الطائفة بتأييده، وخصكم بحقيقة توحيده، وقيض لكم من ألفاكم ضلالاً لا تهتدون، وعمياً لا تبصرون، قد فشت فيكم البدع، واستهوتكم الأباطيل، فهداكم الله به، ونصركم، وجمعكم بعد الفرقة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارقين، وسيورثكم أرضهم وديارهم، ذلك بما كسبت أيديهم، فجددوا لله خالص نياتكم، وأروه من الشكر قولاً وفعلاً مما يزكي به سعيكم، واحذروا الفرقة، وكونوا يداً واحدةً على عدوكم، فإنكم إن فعلتم ذلك هابكم الناس، وأسرعوا إلى طاعتكم، وإن لا تفعلوا شملكم الذل، واحتقرتكم العامة، وعليكم بمزج الرأفة بالغلظة، واللين بالعنف، وقد اخرنا لكم رجلاً منكم، وجعلناه أميراً بعد أن بلوناه، فرأيناه ثبتاً في دينه، متبصراً في أمره، وهو هذا وأشار إلى عبد المؤمن فاسمعوا له وأطيعوا ما أطاع ربه، فإن بدل ففي الموحدين بركة وخير، والأمر أمر الله يقلده من يشاء. فبايع القوم عبد المؤمن، ودعا لهم ابن تومرت.
وقال ابن خلكان: ما استخلفه بل أشار به. قال: فأول ما أخذ من البلاد وهران، ثم تلمسان، ثم فاس، ثم سلا، ثم سبتة، ثم حاصر مراكش أحد عشر شهراً، فأخذها في سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة، وامتد ملكه، وافتتح كثيراً من الأندلس، وقصدته الشعراء، ولما قال فيه التيفاشي قصيدته:

ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل

 

مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي

أشار إليه أن يقتصر على هذا المطلع، وأمر له بألف دينار، وانقطعت الدعوة العباسية بموت أمير المسلمين علي بن تاشفين وولده تاشفين، وكانت دولة تاشفين ثلاث سنين.
قال ابن الجوزي في المرآة: استولى عبد المؤمن على مراكش، فقتل المقاتلة، وكف عن الرعية، وأحضر اليهود والنصارى، وقال: إن المهدي أمرني أن لا أقر الناس إلا على ملة الإسلام، وأنا مخيركم بين ثلاث، إما أن تسلموا، وإما أن تلحقوا بدار الحرب، وإما القتل. فأسلم طائفة ولحقت أخرى بدار الحرب، وخرب كنائسهم، وعملها مساجد، وألغى الجزية، فعل ذلك في جميع مدائنه، وأنفق بيوت الأموال، وصلى فيها اقتداءً بعلي، وليري الناس أنه لا يكنز المال، وأقام كثيراً من معالم الإسلام مع سياسة كاملة، ونادى: من ترك الصلاة ثلاثاً فاقتلوه، وأزال المنكر، وكان يؤم بالناس، ويتلو في اليوم سبعاً، ويلبس الصوف الفاخر، ويصوم الاثنين والخميس، ويقسم الفيء بالشرع، فأحبوه. قال عزيز في كتاب الجمع: كان عبد المؤمن يأخذ الحق إذا وجب على ولده، ولم يدع مشركاً في بلاده لا يهودياً ولا نصرانياً، فجميع رعيته مسلمون.
وقال عبد الواحد بن علي: وزر له أولاً عمر أرتاج، ثم رفعه عن الوزارة، واستوزر أبا جعفر أحمد بن عطية الكاتب، فلما أخذ بجاية استكتب من أهلها أبا القاسم القالمي، ثم في سنة 53 قتل ابن عطية، وأخذ أمواله، واستوزر عبد السلام الكومي، ثم قتله سنة سبع، واستوزر ابنه عمر، وولى قضاءه ابن جبل الوهراني، ثم عبد الله بن عبد الرحمن المالقي، وأسر يحيى الصنهاجي صاحب بجاية، وكان هو وآباؤه من بقايا نواب بني عبيد الرافضة، ثم أحس إلى يحيى، وصيره من قواده، وكان عبد المؤمن مؤثراً لأهل العلم، محباً لهم، ويجزل صلاتهم، وسميت المصامدة بالموحدين لأجل خوض المهدي بهم في علم الاعتقاد والكلام.
وكان عبد المؤمن رزيناً وقوراً، كامل السؤدد، سرياً، عالي الهمة، خليقاً للإمارة، واختلت أحوال الأندلس، وتخاذل المرابطون، وآثروا الراحة، واجترأ عليهم الفرنج، وانفرد كل قائد بمدينة، وهاجت عليهم الفرنج، وطمعوا، فجهز عبد المؤمن عمر إينتي، فدخل إلى الأندلس، فأخذ الجزيرة الخضراء، ثم رندة، ثم إشبيلية وقرطبة وغرناطة، ثم سار عبد المؤمن بجيوشه، وعدى البحر من زقاق سبتة، فنزل جبل طارق، وسماه جبل الفتح، فأقام أشهراً، وبنى هناك قصوراً ومدينة، ووفد إليه كبراء الأندلس، وقام بعض الشعراء منشداً:

