ابن البناء

الشيخ الجليل المسند أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك ابن أبي السيد بن محمد الواسطي الأصل البغدادي ثم المكي الخلال ابن البناء.
راوي الجامع عن عبد الملك الكروخي، وما علمته روى شيئاً غيره، حدث به بمكة والإسكندرية، ومصر ودمياط وقوص.
حدث عنه ابن نقطة، والمنذري، ومحمد بن منصور الحضرمي، والحسن بن عثمان القابسي، وذاكر بن عبد المؤمن مؤذن الحرم، والبهاء زهير المهلبي الشاعر، وإسحاق بن قريش المخزومي، وقطب الدين محمد ابن القسطلاني، ومحمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي، وعلي بن صالح الحسيني، ويوسف بن إسحاق الطبري المكيان، ومحمد بن ترجم المصري.
مات بمكة في صفر، وقيل في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وست مئة.

ابن يونس

العلامة شرف الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ الكبير كمال الدين موسى ابن الشيخ رضي الدين يونس بن محمد الإربلي، ثم الموصلي الشافعي صاحب شرح النبيه.
مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وست مئة كهلاً في حياة أبيه، وقد اختصر الإحياء مرتين، وله محفوظات كثيرة وذهن وقاد.

القزويني

القاضي الإمام الفاضل المحدث الصالح الجوال مجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أبي المكارم أحمد بن حسين بن بهرام القزويني الصوفي.
ولد في صفر سنة أربع وخمسين بقزوين. وسمع أباه، ومحمد بن أسعد العطاري حفدة، وأحمد بن ينال الأصبهاني الترك، وأبا الخير القزويني الواعظ، وأبا الفرج ثابت بن محمد المديني، وأبا حفص الميانشي، وجماعة.
وحدث بأذربيجان وبغداد والموصل وأصبهان ورأس عين ودمشق وبعلبك وحران وأقصرا ونصيبين وأبهر وقزوين وخوي وإربل ودوين والري ومصر، ونزل بخانقاه سعيد السعداء، واشتهر اسمه وتفرد برواية هذين الكتابين معالم التنزيل وشرح السنة للبغوي.
حدث عنه الضياء، والمنذري، وعز الدين عبد الرزاق الرسعني، والسيف عبد الرحمن بن محفوظ، والفخر عبد الرحمان بن يوسف، والقاضي تاج الدين عبد الخالق، والبهاء عبد الله بن محبوب، وأبو الغنائم ابن محاسن المعمار، وعبد القاهر بن تيمية، والفقيه عباس بن عبدان، وأبو اليمن بن عساكر، وابن عمه شرف الدين أحمد، والمحيي يحيى بن علي ابن القلانسي، والكمال عبد الله بن قوام، والجمال عمر ابن العقيمي، والعز إسماعيل ابن الفراء، والتقي إبراهيم ابن الواسطي، وأخوه محمد، والتقي أحمد بن مؤمن، والعز أحمد ابن العماد، وإبراهيم بن أبي الحسن الفراء، والعماد بن سعد، والشمس خضر بن عبدان، والشهاب الأبرقوهي، والضياء عبد الرحمان السلمي خطيب بعلبك، وبه ختم حديثه.
مات بالموصل في ثالث عشر شعبان، وقيل: في الحادي والعشرين منه، سنة اثنتين وعشرين وست مئة.
قال ابن النجار: حدث بأماكن، وحصل له شيء من الدنيا صالح، وهو شيخ متيقظ حسن الوجه، طلب وكتب وحصل، وهو من بيت مشهور بالعلم والرواية، وسمع من جده أبي المكارم. حدث سنة عشرين ببغداد بأربعين من جمعه.

الأندرشي

الإمام المحدث الجوال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ابن اليتيم الأندلسي الأنصاري الأندرشي، ويعرف أيضاً بابن البلنسي.
ولد سنة أربع وأربعين وخمس مئة. وسمع من أبي الحسن بن هذيل، وابن النعمة ببلنسية، ومن أبي مروان بن قزمان بأشبونة، ومن أبي إسحاق بن قرقول بمالقة، ومن ابن حبيش بمرسية، ومن أبي القاسم بن بشكوال بقرطبة، ومن أبي الحسن بن حنين بفاس، ومن عبد الخالق الحافظ ببجاية، ومن السلفي بالثغر، ومن عثمان ابن فرج بمصر، ومن شهدة الكاتبة ببغداد، ومن أبي الفضل الخطيب بالموصل، ومن ابن عساكر بدمشق، ومن الميانشي بمكة، وجمع وخرج، على لين فيه.
قال ابن مسدي: لم يكن سليماً من التركيب حتى كثرت سقطاته، تتبع عثراته أبو الربيع الكلاعي، وكان أبوه يعرف بالأستاذ فجال به في الطلب، وأسمعه في سنة اثنتي وخمسين من جماعة تفرد عنهم، ولكنه لم يكن حافظاً، وكان شرهاً يروي الموضوعات.
قال ابن مسدي: سمعت منه كثيراً، ورأيت بخطه إسناد صحيح البخاري عن أبي الطاهر السلفي عن ابن البطر، عن ابن البيع، عن المحاملي، عنه.
قلت: ليس عند أحد من هؤلاء بهذا العلو - أعني السلفي وشيخه - سوى حديث واحد وقع في الدعاء للمحاملي عن البخاري.
وقد وثق الأندرشي جماعة، وحملوا عنه وما هو بمتقن، وولي خطابة المرية.
قال الأبار: كان مكثراً رحالة، نسبه بعض شيوخنا إلى الاضطراب، ومع ذلك انتابه الناس، وأخذ عنه أبو سليمان بن حوط الله وأكابر أصحابنا وأجاز لي، وأول رحلته في سنة اثنتين وستين وخمس مئة.
توفي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وست مئة على ظهر البحر قاصداً مالقة.
وقال ابن الأثير: سمع الموطأ من ابن حنين بفاس عن ابن الطلاع.
قلت: عنده من عوالي مالك ما سمعه من شهدة.

الرافعي

شيخ الشافعية عالم العجم والعرب إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم ابن العلامة أبي الفضل محمد بن عبد الكريم بن الفضل بن الحسين الرافعي القزويني.
مولده سنة خمس وخمسين.
وقرأ على أبيه في سنة تسع وستين.
وروى عنه وعن عبد الله بن أبي الفتوح بن عمران الفقيه، وحامد بن محمود الخطيب الرازي، وأبي الخير الطالقاني، وأبي الكرم علي بن عبد الكريم الهمذاني، وعلي بن عبيد الله الرازي، وأبي سليمان أحمد بن حسنويه، وعبد العزيز بن الخليل الخليلي، ومحمد بن أبي طالب الضرير، والحافظ أبي العلاء العطار - وأراه بالإجازة - وبها عن أبي زرعة المقدسي، وأبي الفتح بن البطي.
سمع منه الحافظ عبد العظيم بالموسم، وأجاز لأبي الثناء محمود بن أبي سعيد الطاووسي، وعبد الهادي بن عبد الكريم خطيب المقياس، والفخر عبد العزيز بن عبد الرحمان ابن السكري.
وكان من العلماء العاملين، يذكر عنه تعبد ونسك وأحوال وتواضع، انتهت إليه معرفة المذهب، له الفتح العزيز في شرح الوجيز وشرح آخر صغير، وله شرح مسند الشافعي في مجلدين تعب عليه، وأربعون حديثاً مروية، وله أمالي على ثلاثين حديثاً، وكتاب التذنيب فوائد على الوجيز.
قال ابن الصلاح: أظن أني لم أر في بلاد العجم مثله؛ كان ذا فنون، حسن السيرة، جميل الأمر.
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد الإسفراييني الصفار: هو شيخنا إمام الدين ناصر السنة صدقاً، أبو القاسم، كان أوحد عصره في الأصول والفروع، ومجتهد زمانه، وفريد وقته في تفسير القرآن والمذهب، كان له مجلس التفسير، وتسميع الحديث بجامع قزوين، صنف كثيراً وكان زاهداً ورعاً سمع الكثير.
قال الإمام النواوي: هو من الصالحين المتمكنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة.
وقال ابن خلكان: توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وست مئة.
وقال الرافعي: سمعت من أبي حضوراً في الثالثة سنة ثمان وخمسين وخمس مئة.
وقال الشيخ تاج الدين الفزاري: حدثنا ابن خلكان، أن خوارزم شاه غزا الكرج، وقتل بسيفه حتى جمد الدم على يده، فزاره الرافعي وقال: هات يدك التي جمد عليها دم الكرج حتى أقبلها، قال: لا بل أنا أقبل يدك، وقبل يد الشيخ.
قلت: ولوالد الرافعي رحلة لقي فيها عبد الخالق ابن الحشامي، وطبقته، وبقي إلى سنة نيف وثمانين وخمس مئة.
وقال مظفر الدين قاضي قزوين: عندي بخط الرافعي في كتاب التدوين في تواريخ قزوين له أنه منسوب إلى رافع بن خديج الأنصاري رضي الله عنه.
قال لي أبو المعالي بن رافع: سمعت الإمام ركن الدين عبد الصمد بن محمد القزويني الشافعي يحكي ذلك سماعاً من مظفر الدين، ثم قال الركن: لم أسمع ببلاد قزوين ببلدة يقال لها: رافعان. أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا عبد العظيم الحافظ سنة خمس وخمسين، حدثنا الشيخ أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني لفظاً بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أبو زرعة إذناً. وأخبرنا عبد الخالق القاضي، أخبرنا أبو محمد بن قدامة، أخبرنا أبو زرعة، أخبرنا أبو منصور بن المقومي إجازة - إن لم يكن سماعاً -، أخبرنا أبو القاسم الخطيب، أخبرنا علي بن إبراهيم القطان، حدثنا ابن ماجة، حدثنا إسماعيل بن راشد، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه ".
قال عبد العظيم: صوابه ابن أسد.

البخاري

العلامة الأصولي الشمس أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي الملقب بالبخاري، أخو الحافظ الضياء، ووالد الشيخ الفخر.
ولد سنة أربع وستين.
وارتحل فسمع من ابن شاتيل، والقزاز، وبنيسابور من عبد المنعم ابن الفراوي، وبهمذان من علي بن عبد الكريم العطار، وبدمشق من أبي المعالي بن صابر، وأبي الفهم ابن أبي العجائز، وعدة. وأقام ببخارى مدة يشتغل على أبي الخطاب شرف، وأخذ الخلاف عن الرضي النيسابوري. وكان ذكياً، مفنناً، مناظراً، وقوراً، فصيحاً، نبيلاً، حجة، كل أحد يثني عليه.
روى عنه أخوه، وولده، وابن أخيه شمس الدين محمد ابن الكمال، وابن خاله الشيخ شمس الدين عبد الرحمان، والقوصي، والعز ابن العماد، وابن الفراء، ومحمد ابن الواسطي، وخديجة بنت الرضي.
وكان من أوعية العلم، نزل حمص مدة.
ومات في نصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وست مئة.

ابن دمدم

فقيه المغرب أبو العباس أحمد ابن العلامة عبد الرحمان بن أحمد الربعي التونسي المالكي، مفتي غرناطة.
قال ابن مسدي: هو أحفظ من لقيت لمذهب مالك. تفقه بأبيه دمدم، وسمع من الحافظ عبد الحق.
مات سنة ثلاث وعشرين وست مئة، وله نيف وثمانون سنة.

المصري

العلامة قاضي الشام جمال الدين يونس بن بدران بن فيروز بن صاعد بن عالي القرشي الشيبي الحجازي ثم المليجي المصري الشافعي.
ولد سنة خمسين وخمس مئة تقريباً.
وسمع من السلفي، وعلي بن هبة الله الكاملي. وذهب رسولاً إلى الخليفة، وولي وكالة بيت المال، وتدريس الأمينية، ثم قضاء القضاة، وألقى بالعادلية جميع تفسير القرآن دروساً، واختصر الأم، وله مصنف في الفرائض، وكان شديد الأدمة يلثغ بالقاف همزة.
قال أبو شامة: كان في ولايته عفيفاً نزهاً مهيباً، يحكم بالجامع، ونقم عليه أنه إذا ثبت عنده وراثة شخص يأمره بمصالحه بيت المال، ولكونه استناب ابن أخيه محمد. إلى أن قال: وتكلم في نسبه.
قرأت بخط الحافظ الضياء: توفي بدمشق، وقليل من ترحم عليه.
قلت: روى عنه البرزالي، وعمر بن الحاجب، والقوصي.
قال ابن الحاجب: كان يشارك في علوم كثيرة.
قلت: مات في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وست مئة ودفن بداره بقرب القليجية.

