خوارزمشاه

السلطان الكبير جلال الدين منكوبري ابن السلطان الكبير علاء الدين محمد ابن السلطان خوارزمشاه تكش ابن خوارزمشاه أرسلان ابن الملك آتسز بن محمد بن نوشتكين الخوارزمي.
تملك البلاد، ودانت له الأمم، وجرت له عجائب وعندي سيرته في مجلد. ولما دهمت التتار البلاد الماوراء النهرية بادر والده علاء الدين وجعل جالشيه ولده جلال الدين في خمسة عشر ألفاً، فتوغل في البلاد، وأحاطت به المغول، فالتقاهم، فانكسر، وتخلص بعد الجهد، وتوصل. وأما أبوه فما زال متقهقراً بين يدي العدو حتى مات غريباً سنة سبع عشرة وست مئة في جزيرة من البحر.
قال الشهاب النسوي الموقع: كان جلال الدين أسمر تركياً قصيراً منعجم العبارة، يتكلم بالتركية وبالفارسية. وأما شجاعته فحسبك ما أوردته من وقعاته، فكان أسداً ضرغاماً، وأشجع فرسانه إقداماً، لا غضوباً ولا شتاماً، وقوراً، لا يضحك إلا تبسماً، ولا يكثر كلاماً، وكان يختار العدل غير أنه صادف أيام الفتنة فغلب.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان أسمر أصفر نحيفاً سمجاً لأن أمه هندية، وكان يلبس طرطوراً فيه من شعر الخيل مصبغاً بألوان، وكان أخوه غياث الدين أجمل الناس صورة وأرقهم بشرة، لكنه ظلوم وأمه تركية.
قلت: وكان عسكره أوباشاً فيهم شر وفسق وعتو.
قال الموفق: الزنى فيهم فاش واللواط غير معذوق بكبر ولا صغر والغدر خلق لهم، أخذوا تفليس بالأمان، ثم غدروا وقتلوا وسبوا. قلت: كان يضرب بهم المصل في النهب والقتل، وعملوا كل قبيح، وهم جياع مجمعة، ضعاف العدد والخيل. التقى جلال الدين التتار، فهزمهم، وهلك مقدمهم ابن جنكزخان، فعظم على أبيه وقصده فالتقى الجمعان على نهر السند، فانهزم جنكزخان ثم خرج له كمين فتفلل جمع جلال الدين وفر إلى ناحية غزنة في حال واهية، ومعه أربعة آلاف في غاية الضعف، فتوجه نحو كرمان فأحسن إليه ملكها، فلما تقوى غدر به وقتله، وسار إلى شيراز وعسكره على بقر وحمير ومشاة ففر منه صاحبها، وجرت له أمور يطول شرحها ما بين ارتقاء وانخفاض، وهابته التتار، ولولاه لداسوا الدنيا. وقد ذهب إليه محيي الدين ابن الجوزي رسولاً فوجده يقرأ في مصحف ويبكي، ثم اعتذر عما يفعله جنده بكثرتهم، وعدم طاعتهم، وقد تقاذفت به البلاد إلى الهند ثم إلى كرمان ثم إلى أعمال العراق، وساق إلى أذربيجان، فاستولى على كثير منها، وغدر بأتابك أزبك، وأخرجه من بلاده، وأخذ زوجه ابنة السلطان طغرل، فتزوجها، ثم عمل مصافاً مع الكرج فطحنهم، وقتل ملوكهم، وقوي ملكه، وكثرت جموعه، ثم في الآخر تلاشى أمره لما كسره الملك الأشرف موسى وصاحب الروم بناحية أرمينية، ثم كبسته التتار ليلة، فنجا في نحو من مئة فارس، ثم تفرقوا عنه إلى أن بقي وحده، فألح في طلبه خمسة عشر من التتار فثبت لهم وقتل اثنين فأحجموا عنه، وصعد في جبل بناحية آمد ينزله أكراد فأجاره كبير منهم، وعرف أنه السلطان، فوعده بكل خير، ففرح الكردي، وذهب ليحضر خيلاً له ويعلم بني عمه، وتركه عند أمه، فجاء كردي فيه جرأة فقال: ليش تخلوا هذا الخوارزمي عندكم؟ قيل: اسكت هذا هو السلطان، فقال: لأقتلنه فقد قتل أخي بخلاط، ثم شد عليه بحرية، قتله في الحال في نصف شوال سنة ثمان وعشرين وست مئة.

أبو محمد الروابطي

من كبار الزهاد بالأندلس.
أخذ عنه ابن مسدي، وقال: مات سنة سبع وشعرين وست مئة، كان يسيح بثغور الأندلس، يأوي في مساجد البر، له كرامات، أسر إلى طرطوشة وقيدوه، فقام النصراني ليلة فرآه يصلي، وقيده إلى جنبه، فتعجب، فلما أصبح رآه في رجله، فرقبه ثاني ليلة فكذلك، فذهب فأخبر القسيس، فقالوا: أحضره، فجاء به، وجرت بينه وبينهم محاورة، ثم قالوا: لا يحل أن نأسرك، فاذهب، ولطرطوشة نهر تعمل فيه السفن، فلقيه أسير فقال: بالله خذني فأخذ بيده وخاض إلى نصف الساق، فتعجب النصارى، وشاعت القصة.

الأمجد

الملك الأمجد مجد الدين أبو المظفر بهرام شاه ابن نائب دمشق فروخشاه ابن الملك شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك بعد والده، ملكه إياها عم أبيه السلطان صلاح الدين فدامت دولته خمسين سنة، وكان جواداً كريماً شاعراً محسناً له نظم رائق وله ديوان.
قهره السلطان الملك الأشرف موسى، وأخذ منه بعلبك قبل موته بعام، وملكها لأخيه الصالح، فتحول الأمجد المذكور إلى دمشق، ونزل بداره داخل باب النصر.
قتله مملوك مليح في شوال سنة ثمان وعشرين وست مئة، فدفن عند والده بالمدرسة الفوخشاهية. وهو جد الملك الحافظ محمد بن شاهنشاه صاحب أراضي جسرين، وله ذرية بها، وفر قالته إلى السطح وخاف فألقى نفسه فهلك.

المسعود

صاحب اليمن الملك المسعود أقسيس ابن السلطان الملك الكامل محمد بن أبي بكر بن أيوب.
جهزه أبوه فافتتح اليمن في أول سنة اثنتي عشرة، وقبض على سليمان الذي كان من بني عمهم، وتزوج بابنة جوزا من بنات الإسلام وأحبها، وحارب إمام الزيدية مرات، وتمكن وعمل نيابة الأمير عمر بن رسول الذي تملك اليمن من بعده، وتملك مكة. وكان شهماً شجاعاً زعراً ظلوماً، وقمع الزيدية والخوارج. ولما سمع بموت عمه المعظم عزم على أخذ دمشق. وكانت أثقاله على ما نقل أبو المظفر في خمس مئة مركب ومعه ألف خادم ومئة قنطار عنبر وعود، ومئة ألف ثوب، ومئة صندوق مالاً، فقدم مكة، وقد أصابه فالج، ولما احتضر قال: والله ما أرضى من مالي كفناً، ثم بعث إلى فقير فقال: تصدق علي بكفن، ودفن بالمعلى.
قال: وبلغني أن أباه سر بموته، وكان يعسف التجار ويشرب الخمر بمكة، ويرمي بالبندق عند البيت.
قال ابن الأثير: سار آتسز إلى مكة وهي لحسن بن قتادة العلوي من بعد أبيه، فأساء إلى أهلها، فحاربه ببطن مكة، فانهزم حسن، ونهب آتسز مكة وتعثروا. مات في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين وست مئة، وخلف ولداً وهو الملك الصالح يوسف، عاش إلى بعد الأربعين وست مئة.
قال ابن خلكان: أطسيس، والعامة تقوله: أقسيس، وهي كلمة مركبة تفسيرها ما له اسم، ويقولون: من لا يعيش له ولد فسمى ولده أطسيس عاش.

ابن صيلا

الشيخ أبو محمد عبد الرحمان بن عتيق بن عبد العزيز بن علي بن صيلا الحربي المؤدب.
روى عن أبي الوقت، وعبد الرحمن بن زيد الوراق.
وعنه السيف ابن المجد، والتقي ابن الواسطي، والشهاب الأبرقوهي، وآخرون.
ومن سماع ابن الواسطي منه كتاب ذم الكلام.
توفي في ربيع الأول سنة ست وعشرين وست مئة.

ابن سكينة

الشيخ العالم المسند علاء الدين أبو الحسن عبد السلام بن عبد الرحمن ابن الأمين أبي منصور علي بن علي ابن سكينة البغدادي الصوفي.
ولد في صفر سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.
وسمع أبا الوقت السجزي، ومحموداً فورجة، وأبا المظفر محمد ابن التريكي، ويحيى ابن تاج القراء، والوزير الفلكي. وسمع حضوراً من نصر ابن نصر العكبري، وسعيد ابن البناء.
روى عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وابن الحاجب، وأبو المظفر ابن النابلسي، والمجد عبد العزيز ابن الخليلي، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وابن الزين، وآخرون.
وثقه ابن النجار: نسخ الكثير، وكان إنساناً متواضعاً، روى لنا عنه بالإجازة فاطمة بنت سليمان.
توفي سنة سبع وعشرين وست مئة.

ابن برجان

العلامة لغوي العصر أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن ابن شيخ الصوفية أبي الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي المقرئ، ويقال له: ابن برجان، وذلك مخفف من أبي الرجال.
أخذ القراءات عن جماعة، والعربية عن إسحاق بن ملكون.
قال الأبار: كان من أحفظ أهل زمانه للغة مسلماً ذلك له، ثقة صدوقاً. له رد على ابن سيده، وكان صالحاً مقبلاً على شأنه.
مات سنة سبع وعشرين وست مئة، رحمه الله.

صاحب إربل

السلطان الدين الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي ابن بكتكين بن محمد التركماني صاحب إربل وابن صاحبها وممصرها الملك زين الدين علي كوجك، وكرجك هو اللطيف القد، كان كوجك شهماً شجاعاً مهيباً، تملك بلاداً كثيرة، ثم وهبها لأولاد صاحب الموصل، وكان يوصف بقوة مفرطة، وطال عمره، وحج هو والأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي، وتوفي في سنة ثلاث وستين وخمس مئة، وله أوقاف وبر ومدرسة بالموصل. فلما مات تملك إربل ابنه هذا وهو مراهق، وصار أتابكه مجاهد الدين قيماز، فعمل عليه قيماز وكتب محضراً بأنه لا يصلح للملك وقبض عليه وملك أخاه زين الدين يوسف، فتوجه مظفر الدين إلى بغداد فما التقوا عليه، فقدم الموصل على صاحبها سيف الدين غازي بن مودود، فأقطعه حران، فبقي بها مديدة، ثم اتصل بخدمة السلطان صلاح الدين، وغزا معه، وتكمن منه، وأحبه، وزاده الرها، وزوجه بأخته ربيعة واقفة الصاحبية. وأبان مظفر الدين عن شجاعة يوم حطين، وبين، فوفد أخوه صاحب إربل على صلاح الدين نجدة فتمرض ومات على عكا فأعطى السلطان مظفر الدين إربل وشهرزور، واسترد منه حران والرها.
وكان محباً للصدقة، له كل يوم قناطير خبز يفرقها، ويكسو في العام خلقاً ويعطيهم ديناراً ودينارين، وبنى أربع خوانك للزمنى والأضراء، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس ويسأل كل واحد عن حاله ويتفقده ويبساطه ويمزح معه. وبنى داراً للنساء، وداراً للأيتام، وداراً للقطاء، ورتب بها وارد، ويعطى كل ما ينبغي له. وبنى مدرسة للشافعية والحنفية وكان يمد بها السماط، ويحضر السماع كثيراً، لم يكن له لذة في شيء غيره. وكان يمنع من دخول منكر بلده، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السماعات. وكان في السنة يفتك أسرى بجملة ويخرج سبيلاً للحج، ويبعث للمجاورين بخمسة آلاف دينار، وأجرى الماء إلى عرفات. وأما احتفاله بالمولد فيقصر التعبير عنه؛ كان الخلق يقصدونه من العراق والجزيرة وتنصب قباب خشب له ولأمرائه وتزين، وفيها جوق المغاني واللعب، وينزل كل يوم العصر فيقف على كل قبة ويتفرج، ويعمل ذلك أياماً، ويخرج من البقر والإبل الغنم شيئاً كثيراً فتنحر وتطبخ الألوان، ويعمل عدة خلع للصوفية، ويتكلم الوعاظ في الميدان، فينفق أموالاً جزيلة. وقد جمع له ابن دحية كتاب المولد فأعطاه ألف دينار.
وكان متواضعاً، خيراً، سنياً، يحب الفقهاء والمحدثين، وربما أعطى الشعراء، وما نقل أنه انهزم في حرب، وقد ذكر هذا وأمثاله ابن خلكان واعتذر من التقصير.
مولده في المحرم سنة تسع وأربعين وخمس مئة بإربل.
قال ابن الساعي: طالت عليه مداراة أولاد العادل، فأخذ مفاتيح إربل وقلاعها وسلم ذلك إلى المستنصر في أول سنة ثمان وعشرين، قال: فاحتفلوا له، واجتمع بالخليفة وأكرمه، وقلده سيفين ورايات وخلعاً وستين ألف دينار.
وقال سبط الجوزي: كان مظفر الدين ينفق في السنة على المولد ثلاث مئة ألف دينار، وعلى الخانقاه مئتي ألف دينار، وعلى دار المضيف مئة ألف. وعد من هذا الخسف أشياء.
وقال: قال من حضر المولد مرة: عددت على سماطه مئة فرس قشلميش، وخمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومئة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلواء.
قلت: ما أعتقد وقوع هذا، فعشر ذلك كثير جداً.
وقد حدث عن حنيل المكبر.
قال ابن خلكان: مات ليلة رابع عشر رمضان سنة ثلاثين وست مئة، وعمل في تابوت، وحمل مع الحجاج إلى مكة، فاتفق أن الوفد رجعوا تلك السنة لعدم الماء، فدفن بالكوفة رحمه الله تعالى، وعاش اثنتين وثمانين سنة.
وعاش أبوه فوق المئة، وعمي وأصم، وكان من كبار الدولة الأتابكية، ما انهزم قط. ومدحه الحيص بيص، فقال: ما أعرف ما تقول، ولكني أدري أنك تريد شيئاً! وأمر له بخلعة وفرس وخمس مئة دينار.