ما للعدى جنّةٌ أوقى من الهـرب

 

أين المفرّ وخيل اللّه في الطّلب

وأين يذهب من في رأس شاهقةٍ

 

وقد رمته سهام اللّه بالشّـهـب

حدّث عن الرّوم في أقطار أندلسٍ

 

والبحر قد ملأ البرّين بالعـرب

فأعجب بها عبد المؤمن، وقال: بمثل هذا يمدح الخلفاء. ثم أمر على إشبيلية ولده يوسف، وعلى قرطبة أبا حفص عمر إينتي، وعلى غرناطة عثمان ولده، وقرر بالأندلس جيشاً كثيفاً من المصامدة والعرب وقبائل بني هلال، وكان قد حاربهم مدةً، وظفر بهم، وأذلهم، ثم كاتبهم ولاطفهم، فخدموا معه، وخلع عليهم، وكان دخوله إلى الأندلس في سنة ثمان وأربعين، ومما لاطف به العرب واستمالهم قصيدة له وهي:

أقيموا إلى العلياء هوج الرّواحـل

 

وقودوا إلى الهيجاء جرد الصّواهل

وقوموا لنصر الدّين قـومة ثـائرٍ

 

وشدّوا على الأعداء شـدّة صـائل

فما العزّ إلا ظهر أجـرد سـابـحٍ

 

وأبيض مأثـورٌ ولـيس بـسـائل

بني العمّ من عليا هلال بن عامـرٍ

 

وما جمعت من باسلٍ وابن باسـل

تعالوا فقد شدّت إلى الغـزو نـيّةٌ

 

عواقبها مـنـصـورةٌ بـالأوائل

هي الغزوة الغرّاء والموعد الـذي

 

تنجّز من بعد المدى المتـطـاول

بها نفتح الدّنيا بها نبلـغ الـمـنـى

 

بها ننصف التّحقيق من كلّ باطـل

فلا تتوانوا فـالـبـدار غـنـيمةٌ

 

