حماد بن هبة الله

حماد بن هبة الله

ابن حماد بن الفضل، الإمام المحدث، الصادق، أبو الثناء الحراني التاجر السفار.
رحل إلى مصر والعراق وخراسان، وكتب، وخرج وأفاد. وله نظم، وأدب، وسيرة حميدة.
روى عن: إسماعيل ابن السمرقندي، وهو أكبر شيوخه وأبي بكر ابن الزاغوني، وسعيد ابن البناء، وأبي النضر الفامي، وسالم بن عبد الله العمري، وعبد السلام بن أحمد الإسكاف، وابن رفاعة، والسلفي، وابن البطي، وخلق.
حدث عنه: عمر بن محمد العليمي، وابن أخته محمد بن عماد، والتاج ابن أبي جعفر، وطائفة.
وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
وكان له عمل جيد في الحديث.
قال ابن النجار: قرأت بخط حماد الحراني: مولدي بعد ستين يوماً من سنة إحدى عشرة وخمس مئة، وتوفي بحران في ذي الحجة سنة ثمان وتسعين وخمس مئة.
وفيها: توفي أحمد بن تزمش الخياط، وأسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الفقيه، أخو زاهر، عن ثلاث وثمانين سنةً، وأبو طاهر الخشوعي، والمحدث الشريف جعفر بن محمد بن جعفر العباسي شاباً، وسعد بن طاهر المزدقاني الأمير، وأبو بحر صفوان بن إدريس المرسي الكاتب أحد البلغاء الكبار، وعبد الله بن أبي المجد الحربي راوي المسند، والقاضي عبد الرحمان بن أحمد ابن العمري عن بضع وثمانين سنةً. وزين القضاة عبد الرحمان بن سلطان القرشي الزكوي، وعبد الرحيم بن أبي القاسم الجرجاني الشعري أخو زينب، وخطيب دمشق ضياء الدين الدولعي، وعلي بن محمد ابن علي بن يعيش البغدادي، وقاضي القضاة محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن الزكي، وأبو الهمام محمود بن عبد المنعم التميمي، وهبة الله بن الحسن ابن السبط، وأبو القاسم هبة الله البوصيري.

الشهاب الطوسي

الشيخ الإمام، العالم العلامة، شيخ الشافعية، شهاب الدين، أبو الفتح، محمد بن محمود بن محمد الخراساني الطوسي صاحب الفقيه محمد بن يحيى.
ولد سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة.
وحدث عن أبي الوقت السجزي، وغيره.
وقدم بغداد، وعظم قدره، وصاهر قاضي القضاة أبا البركات ابن الثقفي، ثم حج، وأتى مصر سنة تسع وسبعين، ونزل بالخانقاه، وتردد إليه الفقهاء.
وروى عنه: الإمام بهاء الدين ابن الجميزي، وشهاب الدين القوصي.
ثم درس بمنازل العز، وتخرج به أئمة، وكان جامعاً للفنون، غير محتفل بأبناء الدنيا. وعظ بجامع مصر مدة.
قال الإمام أبو شامة: قيل: إنه قدم بغداد، فكان يركب بالسنجق والسيوف المسللة والغاشية والطوق في عنق البغلة، فمنع من ذلك، فسافر إلى مصر، ووعظ، وأظهر مقالة الأشعري، فثارت الحنابلة، وكان يجري بينه وبين زين الدين ابن نجية كبيرهم العجائب والسب.
قال: وبلغني أنه سئل: أيما أفضل دم الحسين، أو دم الحلاج ؟ فاستعظم ذلك، قالوا: فدم الحلاج كتب على الأرض: الله، الله، ولا كذلك دم الحسين ؟! قال: المتهم يحتاج إلى تزكية ! قلت: لم يصح هذا عن دم الحلاج، وليسا سواءً: فالحسين رضي الله عنه شهيد قتل بسيف أهل الشر، والحلاج فقتل على الزندقة بسيف أهل الشرع.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان طوالاً، مهيباً، مقداماً، ساد الجواب في المحافل، أقبل عليه تقي الدين عمر، وبنى له مدرسةً، وكان يلقي الدرس من كتاب، وكان يرتاعه كل أحد، وهو يرتاع من الخبوشاني، ويتضاءل له، وكان يحمق بظرافة، ويتيه على الملوك بلباقة، ويخاطب الفقهاء بصرامة، عرض له جدري بعد الثمانين عم جسده، وجاء يوم عيد، والسلطان بالميدان، فأقبل الطوسي وبين يديه مناد ينادي: هذا ملك العلماء، والغاشية على الأصابع، فإذا رآها المجان، قرأوا: "هل أتَاكَ حديثُ الغاشيةِ" الغاشية فتفرق الأمراء غيظاً منه. وجرى له مع العادل ومع ابن شكر قضايا عجيبة، لما تعرضوا لأوقاف المدارس، فذب عن الناس، وثبت.
قال ابن النجار: مات بمصر في ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مئة وحمله أولاد السلطان على رقابهم، رحمه الله.

السديد

إمام الطب، بقراط العصر، شرف الدين، أبو المنصور عبد الله بن علي بن داود بن مبارك.
أخذ الفن عن أبيه الشيخ السديد، وعدلان بن عين زربي.
وسمع بالثغر من ابن عوف، وصار رئيس الأطباء بمصر، وخدم ملوكها، وأخذ عنه الأطباء، وأقبلت عليه الدنيا، وخدم العاضد صاحب مصر، وطال عمره.
أخذ عنه شيخ الأطباء النفيس بن الزبير، فروى عنه أنه دخل مع أبيه على الآمر العبيدي.
وحكى ابن أبي أصيبعة عن أسعد الدين أن السديد حصل له في نهار ثلاثون ألف دينار.
ونقل عنه ابن الزبير أنه ختن ولدي الحافظ لدين الله، فحصل له من ذلك نحو خمسين ألف دينار.
وكان السلطان صلاح الدين يحترمه، ويعتمد على طبه.
مات سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة. وقيل: اسمه داود.

البوصيري

الشيخ العالم المعمر، مسند الديار المصرية، أمين الدين، أبو القاسم، سيد الأهل، هبة الله بن علي بن سعود بن ثابت بن هاشم بن غالب الأنصاري الخزرجي، المنستيري الأصل البوصيري المصري، الأديب الكاتب.
ولد سنة ست وخمس مئة.
وسمع مع السلفي من أبي صادق مرشد بن يحيى المديني، ومحمد ابن بركات السعيدي، وأبي الحسن علي ابن الفراء، والفقيه سلطان بن إبراهيم المقدسي، والخفرة بنت فاتك، وجماعة.
وأجاز له أبو عبد الله بن الحطاب الرازي، وأبو الحسن ابن الفراء.
وسمع من الرازي أيضاً، ومن السلفي، وحدث واشتهر اسمه، ورحل إليه.
حدث عنه: الحفاظ: عبد الغني، وابن المفضل، والضياء، وابن خليل، وأبو الحسن السخاوي، وأبو سليمان ابن الحافظ، وخطيب مردا، وأبو بكر بن مكارم، وأبو عمرو ابن الحاجب، وإسماعيل بن عزون، وإسماعيل بن صارم، وعبد الله بن علاق، وعبد الغني بن بنين، وعدد كثير.
وأجاز لشيخنا أحمد بن أبي الخير، بل وأجاز لمن أدرك حياته، نقل ذلك المحدث حسن بن عبد الباقي الصقلي فيما قرأه بخطه المحدث أحمد ابن الجوهري.
وقال الشيخ الضياء: كان قد ثقل سمعه، وكان يسمع بأذنه اليسرى أجود، وكان شرساً، شاهدته وشيخنا عبد الغني يقرأ عليه من البخاري حديث لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقال: ليس فيها يحيي ويميت. توفي البوصيري في ثاني صفر سنة ثمان وتسعين وخمس مئة.

ابن موقى

الشيخ الفقيه، المعمر، مسند الإسكندرية، أبو القاسم، عبد الرحمان بن مكي بن حمزة بن موقى بن علي الأنصاري السعدي الثغري المالكي التاجر، ويعرف بابن علاس.
ولد سنة خمس وخمس مئة.
وسمع من أبي عبد الله الرازي مشيخته وأجاز له، وهو خاتمة أصحابه.
حدث عنه: علي بن المفضل، والزين محمد بن أحمد ابن النحوي، وأبو الفتح محمد بن الحسن اللخمي، وأحمد بن عبد الله ابن النحاس، وأخوه منصور، وجعفر بن تمام، والحسين وعبد الله ابنا أحمد ابن خليد الكناني، والحسن بن عثمان المحتسب، وهبة الله بن روين، وعثمان بن هبة الله بن عوف، وآخرون آخرهم ابن عوف.
قال الحافظ عبد العظيم المنذري: لم يزل صحيح السمع والبصر والجسد إلى أن مات، وتصدق من ثلثه بألف دينار بعد موته.
توفي في سلخ ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وخمس مئة، وله أربع وتسعون سنةً.
وفيها توفي أبو علي الحسن بن إبراهيم بن قحطبة الفرغاني ثم البغدادي ابن أشنانة، وأبو محمد عبد الله بن دهبل بن كاره الحريمي، وقاضي فاس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عيسى التادلي الفاسي، وعبد الله بن محمد بن عليان الحربي، والواعظ زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الحنبلي بالشارع، وعلي بن حمزة الكاتب بمصر، وعلي بن خلف بن معزوز بالمنية، والسلطان غياث الدين محمد بن سام بن حسين الغوري، وقاضي القضاة ببغداد ضياء الدين القاسم بن يحيى الشهروزي، ثم قاضي حماة، والزاهد الكبير أبو عبد الله محمد بن أحمد القرشي الأندلسي، وأبو بكر بن أبي جمرة مولى بني أمية، وشهاب الدين محمد بن يوسف الغزنوي بالقاهرة، والمبارك ابن المعطوش، ومحمود بن أحمد العبدكوي، ومسعود بن عبد الله بن غيث الدقاق، ويوسف بن الطفيل الدمشقي.

ابن نجية

الشيخ الإمام العالم الرئيس الجليل الواعظ، الفقيه، زين الدين، أبو الحسن، علي بن إبراهيم بن نجا بن غنائم الأنصاري الدمشقي الحنبلي نزيل الشارع بمصر، ويعرف بابن نجية.
ولد بدمشق في سنة ثمان وخمس مئة.
وسمع من علي بن أحمد بن قبيس المالكي، ومن خاله شرف الإسلام، عبد الوهاب ابن الشيخ أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الحنبلي، وسمع ببغداد من أحمد بن علي الأشقر، وأبي سعيد أحمد بن محمد البغدادي، وابن ناصر، وموهوب بن الجواليقي، وسمع ببغداد جامع أبي عيسى من عبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وسمع من الحافظ عبد الخالق اليوسفي، وسعد الخير الأنصاري، وتزوج بابنته المسندة فاطمة.
كتب عنه أبو طاهر السلفي حكايةً.
ووعظ بجامع القرافة مدةً.
حدث عنه: ابن خليل، والشيخ الضياء، ومحمد ابن البهاء، وأبو سليمان ابن الحافظ، والزكي المنذري، وعبد الغني بن بنين، والحافظ عبد الغني أيضاً.
وبالإجازة: أحمد بن أبي الخير، وغيره.
وكان صدراً محتشماً نبيلاً، ذا جاه ورياسة وسؤدد وأموال وتجمل وافر، واتصال بالدولة.
ترسل لنور الدين إلى الديوان العزيز سنة أربع وستين وخمس مئة.
قال ابن النجار: كان مليح الوعظ، لطيف الطبع، حلو الإيراد، كثير المعاني، متديناً، حميد السيرة، ذا منزلة رفيعة، وهو سبط الشيخ أبي الفرج.
قال أبو شامة: كان كبير القدر، معظماً عند صلاح الدين، وهو الذي نم على الفقيه عمارة اليمني وأصحابه بما كانوا عزموا عليه من قلب الدولة، فشنقهم صلاح الدين وكان صلاح الدين يكاتبه، ويحضره مجلسه، وكذلك ولده الملك العزيز من بعده، وكان واعظاً مفسراً، سكن مصر، وكان له جاه عظيم، وحرمة زائدة، وكان يجري بينه وبين الشهاب الطوسي العجائب، لأنه كان حنبلياً، وكان الشهاب أشعرياً واعظاً. جلس ابن نجية يوماً في جامع القرافة، فوقع عليه وعلى جماعة سقف، فعمل الطوسي فصلاً ذكر فيه "فَخَرَّ عليهم السَّقْفُ من فوقِهم" النحل جاء يوماً كلب يشق الصفوف في مجلس ابن نجية، فقال: هذا من هناك، وأشار إلى جهة الطوسي.
قال أبو المظفر السبط: اقتنى ابن نجية أموالاً عظيمةً، وتنعم تنعماً زائداً، بحيث أنه كان في داره عشرون جاريةً للفراش، تساوي كل واحدة ألف دينار وأكثر، وكان يعمل له من الأطعمة ما لا يعمل للملوك، أعطاه الخلفاء والملوك أموالاً جزيلةً. قال: ومع هذا مات فقيراً كفنه بعض أصحابه. قال المنذري: مات في سابع رمضان سنة تسع وتسعين وخمس مئة. وماتت بعده زوجته فاطمة بسنة.