صاحب الغرب

السلطان أبو عبد الله الملك الناصر محمد ابن السلطان يعقوب ابن السلطان يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي، وأمه رومية اسمها زهر.
تملك البلاد بعهد من أبيه متقدم. وكان أشقر أشهل، أسيل الخد، مليح الشكل، كثير الصمت والإطراق، شجاعاً مهيباً، بعيد الغور، حليماً، عفيفاً عن الدماء، وفي لسانه لثغة، وكان يبخل، وله عدة أولاد.
استوزر أبا زيد بن يوجان، ثم عزله واستوزر الأمير إبراهيم أخاه، وكتب سره ابن عياش، وابن يخلفتن الفازازي، وولي قضاءه غير واحد. حاربه ابن غانية، واستولى على فاس. وخرج عليه بالسوس الأقصى يحيى بن الجزارة، واستفحل أمره، وهزم الموحدين، مرات، وكاد أن يملك المغرب، ثم قتل. ويلقب بأبي قصبة.
وفي سنة إحدى وست مئة سار السلطان وحاصر المهجية أشهراً، وأخذها بالأمان من نواب ابن غانية، وانحاز إلى السلطان أخو ابن غانية سير فاحترمه.
قال عبد الواحد بن علي في تاريخه: بلغني أن جملة ما أنفقه أبو عبد الله في هذه السفرة مئة وعشرون حملاً من الذهب، ورد إلى مراكش سنة أربع وست مئة، وفرغت هدنة الفرنج، فعبر السلطان بجيوشه إلى إشبيلية.
ثم تحرك في سنة ثمان وست مئة لجهاد العدو، فنازل حصناً لهم فأخذه، فسار الفنش، في أقاصي الممالك يستنفر عباد الصليب، فاجتمعت له جيوش ما سمع بمثلها، ونجدته فرنج الشام، وعساكر قسطنطينية، وملك أرغن البرشلوني، واستنفر السلطان أيضاً الناس، والتقى الجمعان، وتعرف بوقعة العقاب، فتحمل الفنش حملة شديدة، فهزم المسلمين، واستشهد خلق كثير. وكان أكبر أسباب الكسرة غضب الجند من تأخر عطائهم، وثبت السلطان ثباتاً كلياً لولاه لاستؤصل جيشه، وكانت الملحمة في صفر سنة تسع وست مئة، ورجع العدو بغنائم لا توصف، وأخذوا بياسة عنوة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
مرض السلطان أياماً بالسكتة، ومات في شعبان سنة عشر وست مئة، وكانت أيامه خمسة عشر عاماً، وقام بعده ابنه المستنصر يوسف عشرة أعوام، ويقال: تنكر محمد ليلاً فوقع بع العسس فانتظموه برماحهم، وهو يصيح: أنا الخليفة، أنا الخليفة.

ابنه

السلطان المستنصر بالله أبو يعقوب يوسف بن محمد بن يعقوب المؤمني.
تملك المغرب سنة عشر، وكان بديع الحسن، بليغ المنطق عارفاً في وادي اللهو والبطالة. ولد سنة أربع وتسعين، فملكوه وله ست عشرة سنة فضيعوا أمر الأمة، وأمه أم ولد، اسمها قمر الرومية، وكان يشبه بجده. قام ببيعته عيسى بن عبد المؤمن، فهو عم جده، وآخر من تبقى من أولاد السلطان عبد المؤمن، وقد حي إلى حدود العشرين، فقام يوم البيعة كاتب سره أبو عبد الله بن عياش، وبقي يقول للأعيان: تبايعون أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين على ما بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من السمع والطاعة في اليسر والعسر.
وخرج عليه عبد الرحمن ولد العاضد بالله العبيدي المصري الذي هرب من بني أيوب إلى المغرب، فقامت معه صنهاجة، وعظم البلاء به، وكثرت جموعه، وكان ذا سمت وصمت وتعبد، فقصد سجلماسة، فالتقاه متوليها حفيد عبد المؤمن، فانتصر ابن العاضد، ولم يزل ينتقل وتكثر جموعه، ولا يتم له أمر لغربة بلده، وعدم عشيرته، ولأن لسانه غير لسان البربر، ثم أمسكه متولي فاس وصلبه.
مات المستنصر في شوال سنة عشرين وست مئة ولم يخلف ولداً، فملكت الموحدون بعده عن أبيه عبد الواحد.

عبد الواحد

ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبد المؤمن صاحب المغرب.
كان شيخاً عاقلاً، لكنه لم يدار القواد، فقاموا عليه وخلعوه، وخنقوه في سنة إحدى وعشرين، فكانت دولته تسعة أشهر.

عبد الله

ابن السلطان يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي الملقب بالملك العادل.
كان نائباً على الأندلس، فلما خنق عمه عبد الواحد ثارت الفرنج بالأندلس، فالتقاهم العادل، فانهزم جيشه وفر هو إلى مراكش في حال نحسه، فقبض الموحدون عليه ثم بايعوا بالسلطنة يحيى ابن السلطان محمد ابن يوسف لما بقل وجهه، فجاءت الأخبار بأن إدريس ابن السلطان يعقوب قد ادعى الخلافة بإشبيلية، فآل الأمير بيحيى إلى أن طمعت فيه الأعراب وحاصرته بمراكش، وضجر منه أهلها، وأخرجوه فهرب المسكين إلى جبل درن، ثم نهض معه طائفة، وأقبل وتمكن، وطرد نواب إدريس، وقتل منهم، وتوثب بالأندلس ابن هود الجذامي، ودعا إلى بني العباس، فمال إليه الناس، فهرب إدريس، وعبر إلى مراكش، فالتقى هو ويحيى فهزم يحيى، ففر يحيى إلى الجبل، وكانت ولاية العادل في سنة عشرين. وفي دولته كانت الملحمة عند طليطلة، فاندك فيها المسلمون، ثم في الآخر خنق العادل، ونهب قصره بمراكش، وتملك يحيى بن محمد بن يعقوب، فحاربه عمه كما ذكرنا، ثم قتل.

صاحب المغرب

السلطان الملك المأمون أمير المؤمنين - كما زعم - أبو العلى إدريس ابن السلطان المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي.
كان بطلاً شجاعاً، مهيباً، داهية، فقيهاً، علامة، أصولياً، ناظماً ناثراً، وافر الجلالة، كان بالأندلس مع أخيه العادل عبد الله، فلما ثارت الفرنج عليه ترك الأندلس العادل، واستخلف على إشبيلية إدريس هذا، وجرت له أمور طويلة، ثم خطب له بالخلافة بالأندلس، ثم عدى وغلب على مراكش وانتزع الملك من يحيى بن محمد ابن عمه، والتقوا غير مرة، ثم ضعف أمر يحيى، واستجار بقوم في حصن من عمل تلمسان فقتل غيلة، وتمكن إدريس، وكان جباراً جريئاً على الدماء، وأزال ذكر ابن تومرت من الخطبة.
مات في الغزو في سنة ثلاثين وست مئة، فملكوا بعده ابنه الرشيد، فبقي عشر سنين.
ولإدريس رسالة طويلة أفصح فيها بتكذيب مهديهم وضلاله، نقل ذلك المؤيد في تاريخه.

ابنه

السلطان المقلب بالرشيد عبد الواحد بن المأمون إدريس المؤمني.
تملك، وتمكن، ثم أعاد الخطبة بذكر المهدي المعصوم ابن تومرت، يستميل بذلك قلوب الموحدين. وكانت أيامه عشرة أعوام. توفي غريقاً في صهريج بستان له بمراكش، وكتموا موته شهراً ثم ملكوا أخاه السعيد علي بن إدريس الذي قتل.
غرق الرشيد في سنة أربعين وست مئة.

الحاجري

حسام الدين عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل الإربلي الشاعر الملقب بالحاجري لإكثاره من ذكر الحاجر في شعره، وديوانه مشهور.
كان من أولاد الجند، ونظمه فائق، أخذ عنه كثيراً ابن خلكان، وهو القائل:

حيا وسقى الحمى سحاب هامي

 

ما كان ألذ عامـه مـن عـام

يا علوة ما ذكـرت أيامـكـم

 

إلا وتظلمـت عـلـى الأيام

وثب عليه شخص بدد مصارينه في شوال سنة اثنتين وثلاثين وست مئة بإربل وله نحو من خمسين سنة.
وله:  

أي طرف أحـيور

 

للغزال الأسـيمـر

أيهـذا الأريبـلـي

 

هام فيك الحويجري

الأمير السيد

المسند السيد الأمير أبو محمد الحسن ابن الأمير السيد علي ابن المرتضى أبي الحسين بن علي العلوي الحسني البغدادي.
حدث عن الحافظ محمد بن ناصر بكتاب الذرية الطاهرة وما معه للدولابي. وكان صدراً مكرماً وسرياً محتشماً.
حدث عنه أبو نصر محمد بن المبارك المخرمي شيخ للفرضي، والشيخ عز الدين الفاروثي، وظهير الدين علي ابن الكازروني المؤرخ، والعماد إسماعيل ابن الطبال، والرشيد بن أبي القاسم، وآخر أصحابه بالإجازة تقي الدين سليمان الحاكم.
وسماعه من ابن ناصر في الخامسة.
توفي في شعبان سنة ثلاثين وست مئة، وله ست وثمانون سنة.
وسمع أيضاً من هبة الله بن هلال الدقاق.
وهو من ذرية جعفر بن حسن ابن السيد الحسن ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

العبادي

شيخ الحنفية العلامة جمال الدين أبو الفضل عبيد الله بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن جعفر بن هارون بن محمد بن أحمد بن محبوب بن الوليد بن عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي المحبوبي البخاري الحنفي.
انتهت إليه معرفة المذهب، وكان ذا هيبة وتعبد.
تفقه بالعلامة عماد الدين عمر بن بكر الزرنجري، عن أبيه وابن مازة، كلاهما عن شمس الأئمة السرخسي، عن شمس الأئمة الحلوائي، عن الحسين بن الخضر النسفي، عن أبي بكر الكماري، عن عبد الله بن محمد ابن يعقوب الأستاذ، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حفص البخاري، عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن الإمام أبي حنيفة.
نعم، وتفقه أيضاً بفخر الدين حسن بن منصور قاضي خان، وسمع منه ومن أبي المظفر ابن السمعاني.
تفقه به خلق، وسمع منه سيف الدين سعيد بن مطهر الباخرزي، وشرف الدين محمد بن محمد العدوي، وجمال الدين محمد بن محمد الحسيني، والعلامة حافظ الدين محمد بن محمد بن صر البخاري، وآخرون.
ترجمه لنا الفرضي، وقال: مات في جمادى الأولى سنة ثلاثين وست مئة وله أربع وثمانون سنة.

القمي

الوزير الكبير مؤيد الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم الكاتب.
قدم بغداد وصحب ابن القصاب، ثم ابن مهدي، فلما مات كاتب السر ابن زبادة رتب القمي مكانه، فلم يغير زيه؛ القميص والشربوش، على قاعدة العجم، ثم ناب في الوزارة، ولم يزل في ارتقاء حتى إن الناصر كتب بخطه: القمي نائبنا في البلاد والعباد، فقرئ ذلك عاماً، فلما استخلف الظاهر رفعه وحكمه في العباد.
وكان كاتباً بليغاً مرتجلاً، سائساً، وقوراً، جباراً شديد الوطأة.
نكب في سنة تسع وعشرين وست مئة، وسجن هو وابنه فهلكا سنة ثلاثين.

ابن نقطة

الإمام العالم الحافظ المتقن الرحال معين الدين أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع بن أبي نصر البغدادي الحنبلي.
ولد بعد السبعين وخمس مئة.
وكان أبوه من الزهاد، فعني أبو بكر بالحديث، وجمع وألف.
سمع من يحيى بن بوش، وفاته ابن كليب، ثم طلب في سنة ست مئة وبعدها. وسمع من أبي أحمد بن سكينة، وأبي الفتح المندائي، وابن طبرزذ، وعبد الرزاق الجيلي، وابن الأخضر، ومحمد بن علي القبيطي، وعدة. وبأصبهان من عفيفة الفارفانية، وزاهر الثقفي، والمؤيد بن الإخوة، وأسعد بن روح، ومحمود بن أحمد المضري، وعائشة بنت معمر، وعدة.
وبنيسابور من منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي، وزينب، وبحران من عبد القادر الحافظ، وبدمشق من الكندي وابن الحرستاني، وبحلب من الافتخار الهاشمي، وبمصر من الحسين بن أبي الفخر، وعبد القوي بن الجباب، وبالثغر من محمد بن عماد، وبدمنهور، ودنيسر، ومكة.
وكان ثقة، حسن القراءة، جيد الكتابة، متثبتاً فيما يقوله، له سمت ووقار، وفيه روع وصلاح وعفة وقناعة.
سئل عنه الضياء، فقال: حافظ، دين، ثقة، ذو مروءة وكرم.
وقال البرزالي: ثقة، دين، مفيد.
قلت: أخذ عنه السيف أحمد ابن المجد، والمنذري، وعبد الكريم ابن منصور الأثري، والشرف حسين الإربلي، وأبو الفتح بن عمر الحاجب، وأخوه عثمان، وعز الدين عبد الرحمن بن محمد ابن الحافظ وابنه أبو موسى ليث، والشيخ عز الدين الفاروثي.
وأجاز لجماعة من مشايخنا، منهم فاطمة بنت سليمان. وصنف كتاب التقييد في معرفة رواة الكتب والمسانيد.
وألف مستدركاً على الإكمال لابن ماكولا يدل على سعة معرفته، قال فيه في المباركي: هو سليمان بن محمد، سمع أبا شهاب الحناط، ثم قال: وقال الأمير: هو سليمان بن داود فأخطأ، وأظن أنه نقله من تاريخ الخطيب، فإن الخطيب ذكره في تاريخه على الوهم أيضاً، لكن ذكره على الصواب في ترجمة أبي شهاب عبد ربه. وقال الحاكم في الكنى: أبو داود المبارك سليمان بن محمد كناه وسماه لنا عبد الله بن محمد الإسفراييني، سمع أبا شهاب، ثم قال ابن نقطة: حدث عن المبارك جماعة فسموا أباه محمداً منهم خلف البزار وهو من أقرانه، وموسى بن هارون، وعبد الله بن أحمد، والمعمري، وإسحاق بن موسى، وأبو يعلى، وأحمد الصوفي.
ثم قال: وقد أوردنا لكلك رجل منهم حديثاً في كتابنا الموسوم بالملتقط مما في كتب الخطيب وغيره من الوهم والغلط.
قلت: سئل أبو بكر عن نقطة، فقال: هي جارية عرفنا بها، ربت شجاعاً جدنا.
توفي أبو بكر في الثاني والعشرين من صفر سنة تسع وعشرين وست مئة كهلاً.

