المجلد الأول - ذكر بيوراسب، وهو الأزدهاق ذكر بيوراسب، وهو الأزدهاق

والعرب تسميه الضحاك فتجعل الحرف الذي بين السين والزاي في الفارسية ضاداً، والهاء حاءً، والقاف كافاً، وإياه عني حبيب بن أوس بقوله:

ما نال ما قد نال فرعـون ولا              هامان في الدنيا ولا قـارون
بل كان كالضحاك في سطواته          بالعالمين، وانـت أفـريدون

وهو الذي افتخر بادعائه أنه منهم الحسن بن هانئ في قوله:

وكان منا الضحاك يعبده ال          خابل والجن في مساربها

قال: واليمن تدعيه.

حدثت عن هشام بن محمد بن السائب - فيما ذكر من أمر الضحاك هذا - قال:

والعجم تدعي الضحاك وتزعم أن جماً كان زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك.

قال: واليمن تدعيه، وتزعم أنه من أنفسها، وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج، وهو أول الفراعنة، وأنه كان ملك مصر حين قدمها إبراهيم الخليل الرحمن عليه السلام.

وأما الفرس فإنها تنسب الأزدهاق هذا غير النسب الذي ذكر هشام عن أهل اليمن، وتذكر أنه بيوراسب بن أرونداسب بن زينكاو بن ويروشك ابن تاز بن فرواك بن سيامك بن مشا بن جيومرت.

ومنهم من ينسبه هذه النسبة، غير أنه يخالف النطق بأسماء آبائه فيقول: هو الضحاك بن أندرماسب بن زنجدار بن وندريسج بن تاج بن فرياك بن ساهمك بن تاذي بن جيومرت.

والمجوس تزعم أن تاج هذا هو أبو العرب، ويزعمون أن أم الضحاك كانت ودك بنت ويونجهان، وأنه قتل أباه تقرباً بقتله إلى الشياطين، وأنه كان كثير المقام ببابل، وكان له ابنان يقال لأحدهما: سرهوار، وللآخر نفورا.

وقد ذكر عن الشعبي أن كان يقول: هو "قرشت" مسخه الله "ازدهاق".

ذكر الرواية عنه بذلك: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن يحيى بن العلاء، عن القاسم بن سلمان، عن الشعبي، قال: أبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، كانوا ملوكاً جبابرة، فتفكر قرشت يوماً، فقال تبارك الله أحسن الخالقين! فمسخه الله فجعله اجدهاق، وله سبعة أرؤس، فهو الذي بد نباوند، وجميع أهل الأخبار من العرب والعجم تزعم أنه ملك الأقاليم كلها، وأنه كان ساحراً فاجراً.

وحدثت عن هشام بن محمد، قال: ملك الضحاك بعد جم - فيما يزعمون، والله أعلم - ألف سنة، وتزل السواد في قرية يقال لها نرس في ناحية طريق الكوفة، وملك الأرض كلها، وسار بالجور والعسف، وبسط يده في القتل، وكان أول من سن الصلب والقطع، وأول من وضع العشور، وضرب الدراهم، وأول من تغنى وغنى له، قال: ويقال إنه خرج في منكبه سلعتان فكانتا تضربان عليه، فيشتد عليه الوجع حتى يطليهما بدماغ إنسان، فكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ويطلي سلعتيه بدماغيهما، فإذا فعل ذلك سكن ما يجد، فخرج عليه رجل من أهل بابل فاعتقد لواء، واجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ الضحاك خبره راعه، فبعث إليه: ما أمرك؟ وما تريد؟ قال: ألست تزعم أنك ملك الدنيا، وأن الدنيا لك! قال: بلى، قال: فليكن كلبك على الدنيا، ولا يكونن علينا خاصة، فإنك إنما تقتلنا دون الناس. فأجابه الضحاك إلى ذلك، وأمر بالرجلين اللذين كان يقتلهما في كل يوم أن يقسما على الناس جميعاً ولا يخص بهما مكان دون مكان.

قال: فبلغنا أن أهل أصبهان من ولد ذلك الرجل الذي رفع اللواء، وأن ذلك اللواء لم يزل محفوظاً عند ملوك فارس في خزائنهم، وكان فيما بلغنا جلد أسد، فألبسه ملوك فارس الذهب والديباج تيمناً به.

قال: وبلغنا أن الضحاك هو نمرود، وأن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه ولد في زمانه، وأنه صاحب الذي أراد إحراقه.

قال: وبلغنا أن أفريدون - هو من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك، ويزعمون أنه التاسع من ولده، وكان مولده بدنباوند، خرج حتى ورد منزل الضحاك وهو عنه غائب بالهند، فحوى على منزله وما فيه، فبلغ الضحاك ذلك، فأقبل وقد سلبه الله قوته، وذهبت دولته، فوثب به أفريدون فأوثقه وصيره بجبال. دنباوند، فالعجم تزعم أنه إلى اليوم موثق في الحديد يعذب هناك.

