ابن ماشاذه

ابن ماشاذه

الشيخ الإمام المعمر المقرىء المجود المحرر، مسند أصبهان، أبو بكر، محمد بن أحمد بن أبي الفرج بن ماشاذه الأصبهاني السكري المقرىء، خاتمة من سمع من سليمان بن إبراهيم الحافظ.
وسمع من الرئيس أبي عبد الله الثقفي، ومكي بن منصور الكرجي، وجماعة.
حدث عنه: محمد بن مكي الحنبلي، وعبد القادر الحافظ، وعبد الأعلى بن محمد بن محمد الرستمي، وإسحاق بن مطهر اليزدي، وأحمد ابن إبراهيم بن سفيان بن مندة، وجامع بن أحمد الخباز الأصبهانيون، وبالإجازة كريمة القرشية.
وكان من كبار المقرئين، وما علمت على من تلا.
مات سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة وله نيف وتسعون سنة.

المعداني

الشيخ الثقة المعمر، أبو القاسم، رجاء بن حامد بن رجاء بن عمر، الأصبهاني المعداني.
سمع من: رزق الله التميمي، وسليمان الحافظ، ومكي بن علان، وطبقتهم.
حدث عنه: عبد القادر الرهاوي، وأبو نزار ربيعة اليمني، وسليمان ابن داود بن ماشاذه، ومحمود بن محمد الوركاني، وسبطه محمد بن عمر بن أبي الفضائل، ومحمد بن محمد بن أبي المعالي الوثابي، وآخرون، وأجاز لكريمة وغيرها.
لم أظفر له بوفاة، توفي سنة نيف وستين وخمس مئة.

نصر بن سيار

ابن صاعد بن سيار، الشيخ الإمام الفقيه المعمر، مسند خراسان، شرف الدين، أبو الفتح الكناني الهروي الحنفي القاضي.
سمع الكثير من جده القاضي أبي العلاء صاعد بن سيار بن يحيى بن محمد بن إدريس، والقاضي أبي عامر محمود بن القاسم الأزدي سمع منه جامع أبي عيسى، ونجيب بن ميمون الواسطي، والزاهد محمد بن علي العميري، وأبي عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي، وأبي نصر أحمد ابن أميرجه، وجماعة.
وله إجازة من شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري، وأبي القاسم أحمد بن محمد الخليلي.
وقد سمع من جده صحيح الإسماعيلي.
قال السمعاني في التحبير: سمعت منه الجامع للترمذي، والزهد لسعيد بن منصور، رواه عن جده.
قال: وكان فقيهاً مناظراً فاضلاً متديناً، حسن السيرة، مطبوع الحركات، تاركاً للتكلف، سليم الجانب، ولد سنة خمس وسبعين وأربع مئة. قلت: حدث عنه هو وابنه عبد الرحيم، وزنكي بن أبي الوفاء، ومودود بن محمود، وضياء الدين أبو بكر بن علي المامنجي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وبالإجازة: ابن الشيرازي.
مات يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.

ابن قلاقس

الشاعر المجيد البليغ، أبو الفتوح، نصر الله بن عبد الله بن مخلوف اللخمي الإسكندري، ويلقب بالقاضي الأعز.
وديوانه مشهور.
وله في السلفي مدائح. ونظمه بديع.
ودخل اليمن، ومدح الكبار.
مات شاباً في شوال سنة سبع وستين وخمس مئة.

القرطبي

الإمام، شيخ الموصل، أبو بكر، يحيى بن سعدون بن تمام، الأزدي القرطبي المقرىء النحوي.
ولد سنة ست وثمانين وأربع مئة. ويلقب بصائن الدين.
أخذ القراءات عن أبي القاسم خلف بن النخاس بقرطبة، وعن أبي القاسم بن الفحام بالإسكندرية.
وسمع من أبي محمد بن عتاب، ومحمد بن بركات السعيدي، وأبي صادق مرشد المدينين وأبي جعفر أحمد بن عبد الحق، وأبي بكر محمد بن سعيد الضرير مقرىء المهدية، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي صاحب السداسيات، والمحدث رزين بن معاوية، وسار إلى أن بلغ خوارزم، وأخذ عن الزمخشري، وسمع ببغداد من ابن الحصين، وأبي العز ابن كادش، وبدمشق من جمال الإسلام السلمي.
وكان ثقةً متقناً، بارعاً في العربية، بصيراً بعلل القراءات، ديناً خيراً ناسكاًن وافر الحرمة، تخرج به أئمة.
تلا عليه الفخر محمد بن أبي الفرج الموصلي، ومحمد بن عبد الكريم البوازيجي، والقاضي بهاء الدين يوسف بن شداد، ومحمد بن محمد بن الكال الحلي، وأبو جعفر القرطبي.
وحدث عنه: الحافظان ابن عساكر والسمعاني، وأبو الحسن القطيعي، وعبد الله بن حسين الموصلي، وعدة.
توفي بالموصل يوم عيد الفطر سنة سبع وستين وخمس مئة.
قال ابن شداد: كنت أرى من يأتي الشيخ، فيعطيه شيئاً ملفوفاً ويذهب، ثم تقصينا ذلك، فعلمنا أنها دجاجة مسموطة كانت برسمه كل يوم، يشتريها ذلك الرجل، ويسمطها، فإذا قام الشيخ تولى طبخها. قال: ولازمته إحدى عشرة سنة.

البطائحي

الإمام، مقرىء العراق، أبو الحسن، علي بن عساكر بن المرحب البطائحي الضرير.
تلا بالروايات الكثيرة على أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وعمر بن إبراهيم الزيدي. وتقدم في هذا الشأن.
وحدث عن: أبي طالب بن يوسف، وهبة الله بن الحصين.
وله مصنف في القراءات.
وكان يدري العربية جيداً.
أخذ عنه القراءات: الوزير عون الدين، وعبد العزيز بن دلف، والخطيب بهاء الدين بن الجميزي، وعدة.
وحدث عنه: ابن الأخضر، وعبد الغني، وعبد القادر الرهاوي، وابن باقا، والشيخ الموفق، وآخرون.
قرأت بخط الشيخ موفق الدين: سمعنا من البطائحي الإبانة لابن بطة، والزهد لأحمد، وكان مقرىء بغداد، وكان عالماً بالعربية، إماماً في السنة.
وقال الضياء: قيل: ولد سنة تسعين وأربع مئة.
توفي في شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.
أخبرنا عبد الحافظ بنابلس، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا علي بن عساكر بقراءتي، أخبركم أبو طالب اليوسفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا محمد بن بخيت، أخبرنا عمر بن محمد، حدثنا أبو بكر الأترم، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: "لِلَّذِينَ أَحسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ" يونس قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله عهداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار ؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من ذلك ولا أقر لأعينهم منه.

تجني

بنت عبد الله، أم عتب الوهبانية، عتيقة أبي المكارم بن وهبان.
هي آخر من سمع طراد الزينبي وأبي عبد الله بن طلحة النعالي موتاً ببغداد.
حدث عنها: السمعاني، وابن عساكر، والشيخ الموفق، والناصح ابن الحنبلي، والبهاء عبد الرحمن، وأبو الفتوح بن الحصري، وهبة الله بن الحسن الدوامي، ومحمد بن عبد الكريم السيدي، وفخر النساء بنت الوزير محمد بن رئيس الرؤساء، وإبراهيم بن الخير، ويحيى بن قميرة، وآخرون. قال ابن الدبيثي: أجازت لنا، وتوفيت في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مئة.

خديجة

بنت أحمد بن الحسن بن عبد الكريم، فخر النساء، بنت النهرواني، امرأة صالحة معمرة.
روت عن: ابن طلحة النعالي.
حدث عنها: ابن أخيها علي بن روح، والشيخ الموفق، ونصر بن عبد الرزاق، والشيخ العماد المقدسي، وآخرون.
توفي في رمضان سنة سبعين وخمس مئة.
وآخر من تبقى من أصحابها بالسماع المقرىء إبراهيم بن الخير.
وفيها مات أحمد بن المبارك بن سعد المرقعاني، وقاضي القضاة أبو طالب روح بن أحمد الحديثي، وعبد الله بن عبد الصمد السلمي والد أحمد العطار، وأبو بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن خليل القيسي اللبلي.

عبد الحق

ابن الحافظ عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، الشيخ العالم الخير المسند الثقة، أبو الحسين البغدادي اليوسفي، من بيت الحديث، والفضل.
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
وأسمعه أبوه الكثير من أبي الحسين بن الطيوري، وأبي القاسم الربعي، وجعفر بن أحمد السراج، وأبي الحسن بن العلاف، وأبي سعد بن خشيش، وأبي القاسم بن بيان، وأبي طالب بن يوسف، وخلق.
حدث عنه: أبو محمد بن الأخضر، وابن الحصري، وعبد القادر الرهاوي، وعبد الغني، وابن قدامة، وابن راجح، وحمد بن صديق، وأبو الحسن بن القطيعي، وعبد الرحمن بن بختيار، وعمر بن بطاح، وقيصر البواب، وإبراهيم بن الخير، وأعز بن العليق، وأبو الحسن بن الجميزي، ومحمد بن عبد الكريم السيدي، وخلق.
قال أبو الفضل بن شافع: هو أثبت أقرانه.
وقال ابن الأخضر: كان لا يحدث بما سمعه حضوراً تورعاً.
وقال ابن الجوزي: كان حافظاً لكتاب الله، ديناً ثقةً.
وقال البهاء عبد الرحمن: سمعنا عليه كثيراً، وكان من بيت الحديث، وكان صالحاً فقيراً، وكان عسراً في السماع جداً، ورزقت منه حظاً، وكان يعيرني الأجزاء، فأكتبها، وكان يتلو في اليوم عشرين جزءاً.
قلت: مات في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين وخمس مئة.
وفيها مات أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء الصائغ، وأبو يحيى اليسع ابن حزم الغافقي، وتجني الوهبانية، والمستضيء بأمر الله، وعبد المحسن بن تريك البيع، والمحدث علي بن أحمد الحسيني الزيدي القدوة، وأبو المعالي علي بن هبة الله بن خلدون، والمحدث أبو المحاسن عمر بن علي القرشي عم كريمة، وعيسى بن أحمد أبو هاشم الدوشابي الهراس، والحافظ أبو بكر بن خير اللمتوني، والحافظ أبو محمد بن أبي غالب الباقداري، ومنوجهر بن تركانشاه، وأبو محمد المبارك بن علي ابن الطباخ بمكة.