الإوقي

الشيخ العالم الزاهد العابد القدوة أبو علي الحسن بن أحمد بن يوسف ابن بدل العجمي الإوقي.
أكثر عن الحافظ السلفي، وعن عبد الواحد بن عسكر، ومحمد بن علي الرحبي، ومشرف بن المؤيد الهمذاني، والمفضل بن علي المقدسي، وأقام ببيت المقدس أربعين سنة، وكان صاحب مجاهدة وأحوال وتأله وانقطاع.
روى عنه الضياء، والبرزالي، والكمال ابن الدخميسي، والكمال العديمي، وابنه أبو المجد، وقاضي نابلس محمد بن محمد بن صاعد، ورضي الدين أبو بكر القسنطيني، وأبو المعالي الأبرقوهي.
والإوقي - بكسر الهمزة - من أهل إوة بليدة من أعمال العجم بقرب مراغة، وأدخلت القاف في النسب بدلاً من الهاء.
قال عمر بن الحاجب: سألت أبا عبد الله البرزالي عنه، فقال: هو زاهد أهل زمانه، كثير التلاوة والعبادة والاجتهاد، معرض عن الدنيا، صليب في دينه.
قلت: كان له أصول يحدث منها، وله فهم ومعرفة يسيرة.
أخبرنا محمد بن محمد الحاكم، أخبرنا الحسن بن أحمد، أخبرنا السلفي، أخبرنا محمد بن محمد المديني، أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن القاضي إملاء سنة تسع وأربع مئة، حدثنا أبو أحمد العسكري، حدثنا عبدان، حدثنا محمد بن عبيد الكوفي، حدثنا صالح بن موسى، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من الشعر حكمة ".
توفي في صفر سنة ثلاثين وست مئة، وله ست وثمانون سنة.

ابن باقا

الشيخ الأمين المرتضى المسند صفي الدين أبو بكر عبد العزيز بن أبي الفتح أحمد بن عمر بن سالم بن محمد بن باقا البغدادي السيبي الأصل الحنبلي التاجر نزيل مصر.
ولد في رمضان سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
وسمع من أبي زرعة المقدسي عدة كتب، وأبي بكر بن النقور، وعلي ابن عساكر البطائحي، وعلي بن أبي سعد، ويحيى بن ثابت، وعبد الحق اليوسفي، وجماعة.
وشهد عند القضاة، وكان تالياً لكتاب الله صدوقاً جليلاً.
حدث عنه ابن نقطة، والمنذري والرشيد عمر الفارقي، وداود بن عبد القوي، ومحمد بن إبراهيم الميدومي، ومحمد بن عبد المنعم الخيمي، وأخوه إسماعيل، والخطيب علي بن نصر الله الصواف، ومحمد ابن عبد المنعم بن شهاب المؤدي وأخوه عيسى، ومحمد بن عبد القوي بن عزون، ومحمد بن صالح الجهني، وغازي المشطوبي، وأحمد ابن الأغلاقي، وإسحاق بن درباس، ووهبان بن علي المؤذن، وجبريل بن الخطاب، وجعفر بن محمد الأدريسي، والبهاء علي بن القيم، وأبو المعالي الأبرقوهي. وآخر من روى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين سليمان.
قال ابن النجار: كتبت بخطي عنه سنن ابن ماجة، وكان صدوقاً، جليلاً، قرأ في الفقه على أبي الفتح بن المني.
قلت: توفي فجاءة في تاسع عشر رمضان سنة ثلاثين وست مئة.

ابن الجوزي

الشيخ الفاضل المسند بدر الدين أبو القاسم علي ابن الشيخ الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي ابن الجوزي البكري البغدادي الناسخ.
ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وخمس مئة. وسمع من أبي الفتح بن البطي، ويحيى بن ثابت، وأبي زرعة، وأحمد بن المقرب، والوزير ابن هبيرة، وشهدة، وعمل الوعظ وقتاً، ثم ترك. وكان كثير النوادر، حلو الدعابة، لزم البطالة والنذالة مدة، ثم لزم النسخ، وليسخطه جيداً، وكان متعففاً يخدم نفسه، وينال من أبيه، وربما غل من كتبه.
حدث عنه السيف، والعز عبد الرحمن الحافظ، والتقي ابن الواسطي، والكمال علي بن وضاح، وأبو الفرج ابن الزين، وأبو العباس الفاروثي، وشمس الدين محمد بن هبيرة نزيل بلبيس، وبالإجازة أبو نصر ابن الشيرازي، والقاضي الحنبلي.
قال ابن نقطة: هو صحيح السماع، ثقة، كثير المحفوظ، حسن الإيراد، سمع صحيح الإسماعيلي من يحيى بن ثابت.
وقال ابن النجار: وعظ في صباه، وكان كثير الميل إلى اللهو والخلاعة، فترك الوعظ واشتغل بما لا يجوز، وصاحب المفسدين.
سمعت أباه يقول: إني لأدعو عليه كل ليلة وقت السحر. ولم يزل على طريقته إلى آخر عمره، وكان لا يقبل صلة، ويكتب في اليوم عشرة كراريس، وهو قليل المعرفة.
قلت: مات في سلخ رمضان سنة ثلاثين وست مئة.

ابن الأثير

الشيخ الإمام العلامة المحدث الأديب النسابة عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الجزري الشيباني، ابن الشيخ الأثير أبي الكرم، مصنف التاريخ الكبير الملقب بالكامل ومصنف كتاب معرفة الصحابة.
مولده بجزيرة ابن عمر في سنة خمس وخمسين، ونشأ هو بها وأخواه العلامة مجد الدين والوزير ضياء الدين، ثم تحول بهم أبوهم إلى الموص فسمعوا بها، واشتغلوا، وبرعوا، وسادوا.
سمع من الخطيب أبي الفضل الطوسي، ويحيى بن محمود الثقفي، ومسلم بن علي السيحي، وببغداد، لما قدمها رسولاً، من عبد المنعم بن كليب، ويعيش بن صدقة، وعبد الوهاب بن سكينة، وبدمشق من أبي القاسم بن صصرى، وزين الأمناء.
وكان إماماً، علامة، أخبارياً، أديباً، متفنناً، رئيساً، محتشماً، كان منزله مأوى طلبة العلم، ولقد أقبل في آخر عمره على الحديث إقبالاً تاماً، وسمع العالي والنازل.
ومن تصانيفه: تاريخ الموصل ولم يتمه، واختصر الأنساب للسمعاني وهذبه.
وقدم الشام رسولاَ فحدث بدمشق، وبحلب.
قال ابن خلكان: كان بيته بالموصل مجمع الفضلاء، اجتمعت به بحلب فوجدته مكملاً في الفضائل والتواضع وكرم الأخلاق، فترددت إليه وكان الخادم أتابك طغرل قد أكرمه وأقبل عليه بحلب.
قلت: حدث عنه ابن الدبيثي، والقوصي، ومجد الدين ابن العديم وأبوه في تاريخ حلب وحدثنا عنه أبو الفضل بن عساكر، وأبو سعيد القضائي.
وكان يكتب اسمه كثيراً: علي بن محمد بن عبد الكريم، وكذا ذكره المنذري والقوصي وابن الحاجب وشيخنا ابن الظاهري في تخريجه لابن العديم، وإنما هو بلا ريب: علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم كما هو في نسب أخويه وابن أخيه شرف الدين، وكما ذكره ابن خلكان وابن الساعي وشمس الدين يوسف بن الجوزي.
فأما الجزيرة المذكورة فهي مدينة بناها ابن عمر وهو الأمير عبد العزيز ابن عمر البرقعيدي، قاله ابن خلكان، وقال أيضاً: رأيت في تاريخ ابن المستوفي في ترجمة أبي السعادات المبارك بن الأثير - يعني مجد الدين - أنه من جزيرة أوس وكامل ابني عمر بن أوس التغلبي، وقيل: بل هي منسوبة إلى أمير العراق يوسف بن عمر الثقفي، فالله أعلم.
قال القاضي سعد الدين الحارثي: توفي عز الدين في الخامس والعشرين من شعبان سنة ثلاثين وست مئة.
وقال أبو العباس أحمد ابن الجوهري: مات في رمضان من السنة.
وقال المنذري وابن خلكان وأبو المظفر سبط الجوزي وابن الساعي وابن الظاهري: مات في شعبان، لم يعينوا اليوم، وقد عينه الحارثي.
وقد رأيت أنا خطه تصحيحاً على طبقة سماع تاريخها في نصف شعبان من السنة.
وفيها مات بهاء الدين إبراهيم بن أبي اليسر شاكر التنوخي الفقيه الكاتب، والحسن ابن الأمير السيد علي بن المرتضى العلوي، والمحدث عمر بن محمد بن الحاجب الأميني، وصاحب إربل مظفر الدين، والكاتب الشاعر شرف الدين محمد بن نصر الله بن عنين، والفقيه المعافى بن إسماعيل بن أبي السنان الموصلي، والظهير يحيى بن جعفر ابن الدامغاني، ويونس ابن سعيد بن مسافر القطان.

ابن باتكين

الشيخ الصالح المسند أبو محمد إسماعيل بن علي بت إسماعيل بن باتكين الجوهري البغدادي. ولد سنة إحدى وخمسين.
وسمع من هبة الله بن هلال، وأبي المعالي عمر بن علي الصيرفي، وأبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة، وأحمد بن المقرب، وعدة.
روى عنه أحمد ابن الجوهري، وعمر بن الحاجب، وعز الدين الفاروثي، وابن النجار، وجماعة.
وأجاز للفخر ابن عساكر، والقاضي الحنبلي، وأبي نصر ابن الشيرازي، وغيرهم.
ومن مسموعه المغازي لموسى بن عقبة، والمغازي لعبد الرزاق.
قال ابن نقطة: سمعت منه وسماعه صحيح.
وقال غيره: هو ثقة صالح.
مات في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وست مئة.

ابن الزبيدي

الشيخ الإمام الفقيه الكبير مسند الشام سراج الدين أبو عبد الله بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الربعي الزبيدي الأصل البغدادي البابصري الحنبلي مدرس مدرسة الوزير عون الدين ابن هبيرة.
ولد سنة خمس أو سنة ست وأربعين وخمس مئة.
وسمع من جده، وأبي الوقت السجزي، وأبي الفتوح الطائي، وأبي زرعة المقدسي، وجعفر بن زيد الحموي، وأبي حامد الغرناطي.
وأجاز له أبو علي أحمد بن أحمد الخراز.
وروى ببغداد، ودمشق، وحلب. وكان إماماً، ديناً، خيراً، متواضعاً، صادقاً.
حدث عنه ابن الدبيثي، والضياء، والبرزالي، وسالم بن ركاب، ونصر بن عبيد، وابن أبي عمر، والشهاب ابن الخرزي، والشيخ إبراهيم الأرموي، والملك الحافظ محمد الأيوبي، والشيخ تاج الدين عبد الرحمان، والخطيبان: محيي الدين ابن الحرستاني وابن عبد الكافي، والمجد ابن المهتار، والفخر الكرجي، وبدر الأتابكي، وأبو الحسين اليونيني، والكمال بن قوام، والعز ابن الفراء، والعماد ابن السقاري، والشرف ابن عساكر، والعماد بن سعد، وعلي وعمر وأبو بكر بنو ابن عبد الدائم، والشمس بن حازم، ومحمد بن أبي الذكر، ومحمد بن قايماز، ومحمد بن الطبيل، وعيسى بن أبي محمد، وعلي بن محمد الثعلبي، والشهاب بن مشرف، ورشيد الدين إسماعيل بن المعلم، والشهاب أحمد ابن الشحنة، وزينب بنت الإسعردي، وفاطمة بنت جوهر، وهدية بنت عسكر، وست الوزراء بنت المنجى، وخلق كثير.
قرأت بخط ابن المجد، قال: بقي في نفسي عند سفري من بغداد سنة ثلاثين أنني قادم بلا شيخ يروي صحيح البخاري، ثم أنه ذكر قصة ابن روزبة، وأنه سفره سنة 626 وأعطوه خمسين ديناراً من عند الملك الصالح، فلما وصل إلى رأس عين أرغبوه فقعد وحدثهم بالصحيح، ثم أرغبوه في حران فرواه لهم، ثم بحلب كذلك، وخوفوه من حصار دمشق، فرجع إلى بغداد، قال: فأتيته وقد ذاق الكسب فاشتط واشترط أموراً، فكلمنا ابن القطيعي فاشترط مثل ذلك، فمضيت إلى أبي عبد الله ابن الزبيدي، وأنا لا أطمع به، فقال: نستخير الله، ثم قال: لا تعلم أحداً، وحرضه على التوجه ابنه عمر، وكان على الشيخ دين نحو سبعين ديناراً، فرافقناه فكان خفيف المؤونة كثير الاحتمال، حسن الصحبة، كثير الذكر، فنعم الصاحب كان.
قلت: فرح الأشرف صاحب دمشق بقدومه، وأخذه إلى عنده في أثناء رمضان من العام، وسمع منه الصحيح في أيام معدودة، وأنزله إلى دار الحديث وقد فتحت من نحو شهر، فحشد الناس وازدحموا، وسمعوا الكتاب، ثم أخذه أهل الجبل، وسمعوا منه الكتاب ومسند الشافعي واشتهر اسمه، ورد إلى بلده، فقدم متعللاً، وتوفي إلى رحمة الله في الثالث والعشرين من صفر سنة إحدى وثلاثين وست مئة.

العلبي

الشيخ المسند الكبير أبو يحيى زكريا بن علي بن حسان بن علي بن حسين البغدادي السقلاطوني الحريمي ابن العلبي الصوفي.
ولد في أول سنة ثمان وأربعين.
وسمع من أبيه وأبي الوقت السجزي، وأبي المعالي ابن اللحاس.
حدث عنه ابن النجار، وابن المجد، وأبو المظفر ابن النابلسي، والمجد عبد العزيز الخليلي، والتقي ابن الواسطي، والشمس ابن الزين، والعماد إسماعيل ابن الطبال، والشهاب الأبرقوهي، وطائفة. وبالإجازة الفخر بن عساكر، والقاضي تقي الدين الحنبلي، وأبو نصر ابن الشيرازي.
وكان من صوفية رباط الشيخ أبي النجيب، وكان ساكتاً لا يكاد يتكلم إلا جواباً.
قرأت بخط ابن المجد قال: رأيت اسمه قد ألحق في طبقة مسند عبد وقد كان في الآخر يطب على السماع أجراً، ويصرح به، فسمع عليه جماعة كتاب الدارمي وكتاب ذم الكلام وعند إنهائه، قالوا: قد بقي منه شيء إلى غد ونعطيك، ثم لم يعودوا إليه! فكان يشتمهم وينال منهم. قلت: مات في أول شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وست مئة.
ومن مسموعاته المئة الشريحية والثاني من حديث مجاعة سمعه من ابن اللحاس.

همام

ابن راجي الله بن سرايا بن فتوح، المحدث الفقيه جلال الدين أبو العزائم العسقلاني ثم المصري الشافعي النحوي.
ولد سنة تسع وخمسين بصعيد مصر. وتأدب بابن بري، وقرأ علم الأصلين على ظافر بن الحسين، وتفقه ببغداد على ابن فضلان، ومحمود ابن المبارك. وسمع من أبي سعد بن حمويه، وابن كليب. ودرس، وأفتى، واشتهر.
روى عنه الزكي المنذري، وابن النجار، والأبرقوهي، وغيرهم.
توفي في ربيع الأول سنة ثلاثين وست مئة.