ابن بار

الحافظ الإمام أبو عبد الله الحسين بن عمر بن نصر بن حسن بن سعد ابن بار الموصلي التاجر السفار.
محدث، متقن، مفيد.
سمع من عبد الحق اليوسفي، وشهدة الكاتبة، ولاحق بن كاره، وأبي شاكر السقلاطوني، وعدة.
حدثنا عنه الأبرقوهي، وكتب عنه ابن مسدي والرحالة، وعني بالحديث مدة وسافر في التكسب إلى مصر والشام، ثم صار شيخ دار الحديث المظفرية بالموصل.
مولده سن اثنتين وخمسين وخمس مئة.
وسمع بالموصل من خطيبها.
وبها توفي في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وست مئة.

الخفيفي

الإمام القدوة حجة الدين أبو طالب عبد المحسن بن أبي العميد بن خالد الخفيف الأبهري الشافعي الصوفي. تفقه بهمذان على أبي القاسم بن حيدر، وعلق التعليقة عن الفخر النوقاني. وسمع بأصبهان من أحمد بن ينال الترك، وأبي موسى المديني، وببغداد من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، وبأبهر من عبد الكافي الخطيب، وبهمذان من عبد الرزاق بن إسماعيل القومساني، وعبد المنعم بن الفراوي، وبدمشق من عبد الرحمن بن علي ابن الخرقي، وبمصر من أبي القاسم البوصيري، وبالثغر من القاضي الحضرمي، وبمكة من محمود بن عبد المنعم القلانسي، وبواسط من ابن الباقلاني، وكان كثير الحج، والعبادة، والتبتل، والصوم، والجهاد، وكان يحج كل سنة على سبيل السيدة.
روى عنه الضياء، وابن الدبيثي، وابن النجار، والشيخ شمس الدين عبد الرحمن، وقطب الدين ابن القسطلاني، والشهاب الأبرقوهي.
قال ابن النجار: كان كثير المجاهدة والعبادة، دائم الصيام سفراً وحضراً، عارفاً بكلام المشايخ وأحوال القوم، وكانت له معرفة وحفظ وإتقان، وكان ثقة، ثم صار إمام المقام، إلى أن توفي في صفر سنة أربع وعشرين وست مئة بمكة.

ابن شيرويه

الشيخ أبو مسلم أحمد بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني.
سمع من جده، ونصر بن المظفر البرمكي، وأبي الوقت السجري، وأبي الخير الباغبان، وجماعة. وعنه الزكي البرزالي، والضياء المقدسي، وأجاز للفخر علي.
قال ابن نقطة: مكثر، ثقة، صحيح السماع؛ سمعت منه بهمذان. مات في شعبان سنة خمس وعشرون وست مائة، وله ست وسبعون سنة.

ابن عبد الحق

العلامة قاضي تلمسان أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن سليمان الكوفي البربري المالكي.
تفقه بأبيه، وأخذ القراءات والنحو في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة عن أبي علي بن الخراز النحوي. وسمع من أبي الحسن بن حنين، وأبي عبد الله بن خليل. وأجاز له ابن هذيل، والسلفي.
وكان إماماً معظماً كثير التصانيف من ذلك: غريب الموطأ وكتاب المختار في الجمع بين المنتقى والاستذكار في عشر مجلدات.
مات في سنة خمس وعشرين وست مئة، وهو في عشر التسعين.

ابن عطاء

الشيخ أبو الفتح محمد بن النفيس بن محمد بن إسماعيل بن عطاء البغدادي الصوفي.
لبس من أبي الوقت، وسمع منه جميع الصحيح.
روى عنه ابن النجار، والسيف، وابن نقطة، وشيخنا الأبرقوهي. وكان صالحاً.
مات في ذي القعدة سنة خمس وعشرين.

البيع

الشيخ الجليل المسند أبو المحاسن محمد بن أبي الفرج هبة الله بن أبي حامد عبد العزيز علي بن محمد بن عمر بن محمد بن حسين بن إبراهيم ابن عمر بن إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن محمد بن نجا بن موسى ابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري السعدي الدينوري ثم البغدادي المراتبي البيع.
مولده سنة ثلاثين وخمس مئة.
وسمع من عمه محمد بن أبي حامد، ومحمد بن طراد الزينبي، وعبد الخالق اليوسفي، وأبي الوقت السجزي، وتفرد في وقته، وكان أبوه من حجاب الخلافة.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وأبو الفرج ابن الزين، وأبو المعالي الأبرقوهي، وطائفة. قدم الشام مرات في التجارة، وكان ذا ثروة وصلاح وحسن طريقة، وأضر في أواخر العمر.
مات في سادس عشر شوال سنة ثلاث وعشرين وست مئة عن بضع وتسعين.
وقع لنا من طريقه الخامس من المحامليات.

ابن أبي الجود

الشيخ الصالح المعمر أبو القاسم المبارك بن علي بن أبي القاسم المبارك بن علي بن أبي الجود البغدادي العتابي - نسبة إلى العتابيين - الوراق، خاتم الرواة عن أبي العباس بن الطلاية.
حدث عنه الدبيثي، وابن النجار، والجمال محمد بن الدباب، وأبو المعالي الأبرقوهي، وطائفة. وقد حدث بالموصل أيضاً.
مات في سلخ المحرم سنة ثلاث وعشرين وست مئة.
روى لنا عنه الأبرقوهي التاسع من حديث المخلص عن خال أمه أحمد ابن الطلاية. وروى أيضاً عمر بن عبد الله الحربي. وكان جده من شيوخ الحافظ ابن عساكر.

عبد البر

ابن الحافظ الكبير أبي العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن، الشيخ المسند أبو محمد الهمذاني العطار.
سمع أباه، وعلي بن محمد المشكاني الذي روى التاريخ الصغير للبخاري، ونصر بن المظفر البرمكي، وأبا الوقت السجزي، وأبا الخير محمد بن أحمد الباغبان. حدث عنه البرزالي، والضياء، والصدر البكري، وجماعة، وسمعنا بإجازته من الشرف ابن عساكر.
قرأت بخط ابن نقطة أنه سمع من المشكاني تاريخ البخاري. قال: وذكر لي إسحاق بن محمد بن المؤيد المصري أن عبد البر تغير بعد سنة عشر وست مئة وبلغنا أنه ثاب إليه عقله قبل وفاته بقليل وحدث وأنه توفي بروذراور في شعبان سنة أربع وعشرين وست مئة.

الظاهر بأمر الله

الخليفة أبو نصر محمد ابن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد ابن المستضيء حسن ابن المستنجد يوسف ابن المقتفي الهاشمي العباسي البغدادي.
ولد سنة إحدى وسبعين وخمس مئة.
وبويع بولاية العهد، وخطب له وهو مراهق، واستمر ذلك سنين، ثم خلعه أبوه، وولى علياً أخاه العهد، فدام ذلك حتى مات علي سنة ثماني عشرة، فاحتاج أبوه أن يعيده إلى العهد، وقام الأمير بعد الناصر، ولم يطول، وقرئ عليه في مسند أحمد بإجازته من والدته.
قال ابن النجار: أخبرنا أبو صالح الجيلي، أخبرنا الظاهر بقراءتي، أخبرنا أبي كتابة، عن عبد المغيث بن زهير، أخبرنا ابن الحصين فذكر حديثاً.
قال ابن الأثير: ولي فأظهر العدل والإحسان، وأعاد سنة العمرين، فإنه لو قيل: ما ولي بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً؛ فإنه أعاد من الأموال والأملاك المغصوبة شيئاً كثيراً، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وبإسقاط ما جدده أبوه وكان لا يحصى؛ فمن ذلك بعقوبا خراجها القديم عشرة آلاف دينار، فأخذ منها زمن أبيه ثمانون ألف دينار، فردها، وكان سنجة الخزانة ترجح نصف قيراط في المثقال يأخذون بها ويعطون العادة، فأبطله، ووقع: " ويل للمطففين ". وقدم صاحب الديوان من واسط بأكثر من مئة ألف ظلماً فردها على أربابها، ونفذ إلى الحاكم عشرة آلاف دينار ليوفيها عن المحبوسين، وكان يقول: أنا قد فتحت الدكان بعد العصر فذروني أفعل الخير، فكم بقيت أعيش. وقد أنفق وتصدق في ليلة النحر مئة ألف دينار، وكان نعم الخليفة خشوعاً وخضوعاً، لربه، وعدلاً في رعيته، وازدياداً في وقت من الخير، ورغبة في الإحسان.
قال أبو شامة: كان أبيض جميل الصورة، مشرباً حمرة، حلو المسائل، شديد القوى، استخلف وله اثنتان وخمسون سنة، فقيل له: ألا تتنزه. قال: قد لقس الزرع، ثم أنه أحسن وفرق الأموال، وأبطل المكوس، وأزال المظالم.
وقال سبط الجوزي: حكي عنه أنه دخل إلى الخزائن، فقال له خادم: في أيامك تمتلئ، قال: ما عملت الخزائن لتملأ، بل لتفرغ وتنفق في سبيل الله، إن الجمع شغل التجار! وقال ابن واصل: أظهر الظاهر العدل، وأزال المكس، وظهر للناس، وكان أبوه لا يظهر إلا نادراً.
قال ابن الساعي: بايعه أولاً أهله، وأولاد الخلفاء، ثم نائب الوزارة مؤيد الدين القمي، وعضد الدولة ابن الضحاك أستاذ الدار، وقاضي القضاة محيي الدين ابن فضلان، ونقيب الأشراف القوام الموسوي، وجلس يوم الفطر للبيعة بثياب بيض بطرحة وعلى كتفه البرد النبوي، ولفظ البيعة: أبايع مولانا الإمام المفترض الطاعة أبا نصر محمداً الظاهر بأمر الله على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه. وبعد أيام عزل من القضاء ابن فضلان بأبي صالح نصر بن عبد الرزاق الجيلي. وكان القحط الشديد بالجزيرة والفناء.
وفيها نفذت خلع الملك إلى الكامل والمعظم والأشرف، وكان المعظم قد صافى خوارزم شاه، وجاءته خلعته فلبسها.
وفي سنة 623 بلغ خوارزم شاه أن نائبه على كرمان خلعه، فسار يطوي الأرض إلى كرمان، فتحصن نائبه بقلعة وذل، فنفذ إليه الأمان، فبلغه أن عسكر الأشرف هزم بعض عسكره، فكر راجعاً حتى قدم منازكرد، قم نازل خلاط، وقتل خلق كثير بين الفريقين، ثم بلغه عبث التركمان، فسارع وكبسهم وبدع فيهم.
وفي شعبان سار كيقباذ فأخذ عدة حصون لصاحب آمد.
وفيها حارب البرنس بلاد الأرمن.
وفيها قال ابن الأثير: اصطاد صديق لنا أرنباً لها ذكر وأنثيان ولها فرج أنثى، فلما شقوها وجدوا فيها جروين، سمعت هذا من جماعة كانوا معه، وقالوا: مازلنا نسمع أن الأرنب تكون سنة ذكراً وسنة أثنى. وزلزلت الموصل وشهرزور، وترددت الزلزلة عليهم نيفاً وثلاثين يوماً وخرب أكثر قرى تلك الناحية، وانخسف القمر في السنة مرتين، وبرد ماء القيارة كثيراً، وما زالت حارة، وجاء الموصل برد عظيم زنة الواحدة مئتا درهم وأقل فأهلك الدواب.
وفي رجب منها توفي أمير المؤمنين الظاهر، فكانت خلافته تسعة أشهر ونصفاً رحمه الله وعاش اثنتين وخمسين سنة وبايعوا ولده المستنصر بالله أبا جعفر.

