غلام ابن المني

غلام ابن المني

العلامة الأصولي الفيلسوف فخر الدين إسماعيل بن علي بن الحسين الأزجي المأموني الحنبلي، صاحب العلامة ناصح الإسلام ابن المني.
مولده في صفر سنة تسع وأربعين وخمس مئة، وتفقه على ابن المني وسمع منه. وسمع مشيخة المأمونية بعد شيخه، وكانت له حلقة بجامع القصر للنظر، وكان يتوقد ذكاء.
له تصانيف في المعقول، وتعليقة في الخلاف. وتخرج به الأصحاب، ورتب ناظراً في ديوان المطيق، فذمت سيرته، فعزل، وبقي محبوساً مدة، وأخرج، وتمرض أشهراً.
قال ابن النجار: برع الفخر إسماعيل في المذهب والأصلين والخلاف، وكان حسن العبارة، مقتدراً على رد الخصوم، كانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه. إلى أن قال: ولم يكن في دينه بذاك، حكى لي ابنه عبد الله في معرض المدح له: أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقش النصراني، فكان يتردد إلى البيعة. قال ابن النجار: سمعت من أثق به أن الفخر صنف كتاباً سماه: نواميس الأنبياء يذكر فيه أنهم كانوا حكماء كهرمس وأرسطو، فسألت بعض تلامذته الخصيصين عن ذلك فما أنكره، وقال: كان متسمحاً في دينه، متلاعباً به. ولما ظهرت الإجازة للناصر لدين الله كتب ضراعة يسأل فيها أن يجاز، فوقع الناصر فيها: لا يصلح للرواية، فطال ما كانت السعايات بالناس تصدر منه إلينا. ثم شفع فيه، فأجيز له. وكان دائماً يقع في رواة الحديث، ويقول: هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية، ولا معاني الحديث الحقيقية، بل هم مع اللفظ الظاهر. سمع منه جماعة ولم أسمع منه، ولا كلمته. مات في ثامن ربيع الأول سنة عشر وست مئة.
قلت: أخذ عنه الشيخ مجد الدين ابن تيمية.

ابن جرج

المعمر المسند أبو القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي المطرف ابن سعيد بن جرج القرطبي، الذي سمع مصنف النسائي من أبي جعفر البطروجي.
حدث عنه ابن الطيلسان، وأجاز لابن مسدي، وعاش إحدى وتسعين سنة.
مات في رجب سنة إحدى عشرة وست مئة، بينه وبين النسائي أربعة أنفس.

ابن الأخضر

الإمام العالم المحدث الحافظ المعمر مفيد العراق أبو محمد عبد العزيز بن أبي نصر محمود بن المبارك بن محمود الجنابذي الأصل البغدادي التاجر البزاز، ابن الأخضر.
ولد سنة 524، وسمع في سنة ثلاثين.
سمع القاضي أبا بكر، وأبا القاسم ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطراح، وعبد الجبار بن توبة، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبا منصور بن خيرون، وأبا الحسن بن عبد السلام، وأبا سعد ابن البغدادي، وأبا الفضل الأرموي، وأبا الفضل بن ناصر، وابن البطي.
وصنف، وجمع، وكتب عن أقرانه، وحدث نحواً من ستين عاماً، وكان ثقة، فهماً، خيراً، ديناً، عفيفاً.
قال ابن الدبيثي: لم أر في شيوخنا أوفر شيوخاً من ابن الأخضر، ولا أغزر سماعاً، حدث بجامع القصر سنين كثيرة.
وقال ابن نقطة: كان ثقة ثبتاً مأموناً، كثير السماع، صحيح الأصول، منه تعلمنا، واستفدنا، وما رأينا مثله.
قلت: حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والبرزالي والضياء، وابن خليل، وزين الدين خالد، ومحمد بن نصر بن عبد الرزاق، وعلي بن ميران، والعفيفعلي بن عدلان الموصلي، وأحمد بن الحسين الداري الخليلي، والجمال يحيى ابن الصيرفي، والنجيب عبد اللطيف، وأخوه العز، والمقداد بن أبي القاسم القيسي، وعلم الدين أبو القاسم الأندلسي، وإسرائيل بن أحمد القرشي، وابنه علي ابن الأخضر.
وأجاز للكمال الفويره.
قال ابن النجار: سمعه أبوه من جماعة، وأول طلبه من بن ناصر والأرموي، وما زال يسمع حتى قرأ على شيوخنا. كتب كثيراً لنفسه وتوريقاً للناس في شبابه. قرأت عليه كثيراً في حلقته، وفي حانوته للبر في خان الخليفة، وكان ثقة، حجة، نبيلاً، ما رأيت في شيوخنا مثله في كثرة مسموعاته، وحسن أصوله، وحفظه وإتقانه، وكان أميناً ثخين الستر، متديناً ظريفاً، مات في سادس شوال سنة إحدى عشرة وست مئة.
قلت: ألف كتاباً فيمن حدث هو وابنه من الصحبة، وكتاب من حدث عن الإمام أحمد مجلد، وكتاب مشيخة لأبي القاسم البغوي في مجلد، وحدث بذلك.

ابن منينا

الصالح الخير مسند العراق أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن غنيمة ابن الحسن البغدادي الأشناني.
ولد سنة خمس وعشرين وخمس مئة.
وسمع من القاضي أبي بكر، فكان آخر من سمع منه موتاً ببغداد، ومن عبد الوهاب الأنماطي، وأبي محمد سبط الخياط، وأبي البدر الكرخي، وجماعة.
روى عنه ابن الدبيثي، وقال: كان خيراً صحيح السماع.
قلت: وروى عنه البرزالي، والضياء، وابن النجار، والجمال يحيى ابن الصيرفي، وأبو عبد الله بن النن، وعدة.
وبالإجازة الكمال الفويره، وطائفة.
مات في الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وست مئة، وقد قارب التسعين.