علي بن حمزة

ابن علي بن طلحة بن علي، الشيخ الجليل أبو الحسن بن أبي الفتوح، الكاتب البغدادي.
ولد سنة خمس عشرة.
وسمع من هبة الله بن الحصين، وولي الحجابة بباب النوبي، وكان يكتب خطاً بديعاً، وسكن مصر.
حدث عنه: ابن خليل، والضياء، وخطيب مردا، وجماعة.
وكان أبوه وكيلاً للمسترشد بالله.
مات علي في غرة شعبان سنة تسع وتسعين وخمس مئة بمصر.
كان أبوه أخا المسترشد من الرضاعة، فبلغه أعلى المراتب، وبعده تزهد، ولزم العبادة، وبنى مدرسةً للشافعية، وحدث عن ابن بيان الرزاز. توفي سنة ست وخمسين وخمس مئة.

ابن المارستانية

الصدر الكبير، الأديب البليغ، أبو بكر عبيد الله بن علي بن نصر ابن حمزة التيمي.
قرأ الفقه والآداب، وصنف وساد، إلا إنه زور لنفسه، وزعم أنه سمع من الأرموي.
وقد سمع من ابن البطي وطبقته، وقرأ الكثير، وحصل، وقرأ الطب والفلسفة، وعمل الكتابة، ثم نفذ رسولاً إلى ابن البهلوان، فمات بتفليس في آخر سنة تسع وتسعين وخمس مئة عن تسع وخمسين سنةً. وكان كذاباً.

ابن أبي جمرة

الشيخ الإمام المعمر، مسند المغرب، أبو بكر، محمد بن أحمد بن عبد الملك بن موسى بن عبد الملك بن وليد بن أبي جمرة الأموي، مولاهم، الأندلسي المرسي.
سمع الكثير من والده، من ذلك: التيسير لأبي عمرو الداني، بإجازته من الداني.
وسمع من أبي بكر بن أسود، ومن أبي محمد بن أبي جعفر، وأجاز له أبو بحر سفيان بن العاص، والفقيه أبو الوليد ابن رشد، وأبو الحسن شريح، وخلق. وقد عرض المدونة على أبيه.
قال الأبار: عني بالرأي وحفظه، وولي خطة الشورى وهو ابن نيف وعشرين سنةً، وذلك في سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، وتقلد قضاء مرسية وشاطبة مرات، وكان بصيراً بمذهب مالك، عاكفاً على نشره، فصيحاً، حسن البيان، عدلاً، جزلاً، عريقاً في النباهة والوجاهة.
صنف كتاب نتائج الأفكار في معاني الآثار ألفه عندما أوقع السلطان بالمالكية، وأمر بإحراق المدونة، وله إقليد الإقليد المؤدي إلى النظر السديد.
قرأ عليه أبو محمد بن حوط الله الموطأ بسماعه من أبيه عن جده قراءةً. وتكلم فيه بعض الناس بكلام لا يقدح فيه.
وحدث عنه أبو عمر بن عات وأبو علي بن زلال. وكتب إلي بالإجازة، وأنا ابن عامين، وهو أعلى شيوخي إسناداً.
مات بمرسية في المحرم سنة تسع وتسعين وخمس مئة عن نيف وثمانين سنةً.
وقال أبو الربيع بن سالم: ظهر منه في باب الرواية اضطراب طرق الظنة إليه، وأطلق الألسنة عليه.
قلت: وقد سمع ابن الزبير التيسير من أبي عبد الله بن جوبر بسماعه منه.

الهاشمي

القدوة الرباني، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الهاشمي الأندلسي، من الجزيرة الخضراء، له كرامات فيما يقال وأحوال.
نزل بيت المقدس، وصحبه الصالحون.
صحب جماعةً، وله جلالة عجيبة وشهرة.
مات في ذي الحجة سنة تسع وتسعين وخمس مئة رحمه الله.

ابن المعطوش

الشيخ العالم الثقة، المعمر، أبو طاهر، المبارك بن المبارك بن هبة الله ابن المعطوش الحريمي البغدادي العطار، أخو أبي القاسم المبارك.
ولد في رجب سنة سبع وخمس مئة.
وسمع من: أبي علي محمد بن محمد ابن المهدي، وأبي الغنائم محمد بن محمد ابن المهتدي بالله، وهبة الله بن الحصين وحدث عنه بجميع المسند، وأبي المواهب أحمد بن ملوك، والقاضي أبي بك، وهو آخر من سمع من ابن المهدي وابن المهتدي.
حدث عنه: ابن الدبيثي، وابن خليل، وابن النجار، وأبو موسى ابن الحافظ، واليلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب، وآخرون.
وبالإجازة ابن أبي الخير، والفخر ابن البخاري.
قال ابن الدبيثي: سماعه في سنة أربع عشرة، وكان يقظاً فطناً صحيح السماع.
وقال ابن نقطة: توفي في عاشر جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وخمس مئة، وكان سماعه صحيحاً. قال ابن النجار: قرأت عليه كثيراً. وكان شيخاً متيقظاً، لطيف الطبع، مليح النادرة، سريع الجواب، من محاسن الناس، قرأ القرآن، وطلب الحديث بنفسه، وقرأ على المشايخ، وكتب بخطه، وعمر حتى تفرد بأكثر مروياته. وحدث بمسند أحمد بن حنبل مرات، وكانت الرحلة إليه. ومتعه الله بسمعه وبصره وعقله إلى حين وفاته، وكان مكرماً لمن يقصده من الطلبة، بساماً، مزاحاً.

العجلي

الإمام العلامة، مفتي العجم، منتخب الدين، أبو الفتوح، أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف بن أحمد العجلي الأصبهاني الفقيه الشافعي الواعظ.
ولد سنة خمس عشرة وخمس مئة.
وسمع من فاطمة الجوزدانية المعجم الصغير وبعض الكبير أو جميعه، وإسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ، وغانم بن أحمد وجماعةً. وسمع ببغداد في الكهولة من ابن البطي.
حدث عنه: أبو نزار ربيعة اليمني، والحافظ الضياء، وابن خليل، وجماعة. وأجاز لابن أبي الخير وابن البخاري.
وكان من أئمة الشافعية. له تصانيف.
قال ابن الدبيثي: كان زاهداً، له معرفة تامة بالمذهب، وكان يأكل من النسخ، وعليه كان المعتمد في الفتوى بأصبهان.
وقال القاضي ابن خلكان: هو أحد الفقهاء الأعيان، له كتاب في شرح مشكلات الوجيز والوسيط للغزالي، وكتاب تتمة التتمة. توفي بأصبهان في الثاني والعشرين من صفر سنة ست مئة.
وقال الحافظ الضياء: شيخنا هذا كان إماماً مصنفاً، أملى ووعظ، ثم ترك الوعظ، جمع كتاباً سماه آفات الوعاظ، سمعت منه المعجم الصغير للطبراني.

الصفار

الشيخ الإمام العلامة، المعمر، فخر الإسلام، أبو سعد، عبد الله ابن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور ابن فقيه خراسان محمد بن القاسم بن حبيب ابن الصفار النيسابوري الشافعي.
ولد سنة ثمان وخمس مئة.
وسمع من جده لأمه الإمام أبي نصر ابن القشيري، فكان آخر من روى عنه، وسمع من الفراوي صحيح مسلم، ومن عبد الجبار بن محمد الخواري، وزاهر بن طاهر، والحافظ عبد الغافر بن إسماعيل، وسهل بن إبراهيم، والفضل الأبيوردي، ومحمد بن أحمد بن صاعد، ومن أبيه، وجماعة.
حدث عنه: بدل التبريزي، ونجم الدين أبو الجناب الخيوقي، وأبو رشيد الغزال، وإسماعيل بن ظفر، والقاسم بن أبي سعد الصفار ولده، وجماعة.
وبالإجازة: الشيخ شمس الدين عبد الرحمان بن أبي عمر، وابن البخاري، وطائفة.
وكان من الأئمة العلماء الأثبات.
ومن مسموعاته: سنن الدارقطني بفويت معلوم على أبي القاسم الفضل بن محمد الأبيوردي بسماعه من أبي منصور النوقاني، بسماعه منه، وسمع السنن الكبير من زاهر بن طاهر، وسمع سنن أبي داود من عبد الغافر: أخبرنا نصر بن علي الحاكمي، وسمع السنن والآثار من عبد الجبار.
أنبأني أبو العلاء الفرضي قال: مجد الدين أبو سعد ابن الصفار إمام عالم بالأصول، فقيه، ثقة، سمع أباه وعمته عائشة وجدته دردانة أخت عبد الغافر، وهبة الله السيدي، وسهل بن إبراهيم المسجدي، وعدةً.
قال المنذري: مات في سابع عشر رمضان سنة ست مئة.