وذكر غيرُ هشام أن الضحاك لم يكن غائباً عن مسكنه، ولكن أفريدون ابن أثفيان جاء إلى مسكن له في حصن يدعى زرنج ماه مهروز مهر، فنكح امرأتين له: تسمى إحداهما: أروناز والأخرى سنوار. فوهل بيوراسب لما عاين ذلك، وخر مدلها لا يعقل، فضرب أفريدون هامته بجرز له ملتوي الرأس، فزاده ذلك وهلاً وعزوب عقل، ثم توجه به أفريدون إلى جبل دنباوند، وشده هنالك وثاقاً، وأمر الناس باتخاذ مهرماه مهرروز - وهو المهرجان اليوم الذي أوثق فيه بيوراسب - عيداً، وعلا أفريدون سرير الملك.

وذكر عن الضحاك أنه قال يوم ملك وعقد عليه التاج: نحن ملوك الدنيا، المالكون لما فيها.

والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أوشهنج وجم وطهمورث، وأن الضحاك كان غاصباً وأنه غصب أهل الأرض بسحره وخبثه، وهول عليهم الحيتين اللتين كانتا على منكبيه، وأنه بنى بأرض بابل مدينة سماها حوب، وجعل النبط أصحابه وبطانته، فلقي الناسُ منه كل جهد، وذبح الصبيان.

ويقول كثير من أهل الكتب: إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين ناتئتين على منكبيه، كل واحدة منهما كرأس الثعبان، وأنه كان بخبثه ومكره يسترهما بالثياب. ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان يقتضيانه الطعام، وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاع كما يتحرك العضو من الإنسان عند التهابه بالجوع والغضب. ومن الناس من يقول: كان ذلك حيتين، وقد ذكرتُ ما وري عن الشعبي في ذلك، والله أعلم بحقيقته وصحته.

وذكر بعضُ أهل العلم بأنساب الفرس وأمورهم أنّ الناس لم يزالوا من بيوراسب هذا في جهد شديد، حتى إذا أراد الله إهلاكه وثب به رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي، وبسبب ابنين كانا له أخذهما رسل بيوراسب بسبب الحيتين اللتين كانتا على منكبيه. وقيل: إنه لما بلغ الجزع من كابي هذا على ولده أخذ عصاً كانت بيده، فعلق بأطرافها جراباً كان معه، ثم نصب ذلك العلم، ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته، فأسرع إلى إجابته خلق كثير، لما كانوا فيه معه من البلاء وفنون الجور، فلما غلب كابي تفاءل الناس بذلك العلم، فعظموا أمره، وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به،وسموه درفش كابيان، فكانوا لا يسيرونه إلا في الأمور العظام، ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور العظام.

وكان من خبر كابي أنه شخص عن أصبهان بمن تبعه والتف إليه في طريقه، فلما قرب من الضحاك وأشرف عليه، قذف في قلب الضحاك منه الرعب، فهرب عن منازله، وخلي مكانه، وانفتح للأعاجم فيه ما أرادوا، فاجتمعوا إلى كابي وتناظروا، فأعلمهم كابي أنه لا يتعرض للملك، لأنه ليس من أهله، وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جم، لأنه ابن الملك الأكبر أو شهنق بن فرواك الذي رسم الملك، وسبق القيام به، وكان أفريدون بن أثفيان مستخفياً في بعض النواحي من الضحاك، فوافى كابي ومن كان معه، فاستبشر القوم بموافاته، وذلك أنه كان مرشحاً للملك برواية كانت لهم في ذلك، فملكوه، وصار كابي والوجوه لأفريدون أعواناً على أمره، فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك، واحتوى على منازل الضحاك، اتبعه فأسره بدنباوند في جبالها.

بعض المحبوس تزعم أنه جعله جبيساً في تلك الجبال، موكلاً به قوم من الجن.

ومنهم من يقول: إنه قتله، وزعموا أنه لم يسمع من أمور الضحاك شيء يستحسن غير شيء واحد، وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وطالت أيامه، عظم على الناس ما لقوا منه، فتراسل الوجوه في أمره، فأجمعوا على المصير إلى بابه، فوافى بابه الوجوه والعظماء من الكور والنواحي، فتناظروا في الدخول عليه والتظلم إليه، والتأتي لاستعطافه، فاتفقوا على أن يقدموا للخطاب عنهم كابي الأصبهاني، فلما صاروا إلى بابه أعلم بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا وكان متقدم لهم، فمثل بين يديه، وأمسك عن السلام، ثم قال: أيها الملك، أي السلام أسلم عليك؟ أسلام من يملك هذه الأقاليم كلها، أم سلام من يملك هذا الإقليم الواحد؟ يعني بابل، فقال له الضحاك: بل سلام من يملك هذه الأقاليم كلها، لأني ملك الأرض. فقال له الأصبهاني: فإذا كنت تملك الأقاليم كلها، وكانت يدك تنالها أجمع، فما بالنا قد خصصنا بمؤنتك وتحاملك وإساءتك من بين أهل الأقاليم! وكيف لم تقسم أمر كذا وكذا بيننا وبين الأقاليم؟ وعدد عليه أشياء كان يمكنه تخفيفها عنهم، وجرد له الصدق والقول في ذلك، فقدح في قلب الضحاك قوله، وعمل فيه حتى انخزل وأقر بالإساءة، وتألف القوم ووعدهم ما يحبون، وأمرهم بالإنصراف لينزلوا ويتدعوا، ثم يعودوا ليقضي حوائجهم، ثم ينصرفوا إلى بلادهم.

