أبو العلاء الهمذاني

أبو العلاء الهمذاني

الإمام الحافظ المقرئ العلامة شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق ابن حنبل الهمذاني العطار، شيخ همذان بلا مدافعة.
مولده في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
وأول سماعه في سنة خمس وتسعين، وبعدها سمع من عبد الرحمان ابن حمد الدوني، وخلق بهمذان. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وأبي علي ابن المهدي، وطبقتهم. وبأصبهان من أبي علي الحداد، ومحمود الأشقر، وخلق. وقرأ بالروايات الكثيرة على الحداد، وعلى أبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وجماعة.
وارتحل إلى خراسان، فسمع من محمد بن الفضل الفراوي صحيح مسلم، وما زال يسمع ويرحل ويسمع أولاده. وآخر قدماته إلى بغداد، وكان بعد الأربعين، فقرأ لأولاده على أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، فحدث إذ ذاك بها وأقرأ.
فتلا عليه بالعشرة أبو أحمد عبد الوهاب ابن سكينة.
وروى عنه هو وأبو المواهب ابن صصرى، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي، وعتيق بن بدل المكي، وأولاده: أحمد، وعبد البر، وفاطمة، وأسباطه: القاضي علي، ومحمد، وعبد الحميد، بنو عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، وآخرون.
وروى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقير، وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: هو حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والآداب معرفةً حسنةً، سمعت منه بهمذان.
وقال الحافظ عبد القادر: شيخنا أشهر من أن يعرف؛ تعذر وجود مثله من أعصار كثيرة، على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ فإنه ما كان يكتب شيئاً إلا منقوطاً معرباً، وأول سماعه من الدوني سنة 495، وبرع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير.
ولقد كان يوماً في مجلسه، وجاءته فتوى في أمر عثمان رضي الله عنه ، فأخذها، وكتب فيها من حفظه، ونحن جلوس، درجاً طويلاً، ذكر فيه نسبه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قيل فيه، إلى غير ذلك.
وله التصانيف في الحديث، وفي الزهد والرقائق، وقد صنف كتاب زاد المسافر في خمسين مجلداً، وكان إماماً في الحديث وعلومه.
وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، وكتاباً في ماءات القرآن، وفي العدد، وكتاباً في معرفة القراء في نحو من عشرين مجلداً، استحسنت تصانيفه، وكتبت، ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات. وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا وكذا، ومات فلان في سنة كذا وكذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان عالماً إماماً في النحو واللغة. سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب الجمهرة. وخرج له تلامذةً في العربية أئمةً يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي، إلى أن قال: وكان مهيناً للمال، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار، فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وإلى أصبهان مرات ماشياً يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن.
قال: وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء العطار في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عالياً، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب؛ حتى إن كان ليمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام، ودعا له؛ حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له، إلى أن يدخل البلد. وكان يفتح عليه من الدنيا جمل، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين، مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوةً حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسةً قط ولا رباطاً، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان.
وكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم، ولا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحداً في محلته أن يفعل منكراً، ولا سماعاً، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلة.
وكان حسن الصلاة لم أر أحداً من مشايخنا أحسن صلاةً منه، وكان متشدداً في أمر الطهارة؛ لا يدع أحداً يمس مداسه، وكانت ثيابه قصاراً، وأكمامه قصاراً، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقاداً وفعلاً، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل، فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع، فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدع شيئاً قط إلا مستقبل القبلة تعظيماً لها.
قلت: هذا لم يرد فيه ثواب.
إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء، لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول، وذكر رجلاً من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
قلت: كان أبو العلاء الحافظ في القراءات أكبر منه في الحديث، مع كونه من أعيان أئمة الحديث، له عدة رحلات إلى بغداد وأصبهان ونيسابور.
أخبرنا أبو سعية صبيح الأسود، أخبرنا أبو الحسن ابن المقير، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبةً، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا القعنبي، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمان، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل .. وذكر الحديث.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق، أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني، أخبرنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو بحر محمد بن الحسن، حدثنا علي بن الفضل الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فأفعل ما شئت.
توفي أبو العلاء الهمذاني بها في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمس مئة، وله نيف وثمانون سنةً.
وفيها: مات صاحب الشام الملك نور الدين محمود بن زنكي التركي عن بضع وخمسين سنةً، والمسند أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي النقيب ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كاره الحريمي، وشيخ النحو أبو محمد سعيد بن المبارك ابن الدهان البغدادي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني بفاس عن ثلاث وتسعين سنةً، والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد ابن النرسي، وأبو إسحاق بن قرقول الحمزي، وأبو تميم سلمان بن علي الرحبي الخباز، وعبد النبي بن المهدي الخارجي المتغلب على اليمن، والفقيه عمارة بن علي اليمني شاعر وقته، وأبو شجاع محمد بن الحسين المادرائي الحاجب.
وفي أولاد الحافظ أبي العلاء جماعة نجباء؛ أصغرهم الحافظ الرحال مفيد همذان أبو بكر محمد بن الحسن، سمع من أبي الوقت والباغبان، وبأصبهان من أبي رشيد عبد الله بن عمر، والحافظ أبي موسى، وقرأ كثيراً، وحصل الأصول، روى عنه أبو الحسن ابن القطيعي، مات كهلاً سنة خمس وست مئة.

الخطيبي

الفقيه أبو حنيفة محمد بن عبد الله بن علي الأصبهاني الخطيبي الحنفي.
روى عن جده لأمه حمد بن صدقة، وأبي مطيع الصحاف، وأحمد ابن محمد بن أحمد بن مردويه، وأبي محمد الدوني، وأبي الفتح الحداد.
وأملى عدة مجالس، وحدث بأصبهان، ومكة، وبغداد. روى عنه أبو طالب بن عبد السميع، والإمام الموفق بن قدامة، وابن الأخضر، وأبو القاسم ابن صصرى، وآخرون.
وهو من بيت علم ورواية.
توفي بأصبهان سنة إحدى وسبعين وخمس مئة، وله ثلاث وثمانون سنةً.

ابن البوقي

شيخ الشافعية بواسط، أبو جعفر هبة الله بن يحيى بن حسن الواسطي، ابن البوقي، العطار.
سمع أبا نعيم الجماري، وأبا نعيم ابن زبزب، وخميساً الحافظ.
وتفقه وبرع على أبي علي الفارقي، وأستقدمه ابن هبيرة.
روى عنه ابن الأخضر، وإبراهيم الكاشغري، وكان بصيراً بالخلاف، عليماً بالفرائض.
مات بواسط في ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وخمس مئة في عشر التسعين.

اليوسفي

الشيخ الصالح أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي الخياط.
روى عن ابن نبهان، وابن بيان، وأبي طالب اليوسفي.
وعنه ابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، والشمس البخاري، وكتائب بن مهدي، وعبد الحق الفيالي، وعبد الحق بن خلف، وآخرون.
توفي بمكة قبل أخيه في سنة أربع وسبعين وخمس مئة، وله تسع وستون سنةً، وكان ديناً خيراً، ذا مروءة تامة.

العليمي

المحدث العالم الرحال أبو الخطاب عمر بن محمد بن عبد الله بن خضر بن مسافر العليمي الدمشقي السفار، عرف بابن حوشكاش.
سمع من الفقيه نصر الله المصيصي، ونصر بن مطكود، وأبي القاسم ابن البن، وأبي الأسعد ابن القشيري، ونصر بن المظفر البرمكي، وعبد الله ابن الفراوي، وهبة الله الدقاق، وعبد الله بن رفاعة، والسلفي، وعدد كثير بخراسان والعراق ومصر والشام. وكتب الكثير، وكان صدوقاً، حميد السيرة، جيد الفهم والمعرفة.
روى عنه: ابن الأخضر، وزين الأمناء، وطائفة.
مات في شوال سنة أربع وسبعين وخمس مئة بدمشق، وله أربع وخمسون سنةً.

الحديثي

قاضي القضاة أبو طالب روح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح الحديثي، ثم البغدادي الشافعي.
ولد سنة اثنتين وخمس مئة.
وسمع إسماعيل بن الفضل الجرجاني، ومحمد بن عبد الباقي البجلي، وهبة الله بن الحصين.
سمع منه: عمر بن علي القرشي.
وروى عنه: إسفنديار ابن الموفق، وبالإجازة ابن مسلمة.
قال ابن النجار: كان متديناً، حسن الطريقة، عفيفاً نزهاً، ولاه المستضيء القضاء في سنة ست وستين بعد أمتناع منه شديد، ولم يزل على القضاء حتى توفي في المحرم سنة سبعين وخمس مئة.

ابنه

الإمام القاضي الزاهد العابد القانت أبو المعالي، عبد الملك بن روح، استنابه أبوه في القضاء بحريم دار الخلافة، وسمع من علي بن الصباغ، ومحمد بن محمد ابن السلال، والأرموي.
انتقى له علي بن أحمد الزيدي جزءاً.
وروى عنه عبد الملك ابن أبي محمد البرداني.
قال ابن النجار: أخبرنا محمد بن سعيد الحافظ، أخبرنا عبد الملك بن أبي محمد، أخبرنا عبد الملك ابن الحديثي، أخبرنا ابن السلال، فذكر حديثاً.
قال ابن النجار: سمعت جارنا علي بن أحمد القواس يقول: كان القاضي عبد الملك ابن الحديثي يخرج من دار والده قاضي القضاة راكباً بالعمامة الكبيرة، والقميص والطيلسان، والوكلاء والركابية بين يدي فرسه، إلى باب منزله، فإذا نزل ودخل داره، خرج ماشياً، عليه ثياب قصيرة صغيرة الأكمام، وعمامة لطيفة، والمصلى على كتفه، حتى يأتي مسجد السوق، فيصلي السنة، ثم يخرج، ويقيم الصلاة، ويؤم بالناس، وكان يسحر في ليالي رمضان، وكان يعرف المواقيت.
حج ابن الحديثي سنة تسع وستين، وقدم وقد مات أبوه، فخوطب في أن يلي قضاء القضاة، فلم يجب، وتردد الكلام في ذلك أياماً، ومرض، فمات في صفر سنة سبعين وخمس مئة رحمه الله عليه.

المأموني

العلامة الأديب الأخباري أبو محمد هارون بن العباس بن محمد العباسي المأموني البغدادي، مصنف التاريخ على السنين، وله شرح المقامات، وكتاب أخبار الأوائل.
وحدث عن قاضي المارستان.
مات في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة.