القاسم

الإمام المحدث، الحافظ، العالم الرئيس، بهاء الدين، أبو محمد، القاسم ابن الحافظ الكبير محدث العصر ثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر، وما علمت هذا الاسم في أجداده ولا من لقب به منهم.
مولده في سنة سبع وعشرين وخمس مئة.
وأجاز له: الفراوي، وزاهر، وقاضي المارستان، والحسين بن عبد الملك، وعبد المنعم ابن القشيري، وابن السمرقندي، وهبة الله بن الطبر، ومحمد بن إسماعيل الفارسي، وهبة الله بن سهل السيدي، وعبد الجبار الخواري، وخلق كثير من البلاد، لقيهم والده ولم أجد له حضوراً ولا لأبيه وعمه الصائن. سمع في سنة اثنتين وثلاثين من جمال الإسلام أبي الحسن السلمي، وجد أبيه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي، ويحيى بن بطريق، ونصر الله بن محمد المصيصي، وأبي الدر ياقوت الرومي، وهبة الله بن طاووس، وأبي طالب علي بن أبي عقيل، وأبي الفتوح أسامة بن محمد ابن زيد العلوي، وأبي الكرم يحيى بن عبد الغفار عن رزق الله، وخال أبيه أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي، وناصر بن عبد الرحمان القرشي، وأبي القاسم بن البن الأسدي، والخضر بن الحسين بن عبدان، وعبدان بن زرين الدويني، ويحيى بن سعدون القرطبي، والحافظ أبي سعد ابن السمان، وأبيه أبي القاسم الحافظ، فأكثر إلى الغاية؛ فإنني ما علمت أحداً سمع من أبيه أكثر من هذا الابن حتى ولا ابن الإمام أحمد، لعل القاسم سمع من أبيه ثلاثة آلاف جزء، وسمع من عمه الصائن، ومن أبي يعلى ابن الحبوبي، وحمزة بن كروس، وعبد الرحمان بن أبي الحسن الداراني، وإبراهيم بن طاهر الخشوعي، وعبد الرحمان بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد، وأبي البركات الخضر بن عبد الحارثي، ونصر بن أحمد بن مقاتل وأخيه علي بن أحمد، ومحمد بن إبراهيم بن جعفر، وفضائل بن الحسن، وأبي العشائر محمد بن خليل، والوزير الفلكي، وأبي نصر غالب بن أحمد، ونصر بن قاسم المقدسي الملقن، وحفاظ بن الحسن الغساني، ومحفوظ بن صصرى التغلبي، ومحمد بن كامل بن ديسم، وعلي بن الحسين بن أشليها، وحمزة بن الحسن بن مفرج الأزدي، وأبي طاهر راشد ابن محمد، وأبي الحسن محمد بن عبد الله ابن النبيه، وعلي بن زيد، وعلي بن هبة الله بن خلدون، وهبة الله بن المسلم الرحبي، وعلي بن أحمد الحرستاني، وخلق سواهم.
وهو أوسع روايةً وسماعاً من أبي الفرج ابن الجوزي، وله عمل جيد، ولكن ابن الجوزي أعلم منه بكثير بالرجال والمتون وبعدة فنون، وكل منهما لم يرحل، بل قنع أبو محمد ببلده ووالده، وناهيك بذلك، وقنع أبو الفرج ببغداد.
نعم، وحج أبو محمد في سنة 555، فسمع بمكة من مسعود بن الحصين، وأحمد بن المقرب، وأبي النجيب السهروردي، وفخر النساء شهدة. وسمع بمصر، وحدث بها، وبالحجاز، وبيت المقدس، ودمشق.
وكتب ما لا يوصف كثرةً بخطه العديم الجودة، وأملى، وصنف، ونعت بالحفظ والفهم، ولكن خطه نادر النقط والشكل.
جمع كتاباً كبيراً في الجهاد، وما قصر فيه، ومجلداً في فضائل القدس، ومجلداً في المناسك، وكتاباً في من حدث بمدائن الشام وقراها، وخرج لنفسه موافقات وأبدالاً وسباعيات، وأملى عدة مجالس، وروى الكثير، وتفرد بأشياء عالية.
ذكره العز النسابة فقال: كان أحب ما إليه المزاح.
وقال ابن نقطة: هو ثقة، لكن خطه لا يشبه خط أهل الضبط.
وذكر المحدث عبد الرحمان بن مقرب عن ندى العرضي، قال: قرأت على بهاء الدين القاسم، فقلت: عن ابن لهيعة، فرد علي بالضم ! قلت: ذكر محدث أنه اجتمع بالمدينة ببهاء الدين القاسم، فسأله أن يحدثه، فروى له من حفظه أحاديث، ثم ذكر أنه قابل تلك الأحاديث بأصلها، فوافقت، وبمثل هذا يوصف المحدث في زماننا بالحفظ.
وبلغني أن الحافظ بهاء الدين ولي بعد أبيه مشيخة النورية فما تناول من الجامكية شيئاً، بل كان يعطيه لمن يرحل في طلب الحديث.
حدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، وأبو الحسن بن المفضل، وعبد القادر الرهاوي، ويوسف بن خليل، وولده عماد الدين علي بن القاسم، وأبو الطاهر ابن الأنماطي، والتاج القرطبي، وفتاه فرج، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، وعبد الغني بن بنين، وبدل بن أبي المعمر التبريزي، والزين خالد بن يوسف، والمجد محمد بن عساكر، والتقي إسماعيل بن أبي اليسر، والنشبي وولده أبو بكر، والكمال عبد العزيز بن عبد، وعبد الوهاب بن زين الأمناء، وفراس بن علي العسقلاني، وعماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني، وآخرون.
وبالإجازة: أحمد بن سلامة الحداد، وأبو الغنائم بن علان، وطائفة. أخبرنا ابن علان، وابن سلامة، كتابةً، عن القاسم بن علي الحافظ، أخبرنا أبو المفضل يحيى بن علي، أخبرنا حيدرة بن علي المعبر، أخبرنا عبد الرحمان بن عثمان، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حذلم، حدثنا أبو زرعة، حدثني عقبة بن مكرم، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن علي بن حسين، عن مروان بن الحكم: شهدت علياً وعثمان بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن لا يجمع بينهما، وأبى علي ذلك، أهل بهما، فقال: لبيك بعمرة وحجة معاً، فقال عثمان: أنهى الناس، وأنت تفعله ؟ فقال: لم أكن أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس.
أخرجه النسائي، وفيه أن مذهب الإمام علي كان يرى مخالفة ولي الأمر لأجل متابعة السنة، وهذا حسن لمن قوي، ولم يؤذه إمامه، فإن آذاه، فله ترك السنة، وليس له ترك الفرض، إلا أن يخاف السيف.
أخبرني ابن رافع أنه قرأ بخط عماد الدين علي بن القاسم الحافظ ترجمةً لأبيه فقال: كان والدي بهاء الدين من الأئمة والعلماء حين بلغ حد السمع، سمعه عماه الحافظ أبو الحسين، وأبو عبد الله محمد من المشايخ الأعيان، ثم قدم أبوه يعني من الرحلة سنة ثلاث وثلاثين، فأسمعه. إلى أن قال: فتقرب عدة مشايخه من مئة شيخ، تفرد بالرواية عن أكثرهم، ولم يزل يسمع، ويكتب، ويؤلف. قال: وحج في سنة خمس وخمسين، فسمع بمكة. إلى أن قال: ولولا تبييضه لكتاب التاريخ، ونقله من المسودة، لما قدر الشيخ الكبير يعني والده على إتقانه، ولا جوده، فإنه حين فرغ من تسويده، عجز عن نقله، وتجديده، وضبط ما فيه من المشكل، وتحديده، كأن نظره قد كل، وبصره قد قل، فلم يزل والدي يكتب، وينقله من الأوراق الصغار والظهور، ويهذب إلى أن نجز منه نحو مئة وخمسين جزءاً، وكان بينهما نفرة، فكان لا يحضر السماع تلك المدة، فحكى لي والدي، قال: ضاق صدري، فأتيت الوالد ليلة النصف في المنارة الشرقية، وزال ما في قلبه. وسمعت أبا جعفر القرطبي كثيراً يقول عند غيبة والدك عنه: جزاه الله عني خيراً، فلولاه ما تم التاريخ، هذا أو معناه.
قلت: يقال: إن الحافظ أبا القاسم حلف أنه لا يكلم ابنه حتى يكتب التاريخ، فكتبه، ولما عمل بهاء الدين كتاب الجهاد، سمعه منه كله السلطان صلاح الدين في سنة ست وسبعين، قال: فدعوت في أوله وآخره بفتح بيت المقدس، فاستجاب الله ذلك، وله الحمد، وفتح بيت المقدس في السادس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمس مئة وأنا حاضر فتحه.
توفي الحافظ بهاء الدين في تاسع صفر سنة ست مئة، وكانت جنازته مشهودةً.

شميم

أبوا لحسن علي بن الحسن بن عنتر الحلي الأديب.
شاعر لغوي متقعر رقيع أحمق، قليل الخير.
له عدة تواليف أدبية فيها الغث والسمين.
كان كثير الدعاوى، مقيم الفشار، يشتم أبا تمام وأبا العلاء، ويزري بامرئ القيس، فهو في عداد مجانين الفضلاء.
حط عليه ابن المستوفي وابن النجار وغيرهما، وأنه كان يتكلم في الأنبياء، ويستخف بمعجزاتهم، وأنه عارض القرآن، وكان إذا تلاه، يخشع ويسجد فيه.
أخذ عن ملك النحاة أبي نزار، وعن ابن الخشاب.
وألف حماسة من أشعاره خاصةً، ويندر له المعنى الجيد، ولعله تاب.
توفي سنة إحدى وست مئة بالموصل عن أزيد من تسعين سنةً.

بنت سعد الخير

الشيخة الجليلة، المسندة، أم عبد الكريم، فاطمة بنت المحدث التاجر أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي.
مولدها بأصبهان في سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة.
وسمعت حضوراً في الثالثة من فاطمة الجوزدانية جملةً من المعجم الكبير، وحضرت ببغداد في سنة خمس وعشرين على هبة الله ابن الحصين، وزاهر بن طاهر، وأبي غالب ابن البناء.
وسمعت بعد أبيها، ومن هبة الله بن الطبر، والقاضي أبي بكر، ويحيى بن حبيش الفارقي، ويحيى ابن البناء، وأبي منصور القزاز، وإسماعيل السمرقندي وعدة. وأجاز لها خلق.
وحدثت بدمشق، وبمصر.
تزوج بها الرئيس زين الدين ابن نجية الواعظ، وسكن بها بدمشق ثم بمصر، ورأت عزاً وجاهاً.
حدث عنها: أبو موسى ابن الحافظ، وعبد الرحمان بن مقرب، ومحمد بن محمد ابن الوزان الحنفي، ومحمد ابن الشيخ الشاطبي، والحافظ الضياء، وخطيب مردا، وعبد الله بن علان، وخلق سواهم. وروى عنها بالإجازة: الحافظ زكي الدين عبد العظيم، وقال: توفيت في ثامن ربيع الأول سنة ست مئة.
قلت: عاشت ثمانياً وسبعين سنةً، وأجازت لشيخنا أحمد بن أبي الخير سلامة.

النوقاني

الشيخ الإمام، الفقيه العلامة، أبو المكارم، فضل الله ابن المحدث العالم أبي سعيد محمد بن أحمد النوقاني الشافعي.
ونوقان بالفتح، وهي مدينة صغيرة هي قصبة طوس.
ولد سنة ثلاث عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة وخمس مئة.
وبادر أبوه، فأخذ له الإجازة من محيي السنة أبي محمد البغوي بمروياته.
وسمع الأربعين الصغرى للبيهقي من عبد الجبار بن محمد الخواري، وسمع من أبيه مسند الشافعي. وتفقه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي، حتى برع في المذهب، ودرس، وأفتى، وساد، وتقدم.
روى عنه: أبو رشيد الغزال، وغيره.
وأجاز للإمام شمس الدين عبد الرحمان بن أبي عمر، وللفخر علي مروياته.
قال لنا أبو العلاء الفرضي: مرض بنيسابور، فحمل إلى نوقان، فمات بها في سنة ست مئة.
قلت: نروي تواليف محيي السنة عن ابن أبي عمر والفخر إجازةً عنه عن محيي السنة.
وفيها مات العلامة أسعد بن محمود العجلي، وإسماعيل بن علي بن وكاس القطان، وبقاء بن عمر بن حند الأزجي، وأبو الفرج جابر بن محمد ابن اللحية الحموي، وصاحب الروم ركن الدين سليمان بن قلج أرسلان السلجوقي، وشجاع بن معالي بن شدقيني الغراد، والإمام أبو سعد ابن الصفار، وأبو حامد عبد الله بن مسلم بن ثابت النخاس، والحافظ عبد الغني، وعبد الملك بن مواهب الوراق، والركن الطاووسي صاحب الطريقة بقزوين، وفاطمة بنت سعد الخير، وبهاء الدين القاسم ابن الحافظ، ومحمد بن صافي النقاش، وضياء الدين محمد بن يوسف الآملي المقرئ، وصنعة الملك هبة الله بن حيدرة.

الأرتاحي

الشيخ الثقة، الصالح الخير، المسند، أبو عبد الله، محمد ابن الشيخ الصالح أبي الثناء حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري الشامي الأرتاحي ثم المصري الحنبلي الأدمي.
ولد تقريباً سنة سبع وخمس مئة.
وأجاز له مروياته أبو الحسن علي بن الحسين الفراء سنة ثماني عشرة، فروى بها كثيراً، وتفرد بها. وسمع في كبره من علي بن نصر الأرتاحي، والمبارك ابن الطباخ بمكة.
وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح.
حدث عنه: الحفاظ: عبد الغني، وابن المفضل، وابن خليل، والضياء، وأبو حامد محمد بن صدر الدين ابن درباس، وأبو بكر بن مكارم، والكمال الضرير، والنظام عثمان بن عبد الرحمان بن رشيق، والمعين أحمد ابن زين الدين، والخطيب عبد الهادي القيسي، وأبو الفضل محمد بن مهلهل، وأحمد بن حامد الأرتاحي، وجماعة. وأجاز إلى ابن بنته وقرابته لاحق بن عبد المنعم بن قاسم بن أحمد بن حمد الأرتاحي، وجماعة. وأجاز لأحمد بن أبي الخير.
قال الشيخ الضياء: كان ثقةً ديناً ثبتاً، حسن السية، لم نعلم له شيئاً عالياً سوى إجازة الفراء، وكان لا يمل من التسميع رحمه الله.
قال الحافظ المنذري: سمعت منه بإفادة أبي. توفي في العشرين من شعبان سنة إحدى وست مئة.

الطبقة الثانية والثلاثون

ابن كامل

الشيخ المسند أبو الفتوح يوسف ابن المحدث أبي بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب البغدادي الخفاف المقرئ.
سمعه أبوه من أبي بكر القاضي، وأبي منصور القزاز، وإسماعيل ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطراح، وخلق.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء، وابن النجار، واليلداني، والنجيب وأخوه العز عبد العزيز، وآخرون.
وأجاز للزكي المنذري، والفخر علي، والشيخ شمس الدين.
وكان أميا لا يكتب، قاله ابن النجار، وقال: هو صالح، حافظ لكتاب الله، ولا يعرف شيئاً من الفقه، عسر في الرواية، سيء الخلق، متبرم بالسماع، كنا نلقى منه شدة، وكان فقيراً مدقعاً، وكان من فقهاء النظامية، وكان يأخذ على الرواية. ولد سنة سبع وعشرين، وسمع في سنة أثنتين وثلاثين.
مات في الخامس والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وست مئة.

ابن الخريف

الشيخ المسند أبو علي ضياء بن أحمد بن الحسن ابن الخريف السقلاطوني النجار.
مكثر عن قاضي المارستان.
وسمع من أبي الحسين ابن الفراء، وابن السمرقندي، وكان أمياً.
حدث عنه الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، وابن عبد الدائم، والنجيب، وأخوه العز.
وأجاز للفخر علي. مات في شوال سنة إحدى وست مئة.
وفيها توفي يوسف بن كامل الخفاف، ومحمد بن حمد الأرتاحي، وشميم الحلي، ومحمد بن الخصيب.

البستنبان

الشيخ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمان بن أيوب الحربي الفلاح البقلي البستنبان، وتفسيره الناطور.
سمع من هبة الله بن الحصين. وتفرد بالسماع من أبي العز بن كادش. وعاش سبعاً وثمانين سنة.
وروى عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، والضياء محمد، والنجيب عبد اللطيف، وآخرون.
وبالإجازة ابن أبي الخير، والفخر علي.
مات في ربيع الأول سنة إحدى وست مئة.