وزعمو أن أمه ودك كانت شراً منه وأردى، وأنها كانت في وقت معاتبة القوم إياق بالقرب منه تتعرف ما يقولونه، فتغتاظ وتنكره، فلما خرج القوم دخلت مستشيطة منكرة على الضحاك إحتماله القوم، وقالت له، قد بلغني كل ما كان وجرأة هؤلاء القوم عليك حتى قرعوك بكذا،وأسمعوك كذا، أفلا دمرت عليهم ودمدمتهم أوقطعت أيديهم! فلما أكثرت على الضحاك قال لها مع عتوه: يا هذه، إنك لم تفكري في شيء إلا وقد سبقتُ إليه، إلا أن القوم بدهوني بالحق وقرعوني به، فلما هممت بالسطوة بهم والوثوب عليهم تخيل الحق فمثل بيني وبينهم بمنزلة الجبل، فما أمكنني فيهم شيء. ثم سكتها وأخرجها، ثم جلس لأهل النواحي بعد أيام، فوفى لهم بما وعدهم، وردهم وقد لان لهم، وقضى أكثر حوائجهم، ولا يعرف للضحاك - فيما ذكر - فعلة استحسنت منه غير هذه.

وقد ذكر أن عمر الأجدهاق هذا كان ألف سنة، وأن ملكه منها كان ستمائة سنة، وأنه كان في باقي عمره شبيهاً بالملك لقدرته ونفوذ أمره. وقال بعضهم: إنه ملك ألف سنة، وكان عمره ألف سنة ومائة سنة، إلى أن خرج عليه أفريدون فقهره وقتله.

وقال بعض علماء الفرس: لا نعلم أحداً كان أطول عمراً - ممن لم يذكر عمره في التوراة - من الضحاك هذا، ومن جامر بن يافث بن نوح أبي الفرس، فإنه ذكر أن عمره كان ألف سنة.

وإنما ذكرنا خبر بيوراسب في هذا الموضع، لأن بعضهم زعم أن نوحاً عليه السلام كان في زمانه، وأنه إنما كان أرسل إليه وإلى من كان في مملكته، ممن دان بطاعته واتبعه على ما كان عليه من العتو والتمرد على الله، فذكرنا إحسان الله وأياديه عند نوح عليه السلام بطاعته ربه وصبره على ما لقي منه من الأذى والمكروه في عاجل الدنيا، بأن نجاه ومن آمن معه واتبعه من قومه، وجعل ذريته هم الباقين في الدنيا، وأبقى له ذكره بالثناء الجميل، مع ما ذخر له عنده في الآجل من النعيم المقيم والعيش الهنئ، وإهلاكه الآخرين بمعصيتهم إياه وتمردهم عليه، وخلافهم أمره، فسلبهم ما كانوا فيه من النعيم، وجعلهم عبرة وعظة للغابرين، مع ما ذخر لهم عنده في الآجل من العذاب الأليم.

ونرجع الآن إلى ذكر نوح عليه السلام والخبر عنه وعن ذريته، إذ كانوا هم الباقين اليوم كما أخبر الله عنهم، وكان الآخرون الذين بعث نوح إليهم خلا ولده ونسله قد بادوا وذريتهم، فلم يبق منهم ولا من أعقابهم أحد.

قد ذكرنا قبلُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله الله عز وجل: "وجعلنا ذريته هم الباقين": إنهم سام، وحام، ويافث.

حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: إن سام بن نوح أبو العرب وفارس والروم، وإن حام أبو السودان، وإن يافث أبو الترك وأبو بأجوج ومأجوج، وهو بنو عم الترك.

وقيل: كانت زوجة يافث أربسيسة بنت مرازيل بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم عليه السلام، فولدت له سبعة نفرا وامرأة.