عامر

ابن أبي الوليد هشام، شيخ الأدب أبو القاسم الأزدي القرطبي.
سمع من أبيه، وابن بشكوال، وأبي محمد بن مغيث. وكان كاتباً أديباً كثير النظم، تنسك ولزم الخير، فحملوا عنه.
قرأ عليه أبو محمد بن هارون الطائي مقامات الحريري، وبعض مقاماته ولازمه وتخرج به وأخذ عنه مقصورته، وقد أبدع وأجاد في مقاماته.
توفي فيما قاله الأبار سنة ثلاث وعشرين وست مئة.

داود بن معمر

ابن عبد الواحد بن الفاخر الشيخ الإمام المسند المعمر أبو الفتوح القرشي العبشمي الأصبهاني.
ولد في رمضان سنة أربع وثلاثين.
وسمع حضوراً في سنة سبع وثلاثين وبعد ذلك، فمن ذلك جزء البيتوتة من فاطمة بنت محمد البغدادي. وسمع من غانم بن خالد التاجر، وغانم بن أحمد الجلودي، وإسماعيل بن علي الحمامي، وأبي الخير الباغبان، وسمع بهمذان من نصر بن المظفر البرمكي، وبالكوفة من أبي الحسن بن غبرة، وببغداد من أبي الفتح بن البطي.
قال ابن نقطة - وقرأته بخطه -: ذكر لي غير واحد أنه سمع صحيح البخاري من غانم بن أحمد، وفاطمة بسماعهما من سعيد العيار، وسمعه من أبي الوقت، وسمع الدعاء لابن فضيل من ابن غبرة. سمعت منه بأصبهان، وحكى لي عن شيخه أبي محمد عبد القادر الجيلي وهو شيخ الناس بأصبهان واسع الجاه، رفيع المنزلة، مكرم لأهل العلم، بلغنا موته بأصبهان سنة أربع وعشرين.
قلت: وروى عنه الزكي البرزالي، والصدر البكري وابن النجار، والحافظ الضياء.
قال المنذري: مات في رجب أو شعبان.

البهاء

الشيخ الإمام العالم المفتي المحدث بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي شارح المقنع، وابن عم الحافظ الضياء، والشمس أحمد والد الفخر بن البخاري.
ولد بقرية الساويا - وكان أبوه يؤم بها - في سنة خمس وخمسين وخمس مئة، أو في سنة ست.
هاجر أبوه من حكم الفرنج، فسافر تاجراً إلى مصر - أعني الأب - ثم ماتت الأم فكلفته عمته فاطمة زوجة الشيخ أبي عمر، وختم القرآن سنة سبعين، وتنبه بالحفظ عبد الغني، ثم ارتحل في سنة اثنتين وسبعين في صحبة الشيخ العماد فسمع بحران من أحمد بن أبي الوفاء، وجرد بها الختمة، وصلى التراويح، فجمعوا له فطرة واشتروا له بهيمة وسار إلى بغداد، وقد سبقه العماد ومعه ابن راجح وعبد الله بن عمر بن أبي بكر.
وسمع بالموصل من خطيبها، فسمع ببغداد من شهدة الكاتبة كثيراً، ومن عبد الحق وأبي هاشم الدوشابي، ومحمد بن نسيم، وأحمد بن الناعم، وأبي الفتح بن شاتيل، وعبد المحسن بن تريك وطبقتهم، ونسخ الأجزاء، وحصل، وسمع بدمشق من محمد بن بركة الصلحي، وعبد الرحمان بن أبي العجائز، والقاضي كمال الدين الشهرزوري وجماعة، وروى الكثير بدمشق وبنابلس وبعلبك، وكان بصيراً بالمذهب.
قال الضياء: كان فقيهاً إماماً مناظراً اشتغل على ابن المني، وسمع الكثير، وكتبه، وأقام سنين بنابلس بعد الفتوح بجامعها الغربي، وانتفع به خلق، وكان سمحاً كريماً جواداً حسن الأخلاق متوضعاً، رجع إلى دمشق قبل وفاته بيسير، واجتهد في كتابة الحديث وتسميعه، وشرح كتاب المقنع وكتاب العمدة لشيخنا موفق الدين ووقف مسموعاته.
وقال الحاجب: كان مليح المنظر، مطرحاً للتكلف، كثير الفائدة، قوالاً للحق، ذا دين وخير لا يخاف في الله لومة لائم، راغباً في الحديث، كان ينزل من الجبل قاصداً لمن يسمع عليه، وربما أطعم غداءه لمن يقرأ عليه، وانقطع بموته حديث كثير يعني من دمشق.
ومات في سابع ذي الحجة سنة أربع وعشرين وست مئة. قلت: روى عنه البرزالي، والضياء، وابن المجد، والشرف ابن النابلسي، والجمال ابن الصابوني، والشمس ابن الكمال، والتاج عبد الخالق، ومحمد بن بلغزا، وداود بن محفوظ، وعبد الكريم بن زيد، والعز ابن الفراء، والعز ابن العماد، والعماد عبد الحافظ، والتقي بن مؤمن، وست الأهل بنت الصالح، وإسحاق بن سلطان، وأبو جعفر ابن الموازيني، وآخرون. وقد سقت من تفاصيل أحواله في تاريخ الإسلام.
وأقدم شيء سمعه بدمشق في سنة سبع وستين وخمس مئة من عبد الله بن عبد الواحد الكناني، سمعت الكثير على أصحابه.
وفيها مات القدوة أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن سيد بونه الخزاعي صاحب ابن هذيل، وداود بن الفاخر، وطاغية التتار حنكزخان، وقاضي حران، وأبو بكر عبد الله بن نصر الحنبلي، وعبد البر بن أبي العلاء الهمذاني، وعبد الجبار ابن الحرستاني، وأبو بكر عبد العزيز بن علي السماتي، والحجة عبد المحسن بن أبي العميد الخفيفي، والمعظم عيسى ابن العادل، والمسند الفتح بن عبد السلام، وأبو هريرة محمد بن الليث الوسطاني.

ابن عبد السلام

الشيخ الجليل المعمر مسند العراق عميد الدين أبو الفرج الفتح بن أبي منصور عبد الله بن محمد ابن الشيخ أبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام بن يحيى البغدادي الكاتب.
ولد يوم عاشوراء سنة سبع وثلاثين وخمس مئة.
وسمع من جده أبي الفتح، والقاضي محمد بن عمر الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وأبي غالب محمد بن الداية، وأحمد بن طاهر الميهني، وهبة الله بن أبي شريك، وأبي بكر ابن الزاغوني، وقاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي، ونوشتكين الرضواني، وأبي الكرم الشهرزوري، وسعيد ابن البناء، وأحمد بن محمد ابن الأخوة، وجماعة.
حدث عنه البرزالي، وعمر بن الحاجب، وابن المجد، والقاضي شمس الدين محمد بن العماد، وتقي الدين ابن الواسطي، والجمال ابن الدباب، والكمال الفويره، والشمس ابن الزين، والشهاب الأبرقوهي، وجماعة، وانتهى إليه على الإسناد.
قال المنذري: كان شيخاً حسناً، كاتباً أديباً، له شعر وتصرف في الأعمال الديوانية، أضر في آخر عمره، وانفرد بأكثر شيوخه ومروياته، وهو من بيت الحديث، حدث هو وأبوه وجده وجد أبيه.
وقال ابن الحاجب: هو من محلة الدينارية بباب الأزج، وكان قديماً يسكن بدار الخلافة. صارت إليه الرحلة. وتكاثر عليه الطلبة، واشتهر اسمه، وكان من ذوي المناصب والولايات، فهماً بصنعته، ترك الخدمة، وبقي قانعاً بالكفاف، وأضر بأخرة، وتعلل حتى أقعد. وكان مجلسه مجلس هيبة ووقار، لا يكاد يشذ عنه حرف محقق لسماعه، إلا أنه لم يكن يحب الرواية لمرضه واشتغاله بنفسه، وكان كثير الذكر، وكان يتوالى، ولم يظهر لنا منه ما ننكره، بل كان يترحم على الصحابة ويلعن من يسبهم، وكان يقول الشعر في الزهد والندم، وكان ثقة صحيح السماع، وما كان مكثراً. إلى أن قال: وتوفي في الرابع والعشرين من المحرم سنة أربع وعشرين وست وحدث عنه الدبيثي وقال: هو من أهل بيت حديث كلهم ثقات.
قلت: وآخر من روى عنه بالإجازة فاطمة بنت سليمان الدمشقي.
وقال المبارك ابن الشعار: كان الفتح يرجع إلى أدب وسلامة قريحة، وكان مشتهراً بالتشيع والغلو فيه على مذهب الإمامية.
وقال ابن النجار: كان صدوقاً جليلاً أديباً فاضلاً حسن الأخلاق نبيلاً.
أنشدني أبو الحسن ابن القطيعي أنشدنا الفتح لنفسه وكتب بها إلى المستضيء بأمر الله يستقيل من خدمته بالبركات:

يا ابن الخلائف من آل النبي ومـن

 

يفوق علماً ونسكاً سائر الـنـاس

يا مستضيئاً بأمر اللـه مـقـتـدياً

 

يا خير مستخلف من آل عـبـاس

أشكو إليك معـاشـي إنـه كـدر

 

ما بين باغ وحـفـار لأرمـاس

تأتي إلي صباحـاً كـل عـانـية

 

يضيق من كربها صدري وأنفاسي

فآه من حالتي ضر بلـيت بـهـا

 

سواد بختي وشيب حل في راسي

ابن بقي

الإمام العلامة المحدث المسند قاضي الجماعة أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس الحاف بقي بن مخلد الأموي، مولاهم، البقوي القرطبي المالكي. سمع أباه، وجده أبا الحسن، ومحمد بن عبد الحق الخزرجي صاحب محمد بن الفرج الطلاعي، وخلف بن بشكوال، وأبا زيد السهيلي، وطائفة. وأجاز له المقرئ أبو الحسن شريح بن محمد، وعبد الملك بن مسرة. وتفرد بأشياء منها موطأ يحيى بن يحيى عن الخزرجي. وقد روى الحديث هو وجيمع آبائه.
قال أبو عبد الله الأبار: هو من رجالات الأندلس جلالاً وكمالاً لا نعلم بيتاً أعرق من بيته في العلم والنباهة إلا بيت بني مغيث بقرطبة، وبني الباجي بإشبيلية، وله التقدم على هؤلاء، ولي قضاء الجماعة بمراكش مضافاً إلى خطتي المظالم والكتابة العليا، فحمدت سيرته، ولم تزده الرفعة إلا تواضعاً، ثم عزل، وأقام بطالاً إلى أن قلد قضاء بلده، وذهب إليه، ثم عزل قبل موته، فازدحم الطلبة عليه، وكان ذلك أهلاً.
وقال ابن الزبير - أو غيره -: كان له باع مديد في النحو والأدب، تنافس الناس في الأخذ عنه، وقرأ جميع كتاب سيبويه على أبي العباس ابن مضاء، وقرأ عليه المقامات.
وقال ابن مسدي: رأس شيخنا هذا بالمغربين، وولي القضاء بالعدوتين، ولما أسن استعفى، ورجع إلى بلده، فأقام قاضياً بها إلى أن غلب عليه الكبر، فلزم منزله، وكان عارفاً بالإجماع والخلاف، مائلاً إلى الترجيح والإنصاف.
قلت: حدث عنه المعمر أبو محمد بن هارون الذي كتب إلينا بالإجازة من المغرب، وجماعة.
وروى عنه بالإجازة محمد بن عياش الخزرجي، والخطيب أبو القاسم ابن الأيسر الجذامي، وأبو الحكم مالك بن المرحل الأديب، وآخرون. وقد كان رحمه الله يغلب عليه الميل إلى مذهب أهل الأثر والظاهر في أموره وأحكامه.
ومن الرواة عنه العلامة أبو الحسين بن أبي الربيع، وبالإجازة محمد بن محمد المومنائي الفاسي.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن هارون الطائي الفقيه إذناً قال: أنبأنا أحمد ابن يزيد القاضي، عن شريح بن محمد المقرئ، عن الفقيه أبي محمد بن حزم، أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن، أخبرنا قاسم بن أصبغ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصوم جنة ".
ولد ابن بقي سنة سبع وثلاثين وخمس مئة.
ومات يوم الجمعة بعد الصلاة منتصف رمضان سنة خمس وعشرين وست مئة بقرطبة، وقد تجاوز ثمانياً وثمانين سنة رحمه الله، وهو آخر من حدث بالموطأ في الدنيا عالياً بينه وبين الإمام مالك فيه ستة رجال بالسماع المتصل، وهكذا العدد في الموطأ ليحيى بن بكير لمكرم بن أبي الصقر البزاز، وفي موطأ القعنبي للموفقين: ابن قدامة وعبد اللطيف، وابن الخير، وفي موطأ أبي مصعب لأبي نصر ابن الشيرازي وابن البرهان، وفي موطأ سويد بن سعيد للبهاء عبد الرحمن.