القصري

العلامة الزاهد العابد أبو محمد عبد الجليل بن موسى الأنصاري الأندلسي القصري، من أهل قصر عبد الكريم.
روى عن أبي الحسن بن حنين، وفتح بن محمد المقرئ.
قال الأبار: كان متقدماً في علم الكلام مشاركاً في فنون. عمل تفسير القرآن وكتاب شعب الإيمان وكتاب المسائل والأجوبة وأشياء. وكان صاحب زهد وتبتل.
أجاز لأبي محمد بن حوط الله في سنة إحدى وست مئة.

ابن خطيب الموصل

الشيخ الخطيب أبو طاهر أحمد ابن خطيب الموصل عبد الله بن أحمد ابن محمد الطوسي ثم الموصلي الشافعي.
ولد سنة سبع عشرة وخمس مئة.
وسمع من جده أبي نصر الخطيب، وأبي البركات بن خميس، وببغداد من عبد الخالق اليوسفي وغيره، وولي خطابة الموصل زماناً، وخطابة حمص مديدةً، ورجع وحدث هو وأبوه وجده وعمه عبد الرحمان، وأخو عبد الرحمان عبد الوهاب، وعبد المحسن أخو هذا.
روى عنه ابن خليل، والتقي اليلداني. وأجاز لابن أبي الخير، وغيره.
مات سنة إحدى وست مئة في جمادى الآخرة، وقيل سنة اثنتين وست مئة.

التقي الأعمى

مدرس الأمينية، إمام، مفت، خبير بالمذهب، ابتلي بأخذ ماله، فاتهم به شخصاً يقرأ عليه ويقوده، فنال الناس منه، فتسودن، وشنق نفسه بالمئذنة الغربية سنة اثنتين وست مئة. ودرس بالأمينية الجمال المصري بعده.

الفراء

مفتي أصبهان، أبو المفاخر خلف بن أحمد بن حمد الأصبهاني الفراء الشافعي.
سمع إسماعيل بن الإخشيذ وابن أبي ذر الصالحاني.
وعنه ابن خليل، والضياء.
وأجاز للشيخ، ولابن البخاري، وابن شيبان.
مات في شعبان سنة اثنتين وست مئة وله أربع وثمانون سنة.

سبط الشهرزوري

المفتي شرف الدين علي بن محمد ابن شيخ الشافعية جمال الإسلام أبي الحسن علي بن المسلم السلمي الدمشقي الشافعي مدرس الأمينية، ويعرف جده أبو الحسن بابن بنت الشهرزوري.
ولد سنة أربع وأربعين.
وسمع من أبي العشائر الكردي، وحمزة ابن الحبوبي، وخاله الصائن ابن عساكر، وببغداد من شهدة.
وحدث بمصر وبغداد، وكان طويل الباع في المناظرة، فصيحاً بليغاً.
روى عنه الضياء، وابن خليل، والقوصي.
قال القوصي: أخبرنا مفتي الشام شرف الدين بمدرسته الأمينية.
قال أبو شامة: سكن حمص منذ أخرج من دمشق وكان مدرس الأمينية والزاوية المقابلة للبرادة، وكان عالماً بالمذهب والخلاف ماهراً.
قلت: مات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وست مئة بحمص غريباً.

محمد بن كامل

ابن أحمد بن أسد، الشيخ أبو المحاسن التنوخي المعري ثم الدمشقي الشاهد.
سمع منه الفخر ابن البخاري الجزء السادس من الحنائيات في الخامسة بسماعه في سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة من طاهر بن سهل.
وروى عنه أيضاً ابن خليل، والضياء، وجماعة.
مات في ربيع الأول سنة ثلاث وست مئة، وله ثمان وسبعون سنة.

الماكسيني

العلامة إمام العربية صائن الدين أبو الحرم مكي بن ريان بن شبة بن صالح الماكسيني ثم الموصلي المقرئ الضرير.
عمي وله ثمان سنين، وسار إلى بغداد بعد أن تلا بالسبع، وتأدب على يحيى بن سعدون القرطبي، فمهر في النحو على ابن الخشاب، وعلى أبي الحسن بن العصار، والكمال الأنباري، وتقدم في الآداب؛ تخرج به علماء الموصل.
وكان ذا تقوى وصلاح، إلا أنه كان يتعصب لأبي العلاء المعري؛ لاتفاقهما في الأدب والعمى بالجدري.
قدم في أواخر عمره وحدث بدمشق، فقرأ عليه السخاوي كتاب أسرار العربية لشيخه كمال الدين، وكان مع براعته في القراءات واللغة يدري الفقه والحساب وأشياء. كان أحد الأذكياء.
روى عنه القوصي، وضياء الدين، وابن أخيه الفخر علي، وتلا عليه بالروايات والد الموفق الكواشي. توفي بالموصل في شوال سنة ثلاث وست مئة وقد ناهز السبعين.

عبد الرزاق

ابن شيخ الإسلام عبد القادر بن أبي صالح، الشيخ الإمام المحدث أبو بكر الجيلي ثم البغدادي الحنبلي الزاهد.
ولد سنة ثمان وعشرين وخمس مئة.
وسمع من القاضي أبي الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد بن صرما، وابن ناصر، وأبي الكرم ابن الشهرزوري، وعني بهذا الشأن، وكتب الكثير.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والضياء، والتقي اليلداني، والنجيب عبد اللطيف، وجماعة.
وأجاز للشيخ شمس الدين، وأحمد بن شيبان، وخديجة بنت راجح، والفخر علي.
ويقال له: الحلبي، نسبةً إلى محلة الحلبة.
وقال الضياء: لم أر ببغداد في تيقظه وتحريه مثله.
وقال أبو شامة: كان زاهداً عابداً ثقةً مقتنعاً باليسير.
وقال ابن النجار: كتب لنفسه كثيراً وكان خطه رديئاً. قال: وكان حافظاً، متقناً، ثقةً، حسن المعرفة، فقيهاً، ورعاً، كثير العبادة منقطعاً في منزله لا يخرج إلا إلى الجمعة، وكان محباً للرواية مكرماً للطلبة سخياً بالفائدة ذا مروءة مع قلة ذات يده، صابراً على فقره على منهاج السلف، وكانت جنازته مشهودة، وحمل على الرؤوس رحمه الله.
مات في شوال في سادسه سنة ثلاث وست مئة.
ومات فيها: أبو جعفر الصيدلاني، ومحمد بن معمر بن الفاخر، ومكي بن ريان الماكسيني.

صاحب الروم

السلطان ركن الدين سليمان ابن السلطان قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان السلجوقي.
مرض بالقولنج فهلك في ذي القعدة سنة ست مئة، وكانت دولته ثنتي عشرة سنة، وكان قبل موته بأيام قد غدر بأخيه صاحب أنقرة التي يقال لها الآن أنكورية.
قال المؤيد الحموي: كان يميل إلى مذهب الفلاسفة ويقدمهم.
وملكوا بعده ولده قلج أرسلان فلم يتم ذلك.

ابن الفاخر

الشيخ الإمام الفقيه المحدث الأديب الكامل بقية المشايخ مخلص الدين أبو عبد الله محمد بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر القرشي العبشمي الأصبهاني.
ولد في سنة عشرين وخمس مئة.
وسمع من فاطمة الجوزدانية حضوراً، ومن جعفر بن عبد الواحد، وإسماعيل الإخشيذ، وابن أبي ذر، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، والحسين بن عبد الملك الخلال، وزاهر الشحامي، وعدة.
وأملى ببغداد، وكان رئيساً محتشماً، محدثاً، مفيداً، متفنناً، بصيراً بمذهب الشافعي، له صورة كبيرة في الدولة.
روى عنه ابن خليل، والضياء، وأبو موسى ابن الحافظ، وجماعة.
واجاز للبرهان ابن الدرجي، وابن البخاري.
مات بشيراز في ربيع الأول سنة ثلاث وست مئة، وكان لا يجيز المناكير والموضوعات.

الصيدلاني

الشيخ الصدوق المعمر مسند الوقت أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر ابن أبي الفتح حسين بن محمد بن خالويه الأصبهاني الصيدلاني سبط حسين ابن مندة.
ولد ليلة النحر سنة تسع وخمس مئة.
وسمع حضوراً في الثالثة شيئاً كثيراً من أبي علي، وكان يمكنه السماع منه فما اتفق. وحضر محمود بن إسماعيل الأشقر، وعبد الكريم بن علي فورجة، وحمزة بن العباس، وعبد الجبار بن الفضل الأموي، وجعفر ابن عبد الواحد الثقفي، وأبا عدنان محمد بن أبي نزار.
وسمع من فاطمة بنت عبد الله المعجم الكبير للطبراني بكماله، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وتفرد بالرواية عن المذكورين سوى فاطمة.
وكان يعرف بسلفة.
روى عنه الشيخ الضياء فأكثر، وبالغ، ومحمد بن عمر العثماني، وعبد الله ابن الحافظ، وبدل التبريزي، ومحمد بن أحمد الزنجاني، وابن خليل، وحسن بن يونس سبط داود بن معمر، وعبد الله بن يوسف ابن اللمط، وأبو الخطاب بن دحية، وخلق.
وأجاز لابن الدرجي، وابن البخاري، وابن شيبان، وطائفة.
توفي في سلخ رجب سنة ثلاث وست مئة فيما قرأت بخط الضياء.

حنبل

ابن عبد الله بن فرج بن سعادة، بقية المسندين أبو علي وأبو عبد الله الواسطي ثم البغدادي الرصافي المكبر، راوي المسند كله عن هبة الله ابن الحصين، وسماعه له بقراءة ابن الخشاب في سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة. وسمع أحاديث من إسماعيل ابن السمرقندي، وأحمد بن منصور بن المؤمل، وكان يكبر بجامع المهدي، وينادي في الأملاك. حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، وأبو الطاهر ابن الأنماطي، والتاج القرطبي، والموفق محمد بن عمر الأباري، والصدر البكري، وخطيب مردا، والتقي بن أبي اليسر، وأبو الغنائم بن علان، وابن أبي عمر، والشيخ الفخر، وغازي ابن الحلاوي، وزينب بنت مكي، وخلق كثير.
قال أبو شامة: كان فقيراً جداً، روى المسند بإربل وبالموصل ودمشق، وكان يمرض بالتخم، كان السلطان يعمل له الألوان.
وقال ابن الأنماطي: كان أبوه قد وقف نفسه على مصالح المسلمين، والمشي في قضاء حوائجهم، وكان أكثر همه تجهيز الموتى على الطرق.
قال ابن نقطة: حدثنا أبو الطاهر ابن الأنماطي بدمشق، قال: حدثني حنبل بن عبد الله قال: لما ولدت، مضى أبي إلى الشيخ عبد القادر الجيلي، وقال له: قد ولد لي ابن ما أسميه ؟ قال: سمه حنبل، وإذا كبر سمعه مسند أحمد بن حنبل، قال: فسماني كما أمره، فلما كبرت سمعني المسند، وكان هذا من بركة مشورة الشيخ.
قال ابن الدبيثي: كان دلالاً في بيع الأملاك، سئل عن مولده فذكر ما يدل على أنه في سنة عشر وخمس مئة أو إحدى عشرة، إلى أن قال: وتوفي بعد عوده من الشام في ليلة الجمعة رابع محرم سنة أربع وست مئة.
قال ابن الأنماطي: سمعت منه جميع المسند ببغداد أكثره بقراءتي عليه، في نيف وعشرين مجلساً، ولما فرغت أخذت أرغبه في السفر إلى الشام فقلت: يحصل لك مال ويقبل عليك وجوه الناس ورؤساؤهم، فقال: دعني؛ فوالله ما أسافر لأجلهم، ولا لما يحصل منهم، وإنما أسافر خدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أروي أحاديثه في بلد لا تروى فيه.
قال ابن الأنماطي: اجتمع له جماعة لا نعلمها اجتمعت في مجلس سماع قبل هذا بدمشق، بل لم يجتمع مثلها لأحد ممن روى المسند.
قلت: أسمعه مرة بالبلد ومرة بالجامع المظفري.
وفيها: مات عبد الواحد بن سلطان المقرئ، وست الكتبة بنت الطراح.

ابن القارص

الشيخ المعمر العالم المقرئ المسند أبو عبد الله الحسين بن أبي نصر ابن حسن بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي الضرير المعروف بابن القارص.
قال ابن الدبيثي: هو آخر من روى عن هبة الله بن الحصين شيئاً من المسند وبلغني أنه من ذرية أبي حنيفة الإمام. وسمع أيضاً من أبي منصور القزاز وأبي علي الخزاز وأضر بأخرة.
قلت: حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، والشيخ الضياء. وأجاز للفخر ابن البخاري.
قال ابن النجار: قرأ بالروايات على المبارك بن أحمد بن الناعورة، وسمع أكثر المسند من ابن الحصين، وكان صالحاً، حسن الأخلاق.
توفي في التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس وست مئة وله تسعون سنة.

