ولما مضى لآدم صلى الله عليه وسلم من عمره مائة وثلاثون سنة، وذلك بعد قتل قابيل هابيل بخمس سنين، ولدت له حواء ابنه شيثاً، فذكر أهل التوراة أن شيثاً ولد فرداً بغير توأم، وتفسير شيث عندهم هبة الله ومعناه أنه خلف من هابيل.
حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثني ابن سعد، قال: أخبرنا هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ولدت حواء لآدم شيئاً وأخته عزورا، فسمى هبة الله، اشتق له من هابيل، قال لها جبرئيل حين ولدته: هذا هبة الله بدل هابيل، وهو بالعربية شِث، وبالسريانية شاث، وبالعبرانية شيث، وإليه أوصى آدم، وكان آدم يوم ولد له شيث ابن ثلاثين ومائة سنة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق، قال: لما حضرت آدم الوفاة - فيما يذكرون والله أعلم - دعا ابنه شيثاً فعهد إليه عهده، وعلمه ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منهن، فأخبره أن لكل ساعة صنفاً من الخلق فيها عبادته، وقال له: يا بني إن الطوفان سيكون في الأرض يلبث فيها سبع سنين. وكتب وصيته، فكان شيث -فيما ذكر - وصى أبيه آدم عليه السلام، وصارت الرياسة من بعد وفاة آدم لشيث، فأنزل الله عليه فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين صحيفة.
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا الماضي بن محمد، عن أبي سليمان، عن القاسم بن محمد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، قال: قلت: يا رسول الله، كم كتاب أنزل الله عز وجل؟ قال: "مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة".
وإلى شيث أنسابُ بني آدم كلهم اليوم، وذلك أن نسل سائر ولد آدم غير نسل شيث، انقرضوا وبادوا فلم يبقى منهم أحد، فأنساب الناس كلهم اليوم إلى شيث عليه السلام.
وأما الفرس الذين قالوا إن جيومرت هو آدم، فإنهم قالوا: ولد الجيومرت ابنه ميشى، وتزوج ميشى أخته ميشانه فولدت له سيامك بن ميشى، وسيامي ابنة ميشى، فولد لسيامك بن ميشى بن جيومرت أفرواك، وديس، وبراسب، وأجوب، وأوراش بنو سيامك، وأفري، ودذي، ويرى وأوراشى بنات سيامك، أمهم جميعاً سيامي بنت ميشى، وهي أخت أبيهم.
وذكروا أن الأرض كلها سبعة أقاليم، فأرض بابل وما يوصل إليه مما يأتيه الناس براً أو بحراً فهو إقليم واحد، وسكانه نسل ولد أفرواك بن سيامك وأعقابهم، وأما الأقاليم الستة الباقية التي لا يوصل إليها اليوم براً أو بحراً فنسلُ سائر ولد سيامك،من بنيه وبناته.
فولد لأفرواك بن سيامك من أفري بنت سيامك هوشنك بيشداذ الملك، وهو الذي خلف جده جيومرت في الملك، وأول من جمع له ملك الأقاليم السبعة، وسنذكر أخباره إن شاء الله إذا أنتهينا إليه. وكان بعضهم يزعم أن أوشهنج هذا، هو ابن آدم لصلبه من حواء.
وأما هشام الكلبي فإنه فيما حدثتُ عنه قال: بلغنا والله أعلم - أول ملك ملك الأرض أو شهنق بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. قال: والفرس تدّعيه وتزعم أنه كان بعد وفاة آدم بمائتي سنة، قال: وإنما كان هذا الملك فيما بلغنا بعد نوح بمائتي سنة، فصيره أهل فارس بعد آدم بمائتي سنة، ولم يعرفوا ما كان قبل نوح.
وهذا الذي قاله هشام قول لا وجه له، لأن هوشهنك الملك في أهل المعرفة بأنساب الفرس أشهر من الحجاج بن يوسف في أهل الإسلام، وكل قوم فهم بآبائهم وأنسابهم ومآثرهم أعلم من غيرهم، وإنما يرجع في كل أمر التبس إلى أهله.
وقد زعم بعض نسابة الفرس أن أوشهنج بيشداذ الملك هذا هو مهلائيل، وأن أباه فرواك هو قينان أبو مهلائيل، وأن سيامك هو أنوش أبو قينان، وأن ميشى هو شيث أبو أنوش، وأن جيومرت هو آدم صلى الله عليه وسلم.
فإن كان الأمر كما قال، فلا شك أن أوشهنج كان في زمان آدم رجلاً، وذلك أن مهلائيل فيما ذكر في الكتاب الأول كانت ولادة أمه دينة ابنة براكيل ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم إياه بعد ما مضى من عمر آدم صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة سنة وخمس وتسعون سنة، فقد كان له حين وفاة آدم ستمائة سنة وخمس سنين، على حساب ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر آدم أنه كان عمره ألف سنة.
وقد زعمت علماء الفرس أن ملك أوشهنج هذا كان أربعين سنة. فإن كان الأمر في هذا الملك كالذي قاله النسابة الذي ذكرت عنه ما ذكرت فلم يبعد من قال: إن ملكه كان بعد وفاة آدم صلى الله عليه وسلم بمائتي سنة.