ابن البراج

الشيخ الصالح الخير الثقة أبو منصور أحمد بن يحيى بن أحمد بن علي ابن البراج البغدادي الصوفي الوكيل.
سمع سنن النسائي كله - أعني المجتنى - من أبي زرعة المقدسي، وسمع جزء البانياسي من أبي الفتح ابن البطي، وكتاب أخبار مكة للأزرقي من أحمد بن المقرب.
حدث عنه السيف ابن المجد، وعمر بن الحاجب، وتقي الدين ابن الواسطي، وشمس الدين عبد الرحمن ابن الزين، والجمال محمد ابن الدباب، وطائفة.
وأخبرتنا عنه فاطمة بنت سليمان إجازة.
قال ابن الحاجب: رجل صالح كثير التلاوة والصمت، لا يكاد يتكلم إلا جواباً، سمعت منه معظم السنن.
مات في رابع المحرم سنة خمس وعشرين وست مئة.

ابن الجواليقي

الشيخ الجليل العالم العدل أبو علي الحسن بن إسحاق ابن العلامة أبي منصور موهوب بن أحمد الجواليقي البغدادي.
سمع ابن ناصر، ونصر بن نصر، وابن الزاغوني، وأبا الوقت، وجماعة.
تفرد بالعاشر من المخلصيات وبثالثها الصغير وبالأول من السادس، وببعض الثاني، وبديوان المتنبي، وسمع الصحيح كله ومنتخب عبد كله من أبي الوقت.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن الواسطين وابن الزين، والأبرقوهي، والمجد ابن الخليلي، وعدة.
مات في شعبان سنة خمس وعشرين وست مئة.

ابن البن

الشيخ الجليل الثقة المسند الصالح بقية المشايخ نفيس الدين أبو محمد الحسن بن علي ابن الشيخ أبي القاسم الحسين بن الحسن بن البن الأسدي الدمشقي الخشاب.
ولد في حدود سنة سبع وثلاثين. وسمع الكثير من جده، وتفرد وعمر، وتأدب على الأمير المحمود بن نعمة الشيرازي وصحبه، وله أصول وأجزاء.
قال ابن الحاجب: كان دائم السكوت وإذا نفر من شيء لا يعود إليه، وكان ثقة ثبتاً، سألت العدل علي ابن الشيرجي عنه فقال: كان على خير، كثير الصدقة والإحسان.
وقال الضياء: شيخ حسن موصوف بالخير قليل الكلام والفضول.
وقال ابن الحاجب: أجاز له نصر بن نصر العكبري، وأبو بكر ابن الزاغوني.
توفي في ثامن عشر شعبان سنة خمس وعشرين وست مئة ودفن بمقبرة باب الفراديس.
قلت: حدث عنه الضياء، والبرزالي، وابن خليل، والشرف ابن النابلسي، والجمال ابن الصابوني، ومحمد بن إلياس، ومحمد بن سالم النابلسي، والعز ابن الفراء، والشمس ابن الكمال، والشهاب الأبرقوهي، وسعد الخير، وأخوه نصر، والفخر علي، وابنا الواسطي، والخضر بن عبدان، وعدة.
ومات معه المحب أحمد بن تميم اللبي الأندلسي المحدث، وأبو المعالي أحمد بن الخضر بن طاووس الدمشقي يروي عن حمزة بن كروس، وأبو مسلم أحمد بن شيرويه بن شهردار الديلمي، وأحمد بن السراج، وأبو القاسم أحمد بن بقي، وأبو علي ابن الجواليقي، وصاعد بن علي الواسطي الواعظ، وكاتب المعظم جمال الدين عبد الرحمن بن شيث القوصي، ومحمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي ابن صاحب الصلاة، وأبو منصور محمد ابن عبد الله البندنيجي، وأبو الفتح محمد بن النفيس بن عطاء الصوفي، وأبو الوقت محاسن بن عمر الخزائني.

ابن عفيجة

الشيخ الجليل المسند أبو منصور محمد بن عبد الله بن المبارك بن كرم البندنيجي ثم البغدادي البيع المعروف بابن عفيجة الحمامي.
أجاز له في سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة أبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون المقرئ، وسبط الخياط أبو محمد، وأحمد بن عبد الله ابن الآبنوسي، وطائفة. وسمع من الحافظ ابن ناصر، وأبي طالب بن خضير.
وليس هو بالمكثر. خرج له ابن النجار جزءاً، وابن الخير جزءاً، وحصل له في سمعه ثقل.
وعفيجة: هو لقب لوالده عبد الله.
قال ابن الحاجب: كان يأوي إلى بعض أقاربه، وكنا نقاسي من الوصول إليه مشقة ويمنعونا. قلت: تعلل وافتقر، وكان عنده شيء من حديث أبي نعيم الحافظ، سمعه من ابن ناصر.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن المجد، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وطائفة آخرهم بالحضور في الرابعة العماد إسماعيل ابن الطبال.
وقرأت بإجازته على أبي الحسين ابن اليونيني، وفاطمة بنت سليمان.
توفي في ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وعشرين وست مئة.
ومن مسموعه خمسة أجزاء من الحلية، منها السابع والسبعون وتلوه من ابن ناصر.

والد الأبرقوهي

القاضي المحدث المفيد رفيع الدين إسحاق بن محمد بن المؤيد الهمذاني ثم المصري الشافعي.
ولد بعد الثمانين وخمس مئة.
وسمع من الغزنوي والأرتاحي. وبدمشق من ابن طبرزد، وبواسط من المندائي، وبأصبهان من عفيفة، وبشيراز وهمذان وبغداد. وولي قضاء أبرقوه، وجاءته الأولاد، فرحل بابنيه، ثم استقر بمصر وكان عالماً وقوراً، مقرئاً فقيهاً.
مات سنة ثلاث وعشرين وست مئة.
حدثنا عنه ابنه أبو المعالي.

ابن صصرى

الشيخ الجليل مسند الشام شمس الدين أبو القاسم الحسين بن أبي الغنائم هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى الربعي التغلبي الجزري البلدي الدمشقي، أخو الحافظ أبي المواهب.
ولد سنة بضع وثلاثين وخمس مئة.
وسمع من أبيه، وجده، وجده لأمه أبي المكارم بن هلال، وعبدان ابن رزين،، وأبي القاسم بن البن، ونصر بن مقاتل، وأبي طالب بن حيدرة وحمزة بن الحبوبي، وحمزة بن كروس، وعلي بن أحمد الحرستاني، والفلكي، والصائن وأخيه الحافظ، وحسان بن تميم، وعبد الواحد بن قزة، وعلي بن عساكر بن سرور المقدسي، وعدد كثير. وسمع بمكة من أبي حنيفة بن عبيد الله الخطيبي، وبحلب من أبي طالب ابن العجمي.
وأجاز له علي ابن الصباغ، ومحمد بن السلال، وأبو محمد سبط الخياط، وأحمد ابن الآبنوسي، ومحمد بن طراد، وأبو الفضل الأرموي، والفقيه نصر الله بن محمد المصيصي، وخلق. وخرج له البرزالي مشيخة في مجلد. حدث عنه الضياء، والقوصي، والمنذري، والجمال ابن الصابوني، والزين خالد، وأبو بكر بن طرخان، وإبراهيم بن عثمان اللتموني، والشرف أحمد بن أحمد الفرضي، والجمال أحمد بن أبي محمد المغاري، والتقي ابن الواسطي وأخوه، والتقي بن مؤمن، والعز بن الفراء، وعبد الحميد بن حوران، ونصر الله بن عياش، وأبو المعالي الأبرقوهي، وأبو جعفر ابن الموازيني، وخلق.
تفقه قليلاً على أبي سعد بن عصرون.
قال البرزالي: كان يسأل من غير حاجة، وهو مسند الشام في زمانه.
وقال ابن الحاجب: ربما كان يأخذ من آحاد الأغنياء على التسميع.
قال محمد بن الحسن بن سلام: كان فيه شح بالتسميع إلا بعرض من الدنيا، وهو من بيت حديث وأمانة وصيانة. كان أخوه من علماء الحديث، وقرأت عليه علوم الحديث للحاكم في ميعادين، وكان متمولاً، له مال وأملاك، رزئ في ماله مرات.
وقال ابن الحاجب أيضاً: كان صاحب أصول، لين الجانب، بهياً، سهل الانقياد، مواظباً على أوقات الصلوات، متجنباً لمخالطة الناس، وهو من ربيعة الفرس.
مات في الثالث والعشرين من المحرم سنة ست وعشرين وست مئة، وصلى عليه الخطيب الدولعي بالجامع، والقاضي شمس الدين الخوئي بظاهر البلد، والتاج القرطبي بمقبرته بسفح قاسيون.
وفيها توفي محدث مصر عبد الوهاب بن عتيق بن وردان العامري، وشرف النساء بنت أحمد ابن الآبنوسي، والرشيف البهاء الفضل بن عقيل العباسي، وأبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب النرسي، وأبو نصر المهذب بن علي بن قنيدة الأزجي، والشهاب ياقوت الحموي الرومي صاحب التواليف، وأبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش ابن القديم الشلبي، وصاحب اليمن الملك المسعود أقسيس ابن الكامل.

زين الأمناء

الشيخ العالم الجلي المسند العابد الخبر زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الدمشقي الشافعي.
ولد في سلخ ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
وسمع من أبي العشائر محمد بن الخليل القيسي في الخامسة، وأبي المظفر الفلكي، وعبد الرحمان بن أبي الحسن الداراني، وأبي القاسم بن الأسدي، وعبد الواحد بن إبراهيم بن القزة، والخضر بن عبد الحارثي، وإبراهيم بن الحسن الحصني، وعلي بن أحمد بن مقاتل السوسي، ومحمد بن أسعد العراقي، وحسان بن تميم الزيات، وأبي النجيب السهروردي، ومحمد بن حمزة ابن الموازيني، وعلي بن مهدي الهلالي، ومحمد بن بركة الصلحي، والحسن بن علي البطليوسي، وعبد الرشيد بن عبد الجبار الخواري، ومحمد بن محمد الكشميهني، وأخيه محمود، وعدة.
حدث عنه الإمام عز الدين ابن الأثير، وكمال الدين ابن العديم، وابنه أبو المجد، وزكي الدين المنذري، والزين خالد، والشرف ابن النابلسي، والجمال ابن الصابوني، والشمس ابن الكمال، وسعد الخير بن أبي القاسم وأخوه نصر الله، والعماد عبد الحافظ النابلسيون، والشهاب الأبرقوهي، والشرف ابن عساكر، وأمين الدين أبو اليمن حفيده وآخرون.
وكان شيخاً جليلاً، نبيلاً، عابداً ساجداً، متألهاً، حسن السمت، كيس المحاضرة، من سروات البلد. تفق على جمال الأئمة علي بن الماسح، وتلا بحرف ابن عامر على أبي القاسم العمري وتأدب على علي بن عثمان السلمي، وولي نظر الخزانة، ونظر الأوقاف، وأقبل على شأنه، وكان كثير الصلاة، حتى إنه لقب بالسجاد، ولقد بالغ ابن الحاجب في تقريظه بأشياء تركتها، ولأن ابن المجد ضرب على بعضها.
وقال السيف بن المجد: سمعنا منه إلا أنه كان كثير الالتفات في الصلاة، ويقال: كان يشاري في الصلاة ويشير بيده لمن يبتاع منه.
وقال البرزالي: ثقة، نبيل، كريم، صين.
مات زين الأمناء رحمه الله في سحر يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة سبع وعشرين وست مئة، وشيعة الخلق، ودفن إلى جانب أخيه المفتي فخر الدين عبد الرحمان، وطاب الثناء عليه، وقيل: أصابته زمانة في الآخر فكان يحمل في محفة إلى الجامع وإلى دار الحديث النورية، فيسمع، وعاش ثلاثاً وثمانين سنة.
قال القوصي: سمعت منه سنن الدارقطني.
قلت: قد حدث به عن الضياء بن هبة الله بن عساكر عمه. وفيها مات عبد الرحمان بن عتيق بن صيلا، وعبد السلام بن عبد الرحمان بن علي بن سكينة، وأبو زيد عبد الرحمان بن يخلقين بن أحمد الفازازي القرطبي، وأبو المعالي محمد بن أحمد بن صالح بن شافع الجيلي البغدادي، وفخر الدين محمد بن عبد الوهاب ابن الشيرجي الأنصاري، وأبو غانم محمد بن هبة الله بن محمد بن العديم العقيلي، وأبو الفتح نصر بن جرو السعدي الحنفي.