ست الكتبة

اسمها نعمة بنت علي بن يحيى بن علي ابن الطراح.
سمعت من جدها كتاب الكفاية للخطيب، وكتاب البخلاء له، وكتاب الجامع وكتاب السابق واللاحق وكتاب القنوت وأشياء.
وسمعت من أبي شجاع البسطامي. وأجاز لها محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني والفراوي.
حدث عنها الضياء، وابن خليل، واليلداني، والمنذري، وابن أبي عمر، والفخر علي، وجماعة.
ولدت سنة ثلاث وعشرين وخمس مئة، وقيل سنة ثماني عشرة، وقيل سنة أربع وعشرين.
وتوفيت بدمشق في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وست مئة.

عبد الواحد

ابن أبي المطهر القاسم بن الفضل، الشيخ الجليل المسند الرحلة أبو القاسم الأصبهاني الصيدلاني.
سمع من أبيه، وجعفر بن عبد الواحد الثقفي، وفاطمة الجوزدانية، وإسماعيل الإخشيذ، وابن أبي ذر الصالحاني، وسمع حضوراً من عبد الواحد الدشتج صاحب أبي نعيم، وعمر دهراً، فإن مولده في ذي الحجة سنة أربع عشرة وخمس مئة.
حدث عنه الحافظان الضياء، وابن خليل، وجماعة، وأجاز للشيخ شمس الدين عبد الرحمان، والكمال عبد الرحيم، وأحمد بن أبي الخير، وأحمد بن شيبان، والفخر علي.
توفي بأصبهان في جمادى الأولى سنة خمس وست مئة. أخبرنا أحمد بن سلامة، وعلي بن أحمد كتابة عن عبد الواحد بن القاسم، أن عبد الواحد بن محمد أخبرهم في سنة سبع عشرة حضوراً، أخبرنا أبو نعيم الحافظ في آخر سنة تسع وعشرين وأربع مئة، أخبرنا أبو علي الصواف، حدثنا إسحاق الحربي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن محمد بن كعب قال: دعي عبد الله بن يزيد إلى طعام، فلما جاء رأى البيت منجداً فقعد خارجاً وبكى وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تطالعت عليكم الدنيا ثلاثاً أي أقبلت ثم قال: أنتم خير أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة قال عبد الله: أفلا أبكي وقد رأيتكم تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة.
النسائي في اليوم والليلة عن هلال بن العلاء عن عفان.

ابن المنجى

الشيخ الإمام العلامة شيخ الحنابلة وجيه الدين أبو المعالي أسعد بن المنجى بن أبي المنجى بركات بن المؤمل التنوخي المعري ثم الدمشقي الحنبلي.
ولد سنة تسع عشرة وخمس مئة.
وارتحل إلى بغداد بعد أن تفقه على شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الحنبلي، فتفقه أيضاً على الشيخ عبد القادر، والشيخ أحمد الحربي.
وسمع من أبي الفضل الأرموي، وأنوشتكين الرضواني، وأبي جعفر أحمد بن محمد العباسي، وسمع بدمشق من نصر بن مقاتل، وطائفة.
روى عنه الشيخ موفق الدين ابن قدامة، وابن خليل، والضياء، والزكي المنذري، والشهاب القوصي، وابن أبي عمر، والفخر ابن البخاري، وجماعة.
ولأجله بنى الرئيس مسمار مدرسته ووقفها عليه وعلى ذريته.
وله شعر جيد، ومعرفة تامة، وجلالة وافرة.
ألف كتاب النهاية في شرح الهداية في عدة مجلدات، وكتاب الخلاصة في المذهب وغير ذلك.
وفي أولاده علماء وكبراء.
توفي في جمادى الآخرة سنة ست وست مئة، وله سبع وثمانون سنة.
وقد ولي قضاء حران في دولة الملك نور الدين.
ومات أخوه أبو محمد عبد الوهاب عن غير عقب سنة خمس عشرة وست مئة. روى عنه الفخر ابن البخاري عن ابن مقاتل.

المندائي

الشيخ الإمام القاضي المعمر مسند العراق أبو الفتح محمد ابن القاضي أبي العباس أحمد بن بختيار بن علي بن محمد المندائي الواسطي.
ولد بواسط في سنة سبع عشرة.
واعتنى به أبوه، وقدم به، فسمع من أبي القاسم بن الحصين كثيراً، وأبي عبد الله البارع، وهبة الله بن الطبر، وأحمد بن علي المجلي، والحافظ أبي عامر العبدري، ومكي البروجردي، وعبيد الله بن محمد بن البيهقي، وأبي بكر المزرفي، وقاضي المارستان، وأبي منصور القزاز، وأبي منصور بن خيرون، وعدة.
وقد ولي أبوه قضاء الكوفة، فسمعه بها من أبي البركات عمر بن إبراهيم الزيدي، وبواسط من أبي الكرم نصر الله بن الجلخت، والقاضي محمد بن علي الجلابي، والمبارك بن نغوبا. وتلا بها على أحمد بن عبيد الله الآمدي، وابن تركان. وتفقه ببغداد على أبي منصور ابن الرزاز، وتأدب على أبي منصور ابن الجواليقي.
حدث عنه أبو الطاهر ابن الأنماطي، وأبو بكر بن نقطة، وفتوح بن نوح الجويني، وابن النجار، وابن الدبيثي، وابن عبد الدائم، وعدة.
وأجاز لابن أبي عمر، والفخر علي، والقاضي عبد الواحد الأبهري.
قال ابن الدبيثي: كان حسن المعرفة، جيد الأصول، صحيح النقل، متيقظاً، صار أسند أهل زمانه، وحدث ببغداد غير مرة، ونعم الشيخ كان؛ عقلاً وخلقاً ومودة.
وقال الحافظ عبد العظيم: كان بقية السلف، وشيخ القضاة والشهود، وآخر من حدث بالمسند كاملاً، وكان يعرف ما يقرأ عليه.
وسئل عن معنى الماندائي، فقال: كان أجدادي قوماً من العجم تأخر إسلامهم، فسموا بذلك، وهو الباقي بالفارسية.
مات في ثامن شعبان سنة خمس وست مئة، ودفن بداره، وختمت عنده عدة ختم رحمه الله. وقد ناب مدة في قضاء واسط.
كتب عنه أبو بكر الحازمي، وحدث عنه ببغداد بالكثير، وثقه ابن النجار.

ابن مشق

الإمام الفاضل المحدث مفيد بغداد أبو بكر محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن حسين البغدادي البيع، عرف بابن مشق.
ولد سنة 533 وسمعه والده، ثم طلب بنفسه.
سمع أبا بكر أحمد بن الأشقر، والقاضي محمد بن عمر الأرموي، وسعيد ابن البناء، وسعد الخير الأندلسي، فمن بعدهم. روى عنه ابن النجار، والضياء، والنجيب عبد اللطيف، وطائفة. وأجاز للفخر علي، ولإسماعيل العسقلاني، وكان صدوقاً، متودداً، جميل السيرة.
قال الدبيثي: لم يرو إلا اليسير، وقد عمل المعجم، وبلغت أثباته ست مجلدات، واختلط قبل موته بنحو من ثلاث سنين، حتى كان لا يأتي بشيء على وجه الصحة، فتركه الناس.
مات في حادي عشر شعبان سنة خمس وست مئة.
ومات فيها: أبو الفتح المندائي، والقاضي صدر الدين ابن درباس، وشيخ القراء أبو الجود اللخمي، والحسين بن أبي نصر الحريمي ابن القارص، وعبد الواحد بن أبي المطهر الصيدلاني، وعبد الله بن أبي الحسن الجبائي.

حمزة بن علي

ابن حمزة بن فارس الإمام شيخ القراء أبو يعلى ابن القبيطي الحراني، ثم البغدادي، أخو المحدث أبي الفرج محمد.
ولد سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
قرأ بالروايات على أبيه، وسبط الخياط، وأبي الكرم الشهرزوري، وعمر بن ظفر، وعلي بن أحمد اليزدي.
وسمع من أبي منصور القزاز، وأبي الحسن بن توبة، ومحمد بن محمد ابن السلال، وعلي بن الصباغ، وأبي سعد البغدادي، وخلق كثير.
وكتب، وتعب، وحصل الأصول، لكن احترقت كتبه، وكان مليح الكتابة، متقناً، إماماً.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل، وعدة.
قال ابن النجار: أكثرت عنه، ولازمته، وسمعت منه من كتب القراءات والأدب، وكان ثقةً حجةً نبيلاً موصوفاً بحسن الأداء وطيب النغمة، يقصده الناس في التراويح، ما رأيت قارئاً أحلى نغمةً منه، ولا أحسن تجويداً، مع علو سنه، وانقلاع ثنيته، وكان تام المعرفة بوجوه القراءات وعللها وحفظ أسانيدها وطرقها، وكانت له معرفة حسنة بالحديث، وكان دمثاً لطيفاً متودداً، وكان في صباه من أحسن أهل زمانه وأظرفهم، مع صيانة ونزاهة، وكان من أحسن الشيوخ صورةً، وقد أكثر الشعراء في وصفه؛ فأنشدني يحيى بن طاهر، أنشدنا أبو الفتح محمد بن محمد الكاتب لنفسه في حمزة بن القبيطي:

تملّك مهجتي ظبيٌ غـريرٌ

 

ضنيت به ولم أبلغ مرادي

فتصحيف اسمه في وجنتيه

 

ومن ريقٍ بفيه وفي فؤادي

قرأت على حمزة بن علي، أخبرنا ابن توبة، حدثنا الخطيب، فذكر حديثاً.
توفي في ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وست مئة.
وفيها توفي ضياء بن الخريف، وسلطان غزنة الشهاب الغوري.

ابن الخصيب

الشيخ العالم الفقيه أبو المفضل محمد بن الحسين بن أبي الرضا بن الخصيب بن زيد القرشي الدمشقي الشافعي.
ولد سنة خمس وعشرين.
وسمع من جمال الإسلام أبي الحسن، وأبي طالب علي بن أبي عقيل الصوري، ونصر الله بن محمد الفقيه.
حدث عنه إبراهيم بن إسماعيل المقدسي، وعبد الملك بن عبد الكافي، وعبد الواحد بن أبي بكر الواعظ الحموي، ومحمد بن المسلم بن أبي الخوف، ويوسف بن خليل، وإسماعيل القوصي، وخالد النابلسي، ومحمد بن حيان العامري، وآخرون.
وأجاز لأحمد بن سلامة الحداد، والفخر ابن البخاري، والكمال عبد الرحيم.
وثقه بعضهم، وضعفه ابن خليل وما فسر، وقال: توفي سنة إحدى وست مئة في ثالث المحرم وكان يعرف قديماً بسبط زيد المحتسب.

