صفية

بنت العدل عبد الوهاب بن علي بن الخضر، المعمر الجليلة أم حمزة الأسدية، الزبيرية الدمشقية، ثم الحموية، أخت الشيخة كريمة.
تهاون أبوها ولم يسمعها شيئاً، ولكن عمها الحافظ عمر بن علي استجاز لها، فروت عن مسعود الثقفي، وأبي عبد الله الرستمي، والقاسم ابن الفضل الصيدلاني، ورجاء بن حامد، وعلي بن عبد الرحمن ابن تاج القراء، وعدة، وطال عمرها، واحتيج إليها، وروت أشياء.
حدث عنها مجد الدين ابن الحلوانية، والدمياطي، وتقي الدين ابن مزيز، والأمين محمد بن النحاس، وأبو بكر الدشتي، وأبو العباس ابن الظاهري، وطائفة، وبالحضور حفيدها عبد الله بن عبد الوهاب الشاهد، والتاج أحمد بن مزيز، وقد سمع التقي ابن الأنماطي منها قديماً.
قال الدمياطي: حضرت جنازتها بحماة في خامس رجب سنة ست وأربعين وست مئة.
قلت: قاربت تسعين سنة.
وفيها مات الصالح أحمد بن سلامة النجار محدث حران، وأبو النعمان بشير بن حامد بن سليمان الهاشمي التبريزي بمكة، وشيخ الأطباء ضياء الدين عبد الله بن أحمد بن البيطار المالقي العشاب، وأبو القاسم بن رواحة الأنصاري شيخ الحديث، وأبو عمرو بن الحاجب شيخ العربية والأصول، وأبو الحسن بن الدباج النحوي شيخ القراء وصاحب الغرب السعيد علي ابن المأمون القيسي، ووزير حلب الأكرم علي بن يوسف القفطي، وأبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت بالإسكندرية، وأبو علي منصور بن سند ابن الدماغ، وشيخ المتكلمين الأفضل محمد بن ناماور الخونجي الشافعي الحكيم بمصر.

سليمان بن داود

ابن آخر الفاطمية العاضد بالله عبد الله ابن الأمير يوسف بن الحافظ العبيدي. كانت الدعوة بين الإسماعيلية له، وكان معتقلاً بقلعة الجبل، ولهم فيه مع فرط جهله وغباوته اعتقاد زائد، ولما هلك العاضد خلف صبياً حبسه السلطان صلاح الدين، ثم كبر وتحيلوا فأدخلوا إليه سرية بهيئة غلام فأحبلها، وأخرجت فولدته بالصعيد، أعني: سليمان بن داود، وأخفي ولقب الحامد لله، فوقع به الملك الكامل فاعتقله حتى مات في الحبس بلا عقب، وتقول الجهلة: له ولد مخفي.
مات سليمان في شوال سنة خمس وأربعين وست مئة، وبقي بعده شيخ من بين عمه اسمه قاسم، وهو محبوس، ونسبهم مطعون فيه، وأما داود فمات في أيام العادل.

ابن أبي السعادات العلامة المفتي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن أبي السعادات محمد البغدادي الدباس المقرئ الحنبلي.

مقرئ، مجود، وفقيه محقق.
ولد في حدود سنة سبعين وخمس مئة.
وسمع من أبي الفتح بن شاتيل، ونصر الله القزاز، وعدة.
وطلب بنفسه، فقرأ على أصحاب ابن الحصين، وقاضي المرستان، وتفقه على أبي الفتح بن المني، وعلي النوقاني الشافعي.
وبرع في الجدل، والخلاف، وناظر، ونظر في وقف المارستان، وأعاد بالمستنصرية. وكان ذا دين وتعبد وزهد متصدياً للإفادة، لم تعرف له صبوة، وكان حسن النوادر، فصيحاً معرباً، منقطعاً عن الرؤساء.
حدث عنه ابن النجار وأثنى عليه وعظمه.
قرأت وفاته بخط الشيخ كمال الدين ابن الفوطي: في ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شعبان سنة ثمان وأربعين وست مئة ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين أو بلغها.

الريغي

قاضي الإسكندرية وخطيبها العلامة الصالح المفتي جمال الدين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن سعيد بن قايد _ بقاف _ الهلالي المغربي المالكي.
ولد سنة تسع وأربعين تقريباً بالريغ، وهي ناحية جنوبية من المغرب، وقدم مصر شاباً فتفقه، وأجاز له السلفي، وسمع من ابن بري، وابن عوف، وأبي محمد الشاطبي، سمع منه الموطأ. وقيل: الريغ من عمل قسطيلية من بلاد الجريد. وله مصنف جليل في علم اللغة، وكان يكتب طريقة المغاربة وطريقة المشارقة.
روى عنه المنذري، وابن العمادية، والدمياطي، وآخرون.
تفقه بأبي القاسم بن جارة، وبعلي الطوسي، وابن أبي المنصور، وكان تقياً ورعاً عادلاً لا تأخذه في الله لومة لائم، كان الكامل يفتخر به ويعتقد بركته. ولي الخطابة والقضاء من غير طلب، ثم بعد دهر عزل نفسه من الخطابة، ثم ترك القضاء وقال: دعوني أخدم ربي، وقيل: إنه أطبق الدواة وقال: اللهم إن كنت تعلم أني داجيت في حكم فأحرقني به في جهنم، وإن كنت تعلم أنه عمل علي في حكم فأنت أولى من عذر.
وبقي في القضاء أزيد من أربعين سنة.
وتوفي في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة خمس وأربعين وست مئة بعد تركه القضاء بسنة.

ابن مطروح

الإمام الكبير صاحب النظم الفائق، جمال الدين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن الحسين بن مطروح الصعيدي.
خدم مع الملك الصالح نجم الدين بآمد وحران وحصن كيفا، فلما تسلطن بمصر ولاه نظر الخزانة، ثم وزر له بدمشق، ثم عزله وتغير عليه. وله ديوان مشهور.
توفي في شعبان سنة تسع وأربعين وست مئة، وقد قارب الستين.

الموفق

قاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد بن أبي الحديد المدائني، ثم البغدادي، الأصولي، الأديب، صاحب الإنشاء، ويدعى أحمد.
أجاز له عبد الله بن أبي المجد.
أخذ عنه الدمياطي شعراً.
مات في وسط سنة ست وخمسين، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد، ثم مات بعده بقليل في العام، وكان من كبار الفضلاء وأرباب الكلام والنظم والنثر والبلاغة، والمرفق أحسنهما عقيدة، فإن العز معتزلي، أجارنا الله!

الشاري

الإمام الحافظ المقرئ المحدث الأنبل الأمجد شيخ المغرب الحسن علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن يحيى الغافقي الشاري ثم السبتي.
وشارة: بليدة من عمل مرسية وهي محتده، وسبتة مولده. قال تلميذه أبو جعفر ابن الزبير: ولد في خامس رمضان سنة إحدى وسبعين وخمس مئة، وأخذ عن أبي محمد بن عبيد الله الحجري ولازمه، فتلا عليه ختمة بالسبع، وأخذ القراءات أيضاً عن أبي بكر يحيى بن محمد الهوزني في ختمات، والمقرئ محمد بن حسن بن الكماد، إلا أنه اعتمد على ابن عبيد الله لعلو سنده، وقرأ عليه الموطأ وسمع عليه الكتب الخمسة سوى يسير من آخر كتاب مسلم، وسمع منه أيضاً مسند أبي بكر البزار الكبير والسير تهذيب ابن هشام. وحمل عن أبي عبد الله بن غازي السبتي، وأبي ذر الخشني، وأيوب بن عبد الله الفهري، وعدة، وقرأ على أبيه أشياء، وتلا عليه بالسبع، ولازم بفاس الأصولي أبا عبد الله محمد ابن علي الفندلاوي الكتاني، وتفقه عنده في علم الكلام وفي أصول الفقه وعلى جماعة بفاس، وسمع بها من عبد الرحيم بن الملجوم، ولازم في العربية ابن خروف، وأبا عمرو مرجى المرجيقي، وأبا الحسن بن عاشر الخزاعي، وأجاز له أبو القاسم بن حبيش، وأبو زيد السهيلي، وأبو عبد الله ابن الفخار، ونجبة بن يحيى، وعدة. وكان آخر من حدث عن ابن عبيد الله، وآخر من أسند عنه السبع تلاوة بالأندلس وبالعدوة.
إلى أن قال: وكان ثقة، متحرياً، ضابطاً عارفاً بالأسانيد، والرجال والطرق، بقية صالحة وذخيرة نافعة، رحلت إليه فقرأت عليه كثيراً، وتلوت عليه، وكان منافراً لأهل البدع والأهواء، معروفاً بذلك، حسن النية، من أهل المروءة والفضل التام والدين القويم، منصفاً، متواضعاً، حسن الظن بالمسلمين، محباً في الحديث وأهله، كان يجلس لنا بمالقة نهاره كله إلا القليل، وكنت أتلو عليه في الليل لاستغراق نهار، وكان شديد التيقظ مع شاخته وهرمه، ما امتنع قط عمن قصده ولا اعتذر إلا من ضرورة بينة، وكان قد تحصل عند من الأعلاق النفيسة وأمهات الدواوين ما لم يكن عند أحد من أبناء عصره وبين مدرسة بسبتة، ووقف عليها الكتب، وشرع في تكميل ذلك على السنن الجاري بالمدارس التي ببلاد المشرق، فعاق عن ذلك قواطع الفتن الموجبة لإخراجه عن سبتة وتغريبه، فدخل الأندلس في سنة إحدى وأربعين وست مئة فنزل المرية فبقي إلى سنة ثمان وأربعين، وأخذ عنه بها عالم كثير، وأقرأ بها القرآن، ثم قدم مالقة في صفر سنة ثمان. وحدث بغرناطة، وأخذ عنه بمالقة جلة، كأبي عبد الله الطنجالي، والأستاذ حميد القرطبي، وأبي الزهر بن ربيع.
وكذلك عظمه وفخمه أبو عبد الله الآبار، وقال: شارك في عدة فنون، مع الشرف والحشمة والمروءة الظاهرة، واقتنى من الكتب شيئاً كثيراً، وحصل الأصول العتيقة، وروى الكثير، وكان ومحدث تلك الناحية.
حكى لي أبو القاسم بن عمران الحضرمي عن سبب إخراج الشاري من سبتة أن ابن خلاص وكبراء أهل سبتة عزموا على تمليك سبتة لصاحب إفريقية يحيى بن عبد الواحد، فقال لهم الشاري: يا قوم خير إفريقية بعيد عنا وشرها بعيد، والرأي مداراة ملك مراكش. فما هان على ابن خلاص وكان فيهم مطاعاً فهياً مركباً وأنزل فيه أبا الحسن الشاري وغربه إلى مالقة، وبقي بسبتة أهله وماله، وله بسبتة مدرسة مليحة كبيرة. قال ابن الزبير: توفي أبو الحسن رحمه الله بمالقة في التاسع والعشرين من رمضان سنة تسع وأربعين وست مئة.
ومن مسموع ابن الزبير كتاب السنن الكبير للنسائي من أبي الحسن الشاري بسماعه لجميعه من ابن عبيد الله، حدثنا أبو جعفر البطروجي، أخبرنا ابن الطلاع، أخبرنا ابن مغيث، أخبرنا محمد بن معاوية ابن الأحمر عن النسائي.
قال ابن رشيد: أحيا الشاري بسبتة العلم حياً وميتاً، وحصل الكتب بأغلى الأثمان، وكان له عظمة في النفوس رحمه الله.
قال ابن رشيد: حدث عنه شيخنا أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم بالبخاري سماعاً عن رجاله منهم: ابن عبيد الله سماعاً سنة تسعين عن شريح قال: ورواه شيخنا أبو فارس عن أبي نصر الشيرازي إجازة عن أبي الوقت.

السبط

الشيخ المسند المعمر أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحاسب مكي بن عبد الرحمن بن أبي سعيد بن عتيق جمال الدين الطرابلسي ثم الإسكندراني سبط الحافظ أبي طاهر.
سمع من جده كثيراً وحضر عليه في الرابعة كثيراً، وما رأيته حضر شيئاً قبلها.
مولده سنة سبعين. وسمع جزءاً من ابن موقا، ومن بدر الحذاداذي، وعبد المجيد بن دليل، وبمصر من البوصيري.
 وأجاز له جده، والكاتبة شهدة، وعبد الحق بن يوسف، ومن مكة أبو الحسن علي بن حميد بن عمار راوي الصحيح، ومن الموصل خطيبها أبو الفضل، ومن الشام أبو سعد بن أبي عصرون، ومن الأندلس الحافظ خلف بن بشكوال، ومن مصر ابن بري، وعلي بن هبة الله الكاملي، وعدة.
وتفرد، ورحل إليه الطلبة، وروى الكثير بالقاهرة، وله سماعات كثيرة ما قرئت عليه.
حدث عنه المنذري، والدمياطي، وابن دقيق العيد، والتقي عبيد، والضياء السبتي، والفخر التوزري، ومثقال الأشرفي، والشهاب القرافي، والعماد محمد ابن الجرائدي، والخطيب عبد الرحيم الحنبلي، والفخر أحمد بن الجباب، وعلي بن عبد العظيم الرسي، ومحمد بن أحمد ابن الدماغ، والنور علي بن عمر الواني، وخلق كثير.
وبالإجازة خطيب حماة معين الدين أبو بكر ابن المغيزل، وأبو بكر ابن الرضي، والقاضي شرف الدين ابن الحافظ، والشيخ شمس الدين عبد الله ابن العفيف، وعدة. وكان قليل العلم.
توفي في دار ابن القسطلاني بمصر ليلة رابع شوال سنة إحدى وخمسين وست مئة.
وفيها مات أبو التقي صالح بن شجاع المدلجي المالكي بمصر، راوي صحيح مسلم، وعبد القادر بن الحسين البندنيجي البواب، آخر أصحاب عبد الحق اليوسفي، والزاهد عثمان شيخ دير ناعس، والزاهد محمد ابن الشيخ عبد الله اليونيني، والمحدث أبو عبد الله الطنجالي.

عبد القادر

ابن الحسين بن جميل، الشيخ أبو محمد البندنيجي ثم البغدادي البواب.
سمع عبد الحق اليوسفي، وتفرد عنه، وعبيد الله بن شاتيل.
روى عنه محمد بن محمد الكنجي، وشيخنا الدمياطي، وآخرون.
توفي في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وست مئة.

عيسى بن سلامة

ابن سالم بن ثابت الشيخ المعمر مسند حران، أبو الفضل وأبو العزائم الحراني الخياط.
ولد في سلخ شوال سنة إحدى وخمسين، وفاتته الإجازة العامة من أبي الوقت السجزي. وأجاز له أبو الفتح ابن البطي، وأبو بكر بن النقور، والمبارك بن محمد الباذرائي، وأحمد بن علي العلوي، ومحمد بن محمد ابن السكن، وأبو علي ابن الرحبي، ويحيى بن ثابت، وأحمد المرقعاتي، وشهدة، وعدة، هو آخر من روى عنهم في الدنيا. وسمع من أبي الفتح أحمد بن أبي الوفاء، ومن المحدث حماد، وروى الكثير، وحدث بدمشق قديماً وبحران.
حدث عنه الدمياطي، وابن الظاهري، وجمال الدين عبد الغني، ومحمد بن زباط، وأمين الدين ابن شقير، وعبد الأحد بن تيمية، وأحمد بن محمد الدشتي، ومحمد بن درباس الحاكي، وطائفة خاتمهم القاسم بن علي ابن الحبيشي.
وكان شيخاً ديناً ساكناً.
مات في أواخر سنة اثنتين وخمسين وست مئة عن مئة عام وعام وشهور.
ومات معه أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد بن نقاش السكة بمصر، والرشيد إسماعيل ابن الفقيه المقرئ أحمد بن الحسين العراقي الجابي، والمعمر عبد الله بن الحسن الهكاري، عن مئة وخمس سنين، قرأ عليه الدمياطي الصحيح عن أبي الوقت، والمتكلم شمس الدين عبد الحميد ابن عيسى الخسروشاهي، وابن تيمية مؤلف الأحكام، والناصح فرج الحبشي خادم أبي جعفر القرطبي، وأبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل الأندلسي، وكمال الدين محمد بن طلحة النصيبي، ومحمد بن علي بن بقاء ابن السباك، والشديد بن علان.

ابن مسلمة

الشيخ الجليل العدل المعمر مسند دمشق رشيد الدين أبو العباس أحمد بن المفرج بن علي بن عبد العزيز بن مسلمة الدمشقي ناظر الأيتام.
ولد سنة خمس وخمسين وخمس مئة.
وسمع من الحافظ ابن عساكر، وأبي اليسر شاكر التنوخي، وعبد الرحمن بن عبدان، وأجاز له هبة الله بن هلال الدقاق، وأبو الحسن ابن تاج القراء، وأبو الفتح بن البطي، والشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي، وأحمد بن المقرب، ومحمد بن عبد الله بن العباس الحراني، وعبد الرحمن ابن يحيى الزهري، ومحمد بن إسحاق الصابي، ومعمر بن الفاخر، وخريفة ابن الهاطرا، وعدد كثير تفرد بالرواية عن طائفة منهم، وروى الكثير، وكان عدلاً وقوراً مهيباً حميد السيرة، له مشيخة في ثلاثة أجزاء سمعناها. حدث عنه الدمياطي، والفارقي شيخ دار الحديث، وكمال الدين ابن العطار، والعماد ابن البالسي، وشمس الدين ابن التاج، وابن ابن أخيه عبد الرحيم بن مسلمة، وبهاء الدين ابن نوح، ومحمود ابن المراتبي، ومحمد ابن المحب، والشمس محمد ابن الصلاح، ومحمد بن أبي بكر السكاكيني، وآخرون.
توفي في ثامن عشر ذي القعدة سنة خمسين وست مئة.