عمر بن بدر

ابن سعيد، الإمام المحدث المفيد الفقيه أبو حفص الكردي الموصلي الحنفي ضياء الدين.
سمع من عبد المنعم بن كليب، ومحمد بن المبارك ابن الحلاوي، وأبي الفرج ابن الجوزي وطبقتهم. وجمع وصنف وحدث بحلب ودمشق.
روى عنه الشهاب القوصي، والفخر ابن البخاري، ومجد الدين ابن العديم وأخته شهدة، فكانت آخر من حدث عنه. وقد حدث أيضاً ببيت المقدس. وله تواليف مفيدة وعمل في هذا الفن. عاش نيفاً وستين سنة.
لم يرو لنا عنه سوى شهدة بنت العديم.
أخبرتنا شهدة بنت عمر الكاتبة، أخبرنا عمر بن بدر قراءة عليه في سنة إحدى وعشرين وست مئة وأنا حاضرة قال: قرأت على عبد المنعم بن كليب، حدثنا إسماعيل بن محمد إملاء، أخبرنا محمد بن عبد الله، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا عبد الله بن سالم، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سكة الحرث فقال: " لا تدخل هذه على قوم إلا أذلهم الله ". أخرجه البخاري عن ابن يوسف.
وفيها توفي الناصر لدين الله، والشرف أحمد بن الكمال موسى بن يونس الموصلي شارح التنبيه، وإبراهيم بن عبد الرحمان القطيعي، والمحدث إبراهيم بن عثمان بن درباس، وأبو إسحاق إبراهيم بن المظفر البرني، والأمير مجد الدين جعفر ابن شمس الخلافة، والحسين بن عمر بن بار الموصلي، وظفر بن سالم ابن البيطار، والوزير صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر الدميري، وأبو جعفر عبد الله بن نصر بن شريف الرحبة، وعبد السلام العبرتي الخطيب، وأبو الحسن علي بن محمد بن حريق البلنسي أحد الشعراء، وعلي بن البناء المكي، وقاضي مصر زين الدين علي ابن يوسف الدمشقي، والأفضل علي بن صلاح الدين، والفخر الفارسي، والمجد القزويني، والفخر بن تيمية، والنفس بن جبارة، والزكي بن رواحة واقف الراحية، ويعيش بن الحارث الأنباري، وأبو الحسين بن زرقون شيخ المالكية.

ابن تيمية

الشيخ الإمام العلامة المفتي المفسر الخطيب البارع عالم حران وخطيبا وواعظها، فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني الحنبلي صاحب الديوان الخطب والتفسير الكبير.
ولد في شعبان سنة اثنتين وأربعين بحران، وتفقه على أحمد بن أبي الوفاء، وحامد بن أبي الحجر، وتفقه ببغداد على ناصح الإسلام ابن المني، وأحمد بن بكروس، وبرع في المذهب، وساد، وأخذ العربية عن أبي محمد ابن الخشاب، وسمع الحديث من أبي بن البطي، ويحيى ابن ثابت، وأبي بكر بن النقور، وسعد الله ابن الدجاجي، وجعفر ابن الدامغاني، وشهدة، وجماعة. وصنف مختصراً في المذهب، وله النظم والنثر.
قيل: إن جده حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة فلما رجع، وجد امرأته قد ولدت له بنتاً، فقال: يا تيمية! يا تيمية! فلقب بذلك.
وأما ابن النجار فقال: ذكر لنا أن جده محمداً كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة.
نعم، وسمع الشيخ فخر الدين بحران من أبي النجيب السهروردي قدم عليهم.
حدث عنه الشهاب القوصي وقال: قرأت عليه خطبه بحران وروى عنه ابن أخيه الإمام مجد الدين، والجمال يحيى ابن الصيرفي وعبد الله بن أبي العز، وأبو بكر بن إلياس الرسعني، والسيف بن محفوظ، وأبو المعالي الأبرقوهي، والرشيد الفارقي وجماعة.
توفي في صفر سنة اثنتين وعشرين وست مئة له ثمانون سنة وكان صاحب فنون وجلاله ببلده، سمعت من طريقه جزء البانياسي.

ابن درباس

الإمام المحدث جلال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني الكردي المصري.
أجاز له السلفي، وسمع فاطمة بنت سعد الخير، والأرتاحي، وابن طبرزد، والمؤيد الطوسي، وأبا روح، وزينب الشعرية، وخلقاً، وكتب الكثير. روى عنه الحافظ عبد العظيم وغيره، وكان عارفاً بمذهب الشافعي، تفقه بأبيه، وكان خيراً صالحاً زاهداً قانعاً مقلاً مقبلاً على شأنه.
توفي بين الهند واليمن سنة اثنتين وعشرين وست مئة، وله خمسون سنة.
وكان:

أبوه

الشيخ ضياء الدين من كبار الشافعية، تفقه بإربل على الخضر بن عقيل، وبدمشق على ابن أبي عصرون، وشرح المهذب في عشرين مجلداً، وشرح اللمع في الأصول في مجلدين. وناب عن أخيه في القضاء، مات في سنة اثنتين وست مئة.

عمه

قاضي الديار المصرية صدر الدين أبو القاسم عبد الملك، ولد بأراضي الموصل سنة ست عشرة وخمس مئة، تفقه بحلب على أبي الحسن المرادي، وسمع بدمشق من لأبي القاسم بن البن، وبمصر من علي ابن بنت أبي سعد الزاهد، وكان صالحاً من خيار القضاة، مات سنة خمس وست مئة.

ابن النرسي

الشيخ أبو الحسن محمد بن محمد بن أبي حرب بن عبد الصمد ابن النرسي الأديب أحد الشعراء ببغداد.
ولد سنة 544، وسمع الأول من حديث ابن زنبور الوراق، من أبي محمد بن المادح: أخبرنا الزينبي عنه، والثاني من حديث ابن صاعد بالإسناد. وسمع من هبة الله ابن الشبلي، وأبي الفتح ابن البطي، فسمع من ابن البطي مسند حميد عن أنس لأبي بكر الشافعي، وكتاب الاستيعاب لابن عبد البر عن الحميدي إجازة عن المؤلف؛ أجازه بفوت. وسمع من صالح بن الرخلة، وتركناز بنت الدامغاني رابع المحامليات بسماعهما من النعالي.
روى عنه ابن الدبيثي، والجمال ابن الصيرفي، والتقي ابن الواسطي. وبالإجازة فاطمة بنت سليمان وطائفة. وكان كاتباً سيئ التصرف ظريفاً نديماً.
مات في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وست مئة.

ابن النرسي

الشيخ العالم أبو محمد عبد اللطيف بن المبارك بن أحمد بن محمد بن هبة الله النرسي البغدادي الصوفي.
روى عن أبي الوقت السجزي وغيره بالأندلس، وله تواليف في التصريف، وروى كتباً كثيرة عن مصنفها ابن الجوزي، ضعفه محمد بن سعيد الطراز الأندلسي، وأما أبو بكر بن مسدي فروى عنه وقال: رأيت ثبته وعليه خط أبي الوقت، وسمع أيضاً من ابن البطي، ولبس من الشيخ عبد القادر. قدم غرناطة، وأدخل البلاد تواليف لابن الجوزي، تحامل عليه ابن الرومية، وليس لأبي محمد في باب الرواية كبير عناية.
ومات بمراكش سنة ثلاث وعشرين وله نيف وثمانون سنة.
قلت: وادعى أنه هاشمي.

الهمذاني

العلامة المفتي الخطيب أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد الهمذاني.
ولد سنة خمس وأربعين. وسمع من أحمد بن سعد البيع، وأبي الوقت عبد الأول. وقدم بغداد وبرع في المذهب -مذهب الشافعي - على أبي الخير القزويني، وأبي طالب صاحب ابن الخل.
قال ابن النجار: برع في المذهب، وأفتى. وكان متقشفاً على منهاج السلف.
قلت: كان بصيراً بالمذهب والخلاف وأصول الفقه متألهاً.
روى عنه ابن النجار وعلي بن الأخضر، والجمال يحيى ابن الصيرفي؛ سمعوا منه جزء علي بن حرب رواية العباداني بسماعه من أحمد بن سعد، قال: أخبرنا الإمام أبو إسحاق الشيرازي، أخبرنا أبو علي ابن شاذان. وقد خطب ببعض أعمال همذان.
توفي في شعبان سنة اثنتين وعشرين وست مئة.

ابن شكر

الوزير الكبير صفي الدين عبد الله بن علي بن حسين الشيبي الدميري المالكي، ابن شكر.
ولد سنة ثمان وأربعين. وتفقه، وسمع بالثغر يسيراً من السلفي وابن عوف وجماعة. وتفقه بمخلوف بن جارة.
روى عنه المنذري، والقوصي، وأثنيا عليه بالبر والإيثار والتفقد للعلماء والصلحاء. أنشأ بالقاهرة مدرسة، ووزر، وعظم، ثم غضب عليه العادل ونفاه فبقي بآمد فلما توفي العادل أقدمه الكامل.
قال أبو شامة: كان خليقاً للوزارة، لم يلها بعده مثله، وكان متواضعاً يسلم على الناس وهو راكب ويكرم العلماء.
قال القوصي: هو كان السبب فيما وليته وأوليته، أنشأني وأنساني الوطن، وعمر جامع المزة، وجامع حرستا، وبلط جامع دمشق، وأنشأ الفوارة، وبنى المصلى. وقال عبد اللطيف: هو دري اللون، طلق المحيا، طوال، حلو اللسان، ذو دهاء في هوج، وخبث في طيش مع رعونة مفرطة وحقد، ينتقم ولا يقبل معذرة استولى على العادل جداً، قرب أراذل كالجمال المصري والمجد البهنسي، فكانوا يوهمونه أنه أكتب من القاضي الفاضل وابن العميد، وفي الفقه كمالك، وفي الشعر أكمل من المتنبي، ويحلفون على ذلك، وكان يظهر أمانة مفرطة، فإذا لاح له مال عظيم احتجنه، إلى أن ذكر أن لهمن القرى ما يغل أزيد من مئة ألف دينار، وقد نفي ثم استوزره الكامل، وقد عمي فصادر الناس، وكان يقول: أتحسر أن ابن البيساني ما تمرغ على عتبتي - يعني القاضي الفاضل -، وربما مر بحضرة ابنه وكان معجباً تياهاً.
مات في شعبان سنة اثنتين وشعرين وست مئة عفا الله عنه.

ابن حريق

فحل الشعراء العلامة اللغوي النحوي أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حريق المخزومي البلنسي.
قال الأبار: هو شاعر بلنسية، مستبحر في الآداب واللغات، حافظ لأشعار العرب وأيامها، شاعر مفلق، ديوانه مجلدان.
مات في شعبان سنة اثنتين وعشرين عن إحدى وسبعين سنة.
قال ابن مسدي: كان إن نظم أعجز وأبدع، وإن نثر أوجز وأبلغ، سمعت من تواليفه.