الكندي

الشيخ الإمام العلامة المفتي، شيخ الحنفية، وشيخ العربية، وشيخ القراءات، ومسند الشام، تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حمير الكندي البغدادي المقرئ النحوي اللغوي الحنفي.
ولد في شعبان سنة عشرين وخمس مئة. وحفظ القرآن وهو صغير مميز، وقرأه بالروايات العشر، وله عشرة أعوام، وهذا شيء ما تهيأ لأحد قبله، ثم عاش حتى انتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث؛ فتلا على أستاذه ومعلمه أبي محمد سبط الخياط، ثم قرأ على أقوام، فصار في درجة سبط الخياط في بعض الطرق، فتلا بالكفاية في القراءات الست على المعمر هبة الله بن أحمد بن الطبر من تلامذة أبي بكر محمد بن علي بن موسى الخياط، وتلا بالمفتاح على مؤلفه ابن خيرون، وتلا بالسبع على خطيب المحول محمد بن إبراهيم، وأبي الفضل بن المهتدي بالله. وسمع من القاضي أبي بكر الأنصاري، وابن الطبر، وأبي منصور القزاز، وأبي الحسن بن توبة، وأخيه عبد الجبار، وإسماعيل ابن السمرقندي، وطلحة بن عبد السلام، والحسين بن علي سبط الخياط وعلي بن عبد السيد ابن الصباغ، وعبد الملك بن أبي القاسم الكروخي، والمبارك بن نغوبا، وأبي القاسم عبد الله بن أحمد اليوسفي، ويحيى ابن الطراح، وأبي الفتح ابن البيضاوي، وعدة. خرج له عنهم مشيخة المحدث أبو القاسم علي حفيد ابن عساكر.
وقرأ النحو على أبي السعادات ابن الشجري، وسبط الخياط، وابن الخشاب. وأخذ اللغة عن أبي منصور بن الجواليقي. وسمع بدمشق من عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحديد، وتفرد بالرواية عن غالب شيوخه، وأجاز له عدد كثير، وتردد إلى البلاد، وإلى مصر والشام، يتجر، ثم استوطن دمشق، ورأى عزاً وجاهاً، وكثرت أمواله، وازدحم عليه الفضلاء، وعمر دهراً. وكان حنبلياً، فانتقل حنفياً، وبرع في الفقه، وفي النحو، وأفتى ودرس وصنف، وله النظم والنثر، وكان صحيح السماع، ثقة في نقله، ظريفاً، كيساً، ذا دعابة، وانطباع.
قرأ عليه بالروايات علم الدين السخاوي، ولم يسندها عنه، وعلم الدين القاسم بن أحمد الأندلسي، وكمال الدين ابن فارس، وعدة.
وحدث عنه الحافظ عبد الغني، والحافظ عبد القادر، والشيخ الموفق، وابن نقطة، وابن الأنماطي، والضياء، والبرزالي، والمنذري، والزين خالد، والتقي بن أبي اليسر، والجمال ابن الصيرفي، وأحمد بن أبي الخير، والقاضي شمس الدين ابن العماد، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر، وأبو الغنائم بن علان ومؤمل البالسي، والصاحب كمال الدين العديمي، ومحيي الدين عمر بن عصرون، والفخر علي، والشمس ابن الكمال، ومحمد بن مؤمن، ويوسف ابن المجاور، وست العرب بنت يحيى مولاه، ومحمد بن عبد المنعم ابن القواس.
وروى عنه بالإجازة أبوا حفص: ابن القواس، وابن العقيمي.
قال ابن النجار: أسلمه أبوه في صغره إلى سبط الخياط، فلقنه القرآن، وجود عليه، ثم حفظه القراءات وله عشر سنين، قال: وسافر عن بغداد سنة ثلاث وأربعين، فأقام بهمذان سنين يتفقه على مذهب أبي حنيفة على سعد الرازي بمدرسة السلطان طغرل، ثم إن أباه حج سنة أربع وأربعين، فمات في الطريق، فعاد أبو اليمن إلى بغداد، ثم توجه إلى الشام، واستوزره فروخشاه ثم بعده اتصل بأخيه تقي الدين عمر، واختص به، وكثرت أمواله، وكان الملك المعظم يقرأ عليه الأدب، ويقصده في منزله ويعظمه. قرأت عليه كثيراً، وكان يصلني بالنفقة، ما رأيت شيخاً أكمل منه عقلاً ونبلاً وثقة وصدقاً وتحقيقاً ورزانة مع دماثة أخلاقه، وكان بهياً وقوراً، أشبه بالوزراء من العلماء؛ لجلالته وعلو منزلته، وكان أعلم أهل زمانه بالنحو، أظنه يحفظ كتاب سيبويه. ما دخلت عليه قط إلا وهو في يده يطالعه، وكان في مجلد واحد رفيع يقرؤه بلا كلفة، وقد بلغ التسعين، وكان قد متع بسمعه وبصره قوته، وكان مليح الصورة، ظريفاً، إذا تكلم ازداد حلاوة، وله النظم والنثر والبلاغة الكاملة. إلى أن قال: توفي وحضرت الصلاة عليه.
قلت: كان يروي كتباً كباراً من كتب العلم، وروى عنه كتاب سيبويه علم الدين القاسم.
قال أبو شامة: ورد مصر، وكان أوحد الدهر فريد العصر، فاشتمل عليه عز الدين فروخشاه، ثم ابنه الأمجد، وتردد إليه بدمشق الملك الأفضل، وأخوه المحسن وابن عمه المعظم. قال ضياء الدين ابن أبي الحجاج الكاتب عن الكندي، قال: كنت في مجلس القاضي الفاضل، فدخل عليه فروخشاه فجرى ذكر شرح بيت من ديوان المتنبي، فذكرت شيئاً فأعجبه، فسأل القاضي عني، فقال: هذا العلامة تاج الدين الكندي، فنهض وأخذني معه، ودام اتصالي به. قال: وكان المعظم يقرأ عليه دائماً، قرأ عليه كتاب سيبويه فصاً وشرحاً، وكتاب الحماسة وكتاب الإيضاح وشيئاً كثيراً، وكان يأتيه ماشياً من القلعة إلى درب العجم والمجلد تحت إبطه.
ونقل ابن خلكان أن الكندي قال: كنت قاعداً على باب ابن الخشاب، وقد خرج من عنده الزمخشري، وهو يمشي في جاون خشب، سقطت رجله من الثلج.
قال ابن نقطة: كان الكندي مكرماً للغرباء، حسن الأخلاق، وكان من أبناء الدنيا المشتغلين بها، وبإيثار مجالسة أهلها، وكان ثقة في الحديث والقراءات - سامحه الله -.
وقال الشيخ الموفق: كان الكندي إماماً في القراءة والعربية، وانتهى إليه علو الإسناد، وانتقل إلى مذهبه لأجل الدنيا، إلا أنه كان على السنة وصى إلي بالصلاة عليه، والوقوف على دفنه، ففعلت.
وقال القفطي: آخر ما كان الكندي ببغداد في سنة ثلاث وستين. وسكن حلب مدة، وصحب بها الأمير حسن ابن الداية النوري واليها. وكان يبتاع الخلي من الملبوس ويتجر به إلى الروم. ثم نزل دمشق، وسافر مع فروخشاه إلى مصر، واقتنى من كتب خزائنها عندما أبيعت. إلى أن قال: وكان ليناً في الرواية، معجباً بنفسه فيما يذكره ويرويه، وإذا نوظر جبه بالقبيح، ولم يكن موفق القلم، رأيت له أشياء باردة، واشتهر عنه أنه لم يكن صحيح العقيدة.
قلت: مت علمنا إلا خيراً، وكان يحب الله ورسوله وأهل الخير، وشاهدت له فتيا في القرآن على خير وتقرير جيد، لكنها تخالف طريقة أبي الحسن، فلعل القفطي قصد أنه حنبلي العقد، وهذا شيء قد سمج القول فيه، فكل من قصد الحق من هذه الأمة فالله يغفر له، أعاذنا الله من الهوى والنفس.
وقال الموفق عبد اللطيف: اجتمعت بالكندي، وجرى بيننا مباحثات، وكان شيخاً بهياً ذكياً مثرياً، له جانب من السلطان، لكنه كان معجباً بنفسه، مؤذياً لجليسه.
قلت: أذاه لهذا القائل أنه لقبه بالمطحن.
قال: وجرت بيننا مباحثات فأظهرني الله عليه في مسائل كثيرة، ثم إني أهملت جانبه.
ومن شعر السخاوي فيه:

لم يكن في عصر عمرو مثله

 

وكذا الكنديفي آخر عصـر

فهما زيد وعـمـرو إنـمـا

 

بني النحو على زيد وعمرو

ولأبي شجاع ابن الدهان فيه:

يا زيد زادك ربي من مواهبـه

 

نعمى يقصر عن إدراكها الأمل

لا بدل الله حالاً قد حباك بـهـا

 

ما دار بين النحاة الحال والبدل

النحو أنت أحق العالمـين بـه

 

أليس باسمك فيه يضرب الثل؟

ومن شعر التاج الكندي:

دع المنجم يكبو في ضـلالـتـه

 

إن ادعى علم ما يجري به الفلك

تفرد الله بالعلم القـديم فـلا ال

 

إنسان يشركه فيه ولا المـلـك

أعد للرزق من أشراكه شركـاً

 

وبئست العدتان: الشرك والشرك

وله:

أرى المرء يهوى أن تطول حياتـه

 

وفي طولها إرهـاق ذل وإزهـاق

تمنيت في عصر الشبـيبة أنـنـي

 

أعمر والأعمـار لا شـك أرزاق

فلما أتى ما قد تمـنـيت سـاءنـي

 

من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق

يخيل في فكري إذا كنـت خـالـياً

 

ركوبي على الأعناق والسير إعناق

ويذكرني مر الـنـسـيم وروحـه

 

حفائر تعلوها من الترب أطـبـاق

وها أنا في إحدى وتسعـين حـجة

 

لها في إرعاد مـخـوف وإبـراق

يقولون ترياق لـمـثـلـك نـافـع

 

ومالي إلا رحـمة الـلـه تـرياق

ومن شعره قوله:

لبست من الأعمار تسعـين حـجة

 

وعندي رجاء بـالـزيادة مـولـع

وقد أقبلت إحدى وتسعون بعـدهـا

 

ونفسي إلى خمس وست تطـلـع

ولا غرو أن آتي هنيدة سـالـمـاً

 

فقد يدرك الإنسـان مـا يتـوقـع

وقد كان في عصري رجال عرفتهم

 

حبوها وبالآمال فيها تـمـتـعـوا

وما عاف قبلي عاقل طول عمره

 

ولا لامه من فيه للعقل موضع

قال الأنماطي: توفي الكندي يوم الاثنين سادس شوال سنة ثلاث عشرة وست مئة، وأمهم عليه قاضي القضاة جمال الدين ابن الحرستاني، ثم أمهم بظاهر باب الفراديس شيخ الحنفية جمال الدين الحصيري، ثم أم بالجبل موفق الدين شيخ الحنبلية، وشيعه الخلق، ودفن بتربة له، وعقد له العزاء، تحت النسر يومين.

ابن حوط الله

الحافظ الإمام محدث الأندلس أبو محمد عبد الله بن سليمان بن داود ابن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي الأندي، أخو الحافظ أبي سليمان.
ولد سنة تسع وأربعين وخمس مئة.
وتلا بالسبع على أبيه، وسع من ابن هذيل بعض الإيجاز في قراءة ورش. وسمع من أبي القاسم بن حبيش، والسهيلي، وابن الجد، وابن زرقون وابن بشكوال، وخلق.
وأجاز له أبو الطاهر بن عوف من الإسكندرية، وأبو طاهر الخشوعي من دمشق.
روى شيئاً كثيراً، وألف كتاباً في رجال الكتب الخمسة: خ م د ت س. وكان منشئاً خطيباً بليغاً شاعراً نحوياً، تصدر للقراءات والعربية، وأدب أولاد المنصور بمراكش، ونال عزاً ودنيا واسعة، وولي قضاء قرطبة وأماكن، وحمد.
توفي في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وست ماية.

