المجلد الأول - ذكر أمر بناء البيت ذكر أمر بناء البيت

قال: ثم إن الله عز وجل أمر إبراهيم بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق - فيما ذكر - ببناء بيت له يعبد فيه، ويذكر. فلم يدر إبراهيم في أي موضع يبنى، إذ لم يكن بيّن له ذلك، فضاق بذلك ذرعاً، فقال بعض أهل العلم: بعث الله إليه السكينة لتدله على موضع البيت فمضت به السكينة، ومع إبراهيم هاجر زوجته وابنه إسماعيل، وهو طفل صغير.

وقال بعضهم: بل بعث الله إليه جبرئيل عليه السلام، حتى دله على موضعه وبني له ما ينبغي أن يعمل.

ذكر من قال: الذي بعثه الله إليه لذلك السكينة: حدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة: أن رجلاً قام إلى علي بن أبي طالب، فقال: ألا تخبرني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكنه أو بيت وضع في البركة مقام إبراهيم،ومن دخله كان آمناً، وإن شئت أنبأتك كيف بني. إن الله عز وجل أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتاً في الأرض فضاق إبراهيم بذلك ذرعاً، فأرسل عز وجل السكينة، وهي ريح خجوج ولها رأسان، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطوت على موضع البيت كتطوي الحية، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام بنني شئياً، فقال إبراهيم: أبغني حجراً كما أمرك، فانطلق الغلام يلتمس له حجراً، فأتاه به، فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبت، من أتاك بهذا الحجر؟ فقال: أتابي به من لم يتكل على بنائك، أتابي به جبرئيل من السماء. فأتماه.

حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: حثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي عليه السلام قال: لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر، فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الراس، فكلمه، وقال: يا إبراهيم ابن على ظلي - أو على قدري - ولا تزد ولا تنقص، فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر، فقالت هاجر: يا إبراهيم إلى من تكلنا؟ قال إلى الله، قالت: انطلق فإنه لا يضيعنا، قال: فعطش إسماعيل عطشاً شديداً، فصعدت هاجر الصفا، فنظرت فلم تر شيئاً، ثم أتت المردة فنظرت فلم تر شيئاً ثم رجعت إلى الصفا، فنظرت فلم تر شيئاً.. حتى فعلت ذلك سبع مرات، فقالت: يا إسماعيل، مت حيث لا أراك. فأتته وهو يفحص برجله من العطش، فناداها جبرائيل، فقال: من أنتِ؟ قالت: أنا هاجر، أم ولد إبراهيم، قال: إلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله، قال: وكلكما إلى كافٍ، قال: ففحص الغلام الأرض بإصبعه، فنبعت زمزم، فجعلت تحبس الماء، فقال: دعيه، فإنها رواء.

حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل: أن طهرا بيتي للطائفين، انطلق إبراهيم حتى أتى مكة، فقام هو وإسماعيل، وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله عز وجل ريحاً يقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما حول الكعبة على أساس البيت الأول، وابتعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس، فذلك حين يقول عز وجل: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت".

وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عم سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي ابن ابي طالب عليه السلام أنه كان يقول: لما أمر الله إبراهيم بعمارة البيت والآذان بالحج في الناس خرج من الشأم ومعه ابنه إسماعيل، وأم إسماعيل هاجر، وبعث الله معه السكينة، وهي ريح لها لسان تكلم به، يغدو معها إبراهيم إذا غدت، ويروح معها إذا راحت، حتى انتهت به إلى مكة، فلما أتت موضع البيت استدارت به، ثم قالت لإبراهيم: ابن علي، ابن علي، ابن علي، فوضع إبراهيم الأساس ورفع البيت هو وإسماعيل، حتى انتهيا إلى موضع الركن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بني، ابغ لي حجراً أجعله علماً للناس، فجاءه بحجر، فلم يرضه وقال: ابغي غير هذا، فذهب إسماعيل ليلتمس له حجراً، فجاءه وقد أتى بالركن، فوضعه في موضعه، فقال: يا أبت، من جاءك بهذا الحجر؟ قال: من لم يكلني إليك يا بني.