القاضي

قاضي الديار المصرية زين الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن عبد الله ابن بندار الدمشقي ثم البغدادي راوي مسند الشافعي عن أبي زرعة بن طاهر.
تفقه على أبيه، وتميز في المذهب.
روى عنه الزكيان: البرزالي والمنذري، وابنه أحمد، وأخبرنا عنه الأبرقوهي.
مات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وست مئة، بالقاهرة وله اثنتان وسبعون سنة.

ابن بورنداز

الشيخ الجليل المسند الحاجب أبو الحسن علي بن النفيس بن بورنداز بن حسام البغدادي.
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.
وسمع من أبي محمد بن المادح، وأبي المظفر بن التريطي، ومحمود فورجه، وأبي الوقت السجزي، وعمر بن علي الصيرفي، وأبي المعالي ابن اللحاس، وابن البطي وجماعة، وخرج له مشيخة ولده المحدث المفيد عبد اللطيف.
حدث عنه البرزالي، والسيف ابن المجد، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الزين، وعبد الرحيم ابن الزجاج، ومحمد بن المريح النجار، وبالإجازة أبو المعالي الأبرقوهي، ومحمد بن علي ابن الواسطي.
توفي في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وست مئة.
قال ابن النجار: هو من أولاد، حفظ القرآن، وتفقه لأحمد وصحب مكي بن الغراد وبإفادته سمع، قال: وكان متديناً صالحاً منقطعاً عن الناس كثير العبادة، حسن السمت، دفن بمقبرة باب حرب رحمه الله.
وفيها مات العلامة شمس الدين أحمد بن عبد الواحد المقدسي الملقب بالبخاري، والمحدث رفيع الدين إسحاق والد الأبرقوهي، والتقي خزعل بن عسكر النحوي بدمشق، وأبو محمد ابن الأستاذ، وعبد الرحمن ابن أبي العز ابن الخبازة البغدادي، وشيخ الشافعية إمام الدين عبد الكريم الرافعي، وشبل الدولة كافور واقف الشبلية، والظاهر بأمر الله، وابن أبي لقمة، ومحمد بن عمر بن خليفة الحربي، وأبو المحاسن المراتبي، والمبارك بن أبي الجود، وقاضي دمشق الجمال يونس بن بدران الشيبي المصري.

ابن لقمة

الشيخ المسند المعمر الصالح بقية السلف أبو المحاسن محمد ابن السيد بن فارس بن سعد بن حمزة ابن أبي لقمة الأنصاري الدمشقي الصفار النحاس.
مولده في شعبان سنة تسع وعشرين وخمس مئة.
وسمع في سنة أربع وثلاثين وبعدها من الفقيه أبي الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، وهبة الله بن طاووس المقرئ، والقاضي المنتخب أبي المعالي محمد بن علي القرشي، وعبدان بن رزين الملقن، والبهجة علي ابن عبد الرحمن الصوري، وأبي القاسم الخضر بن عبدان الأزدي، ونصر ابن أحمد بن مقاتل. وتفرد في وقته.
وأجاز له أبو عبد الله ابن السلال، وعلي بن الصباغ، وأبو محمد سبط الخياط، وأبو الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد الطرائفي، وأبو الفتح الكروخي، وعدة.
حدث عنه البهاء عبد الرحمن، والضياء محمد، والسيف ابن المجد، والزكي البرزالي، وأحمد بن يوسف الفاضلي، والشمس ابن الكمال، والتقي ابن الواسطي، وأخوه محمد، والعز ابن الفراء، والعز ابن العماد، والتقي بن مؤمن، والخضر بن عبدان، وجدنا سماعه منه، وأبو المعالي الأبرقوهي. قال عمر بن الحاجب: كان رجلاً صالحاً كثير الخير والتلاوة، رطب اللسان بالذكر، محباً للطلبة، كريم النفس، ومتع بحواسه، ثم انحطم لموت ابنه وأقعد وثقل سمعه قليلاً، وكان بالمزة.
مات في ثالث ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وست مئة.
ومات أخوه أبو يعلى حمزة بن أبي لقمة الفقيه في رمضان سنة ست عشرة من أبناء الثمانين، كان الأصغر، روى عنه الزكي البرزالي ومحمد وعمر ابنا القواس. حدث عن الخضر بن عبدان وغيره.

ابن شمس الخلافة

الأمير الكبير مجد الملك أبو الفضل جعفر ابن شمس الخلافة أبي عبد الله محمد بن مختار الأفضلي. المصري القوصي، سيد الشعراء.
ولد في المحرم سنة ثلاث وأربعين.
وكان ذكياً، أديباً بارعاً، بديع الكتابة، وله ديوان وتصانيف، وامتدح الكبار.
روى عنه القوصي والمنذري في معجميهما.
وقيل: بل هو جعفر بن إبراهيم بن علي، وخدم مع السلطان صلاح الدين أميراً ثم مع ابنه العزيز، ثم خدم بحلب مع الظاهر ثم رجع إلى مصر، وله هجو في العادل وفي القاضي الفاضل. ثم قال ابن الشعار: مات سنة عشر فغلط، بل قال المنذري: مات في المحرم سنة اثنتين وعشرين وست مئة.

اللبلي

الإمام المحدث محب الدين أحمد بن تميم بن هشام بن حيون البهراني اللبلي.
ولد بلبلة من قرى إشبيلية سنة ثلاث وسبعين.
وروى عن أبيه وابن الجد، وأبي عبد الله بن زرقون، وسمع ببغداد من ابن طبرزذ، وبهراة من أبي روح، وبنيسابور من المؤيد؛ وزينب الشعرية.
وعني بالرواية، وكتب الكثير، وتفقه للشافعي، وقيل: كان ظاهرياً.
روى عنه مجد الدين ابن العديم، وتاج الدين عبد الخالق.
مات بدمشق سنة خمس وعشرين وست مئة.

ابن شيث

العلامة المنشئ البليغ جمال الدين عبد الرحيم بن علي بن حسين بن شيث القرشي الأموي الأشنائي القوصي كاتب السر للمعظم.
ولد سنة 557. وتفنن في الآداب بقوص مع الدين والورع والباع الأطول في النظم والنثر وحسن التأليف والرصف. ولي الديوان بقوص، ثم الثغر، ثم القدس، ثم كتب لصاحب مصر. وكان قاضياً لحوائج الناس كيساً كبير القدر.
أنشدي رشيد الأديب، أنشدنا الشهاب القوصي، قال: أنشدنا الوزير جمال الدين ابن شيث لنفسه:

كن مع الدهر كيف قلبك الده

 

ر بقلب راض وصدر رحيب

وتيقن أن الليالي ستأتي==كل يوم وليلة بعجيب مات في المحرم سنة خمس وعشرين وست مئة.

السنجاري

أبو السعادات أسعد بن يحيى بن موسى السلمي السنجاري الشافعي المناظر.
شاعر محسن له ديوان، مدح الملوك، والكبار، وطاف البلاد، وهو القائل:

لله أيامـي عـلـى رامة

 

وطيب أوقاتي على حاجر

تكاد للسرعة فـيمـرهـا

 

أولها يعـثـلا بـالآخـر

وقال في أم الخبائث:

كادت تطير وقد طرنا بها طـربـاً

 

لولا الشباك التي صيغت من الحبب

مات بسنجار سنة اثنتين وعشرين وست مئة عن نيف وثمانين سنة سامحه الله.

ابن الأستاذ

الشيخ الإمام المحدث الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بن عبد الله ابن الأستاذ الأسدي الحلبي.
ولد في سنة أربع وثلاثين وخمس مئة.
وسمع ببلده من أبي محمد عبد الله بن محمد الأشيري، وأبي بكر بن ياسر الجياني، وعبد الله بن محمد النوقاتي، وأبي حامد محمد بن عبد الرحيم الغرناطي، وأبي طالب ابن العجمي، ومحمد بن بركة الصلحي، وارتحل فسمع ببغداد من أبي جعفر أحمد بن محمد العباسي، وهذا أكبر شيخ ليقه، وبدمشق من أبي المكارم بن هلال، وأبي القاسم بن عساكر، وأبي المواهب بن صصرى. وأجاز له خلق من مصر، وأصبهان، وخراسان. وكان له فهم ومعرفة وعناية تامة بالحديث، وفيه دين وصلاح ومعرفة بفقه الشافعي، سمع أولاده: قاضي زين الدين، وقاضي القضاة جمال الدين محمداً. وكتب الكثير.
حدث عنه البرزالي، والضياء، والسيف أحمد ابن المجد، وابن العديم وابنه مجد الدين، وأبو إسحاق ابن الواسطي، والشمس ابن الزين، والأمين أحمد ابن الأشتري، والكمال أحمد ابن النصيبي، والشمس أحمد الخابوري، وجماعة.
توفي في عاشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وست مئة، وله تسع وثمانون سنة. لم ألق أحداً سمع منه، وإنما أجاز لي طائفة من أصحابه.

الداهري

الشيخ المسند الأمي أبو الفضل عبد السلام ابن الإمام عبد الله بن أحمد بن بكران الداهري البغدادي الخفاف الخراز، كان يخرز بالحرير على الخفاف.
ولد سنة ست وأربعين تقريباً.
وسمع من نصر بن نصر العكبري، وأبي بكر ابن الزاغوني، وأبي الوقت السجزي، وأبي القاسم أحمد بن قفرجل، والوزير عون الدين يحيى ابن هبيرة، وهبة الله الشبلي، وأبي العباس بن ناقة، وهبة الله الدقاق، وجماعة.
حدث عنه البرزالي، وابن الدبيثي، وابن نقطة، وابن المجد، وأبو المظفر ابن النابلسي، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وأبو الفرج ابن الزين، والمجد ابن الخليلي، وأحمد ابن العماد، والفخر علي، ومحمد بن عبد المؤمن، ومحفوظ بن الحامض. وآخر من روى عنه بالإجازة فاطمة بنت سليمان.
وكان أمياً لا يكتب، فيه تواضع وحسن انقياد. سمع صحيح البخاري وعبد والدارمي واللمع للسراج، وشمائل الزهاد من أبي الوقت، والأول من المخلصيات وبعض الخامس والشطر الثاني من السادس منها، والثامن من حديث المصري، وجزء بيبى ومجلساً لشيخ الإسلام، وكتاب فعلت وأفعلت للزجاج، وكتاب الولاية لابن عقدة نازل.
قال ابن الحاجب: توفي في تاسع ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وست مئة، رحمه الله.
وفيها مات أبو نصر أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن حسنون، والنرسي البيع، والأمجد صاحب بعلبك، وخوارزم شاه جلال الدين، والمهذب، عبد الرحيم بن علي الطبيب الدخوار، والحافظ أبو الحسن ابن القطان، والنظام علي بن محمد بن رحال المصري، أبو الرضا محمد بن المبارك بن عصية، قال ابن نقطة: أخطأ من ضمه، وشيخ النحو زين الدين يحيى بن معطي الزواوي، والبدر يونس بن محمد الفارقي.

ابن القطان

الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد المجود القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي المغربي الفاسي المالكي المعروف بابن القطان.
قال الحافظ جمال الدين ابن مسدي: كان من أئمة هذا الشأن، قصري الأصل، مراكشي الدار، كان شيخ من شيوخ أهل العلم في الدولة المؤمنية، فتمكن من الكتب وبلغ غاية الأمنية، وولي قضاء الجماعة في أثناء تقلب تلك الدول فنسخت أواخره الأول، ونقمت عليه أغراض انتهكت فيها أعراض. إلى أن قال: سمع أبا عبد الله بن زرقون؛ وأبا بكر بن الجد، وخلقاً، عاقت الفتن المدلهمة عن لقائه، وأجاز لي.
قلت: وسمع أبا عبد الله بن الفخار، وأكثر عنه، وأبا الحسن بن النقرات، والخطيب أبا جعفر بن يحيى، وأبا ذر الخشني.
وقال الأبار: كان من أبصر الناس بصناعة الحديث، وأحفظهم لأسماء رجاله، وأشدهم عناية بالرواية، رأس طلبة العلم بمراكش ونال بخدمة السلطان دنيا عريضة، وله تصانيف، درس وحدث، وقال: وتوفي في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وست مئة، وهو على قضاء سجلماسة.
قلت: علقت من تأليفه كتاب الوهم والإيهام فوائد تدل على قوة ذكائه، وسيلان ذهنه، وبصره بالعلل، لكنه تعنت في أماكن، ولين هشام ابن عروة، وسهيل بن أبي صالح، ونحوهما.