العز ابن الحافظ

الإمام العالم الحافظ المفيد الرحال عز الدين أبو الفتح محمد ابن الحافظ الكبير تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي.
مولده بالدير الصالحي في سنة ست وستين وخمس مئة في أحد الربيعين.
وارتحل سنة ثمانين، فسمع من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، ومن بعدهما. وتفقه على ناصح الإسلام ابن المني، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر، ومحمد بن أبي الصقر، والخضر بن طاووس، وأقدم شيخ له أبو الفهم بن أبي العجائز.
قال ابن النجار: سمعنا منه وبقراءته كثيراً، وكتب كثيراً، وحصل الأصول واستنسخ، وكان يعيرني الأصول ويفيدني ويتفضل إذا زرته، وكان من أئمة المسلمين حافظاً للحديث متناً وإسناداً، عارفاً بمعانيه وغريبه، متقناً للأسماء مع ثقة وعدالة، وأمانة وديانة، وكيس وتودد، ومساعدة للغرباء.
وقال الشيخ الضياء: كان حافظاً فقيهاً ذا فنون، وكان أحسن الناس قراءة وأسرعها، وكان غزير الدمعة عند القراءة، ثقة متقناً سمحاً جواداً.
قلت: وارتحل بأخيه أبي موسى، فسمعا بأصبهان من مسعود الجمال، وعبد الرحيم بن محمد الكاغد، وأبي المكارم اللبان، وعدة.
وقال الضياء: سافر العز مع عمه الشيخ العماد، وأقام ببغداد عشر سنين، فاشتغل بالفقه والنحو والخلاف، وكان يقرأ للناس الحديث كل ليلة جمعة بمسجد دار بطيخ، ثم انتقل إلى الجامع، إلى موضع أبيه، فكان يقرأ يوم الجمعة بعد الصلاة. وطلب إلى الملك المعظم، فقرأ له في المسند على حنبل وأحبه، وخلع عليه. وهو الذي أذن له في المجلس بالجامع، وطلب منه مكاناً للحنابلة بالقدس، فأعطاه مهد عيسى، وكان يسارع إلى الخير، وإلى مصالح الجماعة، وكان لا يكاد بيته يخلو من الضيوف.
ثم سرد له الشيخ الضياء عدة منامات رؤيت له تدل على فوزه.
وقد رثاه الشيخ موفق الدين.
ومات في تاسع عشر شوال سنة ثلاث عشرة وست مئة.
وحدث عنه الضياء، والقوصي، والبرزالي، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والفخر علي.
وسمعنا بإجازته على أبي حفص ابن القواس، وخطه كبير مليح رشيق، لي جماعة أجزاء بخطه رحمه الله.
وفيها توفي: أبو اليمن الكندي، وصاحب حلب الملك الظاهر، والقاضي ثقة الملك عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلي المصري، وأبو محمد عبد الرحمن بن علي الزهري الإشبيلي صاحب شريح، والصائن عبد الواحد بن إسماعيل الدمياطي.

ابن واجب

الشيخ الإمام العالم المحدث المتقن القدوة شيخ الإسلام أبو الخطاب أحمد بن محمد ابن الإمام أبي حفص عمر بن محمد بن واجب بن عمر بن واجب القيسي الأندلسي البلنسي المالكي.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مئة.
وأجاز له القاضي أبو بكر بن العربي، والحافظ يوسف ابن الدباغ، ولحق أبا مروان، بن قزمان فسمع منه، وأكثر عن جده، وعن أبي الحسن بن هذيل وتلا عليه، وأبي الحسن بن النعمة، وأبي عبد الله بن سعادة، وأبي عبد الله بن الفرس، وأبي بكر عبد الرحمن بن أبي ليلى، وابن بشكوال، وابن زرقون، وعدة. قرأت في فهرسة عليها خط أبي الخطاب بن واجب: تلوت بالتيسير وقرأته، ولم أقرأ بما فيه مم الإدغام الكبير على أبي الحسن بن هذيل، وقرأت عليه إيجاز البيان والتلخيص والمحتوى وعدة كتب في القراءات للداني. وسمعت عليه كتاب جامع البيان وكتاب طبقات القراء له، وكان وقت تلاوتي عليه يمتنع من الإقراء بالإدغام الكبير.
قال الحافظ ابن الأبار: هو حامل راية الرواية بشرق الأندلس، حصل العربية على ابن النعمة. وكان متقناً ضابطاً، متقللاً من الدنيا، عالي الإسناد، ورعاً، قانتاً، تعلوه خشية للمواعظ مع عناية كاملة بصناعة الحديث، وبصر به وذكر لرجاله، ومحافظة على نشره، وكانت الرحلة إليه. ولي قضاء بلنسية وشاطبة غير مرة، وجمع من كتب الحديث والأجزاء شيئاً كثيراً، ورزقت منه قبولاً، وبه اختصاصاً، فمعظم روايتي قديماً عنه. توفي بمراكش في رحلته إليها لاستدرار جار له من بيت المال انقطع فتوفي في سادس رجب سنة أربع عشرة وست مئة.
قلت: أكثر عنه محمد بن محمد بن مشليون، ومحمد بن جوبر، وابن عميرة المخزومي، وابن مسدي المجاور وتوفي وهو في عشر الثمانين رحمه الله.

ابن جبير

العلامة أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير بن محمد بن جبير الكناني البلنسي ثم الشاطبي الكاتب البليغ.
ولد سنة أربعين.
وسمع من أبيه الإمام الرئيس أبي جعفر، وأبي عبد الله الأصيلي وأبي الحسن علي بن أبي العيش المقرئ صاحب أبي داود، وحمل عنه القراءات. وله إجازة أبي الوليد ابن الدباغ، ومحمد بن عبد الله التميمي.
نزل غرناطة مدة، ثن حج، وروى بالثغر وبالقدس.
قال الأبار: عني بالآداب، فبلغ فيها الغاية، وبرع في النظم والنثر، ودون شعره، ونال دنيا عريضة، وتقدم، ثم زهد. له ثلاث رحلات إلى المشرق. مات بالإسكندرية في شعبان سنة أربع عشرة وست مئة.
قلت: روى عنه الزكي المنذري، والكمال الضرير، وأبو الطاهر إسماعيل الملنجي، وعبد العزيز الخليلي، وطائفة. وقد سمع بمكة من الميانجي، وببغداد من أبي أحمد بن سكينة.
ومن نظمه:

تأن في الأمر لا تكن عجلاً

 

فمن تأنى أصاب أو كـادا

وكن بحبل الإله معتصمـاً

 

تأمن من بغي كيد من كادا

فكم رجاه فنال بـغـيتـه

 

عبد مسيء لنفسـه كـادا

ومن تطل صحبة الزمان له

 