عبد الغني

الإمام العالم الحافظ الكبير الصادق القدوة العابد الأثري المتبع عالم الحفاظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور ابن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي المنشأ الصالحي الحنبلي، صاحب الأحكام الكبرى والصغرى.
قرأت سيرته في جزئين جمع الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله المقدسي على الشيخ عبد الحميد بن أحمد البناء بسماعه عام ستة وعشرين وست مئة من المؤلف فعامة ما أورده فمنها.
قال: ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مئة بجماعيل أظنه في ربيع الآخر، قالت والدتي: هو أكبر من أخيها الشيخ الموفق بأربعة أشهر، والموفق ولد في شعبان.
سمع الكثير بدمشق، والإسكندرية، وبيت المقدس، ومصر، وبغداد، وحران، والموصل، وأصبهان، وهمذان، وكتب الكثير. سمع أبا الفتح ابن البطي، وأبا الحسن علي بن رباح الفراء، والشيخ عبد القادر الجيلي، وهبة الله بن هلال الدقاق، وأبا زرعة المقدسي، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبا بكر بن النقور، وأحمد بن عبد الغني الباجسرائي، وعدة ببغداد، والحافظ أبا طاهر السلفي، فكتب عنه نحواً من ألف جزء، وبدمشق أبا المكارم بن هلال، وسلمان بن علي الرحبي، وأبا المعالي بن صابر، وعدة. وبمصر محمد بن علي الرحبي، وعبد الله بن بري، وطائفة، وبأصبهان الحافظ أبا موسى المديني، وأبا الوفاء محمود بن حمكا، وأبا الفتح الخرقي، وابن ينال الترك، ومحمد بن عبد الواحد الصائغ، وحبيب بن إبراهيم الصوفي، وبالموصل أبا الفضل الطوسي، وطائفةً. ولم يزل يطلب ويسمع ويكتب، ويسهر، ويدأب، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتقي الله، ويتعبد ويصوم، ويتهجد، وينشر العلم إلى أن مات. رحل إلى بغداد مرتين، وإلى مصر مرتين؛ سافر إلى بغداد هو وابن خاله الشيخ الموفق في أول سنة إحدى وستين، فكانا يخرجان معاً ويذهب أحدهما في صحبة رفيقه إلى درسه وسماعه، كانا شابين مختطين، وخوفهما الناس من أهل بغداد، وكان الحافظ ميله إلى الحديث والموفق يريد الفقه، فتفقه الحافظ وسمع الموفق معه الكثير، فلما رآهما العقلاء على التصون وقلة المخالطة أحبوهما، وأحسنوا إليهما، وحصلا علماً جماً، فأقاما ببغداد نحو أربع سنين، ونزلا أولاً عند الشيخ عبد القادر فأحسن إليهما، ثم مات بعد قدومهما بخمسين ليلة، ثم اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المني. ورحل الحافظ إلى السلفي في سنة ست وستين، فأقام مدةً، ثم رحل أيضاً إلى السلفي سنة سبعين. ثم سافر سنة نيف وسبعين إلى اصبهان، فأقام بها مدةً، وحصل الكتب الجيدة.
قال الضياء: وكان ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إلى السمرة، حسن الشعر كث اللحية، واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كأن النور يخرج من وجهه، وكان قد ضعف بصره من البكاء والنسخ والمطالعة.
قلت: حدث عنه الشيخ موفق الدين، والحافظ عز الدين محمد والحافظ أبو موسى عبد الله والفقيه أبو سليمان أولاده، والحافظ الضياء، والخطيب سليمان بن رحمة الأسعردي، والبهاء عبد الرحمان، والشيخ الفقيه محمد اليونيني، والزين ابن عبد الدائم، وأبو الحجاج بن خليل، والتقي اليلداني، والشهاب القوصي، وعبد العزيز بن عبد الجبار القلانسي، والواعظ عثمان بن مكي الشارعي، وأحمد بن حامد الأرتاحي، وإسماعيل بن عبد القوي بن عزون، وأبو عيسى عبد الله بن علاق الرزاز، وخلق آخرهم موتاً سعد الدين محمد بن مهلهل الجيني.
وروى عنه بالإجازة شيخنا أحمد بن أبي الخير الحداد.
تصانيفه: كتاب المصباح في عيون الأحاديث الصحاح مشتمل على أحاديث الصحيحين، فهو مستخرج عليهما بأسانيده في ثمانية وأربعين جزءاً، كتاب نهاية المراد في السنن، نحو مئتي جزء لم يبيضه، كتاب اليواقيت مجلد، كتاب تحفة الطالبين في الجهاد والمجاهدين مجلد، كتاب فضائل خير البرية أربعة أجزاء، كتاب الروضة مجلد، كتاب التهجد جزآن، كتاب الفرج جزآن، كتاب الصلات إلى الأموات جزآن، الصفات جزآن، محنة الإمام أحمد جزآن، ذم الرياء جزء، ذم الغيبة جزء، الترغيب في الدعاء جزء، فضائل مكة أربعة أجزاء، الأمر بالمعروف جزء، فضل رمضان جزء، فضل الصدقة جزء، فضل عشر ذي الحجة جزء، فضائل الحج جزء، فضل رجب، وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جزء، الأقسام التي أقسم بها النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الأربعين بسند واحد، أربعين من كلام رب العالمين، كتاب الأربعين آخر، كتاب الأربعين رابع، اعتقاد الشافعي جزء، كتاب الحكايات سبعة أجزاء، تحقيق مشكل الألفاظ مجلدين، الجامع الصغير في الأحكام لم يتم، ذكر القبور جزء، الأحاديث والحكايات كان يقرؤها للعامة، مئة جزء، مناقب عمر بن عبد العزيز جزء، وعدة أجزاء في مناقب الصحابة، وأشياء كثيرة جداً ما تمت، والجميع بأسانيده، بخطه المليح الشديد السرعة، وأحكامه الكبرى مجلد، والصغرى مجيليد، كتاب درر الأثر مجلد، كتاب السيرة جزء كبير، الأدعية الصحيحة جزء، تبيين الإصابة لأوهام حصلت لأبي نعيم في معرفة الصحابة جزآن تدل على براعته وحفظه، كتاب الكمال في معرفة رجال الكتب الستة في أربعة أسفار يروي فيه بأسانيده.
في حفظه:  قال ضياء الدين: كان شيخنا الحافظ لا يكاد يسأل عن حديث إلا ذكره وبينه، وذكر صحته أو سقمه، ولا يسأل عن رجل إلا قال: هو فلان بن فلان الفلاني ويذكر نسبه، فكان أمير المؤمنين في الحديث، سمعته يقول: كنت عند الحافظ أبي موسى، فجرى بيني وبين رجل منازعة في حديث، فقال: هو في صحيح البخاري، فقلت: ليس هو فيه، قال: فكتبه في رقعة، ورفعها إلى أبي موسى يسأله، قال: فناولني أبو موسى الرقعة، وقال: ما تقول ؟ فقلت: ما هو في البخاري، فخجل الرجل.
قال الضياء: رأيت في النوم بمرو كأن البخاري بين يدي الحافظ عبد الغني، يقرأ عليه من جزء وكان الحافظ يرد عليه، أو ما هذا معناه.
وسمعت إسماعيل بن ظفر يقول: قال رجل للحافظ عبد الغني: رجل حلف بالطلاق أنك تحفظ مئة ألف حديث، فقال: لو قال أكثر لصدق ! ورأيت الحافظ على المنبر غير مرة يقولون له اقرأ لنا من غير كتاب، فيقرأ أحاديث بأسانيده من حفظه.
وسمعت ابنه عبد الرحمان يقول: سمعت بعض أهلنا يقول: إن الحافظ سئل: لم لا تقرأ من غير كتاب ؟ قال: أخاف العجب.
وسمعت خالي أبا عمر أو والدي، قال: كان الملك نور الدين بن زنكي يأتي إلينا، وكنا نسمع الحديث، فإذا أشكل شيء على القارئ قاله الحافظ عبد الغني، ثم ارتحل إلى السلفي، فكان نور الدين يأتي بعد ذلك، فقال: أين ذاك الشاب ؟ فقلنا: سافر.
وسمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني، سمعت التاج الكندي يقول: لم يكن بعد الدارقطني مثل الحافظ عبد الغني.
وسمعت أبا الثناء محمود بن همام، سمعت الكندي يقول: لم ير الحافظ مثل نفسه.
شاهدت بخط أبي موسى المديني على كتاب تبيين الإصابة الذي أملاه عبد الغني وقد سمعه أبو موسى والحافظ أبو سعد الصائغ وأبو العباس الترك : يقول أبو موسى عفا الله عنه: قل من قدم علينا يفهم هذا الشأن كفهم الشيخ الإمام ضياء الدين أبي محمد عبد الغني المقدسي، وقد وفق لتبيين هذه الغلطات، ولو كان الدارقطني وأمثاله في الأحياء لصوبوا فعله، وقل من يفهم في زماننا ما فهم، زاده الله علماً وتوفيقاً.
قال أبو نزار ربيعة الصنعاني: قد حضرت الحافظ أبا موسى وهذا الحافظ عبد الغني، فرأيت عبد الغني أحفظ منه.
سمعت عبد الغني يقول: كنت عند ابن الجوزي فقال: وريرة بن محمد الغساني، فقلت: إنما هو وزيرة، فقال: أنتم أعرف بأهل بلدكم.
في إفادته واشتغاله: قال الضياء: وكان رحمه الله مجتهداً على الطلب، يكرم الطلبة، ويحسن إليهم، وإذا صار عنده طالب يفهم أمره بالرحلة، ويفرح لهم بسماع ما يحصلونه، وبسببه سمع أصحابنا الكثير.
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الحافظ يقول: ما رأيت الحديث في الشام كله إلا ببركة الحافظ، فإنني كل من سألته يقول: أول ما سمعت على الحافظ عبد الغني، وهو الذي حرضني.
وسمعت أبا موسى ابن الحافظ يقول عند موته: لا تضيعوا هذا العلم الذي قد تعبنا عليه.
قلت: هو رحل ابن خليل إلى أصبهان، ورحل ابنيه العز محمداً وعبد الله إلى أصبهان، وكان عبد الله صغيراً، وسفر ابن اخته محمد بن عمر ابن أبي بكر وابن عمه علي بن أبي بكر.
قال الضياء: وحرضني على السفر إلى مصر وسافر معنا ابنه أبو سليمان عبد الرحمان ابن عشر، فبعث معنا المعجم الكبير للطبراني وكتاب البخاري والسيرة وكتب إلى زين الدين علي بن نجيا يوصيه بنا، وسفر ابن ظفر إلى أصبهان، وزوده، ولم يزل على هذا. قال الضياء: لما دخلنا أصبهان في سفرتي الثانية كنا سبعة أحدنا الفقيه أحمد بن محمد بن الحافظ، وكان طفلاً، فسمعنا على المشايخ، وكان المؤيد ابن الإخوة عنده جملة من المسموعات وكان يتشدد علينا، ثم توفي، فحزنت كثيراً، وأكثر ما ضاق صدري لثلاثة كتب: مسند العدني ومعجم ابن المقرئ ومسند أبي يعلى، وقد كنت سمعت عليه في النوبة الأولى مسند العدني لكن لأجل رفقتي، فرأيت في النوم كأن الحافظ عبد الغني قد أمسك رجلاً وهو يقول لي: أم هذا، أم هذا، وهذا الرجل هو ابن عائشة بنت معمر، فلما استيقظت قلت: ما هذا إلا لأجل شيء، فوقع في قلبي أنه يريد الحديث، فمضيت إلى دار بني معمر وفتشت الكتب فوجدت مسند العدني سماع عائشة مثل ابن الإخوة، فلما سمعناه عليها قال لي بعض الحاضرين: إنها سمعت معجم ابن المقرئ فأخذنا النسخة من خباز وسمعناه. وبعد أيام ناولني بعض الإخوان مسند أبي يعلى سماعها، فسمعناه.
مجالسه: كان رحمه الله يقرأ الحديث يوم الجمعة بجامع دمشق وليلة الخميس، ويجتمع خلق، وكان يقرأ ويبكي ويبكي الناس كثيراً، حتى إن من حضره مرة لا يكاد يتركه، وكان إذا فرغ دعا دعاءً كثيراً.
سمعت شيخنا ابن نجا الواعظ بالقرافة يقول على المنبر: قد جاء الإمام الحافظ، وهو يريد أن يقرأ الحديث فاشتهى أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات، وبعدها أنتم تعرفونه وتحصل لكم الرغبة، فجلس أول يوم، وحضرت، فقرأ أحاديث بأسانيدها حفظاً، وقرأ جزءاً، ففرح الناس به، فسمعت ابن نجا يقول: حصل الذي كنت أريده في أول مجلس.
وسمعت بعض من حضر يقول: بكى الناس حتى غشي على بعضهم. وكان يجلس بمصر بأماكن.
سمعت محمود بن همام الأنصاري يقول: سمعت الفقيه نجم بن عبد الوهاب الحنبلي يقول وقد حضر مجلس الحافظ: يا تقي الدين والله لقد حملت الإسلام، ولو أمكنني ما فارقت مجلسك.
أوقاته: كان لا يضيع شيئاً من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن القرآن، وربما أقرأ شيئاً من الحديث تلقيناً، ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي ثلاث مئة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر، وينام نومة ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر، وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء، وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنساناً يوقظه، فيصلي لحظةً ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ربما توضأ سبع مرات أو ثمانياً في الليل، وقال: ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه.