وابنه

هو الشيخ نور الدين علي بن همام إمام جامع الصالح بن رزيك بالشارع من أعيان العلماء.

وحفيده

هو العلامة تاج الدين محمد بن علي، حدث عن النجيب الحراني: أخذ عنه القطب وغيره. وكان مولده في سنة سبع وأربعين وست مئة، وتوفي في سنة ثلاث عشرة وسبع مئة.

ونافلته

هو الإمام البارع تقي الدين محمد بن محمد بن علي مصنف كتاب سلاح المؤمن في الدعاء كهل يؤم - كأبيه - بالجامع المذكور. حدث عن الأبرقوهي وغيره وهو باق.

المازني

الشيخ المسند المعمر أبو الغنائم المسلم بن أحمد بن علي بن أحمد المازني النصيبي ثم الدمشقي، ويعرف في وقته بخطيب الكتان.
ولد سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة.
وسمع من عبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، والصائن هبة الله وأخيه الحافظ أبي القاسم. وسمع بالثغر من أبي طاهر السلفي فيما ذكر.
حدث عنه البرزالي، والضياء، والقوصي، وأبو المظفر ابن النابلسي، وأبو حامد ابن الصابوني، وأبو الفضل ابن عساكر، والخضر بن عبدان، ومحمد بن يوسف الذهبي، وفاطمة بنت سليمان، والشيخ علي بن هارون، وعدة. وبالإجازة القاضي الحنبلي، والفخر ابن عساكر، وأبو نصر ابن الشيرازي المزي.
وبلغنا أنه كان يخدم في المكس، ثم ترك ذلك، وحسنت حاله، ولزم البيت والجامع، وباع ملكه وافتقر. حدث بالكثير. وقد سمع في سنة ثمان وأربعين، وتفرد.
توفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وست مئة.

ابن عنين

الصاحب الرئيس الأديب شاعر وقته شرف الدين محمد بن نصر الله بن مكارم بن حسن بن عنين الأنصاري الدمشقي الزرعي.
مات سنة ثلاثين وست مئة عن إحدى وثمانين سنة.
وسمع من الحافظ ابن عساكر، وكان من فحول الشعراء ولا سيما في الهجو، وكان علامة يستحضر الجمهرة. وقد دخل إلى العجم واليمن، ومدح الملوك، وكان قليل الدين.

السيف

العلامة المصنف فارس الكلام سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد ابن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي.
ولد سنة نيف وخمسين.
وقرأ بآمد القراءات على عمار الآمدي، ومحمد الصفار. وتلا ببغداد على ابن عبيدة. وحفظ الهداية وتفقه على ابن المني. وسمع من ابن شاتيل وغيره، ثم صحب ابن فضلان، واشتغل عليه في الخلاف. وبرع، وحفظ طريقة الشريف ونظر في طريقة أسعد الميهني، وتفنن في حكمة الأوائل فرق دينه واظلم، وكان يتوقد ذكاء.
قال علي بن أنجب في أسماء المصنفين: اشتغل بالشام على المجير البغدادي، ثم ورد إلى بغداد واشتغل بالشفاء وبالشامل لأبي المعالي، وحفظ عدة كتب وكرر على المستصفى وتبحر في العلوم، وتفرد بعلم المعقولات والمنطق والكلام، وقصده الطلاب من البلاد، وكان يواسيهم بما يقدر، ويفهم الطلاب ويطول روحه.
قلت: ثم أقرأ الفلسفة والمنطق بمصر بالجامع الظافري، وأعاد بقبة الشافعي، وصنف التصانيف، ثم قاموا عليه، ورموه بالانحلال، وكتبوا محضراً بذلك.
قال القاضي ابن خلكان: وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم، فخرج مستخفياً، ونزل حماة. وألف في الأصلين، والحكمة المشؤومة، والمنطق، والخلاف، وله كتاب أبكار الأفكار في الكلام، ومنتهى السول في الأصول وطريقة في الخلاف، وله نحو من عشرين تصنيفاً. ثم تحول إلى دمشق، ودرس بالعزيزية مدة، ثم عزل عنها لسبب اتهم فيه، وأقام بطالاً في بيته.
قال: ومات في رابع صفر سنة إحدى وثلاثين وست مئة، وله ثمانون سنة. وقال سبط الجوزي: لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام، وكان يظهر منه رقة قلب وسرعة دمعة، أقام بحماة، ثم بدمشق. ومن عجيب ما يحكى عنه أنه ماتت له قطة بحماة فدفنها فلما سكن دمشق بعث ونقل عظامها في كيس ودفنها بقاسيون.
قال: وكان أولاد العادل كلهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق، وكان يدخل على المعظم فلا يتحرك له، فقلت: قم له عوضاً عني، فقال: ما يقبله قلبي. ومع ذا ولاه تدريس العزيزية، فلما مات أخرجه منها الأشرف، ونادى في المدارس: من ذكر غير التفسير والفقه، أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته، فأقام السيف خاملاً في بيته إلى أن مات، ودفن بتربته بقاسيون.
قلت: أخذ عنه القاضيان ابن سني الدولة صدر الدين ومحيي الدين ابن الزكي.
وكان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر، قال: كنا نتردد إلى السيف، فشككنا هل يصلي أم لا؟ فنام، فعلمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة يومين مكانها، فعلمنا أنه ما توضأ، نسأل الله السلامة في الدين! وقد حدث السيف بالغريب لأبي عبيد عن أبي الفتح بن شاتيل.
قال لي شيخنا ابن تيمية: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف، حتى إنه أورد على نفسه سؤالاً في تسلسل العلل، وزعم أنه لا يعرف عنه جواباً، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع، ولا حدوث العالم، ولا وجدانية الله، ولا النبوات، ولا شيئاً من الأصول الكبار.
قلت: هذا يدل على كمال ذهنه، إذ تقرير ذلك بالنظر لا ينهض، وإنما ينهض بالكتاب والسنة، وبكل قد كان السيف غاية، ومعرفته بالمعقول نهاية، وكان الفضلاء يزدحمون في حلقته.
قال ابن خلكان: سمعت ابن عبد السلام يقول: ما سمعت من يلقي الدرس أحن من السيف، كأنه يخطب، وكان يعظمه.
ومات في السنة أكابر منهم: الأمير الكبير صلاح الدين أحمد بن عبد السيد الإربلي الحاجب، وله نظم رائق. والشرف أحمد بن محمد ابن الصابوني، ونجم الدين ثابت بن تاوان التفليسي، وزكريا بن علي العلبي، والمصنف رضي الدين سليمان بن مظفر الجيلي الشافعي ببغداد، والقدوة الشيخ عبد الله بن يونس الأرموي الزاهد بسفح قاسيون، وأبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن عساكر، وشيخ القراء الزاهد محمد بن عمر بن يوسف القرطبي صاحب الشاطبي، ومحدث بخارى أبو رشيد محمد بن أبي بكر الغزال الأصبهاني، ومدرس المستنصرية محيي الدين محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي وقد ولي قضاء القضاة قليلاً، وأبو الفتوح ناصر بن عبد العزيز الأغماتي، وشيخ الطب رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي أحد المصنفين، وله سبع وتسعون سنة، ومسند الوقت أبو عبد الله ابن الزبيدي، والمسلم بن أحمد المازني.

رتن

الهندي، شيخ كبير من أبناء التسعين.
تجرأ على الله، وزعم بقلة حياء أنه من الصحابة، وأنه ابن ست مئة سنة وخمسين سنة، فراج أمره على من لا يدري.
وقد أفردته في جزء، وهتكت باطله.
بلغني أنه توفي في حدود سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، وأن ابنه محموداً بقي إلى سنة تسع وسبع مئة، فما أكثر الكذب وأروجه!

ابن الفارض

شاعر الوقت شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي ثم المصري صاحب الاتحاد الذي قد ملأ به التائية.
توفي سنة اثنتين وثلاثين، وله ست وخمسون سنة.
روى عن القاسم بن عساكر.
حدث عنه المنذري. فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده، فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى، وأعذنا من الهوى فيا أئمة الدين ألا تغضبون الله؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
توفي في جمادى الأولى، وقد حج وجاور، وكان بزنق الفقر. وشعره في الذروة لا يلحق شأوه.

ابن زينة

الحافظ مفيد أصبهان أبو غانم مهذب بن حسين بن أبي غانم محمد بن الحسين بن الحسن بن زينة.
كهل عالم محدث. سمع أباه أبا ثابت، وأبا موسى الحافظ، وأبا الفتح الخرقي، وأحمد بن ينال، وأكثر عن أصحاب الحداد.
روى عنه البرزالي، وغيره.
وأجاز للقاضي الحنبلي في سنة ثلاثين وست مئة.

ابن غانية

صاحب المغرب أبو زكريا يحيى بن إسحاق بن حمو الصنهاجي الميورقي أخو علي بن غانية المتوثب على آل عبد المؤمن بميورقة في سنة ثمانين وخمس مئة. ثم خلفه أبو زكريا، فامتدت أيامه. وكان فارساً شجاعاً سائساً، استولى على عدة مدائن، وخطب لبني العباس، وبعث له الناصر الخلع والتقليد، وعاش إلى سنة ثلاث وثلاثين وست مئة عن سن عالية.

الرضي الجيلي

الإمام العلامة رضي الدين أبو داود سليمان بن مظفر بن غنائم الجيلي الشافعي نزيل بغداد.
تفقه بالنظامية ودرس، وأفتى، وصنف، وبرع في المذهب وغوامضه، وتخرج به الأصحاب، ندب إلى مشيخة الرباط الكبير، فامتنع، وكان ملازماً لبيته مقبلاً على شأنه، وقيل: إنه طلب للقضاء فامتنع.
قال القاضي شمس الدين ابن خلكان: كان من أكابر فضلاء عصره، صف في الفقه كتاباً يكون خمس عشرة مجلدة، وعرضت عليه المناصب فلم يفعل، وكان ديناً، نيف على الستين.
توفي في ثاني شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وست مئة رحمه الله.

ابن الحاجب

المحدث البارع مفيد الطلبة عز الدين عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي ابن الحاجب الجندي صاحب المعجم الكبير من أذكياء الطلبة وأشدهم عناية.
سمع هبة الله بن طاووس، وموسى بن عبد القادر، والموفق، والفتح، وطبقتهم، وكتب الكثير، وصنف ولم يبلغ الأربعين.
سمع منه أبو حامد ابن الصابوني وجماعة.
قرأت بخط الحافظ الضياء: وفي شعبان سنة ثلاثين وست مئة توفي صاحبنا الشاب الحافظ ابن الحاجب. قال: وكان ديناً خيراً ثبتاً متيقظاً.

الرحبي

البارع العلامة إمام الطب رضي الدين يوسف بن حيدرة بن حسن الرحبي الحكيم.
كان أبوه كحالاً من أهل الرحبة، فولد له يوسف بالجزيرة العمرية، وأقام بنصيبين مدة وبالرحبة، ثم قدما دمشق في سنة خمس وخمسين وخمس مئة، ثم أقبل يوسف على الدرس والنسخ ومعالجة المرضى، ولازم المهذب ابن النقاش، وبرع، فنوه المهذب باسمه، وحسن موقعه عند السلطان صلاح الدين، وقرر له ثلاثين ديناراً على القلعة والبيمارستان واستمرت عليه حتى نقصها المعظم، ولم يزل مبجلاً في الدولة. وكان رئيساً عالي الهمة، كثير التحقيق، فيه خير وعدم شر تصدر للإفادة، وخرج له عدة أطباء كبار.
وممن أخذ عنه المهذب الدخوار.
قال ابن أبي أصيبعة في تاريخه: حدثني رضي الدين الرحبي قال: جميع من قرأ علي سعدوا وانتفع الناس بهم وكان لا يقرئ أحداً من أهل الذمة. بلى، قرأ عليه منهم عمران اليهودي، وإبراهيم السامري تشفعا إليه، وكل منهما برع.
قال ابن أبي أصيبعة: قرأت عليه في سنة اثنتين وثلاث وعشرين كتباً وانتفعت به، وكان محباً للتجارة مغرى بها، ويراعي مزاجه، ولا يصعد في سلم، وله بستان، وكان الوزير ابن شكر يلزم أكل الدجاج حتى شحب لونه، فقال له الرضي: الزم لحم الضأن، ففعل فظهر دمه.
مات يوم عاشوراء سنة إحدى وثلاثين وست مئة، وله سبع وتسعون سنة، وخلف ابنين طبيبين شرف الدين علياً، وجمال الدين عثمان.

ابن صباح

الشيخ العالم الجليل المسند الأمين نشوء الملك أبو صادق الحسن بن يحيى بن صباح بن حسين بن علي المخزومي المصري الكاتب، أحد شهود الخزانة بدمشق.
مولده بمصر في زقاق بني جمح في عاشر جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وخمس مئة.
وسمع من عبد الله بن رفاعة الفرضي أربعة عشر جزءاً من الخلعيات وأجاز له، وهو خاتمة أصحابه وما سمع من غيره.
حدث عنه الضياء، وابن خليل، والبرزالي، وابن النابلسي، وولده علي بن صباح، والخطيب محيي الدين ابن الحرستاني، وأبو اليمن ابن عساكر، وابن عمه أبو الفضل، وشيخ العربية جمال الدين ابن مالك، وأبو الحسين ابن اليونيني، والعز ابن الفراء، والعز ابن العماد، ومحمد بن قايماز الدقيقي، والعماد بن سعد، ومحمد بن أبي الذكر، وعلي بن بقاء، ومحمد بن سلطان الحنفي، وخلق، آخرهم موتاً الشهاب بن شرف البزاز.
قال عمر بن الحاجب: هو شيخ ثقة، وقور، مكرم لأهل الحديث، كثير التواضع، قال لي: إنه يبقى ستة أشهر لا يشرب ماء. قلت: فتركته لمعنى؟ لا أشتهيه.
قرأت بخط الضياء الحافظ: توفي شيخنا أبو صادق، وحمل إلى الجبل الجمعة سادس عشر رجب سنة اثنتين وثلاثين وست مئة. قال: وكان خيراً، قل من رأيت إلا ويشكره، ويثني عليه رحمه الله.