فمن ولدت له من الذكور جومر بن يافث وهو - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - أبو يأجوج ومأجوج، ومارح بن يافث ووائل بن يافث، وحوان بن يافث،وتوبيل بن يافث وهوشل بن يافث، وترس بن يافث، وشبكة بنت يافث. قال: فمن بني يافث كانت يأجوج ومأجوج الصقالية والترك فيما يزعمون. وكانت امرأة حام بن نوح نحلب بنت مارب بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم. فولدت له ثلاثة نفر: كوش بن حام بن نوح، وقوط بن حام بن نوح، وكنعان بن حام. فنكح كوش بن حام بن نوح قرنبيل ابنة بتاويل ابن ترس بن يافث، فولده له الحبشة والسند والهند فيما يزعمون.ونكح قوط بن حام بن نوح بخت ابنة بتاويل ابن ترس بن يفاث بن نوخ، فولدت له القبط - قبط مصر - فيما يزعمون ونكح كنعان بن حام بن نوحل أرتيل أبنة بتاويل بن ترس بن يافث بن نوح، فولدت له الأساود: نوبة،وفزان، والزنج، والزغاوة، وأجناس السودان كلها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في الحديث قال: ويزعم أهل التوراة أن ذلك لم يكن إلا عن دعوة نوح على ابنه حام، وذلك أن نوحا نام فانكشف عن عورته، فرآها حام فلم يغطها، ورآها سام ويافث فألقيا عليها ثوباً فوارياً عورته، فلما وهب من نومته علم ما صنع حام وسام ويافث، فقال: ملعون كنعان بن حام، عبيداً يكونون لإخوته، وقال: يبارك الله ربي في سام، ويكون حام عبد أخويه، ويقرض الله يافث، ويحل في مساكن حام ويكون كنعان عبداً لهم. قال: وكانت امرأة سام ابن نوح صليب ابنة بتاويل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له نفراً: أرفخشد بن سام، وأشوذ بن سام، ولاوذ بن سام، وعويلم بن سام، وكان لسام إرم بن سام، قال: ولا أدري إرم لأم أرفخشد وإخوته أم لا؟ حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام بن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما ضاقت بولد نوح سوق ثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها، وهي بين الفرات والصراة، وكانت اثنى عشر فرسخاً في اثنى عشر فرسخاً، وكان بابها موضع دوران اليوم، فوق جسر الكوفة يسرة إذا عبرت، فكثروا بها حتى بلغوا مائة ألف، وهم على الإسلام.

ورجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، فنكح لاوذ بن سام بن نوح شبكة ابنة يافث بن نوح، فولدت له فارس وجرجان وأجناس فارس، وولد للاوذ مع الفرس طسم وعمليق، ولا أدري أهو لأم الفرس أم لا؟ فعمليق أبو العماليق.كلهم أمم تفرقت في البلاد، وكان أهل المشرق وأهل عمان وأهل الحجاز وأهل الشام، وأهل مصر منهم، ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون، ومنهم كانت الفراعنة بمصر، وكان أهل البحرين وأهل عمان منهم أمة يسمون جاسم، وكان ساكني المدينة منهم، بنوهف وسعد بن هزان، وبنو مطر، وبنو الأزرق. وأهل نجد منهم بديل وراحل وغفار، وأهل تيماء منهم. وكان ملك الحجاز منهم بتيماء أسمه الأرقم، وكانوا ساكني نجد مع ذلك، وكان ساكني الطائف بنو عبد ضخم، حي من عبس الأول.

قال: وكان بنو أميم بن لاوذ بن سام بن نوح أهل وبار بأرض الرمل، رمل عالج، وكانوا قد كثروا بها وربلوا، فأصابهم من الله عز وجل نقمة من معصية أصابوها، فهلكوا وبقيت منهم بقية، وهو الذين يقال لهم النسناس.

قال:وكان طسم بن لاوذ ساكن اليمامة وما حولها، قد كثروا بها وربلوا إلى البحرين، فكانت طسم والعماليق وأميم وجاسم قوماً عرباً، لسانهم الذي جبلوا عليه لسان عربي. وكانت فارس من أهل المشرق ببلاد فارس، يتكلمون بهذا اللسان الفارسي.

قال: وولد إرم بن سام بن نوح عوص بن إرم، وغاثر بن إرم، وحويل بن إرم. فولد عوص بن إرم غاثر بن عوص وعاد بن عوص، وعبيل ابن عوص. وولد غاثر بن إرم ثمود بن غاثر، وجديس بن غاثر. وكانوا قوماً عرباً يتكلمون بهذا اللسان المضري، فكانت العرب تقول لهذه الأمم: العرب العاربة، لأنه لسانهم الذي جبلوا عليه، ويقولون لبني إسماعيل بن إبراهيم: العرب المتعربة، لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا بين أظهرهم. فعاد وثمود والعماليق وأميم وجاسم وجديس وطسم هم العرب، فكانت عاد بهذه الرمل إلى حضرموت واليمن كله، وكانت ثمود بالحجر بني الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله، ولحقت جديس بطسم، فكانوا معهم باليمامة وما حولها إلى البحرين،واسم اليمامة إذ ذاك جو، وسكنت جاسم عُمان فكانوا بها.

وقال غير ابن إسحاق: إن نوحاً دعا لسام بأن يكون الأنبياء والرسل من ولده، ودعا ليافث بأن يكون الملوك من ولده، وبدأ بالدعاء ليافث وقدمه في ذلك على سام، ودعا على حام بأن يتغير لونه، ويكون ولده عبيداً لولد سام ويافث.

قال: وذكر في الكتب أنه رق على حام بعد ذلك فدعا له بأن يرزق الرأفة من إخوته، ودعا من ولد ولده لكوش بن حام ولجامر بن يافث بن نوح، ذلك أن عدة من ولد الولد لحقوا نوحاً فخدموه، كما خدمه ولده لصلبه، فدعا لعدة منهم.