أخبرني خالي موفق الدين قال: كان الحافظ عبد الغني جامعاً للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، ورزق العلم وتحصيل الكتب الكثيرة إلا أنه لم يعمر.
قال أخوه الشيخ العماد: ما رأيت أحداً أشد محافظة على وقته من أخي.
قال الضياء: وكان يستعمل السواك كثيراً حتى كأن أسنانه البرد.
سمعت محمود بن سلامة التاجر الحراني يقول: كان الحافظ عبد الغني نازلاً عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلا قليلاً، بل يصلي ويقرأ ويبكي.
وسمعت الحافظ يقول: أضافني رجل بأصبهان، فلما تعشينا كان عنده رجل أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل، فقلت: ما له ؟ قالوا: هذا رجل شمسي، فضاق صدري، وقلت للرجل: ما أضفتني إلا مع كافر !، قال: إنه كاتب، ولنا عنده راحة، ثم قمت بالليل أصلي وذاك يستمع، فلما سمع القرآن تزفر، ثم أسلم بعد أيام، وقال: لما سمعتك تقرأ وقع الإسلام في قلبي.
وسمعت نصر بن رضوان المقرئ يقول: ما رأيت أحداً على سيرة الحافظ، كان مشتغلاً طول زمانه.
قيامه في المنكر: كان لا يرى منكراً إلا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. قد رأيته مرة يهريق خمراً فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قوياً في بدنه، وكثيراً ما كان بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات.
قال خالي الموفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم وأرقنا خمرهم وتضاربنا، فسمع خالي أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوب فعلنا وتلا: "وأنْهَ عن المُنكرِ وأصبر على ما أصابَكَ".
 وسمعت أبا بكر بن أحمد الطحان، قال: كان بعض أولاد صلاح الدين قد عملت لهم طنابير، وكانوا في بستان يشربون، فلقي الحافظ الطنابير فكسرها. قال: فحدثني الحافظ، قال: فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور إذا قوم كثير معهم عصي فخففت المشي، وجعلت أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صرت على الجسر لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كسرت لكم شيئاً، هذا هو الذي كسر. قال: فإذا فارس يركض فترجل، وقبل يدي، وقال: الصبيان ما عرفوك. وكان قد وضع الله له هيبةً في النفوس.
سمعت فضائل بن محمد بن علي بن سرور المقدسي يقول: سمعتهم يتحدثون بمصر أن الحافظ كان قد دخل على العادل فقام له، فلما كان اليوم الثاني جاء الأمراء إلى الحافظ مثل سركس وأزكش، فقالوا: آمنا بكراماتك يا حافظ.
وذكروا أن العادل قال: ما خفت من أحد ما خفت من هذا، فقلنا: أيها الملك هذا رجل فقيه. قال: لما دخل ما خيل إلي إلا أنه سبع.
قال الضياء: رأيت بخط الحافظ: والملك العادل اجتمعت به، وما رأيت منه إلا الجميل، فأقبل علي، وقام لي، والتزمني، ودعوت له ثم قلت: عندنا قصور هو الذي يوجب التقصير، فقال: ما عندك لا تقصير ولا قصور، وذكر أمر السنة فقال: ما عندك شيء تعاب به لا في الدين ولا الدنيا، ولا بد للناس من حاسدين.
وبلغني بعد عنه أنه قال: ما رأيت بالشام ولا مصر مثل فلان، دخل علي فخيل إلي أنه أسد، وهذا ببركة دعائكم ودعاء الأصحاب.
قال الضياء: كانوا قد وغروا عليه صدر العادل، وتكلموا فيه، وكان بعضهم أرسل إلى العادل يبذل في قتل الحافظ خمسة آلاف دينار.
قلت: جر هذه الفتنة نشر الحافظ أحاديث النزول والصفات فقاموا عليه، ورموه بالتجسيم، فما دارى كما كان يداريهم الشيخ الموفق.
سمعت بعض أصحابنا يحكي عن الأمير درباس أنه دخل مع الحافظ إلى الملك العادل فلما قضى الملك كلامه مع الحافظ، جعل يتكلم في أمر ماردين وحصارها، فسمع الحافظ فقال: أيش هذا، وأنت بعد تريد قتال المسلمين، ما تشكر الله فيما أعطاك، أما ... أما !؟ قال فما أعاد ولا أبدى. ثم قام الحافظ وقمت معه، فقلت: أيش هذا ؟ نحن كنا نخاف عليك من هذا ثم تعمل هذا العمل ؟ قال: أنا إذا رأيت شيئاً لا أقدر أصبر، أو كما قال.
وسمعت أبا بكر ابن الطحان، قال: كان في دولة الأفضل جعلوا الملاهي عند الدرج، فجاء الحافظ فكسر شيئاً كثيراً، ثم صعد يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشبابة فقال: ذاك عندي حرام ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث. فعاد الرسول فقال: لا بد من المشي إليه، أنت قد بطلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول وخفنا، فما جاء أحد.
ومن شمائله: قال الضياء: ما أعرف أحداً من أهل السنة رآه إلا أحبه ومدحه كثيراً؛ سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان قال: كان الحافظ يصطف الناس في السوق ينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها.
قال الضياء: ولما وصل إلى مصر كنا بها، فكان إذا خرج للجمعة لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلق، يتبركون به ويجتمعون حوله، وكنا أحداثاً نكتب الحديث حوله، فضحكنا من شيء وطال الضحك، فتبسم ولم يحرد علينا، وكان سخياً جواداً لا يدخر ديناراً ولا درهماً مهما حصل أخرجه. لقد سمعت عنه أنه كان يخرج في الليل بقفاف الدقيق إلى بيوت متنكراً في الظلمة، فيعطيهم ولا يعرف، وكان يفتح عليه بالثياب فيعطي الناس وثوبه مرقع.
قال خالي الشيخ موفق الدين: كان الحافظ يؤثر بما تصل يده إليه سراً وعلانية، ثم سرد حكايات في إعطائه جملة دراهم لغير واحد.
قال: وسمعت بدر بن محمد الجزري يقول: ما رأيت أحداً أكرم من الحافظ؛ كنت أستدين يعني لأطعم به الفقراء، فبقي لرجل عندي ثمانية وتسعون درهماً فلما تهيأ الوفاء أتيت الرجل فقلت: كم لك ؟ قال: ما لي عندك شيء !، قلت: من أوفاه ؟ قال: قد أوفى عنك، فكان وفاه الحافظ وأمره أن يكتم عليه.
وسمعت سليمان الأسعردي يقول: بعث الأفضل ابن صلاح الدين إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير ففرقه كله. وسمعت أحمد بن عبد الله العراقي؛ حدثني منصور الغضاري قال: شاهدت الحافظ في الغلاء بمصر وهو ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوي. رأيت يوماً قد أهدي إلى بيت الحافظ مشمش فكانوا يفرقون، فقال من حينه: فرقوا "لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقوا مِمَّا تُحِبُّونَ".
وقد فتح له بكثير من الذهب وغيره فما كان يترك شيئاً حتى قال لي ابنه أبو الفتح: والدي يعطي الناس الكثير ونحن لا يبعث إلينا شيئاً، وكنا ببغداد.
ما ابتلي الحافظ به: قال الضياء: سمعت أبا محمد عبد الرحمان بن محمد بن عبد الجبار، سمعت الحافظ يقول: سألت الله أن يرزقني مثل حال الإمام أحمد فقد رزقني صلاته، قال: ثم ابتلي بعد ذلك وأوذي.
سمعت الإمام عبد الله بن أبي الحسن الجبائي بأصبهان يقول: أبو نعيم قد أخذ على ابن مندة أشياء في كتاب الصحابة فكان الحافظ أبو موسى يشتهي أن يأخذ على أبي نعيم في كتابه الذي في الصحابة فما كان يجسر، فلما قدم الحافظ عبد الغني أشار إليه بذلك، قال: فأخذ على أبي نعيم نحواً من مئتين وتسعين موضعاً، فلما سمع بذلك الصدر الخجندي طلب عبد الغني وأراد هلاكه، فاختفى.
وسمعت محمود بن سلامة يقول: ما أخرجنا الحافظ من أصبهان إلا في إزار، وذلك أن بيت الخجندي أشاعرة، كانوا يتعصبون لأبي نعيم، وكانوا رؤساء البلد.
وسمعت الحافظ يقول: كنا بالموصل نسمع الضعفاء للعقيلي، فأخذني أهل الموصل وحبسوني، وأرادوا قتلي من أجل ذكر شيء فيه فجاءني رجل طويل ومعه سيف، فقلت يقتلني وأستريح، قال: فلم يصنع شيئاً، ثم أطلقوني، وكان يسمع معه ابن البرني الواعظ فقلع الكراس الذي فيه ذلك الشيء فأرسلوا، وفتشوا الكتاب، فلم يجدوا شيئاً، فهذا سبب خلاصه. وقال: كان الحافظ يقرأ الحديث بدمشق، ويجتمع عليه الخلق، فوقع الحسد، فشرعوا عملوا لهم وقتاً لقراءة الحديث، وجمعوا الناس، فكان هذا ينام وهذا بلا قلب، فما اشتفوا، فأمروا الناصح ابن الحنبلي بأن يعظ تحت النسر يوم الجمعة وقت جلوس الحافظ، فأول ذلك أن الناصح والحافظ أرادا أن يختلفا الوقت، فاتفقا أن الناصح يجلس بعد الصلاة، وأن يجلس الحافظ العصر، فدسوا إلى الناصح رجلاً ناقص العقل من بني عساكر فقال للناصح في المجلس ما معناه: إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب وهرب، فتمت مكيدتهم، ومشوا إلى الوالي وقالوا: هؤلاء الحنابلة قصدهم الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا، ونحو هذا، ثم جمعوا كبراءهم ومضوا إلى القلعة إلى الوالي، وقالوا: نشتهي أن تحضر عبد الغني، فانحدر إلى المدينة خالي الموفق، وأخي الشمس البخاري، وجماعة، وقالوا: نحن نناظرهم، وقالوا للحافظ: لا تجئ فإنك حد نحن نكفيك، فاتفق أنهم أخذوا الحافظ وحده، ولم يدر أصحابنا فناظروه، واحتد وكانوا قد كتبوا شيئاً من الاعتقاد، وكتبوا خطوطهم فيه وقالوا له: اكتب خطك فأبى، فقالوا للوالي: الفقهاء كلهم قد اتفقوا على شيء وهو يخالفهم، واستأذنوه في رفع منبره، فبعث الأسرى فرفعوا ما في جامع دمشق من منبر وخزانة ودرابزين، وقالوا: نريد ان لا تجعل في الجامع إلا صلاة الشافعية وكسروا منبر الحافظ، ومنعونا من الصلاة ففاتتنا صلاة الظهر، ثم إن الناصح جمع البنوية وغيرهم وقالوا: إن لم يخلونا نصلي باختيارهم صلينا بغير اختيارهم، فبلغ ذلك القاضي، وكان صاحب الفتنة، فأذن لهم، وحمى الحنفية مقصورتهم بأجناد، ثم إن الحافظ ضاق صدره ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة، فقال له أهلها: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق نؤذي من آذاك، فقال: لا، وتوجه إلى مصر فبقي بنابلس مدة يقرأ الحديث، وكنت أنا بمصر، فجاء شاب من دمشق بفتاو إلى صاحب مصر الملك العزيز ومعه كتب أن الحنابلة يقولون كذا وكذا مما يشنعون به عليهم، فقال وكان يتصيد : إذا رجعنا أخرجنا من بلادنا من يقول بهذه المقالة، فاتفق أنه عدا به الفرس، فشب به فسقط فخسف صدره، كذلك حدثني يوسف بن الطفيل شيخنا وهو الذي غسله، فأقيم ابنه صبي، فجاء الأفضل من صرخد، وأخذ مصر وعسكر وكر إلى دمشق، فلقي الحافظ عبد الغني في الطريق فأكرمه إكراماً كثيراً، ونفذ يوصي به بمصر فتلقي الحافظ بالإكرام، وأقام بها يسمع الحديث بمواضع، وكان بها كثير من المخالفين، وحصر الأفضل دمشق حصراً شديداً، ثم رجع إلى مصر، فسار العادل عمه خلفه فتملك مصر، وأقام، وكثر المخالفون على الحافظ، فاستدعي، وأكرمه العادل، ثم سافر العادل إلى دمشق، وبقي الحافظ بمصر، وهم ينالون منه، حتى عزم الملك الكامل على إخراجه، واعتقل في دار أسبوعاً، فسمعت أبا موسى يقول: سمعت أبي يقول: ما وجدت راحة في مصر مثل تلك الليالي. قال: وكانت امرأة في دار إلى جانب تلك الدار، فسمعتها تبكي، وتقول: بالسر الذي أودعته قلب موسى حتى قوي على حمل كلامك قال: فدعوت به فخلصت تلك الليلة.