الصاغاني

الشيخ الإمام العلامة المحدث إمام اللغة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي القرشي العدوي العمري الصاغاني الأصل الهندي اللهوري المولد البغدادي الوفاة المكي المدفن الفقيه الحنفي صاحب التصانيف.
ولد بلهور في صفر سنة سبع وسبعين وخمس مئة.
ونشأ بغزنة، وقدم بغداد، ثم ذهب رسولاً من الخليفة إلى ملك الهند سنة سبع عشرة، فبقي مدة، ثم قدم سنة أربع وعشرين، ثم أعيد إليها رسولاً لسنته، فما رجع إلى سنة سبع وثلاثين.
وقد سمع بمكة من أبي الفتوح نصر ابن الحصري، وسمع باليمن من القاضي خلف بن محمد الحسناباذي، والنظام محمد بن حسن المرغيناني، وببغداد من سعيد بن محمد ابن الرزاز.
وكان إليه المنتهى في معرفة اللسان العربي؛ له كتاب مجمع البحرين في اللغة اثنا عشر مجلداً، وكتاب العباب الزاخر في اللغة، عشرون مجلداً، والشوارد في اللغة مجلد، وكتب عدة في اللغة، وكتاب في علم الحديث، وكتاب مشارق الأنوار في الجمع بين الصحيحين، وكتاب في الضعفاء، ومؤلف في الفرائض، وأشياء.
قال الدمياطي: كان شيخاً صالحاً صدوقاً صموتاً إماماً في اللغة والفقه والحديث، قرأت عليه الكثير.
توفي في تاسع عشر شعبان سنة خمسين وست مئة، وحضرت دفنه بداره بالحريم الطاهري، ثم نقل بعد خروجي من بغداد إلى مكة فدفن بها، كان أوصى بذلك، وأعد لمن يحمله خمسين ديناراً.
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ أخبرنا الحسن بن محمد القرشي، أخبرنا أبو الفتوح النهاوندي بمكة، أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد العلوي، أخبرنا علي بن أحمد التستري، أخبرنا القاسم بن جعفر، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي، حدثنا أبو داود، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا يحيى بن زكريا، ويزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة، عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: "حبسونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً".
هذا حديث صحيح، ما عارضه شيء في صحته.
وفيها توفي الرشيد بن مسلمة، والمؤتمن بن قميرة، والكمال إسحاق ابن أحمد المعري الشافعي أحد الأئمة، والكاتب البارع شمس الدين محمد ابن سعد المقدسي الحنبلي، وأبو الفضل محمد بن علي بن أبي السهل، والجمال محمد بن علي بن محمود ابن العسقلاني، والتاج محمد بن محمد ابن سعد الله ابن الوزان الحنفي، والشيخ سعد الدين محمد بن المؤيد بن حمويه الجويني، وجمال الدين هبة الله بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الإسكندراني عنده عن السلفي، وفخر القضاة نصر الله بن أبي العز بن قصافة الكاتب.

ابن قميرة

الشيخ الجليل مسند الوقت مؤتمن الدين أبو القاسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القاسم بن أبي الحسن ابن قميرة التميمي اليربوعي الحنظلي البغدادي الأزجي التاجر السفار.
ولد سنة خمس وستين وخمس مئة.
وسمع من شهدة الكاتبة، وتجني الوهبانية، وعبد الحق اليوسفي، ومحمد بن بدر الشيحي، والحسن بن شيرويه.
وحدث في أسفاره بمصر، ودمشق، وحلب، وبغداد، واشتهر اسمه، وجلس بين يديه الحفاظ.
حدث عنه ابن النجار، وابن الحلوانية، والدمياطي، وابن الظاهري، والبهاء أيوب الأسدي، وأخوه إسحاق، والقاضي الحنبلي، وبيبرس العديمي، والعماد ابن البالسي، وإبراهيم بن أبي اليسر، وأبو جعفر ابن المقير، وعلي بن جعفر المؤذن، وعبد الله ابن الشيخ، ومحمد ابن الصلاح، والتقي بن تمام، وخلق آخرهم ابن الخراط، وأبو نصر بن الشيرازي.
مات ببغداد في جمادى الأولى سنة خمسين وست مئة.
قال ابن النجار: شيخ حسن لا بأس به.

أخوه المعمر المسند

أبو العباس أحمد

ابن نصر التاجر شيخ كبير.
ولد سنة ثمان وخمسين ولم يظهر له سوى نصف جزء التراجم، سمعه من عبد الله بن أحمد بن هبة الله ابن النرسي، فكان آخر من حدث عنه. روى عنه القاضي مجد الدين ابن العديم، والحافظ شرف الدين ابن الدمياطي، وابن الدواليبي.
قال ابن النجار: شيخ متيقظ حسن الطريقة متمول.
قلت: توفي في أوائل سنة تسع وأربعين وست مئة.

ابن علان

الشيخ الجليل العدل المعمر سديد الدين أبو محمد مكي بن المسلم ابن مكي بن خلف بن المسلم بن أحمد بن محمد بن حصن بن صقر بن عبد الواحد بن علي بن علان القيسي العلاني الدمشقي المسكي الطيبي.
ولد في رجب سنة ثلاث وستين.
وسمع من الحافظ ابن عساكر، وأبي الفهم بن أبي العجائز، وعلي ابن خلدون، وتفرد بهم، ومن المجد ابن البانياسي. وأجاز له أبو طاهر السلفي، ومحمد بن علي الرحبي.
وروى الكثير، وطال عمره، وبعد صيته، وكان شيخاً معتبراً متودداً، وافر الحرمة، من بيت تقدم ورواية، ورواياته صحيحة، وقد سمع أخواه أسعد ومحمد من ابن عساكر أيضاً.
حدث عنه الدمياطي، وابن الظاهري، وزين الدين الفارقي، والعماد ابن البالسي، وأخوه عبد الله، وطلحة القرشي، ومحيي الدين يحيى ابن المقدسي، والقاضي شرف الدين ابن الحافظ، وإسماعيل وعبد الله ابنا أبي النائب، وأمين الدين سالم بن صصرى، وأخته أسماء، وتاج الدين أحمد بن مزيز، وخلق.
توفي بدمشق في العشرين من صفر سنة اثنتين وخمسين وست مئة، رحمه الله، وأجاز لجميع من أدرك حياته من المسلمين.

الطبقة الخامسة والثلاثون

القوصي

الشيخ الإمام الفقيه المحدث الأديب الرئيس شهاب الدين أبو المحامد وأبو العرب وأبو الطاهر إسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن مرجي بن المؤمل بن محمد الأنصاري الخزرجي المصري القوصي الشافعي نزيل دمشق وكيل بيت المال.
ولد في أول سنة أربع وسبعين وخمس مئة.
وقدم القاهرة في سنة تعسين، ودمشق في سنة إحدى، فاستوطنها. سمع التيسير بقوص من ابن إقبال المريني، وسمع من إسماعيل بن ياسين، ومن الأرتاحي، والخشوعي، فأكثر والقاسم بن عساكر، والعماد الكاتب وأسماء بنت الران، ومنصور بن علي الطبري ومحمد بن الخصيب، ومحمود بن أسد، وعبد الملك الدولعي، وحنبل، وابن طبرزذ، وخلق كثير، وعمل لنفسه معجماً كبيراً في أربع مجلدات فيه أوهام عدة، وعن خلق بالإجازة وشعراء، واتصل بالصاحب صفي الدين ابن شكر، فتقدم، ونفذ رسولاً عن العادل، وولي الوكالة مدة، ودرس، وأفتى، ووقف حلقة تدريس ودار حديث وتربة، وكان يلبس الطيلسان المصري، ويركب البغلة.
حدث عنه الدمياطي، والكنجي، والزين الأبيوردي، وأبو علي ابن الخلال، والعماد ابن البالسي، وأبو عبد الله ابن الزراد، والرشيد الرقي، وآخرون.
توفي في سابع عشرة ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وست مئة.
وفيها توفي المفتي الضياء صقر بن يحيى الحلبي، وله أربع وتسعون سنة، وعلي بن معالي الرصافي المقرئ، والنور البلخي، ونقيب الأشراف بحلب عز الدين المرتضى ابن أبي طالب أحمد بن محمد بن جعفر الحسيني الحلبي.

صالح بن شجاع

ابن محمد بن سيدهم بن عمرو، الشيخ الصدوق أبو التقي ابن شيخ المقرئين أبي الحسن المدلجي المصري المالكي الخياط.
ولد بمكة سنة أربع وستين وخمس مئة.
وسمع صحيح مسلم من أبي المفاخر المأموني، وحدث به غير مرة، وله إجازة من السلفي.
روى عنه الحافظان المنذري وشيخنا الدمياطي، ومحمد بن أحمد ابن القزاز، والبدر يوسف الختني وآخرون.
وكان ديناً، خيراً، خياطاً، متعففاً، قنوعاً.
توفي في المحرم سنة إحدى وخمسين وست مئة، وكان والده من تلامذة أبي العباس بن الحطيئة.

فرج

ابن عبد الله الخادم الفاضل ناصح الدين، أبو الغيث الحبشي مولى أبي جعفر القرطبي، ثم عتيق المجد البهنسي.
ولد سنة بضع وسبعين، وسمع الكثير من الخشوعي، وعبد اللطيف ابن سعد، والبهاء ابن عساكر، وعبد الرحمن بن سلطان القرشي، وحنبل، وابن طبرزذ، ومن الافتخار الهاشمي بحلب، ومن مولاه أبي جعفر.
وعنه ابن الحلوانية، والعماد ابن البالسي، وعبد الغفار المقدسي، والعلاء ابن الشاطبي، وآخرون.
وكان ديناً كيساً متيقظاً، سمع وتعب ووقف كتبه.
مات في شوال سنة اثنتين وخمسين وست مئة.

ابن تيمية

الشيخ الإمام العلامة فقيه العصر شيخ الحنابلة مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد بن علي الحراني، ابن تيمية. ولد سنة تسعين وخمس مئة تقريباً.
وتفقه على عمه فخر الدين الخطيب، وسار إلى بغداد، وهو مراهق مع السيف ابن عمه، فسمع ومن أبي أحمد بن سكينة، وابن طبرزذ، يوسف ابن كامل، وضياء بن الخريف، وعدة. وسمع بحران من حنبل المكبر، وعبد القادر الحافظ، وتلا بالعشر على الشيخ عبد الواحد بن سلطان.
حدث عنه ولده شهاب الدين، والدمياطي، وأمين الدين ابن شقير، وعبد الغني بن منصور المؤذن، ومحمد بن محمد الكنجي، والشيخ محمد ابن القزاز، والشيخ محمد بن زباطر، والواعظ محمد بن عبد المحسن الخراط، وعدة.
وتفقه، وبرع، واشتغل، وصنف التصانيف، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان يدري القراءات، وصنف فيها أرجوزة، تلا عليه الشيخ القيرواني.
وقد حج في سنة إحدى وخمسين على درب العراق، وانبهر علماء بغداد لذكائه وفضائله، والتمس منه أستاذ دار الخلافة محيي الدين ابن الجوزي الإقامة عندهم، فتقلل بالأهل والوطن.
سمعت الشيخ تقي الدين أبا العباس يقول: كان الشيخ جمال الدين ابن مالك يقول: ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين لداود الحديد. ثم قال الشيخ: وكانت في جدنا حدة، قال: وحكى البرهان المراغي أنه اجتمع بالشيخ المجد، فأورد على الشيخ نكتة فقال: الجواب عنها من ستين وجهاً: الأول كذا، الثاني كذا، وسردها إلى آخرها، وقال: قد رضينا منك بإعادة الأجوبة، فخضع البرهان له وانبهر.
وقال العلامة ابن حمدان: كنت أطالع على درس الشيخ وما أبقي ممكناً فإذا أصبحت وحضرت ينقل أشياء كثيرة لم أعرفها قبل.
قال الشيخ تقي الدين: كان جدنا عجباً في سرد المتون وحفظ مذاهب الناس وإيرادها بلا كلفة.
حدثني الإمام عبد الله بن تيمية أن جده ربي يتيماً، ثم سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه وينفقه، وله ثلاث عشرة سنة فكان يبيت عنده ويسمعه يكرر على مسائل الخلاف فيحفظ المسالة، فقال الفخر إسماعيل يوماً: أيش حفظ الننين فبدر المجد ولقال: حفظت يا سيدي الدرس وسرده فبهت الفخر، وقال: هذا يجيء منه شيء. ثم عرض على الفخر مصنفه جنة الناظر وكتب له عليه في سنة ست وست مئة وعظمه، فهو شيخه في علم النظر، وأبو البقاء شيخه في النحو والفرائض، وأبو بكر بن غنيمة صاحب ابن المني شيخه في الفقه، وابن سلطان شيخه في القراءات، وقد أقام ببغداد ستة أعوام مكباً على الاشتغال، ورجع، ثم ارتحل إلى بغداد قبل العشرين وست مئة، فتزيد من العلم، وصنف التصانيف، مع الدين والتقوى، وحسن الاتباع، وجلالة العلم.
توفي بحران يوم الفطر سنة اثنتين وخمسين وست مئة.

ابن طلحة

العلامة الأوحد كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد بن حسن القرشي العدوي النصيبي الشافعي.
ولد سنة اثنتين وثمانين وخمس مئة، وبرع في المذهب وأصوله، وشارك في فنون، ولكنه دخل في هذيان علم الحروف، وتزهد. وقد ترسل عن الملوك، وولي وزارة دمشق يومين وتركها، وكان ذا جلالة وحشمة.
حدث عن المؤيد الطوسي، وزينب الشعرية.
روى عنه الدمياطي، ومجد الدين ابن العديم، وشهاب الدين الكفري، والجمال بن الجوخي، وآخرون.
قال التاج ابن عساكر: وفي سنة 648 خرج ابن طلحة عن جميع ما له من موجود ومماليك ودواب وملبوس، ولبس ثوباً قطنياً وتخفيفةً، وكان يسكن بالأمينية فخرج منها واختفى، وسببه أن الناصر كتب تقليده بالوزارة، فكتب هو إلى السلطان يعتذر.
قلت: توفي بحلب في رجب سنة اثنتين وخمسين وست مئة.

النظام البلخي

مفتي الحنفية أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عثمان.
بغدادي سكن حلب، وسمع من المؤيد الطوسي، ومحمد بن عبد الرحيم الفامي، وتفقه بخراسان.
روى عنه ابنه عبد الوهاب، والدمياطي، والتاج صالح، والبدر ابن التوزي، وآخرون، وحدث بصحيح مسلم.
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وست مئة، وله ثمانون سنة.

عثمان

ابن محمد بن عبد الحميد التنوخي البعلبكي الزاهد شيخ دير ناعس.
صاحب أحوال ومجاهدات، وكان من أهل البر، وهو الذي بعث إليه الشيخ الفقيه وقد مغصه جوفه: لئن لم يسكن وجعي ضربتك مئة، فقيل للفقيه: كيف هذا؟ قال: هو أكرم على الله من أن أضربه، وقيل: كان يخاطبه الجن، وأخبر بليلة كسرة الفرنج على المنصورة، وكان قد لبس من الشيخ عبد الله اليونيني، وله تجد وأوراد. مات في شعبان سنة إحدى وخمسين وست مئة، ومات قبله بأيام الزاهد الكبير الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله اليونيني. ومات فيها الصالح الورع الشيخ محمد ابن الشيخ علي الحريري كهلاً، وكان ينكر على أصحاب والده، رحمه الله.

السفاقسي

العدل المعمر المسند الفقيه شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام بن عتيق بن محمد التميمي السفاقسي المغربي ثم الإسكندراني المالكي الشاهد المعروف بابن المقدسية، وابن أخت الحافظ علي بن المفضل المقدسي.
ولد في المحرم سنة ثلاث وسبعين، وحضر قراءة حديث الأولية فقط على السلفي، فكان خاتمة أصحابه. وروى بالإجازة عنه، وعن أبي الطاهر بن عوف، وأبي طالب التنوخي، وبدر الخادم، وسمع من أبي الفضل الحضرمي، وأبي القاسم البوصيري، وبهاء الدين ابن عساكر، وخرج له منصور بن سليم مشيخة.
حدث عنه عبد الرحيم بن عثمان بن عوف الزهري، والشرف محمد، والوجيه عبد الوهاب، ابنا عبد الرحمن الشقيري، والفخر محمد والجلال يحيى ولدا محمد بن الحسين السفاقسي، والحافظ شرف الدين التوني، وعدة، ويقال: إنه ناب في القضاء بالثغر وقتاً.
توفي في ثالث جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وست مئة.

ابن قزغلي

الشيخ العالم المتفنن الواعظ البليغ المؤرخ الأخباري واعظ الشام شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي بن عبد الله التركي العوني الهبيري البغدادي الحنفي سبط الإمام أبي الفرج ابن الجوزي.
ولد سنة نيف وثمانين وخمس مئة.
وسمع من جده، ومن عبد المنعم بن كليب، وعبد الله بن أبي المجد الحربي، وبالموصل من أحمد وعبد المحسن ابني الخطيب الطوسي، وبدمشق من أبي حفص ابن طبرزذ، وأبي اليمن الكندي، وطائفة.
حدث عنه الدمياطي، وعبد الحافظ الشروطي، والزين عبد الرحمن ابن عبيد، والنجم الشقراوي، والعز أبو بكر بن الشايب، وأبو عبد الله بن الزراد، والعماد ابن البالسي، وآخرون.
انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ، وكان حلو الإيراد، لطيف الشمائل، مليح الهيئة، وافر الرحمة، له قبول زائد وسوق نافق بدمشق. أقبل عليه أولاد الملك العادل، وأحبوه، وصنف تاريخ مرآة الزمان وأشياء، ورأيت له مصنفاً يدل على تشيعه، وكان العامة يبالغون في التغالي في مجلسه. سكن دمشق في الشبيبة، وأفتى ودرس.
توفي بمنزله بسفح قاسيون، وشيعه السلطان والقضاة وكان كيساً ظريفاً متواضعاً، كثير المحفوظ، طيب الغمة، عديم المثل، له تفسير كبير في تسعة وعشرون مجلداً.
توفي في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وست مئة.

أقطاي

كبير الأمراء فارس الدين التركي الصالحي النجمي.
كان مليح الشكل، وافر الحشمة، موصوفاً بالكرم والشجاعة. اشتراه تاجر بدمشق فرباه، وباعه بألف دينار، وكانت الإسكندرية إقطاعه، وله من الخيل والمماليك ما لا يكون إلا لسلطان، وكان عاملاً على الملك، انضم إليه كبراء البحرية كالرشيدي البندقداري، وكان فيه عسف وجبروت، وصار يركب ركبة الملوك، ولا يلتفت على الملك المعز، ويدخل بيوت الأموال، ويأخذ ما شاء، ثم إنه تزوج بابنه صاحب حماة، فطلب أن تخلى له دار السلطنة ليعمل عرسه وليسكن بها، وصمم على ذلك، فاتفقت شجر الدر وزوجها المعز على الفتك به، وانتدب له قطز الذي تسلطن في عشرة فقتلوه، وأغلق باب القلعة، فركبت حاشيته نحو سبع مئة، وأحاطوا بالقلعة، فرمي إليهم برأسه فهربوا في شعبان سنة اثنتين وخمسين وست مئة.
وقيل: كان هو الذي قتل ابن أستاذه الملك المعظم ابن الصالح.

ابن خليل

المنشئ شيخ البلاغة والإنشاء القاضي أبو الخطاب محمد بن أحمد ابن خليل السكوني الأندلسي الكاتب.
تفرد بتلك البلاد بإجازة أبي طاهر السلفي.
أخذ عنه أبو جعفر بن الزبير ولازمه، وقال: كن روضة معارف، متقدماً في العلوم الأدبية، لم ألق مثله. كان يخطب على البديه، ويكتب من غير تكلف، علقوا كثيراً من كلامه، وكان مشاركاً في العلوم، وكثر انتفاعي به، وكان عالي الرواية، ثبتاً، له معفرة بالرجال. وأجاز له أيضاً ابن زرقون، والسهيلي، وسمع من أبي الحكم بن حجاج، وأبي العباس بن مقدام، قال: وكان من الأسخياء الأجواد.
توفي سنة اثنتين وخمسين وست مئة.

عيسى

الزاهد القدوة العابد الشيخ عيسى بن أحمد بن إلياس اليونيني مريد الشيخ عبد الله. لم يشتغل إلا بالعبادة والمطالعة، وما تزوج، بل عقد على عجوز تخدمه. زاره الباذرائي فسلم عليه وتركه ودخل، وكان الأمراء يقبلون شفاعته بالأوراق، وكان عليه هيبة شديدة، وسرد الصوم أزيد من أربعين سنة?، وكان يقال له: سلاب الأحوال، وله كرامات، وكان كثير الود للشيخ الفقيه.
قال قطب الدين: زرته كثيراً، وأخبر بأن ملوك بني أيوب ينقرضون ويتملك الترك، ويفتحون الساحل كله.
قلت: طولت سيرته في تاريخ الإسلام.
توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وست مئة بيونين.

الطوسي

المقرئ الأديب أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن عامر الطوسي _ بفتح الطاء _ الغرناطي.
ولد سنة أربع وستين وخمس مئة.
وأجاز له في سنة سبعين أبو عبد الله بن خليل القيسي، خاتمة أصحاب أبي علي الغساني، وسمع بعض مسلم من خال أمه أبي عبد الله بن زرقون، وسمع من أبي محمد بن عبيد الله. وتلا بالسبع على علي بن هشام الجذامي، وطال عمره، وتفرد.
وحمل عنه أبو جعفر بن الزبير، وعدة وقال: كان أديباً شاعراً عالماً أقعد، وكان يتلو كل يوم ختمة، وعاش تسعين سنة، واختلفت إليه كثيرا.
وتوفي سنة خمس وخمسين وست مئة.

العماد

الإمام الخطيب البليغ عماد الدين داوود بن عمر بن يوسف الزبيدي المقدسي ثم الدمشقي أبو المعالي خطيب بيت الأبار، وابن خطيبها.
سمع الخشوعي، وعبد الخالق بن فيروز، والقاسم ابن عساكر، وابن طبرزد.
وعنه الدمياطي، والعماد ابن البالسي، والفخر ابن عساكر، وابنه محمد بن داود، وآخرون.
وكان فاضلاً، ديناً فصيحاً، مليح الموعظة، درس بالغزالية، وخطب بدمشق بعد انفصال الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم بعد ست سنين عزل العماد، ورد إلى خطابة قريته.
توفي في شعبان سنة ست وخمسين وست مئة رحمه الله.
ومات أخوه.

الضياء أبو الطاهر

يوسف سنة خمس وستين عن بضع وثمانين سنة، روى عن الجنزوي والخشوعي.

القميني

الشيخ يوسف القميني الموله بدمشق، كان للناس في هذا اعتقاد زائد لما يسمعون من مكاشفته التي تجري على لسانه كما يتم للكاهن سواء في نطقه بالمغيبات. كان يأوي إلى القمامين والمزابل التي هي مأوى الشياطين، ويمشي حافياً، ويكنس الزبل بثيابه النجسة ببوله، ويترنح في مشيه، وله أكمام طوال، ورأسه مكشوف، والصبيان يعبثون به، وكان طويل السكوت، قليل التبسم، يأوي إلى قمين حمام نور الدين، وقد صار باطنه مأوى لقرينه، وبجي فيه مجرى الدم، ويتكلم فيخضع له كل تالف، ويعتقد أنه ولي لله، فلا قوة إلا بالله.
وقد رأيت غير واحد من هذا النمط الذين زال عقلهم أو نقص يتقلبون في النجاسات، ولا يصلون، ولا يصومون، وبالفحش ينطقون، ولهم كشف كما والله للرهبان كشف وكما للساحر كشف وكما لمن يصرع كشف، وكما لمن يأكل الحية ويدخل النار حال مع ارتكابه للفواحش، فوالله ما ارتبطوا على مسيلمة والأسود إلا لإتيانهم بالمغنيات.
توفي يوسف سنة سبع وخمسين وست مئة.

ابن وثيق

الإمام المجود شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن ابن محمد بن وثيق الأموي مولاهم المغربي الإشبيلي المقرئ.
مولده سنة سبع وستين وخمس مئة بإشبيلية.
وعني بالقراءات فتلا على أبي الحسين حبيب بن محمد بن حبي سبط شريح، وأبي العباس أحمد بن مقدام الرعيني، وخالص بن التراب، تلامذة أبي الحسن شريح، وسمع منهم ومن جماعة. وروى التيسير عن أبي عبد الله بن زرقون بالإجازة، وسمعه من أبي الحسين بن أبي عبد الله بن زرقون عن أبيه.
ومن مشيخته في القراءات أنه تلا على أبي الحكم بن حجاج، وأبي بكر النيار، وطائفة من أصحاب شريح بكتاب الكافي فهو في كتاب الكافي في طبقة الإمام الشاطبي، وتاريخ تلاوة ابن وثيق على شيخه حبيب كان في سنة سبع وتسعين.
أكثر الترحال وأقرأ بالموصل وبالشام والثغر، تلا عليه الشيخ عماد الدين ابن أبي زهران، والنور علي بن ظهير الكفني، ويحيى بن فضائل الإسكندراني، وعدة، ومنهم شيخانا الفخر التوزري ومحمد بن جوهر التلعفري، وأثنى على فضائله أبو بكر بن مسدي، ثم غمزه وقال: رأيت له تخليطاً وتخاريج بمعزل عن الصدق والإتقان، ثم قال: أنشدنا ابن وثيق قبل الاختلاط.
قلت: وروى عنه الرشيد العطار، والمحدث منصور بن سليم والمكين الأسمر وأحمد بن عبد القادر الدمراوي. توفي سنة أربع وخمسين وست مئة.

ابن قطرال

القاضي العلامة القدوة أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن يوسف الأنصاري القرطبي المالكي.
ولد سنة ثلاث وستين وخمس مئة.
سمع أبا القاسم ابن الشراط، وأبا العباس بن مضاء، وأخذ عنه أصول الفقه، وأبا خالد بن رفاعة، وأبا الحسن بن كوثر، وابن الفخار، وعبد الحق بن بونه، لقيه بالمنكب.
وأخذ قراءة نافع، والنحو عن أبي جعفر بن يحيى.
وسمع بسبتة من أبي محمد بن عبيد الله، وأجاز له أبو بكر بن الجد والكبار.
وولي قضاء أبذة، فأسره العدو لما أخذوها في سنة تسع وست مئة، ثم تخلص، وولي قضاء شاطبة، ثم شريش، ثم قضاء قرطبة، ثم أعيد إلى قضاء شاطبة وخطبتها، ثم سبتة، ثم قضاء فاس، وكان من رجال الكمال علماً وعملاً، وعملاً، يشارك في عدة فنون، ويمتاز بالبلاغة. أخذت عنه بشاطبة، قاله الأبار، وأرخ موته بمراكش في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وست مئة. عاش ثمانياً وثمانين سنة، وهو أحد الأعلام في زمانه.

الرشيد العراقي

أبو الفضل إسماعيل ابن الإمام المقرئ نزيل دمشق أبي العباس أحمد بن الحسين العراقي الأواني، ثم الدمشقي الحنبلي، من جباة دار الطعم.
روى عن السلفي وشهدة، وعبد الحق، وخطيب الموصل، وأبي العباس الترك، وجماعة بالإجازة.
وعنه المنذري، والدمياطي، وشمس الدين ابن التاج، والجمال ابن شكر، والعماد ابن البالسي، وإبراهيم ابن الملك الحافظ.
توفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وست مئة عن نيف وثمانين سنة.

صقر بن يحيى

ابن سالم بن يحيى بن عيس بن صقر المفتي، كبير الشافعية ضياء الدين أبو محمد الكلبي الحلبي، من كبار الأئمة.
درس مدة، وأفاد، مع الدين والصيانة.
حدث عن يحيى الثقفي، وحنبل، والخشوعي.
وعنه ابن الظاهري، والدمياطي، وسنقر القضائي، وتاج الدين الجعبري، وإسحاق ابن النحاس، والعفيف إسحاق.
مات في صفر سنة ثلاث وخمسين وست مئة، وله أربع وتسعون سنة.
وعاش رجل إلى سنة ثلاثين وسبع مئة شيخ حراني بحلب يروي عنه لقيه ابن رافع.

البلخي

الشيخ العالم المسند المقرئ صاحب الألحان نجم الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف ابن النور البلخي ثم الدمشقي.
ولد سنة بضع وخمسين وخمس مئة، واجتمع بالسلفي، وأجاز له، وقال: إنه سمع منه وهو صدوق، لكن ما ظهر سماعه منه، مع أنه قد سمع بالإسكندرية حينئذ جزءاً من المطهر بن خلف الشحامي في سنة خمس وسبعين، وسمع بالقاهرة الإمام التاج المسعودي، والقاسم ابن عساكر، وقد سمع بمصر في سنة اثنتين وسبعين من منصور بن طاهر الدمشقي الأربعين الودعانية وسمع بدمشق من حنبل وغيره، وروى الكثير بالإجازة.
حدث عنه ابن الصابوني، وابن الظاهري، والدمياطي، وجوزة البلخية، والبدر محمد ابن التوزي، والعماد ابن البالسي، والجمال علي ابن الشاطبي، وإبراهيم ابن الظاهري، ومحيي الدين ابن المقدسي، أبو عبد الله ابن الزراد. روى عنه من القدماء زكي الدين المنذري.
قال الدمياطي: كان صالحاً قديم السماع، ولد بدرب العجم ومات في الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وست مئة عن ست وتسعين سنة.
وفيها مات المحدث الفقيه كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم والد شيختنا، والمحدث المقرئ ناصح الدين أبو بكر بن يوسف الحراني.

ابن النحاس

الشيخ العالم الصالح الجليل المعمر بقية المشايخ عماد الدين أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسن بن علي بن عبد الباقي بن محاسن الأنصاري الدمشقي ابن النحاس الأصم.
ولد في المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة بمصر.
ونشأ بدمشق، وسمع من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون، وهو آخر من حدث عنه، ومن ابن صدقة الحراني، والفضل بن الحسين البانياسي، ويحيى الثقفي، وأحمد بن حمزة ابن الموازيني، وإسماعيل الجنزوي، وجماعة، وبأصبهان من علي بن منصور الثقفي، وأحمد بن أبي نصر الصباغ، وبنيسابور من المؤيد الطوسي، ومنصور الفراوي، وبحلب من الافتخار الهاشمي.
وكان ذا دين وفضل وخير، وله عقار يقوم به، وكان يحدث من لفظه بمكان الطرش. خرج له ابن الصابوني جزءاً.
وحدث عنه الدمياطي، والبدر ابن التوزي، والكمال محمد ابن النحاس، والجمال علي ابن الشاطبي، والشمس محمد ابن الزراد، وعدة. توفي في الثاني والعشرين من صفر سنة أربع وخمسين وست مئة.
وفيها مات شيخ القراء أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن بن وثيق الإشبيلي بالإسكندرية، والمفتي شمس الدين عبد الرحمن بن نوح المقدسي تلميذ ابن الصلاح، وأبو الحسن علي بن يوسف الصوري، والشيخ عيسى اليونيني الزاهد، والشرف محمد بن الحسن بن عبد السلام ابن المقدسية السفاقسي، والمؤرخ أبو البركات المبارك بن أبي بكر ابن الشعار الموصلي، وأبو المظفر يوسف سبط الجوزي.

الحلبي

رأس الأمراء عز الدين أيبك الحلبي الصالحي.
عين للملك عند قتله المعز أيبك، وفي مماليكه عدة أمراء، فلما كان عاشر ربيع الآخر هاجت فتنة بمصر، وركب الجيش، وفزع السلطان الملك المنصور علي بن المعز، وقبضوا على نائب السلطنة الجديد علم الدين سنجر الحلبي، وهربت أمراء إلى الشام فتقنطر بعز الدين المذكور فرسه فمات من ذلك، وسجنوا سنجراً لأنهم تخيلوا منه أنه يريد السلطنة، وكذلك تقنطر يومئذ بالأمير الكبير ركن الدين خاص ترك فرسه خارج القاهرة فهلك أيضاً، وأمسك الوزير الفائزي وأخذت حواصله، وخنق، ووزر بدر الدين السنجاري، وناب في الملك قطز وتمكن، ثم في رمضان من السنة _ سنة خمس وخمسين _ ثارت فتنة وركب بغدى ويلغان الأشرفي وعدة، وأحاطوا بقلعة مصر لحرب قطز والمعزية، فتفللوا، وجرح بغدى، وقبض عليه وعلى من قام معه من الأشرفية كأيبك الأسمر، وأرز الرومي، والسائق الصيرفي، ونهبت دورهم، وقويت الأمراء المعزية، ثم ملكوا قطز.

ابن الحلاوي

شاعر زمانه شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفاء بن أبي الخطاب بن محمد بن الهزبر الربعين الموصلي الجندي ابن الحلاوي.
ولد سنة ثلاث وست مئة.
وكان من ملاح الموصل، وخدم جندياً، وكان ذا لطف وظرف وحسن عشرة وخفة روح.
مات سنة ست وخمسين.
أنبأني الدمياطي أنه سمعه يقول لنفسه.

حكاه من الغصن الرطيب وريقه

 

وما الخمر إلا وجنتـاه وريقـه

هلالٌ ولكن أفق قلبي محـلـه

 

غزال ولكن سفح عيني عقيقـه

منها:

حكى وجهه بدر السماء فلـو بـدا

 

مع البدر قال الناس هذا شقيقـه

وأشبه زهر الروض حسناً وقد بدا

 

على عارضيه أسه وشـقـيقـه

وأشبهت منه الخصر سقماً فقد غدا

 

يحملني كالخصر ما لا أطـيقـه

اليلداني

الشيخ الإمام المحدث المسند الرحال تقي الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن عبد الله ابن أحمد بن محمد اليلداني الدمشقي الشافعي.
ولد بيلدان في أول سنة ثمان وخمسين وخمس مئة، وطلب الحديث وهو كبير، ورحل فسمع من يحيى بن بوش، وابن كليب، والمبارك بن المعطوش، وهبة الله ابن السبط، ودلف بن قوفا، وبقاء بن جند، وطبقتهم، وبدمشق يوسف بن معالي الكناني، وأبا طاهر الخشوعي، وعبد الخالق بن فيروز، والبهاء ابن عساكر، وعدة، وبالموصل أبا منصور مسلم ابن علي السيحي، وكتب الكثير مع الصدق والصيانة والفهم والإفادة والتقوى.
روى الكثير؛ حدث عنه سبط عبد الرحمن والدمياطي، والبدر ابن التوزي، والجمال ابن الشاطبي، والشيخ محمد بن زباطر، ومحمد بن أحمد القصاص، ويحيى بن مكي العقرباني، وعبد الله ابن المراكشي، وزينب بنت الرضي، وزينب بنت عبد السلام، وخلق كثير. ولي خطابة قريته مدة، وبها توفي.
قال أبو شامة: دفن بقريته، وكان صالحاً، مشتغلاً بالحديث إلى أن توفي. أخبرني أنه كان مراهقاً حين ختن الملك نور الدين ولده، وأنه حضر لعب الأمراء بالميدان مع صبيان قريته. وقيل: ولد في أول المحرم سنة ثمان وستين فالله أعلم، فإنه كتب هذا أيضاً بيده.
مات في ثامن ربيع الأول سنة خمس وخمسين وست مئة.

المرسي

الإمام العلامة البار القدوة المفسر المحدث النحوي ذو الفنون شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي الأندلسي.
ولد بمرسية في أول سنة سبعين أو قبل بأيام. وسمع الموطأ من المحدث أبي محمد بن عبيد الله الحجري في سنة تسعين وخمس مئة، وسمع من عبد المنعم بن الفرسي، ونحوه، وحج، ودخل إلى العراق وإلى خراسان والشام ومصر، وأكثر الأسفار قديماً وحديثاً، وسمع من منصور الفراوي، والمؤيد الطوسي، وزينب الشعرية، وعبد المعز بن محمد الهروي، وعدة. وببغداد من أصحاب قاضي المرستان، وكتب، وقرأ وجمع من الكتب النفيسة كثيراً، ومهما فتح به عليه صرفه في ثمن الكتب، وكان متضلعاً الإمام العلم، جيد الفهم، متين الديانة، حدث بالسنن الكبير غير مرة عن منصور.
حدث عنه ابن النجار، والمحب الطبري، والدمياطي، والقاضي الحنبلي، والقاضي كمال الدين المالكي، وشرف الدين الفزاري الخطيب، وأبو الفضل الإربلي، والعماد ابن البالسي، ومحمد بن المهتار، وبهاء الدين إبراهيم ابن المقدسي، والشرف عبد الله ابن الشيخ، والشمس محمد ابن التاج، وابن سعد، ومحمد بن نعمة، ومحمد ابن المراتبي، وعلي القصيري، وخلق كثير.
قال ابن النجار: قدم طالباً سنة خمس وست مئة، فسمع الكثير، وقرأ الفقه والأصول، ثم سافر إلى خراسان، وعاد مجتازاً إلى الشام، ثم حج.
قلت: وسمع منه الإربلي الذهبي السنن الكبير كله في سنة اثنتين وثلاثين.
قال: وقدم بغداد سنة أربع وثلاثين، ونزل بالنظامية، وحدث بالسنن الكبير وبالغريب للخطابي، وهو من الأئمة الفضلاء في جميع فنون العلم، له فهم ثاقب، وتدقيق في المعاني، وله تصانيف عدة ونظم ونثر.
إلى ن قال: وهو زاهد متورع كثير العبادة، فقير مجرد، متعفف نزه، قليل المخالطة، حافظ لأوقاته، طيب الأخلاق، كريم متودد، ما رأيت في فنه مثله، أنشدني لنفسه:

من كان يرغب في النجاة فما له

 

غير اتباع المصطفى فيما أتـى

ذاك السبيل المستـقـيم وغـيره

 

سبل الضلالة والغواية والـردى

فاتبع كتاب الله والسنـن الـتـي

 

صحتن فذاك إن أتبعت هو الهدى

ودع السؤال بلم وكـيف فـإنـه

 

باب يجر ذوي البصيرة للعمـى

الدين ما قال الرسول وصحـبـه

 

والتابعون ومن مناهجهم قـفـا

قال ابن الحاجب: سألت الضياء عن المرسي فقال: فقيه مناظر نحوي من أهل السنة صحبنا في الرحلة، وما رأينا منه إلا خيراً.
وقال أبو شامة: كان متفنناً محققاً، كثير الحج، مقتصداً في أموره، كثير الكتب محصلاً لها، وكان قد أعطي قبولاً في البلاد. وقال ياقوت: هو أحد أدباء عصرنا، تكلم على المفصل للزمخشري، وأخذ عليه سبعين موضعاً، وهو عذري الهوى، عامري الجوى، كل وقت له حبيب، ومن كل حسن له نصيب. رحل إلى خراسان، وقدم بغداد وأقام بدمشق وبحلب، ورأيته بالموصل، ثم يتبع من يهواه إلى طيبه، وأخبرني أنه ولد بمرسية سنة سبعين، وهو من بيت كبير وحشمة، وانتقل إلى مصر، وقد لزم النسك والانقطاع، وكان له في العلوم نصيب وافر، يتكلم فيها بعقل صائب، وذهن ثاقب، وأخبرني في سنة 626 أنه قرأ القرآن على غلبون بن محمد المرسي صاحب ابن هذيل، وعلي بن الشريك، وقرأ الفقه والنحو والأصول، ثم ارتحل إلى مالقة سنة تسعين، فقرأ على أبي إسحاق بن إبراهيم بن يوسف بن دهاق، ويعرف بابن المرأة. قال: ولم يكن بالأندلس في فنه مثله، يقوم بعلم التفسير وعلوم الصوفية، كان لو قال هذه الآية تحتمل ألف وجه قام بها، قال: وما سمعت شيئاً إلا حفظته، قرأ على أبي عبد الله الشوذي التلمساني الصالح. قال ياقوت: فحدثني شرف الدين قال: حدثني ابن دهاق: حفظت وأنا شاب القرآن، وكتباً منها إحياء علوم الدين للغزالي، فسافرت إلى تلمسان فكنت أرى رجلاً زرياً قصيراً طوله نحو ذراع، وكان يأخذ زنبيله ويحمل السمك بالأجرة، وما رآه أحد يصلي، فاتفق أني اجتزت يوماً وهو يصلي، فلما رآني قطع الصلاة، وأخذ يعبث، ثم جاء العيد فوجدته في المصلى فقلت: سآخذه معي أطعمه فسبقني، وقال: قد سبقتك، احضر عندي، فمضيت معه إلى المقابر فأحضر طعاماً حاراً يؤكل في الأعياد، فعجبت وأكلت، ثم شرع يخبرني بأحوالي كأنه كان معي، وكنت إذا صليت يخيل لي نور عند قدمي، فقال لي: أنت معجب تظن نفسك شيئاً، لا، حتى تقرأ العلوم، قلت: إني أحفظ القرآن بالروايات، قال: لا حتى تعلم تأويله بالحقيقة، فقلت: علمني، فقال: من غد مر بي في السماكين، فبكرت فخلا بي في موضع ثم جعل يفسر لي القرآن تفسيراً عجيباً مدهشاً، ويأتي بمعاني، فبهرني، وقلت: أحب أن اكتب ما تقول، فقال: كم تقول عمري؟ قلت: نحو سبعين سنة. قال: بل مئة وعشر سنين، وقد كنت أقرأ العلم أربعين سنة ثم تركت الإقراء، فاسأل الله أن يفقهك في الدين، فجعل كلما ألقى علي شيئاً حفظته، قال: فجميع ما ترونه مسني من بركته، وسمعته يقول: قطب الأرض اليوم ابن الأشقر، أو قال _ الأشقر، وإن مات قبلي فأنا أصير القطب، ثم قال المرسي: أنشدني ابن دهاق، أنشدني الشوذي لنفسه:

إذا نطق الوجود أصاخ قوم

 

بآذان إلى نطق الوجـود

وذاك النطق ليس به انعجام

 

ولن جل عن فهم البـلـيد

فكن فطناً تنادى من قريب

 

ولا تك من ينادي من بعيد

ولقي المرسي بفاس أبا عبد الله محمد ابن الكتاني، وكان إماماً في الأصول والزهد، قال: فكتب إلى ابن المرأة:

يا أيها العلم المرفـع قـدره

 

أنت الذي فوق السماك حلوله

أنت الصباح المستنير لمبتغي

 

علم الحقائق أنت أنت دليلـه

بك يا أبا إسحاق يتضح الهدى

 

بك تستبين فروعه وأصولـه

من يزعم التحقيق غيرك إنـه

 

مثل المجوز ما العقول تحيله

إلى أن قال: وقرأت كتاب سيبويه على أبي علي الشلوبين جميعه، فكتب لي بخطه: تفقهت مع فلان في كتاب سيبويه وقدمت إسكندرية في صفر سنة أربع وست مئة، ووصل مكة في رجبها، فسمع بها، وقدم بغداد، فأقام بها نحو عامين يشتغل بالعقليات، وسمع بواسط من ابن المندائي المسند فمات في أثناء القراءة، ثم رحل إلى همذان سنة سبع، وإلى نيسابور وهراة وبحث مع العميدي في الإرشاد ومع القطب المصري، وقرأ على المعين الجاجرمي تعاليقه في الخلاف، ودخل مرو وأصبهان، وقرأ بدمشق على الكندي كتاب سيبويه وحج مرات، وشرع في عمل تفسير، وله كتاب الضوابط في النحو وبدأ بكتاب في الأصلين، وصنف كتاباً في البلاغة والبديع، وأملى علي ديوان المتنبي. إلى أن قال: وأنشدني لنفسه وقد تماروا عنده في الصفات:

من كان يرغب في النجاة فما له

 

غير اتباع المصطفى فيما أتى

وذكر أبيات.
قال: وأنشدني لنفسه:

أبثك ما في القلب من لوعة الحـب

 

وما قد جنت تلك اللحاظ على لبي

أعارتني السقم التي بجـفـونـهـا

 

ولكن غدا سقمي على سقمها يربي

قلت:  وله أبيات رقيقة هكذا، وكان بحر معارف رحمه الله.
قرأت بخط الكندي في تذكرته أن كتب المرسي كانت مودعة بدمشق، فرسم السلطان ببيعها، فكانوا في كل ثلاثاء يحملون منها جملة إلى دار السعادة، ويحضر العلماء، وبيعت في نحو من سنة، وكان فيها نفائس، وأحرزت ثمناً عظيماً، وصنف تفسيراً كبيراً لم يتمه. قال: واشترى الباذرائي منها جملة كثيرة.
وقال الشريف عز الدين في الوفيات: توفي المرسي في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وست مئة، وفي منتصفه بالعريش، وهو متوجه إلى دمشق، فدفن بتل الزعقة، وكان من أعيان العلماء، ذا معارف متعددة، وله مصنفات مفيدة.
قلت: تأخر من رواته يوسف الختني بمصر، وأيوب الكحال بدمشق.
وفيها توفي إبراهيم بن أبي بكر الحمامي الزعبي صاحب ابن شاتيل، والمفتي عماد الدين إسماعيل بن هبة الله بشر بن باطيش الموصلي، والسلطان الملك المعز أيبك التركماني قتلته زوجته شجر الدر وقتلت، والعلامة نجم الدين عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الباذرائي، رسول الخلافة، والمعمر المحدث تقي الدين عبد الرحمن اليلداني، والمحدث محمد بن إبراهيم بن جوبر البلنسي، والعلامة التاج محمد بن الحسين الأرموي صاحب المحصول.

ابن باطيش

العلامة المتفنن عماد الدين أبو المجد إسماعيل بن هبة الله بن باطيش الموصلي الشافعي.
ولد سنة خمس وسبعين.
وسمع من ابن الجوزي، وابن سكينة، وحنبل.
وله كتاب طبقات الشافعية، ومشتبه النسبة، والمغني في لغات المهذب ورجاله، وكان أصولياً متفنناً.
روى عنه الدمياطي، والتاج صالح، والبدر ابن التوزي وجماعة.
درس مدة بالتورية بحلب.
وتوفي في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وست مئة.

عبد العظيم

الإمام العلامة الحافظ المحقق شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد المنذري الشامي الأصل المصري الشافعي.
ولد في غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
وسمع من أبي عبد الله محمد بن حمد الأرتاحي، وهو أول شيخ لقيه، وذلك في سنة إحدى وتسعين، ومن عمر بن طبرزذ، وهو أعلى شيخ له، ومن أبي الجود غياث المقرئ، وست الكتبة بنت علي ابن الطراح، ومن يونس بن يحيى الهاشمي، لقيه بمكة، وجعفر بن محمد بن آموسان، أملى عليه بالمدينة، وعلي بن المفضل الحافظ، ولازمه مدة، وبه تخرج، وعبد المجيب بن زهير الحربي، وإبراهيم بن البتيت، وأبي روح البيهقي، وأبي عبد الله ابن البناء الصوفي، وعلي بن أبي الكرم ابن البناء الخلال، وأبي المعالي محمد بن الزنف، وأبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأبي الفتوح ابن الجلاجلي، وأبي المعالي أسعد بن المنجي مصنف الخلاصة وأحمد بن محمد بن سيدهم الأنصاري، وأحمد بن عبد الله السلمي العطار، والشيخ أبي عمر بن قدامة، وداود بن ملاعب، وأبي نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي، والإمام موفق الدين ابن قدامة، وأبي محمد عبد الله بن عبد الجبار العثماني، وموسى بن عبد القادر الجيلي، والعلامة أبي محمد عبد الله بن نجم شاس المالكي، والقاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلي، وعبد الجليل بن مندويه الأصبهاني، والواعظ علي بن إبراهيم بن نجا الأنصاري _ سمعه يعظ _ ونجيب بن بشارة السعدي، سمع منه كتاب العنوان وعبد العزيز بن باقا، ومحمد بن عماد، وأبي المحاسن بن شداد، وأبي طالب بن حديد، وخلق كثير لقيهم بالحرمين ومصر والشام والجزيرة.
وعمل المعجم في مجلد، والموافقات في مجلد، واختصر صحيح مسلم، وسنن أبي داود، وتكلم على رجاله، وعزاه إلى الصحيحين أو أحدهما أو لينه، وصنف شرحاً كبيراً للتنبيه في الفقه وصنف الأربعين، وغير ذلك.
وقرأ القراءات على أبي الثناء حامد بن أحمد الأرتاحي، وتفقه على الإمام أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي الشافعي، وأخذ العربية عن أبي الحسين يحيى بن عبد الله الأنصاري.
قال الحافظ عز الدين الحسيني: درس شيخنا بالجامع الظافري، ثم ولي مشيخة الدار الكاملية، وانقطع بها عاكفاً على العلم، وكان عديم النظر في علم الحديث على اختلاف فنونه ثبتاً حجة ورعاً متحرياً، قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه، وانتفعت به كثيراً.
 قلت: حدث عنه أبو الحسين اليونيني، وأبو محمد الدمياطي، والشرف الميدومي، والتقي عبيد، والشيخ محمد القزاز، والفخر ابن عساكر، وعلم الدين الدواداري، وقاضي القضاة ابن دقيق العيد، وعبد القادر بن محمد الصعبي، وإسحاق بن إبراهيم الوزيري، والحسين بن أسد ابن الأثير، وعلي بن إسماعيل بن قريش المخزومي، والعماد ابن الجرائدي، وأبو العباس ابن الدفوفي، ويوسف بن عمر الختني، وخلق سواهم، ودرس بالجامع الظافري مدة قبل مشيخة الكاملية، وكان يقول: إنه سمع من الحافظ عبد الغني، ولم نظفر بذلك، وأجاز له مروياته، وكان متين الديانة، ذا نسك وورع وسمت وجلالة.
قال شيخنا الدمياطي: هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئاً، وفارقته معيداً له في الحديث.
ثم قال: توفي في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مئة، ورثاه غير واحد بقصائد حسنة.
وقال الشريف عز الدين أيضاً: كان شيخنا زكي الدين عالماً بصحيح الحديث وسقيمه، ومعلوله وطرقه، متبحراً في معروفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيماً بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، إماماً حجة.
قلت: ومات معه في هذه السنة أمير المؤمنين المستعصم بالله أبو أحمد مقتولاً شهيداً عند أخذ بغداد وابناه أحمد وعبد الرحمن وأعمامه علي وحسن وسليمان ويوسف وحبيب بنو الخليفة الظاهر، وابنا عمه حسين ويحيى ولدا علي، وملك الأمراء مجاهد الدين أيبك الدويدار، وسليمان شاه، وفتح الدين ابن كر وعدة أمراء كبار، والمحتسب عبد الرحمن ابن الجوزي، وأخوه تاج الدين عبد الكريم، والقاضي أبو المناقب محمود بن أحمد الزنجاني عالم الوقت، وشرف الدين محمد بن محمد بن سكينة قاتل حتى قتل، ونقيب العلوية أبو الحسن علي ابن النسابة، وشيخ الشيوخ صدر الدين ابن النيار، وابن أخيه عبد اله، ومهذب الدين عبد الله بن عسكر البعقوبي، والقاضي برهان الدين القزويني، والقاضي إبراهيم النهر فصلي، والخطيب عبد الله بن عباس الرشيدي، وشيخ التجويد علي ابن الكتبي، وتقي الدين الموسوي نقيب المشهد، وشرف الدين محمد بن طاوس العلوي، وخلق من الصدور قتلوا صبراً، وأستاذ الدار محيي الدين يوسف ابن الجوزي، وسيد الشعراء جمال الدين يحيى بن يوسف الصرصري، وشيخ القراء عفيف الدين المرجى بن الحسن بن شقيراء الواسطي السفار، وعالم الإسكندرية أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، والحافظ صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد ابن البكري، وشيخ اللغة شرف الدين الحسين بن إبراهيم الإربلي، والصاحب بهاء الدين زهير بن محمد المهلبي البصري الشاعر، وصاحب الكرك الملك الناصر داود ابن المعظم عيسى ابن العادل، وخطيب بيت الأبار عماد الدين داود بن عمر المقدسي خطيب دمشق، والشيخ الزاهد أبو الحسن الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار المغربي بعيذاب، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد الفاسي بحلب، ومقرئ الموصل الإمام محمد بن أحمد بن أحمد الحنبلي شعلة شاباً، وخطيب مردا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المقدسي الحنبلي، والمسند ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي القرشي، والمحدث شمس الدين علي بن مظفر النشبي الدمشقي، وخلق سواهم في تاريخي الكبير.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المؤدب، أخبرنا عبد العظيم الحافظ أخبرنا محمد بن حمد في سنة اثنتين وتسعين وخمس مئة، أنبأنا علي بن الحسين الموصلي، أخبرنا علي بن الحسن بن قسيم، أخبرنا علي بن محمد بن إسحاق القاضي، حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. أخرجه النسائي عن يعقوب الدورقي.

الكفرطابي

الشيخ المسند الأستاذ أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان بن سالم بن الخضر الكفرطابي ثم الدمشقي الرامي القواس.
مولده في شوال سنة سبع وسبعين وخمس مئة.
وسمع عدة أجزاء من يحيى الثقفي، وتفرد ببعضها.
حدث عنه الدمياطي، والخطيب أبو العباس الفزاري، وأبو علي ابن الخلال، والنجم ابن الخباز، وأحمد بن عبادة، وعلي الغراوي، والشمس ابن الزراد، وأبو الحسن الكندي، والفخر ابن عساكر، وآخرون.
مات في الحادي والعشرين من شوال سنة ست وخمسين وست مئة.

خطيب مراد

الشيخ الإمام الفقيه المسند الخطيب أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النابلسي الحنبلي خطيب مراد.
مولده بها في سنة ست وستين وخمس مئة تقريباً.
وقدم دمشق فاشتغل، وحفظ القرآن وتفقه، وسمع من يحيى الثقفي، وابن صدقة الحراني، وأحمد بن حمزة الموازيني، وجماعة، وارتحل فسمع من أبي القاسم البوصيري، وإسماعيل بن ياسين، وعلي بن حمزة، وفاطمة بنت سعد الخير، وعدة.
حدث عنه الدمياطي والفخر ابن عساكر، والقاضي تقي الدين سليمان، والقاضي شرف الدين حسن، وشمس الدين محمد ابن التاج، وأحمد بن علي عمي، وأبو عبد الله ابن الزراد، والتقي أحمد بن العز، وأحمد بن محمد الزبداني، والزين أبو بكر الحريري، والشيخ أحمد ابن الفخر، وزينب بنت الكمال، ومحمد بن أحمد القصاص، وأحمد بن عبد الرحمن الصرخدي، والأسد عبد القادر العادلي، وخلق كثير، وانتشرت مروياته بدمشق، ونعم الشيخ كان رحمه الله، ثم إنه رجع إلى قريته، وحدث بها أيضاً.
توفي في سنة ست وخمسين وست مئة، سمعت على نحو من ستين نفساً من أصحابه.

النشبي

الإمام المحدث شمس الدين علي بن المظفر بن القاسم الربعي النشبي الدمشقي العدل.
طلب الحديث في كبره، فسمع الخشوعي والقاسم وحنبلاً وطبقتهم، وكان فصيحاً طيب الصوت معرباً، كان يؤدب، ثم صار شاهداً.
روى عنه الدمياطي، وابن الحلوانية، وابن الخلال، ومحمد ابن خطيب بيت الآبار، وآخرون وناب في الحسبة.
مات في ربيع الأول سنة ست وخمسين وست مئة، وله تسعون سنة وأشهر.

البكري

الشيخ الإمام المحدث المفيد الرحال المسند جمال المشايخ صدر الدين أبو علي السن بن محمد ابن الشيخ أبي الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عمروك بن محمد بن عبد الله بن حسن بن القاسم بن علقمة بن النضر بن معاذ ابن فقيه المدينة عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ابن الصديق أبي بكر القرشي التيمي البكري النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي.
ولد بدمشق في سنة أربع وسبعين وخمس مئة.
وسمع بمكة من جده، ومن أبي حفص الميانشي، وبدمشق من حنبل، وابن طبرزذ، وأسمع منهما بنته شامية، ورحل فسمع بهراة من أبي روح الهروي، وبنيسابور من المؤيد الطوسي، وبأصبهان من أبي الفتوح محمد بن محمد بن الجنيد، وعين الشمس الثقفية، وعدة، وبمرو من أبي المظفر ابن السمعاني، وببغداد من ابن الأخضر، وبالموصل وإربل وحلب ومصر وأماكن، وعمل الأربعين البلدية وعني بهذا الشأن، وكتب العالي والنازل، وجمع وصنف، وشرع في تاريخ لدمشق ذيلاً على تاريخ ابن عساكر وعدمت المسودة. روى الكثير، وسمع منه ابن الصلاح، والبرزالي، والكبار.
وحدث عنه الدمياطي، والقطب القسطلاني، وأبو المعالي ابن البالسي، والبدر بن التوزي، والزين أبو بكر بن يوسف الحريري، والتاج أحمد بن مزيز، وأبو عبد الله ابن الزراد، ومحمد بن المحب، وعبد العزيز ابن يعقوب الدمياطي، والعلاء الكندي، وعبد الحميد بن سليمان المغربي، والجمال علي ابن الشاطبي وعدة.
وولي حسبة دمشق، ومشيخة الخوانك، ونفق سوقه في دولة المعظم. وكان جدهم عمروك بن محمد من أهل المدينة النبوية، فتحول وسكن نيسابور.
مرض أبو علي بالفالج مدة، ثم تحول في أواخر عمره إلى مصر فلم يطل مقامه بها، وتوفي في حادي عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين، وما هو بالبارع في الحفظ، ولا هو بالمتقن.
قال ابن الحاجب: كان إماماً عالماً، لسناً فصيحاً، مليح الشكل إلا أنه كثير البهت كثير الدعاوي، عنده مداعبة ومجون، داخل الأمراء، وولي الحسبة، إلى أن قال: ولم يكن محموداً، جدد مظالم، وعنده بذاءة لسان. سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال: بلغني أنه كان يقرأ على الشيوخ، فإذا أتى إلى كلمة مشكلة تركها ولم يبينها، وسألت أبا عبد الله البرزالي عنه فقال: كان كثير التخليط.
قلت: روى صحيح مسلم ومسند أبي عوانة وكتاب الأنواع لابن حبان، وأشياء، أكثر عنه ابن الزراد.
نبأني أبو محمد الجزائري أنه قرأ على أبي علي البكري أربعين البلدان للبكري، يقول فيها: اجتمع لي في رحلتي وأسفاري ما يزيد على مئة وستين بلداً وقرية أفردت لها معجماً فسألني بعض الطلبة أربعين حديثاً للبلدان فجمعتها في أربعين من المدن الكبار عن أربعين صحابياً لأربعين تابعياً. نعم. وأخرج أربعين حديثاً من أربعين أربعين حديثاً، واختصر كتاب الكنى للنسائي.
ومات أخوه:

شرف الدين محمد

ابن محمد في سنة خمس وستين بالقاهرة، عن خمس وسبعين سنة يروي عن جده وحنبل وابن طبرزذ، وعنه الدميطي وأبو عبد الله ابن الزراد، وعلي ابن الشاطبي، وآخرون، وبقيت شامية بنت الصدر إلى سنة خمس وثمانين، وتفردت بأجزاء عن حنبل وابن طبرزذ.

ابن شقيرا

الشيخ الجليل المقرئ الإمام المسند المعمر عفيف الدين أبو الفضل المرجى بن الحسن بن علي بن هبة الله بن غزال عرف بابن شقيراً الواسطي التاجر السفار.
ولد بواسط يوم عرفة سنة إحدى وستين.
وسمع من أبي طالب محمد بن علي الكتاني المحتسب، فكان آخر من روى عنه، ومن ابن نغوبا. وتلا بالعشر على أبي بكر ابن الباقلاني، وتفقه للشافعي على يحيى بن الربيع الفقيه، وكان صحيح الروايات مسموع الكلمة، أقرأ بالروايات، وحدث بمصر والشام والعراق، ثم شاخ وعجز وانقطع.
حدث عنه الدمياطي، والفاروثي، وأبو المحاسن ابن الخرقي، وأبو علي ابن الخلال، ومحمد بن يوسف الإربلي، وأبو المعالي ابن البالسي، ومحمد ابن الخطيب داود، ومحمد بن المهتار، وآخرون.
قال الشيخ عز الدين: بقي ابن الشقيرا إلى سنة ست وخمسين وست مئة، مات قبل قدوم التتار بستة أيام.
وقيد ابن أبي الحسن موته في ثاني صفر.

فضل الله

ابن الحافظ عبد الرزاق ابن الإمام القدوة الشيخ عبد القادر بن أبي صالح بن جنكي دوست الجيلي الشيخ العالم المعمر موفق الدين أبو المحاسن الحنبلي البغدادي.
مولده في سنة ثلاث وسبعين.
وأول سماعه في سنة ثمان وسبعين في شوال من أبي الفتح بن شاتيل، وسمع من أبي السعادات القزاز، وابن بوش، وابن كليب، وهبة الله بن رمضان، وأجاز له في سنة أربع وسبعين أبو الحسين اليوسفي، وأبو العلاء ابن عقيل، وعبد المغيث بن زهير. حدثنا عنه أبو محمد الدمياطي، وأبو الصبر ابن النحاس، وتفردت ابنة الكمال بإجازته.
توفي سنة نيف وخمسين وست مئة، وقد سمعوا منه في سنة خمس وخمسين ثلاثة أجزاء أبي الأحوص العكبري.
توفي في صفر سنة ست.

ابن السراج

الشيخ العالم المحدث الثقة المعمر مسند المغرب أبو الحسين أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد الله بن قاسم ابن السراج الأنصاري الإشبيلي.
ولد سنة ستين وخمس مئة.
وسمع من خاله أبي بكر محمد بن خير، والحافظ أبي القاسم بن بشكوال، وعبد الحق بن بونه، وأبي عبد الله بن زرقون، وحدث عنهم، وعن أبي بكر بن الجد، وأبي محمد بن عبيد الله، وأبي القاسم الشراط، وأبي زيد السهيلي، وأكثر عن السهيلي، فسمع منه الموطأ وصحيح مسلم، والروض الأنف وروى الكثير، وتفرد، وصارت الرحلة إليه بالمغرب، وحمل عنه الحفاظ.
قال ابن السراج في برنامجه: لقيت ابن بشكوال بقرطبة: وسمعت منه عدة دواوين منها تفسير النسائي بسماعه من أبي محمد بن عتاب، حدثنا حاتم بن محمد، عن القابسي عن حمزة الكناني، عنه، وكتاب الصلة له وأشياء.
قلت: كان موثقاً فاضلاً. ومن الرواة عنه: أبو الحسين يحيى بن الحاج المعافري، سمع منه الروض الأنف فسمعه منه في سنة ثماني عشرة وسبع مئة ابن جابر الوادياشي.
توفي ابن السراج ببجاية، في سابع صفر سنة سبع وخمسين وست مئة، وله سبع وتسعون سنة.
وفيها مات المجد أحمد بن أبي علي الإربلي نحوي دمشق، والمحدث أحمد بن محمد بن تامتيت اللواتي الفاسي بمصر، وواقف الصدرية صدر الدين أسعد بن عثمان بن المنجي، وصاحب الروم علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو، وصاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ الأرمني الأتابكي، والشيخ يوسف القميني الموله.

الباذرائي

الإمام قاضي القضاة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد ابن حسن بن عبد الله بن عثمان الباذرائي ثم البغدادي الشافعي الفرضي.
مولده سنة أربع وتسعين وخمس مئة.
وسمع من عبد العزيز بن منينا، وسعيد بن هبة الله الصباغ وجماعة.
روى عنه الدمياطي، والركن الطاووسي، والتاج الجعبري الفرضي والبدر ابن التوزي وآخرون.
تفقه وبرع في المذهب، وناظر ودرس بالنظامية، ونفذ رسولاً للخلافة غير مرة، وأنشأ مدرسة كبيرة بدمشق، وحدث بها وبحلب ومصر. قال الدمياطي: أحسن إلي، وبرني في السفر والحضر، وصحبته تسع سنين، وولي القضاء ببغداد فمات بعد خمسة عشر يوماً.
قلت: لم يحكم إلا ساعة قراءة التقليد، وولي على كره.
قال أبو شامة: عمل عزاؤه بدمشق ثامن عشر ذي الحجة، وكان فقيهاً عالماً ديناً متواضعاً دمث الأخلاق منبسطاً.
قلت: واشتهر أن الحافظ زين الدين خالد باسطه وقال: أتذكر ونحن بالنظامية والفقهاء يلقبونني حولتا ويلقبونك بالدعشوش فتبسم، وكان يركب بالطرحة، ويسلم على العامة، ووقف كتباً نفيسة بمدرسته.
ومن تاريخ ابن الكازروني: أن نجم الدين ندب إلى القضاء في شوال فحضر وهو عليل فخلع عليه وحكم ولم يجلس بعدها انقطع تسعة عشر يوماً، وتوفي، وكان عالماً محققاً تولى القضاء بعده النظام عبد المنعم البندنيجي.
قلت: عافه مولاه عز وجل من سيف التتار، وكن كثير الصدقات رحمه الله.

الأرموي

العلامة الأصولي تاج الدين أبو الفضائل محمد بن الحسين بن عبد الله الأرموي صاحب الحاصل من المحصول وتلميذ فخر الدين ابن الخطيب من مشاهير أئمة المعقول.
روى عنه شيخنا شرف الدين الدمياطي أبياتاً سمعها من الفخر الرازي.
عاش نحواً من ثمانين سنة. ومات سنة خمس وخمسين قبل كائنة بغداد بيسير.

ابن عليم

محدث تونس الحافظ العالم أمين الدين أبو القاسم عبد الرحيم بن أبي جعفر أحمد بن علي بن طلحة الأنصاري الخزرجي الشاطبي ثم السبتي، عرف ببن عليم.
ولد سنة خمس وثمانين وخمس مئة.
وسمع أبا محمد بن حوط الله، وأبا القاسم بن بقي، وحج سنة ثلث عشرة، وسمع من علي ابن البناء المكي، وعبد القوي بن الجباب، وشهاب الدين السهروردي، وابن الزبيدي، وابن عماد، وطبقتهم.
قال الأبار: قدم تونس سنة اثنتين وأربعين، فسمعت عليه جملة.
وقال الشريف عز الدين: حصل المصنفات والأجزاء، وروى بتونس الكثير، وكان يعرف بالمحدث، وكان صدوقاً، صحيح السماع، محباً في هذا الشأن، قال: وامتنع في أخر أيامه من التحديث، وقال: قد اختلطت، وكان كذلك.
مات في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وست مئة.
قلت: أخذ الوادياشي عن طائفة من أصحابه.

ابن الأبار

الإمام العلامة البليغ الحافظ المجود المقرئ مجد العلماء أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي بكر القضاعي الأندلسي البلنسي الكاتب المنشئ، ويقال له: الأبار وابن الأبار.
ولد سنة خمس وتسعين وخمس مئة.
وسمع من أبيه الإمام أبي محمد الأبار، والقاضي أبي عبد الله بن نوح الغافقي، وأبي الخطاب بن واجب، وأبي داود سليمان بن حوط الله، وأبي عبد الله بن سعادة، وحسين بن زلال، وأبي عبد الله ابن اليتيم، والحافظ أبي الربيع بن سالم، ولازمه، وتخرج به.
وارتحل في مدائن الأندلس، وكتب العالي والنازل، وكانت له إجازة من أبي بكر بن حمزة، استجازه له أبوه.
حدث عنه محمد بن أحمد بن حيان الأوسي وطائفة.
وذكره أبو جعفر بن الزبير وقال: هو محدث بارع، حافل، ضابط، متقن، كاتب بليغ وأديب حافل حافظ. روى عن أبيه كثيراً، وسمى جماعة.
إلى ن قال: واعتنى بباب الرواية اعتناء كثيراً، وألف معجمه وكتاب تحفة القادم ووصل صلة ابن بشكوال عرفت به بعد تعليقي هذا الكتاب بمدة _ يعني كتاب الصلة لابن الزبير _ قال: وكان متفنناً متقدماً في الحديث والآداب سنياً متخلفاً فاضلاً قتل صبراً ظلماً وبغياً في أواخر عشر سنين وست مئة.
قلت: كان بصيراً بالرجال المتأخرين، مؤرخاً، حلو التترجم، فصيح العبارة، وافر الحشمة، ظاهر التجمل، من بلغاء الكتبة، وله تصانيف جمة منها تكملة الصلة في ثلاث أسفار اخترت منها نفائس.
انتقل من الأندلس عند استيلاء النصارى، فنزل تونس مدة، فبلغني أن بعض أعدائه شغب عليه عند ملك تونس بأنه عمل تاريخاً وتكلم في جماعة، وقالوا: هو فضولي يتكلم في الكبار، فأخذ، فلما أحس بالتلف قال لغلامه: خذ البغلة لك، وامض حيث شئت، فلما أدخل، أمر الملك بقتله، فتعوذ بالله من شر كل ذي شر، هذا معنى ما حكى لي الإمام أبو الوليد ابن الحاج رحمه الله من قتله.
ومن تواليفه الأربعون عن أربعين شيخاً من أربعين تصنيفاً لأربعين عالماً من أربعين طريقاً إلى أربعين صحابياً لهم أربعون اسماً من أربعين قبيلة في أربعين باباً. أخبرنا أبو عبد الله بن جابر المقرئ سنة 734، أخبرنا محمد بن أحمد بن حيان بتونس سنة سبع عشرة، حدثنا أبو عبد الله ابن الأبار، حدثنا أبو عامر نذير بن وهب بن لب الفهري بقراءتي حدثنا أبي أبو العطاء، حدثنا أبي القاضي أبو عيس لب بن عبد الملك بن أحمد، حدثنا أبي أبو مروان، حدثنا علي بن عيسى الجذامي صاحب الصلاة، حدثنا أبو مروان، حدثنا علي بن عيسى الجذامي صاحب الصلاة، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الإلبيري في كتاب أدب الإسلام، حدثني الفقيه إسحاق بن إبراهيم الطليطلي، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".
هذا حديث صحيح وقع لنا نازلاً بسبع درجات عما أخبرنا ابن أبي عمر وغيره إجازة، قالوا: أخبرنا عمر بن محمد، أخبرنا هبة الله بن محمد، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا محمد بن شداد، حدثنا يحيى القطان، عن إسماعيل بهذا.
وقد رأيت لأبي عبد الله الأبار جزءاً سماه درر السمط في خبر السبط عليه السلام يعني الحسين بإنشاء بديع يدل على تشيع فيه ظاهر، لأنه يصف علياً رضي الله عنه بالوصي، وينال من معاوية وآله، وأيضاً رأيت له أوهاماً في تيك الأربعين نبهت عليها.
وكان مصرعه في العشرين من المحرم عام ثمانية وخمسين وست مئة بتونس.

البياسي

العلامة النحوي أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المغربي.
صاحب فنون وذكاء، وحفظ الحماسة والعقليات ودواوين أبي تمام والمتنبي والمعري وغير ذلك، وصنف لصاحب تونس كتاب حروب الإسلام ختمه بمقتل الوليد بن طريف، وهو مجلدان، وألف حماسة في مجلدين.
مات في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وست مئة، وقد جاوز الثمانين بيسير.

العماد

الشيخ العالم المقرئ الفقيه المسند المعمر عماد الدين أبو محمد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي المؤدب.
ولد بجماعيل، في سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة ظناً.
وقدم دمشق صبياً فسمع من أحمد بن حمزة ابن الموازيني، ويحيى الثقفي، وعبد الرحمن ابن الخرقي، والجنزوي، والخشوعي، ويوسف ابن معالي، وجماعة، وكان شيخاً حسناً فاضلاً جيد التعلم، له مكتب بالقصاعين.
حدث عنه أولاده: شيخنا العز أحمد، ومحمد، وعبد الهادي، وأبو عبد الله البرزالي مع تقدمه، والدمياطي، وتاج الدين صالح الجعبري، وشرف الدين الفزاري، وبدر الدين ابن التوزي، وابن الخباز، والشيخ محمد بن زباطر، والقاضي شرف الدين ابن الحافظ، ومحمد ابن المحب، وأبو عبد الله ابن الزراد، وعدة.
توفي في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين.
وفيها توفي أخوه المعمر محمد بن عبد الهادي، وإبراهيم بن خليل تحت السيف، والفقيه أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن ابن الحسن ابن العجمي الحلبي الشافعي مات شهيداً من عذاب التتار له، وله تسع وثمانون سنة، وسمع من يحيى الثقفي. وفيها توفي المعمر أبو طالب تمام بن أبي بكر السروري الدمشقي الجندي الوالي، يروي عن يحيى الثقفي. وفيها توفي المعظم أبو المفاخر تورانشاه ولد السلطان الكبير صلاح الدين بحلب، عن إحدى وثمانين سنة، روى عن يحيى الثقفي، وابن صدقة. وفيها توفي الشهاب أبو العباس الخضر بن أبي طالب الحموي ثم الدمشقي الكاتب، يروي عن الخشوعي. وفيها توفي المحدث مفيد المقادسة محب الدين عبد الله بن أحمد بن أبي بكر الحنبلي عن أربعين سنة، وفيها المسند أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم الخشوعي الدمشقي الرفاء، عن خمس وثمانين سنة، يروي عن أبيه، ويحيى الثقفي وعبد الرزاق النجار. وفيها الشيخ عفيف أبو بكر محمد ابن زكريا بن رحمة بن أبي الغيث الخياط. وفيها المسند ضياء الدين محمد ابن أبي القاسم بن محمد ابن القزويني الحلبي عن ست وثمانين سنة،يروي عن يحيى الثقفي. وفيها الصالح أبو الكرم لاحق ابن عبد المنعم بن قاسم الأرتاحي ثم المصري، سمع من عم جده أبي عبد الله الأرتاحي. وفيها الشيخ الفقيه وقاضي القضاة صدر الدين أحمد بن سني الدولة.

ابن الهني

المقرئ المجود المحدث الرحال أبو منصور محمد بن علي بن عبد الصمد البغدادي الخياط.
سمع ابن طبرزذ، وابن الأخضر، وابن منينا، وبدمشق من الكندي وطبقته، وتلا بالعشر على أصحاب أبي الكرم الشهرزوري، كابن الناقد وغيره.
تلا عليه عبد الله بن مظفر البعقوبي.
وحدث عنه الدمياطي، وابن الحلوانية، وعلي بن ممدود البندنيجي وآخرون.
حدث في سنة خمس وخمسين، ولعله استشهد بسيف التتار، سمع ما لا يوصف كثرة.

محمد بن عبد الهادي

ابن يوسف بن محمد بن قدامة بن مقدام الفقيه المقرئ المعمر المسند شمس الدين أبو عبد الله المقدسي الجماعيلي الحنبلي أخو العماد المذكور، وكان أبوهما ابن عم الشيخ أبي عمر.
قدم وهو شاب، فسمع من محمد بن أبي الصقر، وعبد الرزاق بن نصر النجار، ويحيى الثقفي، وابن صدقة الحراني، وطائفة. وأجاز له أبو طاهر السلفي، وشهدة الكاتبة، فكان آخر من حدث عنها بالإجازة.
وكان ديناً، خيراً، كثير التلاوة، متعففاً، مشتغلاً بنفسه، يؤم بقرية الساوية من جبل نابلس، أثنى عليه الشيخ الضياء وغيره.
حدث عنه ابن الحلوانية، والدمياطي، والقاضي الحنبلي تقي الدين، والقاضي شرف الدين ابن الحافظ، ومحمد بن أحمد البجدي، ومحمد ابن الزراد، وعائشة أخت محاسن، وزينب بنت الكمال، وجماعة.
روى صحيح مسلم بالجبل في سنة اثنتين وخمسين عن ابن صدقة، ورجع إلى قريته.
قال الشريف عز الدين: استشهد بساوية من عمل نابلس على يد التتار في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وست مئة، قال: وقد نيف على المئة.

ابن الخشوعي

الشيخ أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم ابن الخشوعي الدمشقي الرفاء.
سمع أباه ويحيى الثقفي، وعبد الرزاق النجار وجماعة.
وأجاز له السلفي، وأبو موسى المديني، والترك.
روى عنه الدمياطي، وابن البالسي، والعلاء الكندي، وابن الزراد، وحفيده علي بن محمد، وآخرون.
مات بدمشق في صفر سنة ثمان وخمسين وست مئة.

النعال

الشيخ المعمر الصالح الزاهد صائن الدين أبو الحسن محمد بن أنجب ابن أبي عبد الله بن عبد الرحمن البغدادي الصوفي النعال.
مولده ببغداد في سلخ شعبان سنة خمس وسبعين وخمس مئة.
سمع من جده لأمه هبة الله بن رمضان، ومن ظاعن بن محمد الزبيري. وأجاز له وفاء بن البهي، وعبد المنعم ابن الفراوي، ومحمود بن نصر الشار، وأبو الفتح بن شاتيل، ومحمد بن جعفر بن عقيل، وعدة، خرج له المحدث الحافظ رشيد الدين محمد ابن الحافظ عبد العظيم مشيخة، وكان من كبار الصوفية وصلحائهم.
حدث عنه قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح القشيري، والحافظ أبو محمد الدمياطي، وأبو الفتح بن النشو، والشيخ شعبان الإربلي، والمصريون، وكان من بقايا المسندين.
توفي في رجب سنة تسع وخمسين وست مئة.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن حامد بن أحمد بن الأرتاحي، والمستنصر بالله أحمد ابن الظاهر، والصاحب صفي الدين إبراهيم بن مرزوق العسقلاني، ومدرس الجوزية شرف الدين الحسن بن عبد الله ابن الحافظ، والإمام سيف الدين سعيد بن المطهر الباخرزي، والواعظ جمال الدين عثمان بن مكي بن عثمان الشارعي، وصاحب صهيون مظفر الدين عثمان بن منكورس، تملكها بضعاً وثلاثين سنة، والحافظ أبو بكر ابن سيد الناس اليعمري، وكمال الدين محمد ابن القاضي صدر الدين عبد الملك ابن درباس، ومكي بن عبد الرزاق بن يحيى بان خطيب عقربا، والملك الناصر يوسف بأذربيجان شهيداً.

الزنجاني

العلامة شيخ الشافعية أبو المناقب محمود بن أحمد بن محمود بن بختيار الزنجاني.
تفقه وبرع في المذهب والأصول والخلاف، وبعد صيته، وولي الإعادة بالثقتية بباب الأزج، وتزوج ببنت عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر، وناب في القضاء وولي نظر الوقف العام، وعظم شأنه. ذكره ابن النجار فقال: تكبر وتجبر فأخذه الله، وعزل عن القضاء وغيره، وحبس وعوقب وصودر على أموال احتقبها من الحرام والغلول، فأدى نحو خمسة عشر ألف دينار، بعد أن كان فقيراً مدقعاً، ثم أطلق، وبقي عاطلاً إلى أن قلد القضاء بمدينة السلام سنة ثلاث وعشرين، ثم عزل من قضاء القضاة بعد ستة أشهر، ثم رتب مدرساً بالنظامية سنة 625، ثم عزل منها بعد سنة ونصف، ثم رتب ديواناً، ثم عزل مرات، وعنده ظلم، وحب للدنيا، وحرص على الجاه، وكلب على الحطام. روى بالإجازة عن الناصر، وجمع تفسيراً، ثم درس بالمستنصرية في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين وست مئة، ونفذ رسولاً مرات إلى شيراز.
وقال تاج الدين علي بن أنجب ابن الساعي: ناب في الحكم، ثم ولي قضاء القضاة بالجانبين وبحريم دار الخلافة، وولي نظر الأوقاف، وعظم، ثم عزل، وسجن مدة، ثم أطلق ورتب مشرفاً في أعمال السواد، ثم ولي تدريس النظامية، ثم عزل، ثم لما عزل قاضي القضاة ابن مقبل من تدريس المستنصرية سنة ثلاث وثلاثين وليها الزنجاني.
وأنبأني ظهير الدين علي الكازروني قال: الذي قتلوا صبراً: المستعصم في صفر سنة ست وخمسين وست مئة، وابناه، وأعمامه، وعما أبيه حسين ويحيى، والدويدار مجاهد الدين زوج بنت صاحب الموصل، والملك سليمان شاه عن ثمانين سنة، وسنجر الشحنة، ومحمد بن قيران أمير وألبقرا الشحنة كان، وبلبان المستنصري، وابن الجوزي أستاذ الدار، وبنوه أبو يوسف، وعبد الكريم، وعبد الله، والشيخ شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجي علامة وقته وله تصانيف كثيرة، وشرف الدين ابن سكينة، وسمي آخرين.

بنات الكامل

أم السلطان الملك الناصر يوسف صاحب الشام ابن الملك العزيز، هي الصاحبة الخاتون بنت السلطان الملك الكامل محمد ابن العادل.
ماتت بالرستن ذاهبة إلى حماة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين.
وماتت أختها قبلها بأيام صاحبة حماة.

غازية

بنت السلطان الكامل، والدة الملك المنصور محمد بن المظفر.
وماتت:

الخاتون

أختهما والدة الملك الكامل محمد ابن الملك السعيد عبد الملك بدمشق في الأسبوع، فدفنت عند أبيها بالكاملية، وشهدها ابن أختها صاحب الشام الملك الناصر، وكانت قد تربت عند أختها بحماة فتزوج بها السعيد، في سنة اثنتين وخمسين.

ابن خطيب القرافة

الشيخ العالم أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد بن الحسين القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ، ابن خطيب القرافة.
ولد سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة.
له إجازة خاصة من السلفي روى بها الكثير.
حدث عنه أبو عبد الله البرزالي، والدمياطي، والعماد ابن البالسي، وناصر الدين ابن المهتار، وضياء الدين ابن الحموي، وشمس الدين محمد ابن أيوب النقيب وآخرون.
نسخ الكثير بالأجرة.
وتوفي في ثالث ربيع الآخر سنة ست وخمسين وست مئة.
وسمعنا على زين الدين عبد الرحيم ابن كاميار سنة أربعين بإجازته منه، تفرد بها.
أخوه الإمام المحدث الرحال.

أبو العز

مفضل بن علي الشافعي الفقيه سمع من محمد بن محمد بن الجنيد بأصبهان، ومن المؤيد الطوسي، وعدة بنيسابور، وعبد المعز بن محمد بهراة، وأبي اليمن الكندي بدمشق، وأجاز له السلفي أيضاً.
روى عنه الشيخ تاج الدين الفزاري وأخوه، والفخر بن عساكر، ومحمد ابن خطيب بيت الأبار، وبالحضور العماد ابن البالسي.
وكان عالماً صالحاً صيناً متحرياً صاحب سنة ومعرفة.
مات في شوال سنة الخوارزمية سنة ثلاث وأربعين وست مئة.

ابن العجمي

المفتي المولى الرئيس أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم ابن الصدر أبي طالب عبد الرحمن بن الحسن ابن العجمي الحلبي الشافعي.
حدث عن يحيى الثقفي، وابن طبرزذ.
روى عنه الدمياطي، والبدر ابن التوزي، والكمال إسحاق ابن النحاس، وحفيداه أحمد، وعبد الرحيم ابنا محمد ابن العجمي، وآخرون.
تلف بعذاب التتار على المال في صفر سنة ثمان وخمسين وست مئة، وله تسع وثمانون سنة، ضربوه وصبوا عليه في الشتاء ماء بارداً فتشنج ومات رحمه الله.

القزويني

الشيخ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد بن أبي بكر القزويني الأصل ثم الحلبي الصوفي.
ولد سنة 572.
وسمع أجزاء من يحيى الثقفي. روى عنه الدمياطي، والعماد ابن البالسي، وقاضي حماة عبد العزيز ابن العديم، وإسحاق الأسدي، والتاج صالح الفرضي، وحفيده عبد الله ابن إبراهيم بن محمد، وآخرون.
مات بحلب بعد الكائنة الكبرى في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وست مئة.

لاحق

الشيخ أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم بن أحمد بن حمد الأنصاري، الأرتاحي الأصل، المصري، اللبان، الحريري، والحنبلي.
ولد بعد السبعين وخمس مئة.
وتفرد بإجازة المبارك بن علي ابن الطباخ، فروى بها دلائل النبوة للبيهقي، وسمع من عم جده محمد بن حمد الأرتاحي. وكان صالحاً متعففاً.
روى عنه الحفاظ المنذري، والرشيد العطار، والدمياطي، وعلم الدين الدواداري، ويوسف بن عمر الختني، وأبو بكر بن يوسف ابن الصناج، وآخرون.
مات في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وست مئة، وآخر أصحابه موتاً أبو بكر بن يوسف الصناج.

ابن عمه

الإمام المقرئ أبو العباس أحمد بن حامد بن أحمد بن حمد بن حامد الأرتاحي، ثم المصري، الحنبلي.
ولد سنة أربع وسبعين وخمس مئة.
وسمع من جده لأمه محمد بن حمد، وإسماعيل بن ياسين، وهبة الله البوصيري، وعدة. ولازم الحافظ عبد الغني وأكثر عنه، وأقرأ القرآن.
روى عنه الدمياطي، والدواداري، والشيخ شعبان، ويوسف بن عمر، ومحمد بن عبد الغني الصعبي.
توفي في رجب سنة تسع وخمسين وست مئة.

الشارعي

الإمام العالم جمال الدين أبو عمرو عثمان بن أبي الحرم مكي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن شبيبي السعدي المصري الشارعي الواعظ.
ولد سنة ثلاث وثمانين.
وسمع من أبيه، وقاسم بن إبراهيم المقدسي، وإسماعيل بن ياسين وهبة الله البوصيري، وخلق، فأكثر، وعني بالحديث والعلم وشارك في الفضائل مع التقوى وحسن التذكير وسعة المحفوظ، وكان رأساً في معرفة الوقت.
حدث هو وأبوه وجده وإخوته وذريته.
توفي في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وست مئة.
روى عنه الدواداري، وابن الظاهري، وشعبان الإربلي وآخرون، آخرهم نافلته المتوفي سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.

ابن درباس

الإمام القاضي كمال الدين أبو حامد محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس الماراني المصري الشافعي الضرير المعدل.
ولد سنة ست وسبعين وخمس مئة.
وسمع أباه، والبوصيري، والأرتاحي، والقاسم بن عساكر، وأبا الجود، وجماعة، وأجاز له السلفي.
روى عنه ابن الحلوانية، وعلم الدين الدواداري، والشيخ شعبان الإربلي، وإبراهيم ابن الظاهري، والمصريون، وكان من جلة المشايخ. درس، وأفتى، وأشغل، ونظم الشعر، وجالس الملوك.
توفي في شوال سنة تسع وخمسين وست مئة.

العز الضرير

العلامة المتفنن الفيلسوف الأصولي عز الدين حسن بن محمد بن أحمد ابن نجا الإربلي الضرير الرافضي نزيل دمشق.
كان باهراً في علوم الأوائل. أقرأ في بيته مدة، وكان يقرئ الفلاسفة والمسلمين والذمة، وله هيبة وصولة، إلا أنه كان يخل بالصلوات، وطويته خبيثة، وكان قدراً، لا يتوقى النجاسات، ابتلى بأمراض وعمر، وكان أحد الأذكياء.
مات سنة ستين وست مئة وله أربع وسبعون سنة.

الإربلي

العلامة شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين الهذباني الإربلي الشافعي اللغوي.
ولد بإربل سنة 568.
وقدم دمشق فسمع الكثير من الخشوعي، وعبد اللطيف بن أبي سعد، وحنبل، والكندي، وعدة، وببغداد من الفتح بن عبد السلام، وجماعة.
وكان رأساً في الأداب، يحفظ ديوان المتنبي وخطب ابن نباتة، والمقامات ويدريها ويحلها، وكان ثقة خيراً تخرج به الفضلاء.
وروى عنه الدمياطي، وأبو إسحاق المخرمي، ومحمد ابن الزراد، وقطب الدين ابن اليونيني، وآخرون.
مات في ثاني ذي القعدة سنة ست وخمسين وست مئة.

البهاء زهير

الصاحب الأوحد بهاء الدين أبو العلاء زهير بن محمد بن علي الأزدي، المهلبي، المكي، ثم القوصي، الكاتب.
له ديوان مشهور وشعر رائق.
مولده سنة إحدى وثمانين وخمس مئة.
وسمع من علي بن أبي الكرم البناء.
كتب الإنشاء للسلطان الملك الصالح نجم الدين، ثم في الآخر أبعده السلطان، فوفد على صاحب حلب الملك الناصر، ثم في آخر أمره افتقر وباع كتبه، وكان ذا مكارم وأخلاق.
توفي سنة ست وخمسين وست مئة، في ذي القعدة. الملك الرحيم

السلطان بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ الأرمني النوري الأتابكي مملوك السلطان نور الدين أرسلان شاه ابن السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل.
كان من أعز مماليك نور الدين عليه وصيره أستاذ داره وأمره، فلما نوفي تملك ابنه القاهر، وفي سنة وفاة الملك العادل سلطن القاهر عز الدين مسعود ولده ومات رحمه الله، فنهض لؤلؤ بتدبير المملكة، والصبي وأخوه صورة، وهما ابنا بنت مظفر الدين صاحب إربل، أقامهما لؤلؤ واحداً بعد واحد، ثم تسلطن هو في سنة ثلاثين وست مئة.
وكان بطلاً شجاعاً حازماً مدبراً سائساً جباراً ظلوماً، ومع هذا فكان محبباً إلى الرعية، فيه كرم ورئاسة، وكان من أحسن الرجال شكلاً، وكان يبذل للقصاد ويداري ويتحرز ويصنع التتار وملوك الإسلام، وكان عظيم الهيبة خليقاً للإمارة، قتل عدة أمراء وقطع وشنق وهذب ممالك الجزيرة، وكان الناس يتغالون ويسمونه قضيب الذهب، وكان كثير البحث عن أحوال رعيته. عاش قريباً من تسعين سنة ووجهه مورد وقامته حسنة، يظنه من يراه كهلاً، وكان يحتفل لعيد الشعانين لبقايا فيه من شعار أهله، فيمد سماطاً عظيماً إلى الغاية، ويحضر المغاني، وفي غضون ذلك أواني الخمور، فيفرح وينثر الذهب من القلعة، ويتخاطفه الرجال، فمقت لإحياء شعار النصارى، وقيل فيه:

يعظم أعياد النصارى مـحـبة

 

ويزعم أن الله عيسى ابن مريم

إذا نبهتـه نـخـوة أريحـية

 

إلى المجد قالت أرمنيته: نـم

وقيل: إنه سار إلى خدمة هولاكو، وتلطف به وقدم تحفاً جليلة، منها جوهرة يتيمة، وطلب أن يضعها في أذن هولاكو فاتكاً ففرك أذنه، وأدخل الحلقة في أذنه ثم رجع إلى بلاده متولياً من قبله، وقرر عليه مالاً يحمله، ثم مات في ثالث شعبان بالموصل سنة سبع وخمسين وست مئة.
فلما مات تملك ولده املك الصالح إسماعيل وتزوج بابنة هولاكو فأغضبها وأغارها، ونازلت التتار الموصل، واستمر الحصار عشرة أشهر، ثم أخذت، وخرج إليهم الصالح بالأمان فغدروا به، واستباحوا الموصل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبدر الدين ممن كمل الثمانين، وكان ابنه الصالح إسماعيل قد سار في العالم الذي قتل فيه إلى مصر، واستنجد بالمسلمين وأقبل فالتقى العدو بنصيبين فهزمهم، وقتل مقدمهم إيلكا، فتنمر هولاكو، وبعث سنداغو، فنازل الموصل أشهراً، وجرى ما لا يعبر عنه.

المعظم الحلبي

الملك المعظم أبو المفاخر تورانشاه ابن السلطان الكبير المجاهد صلاح الدنيا والدين يوسف بن أيوب، آخر من بقي من إخوته.
ولد سنة سبع وسبعين وخمس مئة.
فسمع بدمشق من يحيى الثقفي، وابن صدقة الحراني، وأجز له عبد الله بن بري.
انتخب له شيخنا الدمياطي جزءاً سمعه منه هو وسنقر القضائي والقاضي شقير أحمد بن عبد الله، والتاج محمد بن أحمد النصيبي وجماعة، سمعوا منه في حال الاستقامة، فإنه كان يتناول المسكر.
وكان كبير آل بيته، وكان السلطان الملك الناصر يوسف يتأدب معه ويجله لأنه أخو جده، فكان يتصرف في الخزائن والمماليك، وقد حضر غير مصاف، وكان فارساً شجاعاً عاقلاً داهيةً، وكان مقدم العساكر الحلبية من دهر، وهو كان المقدم يوم كسره الخوارزمية في سنة ثمان وثلاثين وست مئة بقرب الفرات فاسر يومئذ مثخناً بالجراح، وانهزم أصحابه، وقتل يومئذ الملك الصالح ولد الملك الأفضل علي ابن صلاح الدين. ولما أخذ هولاكو حلب عصت قلعتها وبها المعظم هذا فحماها ثم سلمها بالأمان وعجز عنها ولم يعش بعدها إلا أياماً.
مات في أواخر ربيع الأول سنة ثمانٍ وخمسين وست مئة عن إحدى وثمنين سنة، ودفن بدهليز داره.

الظاهر

الملك الظاهر غازي ابن الملك العزيز محمد ابن الظاهر غازي أخو صاحب الشام الملك الناصر يوسف يلقب سيف الدين، وهو شقيق الناصر.
كان شجاعاً جواداً مليح الصورة كريم الأخلاق عزيزاً على أخيه إلى الغاية، ولقد أراد جماعة من الأمراء العزيزية القبض على الناصر وتمليك هذا فشعر بهم السلطان ووقعت الوحشة.
وفي أول سنة ثمان وخمسين زالت دولة الناصر وفارق غازي أخاه، فاجتمع بغزة على طاعته البحرية، وسلطنوه فدهمهم هولاكو، ثم اجتمع الأخوان ودخلا البرية وتوجها معاً إلى حتفهما. وخلف غازي ولداً بديع الحسن، اسمه زبالة، وأمه جارية اسمها وجه القمر، فتزوجت بأيدغدي العزيزي ثم بالبيسري، ومات زبالة بمصر شاباً، وقتل غازي صبراً مع أخيه بأذربيجان، فذكر ابن واصل أن هولاكو أ؛ضر الناصر وأخاه وقال: أنت قلت: ما في البلاد أحد، وإن من فيها في طاعتك حتى غررت بالمغل؟ فقال: أنا في توريز في قبضتك، كيف يكون لي حكم على من هناك؟ فرماه بسهم فصاح: الصنيعة يا خوند، فقال أخوه: اسكت فقول لهذا الكلب هذا القول، وقد حضرت! فرماه هولاكو بسهم آخر قضى عليه وضربت عنق الظاهر وأصحابهما.

شعلة

الإمام المجود الذكي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن حسين الموصلي الحنبلي المقرئ شعلة، ناظم الشمعة في السبعة وشارح الشاطبية وأشياء.
تلا على علي بن عبد العزيز الإربلي، وله نظم في غاية الاختصار ونهاية الجودة، وكان صالحاً خيراً تقياً متواضعاً.
حدثني تقي الدين أبو بكر المقصاتي: سمعت أبا الحسن علي بن عبد العزيز قال: كان شعلة نائماً إلى جنبي فاستيقظ فقال: رأيت الآن رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه العلم فأطعمني تمرات، قال أبو الحسن: فمن ذلك الوقت فتح عليه، وكان المقصاتي قد جلس إلى شعلة، وسمع بحوثه، فقال لي: توفي في صفر سنة ست وخمسين وست مئة، عاش ثلاثاً وثلاثين سنة.

الفاسي

شيخ القراء العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد ابن يوسف الفاسي مصنف شرح الشاطبية.
أخذ القراءات عن ابن عيسى، وأصحاب الشاطبي، والقاضي بهاء الدين ابن شداد وطائفة، وتفقه لأبي حنيفة، وكان رأساً في القراءات والنحو، ديناً صيناً، وقوراً متثبتاً، مليح الخط.
أخذ عنه بدر الدين الباذقي، وبهاء الدين ابن النحاس، وحسين بن قتادة الشريف، والشيخ عبد الله بن رفيعا الجزري، وآخرون، واستوطن حلب.
مات في ربيع الآخر سنة ست وخمسين وست مئة، وله نيف وسبعون سنة.

ابن العلقمي

الوزير الكبير المدبر المبير مؤيد الدين محمد بن علي بن أبي طالب ابن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم.
وكنت دولته أربع عشرة سنة فأفشى الرفض فعارضه السنة، وأكبت، فتنمر، ورأى أن هولاكو على قصد العراق فكاتبه وجسره وقوى عزمه على قصد العراق، ليتخذ عنده يداً، ولتمكن من أغراضه، وحفر للأمة قليباً، فأوقع فيه قريباً، وذاق الهوان، وبقي يركب كديشاً وحده، بعد أن كانت ركبته تضاهي موكب سلطان، فمات غبناً وغماً، وفي الآخرة أشد خزياً وأشد تنكيلاً.
وكان أبو بكر ابن المستعصم والدويدار الصغير قد شدا على أيدي السنة حتى نهب الكرخ، وتم على الشيعة بلاء عظيم، فحنق لذلك مؤيد الدين بالثار بسيف التتار من السنة، بل ومن الشيعة واليهود والنصارى، وقتل الخليفة ونحو السبعين من أهل العقد والحل، وبذل السيف في بغداد تسعة وثلاثين نهاراً حتى رجت سيول الدماء وبقيت البلدة كأمس الذاهب، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعاش ابن العلقمي بعد الكائنة ثلاثة أشهر، وهلك.
ومات قبله بأيام أخوه الصاحب علم الدين أحمد.
ومات بعده ابنه محمد أحد البلغاء المنشئين.
وعاش الوزير ستاً وستين سنة.

الباخرزي

الإمام القدوة شيخ خراسان سيف الدين أبو المعالي سعيد بن المطهر ابن سعيد بن علي القائدي الباخرزي نزيل بخارى.
كان إماماً محدثاً، ورعاً زاهداً، تقياً، أثرياً، منقطع القرين، بعيد الصيت، له وقع في القلوب ومهابة في النفوس. صحب الشيخ نجم الدين الخيوقي، وسمع من المؤيد الطوسي وغيره، وببغداد من علي بن محمد الموصلي، وأبي الفتوح الحضري، وإسماعيل بن سعد الله بن حمدي، ومشرف الخالصي، وإسماعيل بن سعد الله بن حمدي، ومشرف الخالصي، وبنيسابور من إبراهيم بن سالار الخوارزمي.
وقيل: إنه قدم بغداد وله إحدى عشرة سنة، فسمع من ابن الجوزي، فإنه ولد في تاسع شعبان سنة ست وثمانين. وقد ذكره في معجم الألقاب ابن الفوطي، فقال فيه: هو المحدث الحافظ الزاهد الواعظ. كان شيخاً بهياً عارفاً، تقياً فصيحاً، كلماته كالدر. روى عن أبي الجناب الخيوقي، ولبس منه وشيخه لبس من إسماعيل القصري، عن محمد بن ناكيل، عن داود بن محمد، عن أبي العباس بن إدريس، عن أبي القاسم بن رمضان، عن أبي يعقوب الطبري، عن أبي عبد الله بن عثمان، عن أبي يعقوب النهرجوري، عن أبي يعقوب السوسي، عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن قال: هو لبسها من يد كميل بن زياد، عن علي رضي الله عنه.
قلت: هذه الطرق ظلمات مدلهمة ما أشبهها بالوضع! قال ابن الفوطي: قرأت في سيرة الباخرزي لشيخنا منهاج الدين النسفي، وكان متأدباً بأفعاله، فقال: كان الشيخ متأدباً للحديث في الأصول والفروع، لم ينظر في تقويم ولا طب، بل إذا وصف له دواء خالفهم متابعاً للسنة، وكانت طريقته عارية عن التكلف، كان في علمه وفضله كالبحر الزاخر، وفي الحقيقة مفخر الأوائل والأواخر، له الجلالة والوجاهة، وانتشر صيته بين المسلمين والكفار، وبهمته اشتهر علم الأثر بما وراء النهر وتركستان، وكان علمهم الجدل والقول بالخلافيات وترك العمل، فأظهر أنوار الأخبار في تلك الديار.
ولد بباخرز، وهي ولاية بين نيسابور وهراة قصبتها مالين، وصحب نجم الكبرى، وبهاء الدين السلامهي، وتاج الدين محموداً الأشهني، وسعد الدين الصرام الهروي، ومختاراً الهروي، وحج في صباه ثم دخل بغداد ثانياً، وقرأ على السهروردي، وبخراسان على المؤيد الطوسي، وفضل الله بن محمد بن أحمد النوقاني، ثم تكلم بدهستان على الناس، وقرأ على الخطيب جلال الدين ابن الشيخ شيخ الإسلام برهان الدين المرغيناني كتاب الهداية في الفقه من تصانيف أبيه. ثم قدم خوارزم، وقرأ ببخارى على المحبوبي، والكردري، وأبي رشيد الأصبهاني. ولما خرب التتار بخارى وغيرها أمر نجم الدين الكبرى أصحابه بالخروج من خوارزم إلى خراسان منهم سعد الدين، وآخى بين الباخرزي وسعد الدين، وقال للباخرزي: اذهب إلى ما وراء النهر. وفي تلك الأيام هرب خوارزم شاه، فقدم سيف الدين بخارى وقد احترقت وما بها موضع ينزل به، فتكلم بها، وتجمع إليه الناس، فقرأ لهم البخاري على جمال الدين عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي سنة اثنتين وعشرين وست مئة، ثم أقام، ووعظ وفسر، ولما عمرت بخارى أخذوا في حسده وتكلموا في اعتقاده، وكان يصلي صلاة التسبيح جماعة ويحضر السماع. ولما جاء محمود يلواج بخارى ليضع القلان؛ وهو أن يعد الناس ويأخذ من الرأس ديناراً والعشر من التجارة، فدخل على سيف الدين فرأى وجهه يشرق كالقمر، وكان الشيخ جميلاً بحيث إن نجم الدين الكبرى أمره لما أتاه أن يتنقب لئلا يفتتن به الناس، فأحب يلواج الشيخ ووضع بين يديه ألف دينار، فما التفت إليها. ثم خرج ببخارى التارابي وحشد وجمع فالتقى المغل وأوهم أنه يستحضر الجن، ولم يكن مع جمعه سلاح فاغتروا بقوله، فقتلت المغل في ساعة سبعة آلاف منهم أولهم التارابي، فأوهم خواصه أنه قد طار، وما نجا إلا من تشفع بالباخرزي، لكن وسمتهم التتار بالكي على جباههم. إلى أن قال: ووقع خوف الباخرزي في قلوب الكفار، فلم يخالفه أحد في شيء يريده، وكان بايقوا أخو قآن ظالماً غاشماً سفاكاً، قتل أهل ترمذ حتى الدواب والطيور والتحق به كل مفسد، فشغبوه على الباخرزي، وقالوا: ما جاء إليك وهو يريد أن يصير خليفة. فطلبه إلى سمرقند مقيداً، فقال: إني سأرى بعد هذا الذل عزاً، فلما قرب مات بايقوا، فأطلقوا الشيخ وأسلم على يديه جماعة. وزار بخرتنك قبر البخاري وجدد قبته وعلق عليها الستور والقناديل فسأله أهل سمرقند أن يقيم عندهم، فأقام أياماً ورجع إلى بخارى، وأسلم على يده أمير وصار بواباً للشيخ، فسماه الشيخ مؤمناً. وعرف الشيخ بين التتار بألغ شيخ، يعين الشيخ الكبير، وبذلك كان يعرفه هولاكو، وقد بعث إليه بركة بن توشي بن جنكزخان من سقسين رسولاً ليأخذ له العهد بالإسلام، وكان أخوه باتوا كافراً ظلوماً قد استولى على بلاد سقسين وبلغار وصقلاب وقفجاق إلى الدربند، وكان لبركة أخ أصغر منه يقال له: بركة حر، وكان باتوا مع كفره يحب الشيخ، فلما عرف أن أخاه بركة خان قد صار مريداً للشيخ فرح فاستأذنه في زيارة الشيخ فأذن له، فسار من بلغار إلى جند ثم إلى أترار، ثم أتى بخارى، فجاء بعد العشاء في الثلوج فما استأذن إلى بكرة، فحكى لي من لا يشك في قوله أن بركة خان قام تلك الليلة على الباب حتى أصبح، وكان يصلي في أثناء ذلك، ثم دخل فقبل رجل الشيخ، وصلى تحته البقعة فأعجب الشيخ ذلك، وأسلم جماعة من أمرائه، وأخذ الشيخ عليهم العهد، وكتب له الأوراد والدعوات، وأمره بالرجوع، فلم تطب نفسه، فقال: إنك قصدتنا ومعك خلق كثير، وما يعجبني أن تأمرهم بالانصراف، لأني أشتهي أن تكون في سلطانك. وكان عنده ستون زوجة فأمره باتخاذ أربع وفراق الباقيات ففعل، ورجع وأظهر شعار الملة، وأسلم معه جماعة، وأخذوا في تعليم الفرض، وارتحل إليه الأئمة، ثم كانت بينه وبين ابن عمه هولاكو حروب، ومات بركة خان في ربيع الآخر سنة خمس وستين، وكانت خيراته متواصلة إلى أكثر العلماء.
وكان المستعصم يهدي من بغداد إلى الباخرزي التحف، من ذلك مصحف بخط الإمام علي رضي الله عنه، وكان مظفر الدين أبو بكر بن سعد صاحب شيراز يهدي إلى الشيخ في السنة ألف دينار، وأنفذ له لؤلؤ صاحب الموصل. وأهدت له ملكة بنت أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان سن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كسر يوم أحد. وكان يمنع التتار من قصد العراق، ويفخم أمر الخليفة، وممن راسله سلطان الهند ناصر الدين أيبك، وصاحب السند وملتان غياث الدين بلبان.
قال: وبعث إليه منكو قآن لما جلس على سرير السلطنة بأموال كثيرة، وكذلك ويزره برهان الدين مسعود بن محمود يلواج، وكان عالماً بالخلاف والنكت، أنشأ مدرسة بكلاباذ، وكان معتزلياً، وكان إذا جاء إلى الشيخ قبل العتبة ووقف حتى يؤذن له، ويقول: إن أبي فعل ذلك، ولأن له هيبة في قلوب ملوكنا، حتى لو أمرهم بقتلي لما توقفوا!.
قال: ومن جملة الملازمين له نجم الدين ما قيل المقرئ، وسعد الدين سرجنبان، وروح الدين الخوارزمي، وشمس الدين الكبير، ومحمد كلانة، وأخي صادق، ونافع الدين بديع، ثم سرد عدة.
قال: وقد أجاز لمن أدرك زمانه. وامتدحه جماعة منهم سعد الدين ابن حمويه، كتب إليه بأبيات منها:

يا قرة العين سل عيني هل اكتحلت

 

بمنظر حسن مذ غبت عن عينـي

الصاحب علاء الدين عطا ملك صاحب الديوان، وكان إذا رقي المنبر، تكلم على الخواطر، ويستشهد بأبيات منها:

إذا ما تجلى لي فكلي نواظر

 

وإن هو ناداني فكلي مسامع

ومنه:

وكلت إلى المحبوب أمري كله

 

فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا

ومنها: وما بيننا إلا المدامة ثالث==فيملي ويسقيني وأملي ويشرب  توفي الشيخ رحمه الله في العشرين من ذي القعدة أعتق له ما نيف على أربع مئة مملوك، وأوصى أن يكفن في خرقة شيخه نجم الكبرى، وأن لا يقرأ قدام جنازته ولا يناح عليه، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً لم يتخلف أحد، حزر العالم بأربع مئة ألف إنسان، ومن تركته لكل ابن _ وهم: جلال الدين محمد وبرهان الدين أحمد ومظهر الدين مطهر _: ثلاث مئة وثلاثين ثوباً ما بين قميص ومنديل وعمامة وفروة، وكانت له فروة آس من الفاقم أعطي فيها ألف دينار، وكانت مسامير المداسات فضة، وكان له كرسي تحت رجليه مذهب بخمس مئة دينار، وكان له من الخيل والمواشي ما يساوي عشرة آلاف دينار، وكان له من العبيد ستون عبداً من حفاظ القرآن وتعلموا الخط والعربية وسمعوا الحديث، وسردهم، منهم نافع الدين، وقد كتب للشيخ اكثر من أربعين مصحفاً وكتاباً وحج وخلع عليه بالديوان، وله من الفلاحين أزيد من ثلاث مئة نفس وله قرى وبساتين عدة، وسماها، ورثاه بهذه كمال الدين حسن بن مظفر الشيباني البلدي:

أما ترى أن سيف الحـق قـد صـدأ

 

وأن دين الهدى والشـرع قـد رزئا

وأن شمس المعالي والعلى غـربـت

 

ون نور التقى والعلـم قـد طـفـئا

بموت سيف الهدى والدين أفضل مـن

 

بعد النبي على هذا الـثـرى وطـئا

شيخ الزمان سعيد بن المطهـر مـن

 

إليه كان الهدى قد كان مـلـتـجـئا

شأى الأنـام بـأوصـاف مـهــذبةٍ

 

ومن حوى ما حواه في الأنـام شـآ

قد عاش سعين عاماً في نـزاهـتـه

 

لم يتخذ لـعـبـاً يومـاً ولا هـزؤا

من كان شاهد أياماً لـه حـسـنـت

 

لا شك شاهد عصر المصطفى ورأى

بحر لفـظ يزيل الـسـقـم أيسـره

 

فلو يعالـج مـلـسـوع بـه بـرئا

وحر وعظ يذيب الصخـر أهـونـه

 

حتى لو اختار مـقـرور بـه دفـئا

الموت حتم يهـد الـنـاس كـلـهـم

 

بنابـه ويصـيد الـلـيث والـرشـآ

ما غادر الموت عدناناً ولا مـضـراً

 

كلا ولا فت قحـطـانـاً ولا سـبـآ

يا ليت أذني قد صمت ولا سمـعـت

 

في رزئه من فم الداعي لـه نـبـآ

وهي طويلة غراء.
أخبرنا نافع الهندي، أخبرنا سعيد بن المطهر، أخبرنا المؤيد الطوسي وأخبرنا ابن عساكر عن المؤيد: أخبرنا السيدي، أخبرنا سعيد بن محمد، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا إبراهيم الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: "إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى" متفق عليه.

?إقبال

جمال الدولة أمير الجيوش شرف الدين أبو الفضل الحبشي المستنصري الشرابي.
جعل في سنة ست وعشرين وست مئة مقدم جيوش العراق، وأنشأ مدرسة في غاية الحسن في سنة ثمان وعشرين للشافعية، فدرس بها التاج الأرموي، ثم أنشأ مدرسة أخرى سنة اثنتين وثلاثين، ودرس بها زين الدين أحمد بن نجا الواسطي، وأنشأ بمكة رباطاً، وله معروف كثير، وفيه دين وخشوع، وله محاسن وجود، غمر وبذل للصلحاء والشعراء، والتقى التتار في سنة ثلاث وأربعين فهزمهم، فعظم بذلك وارتفع قدره وصار من أكبر الملوك، إلى أن توجه في خدمة المستعصم نحو الحلة لزيارة المشهد، فمرض إقبال في الحلة، فيقال سقي في تفاحة، فلما أكلها أحس بالشر. رجع إلى بغداد منحدراً في شوال سنة ثلاث وخمسين وست مئة فتوفي بها.

الدويدار

الملك مقدم جيش العراق مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير.
أحد الأبطال المذكورين والشجعان الموصوفين الذي كان يقول: لو مكنني أمير المؤمنين المستعصم لقهرت التتار ولشغلت هولاكو بنفسه. وكان مغرى بالكيمياء، له بيت كبير في داره فيها عدة من الصناع والفضلاء لعمل الكيمياء، ولا تصح؛ فحكى شيخنا محيي الدين ابن النحاس قال: مضيت رسولاً فأراني الدويدار دار الكيمياء، وحدثني، قال: عارضني فقير وقال: يا ملك خذ هذا المثقال وألقه على عشرة آلاف مثقال يصير الكل ذهباً، ففعلت فصح قوله، ثم لقيته بعد مدة فقلت علمني الصنعة، قال: لا أعرفها لكن رجل صالح أعطاني خمسة مثاقيل فأعطيتك مثقالاً ولملك الهند مثقالاً ولآخرين مثقالين وبقي لي مثقال أنفق منه، ثم أراني الدويدار قطعة فولاذ قد أحميت وألقى عليها مغربي شيئاً فصار ما حمى منها ذهباً وباقيها فولاذ.
قال الكازروني فيما أنبأني: إن الخليفة قتل معه عدة من أعمامه وأولاده وابن الجوزي ومجاهد الدين الدويدار الذي تزوج ببنت بدر الدين صاحب الموصل، وحمل رأسه ورأس الملك سليمان شاه وأمير الحج فلك الدين فنصبوا بالموصل.

ابن أبي الحديد

العلامة البارع موفق الدين قاسم بن هبة الله بن محمد بن محمد بن حسين بن أبي الحديد أبو المعالي المدائني الأصولي الأديب الكاتب البليغ.
أجاز له عبد الله بن أبي المجد.
أخذ عنه علي بن أنجب، والدمياطي، وله باع مديد في النظم والنثر، وكان ابن العلقمي يكرمه وينوه بذكره كثيراً وبذكر أخيه الأوحد عز الدين أبي محمد عبد الحميد فمات الوزير ابن العلقمي فتوفي بعده الموفق بأربع ليال في نحو اليوم الخامس من جمادى الآخرة سنة ست وخمسين بعد مقاساة تلك الشدائد فرثاه أخوه العز، فقال.

أبا المعالي هل سمعت تأوهي

 

ولقد عهدتك في الحياة سميعا

عيني بكتك ولو تطيق جوانحي

 

وجوارحي أجرت عليه نجيعا

ووفيت للمولى الوزير فلم تعش

 

من بعده شهراً ولا أسبـوعـا

وبقيت بعدكما فلو كان الـردى

 

بيدي لفارقت الحياة جمـيعـا

فما عاش العز بعد أخيه إلا أربعة عشر يوماً.
وفي معجم شيخنا الدمياطي أن موت الموفق في رجب، والأول أصح.

ابن الجوزي

الصاحب العلامة أستاذ دار الخلافة محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي القرشي البكري الحنبلي.
ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمس مئة.
وسمع من أبيه، ويحيى بن بوش، وأبي منصور عبد السلام، وذاكر ابن كامل، وابن كليب، وعدة. وتلا بواسط للعشرة على ابن الباقلاني بحضرة أبيه عندما أطلق من الحبس.
روى عنه الدمياطي، والرشيد بن أبي القاسم، وجماعة. ودرس، وأفتى، وناظر، وتصدر للفقه، ووعظ. وكان صدراً كبيراً وافر الجلالة ذا سمت وهيبة وعبارة فصيحة، روسل به إلى الملوك، وبلغ أعلى المراتب، وكان محمود الطريقة محبباً إلى الرعية، بقي في الأستاذ دارية سائر أيام المستعصم.
قال الدمياطي: قرأت عليه كتاب الوفا في فضائل المصفى لأبيه، وأنشدنا لنفسه، ووصلني بذهب.
قال شمس الدين ابن الفخر: أما رياسته وعقله فتنقل بالتواتر حتى قال السلطان الملك الكامل: كل أحد يعوزه عقل سوى محيي الدين فإنه يعوزه نقص عقل! وذلك لشدة مسكته وتصميمه وقوة نفسه، تحكي عنه عجائب في ذلك: مر بباب البريد فوقع حانوت في السويقة، وضج الناس وسقطت خشبة على كفل البغلة فما التفت ولا تغير. وكان يناظر ولا يحرك له جارحة.
أنشأ بدمشق مدرسة كبيرة، وقدم رسولاً غير مرة. وحدث بأماكن.
ضربت عنقه صبراً عند هولاكو في صفر سنة ست وخمسين وست مئة في نحو من سبعين صدراً من أعيان بغداد منهم أولاده: المحتسب جمال الدين عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم رحمهم الله.
ابنه:

الصاحب شرف الدين

عبد الله بن يوسف ابن الجوزي الحنبلي المدرس. من نبلاء الرجال، كثير التلاوة، جيد الفقه وأصوله، ولما ولي أخوه العلامة الأوحد جمال الدين عبد الرحمن تدريس المستنصرية سنة اثنتين وأربعين ولي شرف الدين حسبة بغداد، ورفعت بين يديه الغاشية، ودرس بالبشيرية سنة ثلاث وخمسين. وقد أرسله المستعصم إلى خراسان إلى هولاكو ثم رجع، وأخبر بصحة عزمه على قصد العراق في جيش عظيم، فلم يستعدوا للقائه ولما خرج المستعصم إليه طلب منه أن ينفذ إلى خورستان من يسلمها، فنفذ شرف الدين هذا بخاتم الخليفة، فتوجه مع جماعة من المغول، وعرفهم حقيقة الحال، فلما رجع كان هولاكو قد ترحل عن بغداد بن أن صيرها دكاً، فلقيه بأسد آباذ فأعلم هولاكو بنصيحة شرف الدين لأهل خورستان فقتله بأسد آباذ.

واقف الصدرية

القاضي الرئيس صدر الدين أبو الفتح أسعد بن عثمان ابن شيخ الحنابلة وجيه الدين أسعد بن المنجي بن بركات بن المؤمل التنوخي الدمشقي المعدل.
ولد سنة ثمان وتسعين.
وسمع من حنبل، وابن طبرزذ.
روى عنه الدمياطي، وابن الخباز، والعلاء الكندي، وكان من كبراء البلد.
مات في رمضان سنة سبع وخمسين، فدفن بمدرسته، وهو أخو شيخنا: وجيه الدين، ومفتي الشام زين الدين.

المحب

المحدث الرحال مفيد الطلبة محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد ابن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي.
روى عن الشيخ موفق الدين حضوراً، وعن ابن البن، وابن صصرى، وابن الزبيدي. وارتحل فأكثر عن ابن القبيطي، وابن أبي الفخار، وابن الخازن، والكاشغري، وبالغ، وكتب العالي والنازل، وأقام ببغداد سنوات في الطلب.
روى عنه الدمياطي، وابن الخباز، ومحمد ابن النمير، وابنه الشيخ محمد ابن المحب، وآخرون، وعاش أربعين سنة.
توفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وست مئة رحمه الله، وفي أولاده علم واعتناء بالحديث.

?الناصر داود

السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر داود ابن السلطان الملك المعظم عيسى ابن العادل.
مولده بدمشق سنة ثلاث وست مئة.
أجاز له المؤيد الطوسي، وأبو روح الهروي، وسمع في كبره من أبي الحسن القطيعي ببغداد، ومن ابن اللتي بالكرك.
وكان فقيهاً حنفياً ذكياً، مناظراً، أديباً شاعراً بديع النظم، مشاركاً في علوم، تسلطن عند موت أبيه، وأحبه أهل البلد، فأقبل عماه الكامل والأشرف فحاصراه أشهراً، ثم انفصل عن دمشق في أثناء سنة ست وعشرين، وقنع بالكرك، وأعطوه معها نابلس وعجلون والصلت وقرى بيت المقدس سوى البلد فإنه أخذه الأنبروز الإفرنجي الذي أنجد الكامل، ثم زوجه الكامل بابنته في سنة تسع وعشرين، ثم وقع بينهما ففارق البنت، ثم بعد سنة ثلاثين سار إلى المستنصر بالله وقدم له تحفاً واجتمع به وأكرمه بعد امتناع بعمل قصيدته الفائقة وهي:

ودان ألمت بالـكـثـيب ذوائبـه

 

وجنح الداجي وحف تجول غياهبه

تقهقه في تلك الربـوع رعـوده

 

وتبكي على تلك الطلول سحائبـه

إلى أن بدا من أشقر الصبح قـادمٌ

 

يراع له من أدهم الليل هـاربـه

منها:

ألا يا أمير المؤمنين ومن غـدت

 

على كاهل الجوزاء تعلو مراتبه

أيحسن في شرع المعالي ودينها

 

وأنت الذي تعزى إليه مذاهبـه

بأني أخوض الدو والدو مقـفـر

 

سباريته مغبرة وسـبـاسـبـه

وقد رصد الأعداء لي كل مرصدٍ

 

فكلهم نحوي تدب عـقـاربـه

وآتيك والعضب المهند مصلـت

 

طرير شباه قـانـيات ذوائبـه

وأنزل آمالي بـبـابـك راجـياً

 

بواهر جاه يبهر النجم ثاقـبـه

فتقبل مني عبد رقٍ فـيغـتـدي

 

له الدهر عبداً خاضعاً لا يغالبه

وتنعم في حقي بما أنت أهـلـه

 

وتعلي محلي فالسها لا يقاربـه

وتلبسني من نسج ظـلـك حـلةً

 

تشرف قدر النيرين جلابـبـه

وتركبني نعمى أياديك مركـبـاً

 

على الفلك الأعلى تسير مراكبه

ويأتيك غيري من بـلادٍ قـريبة

 

له الأمن فيها صاحب لا يجانبه

فيلقى دنواً منك لم ألق مـثـلـه

 

ويحظى ولا أحظى بما أنا طالبه

وينظر من لألاء قدسك نـظـرةً

 

فيرجع والنور الإمامي صاحبه

ولو كان يعلوني بنفـس ورتـبةٍ

 

وصدق ولاء لست فيه أصاقبـه

لكنت أسلي النفس عما ترومـه

 

وكنت أذود العين عما تراقـبـه

ولكنه مثلي ولو قـلـت إنـنـي

 

أزيد عليه لم يعب ذاك عـائبـه

وما أنا ممن يملا المال عـينـه

 

ولا بسوى التقريب تقضى مآربه

ولا بالذي يرضيه دون نـظـيره

 

ولو أنعلت بالنيرات مراكـبـه

وبي ظمأ رؤياك مـنـهـل ريه

 

ولا غرو أن تصفو لدي مشاربه

ومن عجب أني لدى الحبر واقفٌ

 

أشكو الظما والبحر جم عجائبـه

وغير ملوم من يؤمك قـاصـداً

 

إذا عظمت أغراضه ومذاهبـه

فوقعت الأبيات من الخليفة بموقع، وأدخل ليلاً، ووانسه وذاكره، وأخرج سراً رعاية لخاطر الكامل. ثم حضر الناصر درس المستنصرية، فبحث وناظر والخليفة في منظرته، فقام الوجيه القيرواني ومدح الخليفة بأبيات منها:

لو كنت في يوم السقيفة حاضراً

 

كنت المقدم والإمام الأورعـا

فقال الناصر: أخطأت، قد كان العباس جد أمير المؤمنين حاضراً ولم يكن المقدم إلا أبو بكر الصديق، فأمر بنفي الوجيه فسافر وولي بمصر تدريساً، ثم خلعوا على الناصر وحاشيته، وجاء معه رسول الديوان فألبسه الخلعة بالكرك، وركب بالسنجق الخليفتي وزيد في لقبه: الولي المهاجر، ثم راسله الكامل والأشرف لما اختلفا، وطلب كل منهما أن يؤازره، وجاء في الرسلية من مصر القاضي الأشرف فرجح جانب الكامل، ثم توجه إليه فبالغ في تعظيمه وأعاد إلى عصمته ابنته عاشوراء وأركبه في دست السلطنة، فحمل له الغاشية الملك العادل ولد الكامل ووعده بأخذ دمشق من الأشرف وردها إليه.
ولما مات الكامل بدمشق ما شك الناس أن الناصر يملكها، فلو بذل ذهباً لأخذها، فسلطنوا الجواد، ففارق الناصر البلد وسار إلى عجلون، وندم فجمع وحشد واستولى على كثير من الساحل، فالتقاه الجواد بقرب جنين فانكسر الناصر وذهبت خزائنه، وطلع إلى الكرك. ثم إن الجواد تماهن وأعطى دمشق للصالح، وجرت أمور وظفر الناصر بالصالح، وبقي في قبضته أشهراً، ثم ذهب معه على عهود ومواثيق فملكه مصر ولم يف له الصالح عجزاً أو استكثاراً، فإنه شرط أن تكون له دمشق وشطر مصر وأشياء.
ومن حسنات الناصر أن عمه أعطى الفرنج القدس فعمروا لهم قلعة فجاء الناصر ونصب عليها المجانيق وأخذها بالأمان وهد القلعة، ونظف البلد من الفرنج.
ثم إن الملك الصالح أساء إلى الناصر وجهز عسكراً فشعثوا بلاده، وأخذوا منها، ولم يزل يناكده وما بقي له سوى الكرك، ثم حاصره في سنة 644 فخر الدين ابن الشيخ أياماً وترحل، وقل ما بيد الناصر، ونفذ رسوله الخسروشاهي من عنده إلى الصالح، ومعه ابنه الأمجد أن يعطيه خبزاً بمصر ويتسلم الكرك فأجابه، ومرض، فانثنى عزم الناصر، وضاق الناصر بكلف السلطنة فاستناب ابنه عيسى بالكرك، وأخذ معه جواهر وذخائر، فأكرمه صاحب حلب، ثم سار إلى بغداد فأودع تلك النفائس عند المستعصم وهي بنحو من مئة ألف دينار، فلم يصل إلى شيء منها. وبعد تألم الأمجد وأخوه الظاهر لكون أبيهما استناب عليهما المعظم عيسى مع كونه ابن جارية، وهما فأمهما بنت الكامل، وكانت أمهما محسنة إلى الملك الصالح أيام اعتقاله بالكرك، لأنه أخوها، فكان هذان يحبانه، ويأنس بهما، فاتفقا مع أمهما على القبض على المعظم، ففعلا، واستوليا على الكرك، وسار الأمجد بمفاتيحها إلى الصالح، وتوثق منه فأعطاه خبزاً بمصر، وتحول إلى باب الصالح بنو الناصر فأقطعهم، وعظم هذا على الناصر لما سمع به فاعتم الصالح أن مات، وانضم الناصر إلى الناصر لما تسلطن بالشام، فتمرض السلطان، فبلغه أن داود تكلم في أمر الملك فحبسه بحمص مدة، ثم جاءت شفاعة من الخليفة فأطلق فسار في سنة ثلاث وخمسين إلى بغداد ليطلب وديعته، فما مكن من العبور إلى بغداد، فنزل بالمشهد، وحج وتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم منشداً قصيدة، ثم إنه مرض بدمشق ومات، ودفن بالمعظمية عند أبيه.
وقد روى عنه الدمياطي في معجمه، فقال: أخبرنا العلامة الفاضل الملك الناصر. قلت: مات في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وست مئة، مات بطاعون رحمه الله، وشيعه السلطان من البويضاء وحزن عليه، وقال: هذا كبيرنا وشيخنا، وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده.

المنصور

السلطان الملك المنصور نور الدين علي ابن السلطان الملك المعز أيبك التركي التركماني الصالحي.
لما قتل والده في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وست مئة سلطنوا هذا، وعمل نيابته مملوك أبيه قطز الذي كسر التتار نوبة عين جالوت، وضربت السكة والخطبة باسم المنصور، وله خمس عشرة سنة، وقام دسته بالأمراء المعزية غلمان والده، فكانت دولته سنتين ونصفاً، ودهم العدو معه هولاكو البلاد، فبايعوا قطز بالسلطنة، وعزلوا المنصور في أواخر سنة سبع وخمسين، فلما قتل قطز وتملك الظاهر نفي أولاد المعز إلى عند الأشكري في البحر وانقضت أيامهم.واتفق أن في سنة اثنتين وسبعين رأوا شاباً عند قبر المعز يبكي فأحضر إلى السلطان فذكر أنه قليج قان ولد المعز، وأنه قدم من القسطنطينية من ست سنين، وأنه يتوكل لأجناد، فسجنه السلطان، فبقي سبع سنين، حتى أخرجه الملك المنصور، فاتفق رؤيتي له بعد دهر طويل عند قاضي القضاة تقي الدين في سنة تسع وثلاثين وسبع مئة، فرايته شيخاً جندياً جلداً فصيح العبارة حافظاً للقرآن، فذكر أنه له ابناً شيخاً قد نيف على الستين، وقال: قد ولدت سنة ثمان وأربعين وست مئة، وتنصر أخي المنصور ببلاد الأشكري، وتأخر إلى قريب سنة سبع مئة، وله ذرية نصارى، نعوذ بالله من المكر??!. قال: وجاءني منه كتاب فيه: أخوه ميخائيل بن أيبك، فلم أقرأه، قال: ولبست بالفقيري مدة، وحضرت عند الملك الأشرف، فسألني عن لاجين، يعني: الذي تسلطن، فقلت: هو على مليك، فطلبه فأقر لي بالرق فبعته للأشرف بخمسة آلاف درهم على أنه سارق آبق بقتل أستاذه، قال: وورثت بالولاء جماعة أمراء من غلمان أبي، واسمي قليج قان، لقبه سيف الدين.