مقدمة الحكواتي

تاريخ الأمم والملوك

للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري

المولود في آمل عاصمة إقليم طبرستان عام 225 هـ والمتوفي في بغداد عام 310 هـ

 

ولد أبو جعفر محمد بن جرير الطّبري في آمل، عاصمة إقليم طبرستان، سنة 224 للهجرة، وتوفّي في بغداد سنة 310 للهجرة.

قال عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: (( هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد، الطبري، وقيل يزيد بن كثير ابن غالب، صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، كان إماما في فنون كثيرة منها التفسير والحديث والفقه والتاريخ وغير ذلك، وله مصنفات مليحة في فنون عديدة تدل على سعة علمه وغزارة فضله، وكان من الأئمة المجتهدين، لم يقلد أحدا، وكان أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني المعروف بابن طرارا على مذهبه - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى -.

وكان ثقة في نقله، وتاريخه أصح التواريخ وأثبتها، وذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء في جملة المجتهدين، ورأيت في بعض المجاميع هذه الأبيات منسوبة إليه، وهي:

إذا اعسرت لم يعلم شقـيقـي

 

وأستغني فيستغني صـديقـي

حيائي حافظ لي ماء وجهـي

 

ورفقي في مطالبتي رفيقـي

ولو أني سمحت ببذل وجهـي

 

لكنت إلى الغنى سهل الطريق

وكانت ولادته سنة أربع وعشرين ومائتين، بآمل طبرستان، وتوفي يوم السبت آخر النهار، ودفن يوم الأحد في داره، في السادس والعشرين من شوال سنة عشر وثلثمائة ببغداد، رحمه الله تعالى. ورايت بمصر في القرافة الصغرى عند سفح المقطم قبرا يزار، وعند رأسه حجر عليه مكتوب هذا قبر ابن جرير الطبري والناس يقولون: هذا صاحب التاريخ، وليس بصحيح، بل الصحيح أنه ببغداد، وكذلك قال ابن يونس في تاريخ مصر المختص بالغرباء: إنه توفي ببغداد. وأبو بكر الخوارزمي الشاعر المشهور ابن أخته - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وقد سبق الكلام على الطبري)) .

تنقّل الطّبري متعلمًا في آمل وغيرها من مدن طبرستان ثم في الري ثم في البصرة ثم في واسط والكوفة وبغداد وبيروت ومصر.. وهو في تنقّله في طلب العلم، انصرف إلى العمل كاتبًا ومؤلفًا حيث أخرج كتاب التاريخ الكبير والتفسير المشهور وكتبًا في الفقه.

والطبري من أهل القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد، وهو القرن الذي اتصل فيه العرب والمسلمون بينابيع الفكر المختلفة في الشرق والغرب والقديم والحديث. لكن الطبري لم يتجه نحو العلوم الفلسفية أو العلوم الطبيعية، ولكن ما أثّر فيه هو الحديث، روايةً وإسناداً وضبطاً. كان أسلوبه أسلوب مصطلح الحديث، فهو يروي الروايات المختلفة بإسنادها الدقيق المتسلسل. وكتابه في التاريخ "مَعْلَم في طريق الكتابة التاريخية العربية الإسلامية" يعتبر كنزاً من كنوز المعرفة التاريخية الهامّة. وهو أول كتاب في التاريخ العام، كان تتمة لما سبقه ومصدرًا لما جاء بعده. وقد جمع الكثير من أخبار العرب في الجاهلية، وبذلك حُفِظَت من الضياع. ولعلّ تاريخ الفُرس في الأزمنة السّابقة للإسلام متوفر في كتابه ولا يوجد له مصدر سواه. وتاريخ الطّبري غني بالنّصوص الأدبية، فيها الشّعر والخطب والمحاورات. وقد نقل عنه لاحقوه كمسكويه وابن الأثير وأبي الفداء وابن خلدون.

درس الطبري المذاهب كلها، ومع أنه سار مع المذهب الشافعي بعض الوقت، فإنه لم يلبث أن استقلّ بمذهبٍ اختاره لنفسه. وقد أوضح موقفه مع ذلك في كتابه المُسمّى "لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام". وقد كان له تلاميذ في مذهبه يدافعون عنه، لكن ذلك انقطع بعد القرن الرابع. ومن سوء الحظ أن كتب الفقه التي ألّفها الطبري في مذهبه فُقِدَت ولم يُسلّم منها إلا كتاب "اختلاف الفقهاء".