ابن عساكر

الإمام العلامة الحافظ الكبير المجود، محدث الشام، ثقة الدين، أبو القاسم الدمشقي الشافعي، صاحب تاريخ دمشق.
نقلت ترجمته من خط ولده المحدث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: ولد في المحرم في أول الشهر سنة تسع وتسعين وأربع مئة، وسمعه أخوه صائن الدين هبة الله في سنة خمس وخمس مئة وبعدها، وارتحل إلى العراق في سنة عشرين، وحج سنة إحدى وعشرين.
قلت: وارتحل إلى خراسان على طريق أذربيجان في سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
وهو علي بن الشيخ أبي محمد الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين. فعساكر لا أدري لقب من هو من أجداده، أو لعله اسم لأحدهم.
سمع: الشريف أبا القاسم النسيب، وعنده عنه الأجزاء العشرون التي خرجها له شيخه الحافظ أبو بكر الخطيب سمعناها بالاتصال، وسمع من قوام ابن زيد صاحب ابن هزارمرد الصريفيني، ومن أبي الوحش سبيع بن قيراط صاحب الأهوازي، ومن أبي طاهر الحنائي، وأبي الحسن بن الموازيني، وأبي الفضائل الماسح، ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، والأمين هبة الله بن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وخلق بدمشق.
وأقام ببغداد خمسة أعوام، يحصل العلم، فسمع من هبة الله بن الحصين، وعلي بن عبد الواحد الدينوري، وقراتكين بن أسعد، وأبي غالب بن البناء، وهبة الله بن أحمد بن الطبر، وأبي الحسن البارع، وأحمد ابن ملوك الوراق، والقاضي أبي بكر، وخلق كثير.
وبمكة من عبد الله بن محمد المصري الملقب بالغزال.
وبالمدينة من عبد الخلاق بن عبد الواسع الهروي.
وبأصبهان من الحسين بن عبد الملك الخلال، وغانم بن خالد، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وخلق. وبنيسابور من أبي عبد الله الفراوي، وأبي محمد السيدي، وزاهر الشحامي، وعبد المنعم بن القشيري، وفاطمة بنت زعبل، وخلق.
وبمرو من يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، وخلق.
وبهراة من تميم بن أبي سعيد المؤدب، وعدة.
وبالكوفة من عمر بن إبراهيم الزيدي الشريف. وبهمذان وتبريز والموصل.
وعمل أربعين حديثاً بلدانية.
وعدد شيوخه الذي في معجمه ألف وثلاث مئة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخاً أنشدوه، وعن مئتين وتسعين شيخاً بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن معجم صغير سمعناه.
وحدث ببغداد والحجاز وأصبهان ونيسابور.
وصنف الكثير.
وكان فهماً حافظاً متقناً ذكياً بصيراً بهذا الشأن، لا يلحق شأؤه، ولا يشق غباره، ولا كان له نظير في زمانه.
حدث عنه: معمر بن الفاخر، والحافظ أبو العلاء العطار، والحافظ أبو سعد السمعاني، وابنه القاسم بن علي، والإمام أبو جعفر القرطبي، والحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بن صصرى، وقاضي دمشق أبو القاسم بن الحرستاني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والمفتي فخر الدين عبد الرحمن بن عساكر، وأخواه زين الأمناء حسن، وأبو نصر عبد الرحيم، وأخوهم تاج الأمناء أحمد، وولده العز النسابة، ويونس بن محمد الفارقي، وعبد الرحمن بن نسيم، والفقيه عبد القادر بن أبي عبد الله البغدادي، والقاضي أبو نصر بن الشيرازي، وعلي بن حجاج البتلهي، وأبو عبد الله محمد بن نصر القرشي ابن أخي الشيخ أبي البيان، وأبو المعالي أسعد، والسديد مكي ابنا المسلم بن علان، ومحمد بن عبد الكريم بن الهادي المحتسب، وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب بن الشيرجي، وأبو إسحاق إبراهيم وعبد العزيز ابنا أبي طاهر الخشوعي، وعبد الواحد بن أحمد ابن أبي المضاء، ونصر الله بن عبد الرحمن بن فتيان الأنصاري، وعبد الجبار بن عبد الغني بن الحرستاني، ومحمد بن أحمد الماكسيني، ومحاسن بن أبي القاسم الجوبراني، وسيف الدولة محمد بن غسان، وعبد الرحمن بن شعلة البيت سوائي، وخطاب بن عبد الكريم المزي، وعتيق ابن أبي الفضل السلماني، وعمر بن عبد الوهاب بن البراذعي، ومحمد بن رومي السقباني، والرشيد أحمد بن المسلمة، وبهاء الدين علي بن الجميزي، وخلق.
وقد روى لشيوخي نحو من أربعين نفساً من أصحاب الحافظ أفردت لهم جزءاً.
وكان له إجازات عالية، فأجاز له مسند بغداد الحاجب أبو الحسن بن العلاف، وأبو القاسم بن بيان، وأبو علي بن نبهان الكاتب، وأبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، وغانم البرجي، وأبو علي الحداد المقرىء، وعبد الغفار الشيروي صاحب القاضي أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري، وخلق سواهم أجازوا له وهو طفل.
قال ابنه القاسم: روي عنه أشياء من تصانيفه بالإجازة في حياته واشتهر اسمه في الأرض، وتفقه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، وعلق مسائل من الخلاف عن أبي سعد بن أبي صالح الكرماني ببغداد، ولازم الدرس والتفقه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن. قال: فمن ذلك تاريخه في ثمان مئة جزء قلت: الجزء عشرون ورقةً، فيكون ستة عشر ألف ورقة قال: وجمع الموافقات في اثنين وسبعين جزءاً، وعوالي مالك، والذيل عليه خمسين جزءاً، وغرائب مالك عشرة أجزاء، والمعجم في اثني عشر جزءاً قلت: هو رواية مجردة لم يترجم فيه شيوخه قال: وله مناقب الشبان خمسة عشر جزءاً، وفضائل أصحاب الحديث أحد عشر جزء، فضل الجمعة مجلد، وتبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري مجلد، والمسلسلات مجلد، والسباعيات سبعة أجزاء، من وافقت كنيته كنية زوجته أربعة أجزاء، وفي إنشاء دار السنة ثلاثة أجزاء، في يوم المزيد ثلاثة أجزاء، الزهادة في الشهادة مجلد، طرق قبض العلم، حديث الأطيط، حديث الهبوط وصحته، عوالي الأوزاعي وحاله جزآن. ومن تواليف ابن عساكر اللطيفة: الخماسيات جزء، السداسيات جزء، أسماء الأماكن التي سمع فيها، الخضاب، إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة، المقالة الفاضحة، فضل كتابة القرآن، من لا يكون مؤتمناً لا يكون مؤذناً، فضل الكرم على أهل الحرم، في حفر الخندق، قول عثمان: ما تغنيت، أسماء صحابة المسند، أحاديث رأس مال شعبة، أخبار سعيد بن عبد العزيز، مسلسل العيد، الأبنة، فضائل العشرة جزآن، من نزل المزة، في الربوة والنيرب، في كفر سوسية، رواية أهل صنعاء، أهل الحمريين، فذايا، بيت قوفا، البلاط، قبر سعد، جسرين، كفر بطنا، حرستا، دوما مع مسرابا، بيت سوا، جركان، جديا وطرميس، زملكا، جوبر، بيت لهيا، برزة، منين، يعقوبا، أحاديث بعلبك، فضل عسقلان، القدس، المدينة، مكة، كتاب الجهاد، مسند أبي حنيفة ومكحول، العزل وغير ذلك، والأربعون الطوال مجيليد، والأربعون البلدية جزء، والأربعون في الجهاد، والأربعون الأبدال، وفضل عاشوراء ثلاثة أجزاء، وطرق قبض العلم جزء، كتاب الزلازل مجيليد، المصاب بالولد جزآن، شيوخ النبل مجيليد، عوالي شعبة اثنا عشر جزءاً، عوالي سفيان أربعة أجزاء، معجم القرى والأمصار جزء وسرد له عدة تواليف.
قال: وأملى أربعة مئة مجلس وثمانية.
قال: وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، يحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والتسبيح، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، قال لي: لما حملت بي أمي، رأت في منامها قائلاً يقول: تلدين غلاماً يكون له شأن. وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناه يولد لك ولد يحيي الله به السنة، ولما عزم على الرحلة، قال له أبو الحسن بن قبيس: أرجو أن يحيي الله بك هذا الشأن.
وحدثني أبي قال: كنت يوماً أقرأ على أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع الجماعة، فقال: قدم علينا أبو علي بن الوزير، فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد السمعاني، فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا، فلم نر مثله.
قال القاسم: وحكى لي أبو الحسن علي بن إبراهيم الأنصاري الحنبلي، عن أبي الحسن سعد الخير قال: ما رأيت في سن أبي القاسم الحافظ مثله.
وحدثنا التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، سمعت الحافظ أبا العلاء الهمذاني يقول لبعض تلامذته وقد استأذنه أن يرحل فقال: إن عرفت أستاذاً أعلم مني أو في الفضل مثلي، فحينئذ آذن إليك أن تسافر إليه، اللهم إلا أن تسافر إلى الحافظ ابن عساكر، فإنه حافظ كما يجب، فقلت: من هذا الحافظ ؟ فقال: حافظ الشام أبو القاسم، يسكن دمشق.. وأثنى عليه. وكان يجري ذكره عند ابن شيخه وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم أعني الحافظ ويكون حقيقاً به سواه. كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى.
وقال: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع، إذاً لاجتمع عليه الموافق والمخالف.
وقال لي أبو العلاء يوماً: أي شيء فتح له: وكيف ترى الناس له ؟ قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنةً إلا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهة وخلواته، فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، ألا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه.
وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني عن والده مدرس النظامية قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي، وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص، فقال: أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك، رأيته في النوم، فقال: امض إلى الفراوي، وقل له: إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذك منه ضجر ولا ملل. قال: فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولاً. قال أبو المواهب: وأنا كنت أذاكره في خلواته عن الحفاظ الذين لقيهم، فقال: أما ببغداد، فأبو عامر العبدري، وأما بأصبهان، فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل الحافظ كان أشهر منه. فقلت له: فعلى هذا ما رأى سيدنا مثل نفسه. فقال: لا تقل هذا، قال الله تعالى: "فَلاَ تُزَكُّوا أنفُسَكُم" النجم قلت: فقد قال: "وأمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فحدِّثْ" الضحى، فقال: نعم، لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنةً من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه، وقلة التفاته إلى الأمراء، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم. قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أنه ما حملني على ذلك حب الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كل ما قد سمعته، وأي فائدة في كوني أخلفه بعدي صحائف ؟ فاستخرت الله، واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد، وطفت عليهم، فكل قال: ومن أحق بهذا منك ؟ فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين، فقال لي والدي أبو القاسم الحافظ: قال لي جدي القاضي أبو المفضل لما قدمت من سفري: اجلس إلى سارية من هذه السواري حتى نجلس إليك، فلما عزمت على الجلوس اتفق أنه مرض، ولم يقدر له بعد ذلك الخروج إلى المسجد...
إلى أن قال أبو محمد القاسم: وكان أبي رحمه الله قد سمع أشياء لم يحصل منها نسخاً اعتماداً على نسخ رفيقه الحافظ أبي علي بن الوزير، وكان ما حصله ابن الوزير لا يحصله أبي، وما حصله أبي لا يحصله ابن الوزير، فسمعت أبي ليلةً يتحدث مع صاحب له في الجامع، فقال: رحلت وما كأني رحلت، كنت أحسب أن ابن الوزير يقدم بالكتب مثل الصحيحين وكتب البيهقي والأجزاء، فاتفق سكناه بمرو، وكنت أؤمل وصول رفيق آخر له يقال له: يوسف بن فاروا الجياني، ووصول رفيقنا أبي الحسن المرادي، وما أرى أحداً منهم جاء، فلا بد من الرحلة ثالثةً وتحصيل الكتب والمهمات. قال: فلم يمض إلا أيام يسيرة حتى قدم أبو الحسن المرادي، فأنزله أبي في منزلنا، وقدم بأربعة أسفاط كتب مسموعة، ففرح أبي بذلك شديداً، وكفاه الله مؤنة السفر، وأقبل على تلك الكتب، فنسخ واستنسخ وقابل، وبقي من مسموعاته أجزاء نحو الثلاث مئة، فأعانه عليها أبو سعد السمعاني، فنقل إليه منها جملةً حتى لم يبق عليه أكثر من عشرين جزءاً، وكان كلما حصل له جزء منها كأنه قد حصل على ملك الدنيا.
قال ابن النجار: قرأت بخط معمر بن الفاخر في معجمه: أخبرني أبو القاسم الحافظ إملاءً بمنى وكان من أحفظ من رأيت وكان شيخنا إسماعيل ابن محمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم، قدم أصبهان ونزل في داري، وما رأيت شاباً أحفظ ولا أورع ولا أتقن منه، وكان فقيهاً أديباً سنياً، سألته عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان، قال: استأذنت أمي في الرحلة إليها، فما أذنت.
وقال السمعاني: أبو القاسم كثير العلم، غزير الفضل، حافظ متقن، دين خير، حسن السمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة، متثبت محتاط... إلى أن قال: جمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على أقرانه، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت منه، وسمع مني، وسمعت منه معجمه، وحصل لي بدمشق نسخة به، وكان قد شرع في التاريخ الكبير لدمشق، ثم كانت كتبه تصل إلي، وأنفذ جوابها.
سمعت الحافظ علي بن محمد يقول: سمعت الحافظ أبا محمد المنذري يقول: سألت شيخنا أبا الحسن علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا، فقال: من هم ؟ قلت: الحافظ ابن عساكر، والحافظ ابن ناصر، فقال: ابن عساكر أحفظ. قلت: ابن عساكر وأبو موسى المديني ؟ قال: ابن عساكر. قلت: ابن عساكر وأبو طاهر السلفي ؟ فقال: السلفي شيخنا، السلفي شيخنا.
قلت: لوح بأن ابن عساكر أحفظ، ولكن تأدب مع شيخه، وقال لفظاً محتملاً أيضاً لتفضيل أبي طاهر، فالله أعلم. وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئاً من تاريخ دمشق، فلما طالعه، انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه، فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقع، رحم الله الجميع.
ولأبي علي الحسين بن عبد الله بن رواحة يرثي الحافظ ابن عساكر:

ذرا السّعي في نيل العلى والفضائل

 

مضى من إليه كان شدّ الرّواجـل

وقولا لساري البرق إني نعـيتـه

 

بنار أسىً أو دمع سحبٍ هواطـل

وما كان إلا البحر غار ومـن يرد

 

سواحله لم يلـق غـير جـداول

وهبكم رويتم علمـه عـن رواتـه

 

وليس عوالي صحبـه بـنـوازل

فقد فاتكم نور الهـدى بـوفـاتـه

 

وعزّ التّقى منه ونجح الـوسـائل

خلت سنّة المختار من ذبّ ناصـر

 

فأقرب ما نخشـاه بـدعة خـاذل

نحا للإمام الشـافـعـيّ مـقـالةً

 

فأصبح شافي عيّ كلّ مـجـادل

وسدّ من التجسـيم بـاب ضـلالةٍ

 

وردّ من التشبيه شبـهة بـاطـل.

قتل ناظمها على عكا سنة خمس وثمانين.
ومن نظم الحافظ أبي القاسم:

ألا إنّ الحديث أجـلّ عـلـمٍ

 

وأشرفه الأحاديث العوالـي

وأنفع كلّ نوعٍ منه عـنـدي

 

وأحسنه الفوائد والأمـالـي

فإنك لن ترى للعـلـم شـيئاً

 

تحقّقه كأفـواه الـرّجـال

فكن يا صاح ذا حرصٍ عليه

 

وخذه عن الشّيوخ بلا ملال

ولا تأخذه من صحفٍ فترمى

 

من التصحيف بالداء العضال

وله:

أيا نفس ويحك جاء المشـيب

 

فما ذا التّصابي وما ذا الغزل

تولّى شبابي كـأن لـم يكـن

 

وجاء مشيبي كـأن لـم يزل

كأنّي بنفسي عـلـى غـرّةٍ

 

وخطب المنون بها قد نـزل

فيا ليت شعري ممّن أكـون

 

وما قدّر اللّه لي في الأزل.