السهروردي

الشيخ الإمام العالم القدوة الزاهد العارف المحدث شيخ الإسلام أوحد الصوفية شهاب الدين أبو حفص وأبو عبد الله عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله - وهو عمويه - بن سعد بن حسين بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن فقي المدينة وابن فقيهها عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري السهروردي الصوفي ثم البغدادي.
ولد في رجب سنة تسع وثلاثين وخمس مئة، وقدم من سهرورد وهو شاب أمرد، فصحب عمه الشيخ أبا النجيب ولازمه وأخذ عنه الفقه والوعظ والتصوف، وصحب قليلاً الشيخ عبد القادر، وبالبصرة الشيخ أبا محمد بن عبد. وسمع من هبة الله بن أحمد الشبلي، وهو أعلى شيخ له، وأبي الفتح ابن البطي، وخزيفة بن الهاطرا، وأبي الفتوح الطائي، وأبي زرعة المقدسي، ومعمر بن الفاخر، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وطائفة له عنهم جزء سمعناه.
حدث عنه ابن نقطة، وابن الدبيثي، وابن النجار، والضياء، والقوصي، وابن النابلسي، وظهير الدين محمود الزنجاني، وأبو الغنائم بن علان، وأبو الفرج ابن الزين، وأبو إسحاق ابن الواسطي، وأبو المعالي الأبرقوهي، والرشيد بن أبي القاسم، وآخرون.
وبالإجازة الفخر بن عساكر، والشمس ابن الشيرازي، والقاضي الحنبلي، وعدة.
قال ابن الدبيثي: قدم بغداد وكان له في الطريقة قدم ثابت ولسان ناطق، وولي عدة ربط للصوفية، ونفذ رسولاً إلى عدة جهات.
وقال ابن النجار: كان أبوه أبو جعفر تفقه ببغداد على أسعد الميهني ووعظ، قال لي ابنه: قتل أبي بسهرورد، ولي ستة أشهر، كان ببلدنا شحنة ظالم فاغتاله جماعة وادعوا أن أبي أمرهم، فجاء غلمان المقتول ففتكوا بأبي، فوثب العوام على الغلمان فقتلوهم، وهاجت الفتنة فصلب السلطان أربعة من العوام، فكبر ذلك على عمي أبي النجيب، ولبس القباء وقال: لا أريد التصوف، حتى استرضي.
ثم قال ابن النجار: وكان شهاب الدين شيخ وقته في علم الحقيقة، وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين، ودعاء الخلق إلى الله، والتسليك. صحب عمه وسلك طريق الرياضات والمجاهدات، وقرأ الفقه والخلاف والعربية، وسمع ثم لازم الخلوة والذكر والصوم إلى أن خط له عند علو سنه أن يظهر للناس ويتكلم، فعقد مجلس الوعظ بمدرسة عمه، فكان يتكلم بكلام مفيد من غير تزويق، ويحضر عنده خلق عظيم، وظهر له القبول من الخاص والعام واشتهر اسمه، وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا، ووصل به خلق إلى الله، وصار أصحابه كالنجوم، ونفذ رسولاً إلى الشام مرات، وإلى السلطان خوارزم شاه، ورأى من الجاه والحرمة ما لم يره أحد، ثم رتب بالرباط الناصري، وبرباط المأمونية، ورباط البسطامي، ثم أنه أضر وأقعد، ومع هذا فما أخل بالأوراد ودوام الذكر وحضور الجمع في محفة، والمضي إلى الحج، إلى أن دخل في عشر المئة وضعف فانقطع.
قال: وكان تام المروءة، كبير النفس، ليس للمال عنده قدر؛ لقد حصل له ألوف كثيرة، فلم يدخر شيئاً، ومات ولم يخلف كفناً. وكان مليح الخلق والخلق، متواضعاً كامل الأوصاف الجميلة. قرأت عليه كثيراً، وصحبته مدة، وكان صدوقاً نبيلاً، صنف في التصوف كتاباً شرح فيه أحوال القوم، وحدث به مراراً - يعني عوارف المعارف -.
قال: وأملى في آخر عمره كتاباً في الرد على الفلاسفة، وذكر أنه قدم بغداد بعد وفاة أبي الوقت المحدث.
وقال ابن نقطة: كان شيخ العراق في وقته، صاحب مجاهدة وإيثار وطريق حميدة ومروءة تامة، وأوراد على كبر سنه.
قال يوسف الدمشقي: سمعت وعظ أبي جعفر والد السهروردي ببغداد في جامع القصر زفي النظامية، تولى قضاء سهرورد وقتل.
قال ابن الحاجب: يلتقي السهروردي وابن الجوزي في النسب في القاسم بن النضر.
أخبرنا مسعود بن حمويه إجازة أن قاضي القضاة بدر الدين يوسف السنجاري حكى عن الملك الأشرف موسى أن السهروردي جاءه رسولاً فقال في بعض حديثه: يا مولانا تطلبت كتاب الشفاء لابن سينا من خزائن الكتب ببغداد وغسلت جميع النسخ، ثم في أثناء الحديث قال: كان السنة ببغداد مرض عظيم وموت. قلت: كيف لا يكون وأنت قد أذهبت الشفاء منها؟! ألبسني خرق التصوف شيخنا المحدث الزاهد ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري بالقاهرة، وقال: ألبسنيها الشيخ شهاب الدين السهروردي بمكة عن عمه أبي النجيب. قرأت على أبي المعالي الأبرقوهي: أخبركم أبو حفص عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن أحمد الشبلي، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي، أخبرنا أبو طاهر المخلص، حدثنا عبد الله البغوي، حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال إحدى عشرة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، كتب الله له ألفي ألف حسنة ".
توفي الشيخ شهاب الدين رحمه الله ببغداد في أول ليلة من سنة اثنتين وثلاثين وست مئة.
وفي ذريته فضلاء وكبراء، ومات ولده العماد أبو جعفر محمد بن عمر سنة خمس وخمسين وست مئة، روى عن ابن الجوزي، والقاسم بن عساكر، حدثنا عنه إسحاق ابن النحاس وسافر رسولاً.
وفيها مات صاحب إلبيرة الملك الزاهر داود ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وله نظم وفضيلة، والطواشي صواب العاجلي مقدم الجيوش، والشهاب عبد السلام بن المطهر بن أبي عصرون، والشرف علي ابن إسماعيل بن جبارة الكندي، وأبو الحسن علي بن الحسن بن رشيد البغدادي، والمقرئ تقي الدين علي بن باسويه الواسطي، وشاعر زمانه شرف الدين عمر بن علي ابن الفارض الحموي بمصر، وشيخ بيت المقدس غانم بن علي الزاهد، والشاعر حسام الدين عيسى بن سنجر الحاجري الإربلي الجندي، ومحمد بن أبي غالب شعرانة صاحب أبي الوقت، وخلق بسيف التتار بأصبهان، وواثلة بن بقاء بن كراز، ومحمد بن عبد الواحد المديني، وأبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن مندة، وأبو صادق بن صباح، ومحمد بن عماد.

المديني

الشيخ الإمام المحدث المفتي الواعظ بقية المشايخ أبو عبد الله محمد ابن عبد الواحد بن أبي سعد المديني الأصبهاني الشافعي المذكر.
مولده في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة بمدينة جي.
وسمع جزء مأمون وما معه من المعمر إسماعيل بن علي الحمامي، وسمع من أبي الوقت السجزي جزء بيبى وغير ذلك، وسمع من أبي الخير محمد بن أحمد الباغان، وغيرهم.
حدث عنه الضياء، وابن النجار، وطائفة.
وسمعنا بإجازته على أبي الفضل بن عساكر، وفاطمة بنت سليمان، والأمين ابن رسلان البعلي، والقاضي تقي الدين سليمان وغيرهم. وكان أسند أهل زمانه بأصبهان.
قال ابن النجار: هو واعظ، مفتي، شافعي المذهب، له معرفة بالحديث، وله قبول عند أهل بلده، حدثني بجزء بيبى عن أبي الوقت وفيه ضعف، وبلغنا أنه قتل بأصبهان شهيداً على يد التتار في أواخر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وست مئة.
قلت: سلمت أصبهان من الكفرة إلى هذا التاريخ، فاستباحوها وراح تحت السيف خلق لا يحصون، منهم عدة من الوراة.

شعرانة

الزاهد وجيه الدين محمد بن أبي غالب زهير بن محمد الأصبهاني.
سمع الصحيح بأصبهان من أبي الوقت، وأجاز في سنة إحدى وثلاثين لفاطمة بنت سليمان، وإبراهيم المخرمي والقاضي الحنبلي.

ابن عماد

الشيخ الجليل المسند الثقة أبو عبد الله محمد بن عماد بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي يعلى الجزري الحراني التاجر.
ولد بحران يوم النحر سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة.
وسمع بمصر من أبي محمد بن رفاعة الخلعيات العشرين.
وسمع بالثغر من السلفي، وسمع ببغداد من ابن البطي، وأبي حنيفة الخطيبي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النقور، وابن الخشاب، وشهدة، وجماعة. وسمع بالقاهرة من علي بن نصر الأرتاحي الراوي عن أبي علي بن نبهان. وأجاز له هبة الله بن أبي شريك الحاسب، وأبو القاسم سعيد ابن البناء، وأبو الوقت السجزي بإفادة خاله المحدث حماد الحراني. سافر مدة، وسكن الإسكندرية، وصار مسندها.
حدث عنه ابن النجار، والمنذري، وعبد المنعم ابن النجيب، وأبو محمد بن الشمعة، وأبو العز بن محاسن، وعلي بن عبد الله المنبجي، وعطية بن ماجد، وكافور الصواف، وجمال الدين محمد بن أحمد الشريشي. وحدثنا عنه محمد بن الحسين الفوي، وعلي بن أحمد الحسني، ويحيى بن أحمد الجذامي. وآخر من روى عنه بالإجازة القاضي تقي الدين بن قدامة.
قال عمر بن الحاجب: شيخ عالم، فقيه صالح، كثير المحفوظ، ثقة، حسن الإنصات، كثير السماع، وأصوله بأيدي المحدثين.
قلت: طال عمره، ورحل إليه.
توفي في عاشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وست مئة.

ابن غسان

الشيخ الجليل المسند الأمير سيف الدولة أبو عبد الله محمد بن غسان ابن غافل بن نجاد بن غسان بن ثامر الأنصاري الخزرجي الحمصي.
ولد سنة اثنتين وخمسين.
قدم دمشق، وهو صبي، فسمع كثيراً من أبي المظفر الفلكي، وعلي ابن أحمد الحرستاني، وأبي المكارم بن هلال، وعبد الخالق بن أسد، والصائن بن عساكر، وأخيه أبي القاسم الحافظ، وغيرهم.
وتفرد بأجزاء، وكان يعيش من عقاره، ويواظب غالباً على الجماعات.
حدث عنه الضياء، وابن خليل، وابن النابلسي، وابن الصابوني، وسعد الخير النابلسي وأخوه، وعلي بن عثمان اللمتوني، وأبو الفضل بن عساكر، وأحمد بن عبد الرحمن المنقذي، ومحمد بن حازم، وأحمد ابن العماد، وسليمان بن كسا، والمؤيد علي بن إبراهيم القعرباني، وآخرون.
وآخر أصحابه بالحضور بهاء الدين القاسم الطبيب.
توفي في ثالث عشر شعبان سنة اثنتين وثلاثين وست مئة.

الرشيدي

الشيخ أبو الحسن علي بن أبي محمد الحسن بن أحمد بن أبي منصور البغدادي الظفري البزاز ويعرف بالرشيدي، ذكر أن جدهم كان محتسب بغداد زمن الرشيد.
سمع عبد الواحد بن الحسين البارزي، ويحيى بن ثابت.
روى عنه ابن النجار، وقال: كان صالحاً ديناً أديباً له نظم ونثر.
مات في ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، وقد ناهز التسعين.

ابن مندة

الشيخ الأصيل المعمر مسند أصبهان أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان بن إبراهيم ابن الشيخ أبي عمرو عبد الوهاب ابن حافظ المشرق أبي عبد الله بن مندة العبدي الأصبهاني.
ولد سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة.
وبكر به أبوه فسمعه من أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان، ومن أبي رشيد أحمد بن محمد الفيج، ومسعود الثقفي، وأبي عبد الله الرستمي، وعبد المنعم بن محمد بن سعدويه، وأبي المطهر الصيدلاني، وعدة.
حدث عنه الضياء، وابن النجار، والشيخ عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش، والكمال عبد الرحمن الفويره، وجماعة.
وبالإجازة القاضيان شهاب الدين الخويي، وتقي الدين الحنبلي، وأبو الفضل بن عساكر، وأبو الحسين اليونيني، والعماد ابن البطال، وإبراهيم ابن الحبوبي، وفاطمة بنت سليمان، والشيخ علي بن هارون، ومحمد بن مشرف، وإبراهيم بن أبي الحسن المخرمي، وعزية بنت غنائم الكفربطنانية، وآخرون.
قال ابن النجار: سمع كتاب المختصرين، وكتاب الرقة وكتاب الموت، وكتاب التهجد، وكتاب حلم معاوية لابن أبي الدنيا، وسمع كتاب الإيمان لابن مندة. وقرأت أنا بخط أبي الوفاء: ومن مسموعاتي كتاب معرفة الصحابة للإمام جدي، سمعته من أبي الخير في سنة ست وخمسين.
قلت: أكثر سماعاته في الخامسة، فإنه كتب: ومولدي في سنة اثنتين وخمسين.
مات شهيداً سنة اثنتين وثلاثين. ولقبه جمال الدين.
قال ابن النجار: أسمعه والده الكثير من أبي الخير الباغبان والرستمي ومسعود وجماعة.