قال: فولد لسام عابر وعليم وأشوذ وأرفخشد ولاوذ وإرم، وكان مقامه بمكة. قال: فمن ولد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار الناس، والعرب كلها، والفراعنة بمصر. ومن ولد يافث بن نوح ملوك الأعاجم كلها من الترك والخزر وغيرهم، والفرس الذي آخرُ من ملك منهم يزدجرد بن شهريار بن أبرويز، ونسبه ينتهي إلى جيومرت بن يافث بن نوح! قال: ويقال إن قوماً من ولد لاوذ بن سام بن نوح وغيره من إخوته نزعوا إلى جامر هذا، فأدخلهم جامر في نعمته وملكه، وأن منهم ماذي بن يافث، وهو الذي تنسب السيوف الماذية إليه. قال:وهو الذي يقال إن كيرش الماذوي قتل بلشصر بن أولمرودخ بن بختنصر من ولده.

قال: ولد حام بن نوح، النوبة، والحبشة، وفزان، والهند والسند، وأهل السواحل في المشرق والمغرب.

قال: ومنهم نمرود، وهو نمرود بن كوش بن حام.

قال: وولد لأرفخشد بن سام ابنة قينان، ولا ذكر له في التوراة، وهو الذي قيل أنه لم يستحق أن يذكر في الكتب المنزلة، لأنه كان ساحراً، وسمى نفسه إلهاً، فسيقت المواليد في التوراة على ارفخشد بن سام ثم على شالخ بن فقنان بن أرفخشد من غير أن يذكر قينان في النسب، لما ذكر من ذلك.

قال: وقيل في شالخ: إنه شالخ بن أرفخشد من ولد لقينان. وولد لشالخ عابر. وولد لعابر ابنان: أحدهما فالغ، ومعناه بالعربية قاسم - وإنما سمي بذلك لأن الأرض قسمت والألسن تبلبلت في أيامه - وسمي الآخر قحطان.

فولد لقحطان يعرب ويقطان ابنا قحطان بن عابر بن شالخ، فنزلا أرض اليمن، وكان قحطان أول من ملك اليمن، وأول من سلم عليه "أبيت اللعن"، كما كان يقال للملوك. وولد لفالغ بن عابر أرغوا - وولد لأرغوا ساروغ، وولد لساروغ ناحورا، وولد لنا حورا تارخ - واسمه بالعربية أزر - وولد لتارخ إبراهيم صلوات الله عليه. وولد لأرفخشد أيضاً نمرود بن أرفخشد، وكان منزله بناحية الحجر. وولد للاوذ بن سام طسم وجديس ، وكان منزلهما اليمامة.

وولد للاوذ أيضاً عمليق بن لاوذ، وكان منزله الحرم وأكناف مكة، ولحق بعض ولده بالشام، فمنهم كانت العماليق، ومن العماليق الفراعنة بمصر.

وولد للاوذ أيضاً أميم بن لاوذ بن سام، وكان كثير الولد، فنزع بعضهم إلى جامر بن يافث بالمشرق. وولد لإرم بن سام عوص بن إرم، وكان منزله الأحقاف. وولد لعوص عاد بن عوص.

وأمام حام بن نوح، فولد له كوش ومصرايم وقوط وكنعان، فمن ولد كوش نمرود المتجبر الذي كان ببابل، وهو نمرود بن كوش بن حام، وصارت بقية ولد حام بالسواحل من المشرق والمغرب والنوبة والحبشة وفزان.

قال: ويقال: إن مصرايم ولد القبط والبربر، وإن قوطاً صار إلى أرض السند والهند فنزلها، وإن أهلها من ولده.

وأما يافث بن نوح فولد له جامر وموعج وموادي وبوان وثوبال وماشج وتيرش. ومن ولد جامر ملوك فارس. ومن ولد تيرش الترك والخزر. ومن ولد ماشج الأشبان. ومن ولد موعج يأجوج ومأجوج، وهم في شرقي أرض الترك والخزر. ومن ولد بوان الصقالبة وبرجان والأشبان، كانوا في القديم بأرض الترك والخزر. ومن ولد بوان الصقالية وبرجان والأشبان، كانوا في القديم بأرض الروم قبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص وغيرهم، وقصد كل فريق من هؤلاء الثلاثة: سام وحام ويافث أرضاً، فسكنوها ودفعوا غيرهم عنها.

حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا هشام بن محمد عن أبيه: قال: الهند والسند بنو توقير بن يقطن بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح. ومكران بن البند، وجرهم، اسمه هذرم بن عابر بن سبأ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. وحضرموت بن يقطن بن عابر بن شالخ. ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح، في قول من نسبة إلى غير إسماعيل. والفرس بنو فارس بن تيرش بن ناسور بن نوح. النبط بنو نبيط بن ماش ابن إرم بن سام بن نوح. وأهل الجزيرة والعال من ولد ماش بن إرم بن سام ابن نوح. وعمليق - وهو عريب - وطسم وأميم بنو لوذ بن سام بن نوح وعمليق هو أبو العمالقة، ومنهم البربر وهم بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوذ بن سام بن نوح، ما خلا صنهاجة وكتامة، فإنهما بنو فريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ.

ويقال: إن عمليق أول من تكلم بالعربية حين ظعنوا من بابل، فكان يقال لهم ولجرهم: العرب العاربة، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام ابن نوح، وعاد وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح، والروم بنو لنطي ابن يونان، وبن يافث بن نوح. ونمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وهو صاحب بين، وهو صاحب إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه.