وللمدلج السّاري صفاء المنـاهـل

قال عبد الواحد المراكشي: حدثني غير واحد أن عبد المؤمن لما نزل سلا وهي على البحر المحيط ينصب إليها نهر عظيم، ويمر في البحر عبر النهر، وضربت له خيمة، وجعلت جيوشه تعبر قبيلةً قبيلةً، فخر ساجداً، ثم رفع وقد بل الدمع لحيته، فقال: أعرف ثلاثةً وردوا هذه المدينة، لا شيء لهم إلا رغيف واحد، فراموا عبور هذا النهر، فبذلوا الرغيف لصاحب القارب على أن يعدي بهم، فقال: لا آخذه إلا عن اثنين، فقال أحدهم وكان شاباً: تأخذ ثيابي وأنا أسبح، ففعل، فكان الشاب كلما أعيا، دنا من القارب، ووضع يده عليه يستريح، فيضربه بالمجذاف، فما عدى إلا بعد جهد. فما شك السماعون أنه هو السابح، والآخران ابن تومرت، وعبد الواحد الشرقي. قال: ثم نزل عبد المؤمن مراكش، وأقبل على البناء والغراس وترتيب ملكه، وبسط العدل، وبقي ابنه عبد الله ببجاية يشن الغارات على نواحي إفريقية، وضايق تونس، ثم حاصرها مدةً، وأفسد مياهها، وقطع أشجارها، وبها ابن خراسان نائب صاحب صقلية لوجار بن الدوقة الرومي، فطال على ابن خراسان الحصار، فبرز، والتقى الموحدين، فهزمهم، وقتل خلقاً منهم، فبعث عبد الله يستمد أباه، فتهيأ في سنة 553 لتونس، وأقبل في جيوشه حتى نازلها، فأخذها عنوةً، وانتقل إلى المهدية وهي للنصارى لكن رعيتها مسلمون، فطال الحصار لحصانتها، يقال: عرض سورها ممر ستة أفراس، وأكثرها في البحر، فكانت النجدات تأتيها من صقلية.
قال ابن الأثير: نازل عبد المؤمن المهدية، فبرز شجعان الفرنج، فنالوا من عسكره، فأمر ببناء سور عليهم، وصابرها، وأخذ سفاقس وطرابلس وقابس، وجرت أمور وحروب يطول شرحها، وجهز من افتتح توزر وبلاد الجريد، وطرد عنها الفرنج، وطهر إفريقية من الكفر، وتكمل له ملك المغرب من طرابلس إلى السوس الأقصى وأكثر مملكة الأندلس، ولو قصد مصر لأخذها، ولما صعبت عليه.
وقيل: إنه مر بقريته ليصل بها ذوي رحمه، ويزور قبر أمه، فلما أطل عليها وجيوشه قد ملأت الفضاء، والرايات والبنود على رأسه، وضرب نحو من مئتي طبل، وطبولهم كبار جداً تزعج الأرض، فقالت عجوز منهم: هكذا يعود الغريب إلى بلده !؟ وصاحت بذلك.
ولما دخلت سنة ثمان وخمسين أمر الجيش بالجهاز لجهاد الروم، واستنفر الناس عاماً، ثم سار حتى نزل بسلا، فمرض، وجاءه الأجل بها في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وارتجت المغرب لموته، وكان قد جعل ولي عهده ابنه محمداً، وكان لا يصلح لطيشه وجذام به ولشربه الخمر، فتملك أياماً، وخلعوه، واتفقوا على تولية أخيه يوسف بن عبد المؤمن، فبقي في الملك اثنتين وعشرين سنة. وخلف عبد المؤمن ستة عشر ولداً ذكراً.
قال صاحب كتاب الجمع: وقفت على كتاب كتبه عن عبد المؤمن بعض كتابه: من الخليفة المعصوم الرضي الزكي، الذي بشر به النبي العربي، القامع لكل مجسم غوي، الناصر لدين الله العلي، أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي.

شهردار

ابن شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسره، الإمام العالم المحدث المفيد، أبو منصور بن الحافظ المؤرخ أبي شجاع الديلمي الهمذاني، من ذرية الضحاك بن فيروز الديلمي رضي الله عنه.
أجاز له عام مولده باعتناء والده أبو بكر بن خلف الشيرازي، وأبو منصور المقومي سنة 483.
وسمع: أباه، وأبا الفتح عبدوس بن عبد الله، ومكي بن علان السلار، وحمد بن نصر الأعمش، وأبا محمد الدوني، وفيد بن عبد الرحمن، وأبا بكر أحمد بن محمد بن زنجويه فقيه زنجان ذكر أنه سمع منه مسند الإمام أحمد في سنة خمس مئة، أخبرنا الحسين الفلاكي، أخبرنا القطيعي. وسمع ببغداد.
حدث عنه: ابنه أبو مسلم أحمد، وأبو سهل عبد السلام بن فتحة السرفولي الذي روى عنه الألقاب للشيرازي، وأبو سعد السمعاني وقال: كان حافظاً عارفاً بالحديث، فهماً، عارفاً بالأدب، ظريفاً خفيفاً، لازماً مسجده، متبعاً أثر والده في الحديث والسماع والطلب، رحل مع أبيه سنة خمس وخمس مئة إلى أصبهان، كتبت عنه، وكان يجمع أسانيد كتاب الفردوس لوالده، ورتب ذلك ترتيباً حسناً عجيباً، ثم رأيت الكتاب بمرو سنة ست وخمسين في ثلاث مجلدات ضخمة وقد فرغ منه، وهذبه، ونقحه.
وقال عبد الرحيم الحاجي: توفي شهردار في رجب سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.
أخبرنا أحمد بن المؤيد الزاهد، أخبرنا عبد السلام بن فتحة سنة ثمان عشرة وست مئة حضوراً، أخبرنا أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي سنة 554، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عمر البيع، أخبرنا حميد بن مأمون، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ، أخبرنا أبو سعيد هو عبد الله ابن محمد بن محبور التميمي، حدثنا أبو بكر هو محمد بن أحمد بن عبد الله ابن مهدي، حدثنا عبد العزيز بن يحيى، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق، كتب كتاباً، فهو عنده على عرشه: إن رحمتي غلبت غضبي.
أخرجه النسائي عن شعيب بن شعيب بن إسحاق، عن زيد بن يحيى، عن مالك. وفيها مات أحمد بن محمد بن قدامة الزاهد والد الشيخ موفق الدين، وسلامة بن أحمد بن الصدر، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني بدمشق، وأبو محمد عبد الرحمن بن زيد بن الفضل الوراق، وعبد المؤمن صاحب المغرب، وكمال بنت المحدث عبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وصاحب الإنشاء سديد الدولة محمد بن عبد الكريم ابن الأنباري عن نيف وثمانين سنة وهبة الله بن الفضل بن القطان المتوثي، أحد الشعراء، وله ثمانون سنة، وشيخ الشافعية باليمن أبو الخير يحيى ابن سالم العمراني صاحب كتاب البيان في المذهب.