ابن النرسي

الشيخ أبو نصر أحمد بن الحسين ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن أبي نصر أحمد بن هبة الله بن أبي الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي البغدادي البيع.
ولد سنة نيف وأربعين وخمس مئة.
وسمع من جده أبي محمد، وأبي الوقت السجزي.
وعنه: ابن نقطة، وابن الدبيثي، وأبو إسحاق ابن الواسطي، ومحمد ابن أبي منصور بن معلى الدباهي، وآخرون.
وبالإجازة فاطمة بنت سليمان.
وكان ديناً منسوب إلى النرس، وهو نهر بين الحلة والكوفة، ومنه أبي النرسي.
مات في ثالث رجب سنة ثمان وعشرين وست مئة.
فأما العباس بن الوليد النرسي وقرابته، فنسبه إلى الجد نصر، فعجم وقيل فيه: نرس.

ياقوت

الأديب البارع مهذب الدين الرومي الشاعر مولى التاجر أبي منصور الجيلي.
كان من أهل النظامية، وسمى نفسه عبد الرحمان، وحفظ القرآن، وتأدب، وتقدم في النظم، وهو القائل:

خليلي لا والله ما جن غاسق

 

وأظلم إلا حن أو جن عاشق

ومن شعره:

جسدي لبعدك يا مثير بلابـلـي

 

دنف بحبك ما أبل بلى بـلـي

يا من إذا ما لام فيه لـوائمـي

 

أوضحت عذري بالعذار السائل

أأجيز قتلي في الوجيز لقاتـلـي

 

أم حل في التهذيب أو في الشامل

أم طرفك القتال قد افتـاك فـي

 

تلف النفوس بسحر طرف بابلي

ولأبي الدر هذا ديوان صغير ونظمه سائر بالعراق والشام في ذلك الوقت.
وجدوه ميتاً في بيته في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وست مئة.
أما ياقوت الملكي فقد مر في المجلد وسيأتي ياقوت الحموي المؤرخ.

المنجنيقي

الأجل الأديب نجم الدين أبو يوسف يعقوب بن صابر بن بكات الحراني ثم البغدادي الشاعر.
ولد سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
وروى عن أبي منصور ابن الشطرنجي، وأبي المظفر ابن السمرقندي.
ذكره ابن خلكان فطول ترجمته، وقال: كان جندياً مقدماً على المنجنيقيين مغرى بآداب السيف والسلاح، برع في ذلك، وصنف في سياسة الممالك كتابه في الحروب وتعبئتها وفتح الثغور وبناء المعاقل والفروسية والحيل. وكان كيساً طيب المحاورة متودداً سائر النظم، مدح الخلفاء، وكان ذا رتبة عند الناصر لدين الله. إلى أن قال القاضي: ما زلت مشغوفاً بشعره، مستعذباً أسلوبه، ولم أره، وهو القائل:

كلفت بعلم المنـجـنـيق ورمـيه

 

لهدم الصياصي وافتتاح المرابـط

وعدت إلى فن القريض لشقـوتـي

 

فلم أخل في الحالين من قصد حائط

وله:

وجارية من بنات الـحـبـوش

 

بذات جفون صحاح مـراض

تعشقتها للتصابـي فـشـبـت

 

غراماً وما كنت بالشيب راضي

وكـنـت أعـيرهـا لاسـواد

 

فصارت تعيرني بـالـبـياض

وله:

قد لبس الصوف لترك الصفا

 

مشايخ الوقت لشرب العصير

الرقص والأمرد من شأنهـم

 

شر طويل تحت ذيل قصـير

توفي في صفر سنة ست وعشرين وست مئة.

ابن زرقون

شيخ المالكية أبو الحسين محمد ابن الإمام الكبير أبي عبد الله محمد ابن سعيد بن أحمد لأنصاري الإشبيلي، ابن زرقون.
حمل عن أبيه، وابن الجد، وأبي العباس بن مضاء، وطائفة. وبرع في الفقه، وصنف كتاب المعلى في الرج على المحلى. وقيل: له إجازة من أبي مروان بن قزمان، وقد امتحن وقيد وسجن بعد أن عزموا على قتله لكونه منع من إقراء الفقه؛ فإن صاحب الغرب يوسف بن يعقوب منع من قراءة الفروع جملة، وبالغ في ذلك، وألزم الناس بأخذ الفقه من الكتاب والسنن على طريقة أهل الظاهر، فنشأ الطلبة على هذا بالمغرب من بعد سنة ثمانين وخمس مئة.
وكان القاضي أبو الحسين أديباً له النظم والنثر، وكان كامل العقل، ريض المزاج، قل أن ترى العيون مثله، ظفر السلطان به وبعالم آخر يقرئان الفروع، فأخذا وأجلسا للقتل صبراً، ثم قيدا وسجنا بعد سنة تسعين، ثم مات رفيقه، وطال هو حبسه، وشدد ابن عبد المؤمن في ذلك، على أن من وجد عنده ورقة من الفروع قتل دون مراجعته، وخطب بذلك خطباً، فانظر إلى هذه البلية، وأحرقت كتب المذكورين.
ولأبي الحسين كتاب فقه حديث بربرة وكتاب قطب الشريعة.
روى عنه عدد كثير.
وتوفي سنة اثنتين وعشرين وست مئة، وله نحو التسعين، فإنه كان يقول: رأيت شريح بن محمد.

ياقوت

الأديب الأوحد شهاب الدين الرومي مولى عسكر الحموي، السفار النحوي الأخباري المؤرخ.
أعتقه مولاه فنسخ بالأجرة، وكان ذكياً، ثم سافر مضاربة إلى كيش، وكان من المطالعة قد عرف أشياء، وتكلم في بعض الصحابة فأهين، وهرب إلى حلب، ثم إلى إربل وخراسان، وتجر بمرو وبخوارزم، فابتلي بخروج التتار فنجا برقبته، وتوصل فقيراً إلى حلب، وقاسى شدائد، وله كتاب الأدباء في أربعة أسفار، وكتاب الشعراء المتأخرين والقدماء، وكتاب معجم البلدان، وكتاب المشترك وضعا والمختلف صعقاً كبير مفيد، وكتاب المبدأ والمآل في التاريخ وكتاب الدول، وكتاب الأنساب. وكان شاعراً متفنناً جيد الإنشاء: يقول في خراسان: وكانت لعمر الله ذات رياض أريضة، وأهوية صحيحة مريضة، غنت أطيارها، وتمايلت أشجارها، وبكت أنهارها، وضحكت أزهارها، وطاب نسيمها فصح مزاج إقليمها؛ أطفالهم رجال، وشبابهم أبطال، وشيوخهم أبدال، فهان على ملكهم ترك تلك الممالك.
وقال: يا نفس الهوا لك، وإلا فأنت في الهوالك. إلى أن قال: فمررت بين سيوف مسلولة، وعساكر مغلولة، ونظام عقود محلولة، ودماء مسكوبة مطلولة، ولولا الأجل لألحقت بالألف ألف أو يزيدون.
توفي في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين وست مئة، عن نيف وخمسين سنة، ووقف كتبه ببغداد على مشهد الزيدي. وتواليفه حاكمة له بالبلاغة. والتبحر في العلم، استوفى ابن خلكان ترجمته وفضائله.

ابن قنيدة

الشيخ الصالح الثقة أبو نصر المهذب بن علي بن أبي نصر هبة الله بن عبد الله ابن قنيدة الأزجي الخياط المقرئ.
سمع صحيح البخاري وكتابي عبد والدارمي وجزء أبي الجهم من أبي الوقت، وسمع مسند الشافعي من أبي زرعة، وسمع الجزء الثالث من مسند مالك للنسائي من القاضي عبد القاهر.
أخبرنا أبي البركات محمد بن عبد الله الوكيل، أخبرنا ابن بشران، أخبرنا الأسيوطي، عنه.
وسمع كتاب القناعة لابن أبي الدنيا من أبي الفتح بن البطي بفوت من آخره. وسمع من العون الوزير.
روى عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والسيف بن المجد، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وأبو الفرج ابن الزين، والعماد ابن الطبال، وآخرون، وأسمعته صحيحة.
مات في شوال سنة ست وعشرين وست مئة، وقد نيف على الثمانين.

ابن وردان

مفيد المصريين الإمام أبو الميمون عبد الوهاب بن عتيق بن هبة الله بن وردان العامري المصري المالكي.
تلا بالسبع على جماعة. وسمع من ابن بري النحوي وخلق.
مات سنة ست وعشرين وست مئة.

ابن عيسى

شيخ القرء بالإسكندرية، هو مطول في طبقات القراء، الإمام أبو القاسم عيسى ابن المحدث عبد العزيز بن عيسى بن عبد الواحد الشريشي.
مولده بالثغر سنة بضع وخمسين.
وسمع الكثير من السلفي وغيره، وتلا على جماعة بالمتواتر والشاذ، وصنف في القراءات، وهو متهم ليس بثقة، وسماعه من السلفي صحيح، وأما في القراءات فكثير الدعاوي.
حدثنا عنه حسن سبط زيادة.
مات سنة تسع وعشرين وست مئة.

الحسن ابن الزبيدي

الشيخ الإمام الفقيه العابد أبو علي الحسن بن المبارك بن محمد بن يحيى ابن الزبيدي البغدادي الحنفي، أخو سراج الدين.
ولد سنة ثلاث وأربعين أو قبلها.
وسمع الصحيح من أبي الوقت، وسمع من أبي زرعة المقدسي، وأبي علي أحمد بن الخراز، ومعمر بن الفاخر، وأبي الفتوح الطائي وعدة.
وحدث بمكة في آخر عمره، وكان أولاً حنبلياً، ثم تحول شافعياً، ثم حنفياً، وكان من جلة الفقهاء ذا دين وورع وبصر بالعربية.
حدث عنه ابن الدبيثي، والسيف ابن المجد، وعبد الله بن محمد خطيب المصلى، والمجد عبد العزيز ابن الخليلي، والضياء علي ابن البالسي، والخطيب عز الدين أحمد الفاروثي، وأبو المعالي الأبرقوهي، وعدة.
قال ابن النجار: كان عالماً متديناً، حسن الطريقة، له معرفة بالنحو، كتب الكثير من التفاسير والحديث والتاريخ، وكانت أوقاته محفوظة.
وقال ابن الحاجب: رأيتهم يرمونه بالاعتزال. فكتب تحته ابن المجد: قصر ابن الحاجب فيوصف شيخنا هذا فإنه كان إماماً عالماً لم نر في المشايخ مثله إلا يسيراً.
قلت: توفي في سلخ ربيع الأول سنة تسع وست مئة.

الدخوار

شيخ الطب الأستاذ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي بن حامد الدمشقي واقف مدرسة الأطباء بدرب العميد.
ولد سنة نيف وستين وخمس مئة.
وله تصانيف ومقالة في الاستفراغ. انتهت إليه رئاسة الصناعة، وحظي عند الملوك، ونال دنيا عريضة. ونسخ بخطه المنسوب أزيد من مئة مجلد، وأخذ العربية عن الكندي، والعلاج عن الرضي الرحبي، والموفق ابن المطران والفخر المارديني، وخدم العادل، والوزير ابن شكر، وحصل من العادل في مرضة حادة سبعة آلاف دينار مصرية، وحصل له من ولده الكامل أزيد من عشرة آلاف دينار سوى الخلع والبغلات، وولي رئاسة الإقليمين. وكان خبيراً بكل ما يشرح عليه. ولازم السيف الآمدي في العقليات، ونظر في الرياضي، ثم عرض له استرخاء وثقل لسان، فساس نفسه، واستعمل المعاجين، فعرضت له حمى قوية، زلزت قواه، وأسكت أشهراً، وذهبت عينه، ثم مات فيصفر سنة ثمان وعشرين وست مئة، ودفن بقاسيون.