ابن شداد

الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة بقية الأعلام بهاء الدين أبو العز وأبو المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بن عتبة بن محمد بن عتاب الأسدي الحلبي الأصل والدار الموصلي المولد والمنشأ الفقيه الشافعي المقرئ المشهور بابن شداد، وهو جده لأمه.
ولد سنة تسع وثلاثين وخمس مئة.
ولازم يحيى بن سعدون القرطبي، فأخذ عنه القراءات والنحو والحديث، وسمع من حفدة العطاري، وابن ياسر الجياني، وعبد الرحمن ابن أحمد الطوسي، وأخيه خطيب الموصل أبي عبد الله، والقاضي سعيد بن عبد الله بن الشهرزوري، ويحيى الثقفي، وطائفة. وارتحل إلى بغداد فسمع من شهدة الكاتبة، وجماعة، وتفقه، وبرع، وتفنن، وصنف، ورأس، وساد.
حدث بمصر، ودمشق، وحلب، حدث عنه أبو عبد الله الفاسي، والمنذري، والعديمي وابنه مجد الدين، وأبو حامد ابن الصابوني، وسعد الخير ابن النابلسي، وأخوه، وأبو صادق محمد بن الرشيد، وأبو المعالي الأبرقوهي، وسنقر القضائي، والصاحب محيي الدين ابن النحاس سبطه، وجماعة.
وبالإجازة قاضي القضاة تقي الدين سليمان، وأبو نصر ابن الشيرازي.
قال عمر بن الحاجب: كان ثقة حجة، عارفاً بأمور الدين، اشتهر اسمه، في زمانه، دبر أمور الملك بحلب، واجتمعت الألسن على مدحه، أنشأ دار حديث بحلب، وصنف كتاب دلائل الأحكام في أربع مجلدات. وقال ابن خلكان: انحدر ابن شداد، إلى بغداد، وأعاد بها، ثم مضى إلى الموصل، فدرس بالكمالية، وانتفع به جماعة، ثم حج سنة 583 وزار الشام فاستحضره السلطان صلاح الدين وأكرمه، وسأله عن جزء حديث ليسمع منه، فأخرج له جزءاً فيه أذكار من البخاري، فقرأه عليه بنفسه، ثم جمع كتاباً مجلداً في فضائل الجهاد وقدمه له ولازمه فولاه قضاء العسكر، ثم خدم بعده ولده الملك الظاهر غازياً، فولاه قضاء مملكته ونظر الأوقاف سنة نيف وتسعين. ولم يرزق ابناً، ولا كان له أقارب، واتفق أن الملك الظاهر أقطعه إقطاعاً يحصل له منه جملة كثيرة، فتصمد له مال كثير فعمر منه مدرسة سنة إحدى وست مئة ودار حديث وتربة. قصده الطلبة واشتغلوا عليه للعلم وللدنيا، وصار المشار إليه في تدبير الدولة بحلب، إلى أن استولت عليه البرودات والضعف فكان يتمثل:

من يتمن العمر فلبدرع

 

صبراً على فقد أحبابه

ومن يعمر يلق في نفسه

 

ما قد تمنـاه لأعـدائه

قال ابن خلكان: كان يكنى أولاً بأبي العز، ثم غيرها بأبي المحاسن. قال: وقال في بعض تواليفه: أول من أخذت عنه شيخي صائن الدين القرطبي، لازمت القراءة عليه إحدى عشرة سنة، وقرأت عليه معظم ما رواه من كتب القراءات والحديث وشروحه والتفسير. ومن شيوخي سراج الدين الجياني، قرأت عليه صحيح مسلم كله، والوسيط للواحدي سنة تسع وخمسين بالموصل. ومنهم فخر الدين أبو الرضا ابن الشهرزوري سمعت عليه مسند أبي عوانة ومسند أبي داود، ومسند الشافعي، وجامع الترمذي. إلى أن قال ابن خلكان: أخذت عنه كثيراً، وكتب إليه صاحب إربل في حقي وحق أخي، فتفضل وتلقانا بالقبول والإكرام ولم يكن لأحد معه كلام، ولا يعمل الطواشي طغريل شيئاً إلا بمشورته. وكان للفقهاء به حرمة تامة. إلى أن قال: أثر الهرم فيه، إلى أن صار كالفرخ. وكان يسلك طريق البغاددة في أوضاعهم، ويلبس زيهم، والرؤساء ينزلون عن دوابهم إليه. وقد سار إلى مصر لإحضار بنت السلطان الكامل إلى زوجها الملك العزيز، ثم استقل العزيز بنفسه، فلازم القاضي بيته، وأسمع الحديث إلى أن مات وهو على القضاء. قال: وظهر عليه الخوف، وعاد لا يعرف من كان يعرفه، ويسأله عن اسمه ومن هو، ثم تمرض ومات يوم الأربعاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، وله ثلاث وتسعون سنة.

ابن روزبة

الشيخ المسند المعمر أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة بن عبد الله البغدادي القلانسي العطار الصوفي.
ولد سنة نيف وأربعين.
وسمع صحيح البخاري وجزء ابن العالي من الشيخ أبي الوقت.
وروى الصحيح بحلب وبغداد وحران ورأس عين، وازدحموا عليه، وكان عزمه على دمشق فخوفوه بحلب من حصار دمشق، فرد، فطالبه بعض الدماشقة بما كان أعطاه، فأعطاه البعض وماطل.
وقد أضر بأخرة، وناطح التسعين. وكان حسن الهيئة، مليح الشيبة، حلو الكلام، قوي الهمة برباط الخلاطية.
حدث عنه عز الدين عبد الرزاق الرسعني، وشرف الدين ابن النابلسي، وكمال الدين يحيى ابن الصيرفي، والقاضي شمس الدين ابن العماد، ونصر الله بن حواري، وعز الدين الفاروثي، وجمال الدين الشريشي، وأمين الدين ابن الأشتري، وتاج الدين الغرافي، وأبو الغنائم الكفرابي، والجمال عمر بن العقيمي، ويعقوب بن فضائل الحلبي، وعلي ابن تيمية، والتاج ابن أبي عصرون، وأبو سعيد سنقر القضائي، وآخرون.
وبالإجازة أبو نصر ابن الشيرازي، وسعد الدين بن سعد، والبهاء بن عساكر، والشهاب ابن الشحنة.
قال الحافظ المنذري: جاوز التسعين، وتوفي فجاءة ليلة خامس ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وست مئة.
وفيها مات الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر ابن الشيخ أبي عمر، وزهرة بنت محمد بن حاضر، والمقرئ سليمان بن أحمد بن المغربل الشارعي، والوجيه عبد الخالق بن إسماعيل التنيسي، وعبد الرحمن بن عمر النساج الدمشقي، وأبو الحسن علي بن عبد الصمد ابن الرماح، ومحمد بن محمد ابن أبي المفاخر المأموني، وصاحب المغرب يحيى بن إسحاق بن غانية الصنهاجي الميورقي، ويوسف بن جبريل اللواتي بمصر، وأبو الفتح نصر الله بن عبد الرحمن بن فتيان، وعمر بن يحيى بن شافع المؤذن، وخطيب زملكا عبد الكريم.

ابن دحية

الشيخ العلامة المحدث الرحال المتفنن مجد الدين أبو الخطاب عمر ابن حسن بن علي بن الجميل واسم الجميل محمد بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن أحمد بن بدر بن دحية بن خليفة الكلبي الداني ثم السبتي.
هكذا ساق نسبه، وما أبعده من الصحة والاتصال! وكان يكتب لنفسه: ذو النسبتين بين دحية والحسين.
قال أبو عبد الله الأبار: كان يذكر أنه من ولد دحية رضي الله عنه، وأنه سبط أبي البسام الحسيني. سمع أبا بكر بن الجد، وأبا القاسم بن بشكوال، وأبا عبد الله بن المجاهد، وأبا عبد الله بن زرقون، وأبا القاسم بن حبيش، وأبا محمد بن عبيد الله، وأبا محمد بن بونة. وحدث بتونس بصحيح مسلم عن طائفة، وروى عن آخرين منهم أبو عبد الله بن بشكوال، وقال: سمعت منه كتاب الصلة، وأبو عبد الله بن المناصف، وأبو القاسم بن دحمان، وصالح بن عبد الملك، وأبو إسحاق بن قرقول، وأبو العباس بن سيده، وأبو عبد الله بن عميرة، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو القاسم بن رشد الوراق، وأبو عبد الله القباعي، وأبو بكر بن مغاور.
قال: وكان بصيراً بالحديث معتنياً بتقييده، مكباً على سماعه، حسن الحظ، معروفاً بالضبط، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها. ولي قضاء دانية مرتين، وصرف لسيرة نعتت عليه، فرحل، ولقي بتلمسان أبا الحسن بن أبي حيون، فحمل عنه، وحدث بتونس في سنة 595، ثم حج. وكتب بالمضرق: بأصبهان، ونيسابور عن أصحاب الحداد والفراوي، وعاد إلى مصر فاستأدبه الملك العاجل لابنه الكامل ولي عهده، وأسكنه القاهرة فنال بذلك دنيا عريضة، وكان يسمع ويدرس. وله توالفي، منها كتاب إعلام النص المبين في المفاصلة بين أهل صفين.
قلت: سمع من أبي القاسم البوصيري بمصر، ومن أبي جعفر الصيدلاني بأصبهان، ومن منصور الفراوي بنيسابور؛ سمع بها صحيح مسلم عالياً، بعد أن رواه نازلاً، وحدث بدمشق وسمع بها، وسمع بواسط من أبي الفتح المندائي، سمع منه مسند أحمد.
روى عنه ابن الدبيثي، فقال: كان له معرفة حسنة بالنحو واللغة، وأنسة بالحديث، فقيهاً على مذهب مالك، وكان يقول: إنه حفظ صحيح مسلم جميعه، وإنه قرأه شيخ بالمغرب من حفظه، ويدعي أشياء كثيرة.
ولابن عتين فيه:

دحية لم يعقب فلم تعـتـزي

 

إليه بالـبـهـتـان والإفـك

ما صح عند الناس شيء سوى

 

أنك من كـلـب بـلا شـك

قلت: كان هذا الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة، وفي الحديث على ضعف فيه.
قال ابن مسدي: رأيت بخطه أنه سمع قبل سنة سبعين من جماعة كأبي بكر بن خليل، واللواتي، وابن حنين، قال: وليس ينكر عليه، ثم لم يزل يسمع حتى سمع من أقرانه، وحصل ما لم يحصله غيره.
قال الضياء: لقيته بأصبهان، ولم أسمع منه، ولم يعجبني حاله؛ كان كثير الوقيعة في الأئمة. وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب، وأن مشايخ المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفه.
قال الضياء: وقد رأيت منه غير شيء مما يدل على ذلك.
وقال ابن نقطة: كان موصوفاً بالمعرفة والفضل ولم أره، إلا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها، ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام ثقة، قال: نزل عندنا ابن دحية فكان يقول: أحفظ صحيح مسلم والترمذي قال: فأخذت خمسة أحاديث من الترمذي وخمسة من المسند وخمسة من الموضوعات فجعلتها في جزء، ثم عرضت عليه حديثاً من الترمذي، فقال: ليس بصحيح، وآخر فقال: لا أعرفه، ولم يعرف منها شيئاً! وقال ابن واصل الحموي: كان ابن دحية مع فرط معرفته بالحديث وحفظه الكثير له متهماً بالمجازفة في النقل، وبلغ ذلك الملك الكامل فأمره أن يعلق شيئاً على كتاب الشهاب، فعلق كتاباً تكلم فيه على أحاديثه وأسانيده، فلما وقف الكامل على ذلك خلاه أياماً وقال: ضاع ذاك الكتاب فعلق لي مثله، ففعل، فجاء الثاني فيه منتقضة للأول، فعلم السلطان صحة ما قيل عنه، ونزلت مرتبته عنده، وعزله من دار الحديث التي أنشأها آخراً وولاها أخا أبا عمرو.
قرأت بخط ابن مسدي في معجمه، قال: كان والد ابن دحية تاجراً يعرف بالكلبي - بين الفاء والباء - وهو اسم موضع بدانية، وكان أبو الخطاب أولاً يكتب الكلبي معاً إشارة إلى المكان والنسب، وإنما كان يعرف بابن الجميل تصغير جمل. قال: وكان أبو الخطاب علامة زمانه، وقد ولي أولاً قضاء دانية. قلت: وذكر أن سبب عزل ابن دحية أنه خصى مملوكاً له فغضب الملك، وهرب ابن دحية. ولفظ ابن مسدي، قال: كان له مملوك يسمى ريحان، فجبه واستأصل أنثييه وزيه وأتى بزامر فأمر بثقب شدقه، فغضب عليه المنصور، وجاءه النذير، فاختفى، ثم سار متنكراً.
قلت: وكان ممن يترخص في الإجازة، ويطلق عليها حدثنا. وقد سمع منه أبو عمرو بن الصلاح الموطأ بعيد سنة ست مئة. وأخبره به عن جماعة عنهم: أبو عبد الله بن زرقون بإجازته من أحمد بن محمد الخولاني، أخبرنا أبو عمرو القيشطالي سماعاً، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله. وقال ابن دحية مرة أخرى: حدثني القاضي علي بن الحسين اللواتي، وابن زرقون قالا: حدثنا الخولاني.
وقد قرأت بخط الحافظ علم الدين القاسم أنه قرأ بخط ابن الصلاح: سمعت الموطأ على الحافظ ابن دحية. وحدثنا به بأسانيد كثيرة جداً، وأقربها ما حدثه به الفقيهان أبو الحسن علي بن حنين الكناني، والمحدث أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي، قالا: حدثنا محمد بن فرج بن الطلاع، وأبو بكر خازم بن محمد، قالا: حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث.
قال ابن الذهبي: لم يلق ابن دحية هذين، وبالجهد أن تكون روايته عنهما إجازة، وكان ببلاد العدوة، لم يكونا بالأندلس، فكان القيسي بمراكش، وكان ابن حنين بفاس، ولمتأخري المغاربة مذهب في إطلاق حدثنا على الإجازة، وهذا تدليس.
قال التقي عبيد: أبو الخطاب ذو النسبين صاحب الفنون والرحلة الواسعة، له المصنفات الفائقة والمعاني الرائقة، كان معظماً عند الخاص والعام، سئل عن مولده فقال: سنة ست وأربعين وخمس مئة، وحكي عنه في مولده غير ذلك.
قلت: فقيل: سنة أربع وأربعين وخمس مئة، وقيل: سنة ثمان وأربعين وخمس مئة.
روى عنه بالإجازة شيخانا شرفا الدين أبو الحسين اليونيني، وابن خواجا إمام، وغيرهما.
قرأت بخط الحافظ الضياء: أن ابن دحية توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وست مئة.
قال ابن النجار: قدم علينا وأملى من حفظه، وذكر أنه سمع من ابن الجوزي وسمع بأصبهان معجم الطبراني من الصيدلاني، وسمع بنيسابور وبمرو وواسط، وأنه سمع من جماعة بالأندلس، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه وادعائه ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه وفي حركاته، وكان القلب يأبى سماع كلامه. سكن مصر، وصادف قبولاً من السلطان الكامل، وأقبل عليه إقبالاً عظيماً، وسمعت أنه كان يسوي له المداس حين يقوم. إلى أن قال: ونسبه ليس بصحيح. وكان حافظاً ماهراً تام المعرفة بالنحو واللغة، ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السلف، أحمق، شديد الكبر، خبيث اللسان، متهاوناً في دينه، وكان يخضب بالسواد.
حكى ابن النجار في تاريخه وابن العديم في تاريخ حلب وأبو صادق محمد بن العطار، وابن المستوفي في تاريخه عنه أشياء تسقطه.