ولابن عساكر شعر حسن يمليه عقيب كثير من مجالسه، وكان فيه انجماع عن الناس، وخير، وترك للشهادات على الحكام وهذه الرعونات.
توفي في رجب سنة إحدى وسبعين وخمس مئة ليلة الاثنين حادي عشر الشهر، وصلى عليه القطب النيسابوري، وحضره السلطان صلاح الدين، ودفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير.
أخبرنا الإمام أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني ببعلبك سنة ثلاث وتسعين، أخبرنا القاضي عبد الواحد بن أحمد بن أبي المضاء في سنة ست وعشرين وست مئة بقراءة الحافظ أبي موسى المقدسي قال: حدثنا علي بن الحسن الشافعي إملاءً ببعلبك سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، أخبرنا الحسين بن عبد الملك بأصبهان، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن الفيض، والحسين بن عبد الله الرقي قالوا: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن عروة بن رويم اللخمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان ذا وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في تبليغ بر أو تيسير عسير، أعانه الله على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بقراءتي، أخبرنا زين الأمناء الحسن بن محمد، أخبرنا عمي الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا أبو القاسم النسيب، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن التميمي، أخبرنا يوسف ابن القاسم الميانجي، أخبرنا أحمد بن علي التميمي، حدثنا أحمد بن حاتم الطويل، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذات، ونفث، أو نفث عليه.
متفق عليه. أما أحمد بن حاتم بن مخشي، عن مالك، فشيخ بصري، وأما الطويل فبغدادي.

ابن شافع

الإمام الحافظ المفيد، محدث بغداد، أبو الفضل، أحمد بن صالح ابن شافع بن صالح بن حاتم، الجيلي، ثم البغدادي المعدل.
ولد سنة عشرين وخمس مئة.
وسمعه أبوه من أبي غالب بن البناء، وهبة الله بن الطبر، وهبة الله بن عبد الله الشروطي، والقاضي أبي بكر، وبدر الشيحي. ثم طلب هو بنفسه، وتلا بالروايات على أبي محمد سبط الخياط، ولازم الحديث، فأكثر منه، واقتفى أثر ابن ناصر، وحذا حذره، وتخرج به، واستملى له، ثم كان قارىء الحديث بمجلس ابن هبيرة الوزير.
وكان مليح الخط، متقناً ورعاً ديناً، على سمت السلف، علق تاريخاً على السنين ما بيضه.
روى عنه: ابن الأخضر، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق.
قال الموفق: إمام ثقة حافظ، إمام في السنة، يقرأ قراءةً مليحةً بصوت رفيع.
وقال ابن النجار: كان حافظاً حجةً ثبتاً ورعاً سنياً، صحيح النقل، وقيل: كان ذا حلم وسؤدد وصفات حميدة.
مات في شعبان سنة خمس وستين وخمس مئة كهلاً، رحمه الله.
ذيل على تاريخ الخطيب على السنين إلى بعد الستين وخمس مئة، فذكر الحوادث والوفيات.
قال عمر بن علي القرشي: هو أحد العلماء الأثبات، كتب الكثير، ونال رئاسةً مع علم ودين وتثبت وإتقان، رحمه الله.

أبو الخير

الإمام الحافظ، العالم الكبير، أبو الخير عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني.
ولد في صفر سنة خمس مئة.
وروى عن: غانم البرجي، وأبي علي الحداد، وجعفر الثقفي، وعبد الواحد بن محمد الدشتج، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وطبقتهم، وفي الرحلة من ابن الحصين، وأبي العز بن كادش، وخلق.
ثم قدم بغداد بعد الستين وخمس مئة، وأملى بجامع القصر، استملى عليه أبو محمد بن الأخضر.
قال ابن النجار: سألت ابن الأخضر عنه، فأثنى عليه، ووصفه بالحفظ والمعرفة، وقال: كانوا يفضلونه على معمر بن الفاخر.
ثم قال ابن النجار: كان من حفاظ الحديث، سمعت جماعةً يقولون: كان يحفظ الصحيحين، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى في الحفظ.
قلت: حدث عنه الحافظ عبد الغني، والشيخ موفق الدين.
قال ابن النجار: أخرج إلي شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضراً في أبي الخير، وفيه خط إسماعيل بن محمد بن الفضل، وأبي نصر الغازي، ومحمد بن أبي نصر اللفتواني، وكوتاه عليه، وكلهم شهدوا أنه لا يحتج بنقله، ولا يقبله قوله، ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.
وقرأت بخط عبيد الله بن محمد الخجندي سؤالاً سأله الحافظ أبا موسى عن إجازات البغداديين لمسعود الثقفي، وهم الخطيب، وابن المهتدي بالله، وابن المأمون، وتمام العشرة، الذين نقلهم عبد الرحيم ابن موسى، وأحال على مواضع طلبت، فلم توجد، وتكلم الناس في ذلك، وسأله أيضاً عن إجازات ابن هاجر، فكتب ما نصه: اغترت الأغرار بهذه الإجازات، وضيعوا أوقاتهم في القراءة بها، وبتسويف المدعي لها بإظهارها إلى أن تحقق بطلانها بعد طول المدة، والرجوع إلى الحق أولى، فمن قرأ على الرئيس مسعود بإجازة هؤلاء فقد ضل سعيه، وخاب أمله، وقد أشهد الرئيس على نفسه ببطلان بعضها.
قال الضياء: سمعت الإمام عبد الله الجبائي يقول: كان أبو الخير يحفظ صحيح البخاري، ويقول: من أراد أن يقرأ المتن حتى أقرأ له الإسناد، ومن أراد أن يقرأ الإسناد حتى أقرأ المتن.
وقرأت بخط الشيخ الضياء: سمعت الإمام محمد بن أبي سعيد بأصبهان يقول: أرسل إلي ولد الحافظ أبي العلاء من همذان يسألني عن أبي الخير بن موسى: ما صح عندك فيه ؟ فأرسلت إليه: عندي درج فيه جرحه، ودرج فيه تعديله، والتعديل والله أعلم أقرب. ثم قال: لأنه تكلم فيه الحافظ أبو موسى من أجل إجازات مسعود الثقفي.
قلت: توفي في شوال سنة ثمان وستين وخمس مئة.

الحاجي

الإمام المحدث الحافظ العدل، أبو مسعود، عبد الرحيم بن أبي الوفاء علي بن حمد بن عيسى الأصبهاني الحاجي، سبط الشيخ غانم البرجي.
سمع من: جده غانم، وأبي علي الحداد، وعبد الغفار بن محمد الشيروي ارتحل إليه، وأبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وعدة.
وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وعبد القادر الرهاوي، وطائفة، وبالإجازة: ابن اللتي، وكريمة الزبيرية.
وعاش بضعاً وسبعين سنة.
قال السمعاني: شاب كيس متودد، حسن السيرة، له أنسه بالحديث، وهو أحد الشهود المعدلين.
قلت: سمع منه ابن عساكر المعجم الكبير للطبراني.
توفي في الثاني والعشرين من شوال سنة ست وستين وخمس مئة.

أبو رشيد

الشيخ الكبير المعمر، عبد الله بن عمر بن عبد الله بن عمر، أبو رشيد، الأصبهاني، من بقايا أصحاب الرئيس الثقفي، وأحمد بن أشتة. عاش نيفاً وتسعين سنة.
توفي في ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وخمس مئة.
أجاز لابن اللتي، وكريمة.
وسمع منه أحاديث: ابن نظيف محمد بن محمود الواعظ الهمذاني، ومحمد بن أبي سعيد الأديب الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن محمد بن المقرىء، وأخوه أحمد، ومحمد بن أبي الحسن القصار، والحسين بن الحسن الكوسج، الأصبهانيون.

البروي

مفتي الشافعية، أبو منصور، محمد بن محمد بن محمد بن سعد، الفقيه الخراساني الواعظ، صاحب التعليقة في الخلاف.
وهو أكبر أصحاب ابن يحيى.
ألف جدلاً مشهوراً، واشتغلوا به.
قدم بغداد، وأقبلوا عليه كثيراً، فمات بعد أشهر في رمضان سنة سبع وستين وخمس مئة وله خمسون سنة.
وقد درس بالبهائية، وكان أحد الأذكياء.

الجبريلي

الشيخ المعمر، أبو أحمد، أسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء الجبريلي البواب.
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وأربع مئة.
سمع وهو كبير من أبي الخطاب بن الجراح، وأبي الحسن بن العلاف.
وعنه: ابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمن، ومحمد ابن المني، وآخرون.
توفي في ربيع الأول سنة أربع وسبعين وخمس مئة.

ابن العصار

العلامة الأديب، أبو الحسن، علي بن عبد الرحيم بن الحسن السلمي، ثم العباسي الرقي، ثم البغدادي اللغوي، صاحب التصانيف.
ولد سنة ثمان وخمس مئة.
وسمع من: أبي الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله، وأبي العز ابن كادش.
وطلب الحديث، وقرأ كثيراً.
حدث عنه: أبو الفتوح بن الحصري وغيره.
وكان عجباً في اللغة، ثبتاً في النقل.
قال ابن النجار: لم يكن له عيب سوى تقنيطه على نفسه، وله في ذلك حكايات، وخلف مالاً طائلاً.
قلت: أخذ عن أبي منصور بن الجواليقي، وبمصر عن صاحب الإنشاء أبي الحجاج يوسف بن الخلال.
وكان مليح الخط، أنيق الضبط، سافر في التجارة، ثم تصدر للإفادة، وأقرأ كتب الأدب، وله معرفة قوية بالنحو، وكان يأخذ بمصر النحو عن ابن بري، وكان ابن بري يستفيد منه اللغة، وكان يحفظ من أشعار العرب ما لا يوصف.
وهو خال المحدث أحمد بن طارق الكركي.
مات في ثالث المحرم سنة ست وسبعين وخمس مئة.
وفيها مات: السلفي، وأبو الضياء بدر الجذاداذي راوي الصحيح، وشمس الدولة تورانشاه بن أيوب، وأبو المفاخر سعيد بن الحسين المأموني، وأبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر، وعبد الجبار بن يحيى بن الأعرابي، وأبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن أبي العجائز، وغازي بن مودود صاحب الموصل، وأبو العز محمد ابن محمد بن مواهب بن الخراساني.

الحظيري

أبو المعالي،، سعد بن علي بن قاسم، الأنصاري الوراق الشاعر عرف بدلال الكتب.
صنف كتاب زينة الدهر وعصرة أهل العصر ذيل به على دمية القصر للباخرزي، وله كتاب لمح الملح يدل على سعة اطلاعه.
توفي في صفر سنة ثمان وستين وخمس مئة ببغداد.
والحظيرة: محلة فوق ببغداد.

ابن الدهان

العلامة أبو محمد، سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي النحوي، صاحب التصانيف.
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
وسمع وهو كبير من ابن الحصين، وأبي غالب بن البناء.
وشرح الإيضاح لأبي علي في ثلاثة وأربعين مجلداً، وشرح اللمع.
ثم نزل الموصل، وأقبلوا عليه، وبالغ الجواد في إكرامه، وقرر له.
قال القفطي: ذهب إلى أصبهان، واستفاد من كتبها، وقد غرقت كتبه ببغداد في غيبته، ثم نقلت إليه إلى الموصل، فشرع في تبخيرها باللاذن ليقطع ريحها الرديء، فطلع ذلك إلى رأسه، وأحد له العمى.
وله كتاب سرقات المتنبي مجلد، وكتاب التذكرة سبع مجلدات.
قال العماد الكاتب: هو سيبويه عصره، ووحيد دهره، لقيته وكان حينئذ يقال: نحاة بغداد أربعة: ابن الجواليقي، وابن الشجري، وابن الخشاب، وابن الدهان.
قال ابن خلكان: لقبه ناصح الدين، توفي سنة تسع وستين وخمس مئة.

عبد النبي

ابن المهدي علي بن مهدي.
كان أبوه قد وعظ، واشتغل، ودعا إلى نفسه، وجرت له أمور، وغلب على اليمن، وعسف وظلم، وفجر، وشقق بطون الحبالى، وتمرد على الله، وكان من دعاة الباطنية، فقصمه الله سنة نيف وخمسين. فقام بعده عبد النبي هذا، ففعل كأبيه، وسبى الحريم، وتزندق، وبنى على قبر أبيه المهدي قبةً عظيمةً، وزخرفها، وعمل أستار الحرير عليها وقناديل الذهب، وأمر الناس بالحج إليها، وأن يحمل كل أحد إليها مالاً، ولم يدع أحد زيارتها إلا وقتله، ومنعهم من حج بيت الله، فتجمع بها أموال لا تحصى، وانهمك في الفواحش إلى أن أخذه الله على يد شمس الدولة أخي السلطان صلاح الدين، عذبه، ثم قتله، وأخذ خزائنه، فلله الحمد على مصرع هذا الزنديق، وكان ذلك في قرب سنة سبعين وخمس مئة فإن مضي شمس الدولة توران شاه إلى اليمن وأخذها كان في سنة تسع وستين، فأسر هذا المجرم، وشنقه، وتملك زبيد وعدن وصنعاء. ولعبد النبي أخبار في الجبروت والعتو، فلا رحمه الله.