يلق خطوباً به وأنـكـادا

العماد

الشيخ الإمام العالم الزاهد القدوة الفقيه بركة الوقت عماد الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي، نزيل سفح قاسيون، وأخو الحافظ عبد الغني.
ولد بجماعيل سنة 543. وهاجروا به سنة إحدى وخمسين، وله ثمان سنين.
وسمع من أبي المكارم بن هلال، وسلمان بن علي الرحبي، وأبي المعالي بن صابر. وارتحل فسمع من صالح ابن الرخلة، وأبي محمد ابن الخشاب، وشهدة، وعبد الحق، وعدة، وبالموصل من أبي الفضل الخطيب. وتفقه ببغداد على ابن المني، وتبصر في مذهب أحمد.
حدث عنه البرزالي، والضياء، وابن خليل، والمنذري، والقوصي وابن عبد الدائم، والتاج عبد الوهاب ابن زين الأمناء، وولده القاضي شمس الدين محمد ابن العماد، والشيخ شمس الدين بن أبي عمر، والفخر علي والشمس محمد ابن الكمال، وعدة.
قال الشيخ الضياء: كان ليس بالآدم كثيراً، ولا بالطويل، ولا بالقصير، واسع الجبهة، معروق الجبين، أشهل العين، قائم الأنف، يقص شعره، وكان في بصره ضعف. سافر إلى بغداد مرتين، وحفظ القرآن، وغريب العزيري فيما قيل، وحفظ الخرقي، وألقى الدرس من التفسير ومن الهداية، واشتغل في الخلاف، شاهدته يناظر غير مرة. وكان عالماً بالقراءات والنحو والفرائض، قرأ بالروايات على أبي الحسن بن عساكر البطائحي، وأقرأ بها، وصنف الفروق في المسائل الفقهية، وصنف كتاباً في الأحكام لم يتمه، ولا كان يتفرغ للتصنيف من كثرة اشتغاله وإشغاله. أقام بحران مدة فانتفعوا به، وكان يشغل الجبل إذا كان الشيخ موفق الدين بالمدينة، فإذا صعد الموفق، نزل هو وأشغل، فسمعت الشيخ الموفق يقول: ما نقدر نعمل مثل العماد، كان يتألف الناس، وربما كرر على الطالب من سحر إلى الفجر. قال الضياء: وكان يجلس في جامع البلد من الفجر إلى العشاء، ولا يخرج إلا لحاجة، يقرئ القرآن والعلم، فإذا فرغوا اشتغل بالصلاة، فسألت الشيخ موفق الدين عنه فقال: كان من خيار أصحابنا، وأعظمهم نفعاً، وأشدهم ورعاً، وأكثرهم صبراً على التعليم. وكان داعية إلى السنة، أقام بدمشق مدة يعلم الفقراء ويقرئهم، ويطعمهم، ويتواضع لهم، كان من أكثر الناس تواضعاً، واحتقاراً لنفسه، وخوفاً من الله، ما أعلم أنني رأيت أشد خوفاً منه. وكان كثير الدعاء والسؤال لله، يطيل السجود والركوع، ولا يقبل ممن يعذله، ونقلت له كرامات.
ثم قال الضياء: لم أر أحداً أحسن صلاة من ولا أتم، بخشوع وخضوع، قيل: كان يسبح عشراً يتأنى فيها، وربما قضى في اليوم والليلة صلوات عدة، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وكان إذا دعا كان يشهد بإجابة دعائه من كثرة ابتهاله وإخلاصه، وكان يمضي يوم الأربعاء إلى مقابر باب الصغير عند الشهداء، فيدعو ويجتهد ساعة طويلة.
ومن دعائه المشهور: اللهم اغفر لأقسانا قلباً، وأكبرنا ذنباً، وأثقلنا ظهراً، وأعظمنا جرماً.
وكان يدعو: يا دليل الحيارى دلنا على طريق الصادقين، واجعلنا من عبادك الصالحين.
وكان إذا أفتى في مسألة يحترز فيها احترازاً كثيراً.
قال: وأما زهده، فما أعلم أنه أدخل نفسه في شيء من أمر الدنيا، ولا تعرض لها، ولا نافس فيها، وما علمت أنه دخل إلى سلطان ولا وال، وكان قوياً في أمر الله، ضعيفاً في بدنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أماراً بالمعروف، لا يرى أحداً يسيء صلاته إلا قال له وعلمه.
قال: وبلغني أنه أتى فساقاً، فكسر ما معهم، فضربوه حتى غشي عليه، فأراد الوالي ضربهم، فقال: إن تابوا ولازموا الصلاة، فلا تؤذهم، وهم في حل، فتابوا.
قال الضياء: سمعت خالي موفق الدين يقول: من عمري أعرفه - يعني العماد - ما عرفت أنه عصى الله معصية.
وسمعت الإمام محاسن بن عبد الملك يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر.
ثم قال الضياء: أعرف وأنا صغير أن جميع من كان في الجبل يتعلم القرآن كان يقرأ على العماد، وختم عليه جماعة، وكان يبعث بالنفقة سراً إلى الناس، ويأخذ بقلب الطالب، وله بشر دائم.
وحدثني الشيخ المقرئ عبد الله بن حسن الهكاري بحران قال: رأيت في النوم قائلاً يقول لي: العماد من الأبدال، فرأيت خمس ليال كذلك.
وسمعت التقي أحمد بن محمد ابن الحافظ يقول: رأيت الشيخ العماد في النوم على حصان، فقلت: يا سيدي الشيخ، إلى أين؟ قال: أزور الجبار عز وجل.
قال أبو المظفر في المرآة: كان الشيخ العماد يحضر مجلسي دائماً، ويقول: صلاح الدين يوسف فتح الساحل، وأظهر الإسلام، وأنت يوسف أحييت السنة بالشام.
قال أبو شامة: يشير أبو المظفر إلى أنه كان يورد في الوعظ كثيراً من كلام جده ومن خطبه ما يتضمن إمرار الصفات وما صح من الأحاديث على ما ورد من غير ميل إلى تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، ومشايخ الحنابلة العلماء هذا مختارهم، وهو جيد. وشاهدت العماد مصلياً في حلقة الحنابلة مراراً وكان مطيلاً لأركان الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً، كان يصلي إلى جرانتين، ثم عمل المحراب سنة سبع عشرة وست مئة.
قال الضياء: توفي العماد رحمة الله عليه ليلة الخميس سابع عشر ذي القعدة سنة أربع عشرة وست مئة عشاء الآخرة فجأة وكان صلى المغرب بالجامع وكان صائماً، فذهب إلى البيت وأفطر على شيء يسير، ولما أخرجت جنازته اجتمع خلق فما رأيت الجامع إلا وكأنه يوم الجمعة من كثرة الخلق، وكان الوالي يطرد الخلق عنه، وازدحموا حتى كاد بعض الناس أن يهلك، وما رأيت جنازة قط أكثر خلقاً منها.
وحكي عنه أنه لما جاءه الموت جعل يقول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهد.
قال: وزوجاته أربه، منهن غزية بنت عبد الباقي ولدت له قاضي مصر شمس الدين والعماد أحمد.

ابن الجلاجلي

التاجر الرئيس المقرئ كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك البغدادي ابن الجلاجلي.
ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.
وسمع من هبة الله بن أبي شريك، وابن البطي، وتلا بروايات على أبي الحسن البطائحي، وأبي السعادات الوكيل تلميذ أبي البركات الوكيل، وسمع من السلفي، وجال من مصر إلى الهند وما وراء النهر في التجارة، وكان صادقاً كيساً محتشماً، حفظة للحكايات. روى عنه ابن النجار، والمنذري، والقوصي، وابن أبي عمر، وابن البخاري، وابن الواسطي، وابن الزين، ومحمد بن مؤمن، وعدة.
وتوفي في بيت المقدس في رمضان سنة اثنتي عشرة وست مئة رحمه الله.

ابن الصيقل

الشريف أبو القاسم موسى بن سعيد الهاشمي، ابن الصيقل.
سمع من إسماعيل ابن السمرقندي، ومحمد بن أحمد ابن الطرائفي، والأرموي.
وعنه: الدبيثي، والبرزالي، والمقداد القيسي، وآخرون. وولي نقابة العباسيين بالكوفة، وولي حجابة باب النوبي.
مات في جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وست مئة، وله سبع وثمانون سنة.

يحيى بن ياقوت

الشيخ أبو الفرج الفراش.
سمع إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الجبار بن توبة، ويحيى ابن الطراح، وابن عبد السلام، وجاور، ورتب شيخاً بالحرم ومعماراً.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، وأحمد بن مودود نزيل مصر، وعدة.
ثم عاد إلى بغداد، وبها مات في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وست مئة عن سن عالية.

ابن مجلي

الإمام القاضي ثقة الملك أبو محمد عبد الله ابن القاضي الإمام أبي الحسن محمد بن عبد الله بن مجلي بن حسين الرملي ثم المصري الشافعي الخطيب.
سمع ابن رفاعة، وأبا الفتوح لخطيب، وناب في القضاء.
مات في ذي الحجة سنة ثلاث عشرة وست مئة عن بضع وسبعين سنة.
روى عنه البرزالي، والمنذري، وشرف الدين عمر بن صالح السبكي، ومحمد ابن الخيمي الشاعر، وآخرون.

الزهري

مسند الأندلس أبو محمد عبد الرحمان بن علي بن أحمد الزهري الإشبيلي.
سمع البخاري من أبي الحسن شريح بن محمد في سنة أربع وثلاثين وخمس مئة، وعمر وتفرد، وتنافسوا في الأخذ عنه.
روى عنه أبو بكر بن سيد الناس الحافظ.
توفي في آخر سنة ثلاث عشرة وست مئة. وقيل: بقي إلى سنة خمس عشرة ولم يصح.
وشيخه يروي الصحيح عن واحد، عن أبي ذر الحافظ.

عبد السلام

ابن الفقيه عبد الوهاب ابن الشيخ عبد القادر الجيلي، الركن أبو منصور الفاسد العقيدة الذي أحرقت كتبه، وكان خلاً لعلي ابن الجوزي يجمعهما عدم الورع! ولد سنة ثمان وأربعين.
وسمع من جده، وابن البطي، وأحمد بن المقرب، وما سمعوا منه شيئاً. درس بمدرسة جده، وولي أعمالاً.
قال ابن النجار: ظهر عليه بخطه بتخير الكواكب ومخاطبتها بالإلهية، وأنها مدبرة، فأحضر، فقال: كتبته تعجباً لا معتقداً. فأحرقت مع كتب فلسفية بخطه في ملأ عظيم سنة 588، وأعطيت مدارسه لابن الجوزي، فهذا كان السبب في اعتقال ابن الجوزي خمسة أعوام بواسط؛ ولي وزير شيعي، فمكن الركن من ابن الجوزي، وبعد سنة ست مئة أعيد إلى الركن المدارس، ثم رتب عميداً ببغداد ومستوفياً للمكس، وتمكن، فظلم وعسف، ثم حبس وخمل.
قال ابن النجار: كان ظريفاً، لطيف الأخلاق، إلا أنه كان فاسد العقيدة.
مات في رجب سنة إحدى عشرة وست مئة.

السائح

الزاهد الفاضل الجوال الشيخ علي بن أبي بكر الهروي الذي طوف غالب المعمور، وقل أن تجد موضعاً معتبراً إلا وقد كتب اسمه عليه.
مولده بالموصل، واستوطن في الآخر حلب، وله بها رباط. وجمع تواليف وفوائد وعجائب وكان حاطب ليل دخل في السحر والسيمياء ونفق على الظاهر صاحب حلب، فبنى له مدرسة، فدرس لها وخطب بظاهر حلب، وكان غريباً مشعوذاً، حلو المجالسة.
قال ابن خلكان: كاد أن يطبق الأرض بالدوران براً وبحراً وسهلاً ووعراً، حتى ضرب به المثل، فقال ابن شمس الخلافة في رجل:

أوراق كذبته في بيت كل فـتـى

 

على اتفاق معان واختـلاف روي

قد طبق الأرض من سهل إلى جبل

 

كأنه خط ذاك السائح الـهـروي

قال ابن واصل: كان عارفاً بأنواع الحيل والشعبذة، ألف خطباً وقدمها للناصر لدين الله، فوقع له بالحسبة في سائر البلاد فبقي له شرف بهذا التوقيع معه، ولم يباشر شيئاً من ذلك.
قلت: سمع من عبد المنعم ابن الفراوي سباعياته. ورأيت له كتاب المزارات والمشاهد التي عاينها، ودخل إلى جزائر الفرنج، وكاد أن يؤسر. وقبره في قبة بمدرسته بظاهر حلب.
مات في رمضان سنة إحدى عشرة وست مئة، وقد شاخ.

