القسم الثاني - الجزء الرابع (آراء الهند) - الباب الرابع

 عبدة الأصنام

اعلم أن الأصناف التي ذكرناها مذاهبهم يرجعون آخر الأمر إلى عبادة الأصنام إذ كان لا يستمر لهم طريقة إلا بشخص حاضر‏:‏ ينظرون إليه ويعكفون عليه وعن هذا اتخذت أصحاب الروحانيات والكواكب أصناماً زعموا أنها على صورتها‏.‏

وبالجملة‏:‏ وضع الأصنام حيث ما قدروه إنما هو على معبو غائب حتى يكون الصنم المعمول على صورته وشكله وهيأته نائباً منابه وقائماً مقامه وإلا فنعلم قطعاً‏:‏ أن عاقلاً ما لا ينحت جسماً بيده ويصوره صورة ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه وإله الكل وخالق الكل إذ كان وجوده مسبوقاً بوجود صانعه وشكله يحدث بصنعة ناحته‏.‏

لكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها وربطوا حوائجهم بها من غير إذن وحجة وبرهان وسلطان من الله تعالى‏.‏

كان عكوفهم ذلك عبادة وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها‏.‏

وعن هذا كانوا يقولون‏:‏ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فلو كانوا مقتصرين على صورها في اعتقاد الربوبية والإلهية لما تعدوا عنها إلى رب الأرباب‏.‏

لهم صنم يدعى مها كال له أربع أيد كثير شعر الرأس سبطها وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه وبالأخرى عصا وبالثالثة رأس إنسان وباليد الرابعة قد دفعها وفي أذنيه حيتان كالقرطين وعلى جسده ثعبانان عظيمان قد التفا عليه وعلى رأسه إكليل من عظام القحف وعليه من ذلك قلادة‏.‏

يزعمون‏:‏ أنه عفريت يستحق العبادة لعظمة قدره واستجماعه الخصال المحمودة المحبوبة والمذمومة من الإعطاء والمنع والإحسان والإساءة وأنه المفزع لهم في حاجاتهم‏.‏

وله بيوت عظام بأرض الهند ينتابها أهل ملته في كل يوم ثلاث مرات‏:‏ يسجدون له ويطوفون به‏.‏

ولهم موضع يقال له اختر فيه صنم عظيم على صورة هذا الصنم يأتونه من كل موضع ويسجدون له هناك ويطلبون حاجات الدنيا‏.

حتى إن الرجل يقول له فيما يسأل‏:‏ زوجني فلانه وأعطني كذا‏.‏

ومنهم من يأتيه فيقيم عنده الأيام والليالي ولا يذوق شيئاً‏:‏ يتضرع إليه ويسأله الحاجة حتى إنه ربما ينفق‏.‏

البركسهيكية من سنتهم أن يتخذوا لأنفسهم صنماً يعبدونه ويقربون له الهدايا‏.‏

وموضع متعبدهم له‏:‏ أن ينظروا إلى باسق الشجر وملتفه مثل الشجر الذي يكون في الجبال فيلتمسون منها أحسنها وأطولها فيجعلون ذلك الموضع موضع متعبدهم‏.‏

ثم يأخذون ذلك الصنم فيأتون شجرة عظيمة من ذلك الشجر فينقبون فيها موضعاً فيركبونه فيها فيكون سجودهم وطوافهم نحو تلك الشجرة‏.‏

الدهكينية من سننهم‏:‏ أن يتخذوا صنماً على صورة امرأة وفوق رأسه تاج وله أيد كثيرة‏.‏

ولهم عيد في يوم من أيام السنة عند استواء الليل والنهار ودخول الشمس الميزان فيتخذون في ذلك اليوم عريشاً عظيماً بين يدي ذلك الصنم ويقربون إليه القرابين من الغنم وغيرها ولا يذبحونها ولكن يضربون أعناقها بين يديه بالسيوف‏.‏

ويقتلون من أصابوا من الناس قرباناً بالغيلة حتى ينقضي عيدهم وهم مسيئون عند عامة الهند بسبب الغيلة‏.‏

الجلهكية‏:‏ أي عباد الماء يزعمون أن الماء ملك ومعه ملائكة وأنه أصل كل شيء وبه كل ولادة ونمو ونشوء ويقاء وطهارة وعمارة‏.‏

وما من عمل في الدنيا إلا وهو محتاج إلى الماء‏.‏

فإذا أراد الرجل عبادته تجرد وستر عورته ثم دخل الماء إلى وسطه فيقيم ساعة أو ساعتين أو أكثر ويأخذ ما أمكنه من الرياحين فيقطعها صغاراً ويلقي فيه بعضها بعد بعض وهو يسبح ويقرأ‏.‏

وإذا أراد الانصراف حرك الماء بيده ثم أخذ منه فنقط به‏:‏ رأسه ووجهه وسائر جسده‏.‏

خارجاً‏.‏

ثم سجد وانصرف‏.‏

الأكنواطرية‏:‏ أي عباد النار زعموا‏:‏ أن النار أعظم العناصر جرماً وأوسعها حيزاً وأعلاها مكاناً وأشرفها جوهراً وأنورها ضياءً وإشراقاً وألطفها جسماً وكياناً‏.‏

والاحتياج إليها أكثر من الاحتياج إلى سائر الطبائع ولا كون في العالم إلا بها ولا حياة ولا نمو ولا انعقاد‏:‏ إلا بممازجتها‏.‏

وغنما عبادتهم لها أن يحفروا أخدوداً مربعاً في الأرض ويؤججو النار فيه ثم لا يدعون طعاماً لذيذاً ولا شراباً لطيفاً ولا ثوباً فاخراً ولا عطراً فائحاً ولا جوهراً نفيساً‏.‏

إلا طرحوه فيها تقرباً إليها وتبركاً بها‏.‏

وحرموا إلقاء النفوس فيها وإحراق الأبدان بها خلافاً لجماعة أخرى من زهاد الهند‏.‏

وعلى هذا المذهب أكثر ملوك الهند وعطائها‏:‏ يعظمون النار لجوهرها تعظيماً بالغاً ويقدمونها على الموجودات كلها‏.‏

ومنهم زهاد وعباد يجلسون حول النار صائمين يسدون منافسهم حتى لا يصل إليها من أنفاسهم نفس صدر عن صدر محروم‏.‏
وسنتهم‏:‏ الحث على الأخلاق الحسنة والمنع من أضدادها وهي الكذب والحسد والحقد
.