صاحب اليمن

الملك المعظم، شمس الدولة، تورانشاه بن أيوب، أخو السلطان صلاح الدين، هو أسن من السلطان، فكان يحترمه ويرى له. جهزه في سنة ثمان وستين إلى بلاد النوبة، فرجع بغنائم كثيرة، ثم بعثه على اليمن، فظفر بعبد النبي المتغلب عليها، وقتله، وأستولى على معظم اليمن، وكان بطلاً شجاعاً جواداً ممدحاً. ثم إنه مل من سكنى اليمن، ولم توافقه، فاستناب عليها، وقدم في آخر سنة إحدى وسبعين، فعمل نيابة السلطنة بدمشق، ثم تحول إلى مصر في عام أربعة وسبعين، واتفق موته بالإسكندرية في صفر سنة ست وسبعين، فنقل في تابوت إلى دمشق، ودفن بالمدرسة الشامية عند أخته شقيقته.
ومعنى تورانشاه: ملك الشرق.
وكانت الإسكندرية له إقطاعاً، وكان نوابه باليمن يحملون إليه الأموال من زبيد وعدن، وكان لا يدخر شيئاً، وفيه لعب ولذة محظورة وعسف.
مات وعليه مئتا ألف دينار.
وله إخوة نجباء: صلاح الدين السلطان، وسيف الدين العادل، وشاهنشاه والد فروخشاه صاحب بعلبك، ووالد الملك تقي الدين عمر صاحب حماة، وتاج الملوك بوري الذي قتل على حلب، وسيف الإسلام طغتكين الذي تملك اليمن أيضاً، وربيعة خاتون، وست الشام.

ملك الموصل

الملك سيف الدين، غازي ابن صاحب الموصل، قطب الدين مودود ابن الأتابك زنكي ابن قسيم الدولة آقسنقر التركي الموصلي.
تملك بعد أبيه من تحت يد عمه الملك نور الدين، وطالت أيامه، فلما تسلطن صلاح الدين، وحاصر حلب، نفذ غازي جيشه مع أخيه مسعود ينجد ابن عمه، فألتقوا هم وصلاح الدين عند قرون حماة، فانكسر مسعود، فأقبل غازي بنفسه ليأخذ بالثأر، فوقع المصاف على تل السلطان بقرب حلب، فانكسرت ميسرة صلاح الدين، فحمل السلطان بنفسه، فكسر المواصلة، فقبح الله القتال على الملك، ما أردأه.
مات غازي رحمه الله بالسل في صفر سنة ست وسبعين وخمس مئة، وتملك الموصل أخوه الملك عز الدين مسعود.

خوارزمشاه

السلطان أرسلان بن خوارزم شاه آتسز ابن الأمير محمد بن نوشتكين.
تملك بعد أبيه. كان جدهم نوشتكين مملوكاً لرجل، فاشتراه أمير من السلجوقية اسمه بلكا بك فكبر نوشتكين، ونشأ نجيباً عاقلاً، فولد له محمد، فأشغله في العلم والأدب، وطلع نبيلاً كاملاً، وساد، وتأمر، وناب في حدود الخمس مئة بخوارزم، ولقبوه خوارزمشاه، فعدل، وأحسن السياسة، وقرب العلماء، وعظم شأنه عند مخدومه السلطان سنجر، ثم توفي، فقام في ولايته ابنه آطسز خوارزمشاه، ثم بنوه، فولي أرسلان هذا، فكان من كبار الملوك كأبيه.
رجع من محاربة الخطا مريضاً، فمات في سنة ثمان وستين وخمس مئة، فتملك بعده ابنه سلطان شاه محمود، وكان ابنه الآخر تكش مقيماً على مدينة جند، فلما سمع، تنمر وأنف من سلطنة أخيه الصغير، وسار إلى ملك الخطا، فأمده بجيش، وأقبل، فتأخر أخوه محمد وأمه إلى صاحب نيسابور المؤيد، واستولى علاء الدين تكش على البلاد، ثم التقى هو والمؤيد، فانحطم جمع المؤيد، وأسر هو، وذبح صبراً، وهرب محمود وأمه إلى دهستان، ثم حاصرهم تكش، وأفتتح البلد، فهرب محمود وأسرت أمه، فقتلت، والتجأ محمود إلى السلطان غياث الدين صاحب غزنة، فأحترمه، وتملك بعد المؤيد ولده محمد بن أيبة.
وأما تكش، فامتدت أيامه، وقهر الملوك.

ابن حنين

الإمام الكبير، مسند المغرب، أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي المالكي المقرئ، نزيل مدينة فاس.
مولده في سنة ست وسبعين وأربع مئة.
وقرأ بالروايات على أبي الحسن العبسي صاحب أبي العباس بن نفيس، فكان خاتمة أصحاب العبسي.
وسمع الموطأ من محمد بن فرج الطلاعي.
وروى أيضاً عن خازم بن محمد، وأبي الحسن بن شفيع. وتلا بجيان على أبي عامر محمد بن حبيب.
وحج في سنة خمس مئة.
قال الأبار في تاريخه: فلقي أبا حامد الغزالي، وصحبه، وسمع منه كثيراً من موطأ يحيى بن بكير بسماعه من الفقيه نصر، وأقام تسعة أشهر يقرئ القرآن ببيت المقدس. طال عمره وتصدر للإقراء. روى عنه من شيوخنا أبو القاسم بن بقي، وأبو زكريا التادلي، فأخبرنا التادلي بكتاب الشهاب للقضاعي سماعاً، قال: حدثنا أبو الحسن بن حنين، حدثنا العبسي، حدثنا المؤلف. ثم قال الأبار: توفي في سنة تسع وستين وخمس مئة. قلت: روى عنه بقوض محمد بن عبد الحميد بن صالح الهسكوري الموطأ أو بعضه، فقال صاحب كتاب الإمام: قرأت على عبد المحسن بن إبراهيم القوصي بها أنه سمع الهسكوري قدم عليهم عن ابن الحنين فذكر حديثاً.

ابن الشهرزوري

الإمام قاضي القضاة، كمال الدين أبو الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم بن مظفر بن علي، ابن الشهرزوري الموصلي الشافعي، بقية الأعلام.
مولده سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
وسمع من جده لأمه علي بن أحمد بن طوق، وأبي البركات بن خميس، وببغداد من نور الهدى الزينبي، وطائفة.
وكان والده أحد علماء زمانه يلقب بالمرتضى، تفقه ببغداد، ووعظ، وله نظم فائق، وفضائل، وولي قضاء الموصل، وهو القائل:

يا ليل مـا جـئتـكـم زائراً

 

إلاّ وجدت الأرض تطوى لي

ولا ثنيت العزم عن بابـكـم

 

إلاّ تـعـثّـرت بـأذيالـي

مات سنة إحدى عشرة وخمس مئة كهلاً.
وكمال الدين حدث عنه: ابنا صصرى، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، وأبو محمد بن الأخضر، والقاضي شمس الدين عمر بن المنجى، وآخرون.
وشيخه في الفقه أسعد الميهني.
ولي قضاء بلده، وذهب في الرسلية من صاحب الموصل زنكي الأتابك، ثم وفد على ولد زنكي نور الدين، فبالغ في احترامه بحلب، ونفذه رسولاً إلى المقتفي.
وقد أنشأ بالموصل مدرسةً وبطيبة رباطاً.
ثم إنه ولي قضاء دمشق لنور الدين، ونظر الأوقاف، ونظر الخزانة، وأشياء، فاستناب ابنه أبا حامد بحلب، وابن أخيه أبا القاسم بحماة، وابنه الآخر في قضاء حمص.
وقال ابن عساكر: ولي قضاء دمشق سنة 555 وكان أديباً، شاعراً، فكه المجلس، يتكلم في الأصول كلاماً حسناً، ووقف وقوفاً كثيرة، وكان خبيراً بالسياسة وتدبير الملك.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان رئيس أهل بيته، بنى مدرسةً بالموصل، ومدرسةً بنصيبين، وولاه نور الدين القضاء، ثم استوزره. ورد رسولاً، فقيل إنه كتب قصةً عليها محمد بن عبد الله الرسول، فكتب المقتفي: صلى الله عليه وسلم.
وقال سبط ابن الجوزي: لما جاء الشيخ أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر إلى دمشق، خرج إليه أبو الفضل، ومعه ألف دينار، فعرضها عليه، فأبى، فاشترى بها الهامة، ووقفها على المقادسة.
قال: وقدم السلطان صلاح الدين سنة سبعين، فأخذ دمشق، ونزل بدار العقيقي، ثم إنه مشى إلى دار القاضي كمال الدين، فانزعج، وأسرع لتلقيه، فدخل السلطان، وباسطه، وقال: طب نفساً، فالأمر أمرك، والبلد بلدك.
ولما توفي كمال الدين، رثاه ولده محيي الدين بقصيدة أولها وكان بحلب :

ألمّوا بسفحي قاسيون وسلّمـوا

 

على جدثٍ بادي السّنا وترحّموا

وأدّوا إليه عن كـئيبٍ تـحـيّةً

 

مكلّفكم إهداءها القلب والفـم

قلت: توفي في سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.

ابنه

ومات ابنه: قاضي القضاة أبو حامد محمد سنة ست وثمانين.
وكان من تلامذة أبي منصور ابن الرزاز.
وولي قضاء حلب، ثم الموصل، ودرس بنظاميتها، وتمكن من صاحبها مسعود جداً.
وكان سرياً عالماً أديباً جواداً، بذل ببغداد لفقهائها نوبةً عشرة آلاف دينار، وربما أدى عن الغريم الدينار والدينارين.
وله في جرادة:

لها فخذا بكرٍ وساقـا نـعـامةٍ

 

وقادمتا نسرٍ وجؤجؤ ضـيغـم

حبتها أفاعي الرّمل بطناً وأنعمت

 

عليها جياد الخيل بالرّأس والفم

الحيص بيص

الشاعر المشهور، الأمير شهاب الدين، أبو الفوارس، سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي.
سمع من أبي طالب الزينبي، وأبي المجد محمد بن جهور.
روى عنه: القاضي بهاء الدين بن شداد، ومحمد ابن المني.
وله ديوان، وترسل، وبلاغة، وباع في اللغة، ويد في المناظرة، وكان يتحدث بالعربية، ويلبس زي العرب.
مات في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مئة

أبو المسعودي

الشيخ الصالح، أبو حامد عبد الرحمان بن محمد بن مسعود بن أحمد المروزي البنجديهي الخمقري.
قال السمعاني في التحبير: شيخ صالح معمر عفيف، من أهل بنج ديه. تفرد برواية جامع الترمذي عن القاضي أبي سعيد محمد بن علي، البغوي الدباس. سمعت منه، ونشأ له ولد اسمه محمد، فهم الحديث، وبالغ في طلبه، ورحل إلى العراق والشام. قلت: عنى به التاج المسعودي ابن شارح المقامات.
وقد روى جامع الترمذي القاضي أبو نصر ابن الشيرازي عن أبي حامد هذا بالإجازة.
وأظنه توفي سنة بضع وستين وخمس مئة.

ابن صيلا

الشيخ المسند أبو بكر عتيق بن عبد العزيز بن علي بن صيلا الحربي الخباز.
سمع من عبد الواحد بن علوان، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وطائفة.
روى عنه: ولداه عبد الرحمان وعبد العزيز، وابن الأخضر، وعبد الرزاق الجيلي، وأحمد بن أحمد البندنيجي، والبهاء عبد الرحمان المقدسي، وأبو القاسم بن أبي الحسن المالحاني، والأنجب بن محمد بن صيلا الحمامي.
مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة، وله خمس وثمانون سنةً.