وقال آخرون: إن الذي خرج مع إبراهيم من الشام لدلالته على موضع البيت جبرئيل عليه السلام، وقالوا: كان إخراجه هاجر وإسماعيل إلى مكة لما كان من غيرة سارة بسبب ولادة هاجر منه إسماعيل.

ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه أن سارة قالت لإبراهيم: تسر هاجر، فقد أنذت لك فوطئها، فحملت بإسماعيل، ثم إنه وقع على سارة فحملت بإسحاق، فلما ولدته وكبر اقتتل هو وإسماعيل، فغضبت سارة على أم إسماعيل، وغارت عليها، فأخرجتها، ثم إنها دعتها فأدخلتها. ثم غضبت أيضاً فأخرجتها ثم أدخلتها، وحلفت لتقطعن منها بضعة، فقالت أقطع أنفها، أقطع أذنها فيشينها ذلك، ثم قالت: لا بل أخفضها، فقطعت ذلك منها، فاتخذت هاجر عند ذلك ذيلا تعفى به عن الدم، فلذلك خفضت النساء، واتخذت ذيولاً ثم قالت: لا تساكني في بلد. وأوحى الله إلى إبرهيم أن يأتي مكة، وليس يومئذ بمكة بيت، فذهب بها إلى مكة وابنها فوضعهما، وقالت هاجر: إلى من تركتنا ها هنا؟ ثم ذكر خبرها، وخبر ابنها.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد وغيره من أهل العلم أن الله عز وجل لما بوأ لإبراهيم مكان البيت ومعالم الحرم، فخرج وخرج معه جبرئيل يقال: كان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه أمرت يا جبرئيل؟ فيقول: جبرئيل امضه، حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك عضاه سلم وسمرُ، وبها أناس يقال لهم العماليق، خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة، فقال إبراهيم لجبرئيل: أها هنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم، فعمد بهما إلى موضع الحجر، فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشاً فقال: "ربنا إن أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم" إلى "لعلهم يشكرون". ثم انصرف إلى أهله بالشأم وتركهما عند البيت، قال: فظمئ إسماعيل ظمأ شديداً، فالتمست له أمه ماء فلم تجده، فاستسمعت: هل تسمع صوتاً؟ لتلتمس له شراباً، فسمعت كالصوت عند الصفا، فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئاً، ثم سمعت صوتاً نحو المروة، فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئاً، ويقال: بل قامت على الصفا تدعوا الله وتستغيثه لإسماعيل، ثم عمدت إلى المروة ففعلت ذلك. ثم إنها سمعت أصوات سباع الوادي نحو إسماعيل حيث تركته، فأقبلت إليه تشتد، فوجدته يفحص الماء بيده من عين قد انفجرت من تحت يده، فشرب منهأن وجاءتها أم إسماعيل فجعلتها حسياً، ثم استقت منها في قربتها تذخره لإسماعيل، فلولا الذي فعلت ما زالت زمزم معيناً طاهراً ماؤها أبداً. قال مجاهد: ولم نزل نسمع أن زمزم هزمة جبرئيل بعقبه لإسماعيل حين ظمئ.

حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسن بن محمد، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، قال: نبئتُ عن سعيد بن جبير أنه حدث عن ابن عباس أن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم إسماعيل، وأن أول من أحدث من نساء العرب جر الذيول لأم إسماعيل. قال: لما فرّت من سارة أرخت ذيلها لتعفى أثرها، فجاء بها إبراهيم ومعها إسماعيل حتى انتهى بهما على موضع البيت، فوضعهما ثم رجع، فاتبعته فقالت: إلى أي شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا؟ إلى شراب تكلنا؟ لا يرد عليها شيئاً، فقالت الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا، قال: فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء، أقبل على الوادي فقال: "ربنا إن أسكنت من ذريتي بوادٍ غير زرع عند بيتك المحرم..." الأية. قال: ومع الإنسانة شنةٌ فيها ماء، فنفذ الماء، فعطشت فانقطع لبنُها، فعطش الصبى فنظرت: أي الجبال أدنى إلى الأرض، فصعدت الصفا فتسمعّت: هل تسمع صوتاً، أو ترى. أنيساً؟ فلم تسمع شئياً فانحدرت، فلما أتت على الوادي سعت - وما تريد السعي - كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي، فنظرت أي الجبال أدنى إلى الأرض، فصعدت المروة، فتسمعت: هل تسمع صوتاً أو ترى أنيساً؟ فسمعت صوتاً، فقالت كالإنسان الذي يكذب سمعه: صه! حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك فأغثني، فقد هلكت وهلك من معي، فجاء الملك بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم، فضرب بقدمه ففارت عيناً، فعجلت الإنسانة تفرغ في شنتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أم إسماعيل، لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً".