الباغبان

الشيخ المعمر الثقة الكبير، أبو الخير، محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن القاسم بن عبد الله بن علي بن إسحاق بن سندار، الأصبهاني المقدر المهندس المؤذن الصوفي، شهر بالباغبان.
ولد سنة بضع وستين وأربع مئة.
وسمع أبا عمرو عبد الوهاب بن مندة، وأبا عيسى بن زياد، وأبا بكر بن ماجه، والمطهر البزاني، وأبا الطيب محمد بن أحمد بن سلى صاحب أبي علي بن البغدادي، والعلامة أبا نصر بن الصباغ في الرسلية، وأبا منصور بن شكرويه، ومحمد بن أحمد السمسار، وإبراهيم بن محمد القفال، وحكيم ابن محمد الإسفراييني سمع منه مسند الشافعي، أخبرنا جدي لأمي علي ابن محمد السقاء.
وحدث بحضرة الحافظ أبي العلاء العطار بهمذان وبأصبهان.
حدث عنه: السمعاني، وجامع بن خمارتاش، ومحمد بن أحمد بن أبي الفتح النجار، ومحمد بن مكي الحنبلي، وداود بن معمر، وعبد البر بن أبي العلاء، وأبو الوفاء محمود بن مندة، ومحمد بن أحمد المعلم، وآخرون.
وآخر من روى عنه بالإجازة كريمة القرشية، وعجيبة الباقدارية.
قال ابن نقطة: هو ثقة صحيح السماع.
وقال عبد الرحيم الحاجي: مات في ثاني عشر شوال سنة تسع وخمسين وخمس مئة.
وفيها مات المسند أبو سعد عبد الوهاب بن الحسن الكرماني، وعلي بن حمزة بن إسماعيل الموسوي الهروي، وأبو المعالي عمر بن علي الصيرفي الخفاف، والحافظ محمد بن الحسين الزاغولي بمرو.

الشيخ رسلان

هو الشيخ الزاهد العابد، بقية المشايخ، رسلان بن يعقوب بن عبد الرحمن الجعبري، ثم الدمشقي، النشار، من أولاد الأجناد الذين بقلعة جعبر.
صحب الشيخ أبا عامر المؤدب الذي هو مدفون مع الشيخ رسلان في قبته بظاهر باب توما ودفن عندهما ثالث وهو أبو المجد خادم رسلان وكان أبو عامر قد صحب الشيخ ياسين تلميذ الشيخ مسلمة. وقيل: إن مسلمة الزاهد صحب الشيخ عقيلاً، وهو صحب الشيخ علي بن عليم صاحب أبي سعيد الخراز.
كان نشاراً في الخشب، فقيل: بقي سنين يأخذ أجرته، ويدفعها لشيخه أبي عامر، وشيخه يطعمه. وقيل: بل كان يقسم أجرته، فثلث يتصدق به، وثلث لقوته، وثلث لباقي مصالحه.
وكان يتعبد بمسجد داخل باب توما جوار بيته، ثم انتقل إلى مسجد درب الحجر، فأقام بجهته الشرقية، وكان الشيخ أبو البيان في جانبه الغربي، فتعبدا مدةً، وصحب كلا منهما جماعة، ثم خرج الشيخ بأصحابه، فأقام بمسجد خالد بن الوليد الذي تجاه قبته، وعبد الله إلى أن مات في حدود سنة خمسين وخمس مئة أو بعد ذلك.
وقد سقت من أخباره في تاريخنا الكبير.
وكان ورعاً قانتاً، صاحب أحوال ومقامات، ولم تبلغني أخباره كما ينبغي، وما عملته كان له اشتغال في العلم.