ابن الصباغ

الشيخ القدوة الزاهد الكبير أبو الحسن علي بن حميد ابن الصباغ الصعيدي.
انتفع به خلق، وكان حسن التربية للمريدين، يتفقد مصالحهم الدينية، وله أحوال ومقامات وتأله. قال الحافظ زكي الدين المنذري: اجتمعت به بقنا، وتوفي بها، وهي من صعيد مصر، في نصف شعبان سنة عشرة وست مئة رحمه الله.

ابن البناء

الشيخ الزاهد العالم نور الدين أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن موهوب بن جامع بن عبدون البغدادي الصوفي، ابن البناء.
صحب الشيخ أبا النجيب، وسمع من ابن ناصر، وأبي الكرم الشهروزري، وأبي بكر ابن الواغوني، ونصر بن نصر، وعدة.
وحدث بمكة، ومصر، والشام، وبغداد.
روى عنه ابن خليل، والقوصي، وإسحاق بن بلكويه، والجمال ابن الصيرفي، والقطب الزهري، وابن أبي عمر، وابن البخاري، وآخرون.
وأجاز لشيخنا عمر ابن القواس.
قال ابن الدبيثي: شيخ حسن كيس، صحب الصوفية، وتأدب بهم، وسمع كثيراً، وقال لي: ولدت سنة ست وثلاثين وخمس مئة، وجاور بمكة زماناً، ثم توجه إلى مصر، ثم إلى دمشق.
وقال ابن النجار: كان من أعيان الصوفية وأحسنهم شيبة وشكلاً لا يمل جليسه منه.
مات في منتصف ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وست مئة بالسميساطية، وكتب بخطه أجزاء عديدة.

الملنجي

المحدث المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي القاسم الملنجي الأصبهاني القطان المؤدب.
ولد نحو سنة أربعين.
وسمع من إسماعيل الحمامي، ومحمد بن أبي نصر بن هاجر، وحج.
روى عنه ابن المفضل الحافظ، ومات قبله، والحافظ الضياء، وابن خليل. وأجاز لابن البخاري.
وكان حافظاً، مكثراً، مكرماً للطلبة، ذا مروءة، محباً للرواية.
توفي في جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وست مئة.
وملنجة: محلة أو قرية من أصبهان.

ابن ظافر

صاحب كتاب الدول المنقطعة العلامة البارع جمال الدين أبو الحسن علي ابن العلامة أبي منصور ظافر بن الحسين الأزدي المصري المالكي الأصولي المتكلم الأخباري.
أخذ الفقه والكلام عن أبيه، وجود العربية، وشارك في الفضائل. وكان فطناً طلق العبارة، سيال الذهن جيد التصانيف، درس بمدرسة المالكية بمصر بعد والده، وترسل إلى الخليفة، ووزر للملك الأشرف مدة، ثم رجع إلى مصر، وولي وكالة السلطان، وله كتاب الدول المنقطعة فأتى فيه بنفائس، وله كتاب بداع البدائه، وكتاب أخبار الشجعان وأخبار آل سلجوق، وكتاب أساس السياسة وله نظم حسن.
أخذ عنه المنذري، والشهاب القوصي، وأقبل في الآخر على الحديث، وأدمن النظر فيه.
عاش ثمانياً وأربعين سنة.
وتوفي سنة ثلاث عشرة وست مئة.

ابن صاحب الأحكام

العدل العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الأنصاري الغرناطي.
مات في رجب فجاءة من سنة أربه عشرة وست مئة، وله ست وثمانون سنة.
قال الأبار: روى عن أبي الحسن شريح بن محمد، وأبي الحكم عبد الرحمان بن غشليان، وابن رضى - يعني إجازة -.
وقال ابن مسدي: هو أحد الأعلان ببلاده، قرأ القرآن على عبد الله بن خلف بن يبقى، وأجاز له ابن العربي.
قلت: لابن غشليان إجازة من الخلعي. وقد أجاز ابن صاحب الأحكام هذا لأحمد بن يوسف الطنجالي شيخ أثير الدين أبي حيان.
قال ابن مسدي: سمعت منه أجزاء، وأخذ علم الوثائق عن خاله محمد بن يحيى البكري.
ابن مسدي: أخبرنا محمد بن أحمد سنة 611، أخبرنا ابن يبقى، أخبرنا أبو بكر بن عبد الجليل الغساني بالقيروان، أخبرنا أبو الحسن القابسي، أخبرنا عبد الله بن هاشم، أخبرنا عيسى بن مسكين، حدثنا سحنون، حدثنا القاسم بحديث. ثم قال ابن مسدي: هذا أعلى الأسانيد إلى القابسي.
قلت: صدق إن لم يكن سقط رجل؟!

الجاجرمي

العلامة مصنف الكفاية أبو حامد محمد بن إبراهيم بن أبي الفضل السهلي الشافعي، معين الدين، مفتي نيسابور، وله كتاب إيضاح الوجيز مجلدان.
تخرج به أئمة.
ومات في رجب سنة ثلاث عشرة وست مئة.
وبليدة جاجرم بين جرجان ونيسابور.

أبو تراب

الفقيه أبو تراب يحيى بن إبراهيم بن أبي تراب الكرخي اللوزي الشافعي الرافضي.
ولد سنة ست وعشرين وخمس مئة.
وتفقه على أبي الحسن ابن الخل وسمع من الأموي، والكروخي، وأبي الوقت، وجماعة.
وحدث بدمشق وبغداد.
روى عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، والقوصي، فقال القوصي: أخبرنا المفتي قوام الدين يحيى معيد العماد الكاتب، أخبرنا ابن الزاغوني فذكر حديثاً. وقال ابن نقطة: دخلت عليه سنة سبع وست مئة، فرأيته مختلاً؛ زعم أن الملائكة تنزل عليه بثياب خضر، في هذيان طويل وحدثني بعض أصحابنا أنه كان إذا ضجر لما قرئ عليه الترمذي يشتمهم بفحش.
وحدثني ابن هلالة قال: دخلت على أبي تراب، فقال: من أين أنت؟ قلت: من المغرب، فبكى، وقال: لا رضي الله عن صلاح الدين ذاك فساد الدين، أخرج الخلفاء من مصر وجعل يسبه، فقمت.
مات في شعبان سنة أربع عشرة وست مئة.

البندنيجي

الحافظ مفيد بغداد أبو العباس أحمد بن أحمد بن أحمد بن كرم البندنيجي ثم البغدادي الأزجي المعدل، أخو المحدث تميم.
ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.
وسمع من ابن الزاغوني، وأبي الوقت، وأبي محمد ابن المادح وهلم جراً.
وكتب العالي والنازل، وبالغ عن غير إتقان.
روى عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والزكي البرزالي، واليلداني، وآخرون.
وله عناية بالأسماء، ونظر في العربية، وكان فصيحاً، طيب القراءة، امتحن بأن شهد في سجل باطل، فصفع على حمار، وحبس مدة في سنة ثمان وثمانين، وخمل.
وكان أخوه تميم قد استجاز للإمام الناصر جماعة، فأظهر الإجازة، فأنعم عليه، فتكلم في أخيه، وأنه ما شهد بزور محض، بل ركن إلى قول القاضي محمد بن جعفر العباسي، وأن الأستاذ دار ابن يونس تعصب عليه، فأعاده الناصر إلى العدالة، وقبله القاضي أبو القاسم عبد الله ابن الدامغاني بلا تزكية.
قال ابن النجار: قرأت عليه كثيراً، وكنت أراه كثير التحري لا يسامح في حرف. قال: ومع هذا فكانت أصوله مظلمة، وكذا خطه وطباقه، وكان ساقط المروءة، وسخ الهيئة، يدل حاله على تهاونه بالأمور الدينية، وتحكى عنه قبائح، فسألت شيخنا ابن الأخضر عنه وعن أخيه فصرح بكذبهما.
أخوه

أبو القاسم تميم

ابن أبي بكر أحمد بن أحمد الزجي مفيد الجماعة، كان أصغرهما. ولد سنة خمس وأربعين.
وسمع كأخيه من ابن الواغوني، وأبي الوقت، وهبة الله الشبلي، ومن بعدهم، وكتب الكثير، وأفاد الغرباء، وكان خبيراً بالمرويات وبالشيوخ، وله فهم، وليس بذاك المتقن.
روى عنه الدبيثي، واليلداني.
مات في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمس مئة كهلاً.
ومات الأول شيخاً في رمضان سنة خمس عشرة وست مئة.