وقال لها الملك: لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد، فإنها عين يشرب ضيفان الله منها، وقال: إن أبا هذا الغلام سيجيء فيبنيان لله بيتاً هذا موضعه.

قال: ومرت رفقة من جرهم تريد الشأم، فرأو الطير على الجبل، فقالوا: إن هذا الطير لعائف على ماء، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا: لا فأشرفوا فإذا هم بالإنسانة، فأتوها فطلبوا إليها أن ينزلوا معها، فأذنت لهم، قال: وأتى عليها ما يأتي على هؤلاء الناس من الموت، فماتت وتزوج إسماعيل امرأة منهم، فجاء إبراهيم فسأل عن منزل إسماعيل حتى دل عليه فلم يجده، ووجد امرأة له فظة غليظة، فقال لها: إذا جاء زوجك فقولي له: جاء ها هنا شيخ من صفته كذا وكذا، وأنه يقول لك: إني لا أرضى لك عتبة بابك فحولها، وانطلق. فلما جاء إسماعيل أخبرته فقال: ذلك أبي، وأنت عتبة بابي. فطلقها، وتزوج امرأة أخرى منهم، وجاء إبراهيم حتى انتهى إلى منزل إسماعيل فلم يجده ووجد امرأة له سلهة طليقة فقال لها: أين انطلق زوجك؟ فقالت: انطلق إلى الصيد، قال: فما طعامكم؟ قالت اللحم والماء، قال: اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم، ثلاثاً. وقال لها: إذا جاء زوجك فأخبريه، قولي له جاء ها هنا شيخ من صفته كذا وكذا، وإنه يقول لك: قد رضيتُ لك عتبة بابك، فأثبتها، فلما جاء إسماعيل أخبرته، قال: ثم جاء الثالثة، فرفعا القواعد من البيت.حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن عباد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سيعد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاء إبراهيم نبي الله بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة في موضع زمزم، فلما مضى نادته هاجر: يا إبراهيم، إنما أسألك ثلاث مرات: من أمرك أن تضعني بأرض ليس فيها زرع ولا ضرع ولا أنيس ولا ماء ولا زاد؟ قال: ربي أمرني، قال: فإنه لن يضيعنا، قال: فلما قفا إبراهيم قال: "ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن" يعني من الحزن "وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء". فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحض الأرض بعقبه فذهبت هاجر حتى علت الصفا، والوادي يومئذ لاخٍ - يعني عمبق - فصعدت الصفا، فأشرفت لتنظر: هل ترى شيئاً؟ فلم تر شيئاً، فانحدرت فبلغت الوادي، فسعت فيه حتى خرجت منه، فاتت المروة فصعدت فاستشرفت: هل ترى شيئاً؟ فلم تر شيئاً، ففعلت ذلك سبع مرات، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل، وهو يدحض الأرض بعقبه، وقد نبعت العين وهي زمزم، فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء، وكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها، فأقرغته في سقائها، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرحمها الله! لو تركتها لكانت عيناً سائحة تجري إلى يوم القيامة".