أبو الحسين الزاهد

هو الزاهد القدوة الولي، أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة المقدسي.
ألف الحافظ الضياء سيرته في جزء، أنبأني به الشيخ أبو عبد الله بن الكمال وغيره بسماعهم منه، فقال: حدثني الإمام عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال: مضيت إلى زيارة أبي الحسين الزاهد بحلب، ولم تكن نيتي صادقةً، فقال: إذا جئت إلى المشايخ، فلتكن نيتك صادقةً في الزيارة.
سألت خالي أبا عمر: هل رأيت أبا الحسين يأكل شيئاً ؟ فقال: رأيته يأكل خروباً يمصه ويرمي به، ورأيته يأكل بقلاً مصلوقاً.
 قال أبو سعد السمعاني: سمعت سنان بن مشيع الرقي يقول: رأيت أبا الحسين المقدسي برأس عين في موضع عرياناً قد اتزر بقميصه ومعه حمار، والناس قد تكابوا عليه، فقال: تعال: فتقدمت، فأخذ بيدي، وقال: نتواخى ؟ قلت: ما لي طاقة. قال: أيش لك في هذا، وآخاني. وقال لواحد من الجماعة: حماري يحتاج إلى رسن. فقالوا: ثمنه أربعة فلوس. فأشار إلى موضع في الحائط، فإني جزت ها هنا، وخبأت ثم أربع فلوس، اشتروا لي بها حبلاً. ثم قال: أريد أن تشتري لي بدينار سمكاً. قلت: كرامة، ومن أين لك ذهب ؟ قال: بلى معي ذهب كثير. قلت: الذهب يكون أحمر. قال: أبصر تحت الحشيش. فأخذت الحشيش، فخرج دينار، فاشتريت له به سمكاً، فنظفه، وشواه، ثم قلاه، ثم أخرج منه الجلد والعظام، وجعله أقراصاً، وجففه، وتركه في جرابه، ومضى وله سنون ما أكل الخبز. وكان يسكن جبال الشام، ويأكل البلوط والخرنوب.
قال الضياء: قرأت بخط يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي أنه سمع من الشيخ أبي الحسين أبياتاً، ثم قال: وكان عظيم الشأن، يقعد خمسة عشر يوماً لا يأكل سوى أكلة، ويتقوت من الخروب البري، ويجفف السمك، وحدثني يوسف بن الشيخ أبي الحسين أن الشيخ استف من صرة، فرآه رجل، فأراد أن يستف منه، فإذا هو مر، فلما جاء الشيخ، قال: يا سيدي، ما في الصرة ؟ فناوله منها كفاً، فإذا هو سكر وقلب لوز.
وأخبرنا أبو المظفر السمعاني عن أبيه: سمعت عبد الواحد بن عبد الملك الزاهد بالكرج، سمعت أبا الحسين المقدسي وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة، وكان طاف الدنيا يقول: رأيت أعجمياً بخراسان يعظ، اسمه يوسف بن أيوب.
قال: وحدثني أبو تمام حمد بن تركي بن ماضي قال: حدثني جدي قال: كان بعسقلان في يوم عيد، فجاء أبو الحسين الزاهد إلى امرأة معها خبز سخن، فقال: تشتهي لزوجك من هذا الخبز وكان في الحج فناولته رغيفين، فلفهما في مئزر، ومضى إلى مكة، فقال: خذ هذا من عند أهلك. وأخرجه سخناً، ورجع، فرأوه يومئذ بمكة وبعسقلان، وجاء الرجل، وقال: أما أعطيتني الرغيفين ؟ فقال: لا تفعل، قد اشتبه عليك. فحدثني جدي ماضي قال: كان أبو الحسين بعسقلان، فوصوا عليه البوابين لا تخلوه يخرج خوفاً من الفرنج، فجاء وعدا وقميصه في فمه، فإذا هو في جبل لبنان، فقال لنفسه: ويلك وأنت ممن بلغ هذه الرتبة ؟! وعن مسعود اليمني: قالت الفرنج: لو أن فيكم آخر مثل أبي الحسين لاتبعناكم على دينكم، مروا يوماً، فرأوه راكباً على سبع وفي يده حية، فلما رآهم، نزل ومضى.
السمعاني: سمعت عبد الواحد بالكرج يقول: سمعت الكفار يقولون: الأسود والنمور كأنها نعم أبي الحسين.
قال الضياء: سمعنا له غير ذلك من مشي الأسد معه، وقيل: عمل حلاوةً من قشور البطيخ، فغرف حلاوةً من أحسن الحلاوة.
وحدثني عنه المحسن بن محمد بن الشيخ، حدثنا أبي قال: كان والدي يعمل لنا الحلاوة من قشور البطيخ، ويسوطها بيده، فعملنا بعده، فلم تنعمل، فقالت أمي: بقيت تعوز المغرفة.
حدثني خالي أبو عمر قال: كان أبو الحسين يجيء إلينا، وكان يقطع البطيخ ويطبخه، واستعار مني سكيناً، فجرحته، فقال: ما سكينك إلا حمقى.
وعن امرأة: أن أبا الحسين دخل تنوراً، وخرج منه.
حدثنا محمد بن إسماعيل الإمام بمردا، حدثنا أبو يوسف حسن قال: كنت مع أبي الحسين الزاهد، فقال لناس: أعطوني من ناركم، فملؤوا له قطعة جرة، فقال: صبوها في ملحفتي. فصبوها في ملحفته، فأخذها ومضى. وقيل: إنه رش ماءً على زمنة، فمشت. سمعت خالي موفق الدين يقول: حكي أن أبا الحسين أراد لص أن يأخذ حماره، قال: فيبست يده، فلما أبعد عنه، عادت.
قال الضياء: وبلغني عنه أنه كان يلبس سراويله حماره، ويقول: نواري عورته. فيضحك الناس.
وقيل: كان إذا عرف بمكان سافر، وقبره يزار بظاهر حلب.
مات ظناً سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.
وقيل: أعطت زوجة سلطان حلب لزوجة أبي الحسين شقة حرير، فعملها سراويل لحماره. ورأى حمالاً قد رمى قفص فخار، فتطحن، فجمعه له، وجاء معه إلى الفاخورة، فحطه، فوجده صحاحاً.