الطاهري

الشيخ الجليل، أبو المكارم، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر بن الحسين، الخزاعي الحريمي.
سمع الحسين بن البسري، وشجاعاً الذهلي، وأبا العز بن المختار وعدة.
وعنه: ابن الأخضر، وأحمد بن البندنيجي، وابن السمعاني.
وكان من أعيان التجار.
حدث بخراسان، وروى عنه الشيخ الموفق.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وخمس مئة.

ابن النعمة

الإمام العلامة، ذو الفنون، أبو الحسن، علي بن عبد الله بن خلف ابن محمد بن النعمة، الأنصاري الأندلسي المريي، شيخ بلنسية.
أخذ عن الإمام أبي الحسن بن شفيع، وعباد بن سرحان.
وقدم به أبوه إلى بلنسية سنة ست وخمس مئة، فتلا بها على موسى بن خميس، واختص به. وروى عن أبي بحر بن العاص، وخليص بن عبد الله.
وتفقه بقرطبة على أبي الوليد بن رشد، وأبي عبد الله بن الحاج.
وسمع من أبي محمد بن عتاب، وأبي علي بن سكرة، وعدة.
تصدر لإقراء القراءات والفقه والنحو والحديث.
قال الأبار: كان عالماً متقناً، حافظاً للفقه والتفاسير ومعاني الآثار، مقدماً في علم اللسان، فصيحاً مفوهاً، ورعاً فاضلاً، معظماً، لين الجانب، ولي الشورى وخطابة بلنسية مدة، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والفتوى، له كتاب زي الظمآن في تفسير القرآن، كبير، وشرح سنن النسائي، بلغ فيه الغاية من الاحتفال والإكثار، وأخبرنا عنه جماعة، وهو خاتمة العلماء بشرق الأندلس.
توفي في رمضان سنة سبع وستين وخمس مئة في عشر الثمانين رحمه الله.

البيهقي

الوزير العلامة، ذو التصانيف، شرف الدين، وحجة الدين أبو الحسن، علي بن أبي القاسم زيد بن أميرك الأنصاري الأوسي الخزيمي نسبة إلى خزيمة بن ثابت، البستي، ثم البيهقي.
مولده سنة تسع وتسعين وأربع مئة.
وولي قضاء بيهق سنة 526.
قال أبو النضر الفامي: صدر السيف والقلم، واختار سؤدده كنار في العلم، نادرة الدهر، افتتح ولاية هراة خمس عشرة سنة، وإليه الحل والعقد.
قلت: مدحه الحيص بيص.
وذكره العماد الكاتب، فقال: كان من أعيان الأنام، وأعوان الكرام، وأجواد الورى، وأطواد النهى، حدثني والدي أنه لما مضى إلى الري عقيب النكبة، أصبح وشرف الدين البيهقي قد قصده في موكبه وهو حينئذ والي الري، فنقله إلى منزله، وكان يترشح حينئذ لوزارة السلطان سنجر.
قال: وأظن أنه نكب في واقعة سنجر مع الخطا، وكان أبي يقول: ما رأيت مثله.
قلت: هو القائل:

يا خالق العرش حملت الورى

 

لما طغى الماء على جاريه

وعبدك الآن طـغـى مـاؤه

 

فاحمله يا ربّ على جـاريه

وشعره كثير سائر.
قال ياقوت الحموي: له كتاب إعجاز القرآن، وفرائض، وأصول فقه، ومعارج نهج البلاغة، وكتاب إيضاح البراهين في الأصول، وإثبات الحشر، والوقيعة في منكر الشريعة وديوانه، وتواليف في الترسل وغرر الأمثال، وكتاب الانتصار من الأشرار، وشرح المقامات، ومجامع الأمثال في أربع مجلدات، وأطعمة المرضى وكتاب المعالجات الاعتبارية، وكتاب السموم وتفاسير العقاقير، وفي التنجيم، وفي الأسطرلاب، والكرة، والقرانات، وقصص الأنبياء، وكتاب الإمارات في شرح الإشارات، وشرح النحاة، وتاريخ بيهق وأشياء عدة ذكرها ياقوت.
مات ببيهق سنة خمس وستين وخمس مئة.

ابن البلدي

وزير المستنجد بالله، أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سعيد، من رجال الدهر سعداً ودهاءً ونبلاً، فلما توفي المستنجد، طلبوه للعزاء، ولأخذ بيعة المستضيء، فلما دخل أدخل بيتاً، وقتل، وقطع، ورمي في دجلة، وأخذ البيعة الوزير الجديد أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء.
وكانت وزارة ابن البلدي ست سنين، فوجدوا في أوراقه خط الخليفة المستنجد يأمر ابن البلدي بالقبض على ابن رئيس الرؤساء وقطب الدين قيماز، وكتابة الوزير إلى الخليفة ينهاه عن ذلك، فعلما براءة ساحته، وندما على قتله، ثم اقتص الله له من ابن رئيس الرؤساء وقتل.
قتل ابن البلدي في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مئة.

شيركوه

الملك المنصور، فاتح الديار المصرية، أسد الدين شيركوه بن شاذي ابن مروان بن يعقوب الدويني الكردي، أخو الأمير نجم الدين أيوب.
مولده بدوين: بليدة بطرف أذربيجان مما يلي بلاد الكرج بضم أوله، وكسر ثانيه ويقال في النسبة إليها: دويني بفتح ثانيه.
نشأ هو وأخوه بتكريت لما كان أبوهما شاذي نقيب قلعتها، وشاذي بالعربي: فرحان، أصلهم من الكرد الروادية فخذ من الهذبانية. وأنكر طائفة من أولاده أن يكونوا أكراداً، وقالوا: بل نحن عرب نزلنا فيهم، وتزوجنا منهم.
نعم قدم الأخوان الشام، وخدما، وتنقلت بهما الأحوال إلى أن صار شيركوه من أكبر أمراء نور الدين، وصار مقدم جيوشه.
وكان أحد الأبطال المذكورين، والشجعان الموصوفين، ترعب الفرنج من ذكره، ثم جهزه نور الدين في جيش إلى مصر لاختلال أمرها، وطمع الفرنج فيها، فسار إليها غير مرة، فسلك أولاً على طريق وادي الغزلان، وخرج من عند إطفيح، وجهز ولد أخيه صلاح الدين إلى الإسكندرية، وجرت له أمور يطول شرحها وحروب وحصار، وأقبلت الفرنج، وأحاطوا ببلبيس، واستباحوها في سنة أربع وستين، فاستغاث المصريون بنور الدين، فبعث إليهم أسد الدين، فطرد عنهم العدو، ودخل القاهرة، وتمكن، فعزم شاور وزير مصر على الفتك به، فبادر وبته، واستقل بوزارة العاضد، ودان له الإقليم، فبقى شهرين، وبغته الأجل بالخوانيق شهيداً في جمادى الآخرة سنة أربع وستين، فقام في الدست بعده صلاح الدين، ولما ضايقت الفرنج شيركوه ما كانوا يقدمون عليه، قتله خانوق في ليلة، وكان يعتل به لكثرة أكله اللحم.
وخلف ولده صاحب حمص ناصر الدين وأبا صاحبها الملك المجاهد شيركوه وجد صاحبها الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم.
أخوه الأمير الكبير:

نجم الدين أيوب

والد الملوك.
ولي نيابة بعلبك للأتابك زنكي، وأنشأ الخانكاه بها، ثم كان من أعيان أمراء دمشق، ولما تملك مصر ولده، أذن له نور الدين، فسار إلى ابنه، فبالغ في ملتقاه، وخرج لتلقيه الخليفة الرافضي العاضد.
وكان من رجال العالم عقلاً وخبرة.
شب به الفرس، فمات بعد أيام في ذي الحجة سنة ثمان وستين وخمس مئة. ثم نقل هو وأخوه إلى تربة بقرب الحجرة النبوية بعد عشر سنين.
ولده عدة بنين وبنات رحمه الله.

يوسف بن آدم

ابن محمد بن آدم، المحدث الصالح، أبو يعقوب المراغي، ثم الدمشقي، من مشايخ السنة.
سمع من: الحافظ ابن ناصر، وأبي بكر بن الزاغوني، وجماعة.
وحدث بصحيح مسلم عن الفراوي، ما أدري بالسماع وهو أظهر أبو بالإجازة ؟ وسمعه منه المحدثان عبد الرزاق الجيلي، ومحمد بن مشق.
وروى عنه: الشيخ سلامة الحداد، وهلال بن محفوظ الرسعني، وطائفة.
وحدث بدمشق وببغداد ونصيبين، ونسخ الكثير.
ولد سنة إحدى عشرة وخمس مئة.
وكان أماراً بالعرف، داعياً إلى الأثر بزعارة.
قال ابن النجار: كان كثير الشغب، مثيراً للفتن بين الطوائف.
قال أبو الحسن القطيعي: كان إذا بلغه أن قاضياً أشعرياً عقد نكاحاً، فسخ نكاحه، وأفتى بأن الطلاق لا يقع في ذلك النكاح، فأثار فتناً، فأخرجه صاحب دمشق منها، فسكن حران، ثم تملكها نور الدين، فالتمس منه العود إلى دمشق ليزور أمه، فأذن له بشرط أن لا يدخل البلد، فجاء ونزل بكهف آدم، فخرجت أمه إليه، ثم دخل البلد يوم جمعة، فخاف واليها من فتنه، فأمره بالعود إلى حران، فعاد إليها، لقيته بها، وكتبت عنه.
قال: وبها مات في قرب ربيع الأول سنة تسع وستين وخمس مئة. قلت: كان في سنة نيف وخمسين قد ضرب السيف البلخي الواعظ أنف يوسف بن آدم بدمشق، فأدماه، فنفى نور الدين بن آدم من دمشق، وكان من عوام المحدثين، مزجي البضاعة.
أنبأني أحمد بن سلامة، عن عبد الغني الحافظ، أخبرنا يوسف بن آدم في سنة أربع وخمسين وخمس مئة، أخبرنا جعفر بن زيد الحموي، أخبرنا أبو الحسن ابن الزاغوني وقرأت على محمد بن أبي بكر الأسدي، أخبرنا يوسف بن خليل، أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد السلام، أخبرنا جدي، قالا: أخبرنا أبو محمد الصريفيني، أخبرنا الكتاني، أخبرنا البغوي، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن يظهر الرجل أحسن ما عنده.

ابن عبد

الفقيه العلامة، أبو البركات، الخضر بن شبل بن الحسين بن عبد الواحد، الحارثي الدمشقي الشافعي، مدرس الغزالية والمجاهدية، وخطيب دمشق.
مولده في سنة ست وثمانين وأربع مئة.
وسمع أبا القاسم النسيب، وأبا طاهر الحنائي، وسبيع بن قيراط، وعدة.
وتفقه بجمال الإسلام وغيره.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابنه بهاء الدين، وأبو نصر بن الشيرازي، وجماعة.
قال ابن عساكر: كتب كثيراً من الفقه والحديث، ودرس سنة ثماني عشرة، وأفتى، وكان سديد الفتاوى، واسع المحفوظ، ثبتاً، ذا مروءة ظاهرة، يتكلم في الخلاف والأصول، لزمت درسه مدةً. توفي سنة اثنتين وستين وخمس مئة.

عمارة

العلامة، أبو محمد، عمارة بن علي بن زيدان الحكمي المذحجي اليمني الشافعي الفرضي، الشاعر، صاحب الديوان المشهور: ولد سنة خمس عشرة وخمس مئة.
وتفق بزبيد مدةً، وحج سنة تسع وأربعين، ونفذه أمير مكة قاسم بن فليتة رسولاً إلى الفائز بمصر، فامتدحه بهذه الكلمة:

الحمد للعيس بعد العزم والهـمـم

 

حمداً يقوم بما أولت من النّـعـم

لا أجحد الحقّ عندي للرّكـاب يدٌ

 

تمنّت اللّجم فيها رتبة الخـطـم

قرّبن بعد مزار العزّ من نظـري

 

حتى رأيت إمام العصر من أمم

فهل درى البيت أنّي بعد فرقتـه

 

ما سرت من حرمٍ إلاّ إلى حـرم

حيث الخلافة مضروبٌ سرادقها

 

بين النّقيضين من عفوٍ ومن نقـم

ولـلإمـامة أنـوار مـقــدّسةٌ

 

تجلو البغيضين من ظلمٍ ومن ظلم

وللنّـبـوّة آياتٌ تـنـصّ لـنـا

 

على الخفيين من حكمٍ ومن حكم

وللمكارم أعـلامٌ تـعـلّـمـنـا

 

مدح الجزيلين من بأسٍ ومن كرم

وللعلى ألسنٌ تثني محـامـدهـا

 

على الحميدين من فعل ومن شيم

منها:

ليت الكواكب تدنو لي فأنظمهـا

 

عقود مدحٍ فما أرضى لكم كلمي

ثم استوطن بعد مصر.
قال ابن خلكان: كان شديد التعصب للسنة، أديباً ماهراً، رائجاً في الدولة، ثم تملك صلاح الدين، فامتدحه، ثم إنه شرع في اتفاق مع رؤساء في إعادة دولة العبيديين، فنقل أمرهم إلى صلاح الدين، فشنق عمارة في ثمانية في رمضان سنة تسع وستين وخمس مئة.
وقد نسب إلى عمارة بيت، فربما وضع عليه، فأفتوا بقتله، وهو:

قد كان أول هذا الأمر من رجلٍ

 

سعى إلى أن دعوه سيّد الأُمـم

وهو من بيت إمرة وتقدم من تهائم اليمن من وادي وساع يكون عن مكة أحد عشر يوماً.
قال عمارة: كان القاضي محمد بن أبي عقامة الحفائلي رأس أهل العلم والأدب بزبيد يقول لي: أنت خارجي هذا الوقت وسعيده، لأنك أصبحت تعد من أكابر التجار وأهل الثروة، ومن أعيان الفقهاء الذين أفتوا، ومن أفضل أهل الأدب، فهنيئاً لك.
وحكى عمارة أن الصالح بن رزيك فاوضه، وقال: ما تعتقد في أبي بكر وعمر ؟ قلت: أعتقد أنه لولاهما لم يبق الإسلام علينا ولا عليكم، وأن محبتهما واجبة. فضحك، وكان مرتاضاً حصيفاً، قد سمع كلام فقهاء السنة.
قلت: هذا حلم من الصالح على رفضه.
ولعمارة فيه:

ولو لم يكن يدري بما جهل الورى

 

من الفضل لم تنفق عليه الفضائل

لئن كان منّا قاب قوسٍ فبـينـنـا

 

فراسخ من إجلاله ومـراحـل

وله:

لي في هوى الرّشإ العذريّ أعذار

 

لم يبق لي مذ أقرّ الدّمع إنكـار

لي في القدود وفي لثم الخدود وفي

 

ضمّ النّهود لـبـانـاتٌ وأوطـار

هذا اختياري فوافق إن رضيت به

 

أو لا فدعني وما أهوى وأختـار

لمني جزافاً وسامحني مصـارفةً

 

فالناس في درجات الحبّ أطوار

وله بيت كيس في العبيديين:

أفاعيلهم في الجود أفعال سـنّةٍ

 

وإن خالفوني في اعتقاد التّشيّع

قلت: يا ليته تشيع فقط، بل يا ليته ترفض، وإنما يقال: هو انحلال وزندقة.
ولعمارة فضائل وأخبار يطول بثها، سقت منها في تاريخنا الكبير.
وصلب معه داعي الدعاة قاضي الديار المصرية أبو القاسم هبة الله ابن كامل، وكان صاحب فنون.

العثماني

القاضي، الإمام المحدث، أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن علي بن محمد بن إسماعيل بن الوليد بن عمرو بن محمد بن خالد بن الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن الشهيد عثمان بن عفان، الأموي العثماني الديباجي الإسكندراني، صاحب تلك الفوائد التي نرويها.
حدث عن: أبيه، وأبي القاسم بن الفحام، وأبي عبد الله الرازي، وأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، وأبي الفضل جعفر بن إسماعيل بن خلف المقرىء، وعبد الله بن يحيى بن حمود، وعدة. وما علمته رحل.
روى عنه: الحافظ عبد الغني، والحافظ علي بن المفضل، والحافظ عبد القادر، وحماد الحراني، وجعفر بن علي الهمداني، وآخرون.
ويعرف في زمانه بابن أبي اليابس.
قال ابن المفضل: كانت عنده فنون عدة، ولد سنة أربع وثمانين وأربع مئة، ومات في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.
قلت: كان ثقةً في نفسه. وقد قال حماد الحراني: رمى أبو طاهر السلفي العثماني بالكذب، فذكر لي جماعة من أعيان أهل الإسكندرية أن العثماني كان صحيح السماعات، ثقةً ثبتاً صالحاً متعففاً، يقرىء النحو واللغة والحديث، وسمعت جماعة يقولون: إنه كان يقول: بيني وبين السلفي وقفة بين يدي الله.
قال الأبار: أكثر أبو عبد الله التجيبي عن أبي الحجاج الثغري، وقال: لم أر أفضل منه، ولم أر بالبلاد المشرقية أفضل من أبي محمد العثماني ولا أزهد ولا أورع منه.
قلت: خرج تلك الفوائد في سنة أربع عشرة وخمس مئة، وحدث بها في ذلك الوقت وهلم جراً. وكان أبوه من علماء الثغر.

ابن بنيمان

الشيخ العالم الأديب، الصالح المعمر، أبو الفضل، محمد بن بنيمان بن يوسف، الهمذاني المؤذن المؤدب، سبط الحافظ حمد بن نصر الأعمش.
سمع من: جده، وعبدوس بن عبد الله بن عبدوس، والسلار مكي ابن منصور الكرجي، والحسن بن ياسين، وسعد بن علي العجلي المفتي، ومحمد بن جامع الجوهري القطان، وعبد الرحمن بن حمد الدوني، وعنده المجتبى وعمل يوم وليلة لابن السني عن الدوني.
وعنه: الحافظ أبو المواهب بن صصرى، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وصالح بن المعزم، ومحمد بن محمد بن الكرابيسي، وأحمد ابن آدم الكرابيسي، وآخرون.
قال السمعاني: هو أبو الفضل الأشناني، شيخ أديب فاضل، جميل الطريقة، ثقة، له سمت ووقار وتودد وصلاح، مكثر من الحديث، قرأ الأدب على أبي المظفر الأبيوردي، سمعت من لفظه كتاب سنن التحديث لصالح بن أحمد الهمذاني، وجزء الذهلي.
قلت: توفي بهمذان في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة وله تسع وثمانون سنة وأشهر.
بعونه تعالى وتوفيقه تم الجزء العشرون من سير أعلام النبلاء ويليه الجزء الحادي والعشرون وأوله ترجمة أبي طاهر السلفي وقد جاء في آخر المجلد الثاني عشر من الأصل ما نصه: تم الجزء الثاني عشر من سير أعلام النبلاء للشيخ الإمام العالم العامل الحجة الناقد البارع جامع أشتات الفنون مؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي فسح الله في مدته وهي أول نسخة نسخت من خط المصنف وقوبلت عليه بحسب الإمكان، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة، ويتلوه في الجزء الذي يليه إن شاء الله تعالى وهو الثالث عشر ترجمة أبي طاهر السلفي، وكان الفراغ من كتابته ليلة الجمعة لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وسبع مئة. الحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.

سير أعلام النبلاء

تصنيف الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفي 748 ه 1374م

الجزء الحادي والعشرون

السلفي

هو الإمام العلامة المحدث الحافظ المفتي، شيخ الإسلام شرف المعمرين، أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني.
ويلقب جده أحمد سلفة، وهو الغليظ الشفة، وأصله بالفارسية سلبة، وكثيراً ما يمزجون الباء بالفاء، فالسلفي مستفاد مع السلفي بفتحتين وهو من كان على مذهب السلف، ومنهم: أبو بكر عبد الرحمان ابن عبد الله السرخسي يروي عن أبي الفتيان الرواسي.
والسلفي بضم ثم فتح قيس بن الحجاج السلفي، ورافع بن عقيب، ومحمد بن خالد بن خلي، وعبد الله بن عبد الأعلى، وأبو الأخيل من ذرية سلف بن يقطن، وهم بطن من الكلاع، والكلاع قبيلة من حمير.
وبكسر وسكون: إسماعيل بن عباد السلفي القطان، عن عباد الرواجني، منسوب إلى درب السلفي، وهو من قطيعة الربيع ببغداد.
وبفتحتين وقاف: أبو عمرو أحمد بن روح السلقي، هجاه البحتري.
وبزيادة ياء: إسماعيل بن علي السيلقي من كبار مشيخة السلفي صاحب الترجمة.
ولد الحافظ أبو طاهر في سنة خمس وسبعين، أو قبلها بسنة، وهذا مطابق لما رواه أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي في تاريخه، قال: سمعت الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بعد عوده من عند السلفي يقول: سألته عن مولده، فقال: أنا أذكر قتل نظام الملك يعني الوزير الذي وقف المدرسة النظامية ببغداد وكان عمري نحو عشر سنين؛ قتل سنة خمس وثمانين وأربع مئة، وقد كتب عني بأصبهان أول سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة، وأنا ابن سبع عشرة سنةً أو أكثر، أو أقل بقليل، وما في وجهي شعرة، كالبخاري رحمه الله يعني لما كتبوا عنه.
وقال الإمام أبو شامة: سمعت شيخنا علم الدين السخاوي يقول: سمعت يوماً أبا طاهر السلفي ينشد لنفسه ما قاله قديماً:

أنا من أهل الحـدي

 

ث وهم خير فـئة

جزت تسعـين وأر

 