سمعت أحمد بن محمد بن عبد الغني، حدثني الشجاع بن أبي زكري الأمير، قال: قال لي الملك الكامل يوماً: ها هنا فقيه قالوا إنه كافر، قلت: لا أعرفه، قال: بلى، هو محدث، قلت: لعله الحافظ عبد الغني ؟، قال: هذا هو، فقلت: أيها الملك، العلماء أحدهم يطلب الآخرة، وآخر يطلب الدنيا، وأنت هنا باب الدنيا، فهذا الرجل جاء إليك أو تشفع يطلب شيئاً ؟، قال: لا. فقلت: والله هؤلاء يحسدونه، فهل في هذه البلاد أرفع منك ؟ قال: لا، فقلت: هذا الرجل أرفع العلماء كما أنت أرفع الناس، فقال: جزاك الله خيراً كما عرفتني، ثم بعثت رقعة إليه أوصيه به، فطلبني فجئت، وإذا عنده شيخ الشيوخ ابن حمويه، وعز الدين الزنجاري، فقال لي السلطان: نحن في أمر الحافظ، فقال: أيها الملك القوم يحسدونه، وهذا الشيخ بيننا يعني شيخ الشيوخ وحلفته هل سمعت من الحافظ كلاماً يخرج عن الإسلام ؟ فقال: لا والله وما سمعت عنه إلا كل جميل، وما رأيته. وتكلم ابن الزنجاري فمدح الحافظ كثيراً وتلامذته، وقال: أنا أعرفهم، ما رأيت مثلهم، فقلت: وأنا أقول شيئاً آخر: لا يصل إليه مكروه حتى يقتل من الأكراد ثلاثة آلاف، قال: فقال: لا يؤذى الحافظ، فقلت: اكتب خطك بذلك، فكتب. وسمعت بعض أصحابنا يقول: إن الحافظ أمر أن يكتب اعتقاده، فكتب: أقول كذا؛ لقول الله كذا، وأقول كذا؛ لقول الله كذا ولقول النبي صلى الله عليه وسلم كذا، حتى فرغ من المسائل التي يخالفون فيها، فلما رآها الكامل قال: أيش أقول في هذا يقول بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم !؟ قلت: وذكر أبو المظفر الواعظ في مرآة الزمان قال: كان الحافظ عبد الغني يقرأ الحديث بعد الجمعة، قال: فاجتمع القاضي محيي الدين، والخطيب ضياء الدين، وجماعة، فصعدوا إلى القلعة، وقالوا لواليها: هذا قد أضل الناس، ويقول بالتشبيه، فعقدوا له مجلساً، فناظرهم، فاخذوا عليه مواضع منها: قوله: لا أنزهه تنزيهاً ينفي حقيقة النزول، ومنها: كان الله ولا مكان، وليس هو اليوم على ما كان، ومنها: مسألة الحرف والصوت، فقالوا: إذا لم يكن على ما كان فقد أثبت له المكان، وإذا لم تنزهه عن حقيقة النزول فقد جوزت عليه الانتقال، وأما الحرف والصوت فلم يصح عن إمامك، وإنما قال إنه كلام الله، يعني غير مخلوق، وارتفعت الأصوات، فقال والي القلعة الصارم برغش: كل هؤلاء على ضلالة وأنت على الحق ؟ قال: نعم. فأمر بكسر منبره.
قال: وخرج الحافظ إلى بعلبك، ثم سافر إلى مصر إلى أن قال: فأفتى فقهاء مصر بإباحة دمه، وقالوا: يفسد عقائد الناس، ويذكر التجسيم، فكتب الوزير بنفيه إلى المغرب، فمات الحافظ قبل وصول الكتاب.
قال: وكان يصلي كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة، ويقوم الليل، ويحمل ما أمكنه إلى بيوت الأرامل واليتامى سراً، وضعف بصره من كثرة البكاء والمطالعة، وكان أوحد زمانه في علم الحديث.
وقال أيضاً: وفي ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مئة كان ما اشتهر من أمر الحافظ عبد الغني وإصراره على ما ظهر من اعتقاده وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره، وأنه مبتدع لا يجوز أن يترك بين المسلمين، فسأل أن يمهل ثلاثة أيام لينفصل عن البلد فأجيب.
قلت: قد بلوت على أبي المظفر المجازفة وقلة الورع فيما يؤرخه والله الموعد، وكان يترفض، رأيت له مصنفاً في ذلك فيه دواه، ولو أجمعت الفقهاء على تكفيره كما زعم لما وسعهم إبقاؤه حياً، فقد كان على مقالته بدمشق أخوه الشيخ العماد والشيخ موفق الدين، وأخوه القدوة الشيخ أبو عمر، والعلامة شمس الدين البخاري، وسائر الحنابلة، وعدة من أهل الأثر، وكان بالبلد أيضاً خلق من العلماء لا يكفرونه، نعم، ولا يصرحون بما أطلقه من العبارة لما ضايقوه، ولو كف عن تلك العبارات، وقال بما وردت به النصوص لأجاد ولسلم، فهو الأولى، فما في توسيع العبارات الموهمة خير، وأسوأ شيء قاله أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق، فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلا تعظيم الباري عز وجل من الطرفين، ولكن الأكمل في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف رضي الله عنهم.
وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم والتأله والصدع بالحق، ومحاسنه كثيرة، فنعوذ بالله من الهوى والمراء والعصبية والافتراء، ونبرأ من كل مجسم ومعطل.
من فراسة الحافظ وكراماته: قال الحافظ الضياء: سمعت الحافظ أبا موسى بن عبد الغني يقول: كنت عند والدي بمصر، وهو يذكر فضائل سفيان الثوري، فقلت في نفسي: إن والدي مثله، فالتفت إلي، وقال: أين نحن من أولئك ؟ سمعت نصر بن رضوان المقرئ يقول: كان منبر الحافظ فيه قصر، وكان الناس يشرفون إليه، فخطر لي لو كان يعلى قليلاً، فترك الحافظ القراءة من الجزء، وقال: بعض الإخوان يشتهي أن يعلى هذا المنبر قليلاً، فزادوا في رجليه.
سمعت أبا موسى ابن الحافظ، حدثني أبو محمد أخو الياسميني، قال: كنت يوماً عند والدك، فقلت في نفسي: أشتهي لو أن الحافظ يعطيني ثوبه حتى أكفن فيه. فلما أردت القيام خلع ثوبه الذي يلي جسده وأعطانيه، وبقي الثوب عندنا كل من مرض تركوه عليه فيعافى.
سمعت الرضي عبد الرحمان المقدسي يقول: كنت عند الحافظ بالقاهرة فدخل رجل فسلم ودفع إلى الحافظ دينارين فدفعهما الحافظ إلي، وقال: ما كأن قلبي يطيب بهما، فسألت الرجل: أيش شغلك ؟ قال: كاتب على النطرون، يعني وعليه ضمان.
 حدثني فضائل بن محمد بن علي بن سرور بجماعيل، حدثني ابن عمي بدران بن أبي بكر، قال: كنت مع الحافظ يعني في الدار التي وقفها عليه يوسف المسجف، وكان الماء مقطوعاً، فقام في الليل، وقال: املأ لي الإبريق، فقضى الحاجة، وجاء فوقف، وقال: ما كنت أشتهي الوضوء إلا من البركة، ثم صبر قليلاً فإذا الماء قد جرى، فانتظر حتى فاضت البركة، ثم انقطع الماء، فتوضأ، فقلت: هذه كرامة لك، فقال لي: قل أستغفر الله، لعل الماء كان محتبساً، لا تقل هذا ! وسمعت الرضي عبد الرحمان يقول: كان رجل قد أعطى الحافظ جاموساً في البحرة فقال لي: جئ به وبعه، فمضيت فأخذته فنفر كثيراً وبقي جماعة يضحكون منه، فقلت: اللهم ببركة الحافظ سهل أمره فسقته مع جاموسين، فسهل أمره، ومشى فبعته بقرية.
وفاته: سمعت أبا موسى يقول: مرض أبي في ربيع الأول مرضاً شديداً منعه من الكلام والقيام، واشتد ستة عشر يوماً، وكنت أسأله كثيراً: ما يشتهي ؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله، لا يزيد على ذلك، فجئته بماء حار فمد يده فوضأته وقت الفجر، فقال: يا عبد الله قم صلى الله عليه وآله وسلم بنا وخفف، فصليت بالجماعة، وصلى جالساً، ثم جلست عند رأسه، فقال: اقرأ يس، فقرأتها، وجعل يدعو وأنا أؤمن، فقلت: هنا دواء تشربه، قال: يا بني ما بقي إلا الموت، فقلت: ما تشتهي شيئاً ؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله سبحانه، فقلت: ما أنت عني راض ؟ قال: بلى والله، فقلت: ما توصي بشيء ؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء، قلت: توصيني ؟ قال: أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، فقال: ما هذا ؟ اذكروا الله، قولوا لا إله إلا الله، فلما قاموا جعل يذكر الله بشفتيه، ويشير بعينيه، فقمت لأناول رجلاً كتاباً من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه، رحمه الله، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة ست مئة، وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد واجتمع الخلق من الغد فدفناه بالقرافة.
قال الضياء: تزوج الحافظ بخالتي رابعة ابنة خاله الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة، فهي أم أولاده محمد وعبد الله وعبد الرحمان وفاطمة، ثم تسرى بمصر.
قلت: أولاده علماء: فمحمد هو المحدث الحافظ الإمام الرحال عز الدين أبو الفتح، مات سنة ثلاث عشرة وست مئة كهلاً، وكان كبير القدر.
وعبد الله هو المحدث الحافظ المصنف جمال الدين أبو موسى، رحل وسمع من ابن كليب وخليل الراراني، مات كهلاً في شهر رمضان سنة تسع وعشرين.
وعبد الرحمان هو المفتي أبو سليمان ابن الحافظ، سمع من البوصيري وابن الجوزي، عاش بضعاً وخمسين سنة، توفي في صفر سنة ثلاث وأربعين وست مئة.
من المنامات: أورد له الشيخ الضياء عدة منامات منها: سمعت أحمد بن يونس المقدسي الأمين يقول: رأيت كأني بمسجد الدير وفيه رجال عليهم ثياب بيض، وقع في نفسي أنهم ملائكة، فدخل الحافظ عبد الغني، فقالوا بأجمعهم: نشهد بالله إنك من أهل اليمين مرتين أو ثلاثاً.
سمعت الحافظ عبد الغني يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأنا أمشي خلفه إلا أن بيني وبينه رجلاً.
سمعت الرضي عبد الرحمن بن محمد يقول: رأيت كأن قائلاً يقول: جاء الحافظ من مصر، فمضيت أنا والشيخ أبو عمرو العز ابن الحافظ إليه، فجئنا إلى دار ففتح الباب، فإذا الحافظ وعلى وجهه عمود من نور إلى السماء، وإذا والدته في تلك الدار.
سمعت الشيخ الصالح غشيم بن ناصر المصري قال: لما مات الحافظ كنت بمكة، فلما قدمت قلت: أين دفن ؟ قيل: شرقي قبر الشافعي، فخرجت، فلقيت رجلاً، فقلت: أين قبر عبد الغني ؟ قال: لا تسألني عنه، ما أنا على مذهبه ولا أحبه، فتركته، ومشيت، وأتيت قبر الحافظ، وترددت إليه، فأنا بعض الأيام في الطريق فإذا الرجل فسلم علي وقال: أما تعرفني ؟ أنا الذي لقيتك من مدة وقلت لك كذا وكذا، مضيت تلك الليلة فرأيت قائلاً يقول لي: يقول لك فلان وسماني: أين قبر عبد الغني ؟ فتقول: ما قلت ؟! وكرر القول علي، وقال: إن أراد الله بك خيراً فأنت تكون على ما هو عليه، ثم قال: فلو كنت أعرف منزلك لأتيتك. سمعت أبا موسى ابن الحافظ، حدثني صنيعة الملك هبة الله بن حيدرة قال: لما خرجت للصلاة على الحافظ لقيني هذا المغربي فقال: أنا غريب، رأيت البارحة كأني في أرض بها قوم عليهم ثياب بيض، فقلت ما هؤلاء ؟ قيل: ملائكة السماء نزلوا لموت الحافظ عبد الغني، فقلت: وأين هو ؟ فقيل لي: اقعد عند الجامع حتى يخرج صنيعة الملك فامض معه، قال: فلقيته واقفاً عند الجامع.
سمعت الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الغني سنة اثنتي عشرة يقول: رأيت البارحة أخاك الكمال عبد الرحيم وكان توفي تلك السنة في النوم، فقلت: يا فلان أين أنت ؟ قال: في جنة عدن، فقلت: أيما أفضل الحافظ أو الشيخ أبو عمر ؟ فقال: ما أدري، وأما الحافظ فكل ليلة جمعة ينصب له كرسي تحت العرش، ويقرأ عليه الحديث، وينثر عليه الدر والجوهر، وهذا نصيبي منه، وكان في كمه شيء.
سمعت الشيخ عبد الله بن حسن بن محمد الكردي بحران يقول: قرأت في رمضان ثلاثين ختمة، وجعلت ثواب عشر منها للحافظ عبد الغني، فقلت في نفسي: ترى يصل هذا إليه ؟ فرأيت في النوم كأن عندي ثلاثة أطباق رطب، فجاء الحافظ وأخذ واحداً منها. ورأيته مرة فقلت: أليس قد مت ؟ قال: إن الله بقى علي وردي من الصلاة، أو نحو هذا.
سمعت القاضي الإمام عمر بن علي الهكاري بنابلس يقول: رأيت الحافظ كأنه قد جاء إلى بيت المقدس، فقلت: جئت غير راكب، فعل الله بمن جئت من عندهم ! قال: أنا حملني النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا الإمام عبد الحافظ بن بدران بنابلس، أخبرنا الإمام الفقيه أبو محمد عبد الله بن أحمد، أخبرنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد، حدثنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو مسعود محمد بن عبد الله السوذرجاني، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن حمدان الحبال، أخبرنا أبو محمد الفابجاني، حدثنا جدي عيسى بن إبراهيم، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا سليمان بن حيان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجود فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت، فلي النار.