السقلاطوني

الشيخ أبو شاكر يحيى بن يوسف البغدادي السقلاطوني الخباز، ويعرف بصاحب ابن بالان.
روى عن: ثابت بن بندار، والحسين ابن البسري، والمبارك ابن الطيوري، وجماعة.
روى عنه: الشيخ الموفق، وابن الأخضر، والبهاء عبد الرحمان، والمبارك بن علي المطرز، وبهاء الدين ابن الجميزي وآخرون.
مات في شعبان سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة عن سن عالية.

شملة

التركماني السلطان المتغلب على مملكة فارس.
أنشأ قلاعاً، وظلم، وتمرد، وقوي على السلجوقية، وكان يظهر طاعة الخلفاء. ودام ملكه أزيد من عشرين سنةً، وبدع في الأكراد، ثم تجهز لحرب جيش من التركمان، فاستعانوا بالبهلوان صاحب أذربيجان، وعمل مصاف كبير، فوقع في شملة سهم، وانفل جيشه، وأخذ أسيراً هو وابنه وابن أخيه، وزال ملكه، ومات بعد يومين، وفرح بذلك المسلمون. هلك سنة 570.

الطوسي

الفقيه الإمام، ناصح المسلمين، أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أبي القاسم، الطوسي الشافعي.
حدث عن: علي بن أحمد ابن الأخرم، ونصر الله الخشنامي، والفضل بن عبد الواحد التاجر، وهم من أصحاب الحيري.
وله أربعون حديثاً سمعناها، خرجها له علي بن عمر الطوسي.
روى عنه: عثمان بن أبي بكر الخبوشاني، ومحمد بن أبي طاهر العطاري، وأبو حامد محمد بن محمد السمناني، والحسن بن عبيد الله القشيري، والحرة زينب الشعرية وابناها: المؤيد وبيبى؛ ولدا النجيب محمد بن علي، والحافظ عبد القادر الرهاوي، وآخرون، وكان أسند من تبقى بنيسابور في وقته.
مات سنة سبعين وخمس مئة.

قايماز

مولى المستنجد بالله، ملك الأمراء، قطب الدين، ارتفع شأنه، وعلا محله في دولة أستاذه، فلما استخلف المستضيء، عظم قايماز، وصار هو الكل؛ فلقد رام المستضيء تولية وزير، فمنعه قايماز، وأغلق باب النوبي، وهم بشق العصا، وخرج في جيشه من بغداد، وكان سمحاً كريماً، طلق المحيا، قليل الظلم، فأتاه الأجل بناحية الموصل، وسكنت النائرة.
مات في ذي الحجة سنة سبعين وخمس مئة.

صدقة بن الحسين

العلامة أبو الفرج ابن الحداد البغدادي الحنبلي الناسخ الفرضي، المتكلم، المتهم في دينه.
نسخ الكثير بخط منسوب.
وأخذ عن ابن عقيل، وابن الزاغوني، وسمع من ابن ملة، واشتغل مدةً، وأم بمسجد كان يسكنه، وناظر، وأفتى.
قال ابن الجوزي: يظهر من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته، وكان لا ينضبط، وله ميل إلى الفلاسفة، قال لي مرةً: أنا الآن أخاصم فلك الفلك. وقال لي القاضي أبو يعلى الصغير: مذ كتب صدقة الشفاء لابن سينا تغير. وقال للظهير الحنفي: إني لأفرح بتعثيري لأن الصانع يقصدني.
مات في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة، وهو في عشر الثمانين.
وكان يطلب من غير حاجة، وخلف ثلاث مئة دينار. ورويت له منامات نجسة أعاذنا الله من الشقاوة.

المستضيء بأمر الله

الخليفة أبو محمد الحسن ابن المستنجد بالله يوسف ابن المقتفي محمد ابن المستظهر أحمد ابن المقتدي الهاشمي العباسي.
بويع بالخلافة وقت موت أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين وخمس مئة، وقام بأمر البيعة عضد الدين أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء، فاستوزره يومئذ.
ولد سنة ست وثلاثين وخمس مئة. وأمه أرمنية اسمها غضة.
وكان ذا حلم وأناة ورأفة وبر وصدقات.
قال ابن الجوزي في المنتظم: بويع، فنودي برفع المكوس، ورد المظالم، وأظهر من العدل والكرم ما لم نره من أعمارنا، وفرق مالاً عظيماً على الهاشميين. قال ابن النجار: بويع وله إحدى وعشرون سنةً فأظنه وهم قال: وكان حليماً، رحيماً، شفيقاً، ليناً، كريماً، نقلت من خط أبي طالب بن عبد السميع، قال: كان المستضيء من الأئمة الموفقين، كثير السخاء، حسن السيرة، إلى أن قال: اتصل بي أنه وهب في يوم لحظايا وجهات أزيد من خمسين ألف دينار.
عبد العزيز بن دلف، حدثنا مسعود ابن النادر، قال: كنت أنادم أمير المؤمنين المستضيء، وكان صاحب المخزم ابن العطار قد صنع شمعداناً ثمن ألف دينار، فحضر وفيه الشمعة، فلما قمت، قام الخادم بها بين يدي، فأطلق لي التور.
قال ابن الجوزي: وفرق أموالاً في العلويين والعلماء والصوفية. كان دائم البذل للمال، ليس له عنده وقع. ولما استخلف، خلع على أرباب الدولة، فحكى خياط المخزن لي أنه فصل ألفاً وثلاث مئة قباء إبريسم، وولى قضاء القضاة روح بن الحديثي، وأمر سبعة عشر مملوكاً. قال: واحتجب عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير الأمير قطب الدين قايماز. وفي خلافته زالت دولة العبيدية بمصر، وخطب له بها، وجاء الخبز فغلقت الأسواق للمسرة، وعملت القباب، وصنفت كتاباً سميته النصر على مصر، وعرضته على الإمام المستضيء.
قلت: وخطب له باليمن، وبرقة، وتوزر، وإلى بلاد الترك، ودانت له الملوك، وكان يطلب ابن الجوزي، ويأمره أن يعظ بحيث يسمع، ويميل إلى مذهب الحنابلة، وضعف بدولته الرفض ببغداد وبمصر وظهرت السنة، وحصل الأمن، ولله المنة.
وللحيص بيص فيه:

يا إمام الهدى علوت عن الجـو

 

د بمـالٍ وفـضّةٍ ونـضـار

فوهبت الأعمار والأمن والبـل

 

دان في ساعةٍ مضت من نهار

فبماذا نثني علـيك وقـد جـا

 

وزت فضل البحور والأمطار

إنّما أنت معجزٌ مـسـتـقـلٌّ

 

خارقٌ للعقـول والأفـكـار

جمعت نفسك الشّريفة بالـبـأ

 

س وبالجود بين مـاءٍ ونـار

مات المستضيء في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مئة وبايعوا بعده ولده الناصر لدين الله.
ومن حوادث أيامه: خرج صلاح الدين بالمصريين، فأغار بغزة وعسقلان على الفرنج، وافتتح قلعة أيلة، وسار إلى الإسكندرية، وسمع من السلفي.
وخرج ملك الخزر من الدربند، وأخذ مدينة دوين، وقتل بها من المسلمين ثلاثين ألفاً.
وظهر بدمشق مغربي شيطان ادعى الربوبية، فقتل.
وفي سنة 67 أمسك الوزير ابن رئيس الرؤساء.
قال ابن الجوزي: وعظت بالحلبة في رمضان، فقطعت شعور مئة وعشرين نفساً.
وفيها هلك العاضد آخر خلفاء العبيدية بمصر، وخطب قبل موته بثلاث للمستضيء العباسي ولله الحمد، فزينت بغداد، وعمل صلاح الدين للعاضد العزاء، وأغرب في الحزن والبكاء، وتسلم القصر بما حوى، واحتيط على آل القصر، وأفردوا بموضع، ومنعوا من النساء؛ لئلا يتناسلوا وقدم أستاذ دار المستضيء صندل الخادم رسولاً في جواب البشارة، فلبس نور الدين الخلعة: فرجية، وجبة، وقباء، وطوق ألف دينار، وحصان بسرج مثمن، وسيفان، ولواء، وحصان آخر بجنب وقلد السيفين، إشارة إلى الجمع له بين مصر والشام. ونفذ إلى صلاح الدين تشريف نحو ذلك ودونه، معه خلع سود لخطباء مصر، واتخذ نور الدين الحمام، ودرجت على الطيران.
وقال ابن الجوزي: وفي سنة ثمان وستين جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور، فحزر الجمع بمئة ألف، وختن إخوة المستضيء، فذبح ألف شاة، وعمل عشرون ألف خشكنانكة.
وفيها حاصر عسكر مصر أطرابلس المغرب، وأخذوها. وافتتح شمس الدولة أخو صلاح الدين برقة ثم اليمن، وأسر ابن مهدي الأسود، وكان خبيث الاعتقاد. وسار صلاح الدين، فنازل الكرك، ثم ترحل لحصانتها.
وفيها هزم مليح بن لاون الأرمني السيسي عسكر صاحب الروم، وكان مصافياً لنور الدين، يبالغ في خدمته، ويحارب معه الفرنج، ولما عوتب نور الدين في إعطائه سيس، قال: أستعين به على قتال أهل ملته، وأريح طائفةً من جندي، وهو سد بيني وبين صاحب قسطنطينية.
قلت: وقد هزم مليح عسكر قسطنطينية.
وفيها سار نور الدين إلى الموصل، ثم أفتتح بهسنا ومرعش، وسير قليج رسلان يوادد نور الدين ويخضع له. وفي سنة 569 وقع بالسواد برد كالنارنج وزنت منه بردة سبعة أرطال، قاله ابن الجوزي. وقال: زادت دجلة أكثر من كل زيادات بغداد بذراع وكسر، وخرج الناس إلى الصحراء وبكوا، وكان آيةً من الآيات، ودام الغرق أياماً.

ابن غانية

الأمير المجاهد، أبو زكريا يحيى بن علي ابن غانية البربري، أخو الأمير محمد.
وجه بهما أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين إلى الأندلس على ولاية بعض مدنها، فكان يحيى من حسنات الزمان، قد حصل الفقه والسنة، وفيه دين وورع، وكان ممن يضرب بشجاعته المثل، حتى قيل: كان يعد بخمس مئة فارس، فأصلح الله على يديه أشياء ودفع به مكاره.
ولي بلنسية، ثم قرطبة، وغزا عدة غزوات، وسبى، وغنم. وأكبر غزواته نوبة مدينة سالم لقي فيها جيشاً ضخماً، فهزمهم، ونازل المدينة، وأقام على قبر المنصور محمد بن أبي عامر سبعة أيام، ورجع سالماً غانماً، وبقي إلى آخر دولة المرابطين، ولم يعقب، فاضطرب أمر أخيه محمد، وبقي يجول في الأندلس، ودعوة المصامدة تنتشر. ثم إنه قصد دانية، وعدى منها إلى جزيرة ميورقة، فتملكها، وأخذ الجزيرتين اللتين حولها: منورقة ويابسة. ويقال: إن ابن تاشفين أبعده إليها على طريق الاعتقال، وميورقة هذه طيبة خصبة، نحو ثلاثين فرسخاً، عديمة الهوام والوحوش، فأقام محمد بن غانية بها، وأقام الدعوة لبني العباس على قاعدة المرابطين إلى أن مات، فخلفه ابنه إسحاق، وكثر الداخلون إليه، وأقبل على الغزو في البحر، وكثرت أمواله من الغنائم، وبقي يهادي الموحدين، ويحمل إليهم، ويداريهم إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وخمس مئة، استشهد في بلاد الفرنج من طعنة في عنقه، وخلف ثمانية بنين، فولي المملكة بعده بعهد منه ابنه الأمير علي بن إسحاق بن غانية.