مسعود

السلطان الكبير، غياث الدين، أبو الفتح، مسعود بن السلطان محمد ابن السلطان ملكشاه السلجوقي. نشأ بالموصل مع أتابك مودود، ورباه، ثم مع آقسنقر البرسقي، ثم مع خوش بك صاحب الموصل، فلما مات والده، حسن له خوشبك الخروج على أخيه محمود، فالتقيا، فانكسر مسعود، ثم تنقلت به الأحوال، واستقل بالسلطنة في سنة 528، وقدم بغداد.
قال ابن خلكان: كان عادلاً ليناً، كبير النفس، فرق مملكته على أصحابه، وما ناوأه أحد إلا وظفر به، وقتل خلقاً من كبار الأمراء والخليفتين الراشد والمسترشد، لأنه وقع بينه وبين المسترشد لاستطالة نواب مسعود على العراق، وعارضوا الخليفة في أملاكه، فبرز لحربه، فجيش مسعود بهمذان، فالتقيا، فانكسر جيش المسترشد، وأسر في عدة من أمرائه، وطاف بهم مسعود بأذربيجان، وقتل الخليفة بمراغة، وأقبل مسعود على اللذات والبطالة، وحدث له علة الغثيان مدة، وجرت بينه وبني عمه سنجر منازعة، ثم تصالحا.
قال ابن الأثير: كان كثير المزاح، حسن الخلق، كريماً، عفيفاً عن أموال الرعية، من أحسن السلاطين سيرةً، وألينهم عريكةً.
قلت: أبطل مكوساً ومظالم كثيرةً، وعدل، واتسع ملكه، وكان يميل إلى العلماء والصالحين، ويتواضع لهم.
قال ابن الدبيثي: أنبأنا علي بن محمد النيسابوري، أخبرنا السلطان مسعود، أخبرنا أبو بكر قاضي المرستان، أخبرنا البرمكي بحديث من جزء الأنصاري.
قال أبو سعد السمعاني: كان بطلاً شجاعاً، ذا رأي وشهامة، تليق به السلطنة، سمع منه جماعة، مات في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وخمس مئة.
قلت: نقل إلى أصبهان، فدفن بها، وعاش خمساً وأربعين سنةً، وكان قد أحب خاص بك التركماني، فرقاه، وقدمه على جميع قواده، وكثرت أمواله، فلما مات السلطان، قال خاص بك لولده ملكشاه: سأقبض عليك صورةً، وأطلب أخاك محمداً لأملكه، فإذا جاء أمسكناه، وتستقل أنت. قال: فافعل. فما نفق خبثه على محمد، وجاء إلى همذان، فبادر العسكر إليه، فقال: كلامكم مع خاص بك فهو الوالد، فوصل هذا القول إلى خاص بك، فاطمأن، وتلقاه، وقدم له تحفاً، ثم قتل خاص بك، وخلف أموالاً جزيلةً من بعضها سبعون ألف ثوب أطلس.
قال المؤيد: بدره السلطان محمد ثاني يوم من قدومه، وقتله، وقتل معه آخر.

