البكري

البكري

الشريف العالم الصالح الزاهد فخر الدين بقية المشايخ أبو الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عمروك القرشي التيمي البكري النيسابوري الصوفي.
لو سمع على قدر سنه للحق إسناداً عالياً؛ فإن مولده في سنة ثماني عشرة وخمس مئة.
سمع وهو كبير من أبي الأسعد هبة الرحمان ابن القشيري، وسمع ببغداد من الحسين بن خمسي الموصلي، وبالثغر مع ولده من أبي طاهر السلفي.
وحدث ببغداد وبمكة ومصر ودمشق، وجاور مدة.
حدث عنه أبو عبد الله البرزالي، وابن خليل، وأبو محمد المنذري، وحفيده صدر الدين أبو علي، وإبراهيم ابن الدرجي، وابن أبي عمر، والفخر علي، والشمس ابن الكمال، وجماعة.
توفي في حادي عشر جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مئة.
ومات معه يومئذ رفيقه الشيخ محمد بن عبد الغفار الهمذاني، وله بضع وثمانون سنة، حدث عن السلفي.

ابن ملاعب

الشيخ الفاضل المسند ربيب الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن منصور بن ثابت بن ملاعب البغدادي الأزجي الوكيل عند القضاة.
ولد في أول سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة.
وسمع من القاضي أبي الفضل الأرموي، ونصر بن نصر العكبري، والحافظ ابن ناصر، وأبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت السجزي، وأبي الكرم الشهرزوري، وأحمد بن بختيار المندائي، وطائفة. وسكن دمشق.
حدث عنه الشيخ الموفق، والضياء، وابن خليل، والبرزالي وأبو محمد المنذري، والسيف أحمد ابن المجد، وأبو بكر ابن الأنماطي، والفخر علي بن أحمد، والشمس ابن الكمال، والشمس ابن الزين، والتقي ابن الواسطي، وإبراهيم بن حمد، وعدة.
وبالإجازة: عمر ابن القواس، والعماد بن بدران.
وسماعه صحيح، لكن غالبه في السنة الخامسة.
قال ابن النجار، كان أبوه ديوانياً فاعتنى به، وكان متيقظاً متودداً صحيح السماع، له مروءة ونفس حسنة يحدث من أصوله.
مات في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ست عشرة وست مئة، ودفن بسفح قاسيون.

العكبري

الشيخ الإمام العلامة النحوي البارع محب الدين أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري ثم البغدادي الأزجي الضرير النحوي الحنبلي الفرضي صاحب التصانيف.
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.
قرأ بالروايات على علي بن عساكر البطائحي، والعربية على ابن الخشاب، وأبي البركات بن نجاح. وتفقه على القاضي أبي يعلى الصغير محمد بن أبي خازم وأبي حكيم النهرواني، وبرع في الفقه والأصول، وحاز قصب السبق في العربية.
وسمع من أبي افتح ابن البطي، وأبي زرعة المقدسي، وأبي بكر بن النقور، وجماعة. وتخرج به أئمة.
قال ابن النجار: قرأت عليه كثيراً من مصنفاته، وصحبته مدة طويلة، وكان ثقة، متديناً، حسن الأخلاق، متواضعاً، ذكر لي أنه أضر في صباه من الجدري.
ذكر تصانيفه: صنف تفسير القرآن وكتاب إعراب القرآن، وكتاب إعراب الشواذ، وكتاب متشابه القرآن وعدد الآي وإعراب الحديث جزء، وله تعليقة في الخلاف، وشرح لهداية أبي الخطاب، وكتاب المرام في المذهب ومصنف في الفرائض، وآخر، وآخر. وشرح الفصيح، وشرح الحماسة، وشرح المقامات، وشرح الخطب، وأشياء سماها ابن النجار وتركتها.
حدث عنه بن الدبيثي، وابن النجار، والضياء المقدسي، والجمال ابن الصيرفي، وجماعة.
قيل: كان إذا أراد أن يصنف كتاباً جمع عدة مصنفات في ذلك الفن، فقرئت عليه، ثم يملي بعد ذلك، فكان يقال: أبو البقاء تلميذ تلامذته؛ يعني هو تبع لهم فيما يقرؤون له ويكتبونه.
وقد أرادوه على أن بنتقل عن مذهب أحمد فقال، وأقسم: لو صببتم الذهب الذهب علي حتى أتوارى به، ما تركت مذهبي.
توفي العلامة أبو البقاء في ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة وست مئة، وكان ذا حظ من دين وتعبد وأوراد.

ابن الناقد

شيخ القراء أبو محمد عبد العزيز بن أبي الرضا، أحمد بن مسعود ابن الناقد البغدادي الجصاص.
تلا بالروايات على أبي الكرم الشهرزوري، وعمر الحربي. وسمع من أبي الفضل الأرموي، وأبي سعد ابن البغدادي، وابن ناصر، وأم بمسجد الفاعوس.
تلا عليه بالعشر عبد الصمد بن أبي الجيش وغيره.
وروى عنه الضياء المقدسي، والنجيب الحراني.
قال ابن النجار: كان صدوقاً، فاضلاً، صالحاً، سديد السيرة، حسن الأخلاق، قال لي: ولدت سنة ثلاثين وخمس مئة.وتوفي في شوال سنة ست عشرة وست مئة رحمه الله.

ابن سيدهم

الشيخ أبو الفضل أحمد بن محمد بن سيدهم بن هبة الله بن سرايا الأنصاري الدمشقي الوكيل الجابي، ابن الفراش.
سمع من أبي الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، ونصر الله بن مقاتل.
حدث عنه الضياء، والزكي المنذري، والتقي اليلداني، وابن أبي عمر، وابن البخاري.
وأجاز لشيخنا عمر ابن القواس، وكان من بقايا المشيخة.
مات في ثالث عشر شعبان سنة ست عشرة وست مئة، وله أربع وثمانون سنة.

ريحان

شيخ القراء أبو الخير ريحان بن تيكان بن موسك الكردي البغدادي الحربي الضرير.
كان يمكنه السماع من ابن الحصين.
تلا بالروايات على عمر بن عبد الله الحربي، وسمع من ابن الطلاية، والمبارك بن أحمد الكندي، وجماعة.
وعنه ابن الدبيثي، والضياء، وأبو عبد الله البرزالي، وابن الصيرفي، وأجاز للكمال عبد الرحمان المكبر، فتفرد بإجازته.
مات في صفر سنة ست عشرة وست مئة، وقد قارب المئة.

الشقوري

الإمام المقرئ المسند المعمر أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن عيسى الغافقي القرطبي الشقوري.
أجاز له في سنة تسع وثلاثين وهو صغير أبو بكر بن العربي، والقاضي عياض، والمفسر أبو محمد بن عطية، وجماعة تفرد عنهم.
وتلا بالسبع على أبيه، وسمع من ابن عمه محمد بن عبد العزيز، وتأدب بشقورة على عبد الملك بن أبي يداس، وتلا عليه أيضاً بالروايات، وعمر ورحل إليه الطلية، ونزل قرطبة.
قال الأبار: كان ثقة، صالحاً، كف بأخرة، ومات في صفر سنة ست عشرة وست مئة.
وقال ابن مسدي وغيره: روى الكثير بالإجازة، وعزمت إلى الرحلة إليه، فبلغني موته، فعدلت إلى إشبيلية، ومات بموته بالأندلس إسناد كبير.
قلت: عاش ثمانين سنة، ولقي أبو حيان من يروي عنه بالإجازة. ومات فيها أحمد بن سلمان بن الأصفر الحريمي، والخاتون ست الشام ابنة العادل واقفة الشامية، وعبد الرحمان بن محمد بن يعيش الأنباري الكاتب، والتقي عبد الرحمن بن نسيم الدمشقي المحدث، ومدرس المالكية برهان الدين علي بن علوش بدمشق، وحفيد ابن عساكر الإمام الحافظ عماد الدين علي بن القاسم ابن الحافظ جريحاً بعد عوده من خراسان، وآخرون.

ابن الرزاز

العدل الجليل أبو منصور سعيد بن محمد ابن شيخ الشافعية أبي منصور سعيد بن محمد بن عمر ابن الرزاز البغدادي.
مولده في سنة ثلاث وأربعين.
وسمع الصحيح من أبي الوقت السجزي، وسمع من نصر بن نصر العكبري، وأبي الفضل الأرموي.
روى عنه ابن الدبيثي، وأبو عبد الله البرزالي، ونجيب الدين المقداد، وجماعة.
وحدثني أبي عن المقداد عنه.
مات فجاءة في ثاني المحرم سنة ست عشرة وست مئة ببغداد.
وسمعت الصحيح بكماله من الحافظ الكبير أبي الحجاج يوسف ابن الزكي الكلبي بسماعه من النجيب القيسي، عنه.

العميدي

العلامة سيف النظر ركن الدين أبو حامد محمد أو أحمد بن محمد بن محمد السمرقندي العميدي الحنفي مصنف كتاب الجست.
كان بارعاً في الخلاف، له طريقة مشهورة في المباحثة.
اشتغل على الرضي النيسابوري، وله كتاب الإرشاد شرحه جماعة.
اشتغل عليه نظام الدين ابن الحصيري، وغيره.
مات ببخارى في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مئة، وليس علمه من زاد المعاد.

ابن شاس

الشيخ الإمام العلامة شيخ المالكية جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار بن عشائر بن شاس الجذامي السعدي المصري المالكي مصنف كتاب الجواهر الثمينة في فقه أهل المدينة.
سمع من عبد الله بن بري النحوي، ودرس بمصر، وأفتى، وتخرج به الأصحاب، وكتابه المذكور وضعه على ترتيب الوجيز للغزالي.
وجوده ونقحه، وسارت به الركبان، وكان مقبلاً على الحديث، مدمناً للتفقه فيه، ذا ورع، وتحر، وإخلاص، وتأله، وجهاد. وبعد عوده من الحج امتنع من الفتوى إلى حين وفاته، وكان من بيت حشمة وإمرة.
حدث عنه الحافظ المنذري ووصفه بأكثر من هذا، وقال: مات غازياً بثغر دمياط في جمادى الآخرة أو في رجب سنة ست عشرة وست مئة.
أخبرنا إسحاق الوزيري، أخبرنا عبد العظيم الحافظ، أخبرنا ابن شاس، أخبرنا ابن بري، أخبرنا أبو صادق المديني، أخبرنا محمد بن الحسين، أخبرنا العباس بن أحمد، حدثنا عثمان بن عبد الله الغسولي، حدثنا عبد الله بن نصر، حدثنا سفيان، عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال: رأيت على النبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء أخرجه ت ق عن رجالهما عن سفيان بن عيينة.

الإفتخار

الشيخ الإمام العلامة كبير الحنفية إفتخار الدين أبو هاشم عبد المطلب ابن الفضل عبد المطلب بن الحسين بن عبد الرحمان بن عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي العباسي البلخي ثم الحلبي الحنفي.
تفقه بما وراء النهر، وسمع بسمرقند، وبلخ، وتلك الديار، من القاضي عمر بن علي المحمودي، وأبي الفتح عبد الرشيد الولوالجي، والأديب أبي عمر بن علي الكرابيسي، وأبي علي الحسن بن بشر البلخي النقاش، والإمام أبي شجاع البسطامي، وطائفة.
وأفتى، وناظر، وصنف. وقد درس بالحلاوية. وصنف شرحاً للجامع الكبير في المذهب وتخرج به الأئمة، وكان شريفاً سرياً، ورعاً، ديناً، وقوراً، صحيح السماع، علي الإسناد.
حدث عنه خلق منهم: تقي الدين أحمد بن عبد الواحد الحوراني الزاهد، والبرزالي، والضياء، والعماد أحمد بن يوسف، والمؤيد إبراهيم بن يوسف القفطي، وأبو المكارم إسحاق بن عبد الرحمان ابن العجمي، وأخوه محمد، وابن عمه القطب محمد، والعون سليمان ابن العجمي، والمحدث عبيد الله بن عمر ابن العجمي، والكمال أحمد ابن النصيبي، وعبد الله بن الأوحد الزبيري، وعدة.
مات بحلب في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وست مئة. ورخه الشيخ الضياء. وسمعت على زينب الكندية بإجازته.

ابن الجراح

الأديب المنشئ تاج الدين يحيى بن منصور ابن الجراح المصري صاحب الخط الأنيق والترسل البديع. خدم مدة، وروى عن السلفي، وله لغز: ماشي قلبه حجر، ووجه قمر، إن نبذ اعتزل البشر، وإن أجعته رضي بالنوى، وانطوى على الخوى، وإن أشبعته قبل القدم وصحب الخدم، وإن غلفته ضاع، وإن أدخلته السوق أبى أن يباع، وإن شددت ثانيه وحذفت رابعه كدر الحياة وخفف الصلاة وأحدث وقت العصر الضجر ووقت الفجر الخدر، وإن فصلته دعا لك وبقى، ما إن ركبته هالك وربما كثر مالك وأحسن بعون المساكين مآلك.
قوله: قلبه حجر أي جلمد، والمساكين أهل السفينة في البحر.
توفي في شعبان سنة ست عشرة وست مئة وله خمس وسبعون سنة.

اليونيني

الزاهد العابد أسد الشام الشيخ عبد الله بن عثمان بن جعفر اليونيني.
كان شيخاً طويلاً مهيباً شجاعاً حاد الحال، كان يقوم نصف الليل إلى الفقراء، فمن رآه نائماً وله عصا اسمها العافية ضربه بها، ويحمل القوس والسلاح، ويلبس قبعاً من جلد ماعز بصوفه، وكان أماراً بالمعروف لا يهاب الملوك، حاضر القلب، دائم الذكر، بعيد الصيت. كان من حداثته يخرج وينطرح في شعراء يونين فيرده السفارة إلى أمه، ثم تعبد بجبل لبنان، وكان يغزو كثيراً.
قال الشيخ علي القصار: كنت أهابه كأنه أسد، فإذا دنوت منه وددت أن أشق قلبي وأجعله فيه.
قيل: إن العادل أتى والشيخ يتوضأ، فجعل تحت سجادته دنانير، فردها وقال: يا أبو بكر كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق، وتبيع المرأة وقية يؤخذ منها قرطيس؟ فأبطل ذلك.
وقيل: جلس بين يديه المعظم وطلب الدعاء منه، فقال: يا عيسى لا تكن نحس مثل أبيك أظهر الزعل وافسد على الناس المعاملة.
حكى الشيخ عبد الصمد قال: والله مذ خدمت الشيخ عبد الله، ما رايته استند ولا سعل ولا بصق.
قد طولت هذه الترجمة في التاريخ الكبير وفيها كرامات له ورياضات وإشارات، وكان لا يقوم لأحد تعظيماً لله ولا يدخر شيئاً؛ له ثوب خام، ويلبس في الشتاء فروة، وقد يؤثر بها البرد، وكان ربما جاع ويأكل من ورق الشجر.
قال سبط الجوزي: كان الشيخ شجاعاً ما يبالي بالرجال قلوا أو كثروا، وكان قوسه ثمانين رطلاً، وما فاتته غزاة. وقيل: كان يقول للشيخ الفقيه تلميذه: في وفيم نزلت "إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل " توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وست مئة، وهو صائم، وقد جاوز ثمانين سنة رحمه الله تعالى.
ولأصحابه فيه غلو زائد، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، والشيخ أبو عمر أجل الرجلين.

الغزنوي

الواعظ أبو الفتح أحمد بن علي بن الحسين الغزنوي ثم البغدادي.
ولد سنة 532.
وسمعه أبوه من أبي الحسن بن صرما، والأرموي، وأبي الفتح الكروخي وأبي سعد ابن البغدادي.
قال ابن الدبيثي: لم يحب الرواية لميله إلى غير ذلك وشنآنه، ولم يكن محمود الطريقة.
وقال ابن النجار: كان فاسد القعيدة يعظ ونال من الصحابة، شاخ وافتقر وهجره الناس، وكان ضجوراً عسراً مبغضاً لأهل الحديث، انفرد برواية جامع الترمذي وبمعرفة الصحابة لابن مندة، وكان يسمع بالأجرة.
قلت: روى عنه ليث ابن نقطة، ومحمد بن الهني، ومحمد بن مسعود العجمي الموصلي، والشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش.
وقال ابن نقطة: هو مشهور بين العوام برذائل ونقائض من شرب ورفض، ثم سئل وأنا أسمع عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال: كافر، وعمن يسب الصحابة، فقال: كافر، وعمن يستحل شرب الخمر - وقيل: إنهم يعنونك بذلك -، فقال: أنا بريء من ذلك، وكتب خطه بالبراءة.
قلت: لعله تاب وارعوى.
وممن سمع منه كثيراً الشيخ جمال الدين يحيى ابن الصيرفي توفي في رمضان سنة ثماني عشرة وست مئة.

الطوسي

الشيخ الإمام المقرئ المعمر مسند خراسان رضي الدين أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي بن حسن بن محمد بن أبي صالح الطوسي ثم النيسابوري.
ولد سنة أربع وعشرين وخمس مئة.
وسمع صحيح مسلم في سنة ثلاثين من الفراوي. وسمع صحيح البخاري من وجيه، وأبي المعالي الفارسي، وعبد الوهاب بن شاه، والموطأ من هبة الله السيدي سوى الفوت العتيق، وسمع تفسير الثعلبي من عباسة العصاري، وأكثر الوسيط للواحدي من عبد الجبار الخواري، والغاية لابن مهران من زاهر بن طاهر، والأربعين للحسن بن سفيان من فاطمة بنت زعبل، وجزء ابن نجيد، وأشياء تفرد بها، ورحل إليه من الأقطار. وكان ثقة، خيراً، مقرئاً جليلاً. حدث عنه العلامة جمال الدين محمود ابن الحصيري، وابن الصلاح، والقاضي الخوئي، وابن نقطة، والبرزالي، وابن النجار، والضياء، والموسي، والصريفيني، والمجد الإسفراييني، وعلي بن يوسف الصوري، وشمس الدين البيلقاني، ومفضل القرشي، وأحمد ابن عمر الباذبيني، والكمال بن طلحة، وخلق.
وبالإجازة تاج الدين العصروي، وابن عساكر، وعبد الواسع الأبهري، وزينب الكندية.
توفي في العشرين من شوال سنة سبع عشرة وست مئة.
وقد أجاز له من بغداد قاضي المارستان، وأبو منصور القزاز.
وفيها مات الزاهد الشيخ عبد الله اليونيني، وعبد الرحمان بن أحمد بن هدية الوراق، والمحدث عبد العزيز بن هلالة، وعبد العظيم بن عبد اللطيف الشرابي، وأمير مكة قتادة بن إدريس الحسني، وخوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش، وصاحب حماة المنصور بن محمد بن تقي الدين عمر، ووزير العراق النصير بن مهدي العجمي، والأمير عماد الدين ابن المشطوب.
حكى الأشرف أحمد ابن القاضي الفاضل: حدثني المحب عبد العزيز بن هلالة، قال: رأيت كأن المؤيد الطوسي قد مات ودفناه، فلما انصرف الناس وشق القبر وخرج منه النار وهو ينادي: يا محب ما تبصر ما أنا فيه؟ قلت: ولم يفعل بك هذا؟ قال: لأخذ الذهب على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حدث المحب بمنام رآه لابن طبرزذ هو في تاريخ ابن العديم.

السمعاني

الشيخ الإمام العلامة المفتي المحدث فخر الدين أبو المظفر عبد الرحيم ابن الحافظ الكبير أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور ابن السمعاني المروزي الشافعي.
ولد سنة سبع وثلاثين وخمس مئة في ذي القعدة، واعتنى به أبوه اعتناء كلياً، ورحل به، وأسمعه ما لا يوصف كثرة.
وسمع بعلو صحيح البخاري وسنن أبي داود وجامع أبي عيسى وسنن النسائي ومسند أبي عوانة وتاريخ الفسوي وسمع الحلية ومسند الهيثم وصحيح مسلم وكثيراً من مسند السراج.
وخرج أبوه له عوالي في سفرين، وأشغله بالفقه والحديث والأدب، وحصل من كل فن، وانتهت إليه رياسة الشافعية ببلده. وكان معظماً محترماً، قاله ابن النجار.
قال: وعمل له أبوه معجماً في ثمانية عشر جزءاً.
قلت: أعلى شيخ له أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار العباسي التاجر حدثه بصفة المنفق بنيسابور عن أبي جعفر ابن المسلمة.
وسمع من الرئيس أسعد بن علي المهروي، ووجيه الشحامي، والحسين بن علي الشحامي، وأبي الفتوح عبد الله بن علي الخركوشي، والجنيد القايني، وأبي الوقت السجزي، وأبي الأسعد ابن القشيري، وجامع السقاء، ومحمد بن إسماعيل بن أبي صالح المؤذن، ومحمد بن منصور الحرضي، وأبي طاهر محمد بن أبي بكر السنجي، وأبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشمهيني، ومحمد بن الحسن بن تميم الطائي، ومحمد بن عبد الله بن أبي سعد الشيرازي، ومحمد بن إسماعيل الشاماتي، ومحمد بن عبد الواحد المغازلي، ومحمد بن جامع خياط الصوف، والحسن بن محمد السنجبستي، وسعيد بن علي الشجاعي، وأبي البركات عبد الله بن الفراوي، وعبد السلام الهروي بكبرة، وأبي منصور عبد الخالق بن الشحامي، وعمر بن أحمد الصفار، وعثمان بن علي البيكندي، وخلق ببخارى، وسمرقند، وهراة، ونيسابور، ومرو، وأماكن عدة.
وحج في سنة ست وسبعين، فحدث ببغداد ورجع.
روى الكثير، ورحل الطلبة إليه.
سمع منه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي ومات قبله بدهر، والبرزالي، وابن الصلاح، والضياء، وابن النجار، وابن هلالة، والشرف المرسي، وأحمد بن عبد المحسن الغرافي، وجماعة.
وبالإجازة تاج الدين ابن عصرون، والشرف ابن عساكر، وزينب الكندية.
وكان صدراً معظماً مكملاً، بصيراً بالمذهب، له أنسة بالحديث.
قال ابن الصلاح: قرأت عليه في أربعين ابن الفراوي في حديث كأنه سمعه من البخاري، فقال: ليس لك بعال ولكنه للبخاري نازل.
وقال ابن النجار: سماعاته بخطوط المعروفين صحيحة، فأما ما كان بخطه، فلا يعتمد عليه، كان يلحق اسمه في الطباق.
قلت: عدم في دخول التتار في آخر سنة سبع عشرة أو في أول سنة ثماني عشرة، وكان أخوة الصدر أبو زيد محمد رسولاً من جهة خوارزم شاه إلى الخليفة.

ابن الصفار

الإمام الفقيه المسند الجليل أبو بكر القاسم ابن الشيخ أبي سعد عبد الله ابن الفقيه عمر بن أحمد النيسابوري، ابن الصفار الشافعي مفتي خراسان. مولده في ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وخمس مئة.
سمع من جده، ومن وجيه الشحامي وعبد الله ابن الفراوي، ومحمد ابن منصور الحرضي، وهبة الرحمان ابن القيشري، وإسماعيل بن عبد الرحمان العصائدي، وعبد الوهاب بن إسماعيل الصيرفي. وعدة.
حدث عنه البرزالي، والضياء، والصريفيني، وابن الصلاح، ومحمد بن محمد الإسفراييني، والمرسي، والبكري، وعمر الكرماني، وجماعة.
وبالإجازة أبو الفضل ابن عساكر، وابن أبي عصرون، وزينب بنت كندي.
ومن مسموعاته: مسند أبي عوانة من أبي الأسعد ابن القشيري، وكتاب الزهريات للذهلي من وجيه.
ونقلت من خط الإسفراييني: أخبرنا الإمام مفتي خراسان شهاب الدين القاسم ابن الصفار، فذكر حديثاً، ثم قال: ما رأيت في خراسان من المشايخ مثل شهاب الدين هذا حلماً وعلماً ومعرفة بالمذهب. سمعت أنه درس الوسيط للغزالي أربعين مرة درس العامة سوى درس الخاصة.
قال: ودخلت الترك نيسابور في سنة سبع عشرة وست مئة، ولم يتمكنوا من دخولها، قتل مقدمهم بسهم غرب، فرجعوا عنها، ثم عادوا، إليها في سنة ثماني عشرة وأخذوها وأخربوها، وقتلوا رجالها ونسائها إلا من شاء الله، واستشهد شيخنا القاسم ابن الصفار فيهم.

محمد بن مكي

ابن أبي الرجاء، الفقيه الإمام الحافظ أبو عبد الله الأصبهاني الحنبلي، مفيد أصبهان.
سمع أبا الخير الباغبان، وأبا عبد الله الرستمي، ومسعود بن الحسن الثقفي، ومحموداً فورجة، وأبا المطهر الصيدلاني، وطبقتهم.
وكتب الكثير، وجمع، وخرج، وحدث.
روى عنه ضياء الدين المقدسي، وزكي الدين البرزالي، وطائفة من الرحالة.
وأجاز لابن شيبان، والفخر ابن البخاري، والبرهان ابن الدرجي.
مات في المحرم سنة عشر وست مئة، وقد شاخ.

نجم الدين الكبرى

الشيخ الإمام العلامة القدوة المحدث الشهيد شيخ خراسان نجم الكبراء، ويقال: نجم الدين الكبرى، الشيخ أبو الجناب أحمد بن عمر ابن محمد الخوارزمي الخيوقي الصوفي، وخيوق: من قرى خوارزم.
طاف في طلب الحديث، وسمع من أبي طاهر السلفي، وأبي العلاء الهمذاني العطار، ومحمد بن بنيمان، وعبد المنعم ابن الفراوي، وطبقتهم، وعني بالحديث، وحصل الأصول.
حدث عنه عبد العزيز بن هلالة، وخطيب داريا شمخ، وناصر بن منصور العرضي، وشيف الدين الباخرزي تلميذه، وآخرون.
قال ابن نقطة: هو شافعي إمام في السنة.
وقال عمر بن الحاجب: طاف البلاد وسمع واستوطن خوارزم، وصار شيخ تلك الناحية، وكان صاحب حديث وسنة، ملجأ للغرباء، عظيم الجاه، لا يخاف في الله لومة لائم.
وقال ابن هلالة: جلست عنده في الخلو مراراً، وشاهدت أموراً عجيبة، وسمعت من يخاطبني بأشياء حسنة.
قلت: لا وجود لمن خاطبك في خلوتك مع جوعك المفرط، بل هو سماع كلام في الدماغ الذي قد طاش وفاش وبقي قرعة كما يتم للمبرسم والمغمور بالحمى والمجنون، فاجزم بهذا واعبد الله بالسنن الثابتة تفلح! وقيل: إنه فسر القرآن في اثني عشر مجلداً، وقد ذهب إليه فخر الدين الرازي صاحب التصانيف، وناظر بين يديه فقيهاً في معرفة الله وتوحيده، فأطالا الجدال، ثم سألا الشيخ عن علم المعرفة، فقال: هي واردات ترد على النفوس، تعجز النفوس عن ردها. فسأله فخر الدين: كيف الوصول إلى إدراك ذلك؟ قال: بترك ما أنت فيه من الرئاسة، والحظوظ. قال: هذا ما أقدر عليه. وأما رفيقه فزهد، وتجرد، وصحب الشيخ.
نزلت التتار على خوارزم في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وست مئة، فخرج نجم الدين الكبرى فيمن خرج للجهاد، فقاتلوا على باب البلد حتى قتلوا رضي الله عنهم، وقتل الشيخ وهو في عشر الثمانين.
وفي كلامه شيء من تصوف الحكماء.
حدثنا أبو عاصم نافع الهندي، أخبرنا مولاي سعيد بن المطهر، أخبرنا أبو الجناب أحمد بن عمر سنة 615، قال: قرأت على أبي العلاء الحافظ، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل الصفار، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سلم بن سالم، عن نوح بن أبي مريم، عن ثابت، عن أنس، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " قال: للذين أحسنوا العمل في الدنيا، الحسنى وهي الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم.
نوح تالف، وسلم ضعفوه. وفيها مات الواعظ أبو الفتح أحمد بن علي الغزنوي صاحب الكروخي، وطاغوت الإسماعيلية ضلال الدين حسن بن علي الصباحي بالألموت، والشهاب محمد بن راجح الحنبلي، وأبو الفرج محمد بن عبد الرحمان الواسطي التاجر، وموسى بن عبد القادر الجيلي، وهبة الله بن الخضر بن طاووس، والقاسم بن عبد الله ابن الصفار، ومسند هراة أبو روح عبد المعز بن محمد البزاز.

أبو روح

الشيخ الجليل الصدوق المعمر مسند خراسان حافظ الدين أبو روح عبد المعز بن محمد بن أبي الفضل بن أحمد بن أسعد بن صاعد الساعدي الخراساني الهروي البزاز الصوفي.
ولد في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين وخمس مئة بهراة.
وسمع في سنة سبع وبعدها من جده لأمه عبيد الله بن أبي عاصم، وتميم بن أبي سعيد الجرجاني، وزاهر بن طاهر، ومحمد بن إسماعيل الفضيلي، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد، ومحمد بن علي المضري، وعبد الرشيد حفيد أبي عمر المليحي، وعدة. وله مشيخة في جزء. وقد حضر في سنة خمس وعشرين على محمد بن إسماعيل الفامي. وسمع صحيح البخاري من خلف بن عطاء بسماعه من أبي عمر المليحي.
وقال ابن نقطة: سمع مسند أبي يعلى من تميم، قال لي يحيى ابن علي المالقي: كان له فوت فيه حتى قدم علينا ابن خولة من الهند إلى هراة، فأخرج لنا المجلدة التي فيها سماعه، فتم له الكتاب.
قال: ويروي كتاب الأنواع والتقاسيم.
قلت: حدث عنه البرزالي والضياء، وابن النجار، والمرسي، والبكري، وعبد الحق المنبجي، والصريفيني، ومشهور النيرباني. وسمعت بإجازته من جماعة، وانتهى إليه علو الإسناد.
قال الضياء: قتلته الترك في ربيع الأول سنة ثماني عشرة وست مئة.

العادل وبنوه

السلطان الكبير الملك العادل سيف الدين أبو الملوك وأخو الملوك أبو بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل التكريتي ثم البعلبكي المولد. ولد بها إذ والده ينوب بها للأتابك زنكي بن آقسنقر في سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
كان أصغر من أخيه صلاح الدين بعامين، وقيل: بل مولده في سنة ثمان وثلاثين فالله أعلم.
نشأ في خدمة الملك نور الدين، ثم شهد المغازي مع أخيه. وكان ذا عقل ودهاء وشجاعة وتؤدة وخبرة بالأمور، وكان أخوه يعتمد عليه ويحترمه، استنابه بمصر مدة ثم ملكه حلب، ثم عوضه عنها بالكرك وحران، وأعطى حلب لولده الظاهر.
قيل: إن العادل لما سار مع أخيه قال: أخذت من أبي حرمدان فقال: يا أبا بكر إذا أخذتم مصر املأه لي ذهباً، فلما جاء إلى مصر، قال: وأبن الحرمدان؟ فملأته دراهم وجعلت أعلاه دنانير، فلما قلبه قال: فعلت زغل المصريين.
ولما ناب بمصر استحبه صلاح الدين في الحمل، حتى قال: يسير الحمل من مالنا أو من ماله، فشق عليه، وحكاها للقاضي الفاضل، فكتب جوابه: وأما ما ذكره السلطان فتلك لفظة ما المقصود بها من الممالك النجعة بل قصد به الكاتب السجعة، وكم من كلمة فظة ولفظة فيها غلظة جبرت عي الأقلام وسدت خلل الكلام، وعلى الملوك الضمان في هذه النكتة، وقد فات لسان القلم أي سكتة.
قلت: وكان سائساً، صائب الرأي، سعيداً، استولى على البلاد، وامتدت أيامه، وحكم على الحجاز، ومصر، والشام، واليمن، وكثير من الجزيرة، وديار بكر، وأرمينية. وكان خليقاً للملك، حسن الشكل، مهيباً، حليماً، ديناً، فيه عفة وصفح وإيثار في الجملة. أزال الخمور والفاحشة ف بعض أيام دولته، وتصدق بذهب كثير في قحط مصر حتى قيل: إنه كفن من الموتى ثلاث مئة ألف، والعهدة على سبط الجوزي في هذه.
وسيرته مع أولاد أخيه مشهورة، ثم لم يزل يراوغهم ويلقي بينهم حتى دحاهم، وتمكن واستولى على ممالك أخيه، وأبعد الأفضل إلى سميساط، وودع الظاهر وكاسر عنه لكون بنته زوجته، وبعث على اليمن حفيده المسعود أطسز ابن الكامل، وناب عنه بميافارقين ابنه الأوحد، فاستولى على أرمينية. ثم إنه قسم الممالك بين أولاده، وكان يصيف بالشام غالبً ويشتو بمصر.
جاءته خلع السلطنة من الناصر لدين الله وهي: جبة سوداء بطرز ذهب وجواهر في الطوق، وعمامة سوداء مذهبة، وطرق، وسيف، وحصان بمركب ذهب، وعلم أسود، وعدة خلع لبنيه مع السهروردي، فقرئ تقليده على كرسي، قرأه وزيره، وخوطب فيه: بالعادل شاه أرمن ملك الملوك خليل أمير المؤمنين. وخاف من الفرنج فصالحهم وهادنهم وأعطاهم مغل الرملة ولد، وسلم إليهم يافا، فقويت نفوسهم، فالأمر لله.
ثم أمر بتجديد قلعة دمشق، وألزم كل ملك من آله بعمارة برج في سنة أربع وست مئة، وعمر عدة قلاع.
قال الموفق عبد اللطيف: كان أعمق إخوته فكراً، وأطولهم عمراً، وأنظرهم في العواقب، وأحبهم للدرهم، وكان فيه حلم وأناة وصبر على الشدائد، سعيد الجد، عالي الكعب، مظفراً، أكولاً، نهماً، يأكل من الحلواء السكرية رطلاً بالدمشقي. وكان كثير الصلاة، ويصوم الخميس، يكثر الصدقة عند نزول الآفات، وكان قليل المرض. لقد أحضر إليه أربعون حملاً من البطيخ فكسر الجميع وبالغ في الأكل فحم يوماً. وكان كثير التمتع بالجواري، ولا يدخل عليهن خادماً إلا دون البلوغ.
نجب له عدة أولاد سلطنهم وزوج بناته بملوك الأطراف.
وقد احتيل على الفتك به مرات، ويسلمه الله.
وكان شديد الملازمة لخدمة أخيه صلاح الدين، وما زال يتحيل حتى أعطاه العزيز دمشق، فكانت السبب في أن تملك البلاد، ولما جاءه بمنشورها ابن أبي الحجاج أعطاه ألف دينار، ثم جرت أمور يطول شرحها وقتال على الملك، ولو كان ذلك التعب والحرب جهاداً للفرنج لأفلح.
وتملك ابنه الأوحد خلاط فقتل خلقاً من عسكرها.
قال الموفق: فقال لي بعض خواصة: إنه قتل في مدة ثمانية عشر ألفاً من الخواص كان يقتلهم ليلاً ويلقيهم في الآبار، فما أمهل واختل عقله ومات. وقد بعث إليه أبوه معزماً ظنه جن. فتملك بعده الأشرف إلى أن قال: ورد العادل ورماح الفرنج في أثره حتى وصل دمشق ولم يدخلها، وشجعه المعتمد. وأما الفرنج فظنوا هزيمته مكيدة فرجعوا بعدما عاثوا وقصدوا دمياط. وقيل: عرض له ضعف ورعشة، واعتراه ورم الأنثيين فمان بظاهر دمشق.
كانت خزانته بجعبر ورها ولده الحافظ ثم نقلها إلى دمشق، فحصلت في قبضة ولده المعظم، وكان قد مكر وحسن لأخيه العصيان ففعل، فبادر أبوه وحول الأموال.
وقد حدث العادل بجزء السابع من المحامليات عن السلفي، رواه عنه ابنه الصالح إسماعيل، والشهاب القوصي، وأبو بكر ابن النشبي، ومات وفي خزانته سبع مئة ألف دينار عيناً.
توفي بعالقين في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وست مئة، ودفن بالقلعة أربع سنين في تابوت ثم نقل إلى تربته.
وخلف عدة أولاد: الكامل صاحب مصر، والمعظم صاحب دمشق، والأشرف صاحب أرمينية ثم دمشق، والصالح عماد الدين، وشهاب الدين غازياً صاحب ميافارقين، وآخر من مات منهم تقي الدين عباس، وعاشت بنته مؤنسة بنت العادل بمصر إلى سنة ثلاث وتسعين وست مئة، وحدثت بإجازة عفيفة.
قال ابن خلكان: كان مائلاًً إلى العلماء حتى لصنف له الرازي كتاب تأسيس التقديس فذكر اسمه في خطبته.

المعظم

السلطان الملك المعظم ابن العادل المذكور هو شرف الدين عيسى بن محمد الحنفي الفقيه صاحب دمشق.
مولده بالقصر من القاهرة في سنة ست وسبعين وخمس مئة.
ونشأ بدمشق، وحفظ القرآن، وبرع في المذهب، وعني بالجامع الكبير، وصنف له شرحاً كبيراً بمعاونة غيره، ولازم التاج الكندي، وتردد إليه إلى درب العجم من القلعة، وتحت إبطه الكتاب، فأخذ عنه كتاب سيبويه، وكتاب الحجة في القراءات، والحماسة، وحفظ عليه الإيضاح، وسمع مسند الإمام أحمد بن حنبل وله ديوان شعر سمعه منه القوصي فيما زعم. وله مصنف في العروض، وكان ربما لا يقيم الوزن، وكان يتعصب لمذهبه، قد جعل لمن عرض المفصل، مئة دينار صورية ولمن عرض الجامع الكبير مئتي دينار.
وحج في سنة إحدى عشرة، وأنشأ البرك، وعمل بمعان دار مضيف وحماماً. وكان يبحث ويناظر، وفيه دهاء وحزم، وكان يوصف بالشجاعة والكرم والتواضع؛ ساق مرة إلى الإسكندرية في ثمانية أيام على فرس واحد، واعد القصاد وأصحاب الأخبار، وكان على كتفه الفرنج، فكان يظلم، ويدير ضمان الخمر ليستخدم بذلك، وكان يركب وحده مراراً ثم يلحقه مماليكه يتطاردون، وكان يصلي الجمعة في تربة عمه صلاح الدين، ثم يمشي منها يزور قبر أبيه.
قرأت بخط الضياء الحافظ: كان المعظم شجاعاً فقيهاً يشرب المسكر، وأسس ظلماً كثيراً، وخرب بيت المقدس. وقال ابن الأثير: وكان عالماً بعدة علوم، نفق سوق العلم في أيامه، وقصده الفقهاء، فأكرمهم، وأعطاهم، ولم يسمع منه كلمة نزقة، ويقول: اعتقادي في الأصول ما سطره الطحاوي. وأوصى أن لا يبنى على قبره، ولما مرض قال: لي في قضية دمياط ما أرجو به الرحمة.
وقال ابن واصل: كان جنده ثلاثة آلاف فارس في نهاية التجمل، وكان يقاوم بهم إخوته، وكان الكامل يخافه، مع أنه كان يخطب للكامل في بلاده ويضرب السكة باسمه. وكان لا يركب في غالب أوقاته بالعصائب، ويلبس كلوتة صفراء بلا عمامة، وربما مشى بين العوام حتى كاد يضرب المثل بفعله، فمن فعل شيئاً بلا تكلف، قيل: هذا بالمعظمي. وتردد مدة في الفقه إلى الحصيري حتى تأهل للفتيا.
توفي في سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وست مئة وكان له دمشق والكرك وغير ذلك، وحلفوا بعده لابنه الناصر داود.

الأشرف

صاحب دمشق السلطان الملك الأشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى شاه أرمن ابن العادل.
ولد بالقاهرة في سنة ست وسبعين، فهو من أقران أخيه المعظم.
وروى عن ابن طبرزذ.
حدثنا عنه أبو الحسين اليونيني.
وحدث عنه أيضاً القوصي في معجمه.
وسمع الصحيح في ثمانية أيام من ابن الزبيدي.
تملك القدس أولاً، ثم أعطاه أبوه حران والرها وغير ذلك، ثم تملك خلاط، وتنقلت به الأحوال، ثم تملك دمشق بعد حصار الناصر بها، فعدل وخفف الجور، وأحبته الرعية. وكان فيه دين وخوف من الله على لعبه. وكان جواداً، سمحاً، فارساً شجاعاً، لديه فضيلة. ولما مر بحلب سنة خمس وست مئة تلقاه الملك الظاهر ابن عمه وأنزله في القلعة، وبالغ في الإنفاق عليه، فأقام عنده خمسة وعشرين يوماً، فلعله نابه فيها لأجله خمسون ألف دينار، ثم قدم له تقدمة وهي: مئة بقجة مع مئة مملوك فيها فاخر الثياب وخمسة وعشرون رأساً من الخيل، وعشرون بغلاً وقطاران جمال، وعدة خلع لخواصه ومئة ألف درهم، وأشياء سوى ذلك.
ومن سعادته أن أخاه الملك الأوحد صاحب خلاط مرض فعاده الأشرف فأسر الطبيب إليه: إن أخاك سيموت، فمات بعد يوم واستولى الأشرف على أرمينية.
وكان مليح الهيئة، حلو الشمائل. قيل: ما هزمت له راية. وكان له عكوف على الملاهي والمسكر عفا الله عنه، ويبالغ في الخضوع للفقراء ويزورهم ويعطيهم، ويجيز على الشعر، ويبعث في رمضان بالحلاوات إلى أماكن الفقراء، ويشارك في صنائع، وله فهم وذكاء وسياسة. أخرب خان العقيبة، وعمله جامعاً.
قال سبط الجوزي: فجلست فيه، وحضر الأشرف وبكى وأعتق جماعة. وعمل مسجد باب النصر، ودار السعادة، ومسجد أبي الدرداء، وجامع جراح، وداري الحديث بالبلد وبالسفح والدهشة، وجامع بين الأبار.
قال سبط الجوزي: كان الأشرف يحضر مجالسي بحران، وبخلاط، ودمشق، وكان ملكاً عفيفاً، قال لي: ما مددت عيني إلى حريم أحد ولا ذكر ولا أنثى، جائتني عجوز من عند بنت صاحب خلاط شاه أرمن بأن الحاجب علي أخذ لها ضيعة فكتبت بإطلاقها فقالت العجوز: تريد أن تحضر بين يديك. فقلت: باسم الله، فجاءت بها فلم أر أحسن من قوامها ولا أحسن من شكلها فخدمت فقمت لها، وقلت: أنت في هذا البلد وأنا لا أدري؟ فسفرت عن وجه أضاءت منه الغرفة، فقلت: لا، استتري. فقالت: مات أبي واستولى على المدينة بكتمر، ثم أخذ الحاجب قريتي، وبقيت أعيش من عمل النقش وفي دار بالكراء. فبكيت لها، وأمرت لها بدار وقماش، فقالت العجوز: يا خوند ألا تحظى الليلة بك؟ فوقع في قلبي تغير الزمان وأن خلاط يملكها غيري، وتحتاج بنتي أن تقعد هذه القعدة، فقلت: معاذ الله ما هذا من شيمتي. فقامت الشابة باكية تقول: صان الله عواقبك. وحدثني أن غلاماً له مات فخلف ابناً كان مليح زمانه، وكنت أتهم به، وهو أعز من ولد، وبلغ عشرين سنة، فاتفق أنه ضرب غلاماً له فمات، فاستغاث أولياؤه، فاجتمع عليه مماليكي، حتى بذلوا لهم مئة ألف فأبوا إلا قتله، فقلت: سلموه إليهم، فسلموه فقتلوه.
وقضيته مشهورة بحران؛ أتاه أصحاب الشيخ حياة وبددوا المسكر من بين يديه، فسكت، وكان يقول: بها نصرت. وقد خلع علي مرة وأعطاني بغلة وعشرة آلاف درهم.
وحدثني الفقيه محمد اليونيني، قال: حكى لي فقير صالح، قال: لما مات الأشرف رأيته في ثياب خضر وهو يطير مع الأولياء.
وله شعر فيما قيل. قال: وكنت أغشاه في مرضه، فقلت له: استعد للقاء الله فما يضر، فقال: لا والله بل ينفع، ففرق البلاد، وأعتق مماليكه نحو مئتين، ووقف دار السعادة والدهشة على بنته.
وقال ابن واصل: خلف بنتاً فتزوجها الملك الجواد، فلما تسلطن عمها الصالح فسخ نكاحها، ولأنه حلف بطلاقها إلى شيء فعله، ثم زوجها بولده المنصور محمد، فدامت في صحبته إلى اليوم.
وكان للأشرف ميل إلى المحدثين والحنابلة؛ قال ابن واصل: وقعت فتنة بين الشافعية والحنابلة بسبب العقائد. قال: وتعصب الشيخ عز الدين ابن عبد السلام على الحنابلة، وجرت خبطة، حتى كتب عز الدين رحمه الله إلى الأشرف يقع فيهم، وأن الناصح ساعد على فتح باب السلامة لعسكر الظاهر والأفضل عندما حاصروا العادل، فكتب الأشرف: يا عز الدين الفتنة ساكنة لعن الله مثيرها، وأما باب السلامة فكما قيل:

وجرم جره سفهاء قـوم

 

فحل بغير جانبه العذاب

وقد تاب الأشرف في مرضه وابتهل، وأكثر الذكر والاستغفار.
قلت: مرض مرضين مختلفين في أعلاه وأسفله، فقيل: كان الجرائحي يخرج من رأسه عظاماً، وهو يحمد الله.
ولما احتضر قال لابن موسك: هات وديعتي، فجاء بمئزر صوف فيه خرق من آثار المشايخ، وإزار عتيق، فقال: يكون هذا على بدني أتقي به النار، وهبنيه إنسان حبشي من الأبدال كان بالرها.
وقال ابن حمويه: كان به دمامل في رأسه ومخرجه، وتأسف الخلق عليه.
قلت: كان يبالغ في تعظيم الشيخ الفقيه، توضأ الفقيه يوماً، فوثب الأشرف، وحل من تخفيفته ورماها على يدي الشيخ لينشف بها، رأى ذلك شيخنا أبو الحسين، وحكاه لي.
مات في رابع المحرم سنة خمس وثلاثين وست مئة، وكان آخر كلامه لا إله إلا الله فيما قيل.

الكامل

السلطان الكبير الملك الكامل ناصر الدنيا والدين أبو المعالي وأبو المظفر محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب مصر والشام وميافارقين وآمد وخلاط والحجاز واليمن وغير ذلك.
ولد في سنة ست وسبعين وخمس مئة، فهو من أقران أخويه المعظم والأشرف، وكان أجل الثلاثة وأرفعهم رتبة.
أجاز له عبد الله بن بري النحوي.
وتملك الديار المصرية أربعين سنة شطرها في أيام والده. وكان عاقلاً مهيباً، كبير القدر.
قال ابن خلكان: مال عماد الدين ابن المشطوب وأمراء إلى خلع الكامل وقت نوبة دمياط وسلطنة أخيه إبراهيم الفائز، ولاح ذلك للكامل فدارى حتى قدم إليه المعظم فأفضى إليه بسره، فجاء المعظم يوماً إلى خيمة ابن المشطوب، فخرج إليه، وخضع، فقال: اركب نتحدث. فركب وتحدثا حتى أبعد به، ثم قال: يا فلان هذه البلاد لك، فنريد أن تهبها لنا، وأعطاه نفقة ووكل به أجناداً إلى الشام، ثم جهز الفائز ليطلب عسكر الجزيرة نجدة، فتوفي الفائز بسنجار.
قال ابن مسدي: كان محباً في الحديث وأهله، حريصاً على حفظه ونقله، وللعلم عنده سوق قائمة على سوق. خرج له الشيخ أبو القاسم ابن الصفراوي أربعين حديثاً سمعها منه جماعة.
وحكى عنه مكرم الكاتب أن أباه استجاز له السلفي.
قال ابن مسدي: وقفت أنا على ذلك وأجاز لي ولابني.
وقال المنذري: أنشأ الكامل دار الحديث بالقاهرة، وعمر قبة على ضريح الشافعي، ووقف على أنواع البر، وله الموافق المشهورة في الجهاد بدمياط المدة الطويلة، وأنفق الأموال وكافح الفرنج براً وبحراً يعرف ذلك من شاهده، ولم يزل على ذلك حتى أعز الله الإسلام، وخذل الكفر.
وكان معظماً للسنة وأهلها، راغباً في نشرها والتمسك بها، مؤثراً للاجتماع بالعلماء والكلام معهم حضراً وسفراً.
وقال بعضهم: كان شهماً، مهيباً، عادلاً، يفهم ويبحث. قيل: شكا إليه ركبدار أن أستاذه استخدمه ستة أشهر بلا جامكية، فأمر الجندي بخدمة الركبدار وحمل مداسه ستة أشهر. وكانت الطرق آمنة في زمانه لهيبته. وقد بعث ابنه المسعود فافتتح اليمن، وجمع الأموال ثم حج فمات، وحملت خزائنه إلى الكامل.
قال البهاء زهير:

وأقسم إن ذاقت بنو الأصفر الكرى

 

لما حلمت إلا بأعلامك الصفـر

ثلاثة أعوام أقـمـت وأشـهـراً

 

تجاهد فيه لا بزيد ولا عـمـرو

قال ابن واصل: استوزر صفي الدين أولاً، فلما مات لم يستوزر أحداً، كان يتولى الأمور بنفسه. وكان مهيباً، حازماً، مدبراً، عمرت مصر في أيامه، وكان عنده مسائل من الفقه والنحو يوردها، فمن أجاب فيها حظي عنده. وجاءته خلع السلطنة على بد السهروردي سنة أربع وست مئة، والتقليد بمصر، وكان يوماً مشهوداً، وهي: جبة واسعة الكم بطرز ذهب، وعمامة، وطوق وأشباه ذلك. ومن همته أن الفرنج لما أخذوا دمياط أنشأ على بريد منها مدينة المنصورة واستوطنها مرابطاً حتى نصره الله، فإن الفرنج طمعوا في أخذ مصر، وعسكروا بقرب المنصورة، والتحم القتال أياماً، وألح الكامل على إخوته بالمجيء، فجاءه أخواه الأشرف والمعظم في جيش لجب، وهيئة تامة، فقوي الإسلام، وضعفت نفوس الفرنج ورسلهم تتردد، وبذل لهم الكامل قبل مجيء النجدة القدس وطبرية وعسقلان وجبلة واللاذقية وأشياء على أ يردوا له دمياط فأبوا، وطلبوا مع ذلك ثلاث مئة ألف دينار ليعمروا بها أسوار القدس، وطلبوا الكرك، فاتفق أن جماعة من المسلمين، فجروا من النيل ثلمة على نزلة العدو، فأحاط بهم النيل في هيجانه، ولا خبرة لهم بالنيل، فحال بينهم وبين دمياط، وانقطعت الميرة عنهم، وجاعوا وذلوا، فأرسلوا في طلب الأمان على تسليم دمياط، وعقد هدنة، فأجيبوا، فسلموا دمياط بعد استقرارهم بها ثلاث سنين، فلله الحمد.
ولما بلغ الكامل موت أخيه المعظم جاء ونازل دمشق، وأخذها من الناصر، وجعل فيها الأشرف. ولما مات الأشرف، بادر الكامل إلى دمشق وقد غلب عليها أخوه إسماعيل، فانتزعها منه، واستقر بالقلعة، فما بلع ريقه حتى مات بعد شهرين، تعلل بسعال وإسهال، وكان به نقرس، فبهت الخلق لما سمعوا بموته، وكان عدله مشوباً بعسف؛ شنق جماعة من الجند في بطيحة شعير.
ونازل دمشق فبعث صاحب حمص لها نجدة خمسين نفساً فظفر بهم وشنقهم بأسرهم.
قال الشريف العماد البصروي: حكي لي الخادم قال: طلب مني الكامل طستاً ليتقيأ فيه، فأحضرته وجاء لناصر داود، فوقف على الباب ليعوده، فقلت: داود على الباب، فقال: ينتظر موتي!؟ وانزعج، وخرجت فنزل داود إلى دار سامة، ثم دخلت إلى السلطان، فوجدته قد مات وهو مكبوب على المخدة.
وقال ابن واصل: حكى لي طبيبه قال: أخذه زكام فدخل الحمام، وصب على رأسه ماء شديد الحرارة اتباعاً لما قال ابن زكريا الرازي: إن ذلك يحل الزكمة في الحال، وهذا ليس على إطلاقه، قال: فانصب من دماغه إلى فم المعدة مادة فتورمت وعرضت الحمى، وأراد القيء، فنهاه الأطباء، وقالوا: إن تقيأ هلك، فخالف وتقيأ.
وقال الرضي الحكيم: عرضت له خوانيق انفقأت، وتقيأ دماً ومدة، ثم أراد القيء ثانياً فنهاه والدي، وأشار به آخر، فتقيأ، فانصب ذلك إلى قصبة الرئة سدتها، فمات.
قال المنذري: مات بدمشق في الحادي والعشرين من رجب سنة خمس وثلاثين وست مئة، ودفن في تابوت.
قلت: ثم بعد سنتين عملت له التربة، وفتح شباكها إلى الجامع.
وخلف ابنين: العادل أبا بكر، والصالح نجم الدين، فملكوا العادل بمصر، وتملك الجواد دمشق، فلم تطل مدتهما.

الأوحد

الملك الأوحد نجم الدنيا والدين أيوب بن الملك العادل.
تملك خلاط ونواحيها خمس سنين فظلم وعسف وسفك الدماء، فابتلي بأمراض مزمنة، فتمنى الموت فمات قبل الكهولة في سنة سبع وست مئة، واستولى على مملكته أخوه الأشرف.
وقد مر من أخباره في ترجمة أبيه، وأنه قتل ثمانية عشر ألف نسمة بخلاط، مات ملكها بلبان، فسار الأوحد من ميافارقين، وافتتح موش، وكسر بلبان، فاستنجد بصاحب أرزن الروم طغرل شاه، وهزما الأوحد، لكن غدر طغرل ببلبان فقتله، وقصد خلاط، فقاتلوه فرد خائباً، فكاتبوا الأوحد، فسار، وتسلم البلاد، وتمكن، فلما مات تملك أرمينية أخوه الأشرف، فعدل، وأسحن السيرة.
مات الأوحد في ربيع الأول من سنة سبع، وكان طاغية الكرج قد حاصر خلاط سنة ست، وركب سكراناً في عشرين نفساً، وتقرب إلى البلد فأسر في الحال، فذل، وبذل في نفسه عدة قلاع ومئة ألف دينار وإطلاق خمسة آلاف أسير وشرط أن يزوج بنته بالأوحد، وعقدت الهدنة بينهما ثلاثين سنة.

الحافظ

الملك الحافظ نور الدين أرسلان شاه ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمد بن أيوب صاحب قلعة جعبر. أقام بجعبر مدة، وكان كثير الأموال، خاف في أواخر أيامه من الخوارزمية؛ لأنهم أغاروا مرات على أعماله فسلم جعبر لصاحب حلب الملك العزيز، وعوضه عنها بعزاز من أعمال حلب، فقدم حلب على أخته الصاحبة، ثم إنه مات بعزاز في سنة أربعين وست مئة كهلاً، ونقل فدفن بالفردوس بظاهر حلب، فماتت أخته الصاحبة الخاتون ضيفة بنت الملك العادل وزوجة الملك الظاهر غازي ابن عمها، ووالدة صاحب حلب الملك العزيز، وكانت نبيلة معظمة نافذة الأوامر، توفيت سنة أربعين بحلب عن تسع وخمسين سنة، وبحلب ولدت حين تملكها والدها، وقد تزوج الظاهر قبلها بأختها الست غازية، فأولدها أيضاً، وماتت، وكانت الصاحبة دينة عادلة سائسة تباشر الملك بنفسها لصغر ولدها وكانت كثيرة البر والصدقات.
وفيها توفيت الجهة الأتابكية تركان بنت صاحب الموصل عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي زوجة السلطان الملك الأشرف بدمشق، ودفنت بتربتها عند الجسر الأبيض.
وفيها ماتت الست الفيروزجية عائشة أخت الإمام المستضيء، وعمة الإمام الناصر. عاشت ثمانين سنة، وماتت في ذي الحجة في أول دولة ابن ابن ابن ابن أخيها المستعصم ابن المستنصر ابن الظاهر ابن الناصر.

المظفر

السلطان الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب صاحب خلاط وميافارقين وحصن منصور وغير ذلك.
وكان ملكاً جواداً، حازماً، شهماً، شجاعاً، مهيباً، حلو المحاضرة، حسن الجملة، كبير الشأن، وقد حج في تجمل زائد على درب العراق.
مات في رجب سنة خمس وأربعين وست مئة، وقد شاخ، فتملك بعده ابنه الملك الكامل ناصر الدين محمد بن غازي الشهيد.
وإنما جمعت هنا بين هؤلاء الملوك استطراداً، وإلا فطبقاتهم متباينة، والله أعلم.
وقد قتل هولاكو ناصر الدين هذا في سنة ثمان وخمسين عتواً وغدراً، فرحمه الله تعالى، فلقد كان ديناً ومجاهداً، ثبت في الحصار إلى أن تفانت رجاله، وأهلكهم الجوع، وقاتلت معه النساء، وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.

الصالح

السلطان الملك الصالح عماد الدين أبو الخيش إسماعيل ابن الملك العادل محمد بن أيوب بن شاذي صاحب دمشق.
حدث عن أبيه بالسابع من المحامليات قرأه عليه السيف ابن المجد، وكان له ميل إلى المقادسة وإحسان.
تملك بصرى وبعلبك، وتنقلت به الأحوال واستولى على دمشق أعواماً، فحاربه صاحب مصر ابن أخيه، وجرت له أمور طويلة، ما بين ارتفاع وانخفاض.
وكان قليل البخت بطلاً شجاعاً مهيباً شديد البطش، مليح الشكل، كان في خدمة أخيه الأشرف، فلما مات الأشرف توثب على دمشق، وتملك، فجاء أخوه السلطان الملك الكامل، وحاصره، وأخذ منه دمشق، ورده إلى بعلبك. فلما مات الكامل، وتملك الجواد ثم الصالح نجم الدين، وسار نجم الدين يقصد مصر، هجم الصالح إسماعيل بإعانة صاحب حمص المجاهد، فتملك دمشق ثانياً في سنة سبع وثلاثين، فبقي بها إلى سنة اثنتين وأربعين. وحاربه الصالح بالخوارزمية، واستعان هو بالفرنج، وبذل لهم الشقيف وغيرها فمقت لذلك. وكان فيه جور. واستقضى على الناس الرفيع الجيلي، وتضرر الرعية دمشق في حصار الخوارزمية حتى أبيع الخبز رطل بستة دراهم، والجبن واللحم بنسبة ذلك، وأكلوا الميتة، ووقع فيهم وباء شديد.
قال المؤيد في تاريخه: سار الصالح نجم الدين من دمشق ليأخذ مصر، ففر إليه عسكر من المصريين، وكان استتاب بدمشق ولده المغيث عمر، وكاتب عمه إسماعيل يستدعيه من بعلبك، فاعتذر وأظهر أنه معه، وهو عمال في السر على دمشق، وفهم ذلك نجم الدين أيوب، فبعث طبيبه سعد الدين إلى بعلبك متفرجاً، وبعث معه قفص حمام نابلسي، ليبطق إليه بأخبار إسماعيل فعلم إسماعيل بمجيئه، فاستحضره واحترمه، واختلس الحمام من القفص، ووضع مكانها من حمام بعلبك، ثم صار الطبيب يبطق: إن عمك قد جمع وعزم على قصد دمشق، فيرسل الطير، فيقع في الحال بالقلعة، ويقرأ ذلك إسماعيل، ثم يكتب على لسان الطبيب: إن عمك قد جمع ليعاضدك وهو قادم إليك، ويرسل ذلك مع طير نابلسي فيفرح نجم الدين ويعرض عن ما يسمع، إلى أن راحت منه دمشق. وأما الصالح إسماعيل فترك دمشق بعد ذاك الحصار الطويل، وقنع ببعلبك. وفي معجم القوصي في ترجمة الأشراف: فأخوه إسماعيل نصر الكافرين وسلم إليهم القلاع، واستولى على دمشق سرقة، وحنث في يمينه، وقتل من الملوك والأمراء من كان ينفع في الجهاد، وصادر على يد قضاته العباد، وخرب الأملاك، وطول ذيل الظلم، وقصر ذيل العدل، وظن أن الفلك له مستمر، فسقط الدهر لغفلته، وأراه بلايا. وطول القوصي.
ثم ذهبت منه بعلبك وبصرى، وتلاشى أمره، فمضى إلى حلب، وافداً على ابن ابن أخته، وصار من أمرائه، وأتى به فتملكوا دمشق، فلما ساروا ليأخذوا مصر غلب الشاميون، وأسر جماعة، منهم الملك الصالح، في سنة ثمان وأربعين، فسجن القاهرة، ومروا به على تربة السلطان نجم الدين أيوب فصاحت البحرية يا خوند أين عينك تنظر إلى عدوك؟! قال الخضر بن حمويه: وفي سلخ ذي القعدة من سنة ثمان أخرجوا الصالح ليلاً، ومضوا به إلى الجبل فقتلوه وعفي أثره.
قلت: كفر عنه بالقتل.
قال ابن واصل: لما أتوا بالصالح بكرة الواقعة أوقف إلى جانب المعز فقال لحسام الدين ابن أبي علي: يا خوند أما تسلم على المولى الملك الصالح؟! قال: فدنوت منه، وسلمت عليه.
قال ابن واصل: رأيت الصالح يوم دخول الجيش منصورين وهو بين يدي المعز، فحكى لي أن ابن أبي علي قال: قلت للصالح: هل رأيت القاهرة قبل اليوم؟ قال: نعم، وأنا صبي. ثم اعتقلوه أياماً، فقيل: خنقوه كما خنق الجواد.
وكان ملكاً شهماً، محسناً إلى جنده، كثير التجمل، وكان أبوه العادل يحب أن هذا، ولها تربة ومدرسة بدمشق.
ومن أولاده: الملك المنصور محمود الذي سلطنه أبوه بدمشق، والملك السعيد عبد الملك والد الملك الكامل. والملك المسعود والد صاحبنا ناصر الدين.
ووزر له أمين الدولة أبو الحسن بن غزال السامري ثم المسلماني الطبيب واقف أمينية بعلبك، وكان رقيق الدين ظلوماً يتفلسف، شنق بمصر في هذه الفتنة، وترك أموالاً عظيمة، ومن الكتب نحو عشرة آلاف مجلد.

صاحب الروم

السلطان الملك الغالب عز الدين كيكاوس ابن السلطان كيخسرو بن قلج رسلان السلجوقي التركماني القتلمشي صاحب قونية وأقصرا وملطية.
وهو أخو السلطان كيقباذ.
قال سبط الجوزي: كان جباراً، سفاكاً للدماء، كسره الملك الأشرف لما قدم ليأخذ حلب وقت موت الملك الظاهر غازي، فاتهم أمراءه أنهم ما نصحوا في القتال، وكذا جرى فسلق جماعة في القدور، وحرق آخرين، فأخذه الله فجاءة وهو مخمور، وقيل: ابتلي وتقطع بدنه. وكان أخوه كيقباذ في سجنه، فأخرجوه وملكوه. في شوال سنة خمس عشرة وست مئة، وقيل: هو الذي طمع الفرنج في دمياط.
قال ابن واصل: لما قصد كيكاوس حلب أشاروا عليه أن يستعين بالأفضل صاحب سميساط، فإنه يخطب لك، فطلبه فحضر فاحترمه، واتفق معه على أن ما تملكاه من حلب للأفضل، ثم يقصدان حران، والرها وغيرهما، فتكون لكيكاوس، وتحالفا على ذلك فملكا أولاً قلعة رعبان وتسلمها الأفضل، ونازلا تل باشر، فأخوها، فلم يسلمها كيكاوس للأفضل، فنفر منه ولم يثق به، وأنجد الأشرف أهل حلب في عرب طيء، وكاتب كيكاوس أمراء حلب واستمالهم، وانضم إلى الأشرف مانع في عرب الشام.
قلت: مانع هو والد جد مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع.
ثم أخذ كيكاوس منبج، فوقعت العرب على مقدمة كيكاوس، فانهزم الروميون، فطار لب كيكاوس، وانهزم فتبعه الأشرف يتخطف جنده واسترد رعبان وتل باشر.
وقيل: مات كيكاوس بالخوانيق في سنة خمس عشرة وست مئة.

خوارزمشاه

السلطان الكبير علاء الدين خوارزمشاه محمد ابن السلطان خوارزمشاه إيل رسلان ابن خوارزمشاه أتسز ابن الأمير محمد بن نوشتكين الخوارزمي.
قال ابن واصل: نسب علاء الدين ينتهي إلى إيلتكين مملوك السلطان ألب أرسلان بن جغريبك السلجوقي.
قلت: قد سقت من أخباره في التاريخ الكبير في الحوادث، وأنه أباد ملوكاً، واستولى على عدة أقاليم، وخضعت له الرقاب، وقد حارب الخطا غير مرة، فانهزم جيشه في نوبة وثبت هو، فأسر هو وأمير؛ أسرهما خطائي، فصير نفسه مملوكاً لذلك الأمير، وبقي يقف في خدمته، فقال الأمير للخطائي: ابعث رسولك مع غلامي هذا إلى أهلي ليرسلوا مالاً في فكاكي، ففعل وتمت الحيلة، وعاد خوارزمشاه إلى ملكه، ثم عرف الخطائي فسار مع ذلك الأمير إلى خدمة السلطان فأكرمه وأعطاه أشياء. قال عز الدين علي ابن الأثير: كان صبوراً على التعب وإدمان السير غير متنعم ولا متلذذ إنما نهمته الملك. وكان فاضلاً، عالماً بالفقه والأصول، مكرماً للعلماء يحب مناظرتهم، ويتبرك بأهل الدين، قال لي خادم الحجرة النبوية: أتيته فاعتنقني، ومشى لي وقال: أنت تخدم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم، فأخذ يدي وأمرها على وجهه، وأعطاني جملة.
قال سبط الجوزي: أفنى ملوك خراسان وما وراء النهر، وأخلى البلاد واستقل بها فكان سبباً لهلاكه، ولما نزل همذان كاتب ابن القمي نائب الوزارة أمراءه ووعدهم بالبلاد، فراموا قتله، فعرف وسار إلى مرو وكان معه من الخطا سبعون ألفاً، وكان خاله منهم، فنم عليه فاختفى فنهبوا خزائنه، فيقال: كان فيها عشرة آلاف ألف دينار، وله عشرة آلاف مملوك، فركب إلى جزيرة هارباً.
قلت: تسلطن في سنة 596.
وقال الموفق: كان أبوه تكش أعور قميئاً، كثير اللعب بالملاهي، بعث برأس طغرل إلى بغداد، وطلب السلطنة، فتحركت الخطا، فاحتاج أن يرد خوارزم، فتولى بعده ابنه محمد، وكان محمد شجاعاً، شهماً، مغواراً، غزاء، سعيداً، يقطع المسافات الشاسعة بسرعة، وكان هجاماً فاتكاً أتي برأس أخيه فلم يكترث، وكان قليل النوم، طويل النصب، يخدم أصحابه، ويحرس، وثيابه وعدة فرسه لا تبلغ ديناراً، وكان كثير الإنفاق، له مشاركة للعلماء، صحب الفخر الرازي قبل الملك، ولكنه أفسده العجب، والثقة بالسلامة، واستهان بالأعداء، وكان يقول: محمد ينصر دين محمد، قطع خطبة الخليفة وجاهر، وأراد أن يشتبه بالإسكندر، وأين الولي من رجل تركي، فكل ملك لا يكون قصده إقامة الحق فهو وشيك الزوال، جاهر هذا أمة الخطا فنازلهم بأمة التتر واستأصلهم إلا من خدم معه، ثم انتقل إلى التتر.
ثم ذكر الموفق أشياء، وقال: فكانت بلاد ما وراء النهر في طاعة الخطا، وملوك بخارى وسمرقند يؤدون الأتاوة إلى الخطا، وكانت هذه الأمم سداً بين ترك الصين وبيننا ففتح هذا السد الوثيق وظن أنه لم يبق من يقاومة، فانتقل إلى كرمان، ثم العراق، ثم أذربيجان، وطمع في الشام ومصر، وكان عليه سهلاً لو قدر. بات صاحب حلب ليله مهموماً لما اتصل به من أخبار هذا وطمعه في الشام، وقيل عنه: إنه يبقى أربعة أيام على ظهر فرسه لا ينزل إنما ينتقل من فرس إلى فرس ويطوي البلاد ويهجم المدينة في نفر يسير، ثم يصحبه من عسكره عشر آلاف ويمسيه عشرون ألفاً، وربما هجم البلد في مئة، فيقضي الشغل قبل. قتل عدة ملوك، وإنما أخذه البلاد بالرعب والهيبة. وبعد موت الظاهر غازي جاء رسوله إلى حلب، فقال: سلطان السلاطين يسلم عليكم ويعتب إذ لم تهنئوه بفتح العراق وأذربيجان، وإن عدد جيشه سبع مئة ألف، ثم توجه رسوله إلى العادل بدمشق يقول: تعال إلى الخدمة فقد ارتضيناك أن تكون مقدم الركاب! فبقي الناس يهرؤون منه. وسمعنا أنه جعل صاحب الروم أمير علم له والخليفة خطيباً له! وكان له أربعة أولاد: جلال الدين الذي قام بعده، وغياث الدين تترشاه، وقطب الدين أزلاغ، وركن الدين غورشاه يحيى، وكان أحسنهم، وضربت النوبة بأمره لهم في أوقات الصلوات الخمس، على عادة الملوك السلجوقية، وانفرد هو بنوبة الإسكندر، فيضرب وقت المطلع والمغيب، وكانت سبعاً وعشرين دبدبة من الذهب المرصع بالجوهر. وأما الملوك الذين كانوا في خدمته فكان يذلهم ويهينهم، وجعلهم يضربون به طبول الذهب. ثم إنه نزل بهمذان وانتشرت جموعه، فاختلت عليه بلاد ما وراء النهر، فرجع بعد أن أهلكهم الثلج، ولما أباد أمتي الخطا والتتر وهم أصحاب تركستان وجند وتنكت ظهرت أمة يسمون التتر أيضاً، وهم صنفان، وطمعوا في البلاد فجمع وعزم على لقائهم، فوقع جنكزخان رأس الطمغاجية على كمينه فطحنوه، وانهزم جلال الدين ابنه إليه، وخيل إليه تعس الجد أن في أمرائه مخامرين فمسكهم وضرب مع التتار مصافاً بعد آخر فتطحطح، ورد إلى بخارى منهزماً. ثم جاء من بخارى ليجمع العساكر بنيسابور فأخذت التتار بخارى، وهجموا خراسان ففر، فما وصل إلى الري إلا وطلائعهم على رأسه، فانهزم إلى قلعة برجين، ومعه ثلاث مئة فارس عراة مضهم الجوع فاستطعموا من أكراد فلم يحتفلوا بهم، ثم أعطوهم شاتين وقصعتي لبن، ثم رجع إلى نهاوند، ثم إلى مازندران وقعقعة سلاحهم قد ملأت سمعه وبصره، فنزل ببحيرة هناك فانسهل، وطلب دواء فأعوزه الخبز ومات. وقيل: كان عدة جيشه في الديوان ثلاث مئة ألف فارس، وقيل: إنه استولى على نحو أربع مئة مدينة، وكانت أمه تركان في عظمة ما سمع قط بمثلها، وفي جبروت، فأسرها جنكزخان، وذاقت ذلاً وجوعاً، وفي الآخر داخله رعب زائد من التتار، كبسه التتار، فبادر إلى مركب فوقعت عنده سهامهم وخاضوا فما قدروا، وكان هو في علة ذات الجنب:

أتته المنـية مـغـتـاظة

 

وسلت عليه حساماً ثقيلا

فلم تغن عنه حماة الرجال

 

ولم يجد فيل عليه فتـيلا

كذلك يفعل بالشامـتـين

 

ويفنيهم الدهر جيلاً فجيلاً

مات في الجزيرة سنة سبع عشرة وست مئة، وكفن في عمامة لفراشه.
وكانت أمه تجيد الخط، وتعلم، اعتصمت بالله وحده، وحكمها يساوي حكم ابنها، فمن ألقابها: عصمة الدنيا والدين ألغ تركان سيدة نساء العالمين، وكانت سفاكة للدماء وهي من بنات ملوك الترك، ولها من الأموال والجواهر ما يقصر الوصف عنه، فأخذت التتار الجميع، ومما أخذوا لابنها صندوقين كان هو يقول: فيهما ما يساوي خراج الأرض.

فتيان

الأديب الأوحد شاعر دمشق شهاب الدين فتيان بن علي بن فتيان الدمشقي الشاغوري.
حدث عن الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.
روى عنه القوصي، واليلداني، وبالإجازة عمر ابن القواس.
وكان حنفياً أدب بعض أولاد الملوك ومدح الكبار.
ومات في المحرم سنة خمس عشرة وست مئة.
وهو القائل:

قد أجمد الخمر كانون بكـل قـدح

 

وأخمد الجمر في الكانون حين قدح

يا جنة الزبداني أنـت مـسـفـرة

 

بحسن وجه إذا وجه الزمان كلـح

فالثلج قطن عليك السحب تنـدفـه

 

والجو يحلجه والقوس قوس قـزح

وله من قصيدة طويلة بديعة:

يا رب بيض سللن البيض من حدق

 

سود ومسن كأعطاف القنا الذبـل

هيف الخصور نقيات الثغور أثـي

 

ثات الشعور هجرن الكحل للكحل

مثل الشموس انجلى عنها الغمام إذا

 

غازلننا من وراء السجف والكلل

السامري

شيخ الحنابلة قاضي سامراء أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إدريس بن سنينة السامري صاحب المستوعب.
من كبار الفقهاء، صنف، وأشغل، وسمع من أبي الفتح ابن البطي، لكن لم يرو شيئاً، ولي قضاء سامراء مدة وتركه.
مات في رجب سنة ست عشرة وست مئة، وله إحدى وثمانون سنة.

العماد بن عساكر

الحافظ المفيد المحدث عماد الدين أبو القاسم علي ابن الحافظ بهاء الدين القاسم ابن الحافظ الكبير أبي القاسم ابن عساكر الدمشقي الشافعي.
ولد سنة إحدى وثمانين.
وسمع من أبيه، وعبد الرحمن ابن الخرقي، وإسماعيل الجنزوي، والأثير بن بنان، والمؤيد الطوسي، وعبد المعز الهروي. وارتحل إلى العراق وإلى خراسان، وعني بالحديث، وخرج المشيخة لأبي اليمن الكندي، وكان مجداً في الطلب، أدركه الأجل بعد عوده من خراسان؛ خرجت عليه حرامية وجرح ومات في جمادى الأولى سنة ست عشرة وست مئة ببغداد.
وأقام بخراسان أكثر من سنة، وقد خرج الأربعين لنفسه، وحدث بها سنة ست مئة.
سمع منه تاج الأمناء، وأخوه الفقيه فخر الدين عبد الرحمان، وابن خليل، والتاج ابن القرطبي، وقد رثاه العز النسابة بأبيات منها:

صاحبي هـذه ديار سـعـاد

 

فترفق ومن بـالإسـعـاد

عج عليها نقضي لبانات قـل

 

ب مستهام أصماه حب سعاد

قرأت بخط عمر بن الحاجب: سألت العز ابن عساكر عن العماد، فقال: كان يتشيع، وكنت أنقم عليه ذلك، ولا جرم أنه قصف.
قلت: عاش خمساً وثلاثين سنة رحمه الله، وسامحه.
أخبرنا أبو اليمن عبد الصمد بن عساكر في كتابه، أخبرنا أخي عبد الملك، أخبرنا محمد بن أبي جعفر، أخبرنا علي بن القاسم، عن أبيه، عن جده، عن أبيه الحسن بحديث من صحيح البخاري.

صاحب حماة

الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر ابن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي صاحب حماة، وأبو ملوكها.
سمع من أبي الطاهر بن عوف بالثغر مع عمر أبيه صلاح الدين، وألف تاريخاً كبيراً في مجلدات. وكان شجاعاً، محباً للعلماء يقربهم ويعطيهم.
 روى عنه القوصي في معجمه، وكانت دولته ثلاثين سنة، وقد هزم الفرنج مرتين، وكان زوج بنت السلطان الملك العادل، وجاءته منها أولاده، وماتت، فبالغ في حزنه عليها، حتى إنه لبس عمامة زرقاء.
قال ابن واصل: ولما ورد السيف الآمدي حماة بالغ في إكرامه، واشتغل عليه، وألف طبقات الشعراء وكاتب مضمار الحقائق نحو عشرين مجلدة، وجمع في خزائنه من الكتب ما لا مزيد عليه، وكان في خدمته ما يناهز مئتي معمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمنجمين والفلاسفة والكتبة، وكان كثير المطالعة والبحث. بنى سوراً لحماة ولقلعتها، وكان موكبه جليلاً تجذب بين يديه السيوف الكثيرة، يضاهي موكب عمه العادل. وجمع نظمه في ديوان. ثم أورد منه ابن واصل قصائد جيدة.
مات في ذي القعدة سنة سبع عشرة وست مئة، وتملك بعده ابنه قلج رسلان تسعة أعوام، وتلقب بالملك الناصر. وهو ابن أخت الملك المعظم، فعزله الكامل وولى أخاه الملك المظفر، وسجن قلج رسلان حتى مات بمصر.

الصلاح

العلامة المفتي صلاح الدين عبد الرحمان بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي، والد الشيخ تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح.
تفقه على أبي سعد بن أبي عصرون وغيره، وبرع ودرس بالأسدية بحلب.
تفقه به ولده، وغيره.
مات بحلب في ذي القعدة سنة ثماني عشرة وست مئة عن بضع وستين سنة.

ابن وهبان

الإمام الحافظ المفيد الفقيه الشاعر أبو نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السلمي الحديثي ثم البغدادي.
سمع أبا الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، وفارساً الحفار، وأبا الفتح المندائي، والمؤيد الطوسي، وأبا روح، وأبا اليمن الكندي، وبمصر وأصبهان، وخراسان.
روى عنه أبو محمد المنذري، وقال: كان حاد القريحة، فقيهاً، أديباً، شاعراً، ولد بحدثة النورة بقرب هيت.
وقال ابن النجار: كان حافظاً، ثقة، متقناً ظريفاً، كيساً متواضعاً، له النظم والنثر، اصطحبنا مدة، وأفادني الكثير، سكن خوارزم إلى أن أحرقها التتار وعدم خبره سنة ثماني عشرة وست مئة. كتبت عنه بمرو، ومولده سنة سبعين.
قلت: وفي سنة ثماني عشرة أسرت التتار الحافظ المفيد عبد العزيز ابن عبد الملك بن تميم الشيباني الدمشقي أحد الطلبة المشهورين وعدم خبره.

ياقوت

الكبير صاحب الخط الفائق أمين الدين الموصلي الملكي من موالي السلطان ملكشاه بن سلجوق بن محمد بن ملكشاه السلجوقي.
برع في العربية، وتقدم فيها، وانتهى إليه حسن الكتابة، نسخ بالصحاح عدة نسخ، وكتب عليه أولاد الرؤساء ثم شاخ، وتغير خطه.
قال ابن الأثير: لم يكن في زمانه من يؤدي طريقة ابن البواب مثله.
مات بالموصل في سنة ثماني عشرة وست مئة، ومدحه النجيب الواسطي بقصيدة.

موسى

ابن الشيخ الإمام أبي محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الحنبلي، الشيخ المسند ضياء الدين أبو نصر نزيل دمشق.
ولد في ربيع الأول تسع وثلاثين وخمس مئة.
وسمع من أبيه، وأبي القاسم ابن البناء، وأبي الوقت السجزي، وأبي الفتح ابن البطي، وكان يسكن بالعقيبة.
حدث عنه الضياء، وابن خليل، والبرزالي، وعمر بن الحاجب، والسيف أحمد بن المجد، والقوصي، والمنذري، والفخر علي، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الكمال، وأبو بكر ابن الأنماطي، وأحمد بن علي بن سبط الحق، وإسماعيل بن نور، والصفي إسحاق الشقراوي، ويوسف الغسولي، والعز أحمد بن العماد، والعماد عبد الحافظ بن بدران وخلق.
قال ابن النجار: كتبت عنه بدمشق، وكان مطبوعاً لا بأس به، إلا أنه كان خالياً من العلم.
وقال عمر بن الحاجب، كان ظريفاً رق حاله استولى عليه المرض في آخر عمره إلى أن توفي ليلة الجمعة أول جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة وست مئة، وكان آخر أولاد أبيه وفاة، وكان يرمى برذائل لا تلقي بمثله، قال لي أبو عبد الله البرزالي: عنده دعابة.
قلت: سمعت من طريقه المنتقى من أجزاء المخلص، والثاني من حديث زغبة، ومنتقى من مسند عبد بن حميد وجزء أبي الجهم.

ابن طاووس

الشيخ المعمر المسند الأمين سديد الدين أبو محمد هبة الله بن أبي طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس البغدادي الأصل الدمشقي.
من بيت العلم والرواية. ولد سن سبع وثلاثين وخمس مئة في ربيع الأول. وسمع في الخامسة من الفقيه نصر الله بن محمد المصيصي، وسمع من ناصر بن محمد القرشي، والخضر بن عبدان، وعلي بن سليمان المرادي، ونصر بن أحمد ابن مقاتل، وأبي القاسم بن البن، وأبي طاهر السلفي ارتحل إليه.
وكان عسراً في الرواية لا يحدث إلا من أصل، وكان كثير التلاوة، ولم يكن يدري فن الحديث.
حدث عنه ابن النجار، وابن خليل، ومحمد بن علي النشبي، والعماد محمد بن صصرى، وأبو الغنائم بن علان، والفخر علي، وطائفة.
وسمعنا بإجازته من أبي حفص ابن القواس.
مات في سابع جمادى الأولى سنة ثمان عشرة وست مئة.

أخوه

الشيخ أبو المعالي أحمد بن الخضر الصوفي.
سمع من أبيه، وحمزة بن كروس، وابن عساكر، وكان قليل العلم.
روى عنه الضياء، والجمال ابن الصابوني، والتقي ابن الواسطي، وابن المجاور، وعبد الحافظ بن بدران، وآخرون.
مات في رمضان سنة خمس وعشرين وست مئة.

ثابت بن مشرف

ابن أبي سعد ثابت، أو محمد، بن إبراهيم، الشيخ المسند أبو سعد البغدادي الأزجي المعمار البناء، ويعرف بابن شستان.
ولد سنة بضع وثلاثين.
وسمع من أبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت، وسعيد ابن البناء، وأبي الفتح الكروخي، ومحمد بن ناصر، وأبي جعفر العباسي، ومحمد بن أحمد التريكي، وأحمد بن هبة الله بن الواثق، ونصر بن نصر العكبري، وأحمد بن ناقة، ومحمد بن عبيد الله القرطبي.
وسمع بإفادة أبيه وبنفسه.
وأجاز له وجيه الشحامي، وأبو البركات ابن الفراوي، وكان عمه علي بن أبي سعد الخباز من أعيان الطلبة ببغداد.
وشستان: بكسر أوله، ورأيت بعضهم ضمه.
حدث عنه البرزالي، والضياء، وابن عبد الدائم، والصاحب عمر بن العديم، وولده عبد الرحمان، ومحمد بن أبي الفرج بن الدباب، والكمال أحمد بن النصيبي، وطائفة؛ حدث بحلب وبدمشق.
قال ابن نقطة: كان صعب الأخلاق ظاهر العامية، سمعت عامة الطلبة يذمونه.
قال المنذري: مات في خامس ذي الحجة سنة تسع عشرة وست مئة.

مسمار بن عمر

ابن محمد بن عيسى الشيخ العالم المقرئ الصالح الخير المسند أبو بكر ابن العويس النيار، بغدادي مشهور.
نزل الموصل، وأقرأ القرآن، وحدث، وسمع الكثير من أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وسعيد ابن البناء، وأبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت، وابن ناقة، قيل: اسمه محمد، وإن الوزير ابن هبيرة لقبه بمسمار؛ كان يجلس للسماع وهو صبي لا يكاد يتحرك، فقال: كأنه مسمار. وكان مشهوراً بالخير.
حدث عنه ابن الدبيثي، والضياء، والبرزالي، وركن الدين أحمد بن قرطاي الإربلي، وعباس بن بزوان، والشيخ عبد الكريم بن منصور الأثري، وسيدة بنت درباس، وجماعة.
وأجاز للعماد بن سعد، ولعلي بن أحمد بن عبد الدائم.
مات بالموصل في ثاني عشر شعبان سنة تسع عشرة وست مئة، وكان مولده في سنة ثمان وثلاثين.
وفيها مات شيخ اليونسية الزاهد بونس بن يوسف بن مساعد القنبي المارديني، والقاضي أبو طالب أحمد بن عبد الله بن حديد الكناني الإسكندراني، وابن الأنماطي المحدث، وثابت بن مشرف، والمقرئ عبد الصمد بن أبي رجاء البلوي الوادياشي، والشيخ علي بن إدريس البعقوبي الزاهد، والكمال علي بن محمد ابن النبيه المصري الشاعر صاحب الديوان، والحافظ محمد بن عبد الواحد الغافقي الملاحي، والإمام أبو الفتوح ابن الحصري.

الطبقة الثالثة والثلاثون

ابن راجح

الشيخ الإمام العالم الفقيه المناظر شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن خلف بن راجح بن بلال بن هلال بن عيسى المقدسي الجماعيلي الحنبلي.
ولد سنة خمسين وخمس مئة ظناً بجماعيل.
وتربى بالدير بقاسيون، وأخذه الحافظ عبد الغني معه في سنة ست وستين إلى السلفي، فسمع منه كثيراً، ورجع فسار إلى بغداد فسمع من ابن الخشاب، وشهدة والطبقة.
وسمع بدمشق من أبي المكارم بن هلال وجماعة، وكتب الكثير واشتغل على ابن المني.
قال الحافظ الضياء: صار أوحد زمانه في علم النظر، وكان يقطع الخصوم، ويذهب فيناظر الحنفية، ويتأذون منه، وقد ألبسه شيخه ابن المني طرحة، ثم إنه مرض واصفر حتى قيل: هو مسحور. وكان كثير الخير والصلاة، سليم الصدر، رأيتهم بحماعيل يعظمونه، ولا يشكون في ولايته وكراماته. وسمعت الإمام عبد الرحمن بن محمد بن عبد الجبار يقول: حدثني جماعة من جماعيل منهم خالي عمر بن عوض قال: وقعت في جماعيل فتنة، فخرج بعضهم إلى بعض بالسيوف، وكان ابن راجح عندنا. قالوا: فسجد ودعا، قالوا: فضرب بعضهم بعضاً بالسيوف فما قطعت شيئاً. قال عمر: فلقد رأيتني ضربت بسيفي رجلاً، وكان سيفاً مشهوراً فما قطع شيئاً، وكانوا يرون أن هذا ببركة دعائه.
قال عمر بن الحاجب في معجمه: هو إمام محدث، فقيه، عابد، دائم الذكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، صاحب نوادر وحكايات، عنده وسوسة زائدة في الطهارة، وكان يحدث بعد الجمعة من حفظه، وكانت أعداؤه تشهد بفضله.
وقال المنذري: كان كثير المحفوظ، متحرياً في العبادات، حسن الأخلاق، قلت: حدث عنه الضياء، والبرزالي والمنذري، والقوصي، وابن عبد الدائم، وابن أبي عمر، والفخر علي، وابن الكمال، والتقي ابن الواسطي، والعماد عبد الحافظ، والعز ابن العماد، وإسماعيل ابن الفراء وخلق.
قرأت وفاته بخط الضياء في التاسع والعشرين من صفر سنة ثماني عشرة وست مئة.

صاحب الألموت

إلكيا جلال الدين حسن ابن الأمير ابن إلكيا حسن بن الصباح الإسماعيلي، رأس الإسماعيلية.
مات سنة ثماني عشرة وست مئة وقد شاخ.
وكان قد أظهر شعار الإسلام من الصلاة والصيام فقام بعده ابنه شمس الشموس علاء الدين محمد بن حسن فطالت أيامه إلى أن أخذه هولاكو، وهدم الألموت.

الواسطي

الشيخ المقرئ أبو الفرج محمد بن عبد الرحمان بن أبي العز الواسطي السفار.
شيخ معمر يحتمل سنه السماع من ابن الحصين وفاطمة الحوزدانية، وإنما سمع - وقد كبر - من أبي الوقت وأبي جعفر العباسي وأبي المظفر ابن التريكي، وحدث في أسفاره بدمشق وحلب والموصل وإربل وبغداد. وله اعتناء ما، وتعرف سماعاته.
روى عنه ابن الدبيثي، وابن خليل، والبرزالي، والقوصي، وعبد الوهاب ابن زين الأمناء. وحدث بصحيح البخاري بالموصل.
مات في جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة، وله مئة سنة وسنة.

قتادة

ابن إدريس الحسني، صاحب مكة.
امتدت أيامه، ربما جار وظلم وعسف، وأخذ المدينة على يد ابنه حسن، فقتل حسن صاحبها عمه، ثم خنق أباه قتادة هذا، ثم قتل عمه الآخر.
ولقتادة شعر جديد وعمر تسعين سنة.

العثماني

المحدث الجزال الصالح أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد الغالب بن نصر الأموي العثماني الدمشقي.
مولده ببيت لهيا في سنة تسع وستين وخمس مئة.
وسمع من أبي الحسين ابن الموازيني، وعبد الرحمان ابن الخرقي، وعدة. وببغداد من ابن كليب وطائفة، بأصبهان من خليل الراراني، ومسعود الجمال، وعدة، وبنيسابور من أبي سعد الصفار، وبمصر، والثغر.
وكان ديناً ورعاً، أميناً، كتب الكثير، وروى أكثر مروياته، وله منامات عجيبة: روى عنه الحافظ عبد العظيم، وابن عبد الدائم والفخر علي، والكمال ابن النصيبي، وآخرون.
مات بطيبة في نصف المحرم سنة ثماني عشرة وست مئة.

ابن الحمامي

الإمام المحدث المتقن الواعظ الصالح تقي الدين أبو جعفر وأبو عبد الله محمد بن محمود بن إبراهيم بن الفرج الهمذاني ابن الحمامي.
ولد في أول سنة ثمان وأربعين.
وسمع من أبي الوقت سنة اثنتين وخمسين حضوراً. وسمع من أبي العلاء العطار، ومحمد بن بنيمان. ولحق بأصبهان أبا رشيد عبد الله بن عمر. وسمع ببغداد من أسعد بن يلدرك، وابن شاتيل، ثم قدمها بعيد الست مئة، فسمع من ابن سكينة وعدة. وكان محدث وقته بهمذان وكبيرها.
قال ابن النجار: حضرت مجلس إملائه، وكان له القبول التام والصيت الشائع، ويتبركون به. قال: وكان من أئمة الحديث وحفاظه، وله المعرفة بفقه الحديث، ولغته، ورجاله. وكان فصيحاً حلو العبارة، منقح الألفاظ، مع تعبد وزهد، وكان أماراً بالمعروف، ناصراً للسنة، متواضعاً، متودداً، سمحاً، جواداً، استولت التتار في جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة على همذان فبرز لقتالهم بابنه عبيد الله فاستشهدا.
قلت: أجاز لشيوخنا الشرف ابن عساكر، والتاج بن عصرون. وروى عنه البرزالي والضياء، وابن النجار، والعماد علي ابن عساكر وآخرون.
عاش سبعين سنة.

الملاحي

الإمام الحافظ البارع المتقن الأوحد أبو القاسم محمد بن عبد الواحد ابن إبراهيم بن مفرج الغافقي الأندلسي الملاحي. والملاحة: قرية من عمل غرناطة.
ولد سنة بضع وأربعين وخمس مئة.
وسمع من أبيه، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وعبد الحق بن بونة، وأبي القاسم بن سمجون، وطبقتهم.
وأجاز له أبو عبد الله بن زرقون، وأبو زيد السهيلي، وأبو الطاهر بن عوف الإسكندراني، والخشوعي.
قال الأبار: كتب عن الكبار والصغار، وبالغ عمره في الاستكثار، وكان حافظاً للرواة، عارفاً بأخبارهم، وجمع تاريخاً في علماء إلبيرة، وكتاب الأنساب: والأربعين حديثاً بلغ فيها غاية الاحتفال. وشهد له بحفظ أسماء الرجال، وزاد على من تقدمه، وله استدراك على ابن عبد البر في الصحابة، وكان مكثراً عن أبي محمد بن الفرس، أخذ الناس عنه، وكان أهلاً لذلك.
توفي في شعبان سنة تسع عشرة وست مئة.

ابن الحصري

الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن المقرئ المجود شيخ الحرم وإمام الحطيم برهان الدين أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج محمد بن علي بن أبي الفرج البغدادي الحنبلي، ابن الحصري.
ولد في رمضان سنة ست وثلاثين وخمس مئة.
وقرأ بالروايات، وهو حدث، على أبي الكرم ابن الشهرزوري وغيره، وسمع من أبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت السجزي، وأبي طالب العلوي، ومحمد بن أحمد ابن التريكي، وأبي محمد بن المادح، وهبة الله الشبلي، وهبة الله الدقاق، وابن البطي، وأبي زرعة، ومن بعدهم، وكتب الكثير، وعني بالحديث. وكان ثقة فهماً يقظاً.
قال ابن النجار: قرأ بالروايات الكثيرة على جماعة كأبي بكر ابن الزاغوني، والشهرزوري، ومسعود بن الحصين، وسعد الله ابن الدجاجي، وعلي بن محمويه اليزدي، وعلي بن علي بن نصر.
وقال المنذري: قرأ بالروايات على ابن الزاغوني، وأبي الكرم، وأبي المعالي أحمد بن علي بن السمين وجماعة، واشتغل بالأدب، وسمع من خلق، لم يزل يسمع ويقرأ ويفيد إلى أن شاخ، وجاور أزيد من عشرين سنة، وكان كثير العبادة، ثم قصد اليمن فأدركه الأجل بالمهجم في المحرم سنة تسع عشرة وست مئة. وقيل: مات في ذي القعدة سنة ثماني عشرة.
وقال الدبيثي: كان ذا معرفة بهذا الشأن، خرج إلى مكة سنة ثمان وتسعين فجاور وأم الحنابلة، ونعم الشيخ كان ثقة وعبادة.
وقال الضياء: مات في المحرم سنة تسع عشرة شيخنا الحافظ أبو الفتوح بالمهجم.
قلت: حدث عنه الدبيثي، والضياء، والبرزالي، وابن خليل، وأحمد بن عبد الناصر، اليمني، وسليمان بن خليل العسقلاني الفقيه، وتاج الدين علي ابن القسطلاني، والشهاب القوصي، وقال: كان إماماً في القراءات والعربية، والشيخ رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني، ونجيب الدين المقداد بن أبي القاسم القيسي، وجماعة.
قال ابن النجار: كان حافظاً، حجة، نبيلاً، جم العلم، كثير المحفوظ، من أعلام الدين وأئمة المسلمين، كثير العبادة والتهجد والصوم.
قال ابن مسدي: كان أحد الأئمة الأثبات، مشاراً إليه بالحفظ والإتقان، قصد اليمن فمات بالمهجم في ربيع الآخر سنة تسع عشرة، وله شعر جيد في الزهديات.
وعاش ولده أبو نصر عبد العزيز إلى رمضان سنة ثمان وثمانين وست مئة، وسمع منه المصريون والبرزالي بإجازة أبي روح، والمؤيد، وكان يذكر أنه سمع الكثير من أبيه، يقال: قارب المئة.

ابن قدامة

الشيخ الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب المغني.
مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة إحدى وأربعين وخمس مئة في شعبان.
وهاجر مع أهل بيته وأقاربه، وله عشر سنين، وحفظ القرآن، ولزم الاشتغال من صغره، وكتب الخط المليح، وكان من بحور العلم وأذكياء العالم. ورحل هو وابن خاله الحافظ عبد الغني في أول سنة إحدى وستين في طلب العلم إلى بغداد فأدركا نحو أربعين يوماً من جنازة الشيخ عبد القادر، فنزلا عنده بالمدرسة، واشتغلا عليه تلك الأيام، وسمعا منه ومن هبة الله بن الحسن الدقاق، وأبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة بن طاهر، وأحمد بن المقرب، وعلي ابن تاج القراء، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن محمد الرحبي، وحيدرة بن عمر العلوي، وعبد الواحد بن الحسين البارزي، وخديجة النهروانية، ونفيسة البزازة، وشهدة الكاتبة، والمبارك بن محمد البادرائي، ومحمد بن محمد بن السكن، وأبي شجاع محمد بن الحسين المادرائي، وأبي حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي، ويحيى بن ثابت.
وتلا بحرف نافع على أبي الحسن البطائحي، وبحرف أبي عمرو على أستاذه أبي الفتح بن المني.
وسمع بدمشق من أبي المكارم بن هلال، وعدة. وبالموصل من خطيبها أبي الفضل الطوسي. وبمكة من المبارك بن الطباخ. وله مشيخة سمعناها.
حدث عنه البهاء عبد الرحمان، والجمال أبو موسى ابن الحافظ، وابن نقطة، وابن خليل، والضياء، وأبو شامة، وأبن النجار، وابن عبد الدائم، والجمال ابن الصيرفي، والعز إبراهيم بن عبد الله، والفخر علي، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الكمال، والتاج عبد الخالق، والعماد، ابن بدران، والعز إسماعيل ابن الفراء، والعز أحمد ابن العماد، وأبو الفهم ابن النميس، ويوسف الغسولي، وزينب بنت الواسطي، وخلق آخرهم موتاً التقي أحمد بن مؤمن يروي عنه بالحضور أحاديث.
وكان عالم أهل الشام في زمانه.
قال ابن النجار: كان إمام الحنابلة بجامع دمشق، وكان ثقة حجة نبيلاً، غزير الفضل، نزهاً، ورعاً عابداً، على قانون السلف، عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه.
وقال عمر بن الحاجب: هو إمام الأئمة، ومفتي الأمة، خصه الله بالفضل الوافر، والخاطر الماطر، والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية. إلى أن قال: وله المؤلفات الغزيرة، وما أظن الزمان يسمح بمثله، متواضع، حسن الاعتقاد، ذو أناة وحلم ووقار، مجلسه معمور بالفقهاء والمحدثين، وكان مثير العبادة، دائم التهجد، لم نر مثله، ولم ير مثل نفسه.
وعمل الشيخ الضياء سيرته في جزأين فقال: كان تام القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج، كأن النور يخرج من وجهه لحسنه، واسع الجبين، طويل اللحية قائم الأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، ممتعاً بحواسه.
أقام هو والحافظ ببغداد أربع سنين فأتقنا الفقه والحديث والخلاف، أقاما عند الشيخ عبد القادر خمسين ليلة ومات، ثم أقاما عند ابن الجوزي، ثم انتقلا إلى رباط النعال، واشتغلا على ابن المني. ثم سافر في سنة سبع وستين ومعه الشيخ العماد، وأقاما سنة.
صنف المغني عشر مجلدات والكافي أربعة، والمقنع مجلداً، والعمدة مجيليداً، والقنعة في الغريب مجيليد، والروضة مجلد، والرقة مجلد، والتوابين مجلد، ونسب قريش مجيليد، ونسب الأنصار مجلد، ومختصر الهداية مجيليد، والقدر جزء، ومسألة العلو جزء، والمتحابين جزء، والاعتقاد جزء، والبرهان جزء، وذم التأويل جزء، وفضائل الصحابة مجيليد، وفضل العشر جزء، وعاشوراء أجزاء، ومشيخة جزآن، ووصيته جزء، ومختصر العلل للخلال مجلد، وأشياء.
قال الحافظ الضياء: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فألقى علي مسألة، فقلت: هذه في الخرقي، فقال: ما قصر صاحبكم الموفق في شرح الخرقي.
قال الضياء: كان رحمه الله إماماً في التفسير وفي الحديث ومشكلاته، إماماً في الفقه، بل أوحد زمانه فيه، إماماً في علم الخلاف، أوحد في الفرائض، إماماً في أصول الفقه، إمام في النحو والحساب والأنجم السيارة، والمنازل.
وسمعت داود بن صالح المقرئ، سمعت ابن المني يقول - وعنده الإمام الموفق -: إذا خرج هذا الفتى من بغداد احتاجت إليه.
وسمعت البهاء عبد الرحمان يقول: كان شيخنا ابن المني يقول للموفق: إن خرجت من بغداد لا يخلف فيها مثلك.
وسمعت محمد بن محمود الأصبهاني يقول: ما رأى أحد مثل الشيخ الموفق.
وسمعت المفتي أبا عبيد الله عثمان بن عبد الرحمن الشافعي يقول عن الموفق: ما رأيت مثله، كان مؤيداً في فتاويه. وسمعت المفتي أبا بكر محمد بن معالي بن غنيمة يقول: ما أعرف أحداً في زماننا أدرك درجة الاجتهاد إلا الموفق.
وسمعت الحافظ أبا عبد الله اليونيني يقول: أما ما علمته من أحوال شيخنا وسيدنا موفق الدين، فإنني إلى الآن ما أعتقد أن شخصاُ ممن رأيته حصل له من الكمال في العلوم والصفات الحميدة التي يحصل بها الكمال سواه؛ فإنه كان كاملاً في صورته ومعناه من حيث الحسن والإحسان والحلم والسؤدد والعلوم المختلفة والأخلاق الجميلة، رأيت منه ما يعجز عنه كبار الأولياء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنعم الله على عبد نعمة أفضل من أن يلهمه ذكره " فقلت بهذا: إن إلهام الذكر أفضل من الكرامات، وأفضل الذكر ما يتعدى إلى العباد، وهو تعليم العلم والسنة، وأعظم من ذلك وأحسن ما كان جبلة وطبعاً؛ كالحلم والكرم والعقل والحياء، وكان الله قد جبله على خلق شريف، وأفرغ عليه المكارم إفراغاً، وأسبغ عليه النعم، ولطف به في كل حال.
قال الضياء: كان الموفق لا يناظر أحداً إلا وهو يبتسم.
قلت: بل أكثر من عاينا لا يناظر أحداً إلا وينسم.
وقيل: إن الموفق ناظر ابن فضلان الشافعي الذي كان يضرب به المثل في المناظرة فقطعه.
وبقي الموفق يجلس زماناً بعد الجمعة للمناظرة، ويجتمع إليه الفقهاء، وكان يشغل إلى ارتفاع النهار، ومن بعد الظهر إلى المغرب، ولا يضجر، ويسمعون عليه، وكان يقرئ في النحو، وكان لا يكاد يراه أحد إلا أحبه. إلى أن قال الضياء: وما علمت أنه أوجع قلب طالب، وكانت له جارية تؤذيه بخلقها فما يقول لها شيئاً، وأولاده يتضاربون وهو لا يتكلم. وسمعت البهاء يقول: ما رأيت أكثر احتمالاً منه.
قال الضياء: كان حسن الأخلاق لا يكاد يراه أحد إلا مبتسماً، يحكي الحكايات ويمزح. وسمعت البهاء يقول: كان الشيخ في القراءة يمازحنا وينبسط. وكلموه مرة في صبيان يشتغلون عليه، فقال: هم صبيان ولا بد لهم من اللعب، وأنتم كنتم مثلهم. وكان لا ينافس أهل الدنيا، ولا يكاد يشكو، وربما كان أكثر حاجة من غيره، وكان يؤثر.
وسمعت البهاء يصفه بالشجاعة، وقل: كان يتقدم إلى العدو وجرح في كفه، وكان يرامي العدو.
قال الضياء: وكان يصلي بخشوع، ولا يكاد يصلي سنة الفجر والعشاءين إلا في بيته، وكان يصلي بين العشاءين أربعاً بالسجدة، ويس، والدخان، وتبارك، لا يكاد يخل بهن، ويقوم السحر بسبع وربما رفع صوته، وكان حسن الصوت.
وسمعت الحافظ اليونيني يقول: لما كنت أسمع شناعة الخلق على الحنابلة بالتشبيه عزمت على سؤال الشيخ الموفق، وبقيت أشهراً أريد أن أسأله، فصعدت معه الجبل، فلما كما عند دار ابن محارب قلت: يا سيدي، وما نطقت بأكثر من سيدي، فقال لي: التشبيه مستحيل، فقلت: لم؟ قال: لأن من شرط التشبيه أن نرى الشيء، ثم نشبهه، من الذي رأى الله ثم شبهه لنا؟ وذكر الضياء حكايات في كراماته.
وقال أبو شامة: كان إماماً علماً في العلم والعمل، صنف كتباً كثيرة، لكن كلامه في العقائد على الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه، فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها على جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الأخبار.
قلت: وهو وأمثاله متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم! وكذا كل فرقة تتعجب من الأخرى، ولا عجب في ذلك، ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة.
قال الضياء: وجاءه من بنت عمته مريم: المجد عيسى، ومحمد، ويحيى، وصفية، وفاطمة، وله عقب من المجد. ثم تسرى بجارية، ثم بأخرى، ثم تزوج عزية فماتت قبله، وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر، ودفن من الغد سنة عشرين وست مئة، وكان الخلق لا يحصون. توفي بمنزله بالبلد. وكنت فيمن غسله.
أخبرنا عبد الحافظ بن بدران، أخبرنا ابن قدامة، قرأت على عبد الله ابن أحمد ابن النرسي؛ أخبركم الحسن بن محمد التككي، أخبرنا أبو علي أن شاذان، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، حدثنا أحمد بن موسى الشطوي، حدثنا محمد بن كثير العبدي، حدثنا عبد الله بن المنهال، عن سليمان بن قسيم، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت سبعاً، ثم صلى خلف المقام ركعتين، ثم قال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي، فأعطني سؤلي...الحديث".