الرصافي

شاعر المغرب، أبو عبد الله محمد بن غالب الأندلسي الرفاء، من رصافة الأندلس.
سار نظمه في الآفاق، وتوفي في رمضان سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة بمالقة.
ورصافة: بليدة بقرب بلنسية، أنشأها عبد الرحمان بن معاوية الداخل.

عضد الدين

وزير العراق، الأوحد المعظم، عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن مظفر ابن الوزير الكبير رئيس الرؤساء، أبي القاسم، علي ابن المسلمة، البغدادي.
ولد سنة أربع عشرة وخمس مئة.
وسمع من هبة الله بن الحصين، وعبيد الله بن محمد ابن البيهقي، وزاهر بن طاهر.
حدث عنه: حفيده داود بن علي، وغيره.
وعمل الأستاذ داريةً للمقتفي وللمستنجد، ثم وزر للإمام المستضيء. وكان جواداً سرياً مهيباً كبير القدر.
قال الموفق عبد اللطيف: كان إذا وزن الذهب، يرمي تحت الحصر قراضةً كثيرةً ليأخذها الفراشون، ولا يرى صبياً منا إلا وضع في يده ديناراً، وكذا كان ولدان له يفعلان؛ وهما: كمال الدين، وعماد الدين.
قال: وكان والدي ملازمه على قراءة القرآن والحديث. استوزره المستضيء أول ما بويع، واستفحل أمره، وكان المستضيء كريماً رؤوفاً، وكان الوزير ذا انصباب إلى أهل العلم والتصوف؛ يسبغ عليهم النعم، ويشتغل هو وأولاده بالحديث والفقه والأدب. وكان الناس معهم في بلهنية، ثم وقعت كدورات وإحن بينه وبين قطب الدين قايماز.
قلت: وقد عزل، ثم أعيد، وتمكن، ثم تهيأ للحج، وخرج في رابع ذي القعدة في موكب عظيم، فضربه باطني على باب قطفتا أربع ضربات، ومات ليومه من سنة ثلاث وسبعين، وكان قد هيأ ست مئة جمل، سبل منها مئةً، صاح الباطني: مظلوم ! مظلوم ! وتقرب، فزجره الغلمان، فقال: دعوه، فتقدم إليه، فضربه بسكين في خاصرته، فصاح الوزير: قتلني، وسقط، وانكشف رأسه، فغطى رأسه بكمه، وضرب الباطني بسيف، فعاد وضرب الوزير، فهبروه بالسيوف، وكان معه اثنان، فأحرقوا، وحمل الوزير إلى دار، وجرح الحاجب، وكان الوزير قد رأى في النوم أنه معانق عثمان رضي الله عنه، وحكى عنه ابنه أنه اغتسل قبل خروجه، وقال: هذا غسل الإسلام، فإنني مقتول بلا شك. ثم مات بعد الظهر، ومات الحاجب بالليل. وعمل عزاء الوزير، فقل من حضر كنحو عزاء عامي؛ إرضاءً لصاحب المخزن، ثم عمل نيابة الوزارة. وقيل: إن الوزير بقي يقول: الله ! الله ! كثيراً، وقال: ادفنوني عند أبي. وفيها أي سنة ثلاث وسبعين توفي أبو جعفر أحمد بن أحمد بن القاص المقرئ العابد، وأبو العباس أحمد بن محمد بن بكروس الحنبلي الزاهد، وصدقة بن الحسين ابن الحداد الناسخ الفرضي مطعون فيه ، وأبو بكر عتيق بن عبد العزيز بن صيلا الخباز، وأبو الحسن علي بن الحسين اللواتي الفاسي الفقيه، والمسند محمد بن بنيمان الهمذاني، وأبو الثناء محمد بن محمد بن هبة الله ابن الزيتوني، وهارون بن العباس المأموني الأديب المؤرخ، وأبو محمد لاحق بن علي بن كاره، وأبو شاكر يحيى بن يوسف السقلاطوني، وأبو الغنائم هبة الله بن محفوظ بن صصرى الدمشقي، وآخرون.

الرفاعي

الإمام، القدوة، العابد، الزاهد، شيخ العارفين، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة الرفاعي المغربي ثم البطائحي.
قدم أبوه من المغرب، وسكن البطائح، بقرية أم عبيدة. وتزوج بأخت منصور الزاهد، ورزق منها الشيخ أحمد وإخوته.
وكان أبو الحسن مقرئاً يؤم بالشيخ منصور، فتوفي وابنه أحمد حمل. فرباه خاله، فقيل: كان مولده في أول سنة خمس مئة.
قيل: إنه أقسم على أصحابه إن كان فيه عيب ينبهونه عليه، فقال الشيخ عمر الفاروثي: يا سيدي أنا أعلم فيك عيباً. قال: ما هو ؟ قال: يا سيدي، عيبك أننا من أصحابك. فبكى الشيخ والفقراء، وقال أي عمر : إن سلم المركب، حمل من فيه.
قيل: إن هرةً نامت على كم الشيخ أحمد، وقامت الصلاة، فقص كمه، وما أزعجها، ثم قعد، فوصله، وقال: ما تغير شيء.
وقيل: توضأ، فنزلت بعوضة على يده، فوقف لها حتى طارت.
وعنه قال: أقرب الطريق الانكسار والذل والافتقار؛ تعظم أمر الله، وتشفق على خلق الله، وتقتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل: كان شافعياً يعرف الفقه. وقيل: كان يجمع الحطب، ويجيء به إلى بيوت الأرامل، ويملأ لهم بالجرة.
قيل له: أيش أنت يا سيدي ؟ فبكى، وقال: يا فقير، ومن أنا في البين، ثبت نسب واطلب ميراث.
وقال: لما اجتمع القوم، طلب كل واحد شيء، فقال هذا اللاش أحمد: أي رب علمك محيط بي وبطلبي فكرر علي القول. قلت: أي مولاي، أريد أن لا أريد، وأختار أن لا يكون لي اختيار، فأجبت، وصار الأمر له وعليه.
وقيل: إنه رأى فقيراً يقتل قملةً، فقال: لا واخذك الله، شفيت غيظك !؟ وعنه أنه قال: لو أن عن يميني جماعةً يروحوني بمراوح الند والطيب، وهم أقرب الناس إلي، وعن يساري مثلهم يقرضون لحمي بمقاريض وهم أبغض الناس إلي، ما زاد هؤلاء عندي، ولا نقص هؤلاء عندي بما فعلوه، ثم تلا: "لكي لا تَأْسَوا على ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بما آتاكُمْ" الحديد.
وقيل: أحضر بين يديه طبق تمر، فبقي ينقي لنفسه الحشف يأكله، ويقول: أنا أحق بالدون، فإني مثله دون.
وكان لا يجمع بين لبس قميصين، ولا يأكل إلا بعد يومين أو ثلاثة أكلةً، وإذا غسل ثوبه، ينزل في الشط كما هو قائم يفركه، ثم يقف في الشمس حتى ينشف، وإذا ورد ضيف، يدور على بيوت أصحابه يجمع الطعام في مئزر.
وعنه قال: الفقير المتمكن إذا سأل حاجةً، وقضيت له، نقص تمكنه درجةً.
وكان لا يقوم للرؤساء، ويقول: النظر إلى وجوههم يقسي القلب.
وكان كثير الاستغفار، عالي المقدار، رقيق القلب، غزير الإخلاص.
توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مئة في جمادى الأولى رحمه الله.

الكشميهني

الإمام الخطيب، أبو عبد الرحمان محمد بن محمد بن عبد الرحمان ابن أبي بكر محمد بن أبي توبة، الكشميهني، المروزي، الشافعي، الواعظ.
سمع أبا بكر السمعاني، والنعمان بن أبي حرب، وعلي بن حسان المنيعي، وأبا منصور الكراعي، وأبا نصر محمد بن محمد الماهاني، وإسماعيل ابن البيهقي.
وسمع ببغداد أبا غالب ابن البناء، وطبقته، وبنيسابور أبا عبد الله الفراوي، وعدةً، وبالكوفة عمر الزيدي، وبمكة عتيق بن أحمد الأزدي، وبهمذان أبا جعفر بن أبي علي.
ثم قدم بغداد سنة سبع وخمسين بآله، فسكنها، وحدث بصحيح مسلم عند الوزير ابن هبيرة.
وروى بحلب، وعاد إلى مرو.
روى عنه أحمد ابن البندنيجي، وابن الحصري، وأبو محمد بن علوان، وإبراهيم بن عثمان الكاشغري، وآخرون.
وكان أبوه كبير الصوفية.
قال السمعاني: أبو عبد الرحمان واعظ، ورع، دين، كتبت عنه، وقال لي: إنه ولد سنة ثلاث وتسعين وأربع مئة. قلت: توفي في المحرم سنة ثمان وسبعين وخمس مئة.

ابن مواهب

العلامة الأديب، أبو العز محمد بن محمد بن مواهب بن محمد البغدادي ابن الخراساني، النحوي الشاعر.
ولد سنة أربع وتسعين وأربع مئة.
وسمع من الحسين ابن البسري، وأبي سعد بن خشيش، وأبي الحسين ابن الطيوري، وابن سوسن التمار.
حدث عنه: ابن الأخضر، وأبو الفتوح ابن الحصري، ومحمد بن رجب الخازن، والبهاء عبد الرحمان، وأبو عبد الله ابن الدبيثي، وآخرون.
قال العماد الكاتب: هو علامة الزمان في الأدب والنحو، متبحر في علم الشعر، قادر على النظم، له خاطر كالماء الجاري، وديوانه في خمسة عشر مجلداً، وكان واسع العبارة، غزير العلم، ذكياً.
وقال ابن الدبيثي: هو صاحب العروض والنوادر المنسوبة إلى حدة الخاطر. أخذ الأدب عن ابن الجواليقي، ومدح الخلفاء والوزراء. سمعنا منه في آخر عمره، إلا أنه تغير تغير سهو وغفلة.
توفي في رمضان سنة ست وسبعين وخمس مئة.
ومات أخوه أبو الحسن محمد بن محمد في سنة ثلاث وستين، فكان الأسن، حدث عن أبي الحسين ابن الطيوري.

الدوشابي

الشيخ المعمر، أبو هاشم عيسى بن أحمد الهاشمي الدوشابي العباسي البغدادي الهراس.
روى عن الحسين بن علي ابن البسري.
قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه حديثين.
قلت: روى عنه البهاء عبد الرحمان، وقاضي حران أبو بكر عبد الله ابن نصر، وحمد بن صديق، وأبو الحسن ابن المقير، وآخرون.
توفي في رجب سنة خمس وسبعين وخمس مئة.