الخجندي

العلامة الأكمل، صدر الدين، أبو بكر، محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن ثابت، الخجندي، ثم الأصبهاني الشافعي.
سمع أبا علي الحداد وغيره.
قال السمعاني: كان صدر العراق على الإطلاق، إماماً فحلاً، مناظراً، مليح الوعظ، جواداً مهيباً، كان السلطان محمود يصدر عن رأيه، وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء، وكان يروي الحديث على المنبر من حفظه.
وقال ابن الجوزي: قدم وولي التدريس النظامية، حضرت مناظرته. وهو يتكلم بكلمات معدودة كأنها الدر، ووعظ بجامع القصر، وما كان يندار في الوعظ، وكان مهيباً، وحوله السيوف.
قال السمعاني: ذهب إلى أصبهان، فنزل قريةً بقرب همذان، فنام في عافية، وأصبح ميتاً في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة.
قال ابن الأثير: جرت لموته فتنة قتل فيها خلق أصبهان.

ابن المتوكل

الشيخ أبو علي الحسن بن جعفر بن عبد الصمد ابن المتوكل على الله، الهاشمي العباسي.
سمع أبا غالب الباقلاني، وعلي بن محمد العلاف، وجماعة.
روى عنه: السمعاني، وعبد المغيث بن زهير، وأبو المنجا ابن اللتي. وكان يلقب بهاء الشرف.
قال السمعاني: له معرفة بالأدب والشعر، وكان صالحاً.
وقال ابن النجار: له كتاب سرعة الجواب أتى فيه بكل مليح.
وقيل: جمع سيرةً للمقتفي.
توفي سنة ثلاث وخمسين وخمس مئة.

ابن القلانسي

الصاحب العميد، أبو يعلى، حمزة بن أسد بن علي، التميمي الدمشقي ابن القلانسي الكاتب، صاحب التاريخ.
روى عن: سهل بن بشر الإسفراييني، وحامد بن يوسف.
قال ابن عساكر: كان كاتباً أديباً، تولى رئاسة دمشق مرتين، وكان يكتب له في سماعه أبو العلاء المسلم، فذكر هو أنه هو، وأنه كان كذلك يسمى، صنف تاريخاً للحوادث، توفي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
قلت: نيف على الثمانين، وحدث عنه أبو القاسم بن صصرى، ومكرم بن أبي الصقر، وجماعة.
وكان متميزاً في الكتابتين الإنشاء والديوان، وحمدت ولايته، وفي عقبه رؤساء وعلماء.