علي بن المفضل

ابن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر، الشيخ الإمام المفتي الحافظ الكبير المتقن شرف الدين أبو الحسن ابن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي ثم الإسكندراني المالكي.
مولده في سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
وتفقه بالثغر على الفقيه صالح ابن بنت نعافى؛ وأبي الطاهر بن عوف الزهري، وعبد السلام بن عتيق السفاقسي، وأبي طالب أحمد بن المسلم اللخمي، وبرع في المذهب، وسمع منهم، ومن الحافظ أبي طاهر السلفي، ولزمه سنوات، وأكثر عنه، وانقطع إليه، وأسمع ولده محمداً منه، ة سمع أيضاً من القاضي أبي عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري؛ حدثه بأكثر صحيح البخاري عن عيسى بن أبي ذر الهروي ثم السروي، وسماعه منه للصحيح سوى قطعة من آخره في سنة ثمان وخمسين. وسمع من بدر الخذاداذي، وعبد الرحمن بن خلف الله المقرئ، وأبي محمد العثماني، وعبد الله بن بري النحوي، وعلي بن هبة الله الكاملي، ومحمد بن علي الرحبي وخلق كثير بالثغر ومصر والحرمين.
وجمع وصنف وتصدر للإشغال، وناب في الحكم بالإسكندرية مدة، ثم درس بمدرسته التي هناك مدة، ثم إنه تحول إلى القاهرة، ودرس بالمدرسة التي أنشأها الصاحب ابن شكر، وإلى أن مات. وكان مقدماً في المذهب، وفي الحديث؛ له تصانيف محررة، رأيت له في سنة ست وثمانين كتاب الصيام بالأسانيد، وله الأربعون في طبقات الحفاظ، ولما رأيتها تحركت همتي إلى جمع الحفاظ وأحوالهم.
وكان ذا دين وورع وتصون وعدالة وأخلاق رضية ومشاركة في الفضل قوية.
ذكره تلميذه الحافظ أبو محمد المنذري، وبالغ في توقيره وتوثيقه وقال: رحل إلى مصر في سنة أربع وسبعين، فسمع محمد بن علي الرحبي، وسمى جماعة. وكان متورعاً حسن الأخلاق جامعاً لفنون، انتفعت به كثيراً.
قلت: لو كان ارتحل إلى بغداد والموصل، للحق جماعة مسندين، ومتى خرج عن السلفي نزلت روايته وقلت.
أجاز له من المغرب مسند وقته أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين وجماعة. ولما توفي، قال بعض الفضلاء لما مروا بنعشه: رحمك الله أبا الحسن، قد كنت أسقطت عن الناس فروضاً، يريد لنهوضه بفنون من العلم.
حدث عنه المنذري، والرشيد الأرموي، وزكي الدين البرزالي، ومجد الدين علي بن وهب القشيري، والعلم عبد الحق ابن الرصاص، والشرف عبد الملك بن نصر الفهري اللغوي، وإسحاق بن بلكويه الصوفي، والحسن بن عثمان القابسي المحتسب، والجمال محمد بن سليمان الهواري، والقاضي شرف الدين أبو حفص السبكي، ومحمد بن مرتضى بن أبي الجود، والشهاب إسماعيل القوصي، والنجيب أحمد بن محمد السفاقسي، ومحمد بن عبد الخالق بن طرخان الأرموي، والمحيي عبد الرحيم ابن الدميري، وعدة.
وروي لي عنه بالإجازة يوسف ابن القابسي: لم أدرك أحداً سمع منه في رحلتي.
قال زكي الدين المنذري: توفي في مستهل شعبان سنة إحدى عشرة وست مئة ودفن بسفح المقطم.
قلت: وتوفي فيها: شيخ الحنابلة أبو بكر محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي ابن الحلاوي، وله ثمانون سنة، ومسند الأندلس أبو القاسم أحمد ابن محمد بن أبي المطرف بن جرج القرطبي وله تسعون سنة، سمع سنن النسائي بكماله من أبي جعفر البطروجي عالياً، والحافظ أبو بكر ابن القرطبي الأنصاري عبد الله بن الحسن، سمع ابن الجد، والحافظ عبد العزيز ابن الأخضر، وأبو المظفر محمد بن علي بن البل الواعظ، والشيخ علي بن أبي بكر السائح الهروي.
ومن نظم ابن المفضل:

أبا نفس بالمأثور عن خير مرسل

 

وأصحابه والتابعين تمسـكـي

عساك إذا بالغت في نشر دينـه

 

بما طاب من نشر له أن تمسكي

وخافي غداً يوم الحساب جهنمـاً

 

إذا نفحت نيرانها أن تمـسـك

ابن القرطبي

الإمام الحافظ المحدث البارع الحجة النحوي المحقق أبو بكر عبد الله ابن الحسن بن أحمد بن يحيى الأنصاري الأندلسي المالقي المشهور بابن القرطبي.
ولد سنة بضع وخمسين وخمس مئة، واختص بأبي زيد السهيلي ولازمه.
وسمع أيضاً أباه الإمام أبا علي، وأبا بكر، بن الجد، وأبا عبد الله بن زرقون، وأبا القاسم بن حبيش، وطبقتهم، فأكثر وجود.
وأجاز له أبو مروان بن قزمان، وأبو الحسن بن هذيل، وطائفة، وعني بهذا الشأن.
قال الأبار: كان من أهل المعرفة التامة بصناعة الحديث والبصر بها، والإتقان، والحفظ لأسماء الرجال، والتقدم في ذلك، مع المعرفة بالقراءات، والمشاركة في العربية، وقد نوظر عليه في كتاب سيبويه. ورث براعة الحديث عن أبيه، ولم يكن أحد يدانيه في الحفظ والجرح والتعديل إلا أفراد من عصره.
قال أبو محمد بن حوط الله: المحدثون بالأندلس ثلاثة: أبو محمد ابن القرطبي: وأبو الربيع بن سالم، وسكت عن الثالث، فيرونه عنى نفسه.
قلت: لم يكن أبو القاسم الملاحي الحافظ بدونهم، وقد كان ابن القرطبي ذا عظمة في النفوس عند الخاصة والعامة، أخذ الناس عنه وانتفعوا به.
مات بمالقة خطيباً بها في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وست مئة.

الرهاوي

الإمام الحافظ المحدث الرحال الجوال محدث الجزيرة أبو محمد عبد القادر بن عبد الله بن عبد الله الرهاوي الحنبلي السفار، من موالي بعض التجار.
ولد بالرها في سنة ست وثلاثين وخمس مئة. ونشأ بالموصل. ثم أعتقه مولاه، وحبب إليه سماع الحدث، ولقي بقايا المسندين، وأكثر عنهم، وتميز، صنف، وكان رديء الكتابة، لم يتقن وضع الخط. سمع من مسعود بن الحسن الثقفي، والحسن بن العباس الرستمي، وأبي جعفر محمد بن حسن الصيدلاني، ورجاء بن حامد المعداني، ومحمود بن عبد الكريم فورجة، وعلي بن عبد الصمد بن مردويه، ومعمر بن الفاخر، وإسماعيل بن شهريار، وأبي مسعود عبد الرحيم الحاجي وخلق بأصبهان، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل بهراة، وهو أكبر شيخ له. وقع حديث البغوي وابن صاعد عالياً، وسمع بهمذان من أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، ومحمد بن بنيمان، والحافظ أبي العلاء العطار، وطائفة. وبمرو من مسعود بن محمد المروزي وغيره. وبنيسابور من أبي بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي. وبسجستان من أبي عروبة عبد الهادي بن محمد بن عبد الله الزاهد. وببغداد من أبي علي أحمد بن محمد الرحبي، وأبي محمد ابن الخشاب، وفخر النساء شهدة، وخلق. وبواسط من هبة الله ابن مخلد الأزدي، وأبي طالب الكتاني. وبالموصل من خطيبها أبي الفضل عبد الله بن أحمد ابن الطوسي، ويحيى بن سعدون القرطبي المقرئ. وبدمشق من محمد بن بركة الصلحي وأبي القاسم علي بن الحسن الحافظ. وبالإسكندرية من الحافظ أبي طاهر السلفي، وأبي محمد العثماني. وبمصر من محمد بن علي الرحبي، وعبد الله بن بري النحوي. وعمل أربعي البلدان المتباينة الأسانيد ولواحقها ومتعلقاتها، فجاءت في مجلدين دلت على حفظه ونبله، وله فيها أوهام: تكرر عليه أبو إسحاق السبيعي وسعيد ابن محمد البحيري، وجمع كتاباً كبيراً سماه المادح والممدوح فيه تراجم جماعة من الحفاظ والأئمة، أصله ترجمة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي.
ذكره ابن نقطة فقال: كان عالماً ثقة مأموناً صالحاً، إلا أنه كان عسراً غي الرواية، لا يكثر عنه إلا من أقام عنده.
وقال أبو الحجاج بن خليل: كان حافظاً ثبتاً، كثير السماع، كثير التصنيف، متقناً، ختم به علم الحديث.
وقال أبو محمد المنذري: كان ثقة، حافظاً، راغباً في الانفراد عن أرباب الدنيا.
وقال شهاب الدين أبو شامة: كان صالحاً، مهيباً، زاهداً، ناسكاً، خشن العيش، ورعاً.
وأثنى عليه بن النجار، وعظمه، وترجمه.
حدث عنه ابن نقطة، وزكي الدين البرزالي، وضياء الدين المقدسي، وأحمد بن سلامة النجار، وشمس الدين ابن خليل، وأبو إسحاق الصريفيني، وشهاب الدين القوصي، وجمال الدين عبد الرحمن بن سالم الأنباري، وزين الدين بن عبد الدائم، وجمال الدين يحيى ابن الصيرفي، وعبد الله بن الوليد المحدث البغدادي، وعامر القلعي، وعبد العزيز بن الصيقل، وخلق آخرهم موتاً المعمر العلامة نجم الدين أبو عبد الله ابن حمدان، ومع فضله وحفظه فغيره أحفظ منه وأتقن.
حدث قديماً، وولي مشيخة الحديث.
وتوفي بحران في ثاني شهر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وست مئة، وله ست وسبعون سنة.
وفيها مات شيخ الصعيد الإمام القدوة أبو الحسن علي بن حميد ابن الصباغ، ومسند العراق أبو محمد عبد العزيز بن معالي بن منينا، والشيخ كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي ابن الجلاجلي السفار، ومسند مكة يحيى بن ياقوت الفراش، والمسندون، ببغداد: أبو العباس أحمد بن يحيى ابن الدبيقي البزاز، وأحمد بن إبراهيم ابن السباك الصوفي، وأبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن هبة الله المنصوري، وأبو القاسم موسى بن سعيد بن الصيقل الهاشمي، وأبو الفضل سليمان بن محمد بن علي الموصلي رحمهم الله.
أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه في كتابه أخبرنا الحافظ عبد القادر ابن عبد الله، أخبرنا مسعود بن الحسن، أخبرنا إبراهيم بن محمد الطيان ومحمد بن أحمد السمسار، قالا: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله التاجر، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي حدثنا ابن أبي مذعور، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا روح بن القاسم، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: أتيت أبا بكر أسأله فمنعني، ثم أتيته أسأله فمنعني، فقلت: إما أن تبخل وإما أن تعطيني، فقال: أتبخلني، وأي داء أدوأ من البخل؟ ما أتيتني من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك ألفاً، قال: فأعطاني ألفاً وألفاً وألفاً. إسناده قوي. قرأت على علي بن أبي بكر البحتري، وإسماعيل بن ركاب المعلم: أخبركما أحمد بن عب الدائم، أخبرنا بن عبد الدائم، أخبرنا عبد القادر الحافظ، أخبرنا الحسن بن العباس، أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد، أخبرنا أبي أبو عبد الله بن مندة، أخبرنا محمد بن القاسم بن كوفي، حدثنا يحيى بن واقد الطائي، حدثنا ابن عيينة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس، قال: صليت أنا ويتيم كان عندنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم سليم من ورائنا.

?ابن البل

الإمام الواعظ الكبير أبو المظفر محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري.
ولد بالدور من نواحي دجيل، وقدم بغداد، واشتغل وتفنن.
وسمع من علي بن محمد الهروي بالدور في سنة 531، ومن ابن الطلاية، وسعيد ابن البناء، وابن ناصر، وعدة.
روى عنه ابن النجار، وقال: صار شيخ الوعاظ، وكثر له القبول، ووعظ عند قبر معروف، وكانت بينه وبين ابن الجوزي منافرات، ولكل منهما متعصبون وأتباع، ولم يزل الدوري على ذلك إلى أن خاصم ولده غلاماً لأم الناصر، وبدا من الشيخ ما اشتد به الأمر فمنع من الوعظ، وأمر بلزوم بيته، فبقي كذلك إلى حين وفاته، وكان فاضلاً متديناً صدوقاً، أنشدني لنفسه:

يتوب على يدي قوم عصـاة

 

أخافتهم من الباري ذنـوب

وقلبي مظلم من طول ما قد

 

جنى فأنا على يد من أتوب؟

كأني شمعة مـا بـين قـوم

 

تضيء لهم ويحرقها اللهيب

كأني مخيط يكسـو أنـاسـاً

 

وجسمي من ملابسه سليب

مات في ثاني عشر شعبان سنة إحدى عشرة وست مئة، وله أربع وتسعون سنة.
ومات ابن أخيه أبو الحسن علي بن الحسين ابن البل المجلد سنة تسع وست مئة قبله، سمعه من ابن الطلاية، وابن ناصر، وجماعة.

العميدي

العلامة ركن الدين صاحب الجست والطريقة أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، وقيل: اسمه أحمد، العميدي السمرقندي الحنفي.
كان مبرزاً في الخلاف والنظر، وهو أحد الأربعة الذين اشتهروا من تلامذة الرضي النيسابوري: هذا، والركن الطاووسي والركن زادا، والركن فلان - نسينا اسمه -.
وصنف العميدي جسته المشهور، وكتاب الإرشاد واعتنى بشرحه جماعة منهم القاضي شمس الدين أحمد الخوئي، والبدر المراغي الطويل، وأوحد الدين الدوني، ونجم الدين ابن المرندي.
وتخرج بالعميدي الأصحاب، منهم: نظام الدين أحمد ابن الشيخ جمال الدين محمود الحصيري. وكان طيب لأخلاق متواضعاً.
مات في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مئة وليس علمه من زاد العماد.

القاهر

صاحب الموصل الملك القاهر عز الدين أبو الفتح مسعود ابن السلطان أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن زنكي.
تسلطن بعد أبيه سنة سبع وست مئة، وهو أمرد، وكان ذا كرم وحلم.
مات في ربيع الآخر سنة خمس عشرة، وله خمس وعشرون سنة.
قال ابن الأثير في تاريخه: أخذته حمى، ثم فارقته، ثم عاودته بقيء كثير وكرب متتابع، ثم برد، ثم مات. وكان حليماً كافاً عن الأذى مقبلاً على لذاته، تألم الناس لموته، وأوصى بالملك إلى ابنه نور الدين رسلان شاه، وله عشر سنين، ومدبر دولته بدر الدين لؤلؤ، فتعلل مدة ومات في العام، فأقام لؤلؤ أخاه صغيراً له ثلاث سنين، وبقي هو الكل.

ابن سيدهم

الشيخ أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري الدمشقي، ابن لهراس الوكيل الجابي.
سمعه والده من أبي الفتح نصر الله المصيصي، ونصر الله بن مقاتل.
روى عنه الضياء، واليلداني، وأبو محمد المنذري، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن، والفخر علي، وآخرون.
مات في شعبان سنة ست عشرة وست مئة.

ست الشام

خاتون أخت السلاطين أولاد نجم الدين أيوب بن شاذي، واقفة المدرستين، فدفنت بالبرانية.
لها بر وصدقات وأموال وخدم. وهي شقيقة المعظم تورانشاه.
توفيت في ذي القعدة سنة ست عشرة وست مئة.

ابن حمويه

العلامة المفتي صدر الدين أبو الحسن محمد بن أبي الفتح عمر بن علي ابن العارف محمد بن حمويه الجويني الشافعي الصوفي. ولد بجوين، وتفقه على أبي طالب محمود بن علي الأصبهاني صاحب التعليقة، وبدمشق على القطب النيسابوري، وبرع في المذهب، وأفتى. وتزوج بابنة القطب فأولدها الأمراء الكبراء: عماد لدين عمر، وفخر الدين يوسف، وكمال الدين أحمد، ومعين الدين حسن.
درس بالشافعي ومشهد الحسين، وترسل عن الكمال إلى الخليفة، فمرض بالموصل، ومات سنة سبع عشرة وست مئة.
روى عن أبي الوقت، ونصر بن نصر العكبري، والحسن بن أحمد الموسيابادي، وعاش أربعاً وسبعين سنة، وكان حسن السمت، كثير الصمت، كبير القدر، غزير الفضل، صاحب أوراد وحلم وأناة.

ابن الحرستاني

الشيخ الإمام العالم المفتي المعمر الصالح مسند الشام شيخ الإسلام قاضي القضاة جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الدمشقي الشافعي ابن الحرستاني، من ذرية سعد بن عبادة رضي الله عنه.
ولد في أحد الربيعين سنة عشرين وخمس مئة.
وسمع في سنة خمس وعشرين، وبعدها، من عبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، وجمال الإسلام علي بن المسلم، والفقيه نصر الله بن محمد، وهبة الله بن طاووس، وعلي بن قبيس المالكي، ومعالي ابن الحبوبي، وأبي القاسم بن البن الأسدي، وأبي الحسن المرادي، وجماعة، وله مشيخة في جزء مروي.
وقد أجاز له أبو عبد الله الفراوي، وهبة الله بن سهل السيدي، وزاهر ابن طاهر، وعبد المنعم ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري، وإسماعيل القارئ وطائفة.
وحدث بدلائل النبوة للبيهقي، وبصحيح مسلم وأشياء.
وبرع في المذهب، وأفتى ودرس، وعمر دهراً، وتفرد بالعوالي.
حدث عنه أبو المواهب بن صصرى، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر الرهاوي، والضياء، وابن النجار، والبرزالي، وابن خليل، والقوصي، والزكي عبد العظيم، وكمال الدين ابن العديم، والنجيب نصر الله الصفار، وزين الدين خالد، والجمال عبد الرحمن بن سالم الأنباري، وأبو الغنائم بن علان، وأبو حامد ابن الصابوني، والبرهان ابن الدرجي، ويوسف بن تمام، وأبو بكر ابن الأنماطي، ومحمد وعمر ابنا عبد المنعم القواس، ومحمد بن أبي بكر العامري، والفخر علي، وأبو بكر بن محمد ابن طرخان، والشمس عبد الرحمن ابن الزين، والشمس ابن الزين، وأبو بكر بن عمر المزي، والقاضي شمس الدين محمد بن العماد، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وخلق كثير.
وروى عنه بالإجازة العماد عبد الحافظ بن بدران، وعائشة بنت المجد.
وكان إماماً فقيهاً، عارفاً بالمذهب، ورعاً صالحاً، محمود الأحكام، حسن السيرة، كبير القدر. رحل إلى حلب، وتفقه بها على المحدث الفقيه أبي الحسن المرادي، وولي القضاء بدمشق، نيابة عن أبي سعد بن أبي عصرون، ثم إنه ولي قضاء القضاة استقلالاً في سنة اثنتي عشرة وست مئة.
قال ابن نقطة: هو أسند شيخ لقينا من أهل دمشق، حسن الإنصات، صحيح السماع.
وقال أبو شامة: دخل به أبوه من حرستا، فنزل بباب توما يؤم بمسجد الزينبي، ثم أم فيه ابنه جمال الدين، ثم انتقل جمال الدين فسكن بداره بالحويرة، وكان يلازم الجماعة بمقصورة الخضر، ويحدث هناك، ويجتمع خلق، مع حسن سمته، وسكونه وهيبته. حدثني الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لم ير أفقه منه، وعليه كان ابتداء اشتغاله، ثم صحب فخر الدين ابن عساكر، فسألته عنهما فرجع ابن الحرستاني، وكان حفظ الوسيط للغزالي.
ثم قال أبو شامة: ولما ولي محيي الدين القضاء لم ينب ابن الحرستاني عنه، وبقي إلى أن ولاه العادل القضاء، وعزل الطاهر، وأخذ منه العزيزية، والتقوية، فأعطى العزيزية ابن الحرستاني مع القضاء، وأقبل عليه العادل، وكان يحكم المجاهدية، وناب عنه ولد العماد، ثم ابن الشيرازي، وشمس الدين ابن سني الدولة، وبقي سنتين وسبعة أشهر، ومات، وكانت له جنازة عظيمة، وقد امتنع من القضاء فألحوا عليه، وكان صارماً عادلاً على طريقة السلف في لباسه وعفته. وقال سبط الجوزي: كان زاهداً، عفيفاً، ورعاً، نزهاً، لا تأخذه في الله لومة لائم. اتفق أهل دمشق على أنه ما فاتته صلاة بجامع دمشق في جماعة إلا إذا كان مريضاً. ثم ساق حكايات من مناقبه وعدله في قضاياه، وأتي مرة بكتاب، فرمى به، وقال: كتاب الله قد حكم على هذا الكتاب، فبلغ العادل قوله، فقال: صدق، كتاب الله أولى من كتابي، وكان يقول للعادل: أنا ما أحكم إلا بالشرع، وإلا فأنا ما سألتك القضاء، فإن فأبصر غيري.
قال أبو شامة: ابنه العماد هو الذي ألح عليه حتى تولى القضاء. وحدثني ابنه قال: جاء إليه ابن عنين، فقال: السلطان يسلم عليك ويوصي بفلان، فإن ه محاكمة. فغضب وقال: الشرع ما يكون فيه وصية.
قال المنذري: سمعت منه وكان مهيباً، حسن السمت، مجلسه مجلس وقار وسكينة، يبالغ في الإنصات إلى من يقرأ عليه.
توفي في رابع ذي الحجة سنة أربع عشرة وست مئة، وهو في خمس وتسعين سنة.
وفيها مات القدوة الشيخ العماد المقدسي، وأبو الخطاب أحمد بن محمد بن واجب البلنسي، والشيخ ذيال الزاهد، والمحدث عبد الله بن عبد الجبار العثماني، وعبد الخالق بن صالح بن ريدان المسكي، وأبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني، والمعمر محمد بن عبد العزيز بن سعادة الشاطبي، وأبو الغنائم هبة الله بن أحمد الكهفي، والفقيه أبو تراب يحيى بن إبراهيم الكرخي.

العطار

الشيخ الأمير المسند الدين أبو القاسم شمس الدين أحمد بن عبد الله ابن عبد الصمد بن عبد الرزاق السلمي البغدادي الصيدلاني العطار.
ولد سنة ست وأربعين وخمس مئة.
وسمع من أبيه، وأبي الوقت السجزي، وابن البطي. وحدث بالصحيح وعبد والدارمي وكان يذكر أنه من ولد أبي عبد الرحمان السلمي. سكن دمشق.
قال ابن النجار: كان له داكن بظاهر باب الفراديس للعطر وكان صدوقاً، متديناً، مرضي الطريقة.
وقال ابن نقطة: شيخ صالح ثقة صدوق.
قلت: حدث عنه: هما، والضياء، والمنذري، والقوصي، والزين خالد، ومحمد بن علي النشبي، والرشيد العامري، والمحيي بن عصرون، والفخر علي ابن البخاري، والشمس ابن الكمال، والجمال ابن الصابوني، والعلاء بن صصرى، والتقي ابن الواسطي، وعدة. وظهر لشيخنا العز أحمد ابن العماد بعد موته بعض كتاب الدارمي سمعه منه حضورا.
وروى عنه بالإجازة عمر بن القواس.
مات في سابع عشر شعبان سنة خمس عشرة وست مئة، ودفن بقاسيون.
وفيها مات الركن العميدي صاحب الجست والطريقة تلميذ الرضي النيسابوري اسمه أبو حامد محمد بن محمد بن محمد السمرقندي الحنفي، والملك العادل، وصاحب الموصل الملك القاهر مسعود. وصاحب الروم كيكاوس، والشهاب فتيان بن علي الشاغوري الشاعر صاحب الديوان، وزينب الشعرية، وأبو الفتوح البكري، وآخرون.

الشعرية

الشيخة الجليلة مسندة خراسان أم المؤيد حرة ناز زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمان بن الحسن بن أحمد بن سهل بن أحمد بن عبدوس الجرجانية الأصل النيسابورية الشعرية.
سمعت من إسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر القارئ، وفاطمة بنت زعبل، وعبد المنعم ابن القشيري، وزاهر بن طاهر، وأخيه وجيه، وأبي المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن محمد الخواري، وعبد الوهاب بن شاه وفاطمة بنت خلف الشحامي، وعبد الله ابن الفراوي، وعبد الرزاق الطبسي.
وأجاز لها عبد الغافر بن إسماعيل، وأبو القاسم الزمخشري النحوي.
وسمعت الصحيح من الفارسي ووجيه.
حدث عنها ابن هلالة، وابن نقطة، والبرزالي، والضياء، وابن الصلاح، والمرسي، وإبراهيم الصريفيني، ومحمد بن سعد الهاشمي، والصدر البكري، وابن النجار.
وسمعت بإجازتها من جماعة.
وكانت صالحة معمرة مكثرة.
توفيت في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مئة بنيسابور.

ابن الدهان

العلامة وجيه الدين أبو بكر المبارك بن المبارك بن أبي الأزهر سعيد بن أبي السعادات الواسطي النحوي الضرير.
حفظ القرآن، وتلا بالروايات على جماعة.
وقدم بغداد شاباً، فسمع من أبي زرعة المقدسي، ويحيى بن ثابت، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وأبي محمد ابن الخشاب، ولزمه في العربية. قال ابن النجار: قرأ الأدب على أبي سعيد نصر بن محمد المؤدب، وقدم بغداد مع والده، فسكنها، وقرأ الأدب على ابن الخشاب، وقرأ جملة من كتب النحو واللغة والشعر على أبي البركات الأنباري من حفظه، وذكر لي أنه قرأ نصف كتاب سيبويه من حفظه عليه أيضاً، وأنه كان يحفظ في كل يوم كراساً في النحو ويفهمه ويطارح فيه، حتى برع، وكان يتردد إلى منازل الصدور لإقراء الأدب، وكان شديد الذكاء، ثاقب الفهم، كثير المحفوظ، مضطلعاً بعلوم كثيرة: النحو، واللغة، والتصريف، والعروض، ومعاني الشعر، والتفسير، ويعرف الفقه والطب وعلم النجوم وعلوم الأوائل.
قلت: لو جهل هذين العلمين لسعد.
قال: وله النظم والنثر، وينشيء الخطب والرسائل بلا كلفة ولا روية، ويتكلم بالتركية والفارسية والرومية والأرمنية والحبشية والهندية والزنجية بكلام فصيح عند أهل ذلك اللسان. وكان حليماً بطيء الغضب، متواضعاً، ديناً، صالحاً، كثير الصدقة، متفقداً للفقراء والطلبة؛ تفقه أولاً لأبي حنيفة، ثم تحول شافعياً بعد علو سنه، وولي تدريس النحو بالنظامية، إلى أن مات، قرأت عليه كثيراً، وهو أول من فتح فمي بالعلم، لأن أمي أسلمتني إليه ولي عشر سنين، فكنت أقرأ عليه القرآن والفقه والنحو، وأطالع له ليلاً ونهاراً، وإذا مشى، كنت آخذاً بيده، وكان ثقة نبيلاً، أنشدني لنفسه:

أيها المغرور بالدنيا انتبه

 

إنها حال ستفنى وتحول

واجتهد في نيل ملك دائم

 

أي خير في نعيم سيزول

لو عقلنا ما ضحكنا لحظة

 

غير أنا فقدت منا العقول

قال: مولده في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين، ومات في شعبان سنة اثنتي عشرة وست مئة وكنت بنيسابور.
قلت: فيه نظم المؤيد ابن التكريتي:

ومن مبلغ عني الوجيه رسـالة

 

وإن كان لا تجدي لديه الرسائل

تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبـل

 

وذلك لما أعوزتك المـآكـل

وما اخترت رأي الشافعي ديانة

 

ولكنما تهوى الذي هو حاصل

وعما قليل أنت لا شك صـائر

 

إلى مالك فافطن لما أنا قائل!

قال ابن الدبيثي: تخرج بالوجيه جماعة في النحو وكان هذرة، كتبت عنه أناشيد.
قلت: وممن روى عنه الزكي البرزالي. وأجاز لشيخنا أحمد بن سلامة.