ابن العطار

الصاحب الوزير، ظهير الدين أبو بكر منصور بن نصر ابن العطار الحراني ثم البغدادي.
كان أبوه من كبراء التجار.
نشأ أبو بكر، وتفقه، وسمع من ابن ناصر وابن الزاغوني.
ولما مات أبوه، خلف له نعمةً، فبسط يده، وخالط الدولة والأعيان، وبذل، واتصل بالمستضيء قبل الخلافة، فلما بويع، ولاه أولاً مشارفة الخزانة، ثم نظرها مع وكالته، فلما قتل الوزير عضد الدين، رد المستضيء مقاليد الأمور إلى هذا، وصار يولي، ويعزل، وكان ذا سطوة وجبروت، وشدة وطأة، فلما مات المستضيء، خلاه الناصر في نظر الخزانة قليلاً، ثم أخذه، وسجنه أياماً، فمات عن اثنتين وأربعين سنة، فحمل إلى بيت أخته، فكفن، وأخرج بعد الصبح، فعلم به الناس، فرجموه، ثم رمي، فطرح من تابوته، ومزق الكفن، وسحب بحبل، والصبيان يصيحون: باسم الله يا مولانا حتى ألقي في المدبغة. إلا أنه كان نقمةً وعذاباً على الرافضة.
مات سنة خمس وسبعين وخمس مئة.

حفيد الشاشي

العلامة أبو نصر أحمد بن عبد الله ابن شيخ الشافعية أبي بكر محمد بن أحمد الشافعي الشاشي، ثم البغدادي مدرس النظامية وأحد المصنفين.
تفقه على أبيه، وعلى أبي الحسن ابن الخل، وسمع من أبي الوقت.
مات قبل الكهولة سنة ست وسبعين وخمس مئة.

ابن خير

الشيخ الإمام البارع الحافظ المجود المقرئ الأستاذ أبو بكر محمد ابن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الإشبيلي عالم الأندلس.
ولد سنة اثنتين وخمس مئة.
أخذ القراءات عن شريح ولازمه، وهو أنبل أصحابه وسمع منه، ومن أبي مروان الباجي، والقاضي أبي بكر ابن العربي، وارتحل إلى قرطبة، فأخذ عن أبي جعفر بن عبد العزيز، وأبي القاسم ابن بقي، وابن مغيث، وابن أبي الخصال وخلق، حتى سمع من رفاقه.
قال الأبار: كان مكثراً إلى الغاية، وسمع من أكثر من مئة نفس، ولا نعلم أحداً من طبقته مثله. تصدر بإشبيلية للإقراء والإسماع، وكان مقرئاً مجوداً، ومحدثاً متقناً، أديباً لغوياً، واسع المعرفة، رضىً مأموناً، ولما مات، بيعت كتبه بأغلى ثمن لصحتها، ولم يكن له نظير في هذا الشأن، مع الحظ الأوفر من علم اللسان، أكثر عنه شيخنا ابن واجب.
مات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمس مئة، وكانت له جنازة مشهودة.
ولي إمامة جامع قرطبة، وتلا عليه ابن أخته المعمر أبو الحسين ابن السراج بروايات، وسمع منه التفسير للنسائي، وكتاب الخصائص له.

خطيب الموصل

الشيخ الإمام، العالم، الفقيه، المحدث، مسند العصر، خطيب الموصل، أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هشام الطوسي، ثم البغدادي، ثم الموصلي الشافعي.
ولد في صفر سنة سبع وثمانين وأربع مئة. واعتنى به أبوه؛ فسمع حضوراً من: أبي عبد الله بن طلحة النعالي وطراد الزينبي، وسمع من نصر ابن البطر، وأبي بكر الطريثيثي، وأحمد ابن عبد القادر اليوسفي، ومحمد بن عبد السلام الأنصاري، وأبي الحسن بن أيوب، وجعفر السراج، ومنصور بن حيد، والحسين بن علي ابن البسري، وأبي غالب الباقلاني، وأبي منصور الخياط.
وسمع بأصبهان من أبي علي الحداد، وبنيسابور من أبي نصر ابن القشيري، وبترمذ من ميمون بن محمود. وبالموصل من أبيه وعمه، وولي خطابتها زماناً، وقصده الرحالون، وكان ثقةً في نفسه.
وكان أبو بكر الحازمي إذا روى عنه، قال: أخبرنا من أصله العتيق، يحترز بذلك مما زور له وغيره محمد بن عبد الخالق اليوسفي، فلما بين المحدثون للخطيب ذلك، رجع عما رواه بنقل محمد، وخرج لنفسه تلك المشيخة من أصوله.
حدث عنه: أبو سعد السمعاني، وعبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدين عبد الله، والبهاء عبد الرحمان، والقاضي يوسف بن شداد، وهبة الله بن باطيش، وأبو الحسن ابن القطيعي، والشيخ عز الدين علي ابن الأثير، والموفق يعيش بن علي النحوي، وعبد الكريم ابن الترابي، وأبو الخير إياس الشهرزوري، وإبراهيم بن يوسف بن ختة الموصلي، وآخرون.
قال ابن قدامة: كان شيخاً حسناً لم نر منه إلا الخير.
وقال ابن النجار: ولد ببغداد، وقرأ الفقه والأصول على إلكيا أبي الحسن الهراسي، وأبي بكر الشاشي، والأدب على أبي زكريا التبريزي، وأبي محمد الحريري.
قلت: توفي في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مئة.
وله شعر حسن، وفيه سؤدد ودين، قصده الرحالون، وتفرد. وآخر من روى عنه بالإجازة ابن عبد الدائم.
وفيها مات القدوة الشيخ أحمد ابن الرفاعي، وأبو علي الحسن بن علي بن شيرويه، والخضر بن هبة الله بن طاوس المقرئ، والحافظ خلف ابن بشكوال، وأبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء الاسكندراني، وعبد الله ابن أحمد بن محمد بن حمتيس السراج، وصاحب بعلبك عز الدين فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، والإمام قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري الشافعي بدمشق، وهبة الله بن محمد ابن الشيرازي إمام مشهد علي.

ابن حمكا

الشيخ أبو الوفاء محمود بن أبي القاسم بن عمر بن حمكا الأصبهاني، ابن أخت الحافظ أبي سعد ابن البغدادي.
شيخ صدوق معمر.
تفرد بإجازة أبي عبد الله ابن طلحة النعالي، وطراد بن محمد الزينبي.
وسمع من أبي الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني.
وحدث ببغداد سنة ست وخمسين.
وروى عنه: أبو الفتوح ابن الحصري، والحافظ عبد الغني، ومحمد ابن محمد بن محمد بن واقا.
مات في ربيع الآخر سنة ثمانين وخمس مئة، عن إحدى وتسعين سنة.

الخرقي

الشيخ الجليل الصالح المعمر، مسند أصبهان، رحلة الوقت، أبو الفتح عبد الله بن أحمد بن أبي الفتح بن محمد بن أحمد القاسمي الأصبهاني الخرقي.
سمع أباه أبا العباس، وأبا مطيع محمد بن عبد الواحد الصحاف، وأبا الفتح أحمد بن عبد الله السوذرجاني، وأبا الفتح أحمد بن محمد الحداد، وبندار بن محمد الخلقاني، وعبد الرحمان بن حمد الدوني، وحمد بن حنة، وعمر بن محمد بن عمر بن علويه، وعبد الرحمان بن أبي عثمان الصابوني، وطائفةً.
ولد يوم الأضحى سنة تسعين وأربع مئة.
وسمع حضوراً في سنة اثنتين وتسعين وبعدها من ابن علويه.
حدث عنه: الحافظ عبد الغني، ومحمد بن مكي، وعبد الله بن أبي الفرج الجبائي، والمهذب ابن زينة، وأبو الفضل ابن سلامة العطار، ومحمد بن خليل بن بدر الراراني، وعدة.
وبالإجازة: كريمة، والحافظ الضياء، والرشيد العراقي وغيرهم.
مات في يوم الثلاثاء بعد فراغه من صلاة الصبح السابع والعشرين من رجب سنة تسع وسبعين وخمس مئة، وصلى عليه الحافظ أبو موسى المديني.
وفيها مات إسماعيل بن قاسم الزيات بمصر، وتقية الأرمنازية الشاعرة، وشاعر العراق محمد بن بختيار الأبله، وأبو العلاء محمد بن جعفر ابن عقيل المقرئ، ومحتسب واسط أبو طالب محمد بن علي الكتاني، وأبو المجد محمود بن نصر بن الشعار والد المحدث إبراهيم.

الصفاري

العلامة، قوام الدين، أبو المحامد حماد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق بن شيث الوائلي، البخاري، الحنفي، ابن الصفاري.
سمع من أبيه، وإسماعيل ابن البيهقي. روى عنه: إسماعيل بن محمد البيلقي، وإبراهيم بن سالار الخوارزمي، وعبيد الله بن إبراهيم المحبوبي، والحسين بن عمر الترمذي الأديب، وبرهان الإسلام عمر بن مازة، وتاج الإسلام محمد بن طاهر الخداباذي، نبأني بهذا أبو العلاء الفرضي.
توفي سنة ست وسبعين وخمس مئة.

أبوه

العلامة ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم.
سمع من والده الإمام إسماعيل، وعلي بن عمر بن خنب البزاز، وعبد العزيز بن المستقر الكرميني، وعدة.
روى عنه: ولده، وأبو الفتح محمد بن محمود النسفي الأديب، وشيخ الإسلام أحمد بن عثمان العاصمي البلخي، وبقي إلى سنة اثنتين وثلاثين وخمس مئة.
وأبوه: إسماعيل بن إسحاق الوائلي: روى عن عمر بن عبد العزيز الشروطي، وعبد الغافر بن محمد الفارسي، وأبي عاصم محمد بن علي البلخي. ما ذكر له أبو العلاء وفاةً. بقي إلى نحو سنة خمس مئة، وحدث عنه ولده.

ابن صابر

الشيخ أبو المعالي عبد الله ابن المحدث عبد الرحمان بن أحمد بن علي بن صابر السلمي الدمشقي، ابن سيدة.
ولد سنة تسع وتسعين وأربع مئة.
وسمعه أبوه من الشريف النسيب، وأبي طاهر الحنائي، وعلي ابن الموازيني، وعدة.
قال السمعاني: أبو المعالي شاب قدم بغداد للتجارة، سمعت منه المروءة للضراب.
وقال ابن صصرى: باع كتب أبيه وعمه بثمن بخس، وأعرض في وسط عمره عن الخير، ثم أقلع، توفي في رجب سنة ست وسبعين وخمس مئة.
قلت: روى عنه: عبد الغني الحافظ، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، والحافظ الضياء، وعبد الحق بن خلف، وعمر بن المنجى، وسالم ويحيى ابنا عبد الرزاق، وآخرون.
ولأبيه فيه:

بأبي كلّ أزرق العـينـين

 

أبيض الوجه لونه كاللّجين

ما تأمّلت حسن عينـيه إلاّ

 

زادني فرحةً وقرة عـين

سمعهما منه السلفي.