صاحب غزنة

السلطان خسروشاه بن السلطان بهرام شاه بن السلطان مسعود بن إبراهيم بن مسعود بن فاتح الهند السلطان محمود بن سبكتكين.
تملك بعد أبيه تسعة أعوام.
قال ابن الأثير: كان عادلاً، حسن السيرة، محباً للخير، مقرباً للعلماء، راجعاً إلى قولهم، توفي في رجب سنة خمس وخمسين وخمس مئة، وقام بعده ابنه السلطان ملكشاه، فقصده ملك الغور علاء الدين، وحاصر غزنة، فنزل عليهم ثلج كثير، فترحلوا.
قال المؤيد: صاهر الأمير محمد بن الحسين الغوري للسلطان بهرام شاه بن مسعود، فاستوحش السلطان من محمد، فأمسكه، ثم ذبحه، فحشد أخوه سوري وأقبل، فالتقوا، فأسره بهرام شاه، فقتله أيضاً، فأقبل أخوهما الملك علاء الدين حسين بن حسين، وهزم بهرام شاه، واستولى على غزنة، واستناب عليها أخاه سيف الدين سام بن الحسين، ثم التقى بهرام شاه هو وسام، فقتل سام، وتمكن بهرام شاه إلى أن مات، وتملك خسرو، فقصده ملك الغور علاء الدين الملك المعظم، فهرب خسرو إلى نهاور، وتملك علاء الدين حسين غزنة، ونهبها، ودانت له الأمم، واستعمل ولدي أخيه غياث الدين وشهاب الدين ابني سام اللذين تمكنا وتملكا، فحاربا عمهما، فهزماه، وقهراه، وأسراه، لكن أكرماه، وأعاداه إلى مملكته، ووقفا في خدمته، فزوجهما بابنتيه، وجعلهما وليي عهده، ودام ذلك إلى أن مات هو سنة ست وخمسين وخمس مئة.

الكرخي

القاضي العلامة، أبو طاهر، محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الكرخي.
حدث عن: النعالي، والحسين بن البسري.
وعنه: عبد العزيز بن الأخضر، وغيره.
وولي القضاء بباب الأزج وبواسط.
تفقه بإلكيا الهراسي، والشاشي، وشهد على أبي الحسن بن الدامغاني. وله فضائل.
مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وخمس مئة بعد علة طويلة وله ثمانون سنة.

ابن المادح

الشيخ المعمر الصدوق، أبو محمد، محمد بن أحمد بن عبد الكريم ابن محمد بن المادح التميمي البغدادي.
شيخ معمر، عنده نحو من ستة أجزاء عالية.
سمع: أبا نصر الزينبي، وأبا الحسن علي بن محمد الأنباري، وأبا الغنائم بن أبي عثمان.
حدث عنه: إبراهيم بن محمد الشعار، وأحمد بن طارق، وعمر بن محمد الدينوري، وأحمد بن يحيى بن هبة الله، وعبد الحق بن المقرون، وعبد الرحمن بن الغزال، وأبو الفتوح نصر بن الحصري، وثابت بن مشرف، وعلي بن برورنداز، وعبد اللطيف بن عبد الوهاب الطبري، ومحمد ابن محمد بن أبي حرب النرسي.
وكان أبوه نواحاً، مداحاً للصحابة بالقصائد في المواسم بصوت مطرب.
مات أبو محمد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وخمس مئة في عشر التسعين.
وفيها مات أبو حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني الفقيه الزاهد، وأمير مصر الصالح طلائع بن رزيك، وأبو الفتح عبد الوهاب بن محمد بن الصابوني، ومقبل بن أحمد بن الصدر الحنبلي، وصاحب ما وراء النهر محمود خاقان بن محمد.

ابن كروس

الشيخ المحدث المسند، أبو يعلى، حمزة بن أحمد بن فارس بن المنجا بن كروس السلمي الدمشقي.
مولده يوم الأضحى سنة ثلاث وسبعين وأربع مئة.
وسمع موطأ يحيى بن بكير عن مالك من الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وسمع من مكي بن عبد السلام الرميلي، وسهل بن بشر الإسفراييني.
وطلب في وقت بنفسه، ونسخ بخطه.
حدث عنه: ابن عساكر، وابنه القاسم، وعمر بن علي القرشي، وأخوه عبد الوهاب، والقاضي عبد الرحمن بن سلطان، وأبو القاسم بن صصرى، ومكرم بن أبي الصقر، وإسحاق بن طرخان الشاغوري، وآخرون.
قال الحافظ ابن عساكر: كتبت عنه بعد ما تاب، وكان شيخاً حسن السمت، توفي في صفر سنة سبع وخمسين وخمس مئة.
وفيها مات أبو العباس أحمد بن ناقة الكوفي المحدث، وزمرذ خاتون أم شمس الملوك صاحبة الخاتونية التي على الشرف، وصدقة بن وزير الواسطي الواعظ، والواعظ عبد الرحمن المعري بدمشق، والشيخ عدي بن مسافر الزاهد، وإلكيا الصباحي الباطني صاحب ألموت، وهبة الله الشلبي القصار صاحب أبي نصر الزينبي.