قال: وكان يقال لعاد في دهرهم عادُ إرم، فلما هلكت عاد قيل لثمود إرم، فلما هلكت ثمود قيل لسائر بني إرم: إرمان، فهم النبط، فكل هؤلاء كان على الإسلام وهم ببابل، حتى ملكهم نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا، فأمسوا وكلامهم السريانية، ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم، فجعل لا يعرف بعضهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لساناً، ولبني حام ثمانية عشر لساناً، ولبني يافث ستة وثلاثون لساناً، ففهم الله العربية عاداً وعبيل وثمود وجديس وعمليق وطسم وأميم وبني يقطن بنعابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.

وكان الذي عقد لهم الألوية ببابل بوناظر بن نوح، وكان نوح فيما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس: تزوج امرأة بني قابيل، فولدت له غلاماً، فسماه بوناظر، فولده بمدينة بالمشرق يقال لها معلون شمسا، فنزل بنو سام المجدل سرة الأرض، وهو ما بين ساتيدما إلى البحر، وما بين اليمن إلى الشام، وجعل الله النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض فيهم. ونزل بنو حام مجرى الجنوب والد بور، ويقال لتلك الناحية الداروم، وجعل الله فيهم أدمة وبياضاً قلياً، وأعمر بلادهم وسماءهم، ورفع عنهم الطاعون، وجعل في أرضهم الأئل والأراك والعثر والغار والنخل، وجرت الشمس والقمر في سمائهم. ونزل بنو يافث الصفون مجرى الشمال والصبا، وفيهم الحمرة والشقرة، وأخلى الله أرضهم فاشتد بردها، وأخلى سماءهم، فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجدي والفرقدين، فابتلوا بالطاعون. ثم لحقت عاد بالشحر، فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث فلحقتهم بعد مهرةُ بالشحر. ولحقت عبيل بموضع يثرب، فأخروجوا منها عبيل، فنزلوا موضع الجحفة، فأقبل السيل فأجتحفهم فذهب بهم فسميت الجحفة. ولحقت ثمود بالحجر وما يليه فهلكوا ثم، ولحقت طسم وجديس باليمامة فهلكوا، ولحقت أميم بأرض أبار فهلكوا بها، وهي بني اليمامة والشحر، ولا يصلُ إليها ا ليوم أحد، غلبت عليها الجن. وإنما سميت أبار بأبار بن أميم. ولحقت بن يقطن بنو عابر باليمن، فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها، ولحق قوم من بني كنعان بالشأم فسميت الشأم حيث تشاءموا إليها، وكانت الشأم يقال لها أرض بني كنعان، ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها، ونفوهم عنها، فكانت الشأم لبني إسرائيل، ثم وثبت الروم على بني إسرائيل فقتلوهم، وأجلوهم إلى العراق إلا قليلاً منهم، ثم جاء العرب فغلبوا على الشأم، وكان فالغ وهو فالغ بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح - هو الذي قسم الأرض بين بني نوح كما سمينا.

وأما الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علماء سلفنا في أنساب الأمم التي هي في الأرض اليوم، فعلى ما حدثني أحمد بن بشير بن أبي عبد الله الوراق، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش".

حدثني القاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسمل، قال: "ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب، وحام أبو الزنج، ويافث أبو الروم".
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا عباد بن العوام، عن سعيد، قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش".

حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: حدثني روح، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ولد نوح سام وحام ويافث". قال عبد الله: قال روح: أحفظ يافث، وسمعت مرة يافت.

وقد روي هذا الحديث عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة وعمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ولد نوح ثلاثة، وولد كل واحد ثلاثة: سام، حام، ويافث.

فولد سام العرب وفارس والروم، وفي كل هؤلاء خير. وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وليس في واحد من هؤلاء خير، وولد حام القبط والسودان والبربر.

وروي عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن عطاء، عن أبيه، قال: ولد حام كل أسود جعد الشعر، وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين، وولد سام كل حسن الوجه حسن الشعر. قال: وعاد نوح على حام ألا يعدو شعر ولده أانهم، وحيثما لقى ولده ولد سام استعبدوهم.
وزعم أهل التوراة أن سام ولد لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة، ثم ولد لسام أرفخشد بعد أن مضى من عمر سام مائة سنة وسنتان، فكان جميع عمر سام - فيما زعموا - ستمائة سنة. ثم ولد لأرفخشد فينان، وكان عمر أرفخشد أربعمائة وثمانياً وثلاثين سنة. وولد قينان لأفرفخشد بعد أن مضى من عمره خمس وثلاثون سنة، ثم ولد لقينان شالخ بعد أن مضى من عمره تسع وثلاثون سنة، ولم يذكر مدة عمر قينان في الكتب فيما ذكر لما ذكرنا من أمره قبل. ثم ولد لشالخ عابر بعد أن مضى من عمره ثلاثون سنة، وكان عمر شالخ كله أربعمائة سنة وثلاثاً وثلاثين سنة.