جو أن أجوزنّ المئة

قال: فقيل له: قد حقق الله رجاءك، فعلمت أنه قد جاز المئة، وذلك في سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.
وقد ذكر غير واحد أن السلفي ممن نيف على المئة عام، حتى إن تلميذه الوجيه عبد العزيز بن عيسى قال: مات وله مئة وست سنين.
وأول سماع حضره السلفي متفرجاً مع الصبيان مجلس رزق الله التميمي الحنبلي، إذ قدم عليهم رسولاً أصبهان، فقال السلفي فيما قرأته على عبد المؤمن الحافظ أخبرنا ابن رواج، أخبرنا السلفي، قال: شاهدت رزق الله يوم دخوله إلى البلد، وكان يوماً مشهوداً كالعيد، بل أبلغ في المزيد، وحضرت مجلسه في الجامع الجورجيري، وقال لي أحمد ابن معمر العبدي: قد استجزته لك في جملة من كتبت من صبياننا.
قال السلفي في معجم أصبهان: الواعظة أروى بنت محمد هي ابنة عم جدتي فاطمة الشعبية مقدمة الواعظات، رأيتها وحضرت عندها كثيراً، وقد سمعت من أبي سعد الماليني، والنقاش، وماتت سنة ثمانين وأربع مئة.
وقال: أول من سمعت منه وكتبت عنه محمد بن محمد بن عبد الرحمان المديني، سمع في سنة تسع وأربع مئة من أحمد بن عبد الرحمان اليزدي.
وسمع السلفي كثيراً من الرئيس أبي عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي، وله سماع في سنة ثلاث وأربع مئة. ومات هو والمديني عام تسعة وثمانين. وسمع أيضاً بأصبهان من رئيس المؤذنين أبي مسعود محمد وأحمد ابني عبد الله السوذرجاني رويا له عن علي بن ميلة. وسمع من أبي بكر محمد بن عبد الواحد بن محمد، وقال: لم يمت أحد من شيوخي قبله، ولا حدثنا عن أبي منصور بن مهربزد صاحب أبي علي الصحاف سواه. قال: وأخبرنا محمد بن علي الكاغدي عن علي بن ميلة. وحدث السلفي عن أبي مطيع محمد بن عبد الواحد الصحاف صاحب ابن مردويه، وعن محمد بن عبد الجبار القوساني، وأبي طالب أحمد بن أبي هاشم الكندلاني، وأحمد بن عبد الغفار بن أشته، وإسماعيل بن علي السيلقي، وأبي الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن سليم المؤدب، وأبي الفتح أحمد بن محمد الحداد وتلا عليه إلى الخواتيم، وعبد الرحمان بن محمد بن يوسف النصري السمسار بقية أصحاب الجرجاني، وسعيد بن محمد بن يحيى الجوهري صاحب ابن ميلة، ومكي بن منصور الكرجي السلار صاحب القاضي أبي بكر الحيري، وأبي سعد محمد بن محمد المطرز، وتلا عليه ختمةً، وأبي الفتح محمد بن أحمد بن الحارث الأخرم صاحب غلام محسن، والحافظ أحمد بن محمد بن الحافظ أبي بكر بن مردويه، والحافظ أحمد بن محمد بن بشرويه وسمع منه معجمه، وأحمد بن محمد بن قولويه، والمقرئ إسماعيل بن الحسن العلوي، والمحدث بندار بن محمد الخلقاني، وأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن بليزة الخرقي، وتلا عليه لقنبل عن قراءته في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة على ابن زنجويه، وأبي حفص عمر بن الحسن بن محمد بن سليم المعلم، صاحب غلام محسن، وأبي نصر الفضل بن علي الحنفي، صاحب ابن ميلة، وأبي القاسم الفضل بن علي السكري، صاحب أبي بكر ابن أبي علي الذكواني، وفضلان بن عثمان القيسي، صاحب الذكواني أيضاً، وأبي علي المطهر بن بطة، روى عن الحمال، ولاحق بن محمد التميمي، يروي عن الفضل بن شهريار، وتلا لقالون أيضاً على أبي سعد نصر بن محمد الشيرازي، صاحب أبي الفضل الرازي في خلق كثير من أصحاب أبي نعيم وابن ريذة. ونزل إلى الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل الطلحي، والفضل بن محمد الديلمي، وعدة.
وسمع من النساء بأصبهان، من أم سعد أسماء بنت أحمد بن عبد الله بن أحمد، تروي عن ابن عبد كويه، والجمال، وابن أبي علي، ومن أمة العزيز بنت محمد بن الجنيد، سمعت الجمال، ومن سارة أخت شيخه أبي طالب الكندلاني، وفاطمة بنت ماجة، تروي عن أبي سعيد بن حسنويه، ومن لامعة بنت سعيد البقال، وقد سمعوا منها في حياة أبي نعيم الحافظ، فعمل معجم شيوخه الأصبهاني في مجلد كبير.
وارتحل، وله أقل من عشرين سنةً، فدخل بغداد ولحق بها أبا الخطاب ابن البطر، وسمع منه نحواً من عشرين جزءاً، كان يتفرد بها، فتفرد هو بها عنه؛ كالدعاء للمحاملي، والأجزاء المحامليات الثلاثة. وسمع من أبي بكر أحمد بن علي الطريثيثي، والحسين بن علي بن البسري، وثابت بن بندار، وأبي سعد الحسين بن الحسين الفانيدي، وأبي مسلم عبد الرحمان بن عمر السمناني، وعلي بن محمد بن العلاف الحاجب، وعلي بن الحسين الربعي، وأبي الخطاب ابن الجراح، وقاضي الموصل أبي نصر محمد بن علي بن ودعان صاحب تيك الأربعين المكذوبة، والمبارك بن عبد الجبار ابن الطيوري، وجعفر بن أحمد السراج، والمعمر بن محمد الحبال، ومنصور بن بكر بن محمد بن حيد، وأبي الفضل محمد بن محمد بن محمد ابن الصباغ، وأبي طاهر محمد بن أحمد بن قيداس، وأبي البركات محمد بن المنذر بن طيبان، وأبي البركات محمد بن عبد الله الوكيل، وأبي منصور الخياط، وأبي سعد محمد بن عبد الملك الأسدي، وأبي ياسر محمد بن عبد العزيز الخياط، والشريف محمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبي سعد محمد بن عبد الملك ابن خشيش، وأبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني، وعلي بن الخل البزاز، وأبي تراب عبد الخالق بن محمد بن خلف المؤدب، صاحب هبة الله اللالكائي وأحمد بن سوسن التمار، والحافظ أبي علي البرداني، والحافظ شجاع بن فارس الذهلي، والحافظ مؤتمن بن أحمد الساجي، والمفيد أبي محمد ابن الآبنوسي، والحافظ أبي عامر العبدري، وخلق كثير عمل لهم المعجم في مجلد تام فيهم عدد من أصحاب ابن غيلان والجوهري. ونزل إلى أصحاب أبي الحسين ابن النقور.
وجالس في الفقه إلكيا الهراسي، ويوسف بن علي الزنجاني، وأبا بكر الشاشي.
وأخذ الأدب عن أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي.
ولم يتفق له لقي أبي حامد الغزالي فإنه كان قد فارق بغداد. وحج وقدم الشام ثم ارتحل منها إلى خراسان.
لم يسمع ببغداد من النساء سوى ثماني شيخات، وسافر منها بعد أربع سنين. وسمع بالكوفة من أبي البقاء الحبال وجماعة. وحج فسمع بمكة من أبي شاكر العثماني صاحب أبي ذر الحافظ، ومن الحسين بن علي الطبري الفقيه. وبالمدينة من أبي الفرج القزويني. ورد إلى بغداد فأقام بها عامين مكباً على العلم والفضائل.
ثم ارتحل سنة خمس مئة فسمع من محمد بن جعفر العسكري وطائفة بالبصرة، ومن المفتي أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجويه صاحب أبي علي ابن شاذان بزنجان، ومن أبي غالب محمد بن أحمد العدل صاحب ابن شبانة بهمذان، ومن أبي سعيد عبد الرحمان بن عبد العزيز الشافعي بأبهر، ومن أبي نعيم محمد بن علي بن زبزب بواسط، ومن أبي القاسم محمود بن سعادة الهلالي بسلماس، ومن محمد بن الحسن بن محمد بن إسحاق بن فدويه الكوفي بالحلة، ومن أبي سعد أحمد بن الخصيب الخانساري بجرباذقان، ومن أحمد بن إسحاق الأديب بساوة، ومن قاضي الدينور أبي طالب نصر بن الحسين بالدينور، ومن موحد بن محمد بن عبد الواحد القاضي بتستر، ومن أبي طاهر حمد بن محمد بن عمر الكوسج بالكرج، ومن راشد بن علي المقرئ بالأهواز، ومن أحمد بن عمر بن محمد بن ناتان بتفليس، ومن محمد بن أحمد بن مهدي السرنجي بنصيبين، ومن أبي طاهر أحمد بن علي بشابرخواست، ومن أبي نصر عبد الواحد بن محمد بالكنكور، ومن أبي الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الأدمي بشهرستان، ومن أبي تمام محمد بن محمد بن بنبق بالنعمانية، ومن القاضي مسعود بن علي الملحي بأردبيل، ومن القاضي سالم بن محمد العمراني بآمد، ومن القاضي عبد الجبار بن سعد بالأشتر، ومن أبي الفتح أحمد بن محمد بن حامد الحراني بماكسين، ومن القاضي عبد الكريم بن حمد الجرجاني بمأمونية زرند، ومن قاضي نهر الدير عبد الواحد ابن أحمد بها، ومن ميمون بن عمر البابي الفقيه بباب الأبواب، ومن أبي صادق المديني بمصر، ومن القاضي أبي المحاسن الروياني بالري، ومن القاضي إسماعيل بن عبد الجبار الماكي بقزوين، ومن أبي علان سعد بن علي المضري بمراغة، ومن أبي عبد الله محمد بن أحمد الرازي بالإسكندرية، ومن خلق كثير بها، ومن أبي طاهر محمد بن الحسين الحنائي بدمشق، ومن أبي منصور محمد بن عبد الواحد بن غزو بناوند. وسمع بأبهر من أبي العلاء أحمد بن إسماعيل الطباخي بسماعه من جده لمه محمد ابن عبد العزيز في سنة ثلاث وعشرين وأربع مئة. وسمع بصور من أبي الفضل أحمد بن الحسين الكاملي المستملي عن عمر بن أحمد الآمدي. وسمع بقزوين من الخليل بن عبد الجبار التميمي راوي نسخة فليح. وسمع بصريفين واسط من رجب بن محمد الشروطي، وبميافارقين من مفتيها شريف بن فياض، وبالرحبة من أبي منصور ضبة بن أحمد القضاعي الشروطي، وبالدون من عبد الرحمان بن حمد السفياني، وبالفرك من بدر بن دلف الفركي، وبقرقيسيا علي بن إبراهيم الخطيبي، وبقرميسين علي بن منير الحراني، وبشروان علي بن أحمد بن علي المفضض ولينه، وبزرند عبد الرزاق بن حسن، وبأبهر أيضاً من رئيسها عبد الوارث بن محمد الأسدي بسماعه من أبيه في سنة تسع عشرة وأربع مئة؛ أخبرنا علي بن لؤلؤ الوراق، وبالفاروث من عسكر بن حسن بن سنبر، وبمدينة القضر من غالب بن علي، وبفيد من فرج بن إبراهيم، وبعرابان كلاب بن حواري التنوخي عن رجل عن آخر عن عبد الغافر الفارسي، وبداريا محمد بن علي بن حجيجة، وبعسكر مكرم المبارك بن محمد بن منصور الديباجي، وبحاني مباركة بنت أبي الحسن الحنبلية، وبثغرنشوى مفرج بن أبي عبد الله، وبالدونق نصر بن منصور الدونقي، وبالزز من مانكيل بن محمد، وبتدمر أبياتاً من وهيب التميمي، وبسراي، دار مملكة أزبك خان، من عبد الله بن علي السفني. وسمع بماردين، وسهرورد، ودبيل، وجويث، وخلاط، وقهج، وغير ذلك، وأفرد من ذلك الأربعين البلدية.
وأملى مجالس بسلماس وهو شاب، وانتخب على غير واحد من المشايخ، وكتب العالي والنازل، ونسخ من الأجزاء ما لا يحصى كثرةً، فكان ينسخ الجزء الضخم في ليلة. وخطه متقن سريع لكنه معلق مغلق.
وبقي في الرحلة ثمانية عشر عاماً، يكتب الحديث والفقه والأدب والشعر. وقدم دمشق سنة تسع وخمس مئة، فأقام بها سنتين، يكتب العلم مقيماً بالخانقاه. وقد جمعوا له من جزازه وتعاليقه معجم السفر في مجلد كبير. ثم استوطن ثغر الإسكندرية بضعاً وستين سنةً وإلى أن مات، ينشر العلم ويحصل الكتب التي قل ما اجتمع لعالم مثلها في الدنيا.
 ارتحل إليه خلق كثير جداً، ولا سيما لما زالت دولة الرفض عن إقليم مصر وتملكها عسكر الشام، فارتحل إليه السلطان صلاح الدين وإخوته وأمراؤه، فسمعوا منه.
حدث عنه الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، والمحدث سعد الخير وهما من شيوخه، وأبو العز محمد بن علي الملقاباذي، وعلي بن إبراهيم السرقسطي، وطيب بن محمد المروزي، وقد روى أبو سعد السمعاني عن الثلاثة عن السلفي. وممن روى عنه يحيى بن سعدون القرطبي، والصائن هبة الله بن عساكر، وحدث عنهما الحافظان: ابن السمعاني وأبو القاسم ابن عساكر عنه.
وروى عنه بالإجازة خلق ماتوا قبله، منهم: القاضي عياض بن موسى.
وحدث عنه من الأئمة: عمر بن عبد المجيد الميانشي، وحماد الحراني، والحافظان: عبد الغني وعبد القادر الرهاوي، وعلي بن المفضل الحافظ، وأبو البركات ابن الجباب، والشهاب ابن راجح، وأبو نزار ربيعة بن الحسن اليمني، وأبو النجم فرقد الكناني، وعبد الرحيم بن أبي الفوارس القيسي، والصائن عبد الواحد بن إسماعيل الأزدي، وأبو النجم بن رسلان الواعظ، والسلطان يوسف بن أيوب وأخوه السلطان أبو بكر العادل، وأبو الفتوح محمد بن محمد البكري وابنه أبو الحسن محمد، ومحمد بن عبد الغفار الهمذاني، والأمير محمد بن محمود الدوني، وظافر ابن عمر بن مقلد الدمشقي، وعبد الله بن عمر الشافعي قاضي اليمن، ومرتضى بن حاتم، وظافر بن شحم، وعلي بن زيد التسارسي، وعلي ابن مختار العامير، وجعفر بن علي الهمداني، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، والفخر محمد بن إبراهيم الفارسي، والحسن بن محمد الأوقي، ونصر بن جرو، وعبد الصمد الغضاري، وعيسى بن الوجيه بن عيسى، ومحمد بن عماد الحراني، والفخر محمد بن عبد الوهاب، وإبراهيم بن علي المحلي، ودرع بن فارس العسقلاني الشيرجي، وعبد الخالق بن إسماعيل التنيسي، وعلي بن محمد بن رحال، ومحمد بن محمد بن سعيد المأموني، وعبد الله بن عبد الجبار العثماني، وإبراهيم بن عبد الرحمان ابن الجباب وأخوه محمد، وأبو القاسم عبد الرحمان ابن الصفراوي، وعبد الرحيم بن الطفيل، والحسن بن هبة الله بن دينار، ويوسف بن عبد المعطي ابن المخيلي، والوجيه محمد ابن تاجر عينه، وعلي بن إسماعيل بن جبارة، وحمزة بن أوس الغزال، ويحيى بن عبد العزيز الأغماتي وأخوه ناصر، وحسين بن يوسف الشاطبي، وعبد العزيز بن النقار، ومظفر بن عبد الملك الفوي، ومنصور بن سند ابن الدماغ، وعلم الدين علي بن محمد السخاوي، وعلم الدين علي بن محمود ابن الصابوني وابن أخيه الشهاب أحمد بن محمد، وفاضل بن ناجي المخيلي، ويوسف بن يعقوب الساوي، وأبو الوفاء عبد الملك ابن الحنبلي، وأبو القاسم بن رواحة، وأحمد بن محمد ابن الجباب، وعلي بن أبي بكر الديبلي، وعلي بن عبد الرحمان المنبجي، وعمر بن أمير ملك الحنفي، وعبد الواحد بن أبي القاسم الدمشقي، وتمام بن عبد الهادي ابن الحنبلي، وعبد العزيز بن عبد الله ابن الصواف، وعمر ابن الشيخ أبي عمر بن قدامة، وأبو منصور محمد بن عقيل ابن الصوفي، ومحمود بن موسك الهذباني، ومحمد بن يحيى ابن السدار، وبشارة بن طلائع، وعبد الله بن يوسف القابسي، وصدقة بن عبد الله الأديب، وعلي بن منصور بن مخلوف، وسليمان بن حسن البزاز، وعبد الله بن يحيى المهدوي، وحسان ابن أبي القاسم المهدوي، وعبد الحكيم بن حاتم، وست الحسن بنت الوجيه بن عيسى، وعبد الكافي السلاوي، وعبد الله بن إسماعيل بن رمضان، والحسين بن صادق المقدسي، ونصر الله ابن نقاش السكة، وعبد الكريم بن كليب الحراني، وهبة الله ابن نقاش السكة أخو المذكور، وعبد الوهاب بن رواج الأزدي، وبهاء الدين علي ابن الجميزي، وشعيب بن يحيى الزعفراني، وأحمد بن علي بن بدر الدمشقي، وعبد الخالق بن حسن ابن هياج، وعبد المحسن السطحي، وعلي بن عبد الجليل الرازي، وقيماز المعظمي، وهبة الله بن محمد بن مفرج ابن الواعظ وسبطه أبو القاسم عبد الرحمان بن مكي، وخلق آخرهم موتاً راوي المسلسل عنه أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام السفاقسي. وبالإجازة تاج الدين أحمد ابن محمد ابن الشيرازي، والنور البلخي، وعثمان بن علي ابن خطيب القرافة، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ، ومكي بن علان القيسي، ومحمد بن عبد الهادي الجماعيلي، وعدة. وممن سمع منه أيضاً أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت وروى عنه بالإجازة العامة الزين أحمد بن عبد الدائم وطائفة؛ فبين ابن طاهر وبين السفاقسي في الوفاة مئة وسبع وأربعون سنة، وذا ما لم يتفق مثله لأحد في كتاب السابق واللاحق.
ولقد خرج الأربعين البلدية التي لم يسبق إلى تخريجها، وقل أن يتهيأ ذلك إلا لحافظ عرف باتساع الرحلة. وله كتاب السفينة الأصبهانية في جزء ضخم، رويناه، والسفينة البغدادية في جزءين كبيرين، ومقدمة معالم السنن، والوجيز في المجاز والمجيز، وجزء شرط القراءة على الشيوخ، ومجلسان في فضل عاشوراء.
وانتخب على جماعة من كبار المشايخ كجعفر بن أحمد السراج، وأبي الحسين ابن الطيوري، وأبي الحسن ابن الفراء الموصلي، وكان مكباً على الكتابة والاشتغال والرواية، لا راحة له غالباً إلا في ذلك.
قال الحافظ المنذري: سمعت الحافظ ابن المفضل يقول: عدة شيوخ الحافظ السلفي بأصبهان تزيد على ست مئة نفس، ومشيخته البغدادية خمسة وثلاثون جزءاً، وكل من سمع من أبي صادق المديني ومحمد بن أحمد الرازي المعدل من المصريين فأكثره بإفادته.
وله تصانيف كثيرة، وكان يستحسن الشعر، وينظمه، ويثيب من يمدحه.
ورأى عدةً من الحفاظ كأبي القاسم إسماعيل بن محمد، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، ويحيى بن مندة، وأبي نصر اليونارتي بأصبهان، وكأبي علي البراداني، وشجاع الذهلي، والمؤتمن الساجي ببغداد، ومحمد بن طاهر المقدسي، وأبي محمد ابن السمرقندي وعدة.
وأخذ التصوف عن معمر بن أحمد اللنباني، والفقه عن إلكيا أبي الحسن الطبري، وأبي بكر محمد بن أحمد الشاشي، والفقيه يوسف الزنجاني، والأدب عن أبي زكريا التبريزي، وأبي الكرم بن فاخر، وعلي بن محمد الفصيحي.
وأخذ حروف القراءات عن أبي طاهر بن سوار، وأبي منصور الخياط، وأبي الخطاب ابن الجراح.
وسمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به. وكان جيد الضبط، كثير البحث عما يشكل عليه. قال: وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد وغلو الانتقاد، وبذلك كان ينفرد عن أبناء جنسه.
قال أبو علي الأوقي: سمعت أبا طاهر السلفي يقول: لي ستون سنةً بالإسكندرية ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة، وأشار إلى غرفة يجلس فيها.
وقال أبو سعد السمعاني في ذيله: السلفي ثقة، ورع، متقن، متثبت، فهم، حافظ، له حظ من العربية، كثير الحديث، حسن الفهم والبصيرة فيه. روى عنه محمد بن طاهر المقدسي؛ فسمعت أبا العلاء أحمد ابن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان يقول: سمعت ابن طاهر يقول: سمعت أبا طاهر الأصبهاني، وكان من أهل الصنعة، يقول: كان أبو حازم العبدوي، إذا روى عن أبي سعد الماليني، يقول: أخبرنا أحمد بن حفص الحديثي، هذا أو نحوه. وقد صحب السلفي والدي مدةً ببغداد، ثم سافر إلى الشام، ومضى إلى صور، وركب البحر إلى مصر، وأجاز لي مروياته في سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.
وقال عبد القادر الرهاوي: سمعت من يحكي عن ابن ناصر أنه قال عن السلفي: كان ببغداد كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث. وسمعت محمد بن أبي الصقر يقول: كان السلفي إذا دخل على هبة الله ابن الأكفاني يتلقاه، وإذا خرج يشيعه.
ثم قال عبد القادر: كان له عند ملوك مصر الجاه والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب يريد عبد القادر الملوك الباطنية المتظاهرين بالرفض وقد بنى الوزير العادل ابن السلار مدرسةً كبيرةً، وجعله مدرسها على الفقهاء الشافعية، وكان ابن السلار له ميل إلى السنة.
قال عبد القادر الحافظ: وكان أبو طاهر لا تبدو منه جفوة لأحد، ويجلس للحديث فلا يشرب ماءً، ولا يبزق، ولا يتورك، ولا تبدو له قدم، وقد جاز المئة. بلغني أن سلطان مصر حضر عنده للسماع، فجعل يتحدث مع أخيه، فزبرهما، وقال: أيش هذا، نحن نقرأ الحديث، وأنتما تتحدثان ؟! وبلغني أن مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج منها إلى بستان ولا فرجة سوى مرة واحدة، بل كان لازماً مدرسته، وما كنا نكاد ندخل عليه إلا ونراه مطالعاً في شيء، وكان حليماً متحملاً لجفاء الغرباء. خرج من بغداد سنة خمس مئة إلى واسط والبصرة، ودخل خوزستان وبلاد السيس ونهاوند، ثم مضى إلى الدربند، وهو آخر بلاد الإسلام، ثم رجع إلى تفليس وبلاد أذربيجان، ثم خرج إلى ديار بكر، وعاد إلى الجزيرة ونصيبين وماكسين، ثم صعد إلى دمشق.
ولما دخل الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها، فأستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه، فأكرموه، وخدموه، حتى لزموه عندهم بالإحسان.
وحدثني رفيق لي عن ابن شافع، قال: السلفي شيخ العلماء.
وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة السلفي: حدث بدمشق، وسمع منه بعض أصحابنا، ولم أظفر بالسماع منه، وسمعت بقراءته من عدة شيوخ، ثم خرج إلى مصر وسمع بها، واستوطن الإسكندرية، وتزوج بها امرأةً ذات يسار، وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف، وصارت له بالإسكندرية وجاهة، وبنى له أبو منصور علي بن إسحاق بن السلار الملقب بالعادل أمير مصر مدرسةً ووقف عليها. أجاز لي جميع حديثه، وحدثني عنه أخي.
سمعت الإمام أبا الحسين ابن الفقيه يقول: سمعت الحافظ زكي الدين عبد العظيم يقول: سألت الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل عن أربعة تعاصروا، فقلت: أيما أحفظ أبو القاسم بن عساكر أو أبو الفضل بن ناصر ؟ فقال: ابن عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو أبو موسى المديني؟ قال: ابن عساكر. قلت: أيما أحفظ ابن عساكر أو، أبو طاهر السلفي ؟ قال: السلفي شيخنا ! السلفي شيخنا ! قلت: فهذا الجواب محتمل كما ترى، والظاهر أنه أراد بالسلفي المبتدأ وبشيخنا الخبر، ولم يقصد الوصف، وإلا فلا يشك عارف بالحديث أن أبا القاسم حافظ زمانه، وأنه لم ير مثل نفسه.
قال الحافظ عبد القادر: وكان السلفي آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، حتى إنه قد أزال من جواره منكرات كثيرةً. ورأيته يوماً، وقد جاء جماعة من المقرئين بالألحان، فأرادوا أن يقرؤوا فمنعهم من ذلك، وقال: هذه القراءة بدعة، بل اقرؤوا ترتيلاً، فقرؤوا كما أمرهم.
أنبأنا أحمد بن سلامة، عن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، ومن خطه نقلت جزءاً فيه نقل خطوط المشايخ للسلفي بالقراءآت، وأنه قرأ بحرف عاصم، على أبي سعد المطرز، وقرأ بروايتي حمزة والكسائي، على محمد بن أبي نصر القصار، وقرأ لقالون على نصر بن محمد الشيرازي، وبرواية قنبل، على عبد الله بن أحمد الخرقي. وقد قرأ على بعضهم في سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
قال الحافظ ابن نقطة: كان السلفي جوالاً في الآفاق، حافظاً، ثقةً، متقناً، سمع منه أشياخه وأقرانه، وسأل عن أحوال الرجال شجاعاً الذهلي، والمؤتمن الساجي، وأبا علي البراداني، وأبا الغنائم النرسي، وخميساً الحوزي، سؤال ضابط متقن.
قال: وحدثني عبد العظيم المنذري بمصر، قال: لما أرادوا أن يقرؤوا سنن النسائي على أبي طاهر السلفي، أتوه بنسخة سعد الخير وهي مصححة، قد سمعها من الدوني، فقال: اسمي فيها ؟ قالوا: لا، فاجتذبها من يد القارئ بغيظ، وقال: لا أحدث إلا من أصل فيه اسمي. ولم يحدث بالكتاب.
قلت: وكان السلفي قد انتخب جزءاً كبيراً من الكتاب بخطه، سمعناه من أصحاب جعفر الهمذاني، أخبرنا السلفي.
قال ابن نقطة: قال لي عبد العظيم: قال لي أبو الحسن المقدسي: حفظت أسماءً وكنىً، ثم ذاكرت السلفي بها، فجعل يذكرها من حفظه وما قال لي: أحسنت، ثم قال: ما هذا شيء مليح مني، أنا شيخ كبير في هذه البلدة هذه السنين لا يذاكرني أحد، وحفظي هكذا.
قال العماد الكاتب، وسكن السلفي الإسكندرية، وسارت إليه الرجال، وتبرك بزيارته الملوك والأقيال، وله شعر ورسائل ومصنفات. ثم أورد له مقطعات من شعره.
قرأت بخط السيف أحمد ابن المجد: سمعت أحمد بن سلامة النجار يقول: إن الحافظين عبد الغني وعبد القادر أرادا سماع كتاب اللالكائي، يعني شرح السنة على السلفي، فأخذ يتعلل عليهما مرةً، ويدافعهم مرةً أخرى بالأصل، حتى كلمته امرأته في ذلك.
قال ابن النجار: عمر السلفي حتى ألحق الصغار بالكبار. سمع منه ببغداد أبو علي البراداني، وعبد الملك بن علي بن يوسف، وهزارسب بن عوض، ومحمود بن الفضل، وأبو الحسن الزعفراني، وروى لي عنه أكثر من مئة شيخ.
قرأت بخط عمر بن الحاجب أن معجم السفر للسلفي يشتمل على ألفي شيخ. كذا قال، وما أحسبه يبلغ ذلك قال الحسن بن أحمد الأوقي: كانوا يأتون السلفي، ويطلبون منه دعاءً لعسر الولادة، فيكتب لمن يقصده، قال: فلما كثر ذلك نظرت فيما يكتب، فوجدته يكتب: اللهم إنهم قد أحسنوا ظنهم بي، فلا تخيب ظنهم في.
قال: وحضر عنده السلطان صلاح الدين وأخوه الملك العادل لسماع الحديث، فتحدثا، فأظهر لهما الكراهة وقال: أنتما تتحدثان، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ؟! فأصغيا عند ذلك.
قلت: وقد حدث السلطان عنه.
قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم: كان السلفي مغرىً بجمع الكتب والاستكثار منها، وما كان يصل إليه من المال كان يخرجه في شرائها، وكان عنده خزائن كتب، ولا يتفرغ للنظر فيها، فلما مات وجدوا معظم الكتب في الخزائن قد عفنت، والتصق بعضها ببعض لنداوة الإسكندرية، فكانوا يستخلصونها بالفأس، فتلف أكثرها.
قال السيف أحمد ابن المجد الحافظ: سمعت أحمد بن سلامة النجار يقول: أراد عبد الغني وعبد القادر الحافظان سماع كتاب اللالكائي، يعني شرح السنة، على السلفي، فأخذ يتعلل عليهما مرةً، ويدافعهم عنه أخرى بأصل السماع، حتى كلمته امرأته في ذلك.
قلت: ما أظنه حدث بالكتاب. بلى حدث منه بكرامات الأولياء.
قرأت بخط عمر بن الحاجب أن معجم السفر للسلفي يشتمل على ألفي شيخ.
أنشدني أبو بكر الدشتي، وإسحاق الأسدي، قالا: أنشدنا ابن رواحة: أنشدني أبو طاهر السلفي لنفسه:

كم جلت طولاً وعرضاً

 

وجبت أرضاً فأرضا

وما ظفـرت بـخـلٍّ

 

من غير غلٍّ فأرضى

أنبأني أحمد بن سلامة، عن الحافظ عبد الغني بن سرور، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه في رجب سنة ست وستين وخمس مئة:

دعوني عن أسانـيد الـضّـلال

 

وهاتوا من أسـانـيدٍ عـوالـي

رخاصٍ عند أهل الجهـل طـرّاً

 

وعند العارفين بهـا غـوالـي

عن أشياخ الحـديث ومـا رواه

 

إمامٌ في العلوم على الكـمـال

كمالكٍ أو كمعمرٍ الـمـزكّـى

 

وشعبة أو كسفيان الـهـلالـي

وسفيان العراق وليث مـصـرٍ

 

فقدماً كان معـدوم الـمـثـال

والأوزاعيّ فهو له بـشـرع ال

 

نّبيّ المصطفى أوفى اتّـصـال

ومسعرٍ الّذي فـي كـلّ عـلـمٍ

 

يشار كـذا إلـيه كـالـهـلال

وزائدةٍ وزد أيضـاً جـــريراً

 

فكلٌّ منهما رجـل الـنّـضـال

وكأبن مباركٍ أو كأبـن وهـبٍ

 

وكالقطّان ذي شـرفٍ وحـال

وحمّـادٍ وحـمّـادٍ جـمـيعـاً

 

وكأبن الدّستـوائي الـجـمـال

وبعدهم وكـيعٌ وابـن مـهـديٍّ

 

المهديّ فـي كـلّ الـخـلال

ومكيٍّ ووهـبٍ والـحـمـيديّ

 

عبد الـلّـه لـيثٍ ذي صـيال

وضحّاكٍ عقـيب يزيد أعـنـي

 

ابن هارون المحقّق في الخصال

كذاك طيالسيّاً البـصـرة اذكـر

 

فمـا روياه مـن أثـرٍ لآلـي

وعفّـانٌ نـعـم وأبـو نـعـيمٍ

 

حميدا الحال مرضيّا الفـعـال

ويحيى شيخ نيسـابـور ثـم ال

 

إمام الشّافعيّ المقـتـدى لـي

كذاكم ابن خالـدٍ الـمـكـنّـى

 

أبا ثورٍ وكان حوى المعـالـي

وأيضاً فالصّـدوق أبـو عـبـيدٍ

 

فأعلامٌ من أربـاب الـمـقـال

كيحيى وأبن حنبلٍ الـمـعـلّـى

 

بمعرفة المتون وبـالـرّجـال

وإسحاق التّقي وفتـى نـجـيحٍ

 

وعبد اللّـه ذي مـدحٍ طـوال

إسحاق: هو ابن راهويه، وفتى نجيح: ابن المديني، وعبد الله: ابن أبي شيبة.