ابن أبي العجائز

الشيخ أبو الفهم عبد الرحمان بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز، الأزدي، الدمشقي. من بيت حديث ورواية.
حدث عن أبي طاهر الحنائي.
وعنه: ابن عساكر، وابنه البهاء، وابن صصرى، وإبراهيم ابن الخشوعي، ومكي بن علان، وآخرون.
وكان ملازماً لحلقة الحافظ ابن عساكر.
مات في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين عن ثمانين عاماً.

تقية

بنت المحدث غيث بن علي الأرمنازي، ثم الصوري.
شاعرة محسنة مشهورة.
وهي والدة المحدث علي بن فاضل بن صمدون.
مدحت السلفي، وتقي الدين صاحب حماة.
روى عنها أبو القاسم بن رواحة من شعرها.
توفيت سنة تسع وسبعين وخمس مئة، ولها ست وسبعون سنة.

أبو طالب

الإمام الأصولي، أبو طالب أحمد بن المسلم بن رجاء اللخمي، ويسمى أيضاً خليفة، وغلب عليه أحمد.
من علماء أهل الإسكندرية.
سمع من أبي بكر الطرطوشي، وأبي عبد الله بن الخطاب الرازي، وعبد المعطي بن مسافر.
روى عنه: أبو الحسن بن المفضل، والحافظ عبد الغني، وابن رواحة، وابن رواج، والعلم السخاوي، وأبو علي الأوقي، ونبأ بن هجام، وجعفر الهمداني.
قال ابن المفضل: فيه لين في ما يرويه، إلا أنا لم نسمع منه إلا من أصوله. وكان عارفاً بالفقه والأصول، ماهراً في علم الكلام.
توفي في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مئة.
أنشدني محمد بن عبد الكريم المقرئ، أنشدنا أبو الحسن علي ابن محمد سنة خمس وثلاثين، أنشدنا أبو طالب بن مسلم اللخمي الأصولي لنفسه:

أوما عجيبٌ جيفةٌ مسـمـومةٌ

 

وكلابها قد غالهم داء الكلـب

يتذابحون على اعتراق عظامها

 

فالسيّد المرهوب فيهم من غلب

هذي هي الدّنيا ومع علمي بها

 

لم أستطع تركاً لها يا للعجـب

الرافعي

الإمام العلامة، مفتي الشافعية، أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني.
تفقه بنيسابور على محمد بن يحيى، وببغداد على أبي منصور ابن الرزاز، وبقزوين على ملكداد بن علي، وأبي علي بن شافعي.
وسمع من أبي البركات ابن الفراوي، وعبد الخالق ابن الشحامي، وطائفة.
وبرع في المذهب.
تفقه به ولده الإمام مصنف الشرح أبو الفضائل محمد بن محمد، وغيره.
توفي في شهر رمضان سنة ثمانين وخمس مئة.

ابن المطلب

المولى الصاحب أبو المظفر حسن ابن الوزير هبة الله بن محمد بن علي بن المطلب البغدادي. صدر معظم، دين صين، معمر.
ولد بعد التسعين وأربع مئة.
وسمع من أبي الحسن ابن العلاف، وابن نبهان.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وأبو أحمد ابن سكينة، والموفق عبد اللطيف.
طلب للوزارة فامتنع، وكان ذا أموال كثيرة. أنشأ الجامع الكبير بالجانب الغربي، ومدرسةً للشافعية، ورباطاً، ومسجداً، ووقف عدة قرىً. وكان كثير المجاورة، فيه خير وعبادة، يأتيه الكبراء، ولا يذهب إلى أحد. يلقب بفخر الدولة.
توفي في شوال سنة ثمان وسبعين وخمس مئة.

ابن عبد المؤمن

السلطان الكبير، أبو يعقوب يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي، صاحب المغرب.
تملك بعد أخيه المخلوع محمد لطيشه، وشربه الخمر، فخلع بعد شهر ونصف، وبويع أبو يعقوب، وكان شاباً مليحاً، أبيض بحمرة، مستدير الوجه، أفوه، أعين، تام القامة، حلو الكلام فصيحاً، حلو المفاكهة، عارفاً باللغة والأخبار والفقه، متفنناً، عالي الهمة، سخياً، جواداً، مهيباً، شجاعاً، خليقاً للملك.
قال عبد الواحد بن علي التميمي: صح عندي أنه كان يحفظ أحد الصحيحين، أظنه البخاري. قال: وكان سديد الملوكية، بعيد الهمة، جواداً، استغنى الناس في أيامه. ثم إنه نظر في الطب والفلسفة، وحفظ أكثر كتاب الملكي، وجمع كتب الفلاسفة، وتطلبها من الأقطار، وكان يصحبه أبو بكر محمد بن طفيل الفيلسوف، فكان لا يصبر عنه، وسمعت أبا بكر بن يحيى الفقيه، سمعت الحكم أبا الوليد بن رشد الحفيد يقول: لما دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب، وجدته هو وابن طفيل فقط، فأخذ ابن طفيل يطريني، فكان أول ما فاتحني أن قال: ما رأيهم في السماء؟ أقديمة أم حادثة ؟ فخفت، وتعللت، وأنكرت الفلسفة، ففهم، فالتفت إلى ابن طفيل، وذكر قول أرسطو فيها، وأورد حجج أهل الإسلام، فرأيت منه غزارة حفظ، لم أكن أظنها في عالم، ولم يزل يبسطني حتى تكلمت، ثم أمر لي بخلعة ومال ومركوب.
وزر له أخوه عمر أياماً، ثم رفع منزلته عن الوزارة، وولى إدريس ابن جامع، إلى أن استأصله سنة 577، ثم وزر له ولده يعقوب الذي تسلطن، وكان له من الولد ستة عشر ابناً.
وفي وسط أيامه خرج عليه سبع بن حيان ومززدغ في غمارة، فحاربهما، وأسرهما، ودخل الأندلس في سنة سبع وستين للجهاد، ويضمر الاستيلاء على باقي الجزيرة، فجهز الجيش إلى محمد بن سعد بن مردنيش، فالتقوا بقرب مرسية، فانكسر محمد، ثم ضايقه الموحدون بمرسية مدةً، فمات، وأخذ أبو يعقوب بلاده، ثم سار، فنازل مدينة وبذى، فحاصرها أشهراً، وكادوا أن يسلموها من العطش، ثم استسقوا لعنهم الله فسقوا، وامتلأت صهاريجهم، فرحل، وهادن الفنش، وأقام بإشبيلية سنتين ونصفاً، ودانت له الأندلس، ثم رجع إلى السوس سنة 571 لتسكن فتن وقعت بين البربر، ثم سار في سنة 75 حتى أتى مدينة قفصة، فحاصرها، وقبض على ابن الرند. وهادن صاحب صقلية، على أن يحمل كل سنة ضريبة على الفرنج، فبعث إلى أبي يعقوب تحفاً، منها قطعة ياقوت معدومة بقدر استدارة حافر فرس، فكللوا المصحف العثماني بها.
قال الحافظ أبو بكر ابن الجد: كنا عنده، فسألنا: كم بقي النبي صلى الله عليه وسلم مسحوراً ؟ فشكينا. فقال: بقي شهراً كاملاً، صح ذلك. وكان فقيهاً يتكلم في المذاهب، ويقول: قول فلان صواب، ودليله من الكتاب والسنة كذا وكذا. قال عبد الواحد: لما تجهز لغزو الروم، أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تملى على الجند، وكان هو يملي بنفسه، وكبار الموحدين يكتبون في ألواحهم. وكان يسهل عليه بذل الأموال سعة الخراج، كان يأتيه من إفريقية في العام مئة وخمسون وقر بغل. وأستنفر في سنة تسع وسبعين أهل السهل والجبل والعرب، فعبر إلى الأندلس، وقصد شنترين بيد ابن الريق لعنه الله، فحاصرها مدةً، وجاء البرد، فقال: غداً نترحل، فكان أول من قوض مخيمه علي ابن القاضي الخطيب، فلما رآه الناس، قوضوا أخبيتهم، فكثر ذلك، وعبر ليلتئذ العسكر النهر، وتقدموا خوف الازدحام، ولم يدر بذلك أبو يعقوب، وعرفت الروم، فانتهزوا الفرصة، وبرزوا، فحملوا على الناس، فكشفوهم، ووصلوا إلى مخيم السلطان، فقتل على بابه خلق من الأبطال، وخلص إلى السلطان، فطعن تحت سرته طعنةً مات بعد أيام منها، وتدارك الناس، فهزموا الروم إلى البلد، وهرب الخطيب، ودخل إلى صاحب شنترين، فأكرمه، واحترمه، ثم أخذ يكاتب المسلمين، ويدل على عورة العدو، فأحرقوه، ولم يسيروا بأبي يعقوب إلا ليلتين، وتوفي، وصلي عليه، وصبر في تابوت، وبعث إلى تينمل، فدفن مع أبيه وابن تومرت.
مات في سابع رجب سنة ثمانين وخمس مئة، وبايعوا ابنه يعقوب.
وفيها مات أحمد بن المبارك بن درك الضرير، وصدر الدين عبد الرحيم ابن شيخ الشيوخ إسماعيل بن أبي سعد، وأبو الفرج محمد بن أحمد ابن الشيخ أبي علي بن نبهان الأديب، وشيخ النحو أبو بكر محمد بن أحمد الخدب، ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي المعدل، ومحمود ابن حمكا الأصبهاني.

السلماسي

العلامة ذو الفنون سديد الدين محمد بن هبة الله السلماسي الشافعي، معيد النظامية.
قال ابن خلكان: هو الذي شهر طريقة الشريف بالعراق. تخرج به أئمة كالعماد والكمال ابني يونس، والشرف محمد بن علوان بن مهاجر. وكان مسدداً في الفتوى.
مات في شعبان سنة أربع وسبعين وخمس مئة وأتقن عدة فنون.

ابن الصائغ

الإمام المفتي، أبو الفتح أحمد بن أبي الوفاء بن عبد الرحمان بن عبد الصمد البغدادي الحنبلي ابن الصائغ.
عرف بغلام أبي الخطاب، لأنه خدمه، واشتغل عليه.
ولد سنة تسعين وأربع مئة.
وحدث بحران وحلب عن أبي القاسم بن بنان بجزء ابن عرفة.
حدث عنه: يوسف بن أحمد الشيرازي، والحافظ عبد الغني، وأبو القاسم بن صصرى، وإبراهيم بن أبي الحسن الزيات، وأخواه: بركات ومحمد، وعلي بن سلامة الخياط، وعمار بن عبد المنعم، والفقيه سليمان ابن أحمد المقدسي وولده عبد الرزاق بن أحمد.
قال ابن النجار: درس بحران، وأفتى، وتوفي سنة ست وسبعين وخمس مئة.
قلت: وقيل سنة خمس.