قال: وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة، قال: ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء، فلما رأت جرهم الطير لزمت الوادي، قالوا. ما لزمته إلا وفيه ماء، فجاءوا إلى هاجر، فقالوا: لو شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك، قالت: نعم! فكانوا معها حتى شب إسماعيل وماتت هاجر، فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم، قال: فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر، فأذنت له، وشرطت عليه ألا ينزل، وقدم إبراهيم - وقد ماتت هاجر - إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ليس ها هنا، ذهب يتصيد، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيد، ثم يرجع، فقال إبراهيم هل عندك ضيافة؟ هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: ليس عندي وما عندي أحد، قال إبراهيم: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له، فليغير عتبة بابه، وذهب إبراهيم وجاء إسماعيل، فوجد ريح أبيه فقال لامرآته: هل جاءك أحد؟ قالت: جائني شيخ صفته كذا - وكذا المتسخفة بشأنه - قال:فما قال لك؟ قالت قال لي أقرئي زوجك السلام. وقولي له: فليغير عبتة بابه، فطلقها وتزوج أخرى، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل، فأذنت له واشترطت عليه ألا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيد و يجيء الآن إن شاء الله، فانزل يرحمك الله! قال لها: هل عندك ضيافة؟ قالت: نعم، قال: هل عندك خبرا او بر أو شعير أو تمر؟ قال: فجاءت باللبن واللحم، فدعا لهما بالبركة، فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله براً وشعيراً وتمراً، فقالت: انزل حتى أغسل رأسك، فلم ينزل، فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن، فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه عليه، فغسلت شق رأسه الأيمن، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر، فغسلت شقه الأيسر، فقال لها: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك. فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه، فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت:نعم شيخ أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، فقال لي: كذا وكذا، وقلت له كذا وكذا، وغسلت رأسه، وهذا موضع قدميه على المقام، قال: وما قال لك؟ قالت: قال لي: إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام، وقولي له: قد استقامت عتبة بابك، قال ذلك إبراهيم، فلبث ما شاء الله أن يلبث وأمره الله عز وجل ببناء البيت، فبناه هو وإسماعيل، فلما بنياه قيل: "أذن في الناس بالحج"، فجعل لا يمر بقوم إلا قال: يا أيها لاناس، إنه قد بني لكم بيت فحجوه، فجعل لا يسمعه أحد، لا صخرة ولا شجرة ولا شيء إلا قال: لبيك اللهم لبيك. قال: وكان بين قوله: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم"، وبين قوله: "الحمد الله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق" كذا وكذا عاماً، لم يحفظ عطاء.

حدثني محمد بن سنان، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد أو علي الحنفي، قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع، قال: سمعت كثير بن كثير يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء - يعني إبراهيم - فوجد إسماعيل يصلح نبلا له من وراء زمزم، فقال إبراهيم: يا إسماعيل، إن ربك قد أمرني أن أبني له بيتاً، فقال له إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك، فقال إبراهيم: قد أمرك أن تعينني عليه قال: إذاً أفعل: قال: فقام معه، فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان "ربنا تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم"، فلما ارتفع النبيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر، وهو مقام إبراهيم، فجعل يناوله ويقولان: "تقبل منا إنك أنت السميع العليم".

فلما فرغ إبراهيم من بناء البيت الذي أمره الله عز وجل ببنائه، أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج، فقال له: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كال ضامر يأتين من كل فج عميقٍ". فقال إبراهيم - فيما ذكر لنا - ما حدثنا به ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت، قيل له: أذن في الناس بالحج، قال: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ، فنادى إبراهيم: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، قال: فسمعه ما بين السماء والأرض: أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما بنى إبراهيم البيتَ أوحى الله عز وجل إليه: أن أذن في الناس بالحج، قال: فقال إبراهيم: الا إن ربكم قد اتخذ بيتاً، وأمركم أن تحجوه، فاستجاب له ما سمعه من شيء، من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شيء: لبيك الله لبيك! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين ابن واقد، عن أبي الزبير، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: "وأذن في الناس بالحج"، قال: قام إبراهيم عليه السلام خليل الله على الحجر فنادى: يا أيها الناس، كتب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك! حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة، عن مجاهد، قال: قيل لإبراهيم: أذن في الناس بالحج، فقال: يا ربّ، كيف أقول؟ قال: لبيك اللهم لبيك، قال: فكانت أول التلبية.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمر ابن عبد الله بن عروة، أنّ عبد الله بن الزبير قال لعبيد بن عمير الليثي: كيف بلغك أن إبراهيم دعا إلى الحج؟ قال: بلغني أنه لما رفع هو وإسماعيل قواعد البيت، وانتهى إلى ما أراد الله من ذلك، وحضر الحج استقبل اليمن، قدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب: أن لبّيك اللهمّ لبيك! ثم استقبل المشرق فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب: أن لبيك اللهم لبيك! ثم إلى المغرب فدعا إلى الله وإلى حج بيته، فأجيب: أن لبيك اللهم لبيك! ثم إلى الشأم فدعا إلى الله عز وجل وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك ا للهم لبيك، ثم خرج بإسماعيل وهو معه يوم التروية، فنزل به منى ومن معه من المسلمين، فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم بات بهم حتى أصبح، فصلى بهم صلاة الفجر، ثم غدا بهم إلى عرفة، فقال بهم هنالك، حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة، فوقف بهم على الأراك، وهو الموقف من عرفة الذي يقف عليه الإمام يريه ويعلمه، فلما غرب الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى المزدلفة، فجمع فيها بين الصلاتين، المغرب والعشاء الآخرة، ثم بات بها وبمن معه، حتى إذا طلع الفجر صلى بهم صلاة الغداة، ثم وقف به على قزح من المزدلفة فيمن معه، وهو الموقف الذي يقف به الإمام حتى أسفر دفع به وبمن معه يريه ويعلمه كيف يصنع، حتى رمى الجمرة الكبرى، وأراه المنحر من منى، ثم نحر وحلق، ثم أفاض به من منى ليريه كيف يطوف، ثم عاد به إلى منى ليريه كيف يرمي الجمار، حتى فرغ له من الحج وأذن في الناس.