ثم ولد لعابر فالغ وأخوه قحطان، وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة، فلما كثر الناس بعد ذلك مع قرب عهدهم بالطوفان هموا ببناء مدينة تجمعهم فلا يتفرقون، أو صرح علاٍ يحرزهم من الطوفان إن كان مرة أخرى فلا يغرقون، فأراد الله عز وجل أن يوهن أمرهم، ويخلف ظنهم ويعلمهم أن الحول والقوة له، فبدد شملهم، وشتت جمعهم، وفرق ألسنتهم. وكان عمر عابر أربعمائة سنة وأربعاً وسبعين سنة.

ثم ولد لفالغ أرغوا،وكان عمر فالغ مائتين وتسعاً وثلاثين سنة، وولد أرغوا لفالغ وقد مضى من عمره ثلاثون سنة، ثم ولد لأرغوا ساروغ، وكان عمر أرغوا مائتين وتسعاً وثلاثين سنة، ثم ولد لأرغوا ساروغ، وكان عمر أرغوا مائتين وتسعاً وثلاثين سنة، وولد له ساروغ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة. ثم ولد لساروغ ناحور، وكان عمر ساروغ مائتين وثلاثين سنة. وولد له ناحور، وقد مضى من عمره ثلاثون سنة.

ثم ولد لناحور تارخ أبو إبراهيم، صلوات الله عليه، وكان هذا الإسم اسمه الذي سماه أبوه، فلما صار مع نمرود قيماً على خزانة آلهته سماه آزر. وقد قيل: إن أزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، فهذا قول يروي عن مجاهد. وقد قيل إنه عيب عابه به بمعنى معوج، بعد ما مضى من عمر ناحور سبع وعشرون سنة، وكان عمر ناحور كله مائتين وثمانياً وأربعياً سنة.

وولد لتارخ إبراهيم، وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة وتسع وسبعون سنة، وكان بعضُ أهل الكتاب يقول: كان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثين سنة.

وولد لقحطان بن عابر يعرب، فولد يعرب يشجب بن يعرب، فولد يشجب سبأ بن يشجب، فولد سبأ حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وعمرو ابن سبأ، والأشعر بن سبأ وأنمار بن سبأ ومر بن سبأ عاملة بن سبأ. فولد عمرو ابن سبأ عدي بن عمرو، فولد عدي لخم بن عدي وجذام بن عدي.

وقد زعم بعض نسابي الفرس أن نوحاً هو أفريدون الذي قهر الأزدهاق، وسلبه ملكه. وزعم بعضهم أن أفريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم عليه السلام الذي قضى له ببئر السبع، الذي ذكر الله في كتابه. وقال بعضهم: هو سليمان بن داود.

وإنما ذكرته في هذا الموضع لما ذكرت فيه من قول من قال: إنه نوح، وإن قصته شبيهة بقصة نوح في أولاد له ثلاثة، وعدله وحسن سيرته، وهلاك الضحاك على يده. وأنه قيل إن هلاك الضحاك كان على يد نوح وأن نوحاً إنما كان أرسل - في قول من ذكرت عنه أنه قال: كان هلاك الضحاك على يدي نوح - حين أرسل إلى قومه، وهم كانوا قوم الضحاك.

فأما الفرس فإنهم ينسبونه النسبة التي أنا ذاكرها، وذلك أنهم يزعمون أن أفريدون من ولد جم شاذ الملك الذي قتله الأزدهاق، على ما قد بينا من أمره قبل، وان بينه جم عشرة آباء.

وقد حدثت عن هشام بن محمد بن السائب، قال: بلغنا أن أفريدون - وهو من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك، قال: ويزعمون أنه التاسع من ولده، وكان مولده بدنباوند - خرج حتى ورد منزل الضحاك، فأخذه وأوثقه، وملك مائتي سنة، ورد المظالم، وأمر الناس بعبادة الله والإنصاف والإحسان، ونظر إلى ما كان الضحاك غصب الناس من الأرضين وغيرها، فرد ذلك كله على أهله، إلا ما لم يجد له أهلاً، فإنه وقفه على المساكين والعامة.

قال: ويقال إنه أول من سمي الصوافي، وأول من نظر في الطب والنجوم، وإنه كان له ثلاثين بنين: اسم الأكبر سلم، والثاني طوج، والثالث إبرج، وأن افريدون تخوف ألا يتفق بنوه، وأن يبغي بعضهم على بعض، فقسم ملكه بنيهم ثلاثاً، وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها، وأمر كل واحد منهم فأخذ سهماً، فصارت الروم وناحية المغرب لسلم، وصارت الترك والصين لطوج، وصارت للثالث - وهو إيرج - العراق والهند، فدفع التاج والسرير إليه، ومات أفريدون، فوثب إيرج أخواه فقتلاه، وملكا الأرض بينهما ثلاثمائة سنة.