الزيدي

الإمام القدوة، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الهاشمي العلوي الحسيني، ثم الزيدي، البغدادي، الشافعي، الزاهد الحافظ.
مولده سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
وسمع من ابن الزاغوني، وابن ناصر، ونصر بن نصر العكبري، وأبي الوقت، وهلم جراً.
وخرج لنفسه أجزاء رواها.
أخذ عنه العليمي، وأبو المواهب بن صصرى، وأقرانه.
قال ابن الدبيثي: كان أحد الأعيان والزهاد والنساك، حفظ القرآن، والفقه، وكتب الكثير، وجمع. وكان نبيلاً، جامعاً لصفات الخير، سمعت ابن الأخضر يعظم شأنه، ويصف زهده ودينه. وكان ثقةً.
وقيل: إن الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء بعث إليه بألف دينار، فعلم المستضيء، فبعث بألف أخرى، فبعثت أم الخليفة بنفشا بألف أخرى، فما تصرف فيها، بل بنى بها مسجداً، واشترى كتباً وقفها، فانتفع بها الناس.
توفي الزيدي في شوال سنة خمس وسبعين وخمس مئة في حياة أبويه. ودفن بداره رحمه الله.

القرشي

القاضي أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر، القرشي، الزبيري، الدمشقي، الحافظ، عم كريمة.
قال ابن الدبيثي: فقيه، حافظ، عالم، عني بالحديث، وسمع بدمشق، وحلب، وحران، والموصل، والكوفة، وبغداد، والحرمين، ورزق الفهم.
سمع أبا الدر الرومي، وابن البن، وأبا الوقت، وأبا محمد ابن المادح، وخلائق.
ونفذ رسولاً إلى الشام. وولي قضاء الحريم.
روى عنه ابنه عبد الله، وابن الحصري.
مات في ذي الحجة سنة خمس وسبعين وخمس مئة، وله خمسون سنة.

القطب

الإمام العلامة، شيخ الشافعية، قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود الطريثيثي النيسابوري.
ولد سنة خمس وخمس مئة.
وتفقه على أبيه، ومحمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وعمر بن علي، عرف بسلطان.
وتفقه بمرو على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد.
وسمع من هبة الله بن سهل السيدي، وعبد الجبار الخواري.
وتأدب على أبيه، وبرع، وتقدم، وأفتى، ووعظ في أيام مشايخه، ودرس بنظامية نيسابور نيابةً، وصار من فحول المناظرين، وبلغ رتبة الإمامة.
وقدم بغداد في سنة 538، فوعظ وناظر، ثم سكن دمشق، وقد رأى أبا نصر القشيري. وكان صاحب فنون، أقبلوا عليه بدمشق في أيام أبي الفتح المصيصي، ودرس بالمجاهدية، فلما توفي أبو الفتح، ولي بعده تدريس الغزالية، ثم انفصل إلى حلب، فولي تدريس المدرستين اللتين أنشأهما نور الدين وأسد الدين، ثم سار إلى همذان، ودرس بها مدةً، ثم عاد إلى دمشق، ودرس بالغزالية ثانياً، وتفقه به الأصحاب. وكان حسن الأخلاق، متودداً، قليل التصنع. ثم سار إلى بغداد رسولاً.
روى عنه: أبو المواهب ابن صصرى، وأخوه الحسين، والتاج ابن حمويه، وطائفة.
وأجاز للحافظ الضياء.
قال ابن عساكر: كان أبوه من طريثيث. كان أديباً يقرئ الأدب، قدم ووعظ، وحصل له قبول، وكان حسن النظر مواظباً على التدريس، وقد تفرد برئاسة أصحاب الشافعي.
قال ابن النجار: قدم بغداد رسولاً، وتزوج بابنة أبي الفتوح الإسفراييني. أنشدني أبو الحسن القطيعي، أنشدني أبو المعالي مسعود بن محمد الفقيه:

يقولون: أسباب الفراغ ثـلاثةٌ

 

ورابعها خلّوه وهو خيارهـا

وقد ذكروا أمناً ومالاً وصحةً

 

ولم يعلموا أنّ الشباب مدارها

قلت: كان فصيحاً، مفوهاً، مفسراً، فقيهاً، خلافياً، درس أيضاً بالجاروخية، وقيل: إنه وعظ بدمشق، وطلب من الملك نور الدين أن يحضر مجلسه، فحضره، فأخذ يعظه، ويناديه: يا محمود، كما كان يفعل البرهان البلخي شيخ الحنفية، فأمر الحاجب، فطلع، وأمره أن لا يناديه باسمه، فقيل فيما بعد للملك، فقال: إن البرهان كان إذا قال: يا محمود قف شعري هيبةً له، ويرق قلبي، وهذا إذا قال، قسا قلبي، وضاق صدري. حكى هذه سبط ابن الجوزي، وقال: كان القطب غريقاً في بحار الدنيا.
قال القاسم ابن عساكر: مات في سلخ رمضان سنة ثمان وسبعين وخمس مئة، ودفن يوم العيد في مقبرة أنشأها جوار مقبرة الصوفية غربي دمشق.
قلت: وبنى مسجداً، ووقف كتبه، رحمه الله.

ابن أبي الصقر

المحدث العدل، أبو عبد الله محمد بن حمزة بن محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي جميل، القرشي، الشروطي، الدمشقي، ويعرف بابن أبي الصقر.
محدث ثقة مفيد.
ولد سنة تسع وتسعين وأربع مئة.
وسمع من: هبة الله ابن الأكفاني، وعلي بن قبيس الغساني، وجمال الإسلام السلمي.
وارتحل، فسمع من هبة الله ابن الطبري، وقاضي المارستان. وسمع ولده مكرماً من أبي يعلى ابن الحبوبي وجماعة. وكان شروطي البلد.
روى عنه: أبو المواهب التغلبي، وعبد القادر الرهاوي، والبهاء عبد الرحمان، وأبو الحسن ابن القطيعي، والشيخ الضياء وآخرون.
توفي سنة ثمانين وخمس مئة.

أبو الكرم

مسند همذان، الشيخ أبو الكرم علي بن عبد الكريم بن أبي العلاء، العباسي، الهمذاني، العطار.
حدث في سنة خمس وثمانين بهمذان عن أبي غالب أحمد بن محمد العدل صاحب ابن شبانة، وعن فيد بن عبد الرحمان الشعراني وطائفة.
حدث عنه: علي بن اسفهسلار الرازي، وشمس الدين أحمد بن عبد الواحد المقدسي البخاري، والحافظ عبد القادر الرهاوي وجماعة.
وسماعاته في سنة نيف وخمس مئة رحمه الله.

صاحب حلب

الملك الصالح، أبو الفتح إسماعيل ابن صاحب الشام نور الدين محمود ابن الأتابك. عمل له أبوه ختاناً لم يسمع بمثله، وأطعم أهل دمشق حتى سائر أهل الغوطة، وبقي الهناء أسبوعاً، وفي الأسبوع الآتي انتقل نور الدين إلى الله، ووصى بمملكته لهذا، وهو ابن إحدى عشرة سنةً، فملكوه بدمشق، وكذا حلفوا له بحلب، فأقبل من مصر صلاح الدين، وأخذ منه دمشق، فترحل إلى حلب، وكان شاباً، ديناً، خيراً، عاقلاً، بديع الجمال، محبباً إلى الرعية وإلى الأمراء، فنمت فتنة، وجرت بحلب بين السنة والرافضة، فسار السلطان صلاح الدين، وحاصر حلب مديدةً، ثم ترحل، ثم حاصرها، فصالحوه، وبذلوا له المعرة وغيرها، ثم نازل حلب ثالثاً، فبذل أهلها الجهد في نصرة الصالح، فلما ضجر السلطان، صالحهم، وترحل وأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز، وكان تدبير مملكة حلب إلى أم الصالح وإلى شاذبخت الخادم وابن القيسراني.
تعلل الملك الصالح بقولنج خمسة عشر يوماً، وتوفي في رجب سنة سبع وسبعين وخمس مئة، وتأسفوا عليه.
قيل: عرض عليه طبيبه خمراً للتداوي، فأبى، وقال: قد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ولعلي أموت وهو في جوفي عاش عشرين سنةً سوى أشهر.

صاحب أذربيجان

الأتابك شمس الدين إلدكز صاحب أذربيجان وهمذان.
كان من غلمان الوزير السميرمي، فصار بعد قتله للسلطان مسعود، فأمره، ثم ولاه مسعود مملكة أرانية، ثم تمكن، وعظم شأنه، واستولى على إقليم أذربيجان، وعلى الري وهمذان وأصبهان، وكان يخطب معه لابن زوجته السلطان أرسلان بن طغرل، وبلغ عدد جيش إلدكز خمسين ألفاً، وكان جيد السيرة، حازماً، فارساً شجاعاً.
مات سنة سبعين، وقيل: سنة ثمان وستين وخمس مئة وقد شاخ.
ابنه السلطان شمس الدين بهلوان بن إلدكز صاحب أذربيجان وعراق العجم. تملك بعد أبيه، وعظم سلطانه، واتسعت دنياه إلى أن مات في سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
وقيل: إنه كان له خمسة آلاف مملوك، ومن الخيل والعدد ما لا يعبر عنه.
تملك بعده أخوه لأمه قزل.
وقيل: مات في أول سنة اثنتين وثمانين. وكان قد أقام في اسم السلطنة طغرل بن أرسلان آخر الملوك السلجوقية والتصرفات للبهلوان، ثم بعده تمكن طغرل، وتحارب هو وقزل بن إلدكز إلى أن قتل قزل في شعبان سنة سبع وثمانين وخمس مئة.

الكمال الأنباري

الإمام القدوة، شيخ النحو كمال الدين أبو البركات عبد الرحمان بن محمد بن عبيد الله الأنباري، نزيل بغداد.
تفقه بالنظامية على أبي منصور الرزاز وغيره، وبرع في مذهب الشافعي، وقرأ الخلاف، وأعاد بالنظامية، ووعظ، ثم إنه تأدب بابن الجواليقي، وأبي السعادات ابن الشجري، وشرح عدة دواوين، وتصدر، وأخذ عنه أئمة، وسمع بالأنبار من أبيه، وخليفة بن محفوظ، وببغداد من أبي منصور بن خيرون، وعبد الوهاب الأنماطي، والقاضي أبي بكر محمد بن القاسم الشهرزوري، وعدة، روى كتباً من الأدبيات.
قال ابن النجار: روى لنا عنه أبو بكر المبارك بن المبارك النحوي، وابن الدبيثي، وعبد الله بن أحمد الخباز. قال: وكان إماماً كبيراً في النحو، ثقةً، عفيفاً، مناظراً، غزير العلم، ورعاً، زاهداً، عابداً، تقياً، لا يقبل من أحد شيئاً، وكان خشن العيش جشب المأكل والملبس، لم يتلبس من الدنيا بشيء، مضى على أسد طريقة. وله كتاب هداية الذاهب في معرفة المذاهب، كتاب بداية الهداية، كتاب في أصول الدين، كتاب النور اللامح في اعتقاد السلف الصالح، كتاب منثور العقود في تجريد الحدود، كتاب التنقيح في الخلاف، كتاب الجمل في علم الجدل، كتاب ألفاظ تدور بين النظار، كتاب الإنصاف في الخلاف بين البصريين والكوفيين، كتاب أسرار العربية، كتاب عقود الإعراب، كتاب مفتاح المذاكرة، كتاب كلا وكلتا، كتاب لو وما، كتاب كيف، كتاب الألف واللام، كتاب في يعفون، كتاب حلية العربية، كتاب لمع الأدلة، كتاب الوجيز في التصريف، كتاب إعراب القرآن، كتاب ديوان اللغة، شرح المقامات، شرح ديوان المتنبي، شرح الحماسة، شرح السبع، كتاب نزهة الألباء في طبقات الأدباء، كتاب تاريخ الأنبار، كتاب في التصوف، كتاب في التعبير. سرد له ابن النجار أسماء تصانيف جمة.
وقال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا الكمال، أخبرنا عبد الوهاب الحافظ، أخبرنا علي ابن البسري، فذكر حديثاً، وعلاه. وله شعر حسن.
مولده في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وخمس مئة. ومات في تاسع شعبان سنة سبع وسبعين عن بضع وستين سنةً.
وفيها توفي الصالح إسماعيل بن نور الدين صاحب حلب، وأبو الفتح عمر بن علي بن محمد بن حمويه الجويني بدمشق، وأبو طاهر هاشم بن أحمد ابن عبد الواحد، خطيب حلب، وهبة الله بن أبي الكرم بن الجلخت الواسطي عن نيف وتسعين سنةً.
قال الموفق عبد اللطيف: الكمال شيخنا؛ لم أر في العباد المنقطعين أقوى منه في طريقه، ولا أصدق منه في أسلوبه، جد محض، لا يعتريه تصنع، ولا يعرف الشرور، ولا أحوال العالم، كان له دار يسكنها، وحانوت ودار يتقوت بأجرتهما، سير له المستضيء خمس مئة دينار فردها، وكان لا يوقد عليه ضوءاً، وتحته حصير قصب، وثوبا قطن، وله مئة وثلاثون مصنفاً رحمه الله تعالى.