قال أبو جعفر: وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض أصحابه أن جبرئيل هو الذي كان يري إبراهيم المناسك إذا حج.

ذكر الرواية بذلك عن رسول الله: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى -وحدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى - قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتى جبرئيل إبراهيم يوم التروية فراح به إلى منى، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر بمنى، ثم غدا به إلى عرفات، فأنزله الأراك - أو حيث ينزل الناس - فصلى به الصلاتين جميعاً: الظهر والعصر، ثم وقف به حتى إذا كان كأعجل ما يصلي أحدٌ من الناس المغرب، أفاض حتى فاض أتى به جميعاً، فصلى به الصلاتين جميعاً المغرب والعشاء، ثم أقام حتى إذا كان كأعجل ما يصلي أحد من الناس الفجر صلى به، ثم وقف حتى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين الفجر أفاض به إلى منى، فرمى الجمرة، ثم ذبح وحلق، ثم أفاض إلى البيت، ثم أوحى الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم: "أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين".

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.

ثم إن لله تعالى ذكره ابتلى خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه.

واختلف السلف من علماء أمة نبينا صلى الله عليه وسلم في الذي أمر إبراهيم بذبحه من ابنيه، فقال بعضهم: هو إسحاق بن إبراهيم، وقال بعضهم: هو إسماعيل بن إبراهيم، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا القولين، لو كان فيهما صحيح لم نعدهُ إلى غيره، غير أن الدليل من القرآن على صحة الرواية التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هو إسحاق" أوضح وأبين منه على صحة الأخرى.

والرواية التي رويت عنه أنه قال: "هو إسحاق" حدثنا بها أبو كريب، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن الحسن بن دينار، عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه: "وفديناه بذبح عظيمٍ" قال: "هو إسحاق".

وقد روي هذا الخبر عن غيره من وجه أصلح من هذا الوجه، غير أنه موقوف على العباس غير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن يمان، عن مبارك، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب: "وفديناه بذبحٍ عظيم" قال: "هو إسحاق" وأما الرواية التي رويت عنه أنه هو إسماعيل، فما حدثنا محمد بن عمار الرازي، قال: حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، قال: حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي، عن عبد الله بن محمد العتبي من ولد عتبة بن أبي سفيان، عن أبيه، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد، عن الصنابحي، قال: كنا عند معاوية بن أبي سفيان، فذكروا الذبيح: إسماعيل أو إسحاق؟ فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، عد على مما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسمل، فقيل له: وما الذبيحان يا رسول الله؟ فقال: "إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمز نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده"، قال: فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا: افد ابنك بمائة من الإبل، ففداه بمائة من الإبل وإسماعيل الثاني.

ونذكر الآن من قال من السلف إنه إسحاق، ومن قال إنه إسماعيل.