أبو موسى ابن الحافظ

الشيخ الإمام العالم المحدث الحافظ المفيد الذكر جمال الدين أبو موسى عبد الله ابن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي. ولد في شوال سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
وسمع من عبد الرحمن بن علي بن الخرقي، وإسماعيل الجنزوي، وبركات الخشوعي، ورحل به أخوه عز الدين محمد، فسمع ببغداد من عبد المنعم بن كليب، والمبارك بن المعطوش، وعدة، وسع المسند من عبد الله بن أبي المجد. وسار إلى أصبهان، فسمعا من خليل بن بدر، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، ومسعود الجمال، وأبي المكارم اللبان وطبقتهم، وسمع بمصر من الأرتاحي، وفاطمة بنت سعد الخير، ووالده.
ثم ارتحلا ثانياً إلى العراق، فسمع من أبي الفتح المندائي بواسط، وسمع بنيسابور من منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي. وعني بالفن، وكتب بخطه الكتب، وجمع وخرج وأفاد، وتفقه بالشيخ الموفق، وأخذ النحو ببغداد عن أبي البقاء، وقرأ القرآن على عمه العماد.
قال ابن الحاجب: سألت الضياء عنه، فقال: حافظ متقن دين ثقة.
وقال البرزالي: حافظ دين متميز.
وقال الضياء: كانت قراءته صحيحة سريعة مليحة.
وقال ابن الحاجب: لم يكن أحد مثله في عصره في الحفظ والمعرفة والأمانة، وافر العقل، كثير الفضل، متواضعاً مهيباً، وقوراً، جواداً سخياً، له القبول التام مع العبادة والورع والمجاهدة.
وقال الضياء: اشتغل بالفقه والحديث وصار علماً في وقته ورحل إلى أصبهان ثانياً، ومشى على رجليه كثيراً وصار قدوة وانتفع الناس بمجالسه التي لم يسبق إلى مثلها، وكان كريماً، واسع النفس، ساعياً في مصالح أصحابنا حتى كان يضيق صدري عليه مما يتحمل من الديون، وكثير منهم لا يوفيه، ثم شاق له الضياء مراثي حسنة، وأنه في نعيم.
حدث عنه الضياء، وابن أبي عمر، والفخر علي، ومحمد بن علي ابن الواسطي، ونصر الله بن عياش والشمس محمد بن حازم، ونصر الله بن أبي الفرج النابلسي، وجماعة. وتفرد بإجازته القاضي تقي الدين سليمان. وقد رثاه غير واحد بقصائد.
وقرأت بخط المحدث ابن سلام قال: عقد أبو موسى مجلس التذكير وقراءة الجمع ورغب الناس في حضور مجلسه، وكان جم الفوائد، ويبكي ويخشع.
وقال ابن الحاجب: لو اشتغل أبو موسى حق الاشتغال ما سبقه أحد.
وسمعت أبا الفرج بن أبي العلاء يقول: كان كثير الميل إلى الدولة.
وقال سبط الجوزي: كانت أحوال أبي موسى مستقيمة حتى خالط الصالح إسماعيل وأبناء الدنيا فتغير. قال: ومرض في بستان الصالح على ثورا ومات فيه، فكفنه الصالح.
وذكر غيره: أن الملك الأشرف وقف دار الحديث بالبلد، وجعل للجمال أبي موسى وذريته رزقاً معلوماً بها وسكناً.
قال الشيخ الضياء: توفي يوم الجمعة - رحمه الله - خامس رمضان سنة تسع وعشرين وست مئة.
وفيها توفي أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب ابن السمذي، وأبو المعالي أحمد بن عمر بن بكرون إمام النظامية، والقاضي شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الموصلي الشيباني الحنفي بدمشق، والفقيه زيادة بن عمران المصري الضرير، وعبد الغفار بن شجاع المحلي، وأبو محمد عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد ابن البطري، ومقرئ الثغر أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى، وآخرون.

الموفق

الشيخ الإمام العلامة الفقيه النحوي اللغوي الطبيب ذو الفنون موفق الدين أبو محمد عبد اللطيف ابن الفقيه يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد الموصلي ثم البغدادي الشافعي نزيل حلب، ويعرف قديماً بابن اللباد.
ولد ببغداد في أحد الربيعين سنة سبع وخمسين وخمس مئة.
وسمعه أبوه من أبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة المقدسي، والحسن ابن علي البطليوسي، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة، وأبي الحسين عبد الحق، وأبي بكر بن النقور، وجماعة.
حدث عنه الزكيان: البرزالي والمنذري، والشهاب القوصي، والتاج عبد الوهاب بن عساكر، والكمال العديمي وابنه القاضي أبو المجد، والأمين أحمد ابن الأشتري، والكمال أحمد ابن النصيبي، والجمال ابن الصابوني، والعز عمر ابن الأستاذ. وخطلبا وسنقر موليا ابن الأستاذ، وعلي ابن السيف التيمي، ويعقوب بن فضائل، وست الدار بنت مجد الدين ابن تيمية، وآخرون.
وحدث بدمشق، ومصر، والقدس، وحلب، وحران، وبغداد، وصنف في اللغة، وفي الطب، والتواريخ، وكان يوصف بالذكاء وسعة العلم.
ذكره الجمال القفطي في تاريخ النحاة فما أنصفه، فقال:  الموفق النحوي الطبيب الملقب بالمطحن، كان يدعي النحو واللغة وعلم الكلام والعلوم القديمة والطب، ودخل مصر وادعى ما ادعاه، فمشى إليه الطلبة، فقصر، فجفوه، ثم نفق على ولدي إسماعيل بن أبي الحجاج الكاتب فنقلاه إليهما، وكان ذميم الخلقة نحيلها.
ويظهر الهوى من كلام القفطي حتى نسبه إلى قلة الغيرة.
وقال الدبيثي: غلب عليه علم الطب والأدب وبرع فيهما.
وقال ابن نقطة: كان حسن الخلق، جميل الأمر، عالماً بالنحو والغريبين، له يد في الطب، سمع سنن ابن ماجة، ومسند الشافعي من أبي زرعة وسمع صحيح الإسماعيلي جميعه من يحيى بن ثابت، إلى أن قال: وكان ينتقل من دمشق إلى حلب، ومرة سكن بأرزنكان وغيرها.
قال الموفق عن نفسه: سمعت الكثير، وكنت أتلقن وأتعلم الخط وأحفظ المقامات والفصيح وديوان المتنبي ومختصراً في الفقه ومختصراً في النحو، فلما ترعرعت حملني أبي إلى كمال الدين الأنباري، وذكر فصلاً، إلى أن قال: وصرت أتكلم على كل بيت كراريس، ثم حفظت أدب الكاتب لابن قتيبة، ومشكل القرآن له، واللمع، ثم انتقلت إلى كتاب الإيضاح فحفظته وطالعت شروحه. قال: وحفظت التكملة في أيام يسيرة كل يوم كراساً، وفي أثناء ذلك لا أغفل سماع الحديث والتفقه على ابن فضلان.
ومن وصاياه، قال: ينبغي أن تكون سيرتك سيرة الصدر الأول، فاقرأ السيرة النبوية، وتتبع أفعاله، واقتف آثاره، وتشبه به ما أمكنك. من لم يحتمل ألم تعلم لم يذق لذة العلم، ومن لم يكدح لم يفلح. إذا خلوت من التعلم والتفكر فحرك لسانك بالذكر وخاصة عند النوم، وإذا حدث لك فرح بالدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وكثرة المنغصات. إذا حزبك أمر فاسترجع وإذا اعترتك غفلة فاستغفر. واعلم أن للدين عبقة وعرفاً ينادي على صاحبه ونوراً وضيئاً يشرف عليه ويدل عليه، يا محيي القلوب الميتة بالإيمان خذ بأيدينا من مهواة الهلكة، وطهرنا من درن الدنيا بالإخلاص لك.
وله مصنفات كثيرة منها: غريب الحديث والواضحة في إعراب الفاتحة، شرح خطب ابن نباتة، الرد على الفخر الرازي في تفسير سورة الإخلاص، مسألة أنت طالق في شهر قبل ما بعد قبله رمضان، شرح فصول بقراط، كتاب أخبار مصر الكبير، كتاب الإفادة في أخبار مصر، مقالة في النفس، مقالة في العطش، مقالة في الرج على اليهود والنصارى، وأشياء كثيرة ذكرتها في تاريخ الإسلام.
وقد سافر من حلب ليحج من العراق، فدخل حران وحدث بها وسار، فدخل بغداد مريضاً، ثم حضرت المنية ببغداد في ثاني عشر المحرم سنة تسع وعشرين وست مئة، وصلى عليه السهروردي.
قال الموفق أحمد بن أبي أصيبعة: كان أبي وعمي يشتغلان عليه، وقلمه أجود من لفظه، وكان ينتقص بالفضلاء الذين في زمانه، ويحط على ابن سينا.
قال الموفق عبد اللطيف: أقمت بالموصل سنة أشتغل، وسمعت الناس يهرجون في حديث السهروردي الفيلسوف، ويعتقدون أنه قد فاق الكل، فطلبت من الكمال ابن يونس شيئاً من تصانيفه، فوقفت على التلويحات والمعارج وفي أثناء كلامه يثبت حروفاً مقطعة يوهم بها أنها أسرار إلهية، وقال: أعربت الفاتحة في نحو عشرين كراساً.

ابن معطي

العلامة شيخ النحو زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربي النحوي الفقيه الحنفي.
مولده سنة أربع وستين وخمس مئة.
وسمع من القاسم بن عساكر، وصنف الألفية، والفصول، وله النظم والنثر، وتخرج به أئمة بمصر وبدمشق، وكان يشهد، فحضر عند الكامل مع العلماء فسألهم: زيد ذهب به، هل يجوز في زيد النصب؟ فقالوا: لا، فقال ابن معط: يجوز على أن يكون المرتفع يذهب به المصدر الذي دل عليه ذهب به وهو الذهاب، ويكون موضع به النصب، فيكون من باب زيد مررت به، فأعجب الكامل، وقرر له معلوماً، وقد أخذ عن أبي موسى الجزولي.
مات في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وست مئة بمصر.

عمر بن كرم

ابن علي بن عمر، الشيخ المسند الأمين أبو حفص بن أبي المجد الدينوري ثم البغدادي الحمامي.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
سمع من جده لأمه الإمام عبد الوهاب بن محمد الصابوني، ونصر بن نصر العكبري، وأبي الوقت السجزي، والمبارك ابن التعاويذي، وفاطمة بنت سعد الله الميهني. وأجاز له أبو الفتح الكروخي، فروى عنه جامع الترمذي وأجاز له عمر بن أحمد ابن الصفار، وأبو المعالي أحمد بن محمد بن المذاري، وعبد الخالق اليوسفي وجماعة.
وروى الكثير، وتفرد، وكان شيخاً مباركاً صحيح السماع والإجازات، وتفرد بأجزاء عن أبي الوقت.
حدث عنه ابن نقطة، والدبيثي، والبرزالي، وابن المجد، وأبو المظفر ابن النابلسي، والفخر علي ابن البخاري، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الزين، والعز الفاروثي، والعماد إسماعيل ابن البطال، والرشيد محمد بن أبي القاسم، والمجد ابن الخليلي، والشهاب الأبرقوهي، وعدة. وآخر من روى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان ابن حمزة الحنبلي.
وفي معجم الأبرقوهي قال مخرجه: كان عمر بن كرم من أهل العبادة والعفاف منقطعاً عن الناس خاشعاً عند قراءة الحديث توفي في سادس رجب سنة تسع وعشرين وست مئة.
وقال ابن النجار: كان صالحاً ورعاً متديناً متعففاً متعبداً، ومن مروياته الخامس من حديث ابن مخلد عن طاهر بن خالد بن نزار، وابن كرامة، سمعه من نصر بن نصر العكبري، والأول الكبير من المخلصيات، وكتاب الاعتبار لابن أبي الدنيا، سمعه من نصر بن نصر، والتاسع من الجعديات سمعه من أبي الوقت، وجزء النحاس والأطعمة للدارمي، ومسند عبد ودرجات التائبين وصحيح البخاري، والخامس والسادس من حديث ابن صاعد.
وقرأت بخط السيف أحمد أن عمر بن كرم لم يعقب وأنه كان لهم حمام فصودروا، وكان يزين ثم عجز وانقطع في دويرة، وكان لا يرد شيئاً، وربما عرض، وكان يتزهد ويتقشف.