الكتاني

الشيخ الجليل، العالم الصالح، الخير المعمر، محتسب واسط، أبو طالب محمد بن أبي الأزهر علي بن أحمد بن محمد بن علي بن يوسف، الواسطي الكتاني المعدل.
كان على حسبة واسط هو وأبوه.
مولده في سنة خمس وثمانين وأربع مئة.
سمع من محمد بن علي بن أبي الصقر الشاعر، وأبي نعيم الجماري وأبي نعيم بن زبزب، وهبة الله ابن السقطي، وطائفة.
وسمع ببغداد من: أبي الحسن علي بن محمد العلاف، وأبي القاسم ابن بيان، ونور الهدى. وتفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني، وأبي منصور عبد المحسن الشيحي، وأبي الحسن بن أيوب البزاز، ذكرهم له ابن الدبيثي، وقال: كان ثقةً، صحيح السماع، متخشعاً، يرجع إلى دين وصلاح. رحل الناس إليه. وتوفي بواسط في ثاني المحرم سنة تسع وسبعين وخمس مئة.
قلت: حدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، ويوسف الشيرازي، وأبو بكر الحازمي، وعبد القادر الرهاوي، وأبو الفتح المندائي وابنه، وأبو طالب بن عبد السميع، والمرجى بن الشقير، وأبو عبد الله الدبيثي، وقال: نعم الشيخ كان، سمعت منه في سنة أربع وسبعين بقراءتي.

ابن شاتيل

الشيخ الجليل، المسند، المعمر، أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل، البغدادي، الدباس.
سمع أباه، والحسين بن علي ابن البسري، وأبا غالب الباقلاني، وأبا الحسن ابن العلاف، وأبا القاسم الربعي، وأبا سعد بن خشيش، وأحمد بن المظفر بن سوسن، وأبا علي بن نبهان، وأبا الغنائم النرسي، وعدةً.
وعمر دهراً، وتفرد، ورحلوا إليه.
وقد وجد سماعه بخط أبي بكر بن كامل على حديث الإفك للآجري من أبي الخطاب ابن البطر في سنة إحدى وتسعين وأربع مئة، وحدث به. فإما تاريخ السماع خطأ، وإما أنه ما سمعه، وهو أرجح، أو لعل الاسم لأخ له باسمه مات قديماً.
قال ابن النجار: أكثر أهل الحديث أبطلوا سماعه من ابن البطر، فإنه ذكر أن مولده في سنة إحدى وتسعين وأربع مئة.
وقال بعضهم: بل ولد سنة تسع وثمانين.
انتهى إليه علو الإسناد.
حدث عنه: السمعاني، وابن الأخضر، والشيخ الموفق، والبهاء عبد الرحمان، ومحمد ابن الحافظ عبد الغني، وسالم بن صصرى، ومحمد ابن أبي بكر الحمامي، ومحمد بن علي ابن السباك، وفضل الله الجيلي وخلق، وآخر من روى عنه بالإجازة ابن عبد الدائم.
قال أبو الحسن ابن القطيعي: قال لي: ولدت في ذي الحجة سنة 491، ومات في رجب سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
قلت: من يقول: إني ولدت في ذي الحجة سنة إحدى وتسعين، كيف يتصور أن يسمع في تلك السنة ؟ وقد قرأ هذا الجزء عليه المبارك بن كامل فيما شاهدته بخطه في سنة إحدى وأربعين. ونقلت من خط أبي محمد بن الخشاب النحوي أنه قرأه على أبي الفتح في سنة ست وأربعين. ونقلت من خط عبد العزيز بن دلف أنه قرأه عليه في ربيع الأول سنة إحدى عام موته، فسمعه محمد بن علي بن بقاء ابن السباك، وقرأه التوزري على ابن عبد الدائم إجازةً.

ابن حبيش

القاضي الإمام، العالم الحافظ، الثبت، أبو القاسم عبد الرحمان ابن محمد بن عبيد الله بن يوسف الأنصاري الأندلسي المريي، نزيل مرسية، ابن حبيش، وحبيش هو خاله، فينسب إليه.
ولد بالمرية سنة أربع وخمس مئة.
تلا بالروايات على أحمد بن عبد الرحمان القصبي، وابن أبي رجاء البلوي، وطائفة.
وتفقه بأبي القاسم بن ورد، وأبي الحسن بن نافع.
وسمع من خلق، منهم: أبو عبد الله بن وضاح، وعبد الحق بن غالب، وعلي بن إبراهيم الأنصاري، وأبو الحسن بن موهب. ولقي بقرطبة يونس بن مغيث، وجعفر بن محمد بن مكي، وقاضي الجماعة محمد بن أصبغ، والقاضي أبا بكر ابن العربي، وعدةً.
روى عنه: أحمد بن محمد الطرسوسي، وأبو سليمان بن حوط الله، ومحمد بن وهب، ومحمد بن إبراهيم بن صلتان، وعلي بن أبي العافية، ونذير بن وهب، والحافظ عبد الله بن الحسن ابن القرطبي، وأبو الخطاب ابن دحية، وعلي بن الشريك، ومحمد بن محمد بن أبي السداد، وخلق كثير، وقصد من البلاد.
وأخذ الأدب عن محمد بن أبي زيد النحوي، وبرع في العربية.
ولما تغلبت الروم على المرية سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة، خرج إلى مرسية، ثم سكن جزيرة شقر، فولي القضاء والخطابة بها. وكان في خلقه ضيق، وكان من فرسان الحديث بالأندلس، بارعاً في لغته، لم يكن أحد يجاريه في معرفة الرجال، وله خطب حسان، وتصانيف، وسعة علم كثير جداً.
توفي في صفر سنة أربع وثمانين وخمس مئة.
قال أبو جعفر بن الزبير: هو أعلم أهل طبقته بصناعة الحديث، وأبرعهم في ذلك، مع مشاركته في علوم، وكان من العلماء العاملين، أمعن الناس في الأخذ عنه.
وقال أبو عبد الله بن عياد: كان عالماً بالقرآن، إماماً في علم الحديث، واقفاً على رجاله، لم يكن بالأندلس من يجاريه فيه، أقر له بذلك أهل عصره، مع تقدمه في اللغة والأدب، واستقلاله بغير ذلك من جميع الفنون.
قال: وكان له حظ من البلاغة والبيان، صارماً في أحكامه، جزلاً في أموره، تصدر للإقراء والتسميع والعربية، وكانت الرحلة إليه في زمانه، وطال عمره، وله كتاب المغازي في خمس مجلدات، حمله عنه الناس.
قال أبو عبد الله الأبار: مات بمرسية في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وخمس مئة، وله ثمانون سنةً، وكاد الناس أن يهلكوا من الزحمة على نعشه.
قلت: حمل عنه: محمد بن الحسن اللخمي الداني أيضاً، ومحمد ابن أحمد بن حبون المصري، وعبد الله بن الحسن المالقي، وأبو الخطاب ابن دحية، وأخوه، والعلامة أبو علي الشلوبين، وخلق.
فقال أبو الربيع الكلاعي في شيوخه: القاضي العلامة ابن حبيش آخر أئمة المحدثين بالمغرب، والمسلم له في حفظ أغربة الحديث ولسان العرب مع متانة الدين، لقيته بمرسية، وأخذت عنه معظم ما عنده، وقرأت عليه صحيح البخاري، وسمعه من ابن مغيث سنة 530، قال: سمعته على أبي عمر ابن الحذاء، حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد سنة 395، حدثنا ابن السكن سنة 343، حدثنا الفربري، عن البخاري، وقرأت عليه مصنف النسائي بسماعه من ابن مغيث، قال: قرأته على مولى ابن الطلاع، وأخبرنا به ابن الحذاء، حدثنا أبو محمد بن أسد، أخبرنا حمزة الكناني، حدثنا النسائي.

ابن عوف

الشيخ الإمام، صدر الإسلام، شيخ المالكية، إسماعيل بن مكي ابن إسماعيل بن عيسى بن عوف بن يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك ابن حميد ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، القرشي الزهري العوفي الإسكندري المالكي، من ذرية عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه.
ولد سنة خمس وثمانين وأربع مئة.
وتفقه على الأستاذ أبي بكر الطرطوشي، وبرع، وفاق الأقران، وتخرج به الأصحاب. وروى عن الطرطوشي الموطأ، وعن أبي عبد الله الرازي.
كتب عنه الحافظ السلفي وهو من شيوخه، والحافظون: عبد الغني وابن المفضل وعبد القادر، والسلطان صلاح الدين، وأولاد ابنه عبد الوهاب، وهم: الحسن وعبد الله وعبد العزيز، وحدث بالموطأ مرات.
توفي في الخامس والعشرين من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مئة، بالإسكندرية وله ست وتسعون سنةً رحمه الله.
قال ابن الجميزي في مشيخته: هو إمام عصره، وفريد دهره في الفقه، وعليه مدار الفتوى مع الورع والزهادة وكثرة العبادة.

أبو المحاسن

محمد بن عبد الخالق بن أبي شكر الأصبهاني.
سمع المجتبى كله للنسائي من عبد الرحمان بن حمد الدوني بقراءة عبد الجليل كوتاه سنة 499. وسمع الحلية والمستخرج على الصحيحين، وتاريخ أصبهان من أبي علي الحداد، وسمع المعجم الكبير من المجسد بن محمد الإسكاف: أخبرنا ابن فاذشاه، أخبرنا الطبراني.
توفي سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة.