القسم الثاني - الجـزء الثالث (آراء العرب في الجاهلية) - الباب الأول

وهم أصناف منكرو الخالق والبعث والإعادة

فصنف منهم أنكروا الخالق ولبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد‏:‏ ‏"‏ وقالوا‏:‏ ما هي إلا حياتنا الدنيا‏:‏ نموت ونحيا ‏"‏ إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي وقصراً للحياة والموت على تركبها وتحللها فالجامع هو الطبع والملك هو الدهر‏:‏ ‏"‏ وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ‏"‏‏.‏

فاستدل عليهم بضرورات فكرية وآيات فطرية في كمآية وكم سورة فقال تعالى‏:‏ ‏"‏ أو لم يتفكروا بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ‏"‏ ‏"‏ أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ أو لم يروا إلى ما خلق الله ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ‏"‏ فأثبت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق وأنه قادر على الكمال ابتداء وإعادة‏.‏

منكرو‏:‏ البعث والإعادة وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع وأنكروا البعث والإعادة وهم الذين أخبر عنهم القرآن‏:‏ ‏"‏ وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال‏:‏ من يحيي العظام وهي رميم ‏"‏ فاستدل عليهم بالنشأة الأولى إذ اعترفوا بالخلق الأول فقال عز وجل‏:‏ ‏"‏ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ‏"‏ وقال‏:‏ ‏"‏ افعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد‏!‏ ‏"‏‏.‏

منكرو الرسل‏:‏ عبّاد الأصنام وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الدار الآخرة وحجوا إليها ونحروا لها الهدايا وقربوا المقربين وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر‏.‏
وأحلوا وحرموا وهم الدهماء من العرب إلا شرذمة منهم نذكرهم وهم الذين أخبر عنهم التنزيل‏:‏ ‏"‏ وقالوا‏:‏ ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ‏"‏‏.‏

إلى قوله‏:‏ ‏"‏ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً‏!‏‏.‏

فاستدل عليهم بأن المرسلين كلهم كانوا كذلك قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ‏"‏‏.‏

شبهات العرب وشبهات العرب كانت مقصورة على هاتين الشبهتين‏:‏ إحداهما إنكار البعث‏:‏ بعث الأجسام والثانية جحد البعث‏:‏ بعث الرسل‏.‏

فعلى الأولى قالوا‏:‏ ‏"‏ أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون إلى أمثالها من حياة ثم موت ثم نشر حديث خرافة يا أم عمرو ولبعضهم في مرثية أهل بدر من المشركين‏:‏ فماذا بالقليب قليب بدر من الشيزي تكلل بالسنام يخبرنا الرسول‏:‏ بأن سنيحاً و كيف حياة أصداء وهام‏!‏ ومن العرب من يعتقد التناسخ فيقول‏:‏ إذا مات الإنسان أو قتل اجتمع دم الدماغ وأجزاء بنيته فانتصب طيراً هامة فيرجع إلى رأس القبر كل مائة سنة‏.‏

وعن هذا‏:‏ أنكر عليهم الرسول عليه السلام فقال‏:‏ لا هامة ولا عدوى ولا صفر‏.‏

وأما الشبهة الثانية فكان إنكارهم لبعث لرسول صلى الله عليه وسلم في الصورة البشرية أشد وإصرارهم على ذلك أبلغ‏.‏

وأخبر التنزيل عنهم بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا‏:‏ أبعث الله بشراً رسولاً ‏"‏ أبشر يهدوننا ‏"‏‏.‏

فمن كان يعترف بالملائكة كان يريد أن يأتي ملك من السماء وقالوا‏:‏ لولا أنزل عليه ملك ومن كان لا يعترف بهم كان يقول‏:‏ الشفيع والوسيلة لنا إلى الله تعالى هم الأصنام المنصوبة إما الأمر والشريعة من الله تعالى إلينا فهو المنكر‏.‏

أصنام العرب وميولهم‏:‏ فيعبدون الأصنام التي هي وسائل وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً‏.‏

وكان ود لكلب وهو بدومة الجندل وسواع لهذي وكانوا يحجون إليه وينحرون له ويغوث لذحج ولقبائل من اليمن ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع بأرض حمير‏.‏

وكانت اللات لثقيف بالطائف والعزي لقريش وجميع بني كنانة وقوم من بني سليم ومناة للأوس والخزرج وغسان‏.‏

وهبل أعظم الأصنام عندهم وكان على ظهر الطعبة وأساف ونائلة على الصفا والمروة وضعهما عمر بن لحي وكان يذبح عليهما نجاة الكعبة وزعموا‏:‏ أنهما كانا من جرهم‏:‏ أساف بن عمرو ونائلة بنت سهل تعاسقا ففجرا الكعبة فمسخا حجرين وقيل‏:‏ لا بل كانا صنمين جاء بهما عمرو بن لحي فوضعهما على الصفا‏.‏

وكان لبني ملكان من كنانة صنم يقال له سعد وهو الذي يقول فيه قائلهم‏:‏ أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد فلا نحن من سعد وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لا يدعو لغي ة لا رشد وكانت العرب إذا لبت وهللت‏:‏ قالت‏:‏ لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ومن العرب من كان يميل إلى اليهودية ومنهم من كان يميل إلى النصرانية ومنهم من كان يصبو إلى الصابئة ويعتقد في الأنواء اعتقاد المنجمين في السيارات حتى لا يتحرك ولا يسكن ولا يسافر ولا يقيم إلا بنوء من الأنواء ويقول‏:‏ مطرنا بنوء كذا ومنهم من كان يصبوا إلى الملائكة فيعبدهم بل كانوا يعبدون الجن ويتعقدون فيهم أنهم بنات الله‏.‏
تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً‏.