الإربلي

الشيخ المسند فخر الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سلمان الإربلي الصوفي.
ولد سنة تسع وخمسين، وقال مرة: في أول سنة ستين وخمس مئة.
حدث عن يحيى بن ثابت، وأبي بكر بن النقور، وشهدة الكاتبة، وعلي بن عساكر المقرئ، والحسن بن علي البطليوسي، وهبة الله بن يحيى الوكيل، وخمرتاش فتى ابن رئيس الرؤساء، وتجني عتيقة ابن وهبان وغيرهم، وله عنهم جزء سمعناه.
حدث عنه أبو حامد ابن الصابوني، والجمال الدينوري الخطيب، والعماد يوسف ابن الشقاري، وأبو الحسين ابن اليونيني، وأبو العباس ابن الظاهري، وأبو الفضل بن عساكر، وعلي بن بقاء الملقن، والعماد بن سعد، وعلي وعمر وأبو بكر بنو ابن عبد الدائم، وعمر بن طرخان، وأبو العباس بن مؤمن، ومحمد بن يوسف الإربلي الذهبي، وعيسى بن أبي محمد المغاري، ومحمد بن أبي الذكر القرشي، وأبو بكر بن عبد الله ابن خطيب الأبار، وعبد المنعم بن عساكر، وخلق كثير ومن بقاياهم عيسى بن عبد الرحمن المطعم، والقاسم بن عساكر، والقاضي تقي الدين سليمان.
قال لي أبو عبد الله بن سامة: لقبه قنور.
وقرأت بخط ابن مسدي: إنه يعرف بالقنور. قال: وكان لا يتحقق مولده، ولهذا امتنعوا من الأخذ عنه بإجازات أقوام موتهم قديم.
قال ابن الصلاح: لا نسمع بهذه الإجازات لأنه يذكر ما يدل على أن مولده بعد تاريخها. وقال شيخنا ابن الظاهري، وهو من أصحابه: توفي بإربل في رمضان أو شوال سنة ثلاث وثلاثين وست مئة.
ووجدت بخط السيف ابن المجد قال: رأيت أصحابنا ومشايخنا يتكلمون فيه بسبب قلة الدين والمروءة، وكن سماعه صحيحاً.

نصر بن عبد الرزاق

ابن شيخ الإسلام عبد القادر بن أبي صالح، الإمام العالم الأوحد قاضي القضاة عماد الدين أبو صالح ولد الحافظ الزاهد أبي بكر، الجيلي ثم البغدادي الأزجي الحنبلي.
ولد في سنة أربع وستين وخمس مئة في ربيع الآخر، فأجاز له وهو ابن شهر أبو الفتح محمد بن البطي، والمبارك بن محمد البادرائي، وطائفة.
وسمع من أبويه، وعلي بن عساكر البطائحي، وخديجة بنت النهرواني، وشهدة الكاتبة، ومسلم بن ثابت، وعبد الحق بن يوسف، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وعيسى بن أحمد الدوشابي، ومحمد بن بدر الشيحي، وفاطمة بنت أبي غالب الماوردي، وأبي شاكر السقلاطوني، وتفقه على والده، وأبي الفتح ابن المني. ودرس، وأفتى، وناظر وساد.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، وأبو المظفر ابن النابلسي، والشمس بن هامل، وأبو العباس الفاروثي، والتاج الغرافي، وأبو بكر محمد بن أحمد الشريشي، ومحمد بن أبي الفرج ابن الدباب، وأبو الحسن ابن بلبان، وأبو المعالي الأبرقوهي، وعدة.
وجمع الأربعين لنفسه، ودرس بمدرسة جده، وبالمدرسة الشاطئة وتكلم في الوعظ، وألف في التصوف، وولي القضاء للظاهر بأمر الله، وأوائل، دولة المستنصر، ثم عزل.
قال الضياء: هو فقيه كريم النفس خير.
وقال ابن النجار: قرأ الخلافات على أبي محمد بن أبي علي النوقاني الشافعي، وبنيت له دكة بجامع القصر للمناظرة، ووعظ، فكان له قبول تام، وأذن له في الدخول على الأمير أبي نصر محمد ابن الناصر في كل جمعة لسماع المسند بإجازته من الناصر والده فأنس به، فلما استخلف لقب بالظاهر فقلد القضاء أبا صالح سنة اثنتين وعشرين، فستر السيرة الحسنة، وسلك الطريقة المستقيمة، وأقام ناموس الشرع، ولم يحاب أحداً، لا مكن من الصياح بين يديه. وكان يمضي إلى الجمعة ماشياً، ويكتب الشهود من دواته في الجلس، فلما استخلف المستنصر أقره أشهراً وعزله. وروى الكثير، وكان ثقة، متحرياً، له في المذهب اليد الطولى، وكان لطيفاً متواضعاً، مزاحاً كيساً، وكان مقداماً رجلاً من الرجال، سمعته يقول: كنت في دار الوزير القمي، وهناك جماعة، إذ دخل رجل ذو هيبة، فقاموا له وخدموه، فقمت وظننته بعض الفقهاء، فقيل: هذا ابن كرم اليهودي عامل دار الضرب، فقلت له: تعال إلى هنا، فجاء، ووقف، فقلت: ويلك، توهمتك فقيهاً فقمت إكراماً لك، ولست - ويلك - عندي بهذه الصفة، ثم كررت ذلك عليه، وهو قائم يقول: الله يحفظك! الله يبقيك! ثم قلت له: اخسأ هناك بعيداً عنا، فذهب.
قال: وحدثني أبو صالح أنه رسم له برزق من الخليفة، وأنه زار يومئذ قبر الإمام أحمد، فقيل لي: دفع رسمك إلى ابن توما النصراني، فامض إليه فخذه، فقلت: والله لا أمضي ولا أطلبه. فبقي ذلك الذهب عنده إلى أن قتل إلى لعنة الله في السنة الأخرى، وأخذ الذهب من داره، فنفذ إلي.
توفي أبو صالح في سادس عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وست مئة، ودفن عند أحمد بن حنبل، فقيل: إنه دفن معه في قبره، فعل ذلك الرعاع، فقبض على من فعل ذلك وعوقب وحبس، ثم نبش أبو صالح ليلاً بعد أيام ودفن رحمه الله وحده.
وقد روى عنه بالإجازة الفخر بن عساكر، وإبراهيم بن حاتم، وفاطمة بنت سليمان، والقاضي الحنبلي، وسعد الدين، وعيسى المطعم، وأبو بكر بن عبد الدائم، وأبو العباس ابن الشحنة، وأبو نصر ابن الشيرازي، وآخرون.
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق بقراءتي: أخبركم نصر بن عبد الرزاق، أخبرتنا فاطمة بنت علي الوقاياتي سنة تسع وستين وخمس مئة، قالت: أخبرنا أحمد بن المظفر التمار، أخبرنا أبو القاسم الحرفي، أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان، حدثنا محمد بن عيسى بن حيان، حدثنا شعيب بن حرب، حدثنا شعبة، حدثنا محل الضبي، سمعت عدي بن حاتم يحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا النار بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة ".
ابن ياسين الشيخ المسند الأمين الحجاج أبو منصور سعيد بن محمد بن ياسين بن عبد الملك بن مفرج البغدادي البزاز السفار. سمع من أبي الفتح ابن البطي، وجعفر بن عبد الله ابن الدامغاني وأخته تركناز.
حدث عنه الشيخ عز الدين الفاروثي، وأبو القاسم بن بلبان.
وبالإجازة القاضيان ابن الخوبي والحنبلي، والفخر ابن عساكر، والقاسم ابن عساكر، وأبو نصر محمد بن محمد ابن الشيرازي.
قال ابن أنجب في تاريخه: حج تسعاً وأربعين حجة.
قلت: أسقطت شهادته لسوء طريقته وظلمه.
توفي في خامس صفر سنة أربع وثلاثين وست مئة.
الشيخ الإمام المفتي الأوحد الواعظ الكبير ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم ابن الإمام شرف الإسلام أبي البركات عبد الوهاب ابن الشيخ الكبير أبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الأنصاري السعدي العبادي، الشيرازي الأصل الشامي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي.
ولد سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
وتفقه وبرع في الوعظ، وارتحل وسمع من شهدة الكاتبة وتجني الوهبانية، وأبي شاكر يحيى السقلاطوني، وعبد الحق اليوسفي، ومسلم ابن ثابت ونعمة بنت القاضي أبي خازم ابن الفراء، وطائفة ببغداد، ومن أبي موسى المديني، وأبي العباس الترك بأصبهان، ومن عبد الغني بن أبي العلاء بهمذان.
حدث عنه ابن الدبيثي، والضياء والبرزالي والمنذري وأبو حامد الصابوني، والشمس بن حازم، والعز ابن العماد، والتقي بن مؤمن، ونصر الله بن عياش، وعلي بن بقاء، ومحمد بن بطيخ، وأحمد بن إبراهيم الدباغ، والشهاب بن مُشَرَّف، ومحمد بن علي بن الواسطي، وأبو بكر بن عبد الدائم.
وروى عنه بالإجازة القاضيان ابن الخويي وابن حمزة، والبهاء بن عساكر.
ودرس وأفتى وصنف، وكان رئيس الحنابلة في وقته بدمشق، وكان له قبول زائد. حدث ووعظ بمصر وبدمشق. له خطب ومقامات، وكتاب تاريخ الوعاظ. وكان حلو الإيراد، صارماً مهيباً، شهماً، كبير القدر.
توفي في ثالث المحرم سنة أربع وثلاثين وست مئة، وله ثمانون سنة.
قرأت على محمد بن علي: أخبرنا عبد الرحمن بن نجم، أخبرنا الحافظ أبو موسى، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدث أبو إسحاق بن حمزة، حدثنا عبد الله. ح. قال أبو نعيم: وحدثنا الحسين بن محمد بن رزين الخياط، حدثا الباغندي، قالا: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن صابر، حدثنا عطية بن قيس، حدثنا عبد الرحمن بن غنم، قال: أخبرني أبو عامر و أبو مالك الأشعري _ والله ما كذبني _ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف، ولنزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحةٍ فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون له: ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله تعالى، ويضع العلم عليهم، ويمسخ آخرون قردة وخنازير" أخرجه البخاري تعليقاً لهشام، ورواه ابن الدبيثي في تاريخه عن الناصح.

?الشيخ الفقيه أبو العباس أحمد بن نجم، توفي سنة ست وعشرين وست مئة في ذي القعدة، وله سبع وسبعون سنة، سمع من أبي تميم سلمان الرحبي، والكمال ابن الشهرزوري والحيص بيص.

حدث عنه الصفي خليل المراغي في مشيخته.

القطيعي

الشيخ العالم المحدث المفيد المؤرخ المعمر مسند العراق شيخ المستنصرية أول ما فتحت أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن حسين البغدادي ابن القطيعي.
ولد في رجب سنة ست وأربعين وخمس مئة.
سمعه والده الفقيه أبو العباس القطيعي من أبي بكر ابن الزاغوني، ونصر بن نصر العكبري، وأبي جعفر أحمد بن محمد العباس، وأبي الوقت السجزي، فروى عنه الصحيح، وأبي الحسن بن الخل الفقيه، وسلمان الشحام، وطائفة.
ثم طلب هو بنفسه، وارتحل فسمع بالموصل من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيبها أبي الفضل الطوسي، وبدمشق من عبد الله بن عبد الواحد الكناني، وأبي المعالي بن صابر، ومحمد بن حمزة القرشي. وقد لزم الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي، وقرأ عليه كثيراً، وأخذ عنه الوعظ، وجمع ذيل التاريخ لبغداد، وما تممه، وخدم في بعض الجهات، وناب عن الصاحب محيي الدين ابن الجوزي في الحسبة، وفتر عن الحديث، بل تركه، ثم طال عمره، وعلا سنده، واشتهر ذكره، فأعطي مشيخة المستنصرية. وكان يخضب بالسواد، ثم تركه وكان آخر من حدث ببلده بالصحيح، كاملاً عن أبي الوقت وتفرد بعدة أجزاء.
قال ابن نقطة: هو شيخ صالح السماع، صنف لبغداد تاريخاً إلا أنه ما أظهره. قلت: وكان له أصول يروي منها، وكان يتعاسر في الرواية.
حدث عنه ابن الدبيثي، وابن النجار، والسيف ابن المجد، والجمال الشريشي، والعز الفاروثي، والعلاء بن بلبان، وأحمد بن محمد ابن الكسار، والفقيه سعيد بن أحمد الطيبي، والمجد عبد العزيز ابن الخليلي، والشهاب الأبرقوهي، والتاج الغرافي، وآخرون. وبالإجازة القاضيان الخوبي والحنبلي، والفخر بن عساكر وابن عمه البهاء، وسعد الدين ابن سعد، وعيسى المطعم، وأحمد بن أبي طالب، وأبو نصر ابن الشيرازي.
قال ابن النجار: جمع تاريخاً ولم يكن محققاً فيما ينقله ويقوله، عفا الله عنه. وتفرد بالرواية عن جماعة، أذهب عمره في التاريخ الذي عمله، طالعته فرأيت فيه كثيراً من الغلط والتصحيف، فأوقفته على وجه الصواب فيه فلم يفهم، وقد نقلت عنه، منه أشياء لا يطمئن قلبي إليها، والعهدة عليه. وسمعت عبد العزيز بن دلف يقول: سمعت الوزير أبا المظفر بن يونس يقول لأبي الحسن ابن القطيعي: ويلك عمرك تقرأ الحديث ولا تحسن تقرأ حديثاً واحداً صحيحاً.
قال ابن النجار: وكان لحنةً، قيل المعرفة بأسماء الرجال، أسن وعزل عن الشهادة، والزم منزلة.
توفي في رابع أو خامس ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وست مئة.
وفيها مات الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدين يوسف، والشيخ إسحاق بن أحمد العلثي الزاهد، والمحدث وجيه الدين بركات بن ظافر بن عساكر المصري، والموفق حمد بن أحمد بن صديق الحراني الحنبلي، وأبو طاهر خليل بن أحمد الجوسقي، وسعيد بن محمد بن ياسين، والحافظ أبو الربيع الكلاعي، والضحاك بن أبي بكر القطيعي، والناصح ابن الحنبلي، وأبو البركات عبد العزيز بن محمد بن القبيطي، والناصح عبد القادر بن عبد القاهر الحراني الحنبلي، والشرف عبد القادر بن محمد البغدادي ثم المصري، وعبد الواحد بن نزار ابن الجمال، وأبو عمرو عثمان بن حسن بن دحية اللغوي السبتي، وعلي بن محمد بن كبة، والكمال علي بن أبي الفتح الكناري الطبيب بحلب، وصاحب الروم كيقباد بن كيخسرو، والصاحب محمد بن علي بن مهاجر بدمشق، وصاحب حلب الملك العزيز محمد ابن الظاهر، وخطيب شقر أبو بكر محمد بن محمد ابن وضاح المقرئ، والمحتسب فخر الدين محمود بن سيما، ومرتضى ابن العفيف، وأبو بكر هبة الله بن كمال، وياسمين بنت البيطار.