قال: والفرس تزعم أن لأفريدون عشرة آباء، كلهم يسمي أثفيان باسم واحد. قالوا: وإنما فعلوا ذلك فعلوا ذلك خوفاً من الضحاك على أولادهم، لرواية كانت عندهم، بأن بعضهم يغلب الضحاك على ملكه،ويدرك منه ثأر جم، وكانوا يعرفون ويميزون بألقاب لقبوها، فكان يقال للواحد منهم: أثفيان صاحب البقر الحمر، وأثفيان صاحب البقر البلق، وأثفيان صاحب البقر الكدر. وهو أفريدون بن أثفيان بوكاو - وتفسيره صاحب البقر الكثير - بن أثفيان نيككاو - وتفسيره صاحب البقر الجياد، بن أثفيان سيركاو - وتفسيره صاحب البقر السمان العظام - بن أثفيان بوركاو - وتفسيره صاحب البقر التي بلون حمير الوحش - بن أثفيان أخشين كاو - وتفسيره صاحب البقر الصفر - بن أثفيان سياه كاو - وتفسيره صاحب البقر السود - بن أثفيان اسبيذكاو - وتفسيره صاحب البقر البيض - بن أثفيان كيروكاو - وتفسيره صاحب البقر الرمادية - بن أثفيان رمين - وتفسيره كل ضرب من الألوان والقطعان - بن أثفيان بنفر وسن، بن جم الشاذ.

وقيل: إن أفريدون أول من سمي بالكيية فقيل له: كي أفريدون، وتفسير الكيية أنها بمعنى التنزيه، كما يقال: روحاني، يعنون به أن أمره أمر مخلص منزه يتصل بالروحانية. وقيل إن معنى "كي" اي طلب الدخل، ويزعم بعضهم أن "كي" من البهاء، وأن البهاء يغشى أفريدون حين قتل الضحاك، وتذكر العجم من الفرس أنه كان رجلاً جسيماً وسيماً بهياً مجرباً، وأن أكثر قتاله كان بالجرز، وأن جرزه كان رأسه كرأس الثور، وأن ملك ابنه إبرج العراق ونواحيها كان في حياته، وأن أيام إيرج داخله في ملك أفريدون، وأنه ملك الأقاليم كلها، وتنقل في البلدان، وأنه لما جلس على سريره يوم الملك قال: نحن القاهرون بعون الله وتأييده للضحاك، القامعون للشيطان وأحزابه، ثم وعظ الناس، فأمرهم بالتناصف وتعاطي الحق وبذل الخير بينهم، وحثهم على الشكر والتمسك به، ورتب سبعة من القوهياربين - وتفسير ذلك محولو الجبال سبع مراتب - وصير إلى كل واحد منهم ناحية من دنباوند وغيرها على شبيه بالتمليك. قالوا: فلما ظفر بالضحاك قال له الضحاك: لا تقتلني بجدك جم، فقال له أفريدون منكراً لقوله: لقد سمت بك همتك، وعظمت في نفسك حين قدرتها لهذا، وطمعت لها فيه! وأعلمه أن جده كان أعظم قدراً من أن يكون مثله كفئاً له في القود، وأعلمه أنه يقلته بثور كان في دار جده.
وقيل إن أفريدون أول من ذلل الفيلة وامتطاها، ونتج البغال، واتخذ الإوز والحمام، وعالج الدرباق، وقاتل الأعداء فقتلهم ونفاهم، وأنه قسم الأرض بين أولاده الثلاثة: طوج وسلم وإيزج، فملك طوجاً ناحية الترك والخزر والصين، فكانوا يسمونها صين بغا، وجمع إليها النواحي التي اتصلت بها، وملك سلماً ابنه الثاني الروم والصقالية والبرجان وما في حدود ذلك، وجعل وسط الأرض وعامرها - وهو إقليم بابل، وكانوا يسمونها خنارث بعد أن جمع إلى ذلك ما اتصل به من السند والهند والحجاز وغيرها - لأيرج وهو الأصغر من بنيه الثلاثة، وكان أحبهم إليه. وبهذا السبب سمي إقليم بابل إيرانشهر، وبه أيضاً نشبت العداوة بين ولد أفريدون وأولادهم بعد، وصار ملوك خنارث والترك والروم إلى المحاربة ومطالبة بعضهم بعضاً بالدماء والترات.

وقيل: إن طوجاً وسلماً لما علما بأن أباهما قد خص إيرج وقدمه عليهما أظهرا له البغضاء، ولم يزل التحاسد ينمي بينهم إلى أن وثب طوج وسلم على أخيمها إيرج. فقتلاه متعاونين عليه، وأن طوجا رماه بوهق فخنقه، فمن أجل ذلك استعملت الترك الوهق، وكان لإيرج ابنان، يقال لهما وندان وأسطوية، وابنة يقال لها خوزك، ويقال خوشك، فقتل سمل وطوج الابنين مع ابيهما، وبقيت الإبنة.

وقيل: إن اليوم الذي غلب فيه أفريدون الضحاك كان روزمهر من مهرماه، فاتخذ الناس ذلك اليوم عيداً لارتفاع بلية الضحاك عن الناس، وسماه المهرجان، فقل: إن أفريدون كان جباراً عادلاً في ملكه، وكان طوله تسعة أرماح، كل رمح ثلاثة أبواع، وعرض حجرته ثلاثة أرماح، وعرض صدره أربعة أرماح، وأنه كان يتبع من كل بقي بالسودان من آل نمرود والنبط، وقصدهم حتى أتى على وجوههم، ومحا أعلامهم وآثارهم، وكان ملكه خمسمائة سنة.