وعثمان الرّضيّ أخـيه أيضـاً

 

وكالطّوسيّ ركن الابـتـهـال

وكالنّسـويّ أعـنـيه زهـيراً

 

ويعرف بابن حربٍ في المجال

وكالذّهليّ شمس الشّرق عـدلٍ

 

يعدّله المعادي والـمـوالـي

وأصحاب الصّحاح الخمسة أعلم

 

رجالٍ في الشّريعة كالجـبـال

وكابن شجاعٍ البلـخـيّ ثـمّ ال

 

سمرقنديّ من هو رأس مالـي

وبو شنجيّهم ثـمّ ابـن نـصـرٍ

 

بمرو مقـدّمٍ فـيهـم ثـمـال

وبالرّيّ ابن وارة ذو افتـنـانٍ

 

وترباه كذاك على الـتّـوالـي

ترباه هما: أبو زرعة وأبو حاتم.

كذاك ابن الفرات وكان سيفاً

 

على البدعيّ يطعن كالألال

كذا الحربيّ أحربه وحرب

 

ابن إسماعيل خيرٌ ذو منال

ويعقوبٌ ويعقوبـان أيضـاً

 

سواه وابن سنجرٍ الثّمـال

يعقوب بن شيبة، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ويعقوب الفسوي.

وصالحٌ الرّضى وأخوه مـنـهـم

 

كذاك الدّارميّ أخو المـعـالـي

وصالحٌ الملقّب وابـن عـمـروٍ

 

دمشقيٌّ حـلـيمٌ ذو احـتـمـال

ونجل جريرٍ إذ توفـي وتـربـي

 

مناقبه علـى عـدد الـرّمـال

كذا ابن خزيمة السّلمـيّ ثـمّ اب

 

ن مندة مقتدى مدن الـجـبـال

وخلقٌ تقصر الأوصاف عنـهـم

 

وعن أحوالهم حـال الـسّـؤال

سموا بالعلم حين سمـا سـواهـم

 

لدى الجهّال بالرّمم الـبـوالـي

ومع هذا المحـلّ ومـا حـووه

 

فآلـهـم كـذلـك خـــير آل

مضوا والذّكر من كـلٍّ جـمـيلٌ

 

على المعهود في الحقب الخوالي

أطاب الله مثـواهـم فـقـدمـاً

 

تعنّوا في طلابهـم الـعـوالـي

وبعد حصولها لـهـم تـصـدّوا

 

كذلـك لـلـرّواية والأمـالـي

وتلفي الكلّ منهم حـين يلـقـى

 

من آثار العبـادة كـالـخـلال

وها أنا شارعٌ في شـرح دينـي

 

ووصف عقيدتي وخفيّ حـالـي

وأجهد في البيان بقدر وسـعـي

 

وتخليص العقول من العـقـال

بشعرٍ لا كشعرٍ بـل كـسـحـرٍ

 

ولفظٍ كالشّمول بل الـشّـمـال

فلست الـدّهـر إمّـعةً ومـا إن

 

أزلّ ولا أزول لـذي الـنّـزال

فلا تصحب سوى السّـنّـيّ دينـاً

 

لتحمد ما نصحتك فـي الـمـآل

وجانـب كـلّ مـبـتـدعٍ تـراه

 

فما إن عندهم غير الـمـحـال

ودع آراء أهـل الـزّيغ رأسـاً

 

ولا تغررك حـذلـقة الـرّذال

فلـيس يدوم لـلـبـدعـيّ رأيٌ

 

ومن أين المقرّ لذي ارتـحـال

يوافى حـائراً فـي كـلّ حـالٍ

 

وقد خلّـى طـريق الإعـتـدال

ويتـرك دائبــاً رأياً لـــرأيٍ

 

ومنه كذا سـريع الإنـتـقـال

وعمدة مـا يدين بـه سـفـاهـاً

 

فأحداثٌ من أبـواب الـجـدال

وقـول أئمة الـزّيغ الــذي لا

 

يشابهه سوى الدّاء الـعـضـال

كمعبدٍ المـضـلّـل فـي هـواه

 

وواصلٍ أو كغيلان الـمـحـال

وجعدٍ ثم جـهـمٍ وابـن حـربٍ

 

حميرٌ يستحقّون الـمـخـالـي

وثورٍ كاسمه أو شئت فـاقـلـب

 

وحفص الفرد قردٍ ذي افتعـال

وبشرٍ لا رأى بشـرى فـمـنـه

 

تولّـد كـلّ شـرٍّ واخـتــلال

وأتـبـاع ابـن كـلاّبٍ كـلابٌ

 

على التّحقيق هم مـن شـرّ آل

كذاك أبو الهذيل وكـان مـولـىً

 

لعبد القيس قد شان الـمـوالـي

ولا تنس ابن أشرسٍ المـكـنّـى

 

أبا معنٍ ثمامة فـهـو غـالـي

ولا ابن الحارث البصريّ ذاك ال

 

مضلّ على اجتهادٍ واحـتـفـال

ولا الكوفيّ أعـنـيه ضـرار ب

 

ن عمروٍ فهو للبصريّ تـالـي

كذاك ابن الأصـمّ ومـن قـفـاه

 

من أوباش البهاشمة الـنّـغـال

وعمروٌ هكذا أعني ابـن بـحـرٍ

 

وغيرهم من أصحاب الشّـمـال

فرأي أُولاء لـيس يفـيد شــيئاً

 

سوى الهذيان مـن قـيلٍ وقـال

وكلّ هـوىً ومـحـدثةٍ ضـلالٌ

 

ضعيفٌ في الحقيقة كالـخـيال

فهـذا مـا أدين بـه إلـهــي

 

تعالى عن شـبـيهٍ أو مـثـال

وما نـافـاه مـن خـدعٍ وزورٍ

 

ومن بدعٍ فلم يخطـر بـبـالـي

صدق الناظم رحمه الله، وأجاد، فلأن يعيش المسلم أخرس أبكم خير له من أن يمتلئ باطنه كلاماً وفلسفةً !. أنشدنا أبو الغنائم بن علان في كتابه عن القاسم بن علي بن الحسن الحافظ، أخبرنا أبي، أنشدنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد بدمشق، أنشدنا أبو العز محمد بن علي البستي بملقاباذ. ح وأنشدنا أبو الحسين اليونيني، أنشدنا جعفر بن علي المقرئ، قالا: أنشدنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد لنفسه:

إنّ علم الحديث علم رجالٍ

 

تركوا الابتداع للاتّـبـاع

فإذا جنّ ليلهم كـتـبـوه

 

وإذا أصبحوا غدوا للسّماع

أنشدنا أبو الفتح القرشي، أنشدنا يوسف الساوي، أنشدنا السلفي لنفسه:

ليس على الأرض في زماني

 

من شانه في الحديث شانـي

نظماً وضبطاً يلـي عـلـوّاً

 

فيه على رغم كلّ شـانـي

أنشدنا أبو الحسين ابن الفقيه، وأبو علي القلانسي، قالا: أنشدنا أبو الفضل الهمداني، أنشدنا أبو طاهر السلفي لنفسه:

ليس حسن الحديث قرب رجالٍ

 

عند أرباب علمه الـنـقّـاد

بل علوّ الحديث عند أولي الإت

 

قان والحفظ صحة الإسـنـاد

فإذا ما تجمّعـا فـي حـديثٍ

 

فاغتنمه فذاك أقصى المـراد

قد مر ذكر مولده وأنه على التقدير، وقد قال المحدث محمد بن عبد الرحمان بن علي التجيبي الأندلسي: سمعت على السلفي ووجدت بخطه مقيداً: مولدي بأصبهان سنة اثنتين وسبعين وأربع مئة تخميناً لا يقيناً. ويقوي هذا ما تقدم عن السخاوي، والأظهر خلافه من قوله لما كتبوا عنه وهو أمرد، ومن قوله وقت قتلة نظام الملك.
وقال القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان: كانت ولادته بأصبهان سنة اثنتين وسبعين تقريباً. قال: ووجدت العلماء بمصر والمحدثين من جملتهم الحافظ المنذري يقولون في مولد السلفي هذه المقالة. ثم وجدت في كتاب زهر الرياض لأبي القاسم ابن الصفراوي أن السلفي كان يقول: مولدي بالتخمين لا باليقين سنة ثمان وسبعين. فيكون مبلغ عمره على مقتضى ذلك ثمانياً وتسعين سنةً.
ثم قال ابن خلكان: ورأيت في تاريخ ابن النجار ما يدل على صحة ما قاله الصفراوي، فإنه قال: قال عبد الغني المقدسي: سألت السلفي عن مولده، فقال: أنا أذكر قتل نظام الملك سنة خمس وثمانين ولي نحو عشر سنين، ولو كان مولده في سنة اثنتين وسبعين على ما يقوله أهل مصر ما كان يقول: أذكر قتل نظام الملك، فيكون على ما قالوه عمره ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة، ولم تجر العادة أن من سنه هكذا أن يقول: أذكر القصة الفلانية. قال: فقد ظهر بهذا أن قول الصفراوي تلميذه أقرب إلى الصحة.
قلت: أرى أن القولين بعيدان، وهما سنة اثنتين، وسنة ثمان، فإنه قد حدث في سنة اثنتين وتسعين في أولها، وقد مر أنه قال: كنت ابن سبع عشرة سنةً أكثر أو أقل بقليل، فلو كان مولده سنة اثنتين لكان ابن عشرين سنةً تامةً، ولو كان على ما قال الصفراوي لكان قد كتبوا عنه وهو ابن أربع عشرة، وهذا بعيد جداً، فتعين أن مولده على هذا يكون في سنة أربع أو خمس وسبعين، وأنه ممن جاوز المئة بلا تردد.
قال ابن خلكان: مع أنا ما علمنا أحداً منذ ثلاث مئة سنة إلى الآن بلغ المئة فضلاً عن أنه زاد عليها سوى القاضي أبي الطيب الطبري: فإنه عاش مئةً وسنتين.
قلت: هذا الكلام لا يدل على نفي تعمير المئة، بل فيه اعتراف في الطبري رحمه الله وما قاله الصفراوي فقاله باجتهاده، وما توبع عليه، بلى خولف.
وقد كنت ألفت جزءاً كبيراً فيمن جاوز المئة من المشايخ، ومنهم أنس بن مالك، وأبو الطفيل، وغيرهما من الصحابة، وسويد بن غفلة، وأبو رجاء العطاردي، وعدة من التابعين، والحسن بن عرفة العبدي، وأبو القاسم البغوي، وبدر بن الهيثم، وسليمان بن أحمد الطبراني، والفقيه عبد الواحد الزبيري بما وراء النهر، وشيخنا ركن الدين الطاووسي، وبالأمس مسند الدنيا شهاب الدين أحمد ابن الشحنة.
قال المحدث وجيه الدين عبد العزيز بن عيسى اللخمي قارئ الحافظ السلفي: توفي الحافظ في صبيحة يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمس مئة، وله مئة سنة وست سنين. كذا قال في سنه، فوهم الوجيه.
ثم قال: ولم يزل يقرأ عليه الحديث يوم الخميس إلى أن غربت الشمس من ليلة وفاته، وهو يرد على القارئ اللحن الخفي، وصلى يوم الجمعة الصبح عند انفجار الفجر، وتوفي بعدها فجاءةً. قلت: وكذا أرخ موته غير واحد رحمه الله وغفر له وقبره معروف بظاهر الإسكندرية، وكان يطأ أهله ويتمتع وإلى قريب وفاته، وإنما تزوج وقد أسن بعد سنة خمسين وخمس مئة.
قال ابن خلكان: لقبه صدر الدين.