مرتضى

ابن العفيف أبي الجود حاتم بن المسلم بن أبي العرب، الشيخ الإمام المقرئ المحدث أبو الحسن الحارثي المصري الحوفي.
مولده بالحوف سنة تسع وأربعين وخمس مئة تقريباً.
وقرأ بالسبع على ...، وسمع من أبي طاهر السلفي، والقاضي محمد بن عبد الرحمن الحضرمي، وإسماعيل بن قاسم الزيات، وعبد الله بن بري، وسلامة بن عبد الباقي، وطائفة.
حدث عنه ابن النجار، وأبو محمد المنذري، وحفيده حاتم بن حسين ابن مرتضى، وأحمد بن عبد الكريم المنذرين والتاج الغرافي، وأبو المعالي الأبرقوهي، وعدة. وبالإجازة غير واحد.
وآخر من روى عنه حضوراً الجمال محمد بن مكرم الكاتب.
قال المنذري: كان على طريقة حسنة، كثير التلاوة ليلاً ونهاراً، وأبوه أحد المنقطعين المشهورين بالصلاح.
قلت: حدث مرتضى بدمشق، وكان عنده فقه ومعرفة ونباهة. كتب بخطه الكثير.
وقال التقي عبيد: كان فقيراً صبوراً له قبولٌ، يختم في الشهر ثلاثين ختمة. وله في رمضان ستون ختمة رحمه الله.
توفي بالشارع في التاسع والعشرين من شوال سنة أربع وثلاثين وست مئة، وكان شافعياً.
قلت: ما ذكر المنذري على من تلا بالسبع.

ابن كمال

الشيخ الصالح الخاشع أبو بكر هبة الله بن عمر بن حسن الحربي البغدادي القطان الحلاج المعروف بابن كمال.
حدث عن هبة الله بن أحمد الشبلي، وكمال بنت الحافظ عبد الله ابن السمرقندي، وأبي المعالي بن اللحاس. وتفرد في وقته، وكان من الأخيار.
أخذ عنه ابن المجد، والكمال ابن الدخميسي، وأبو القاسم بن بلبان، وطائفة.
وبالإجازة الأبرقوهي، والفخر ابن عساكر وابن عمه البهاء، والمطعم، وابن سعد، وابن الشيرازي، وابن الشحنة، وعدة.
مات في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وست مئة، وهو في عشر التسعين.

ياسمين

الشيخة المعمرة المباركة أم عبد الله ياسمين بنت سالم بن علي بن سلامة ابن البيطار الحريمية أخت المسند ظفر الدين الذي روى لنا عنه الأبرقوهي. روت جزءاً عن أبي المظفر هبة الله ابن الشبلي، تفردت به.
حدث عنها تقي الدين ابن الواسطي، وابن الزين، وجمال الدين أبو بكر الشريشي، وابن بلبان، وجماعة.
وبالإجازة: القاضي وابن سعد، والمطعم، وأبو بكر بن عبد الدائم، والبهاء ابن عساكر، وابن الشحنة وآخرون.
توفيت يوم عاشوراء سنة أربع وثلاثين وست مئة في عشر التسعين.

الأنجب

ابن أبي السعادات بن محمد بن عبد الرحمن، الشيخ المعمر المسند الصدوق المكثر أبو محمد البغدادي الحمامي، ويسمى أيضاً محمداً.
ولد في المحرم سنة أربع وخمسين وخمس مئة.
وسمع من أبي الفتح بن البطي شيئاً كثيراً، ومن أبي المعالي بن اللحاس، وأبي زرعة المقدسي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وسعد الله ابن الدجاجي. وأجاز له من أصبهان مسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي.
حدث عنه ابن النجار، وعز الدين الفاروثي، وكمال الدين الشريشي، وجمال الدين محمد ابن الدباب، وتقي الدين ابن الواسطي، وعلاء الدين ابن بلبان، وعبد الرحمن ابن الزين، ومحمد بن مكي، وأبو المعالي الأبرقوهي، وأبو سعيد سنقر القضائي، وعبد الله بن أبي السعادات، والمجاور أحمد بن أبي طالب بن أبي بكر بن محمد الحمامي، وعدة.
وبالإجازة القاضي الحنبلي، والفخر بن عساكر، وابن سعد، والمطعم، وأبو العباس ابن الشحنة، وأبو نصر ابن الشيرازي وجماعة.
ومن مسموعاته حلية الأولياء كله على ابن البطي، والمنتقى من سبعة أجزاء المخلص سمعه من ابن اللحاس، وسنن ابن ماجة على أبي زرعة، ومسند الحميدي: أخبرنا ابن الدجاجي. وكان شيخاً حسناً محباً للرواية طيب الأخلاق.
قال ابن نقطة: كان سماعه صحيحاً.
قال المنذري: توفي بالمارستان العضدي في تاسع عشر ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين وست مئة.
قال ابن النجار: كان في جوار شيخنا ابن مشق فأسمعه الكثير، وكان شيخاً لا بأس به، حسن الأخلاق، صوراً، عزيز النفس مع فقره.

ابن اللتي

الشيخ الصالح المسند المعمر رحلة الوقت أبو المنجي عبد الله بن عمر ابن علي بن زيد ابن اللتي البغدادي الحريمي الطاهري القزاز.
ولد بشارع دار الرقيق في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وخمس مئة، فسمعه عمه من أبي القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء حضوراً في سنة تسع وأربعين. وسمع من أبي الوقت السجزي كثيراً كالدارمي ومنتخب مسند عبد وأشياء، ومن أبي الفتوح الطائي، وأبي المعالي ابن اللحاس، وأبي الفتح ابن البطي، وعمر بن عبد الله الحربي، والحسن بن جعفر المتوكلي، وأحمد بن المقرب، ومقبل ابن الصدر، وعمر بن بنيمان، ومسعود بن شنيف، وجماعة.
وأجاز له المفتي أبو عبد الله الرستمي، ومسعود الثقفي، ومحمود فورجه، وإسماعيل بن شهريار، وعلي بن أحمد اللباد، وأبو جعفر محمد ابن الحسن الصيدلاني، وعدة.
وروى الكثير ببغداد، وبحلب، ودمشق، والكرك. واشتهر اسمه وبعد صيته.
وروى عنه خلائق منهم: ابن النجار، وابن الدبيثي، والضياء، وابن النابلسي، وابن هامل، وابن الصابوني، والشهاب ابن الخرزي، وابن الظاهري، وأبو الحسين اليونيني، والمجد بن المهتار، وبهاء الدين ابن النحاس، وأبو حامد الكبر، وعيسى المطعم، وعلي بن هارون، والفخر ابن عساكر، ومحمد بن قايماز، ومحمد بن يوسف الإربلي، وإبراهيم ابن الحبوبي، وعمر بن إبراهيم العقربائي، وإسماعيل بن مكتوم، وعبد الأحد بن تيمية، والقاضي تقي الدين، وهدية بنت عسكر، والقاسم بن عساكر، وزينب بنت شكر، وأحمد بن أبي طالب الديرمقرني، وأحمد بن عازر، وخلق سواهم.
سمعت من نحو ثمانين نفساً من أصحابه، وكان شيخاً صالحاً، مباركاً، عامياً عرياً من العلم! قال ابن النجار: به ختم حديث القاسم البغوي بعلو، وكان سماعه صحيحاً.
قتل: أقدمه معه المحدث أبو العباس أحمد ابن الجوهري، وأكثر عنه شيخنا أبو علي ابن الحلال بقرية جديا، وحدث بالبلد، وبالجامع المظفري، وبالكرك، وأماكن، وسكن الكرك أشهراً، وحدث بحلب في ذي الحجة سنة أربع، وسار إلى بغداد بعد أقامته بالشام سنة وشهراً، وحصل جملة من الهبات.
قال ابن نقطة: سماعه صحيح، وله أخ زور لأخيه عبد الله إجازات من ابن ناصر وغيه، وإلى الآن ما علمته روى بها شيئاً وهي إجازة باطلة، وأما الشيخ فشيخ صالح لا يدري هذا الشأن ألبتة. قلت: توفي ببغداد في رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وست مئة، وما روى من المزور له شيئاً.

الملك المحسن

المحدث العالم الزاهد ظهير الدين أحمد ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب.
روى عن يحيى الثقفي، وابن صدقة، وكتب الكثير، وقرأ وأحسن إلى طلبة الحديث كثيراً.
حدثنا عنه سنقر القضائي، وقيل: لقبه يمين الدين.
مات في المحرم سنة أربع وثلاثين وست مئة، وله سبع وخمسون سنة.
ومات أخوه الزاهر داود سنة اثنتين وثلاثين.
ومات أخوهما المفضل قطب الدين موسى سنة إحدى وثلاثين وست مئة.

ابن اطراد

الشريف الجليل المعمر أبو طالب عبد الله بن المظفر ابن الوزير الكبير أبي القاسم علي ابن النقيب أبي الفوارس طراد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي.
ولد في شعبان سنة تسع وخمسين وخمس مئة.
وسمع من أبي الفتح بن البطي في الخامسة، ومن يحيى بن ثابت، ومحمد بن محمد بن السكن، وشهدة الكاتبة، وأبي بكر بن النقور.
حدث عنه أبو القاسم بن بلبان، وجمال الدين الشريشي، وعز الدين الفاروثي، وطائفة.
وبالإجازة: القاضي الحنبلي، والفخر بن عساكر، وسعد الدين، وعيسى المطعم، وابن الشيرازي، وأبو العباس ابن الشحنة، وآخرون.
توفي في سادس عشر رمضان سنة خمس وثلاثين وست مئة.

ابن سكينة

الشيخ الجليل المهيب شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الفضل عبد الرزاق بن أبي أحمد عبد الوهاب ابن الأمين علي بن علي بن سكينة البغدادي الصوفي.
ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين.
وسمع من أبي الفتح ابن البطي حضوراً، ومن شهدة الكاتبة، ومن جده لأمه عبد الرحيم بن أبي سعد.
حدث بدمشق وبعداد، روى عنه البرزالي، وسعد الخير ابن النابلسي، وابن بلبان، وأبو الفضل بن عساكر. وبالإجازة: أبو نصر ابن الشيرازي.
ونفذ رسولاً.
مات سنة خمس وثلاثين وست مئة.

ابن رئيس الرؤساء

الشيخ المسند الصدر أبو محمد الحسين بن علي بن الحسين بن هبة الله ابن رئيس الرؤساء ابن المسلمة الصوفي الناسخ.
سمع أبا الفتح ابن البطي، وأحمد بن المقرب.
قال ابن النجار: كتبت عنه، وكان حسن الطريقة، متديناً، يورق للناس. مات في رجب سنة خمس وثلاثين وست مئة.
قلت: مولده في شعبان سنة إحدى وخمسين وخمس مئة.
حدث عنه الشيخ عز الدين الفاروثي، وأبو القاسم علي بن بلبان. وبالإجازة: فاطمة بنت سليمان، وأبو نصر ابن الشيرازي وطائفة.
مات في ثالث رجب.

محمد بن يوسف بن هود

الأندلسي السلطان أبو عبد الله. قرأت بخط أبي الوليد بن الحاج، قال: لما قضى الله تعالى بهلاك الموحدين بالأندلس، وذلك أنهم ابتلوا بالصلاح في الظاهر، والأعمال الفاسدة في الباطن، فأبغضهم الناس بغضاً شديداً، وتربصوا بهم الدوائر، إلى أن نجم ابن هود في سنة خمس وعشرين وست مئة بشرق الأندلس فقام الناس كلهم بدعوته، وتعصبوا معه، وقاتلوا الموحدين في البلدان، وحصروهم في القلاع، وقهروهم، وقتلوا فيهم، ونصر على الموحدين، وخلصت الأندلس كلها له، وفرح الناس به فرحاً عظيماً، فلما تمهد أمره أنشأ غزوة للفرنج على مدينة ماردة بغرب الأندلس، واستدعي الناس من الأقطار، فانتدب الخلق له بجد واجتهاد وخلوص نية المرتزقة والمطوعة، واجتمع عليه أهل الأندلس كلهم، ولم يبق إلا من حبسه العذر، فدخل بهم إلى الإفرنج، فلما تراءى الجمعان وقت الهزيمة على المسلمين أقبح هزيمة فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكانت تلك الأرض مديسة بماء وعزق تسمرت فيها الخيل إلى آباطها، وهلك الخلق، وأتبعهم الفرنج بالقتل والأسر ولم يبق إلا القليل، ورجع ابن هود في أسوأ حال إلى إشبيلية، فنعوذ به من سوء المنقلب، فلم تبق بقعة من الأندلس إلا وفيها البكاء والصياح العظيم والحزن الطويل، فكانت إحدى هلكات الأندلس، فمقت الناس ابن هود، وصاروا يسمونه المحروم، ولم يقدر أن يفعل مع الفرنج كبير فعل قط إلا مرة أخذ لهم غنماً كثيرة جداً، ثم قام عليه شعيب بن هلالة بلبلة، فصالح ابن هود الأدفوش على محاصرة لبلة ومعاونته على أن يعطيه قرطبة، واتفقا على ذلك، وقال له: لا يسوغ أن يدخلها الفرنج على البديهة، وإنما تهمل أمرها، وتخليها من حرس، ووجه أنت الفرنج يتعلقون بأسوارها بالليل ويغدرون بها، ففعلوا كذلك. ووجه ابن هود إلى واليه بقرطبة فأعلمه بذلك، وأمره بضياعها من حيز الشرقية فجاء الفرنج فوجدوه خالياً، فجعلوا السلام واستووا على السور فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وكانت قرطبة مدينتين: إحداهما الشرقية والأخرى المدينة العظمى، فقامت الصيحة والناس في صلاة الفجر، فركب الجند وقالوا للوالي: اخرج بنا للملتقى، فقال: اصبروا حتى يضحي النهار، فلما أضحى ركب وخرج معهم، فلماً أشرف على الفرنج قال: ارجعوا حتى ألبس سلاحي! فرجع بهم وهم يصدقونه، وذا أمر قد دبر بليل، فدخل الفرنج على أثرهم، وانتشروا، وهرب الناس إلى البلد، وقتل خلق من الشيوخ والولدان والنسوان، ونهب للناس ما لا يحصى، وانحصرت المدينة العظمى بالخلق فحاصرهم الفرنج شهوراً، وقاتلوهم أشد القتال، وعدم أهلها الأقوات، ومات خلق كثير جوعاً، ثم اتفق رأيهم مع أدفونش _ لعنه الله _ على أن يسلموها ويخرجوا بأمتعتهم كلها، ففعل، ووفى لهم ووصلهم إلى مأمنهم في سنة أربع وثلاثين وست مئة.
قلت: ولم يمتع بعدها ابن هود بل أخذه الله في سنة خمس فكانت دولته تسعة أعوام وتسعة أشهر وتسعة أيام، وهلك بالمرية جهز عليه من غمه وهو نائم، وحمل إلى مرسية فدفن هناك، ولم يمت حتى قوي أمر الموحدين وقام بعده محمد بن يوسف بن نصر ابن الأحمر، ودام الملك في ذريته.
وقدم علينا دمشق ابن أخيه الزاهد الكبير بدر الدين بن هود، ورأيته، وكان فلسفي التصوف يشرب الخمر أخذه الأعوان مخموراً!