ذكر من قال هو إسحاق: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن مبارك، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب: "وفديناه بذبح عظيم" قال: هو إسحاق.
حدثنا الحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا ابن إدريس، عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الذي أرم بذبحه إبراهيم هو إسحاق.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن داود، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: الذبيح هو إسحاق.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وفديناه بذبح عظيم" قال: هو إسحاق.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شبعة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: افتخر رجل عند ابن مسعود، فقال: أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق، ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيم بن المختار، قال: حدثنا محمد ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن الزهري، عن العلاء بن جارية الثقفي، عن أبي هريرة، عن كعب، في قوله: "وفديناه بذبح عظيم" قال: من ابنه إسحاق.

حدثنا ابن حيمد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن محمد بن مسلم الزهري، عن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، حليف بني زهرة، عن أبي هريرة، عن كعب الأحبار، أن الذي أمر بذبحه إبراهيم من أبنيه إسحاق.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، أخبره أن كعباً قال لأبي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيم النبي؟ قال أبو هريرة: بلى، قال كعب: لما أري إبراهيم ذبح إسحاق، قال الشيطان: والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن أحداً منهم أبداً، فتمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه، فأقبل حتى إذا خرج إبراهيم غادياً بإسحاق؟ قالت: غدا لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله ما لذلك غدا به، قالت سارة: فلم غدا به؟ قال: غدا به ليذبحه، قالت سارة: ليس من ذلك شيء، لم يكن ليذبح ابنه، قال الشيطان: بلى والله، قالت سارة: فلم يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قالت سارة: فهذا حسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك.

فخرج الشيطان من عند سارة حتى أدرك إسحاق وهو يمشي على أثر أبيه، فقال له: أي أصبح أبوك غادياً بك؟ قال: غدا بي لبعض حاجته، قال الشيطان: لا والله، ما غدا بك لبعض حاجته، ولكنه غدا بك ليذبحك. قال إسحاق: ما كان أبي ليذبحني، قال: بلى، قال: لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال إسحاق: فوالله لئن أمره بذلك ليطيعنه، فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم، فقال: أي أصبحت غادياً بابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتي، قال: أما والله ما غدوت به إلى لتذبحه، قال: لم أذبحه؟ قال: زعمت أن ربك أمرك بذلك، قال: فوالله لئن كان أمرني ربي لأفعلن، قال: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله، وفداه بذبح عظيم. قال إبراهيم لإسحاق: قم أي بني، فإن الله قد أعفاك، فأوحى الله إلى إسحاق: إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها، قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي: أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة.

حدثني عمرو بن علي، قال، حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، قال: قال موسى: يا ربّ، يقولون يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فيم قالوا ذلك؟ قال: إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط إلا اختارني عليه، وإن إسحاق جاد لي بالذبح وهو بغير ذلك أجود، وإن يعقوب كلما ذدتُه بلاء زادني حسن ظن.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن زيد ابن أسلم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابيه قال: قال موسى: اي رب بم أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم؟ فذكر نحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن ابن سابط، قال: هو إسحاق.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان عن سفيان، عن ابي سنان الشيباني، عن ابن أبي الهذيل، قال: الذبيح هو إسحاق.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق،عن أبي ميسرة، قال: قال يوسفُ للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي، وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله! حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن الهذيل، قال: قال يوسف للملك، فذكره نحوه.

حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن إبراهيم عليه السلام أري في المنام فقيل له: أوف نذرك الذي نذرت: إن رزقك الله غلاماً من سارة أن تذبحه.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا زكرياء وشعبة عن أبي إسحاق، عن مسروق في قوله: "وفديناه بذبح عظيمٍ" قال هو إسحاق.

ذكر من قال هو إسماعيل: حدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن إسرائيل، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: الذبيح إسماعيل.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا بيان، عن الشعبي، عن ابن عباس: "وفديناه بذبح عظيم"، قال: إسماعيل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة محمد بن ميمون السكري عن عطاء بن السائب،عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إن الذي أمر بذبحه إبراهيم إسماعيل.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن علي بن زيد، عن عمار مولي بني هاشم، وعن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: هو إسماعيل، يعني: "وفديناه بذبح عظيم".

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا داود، عن الشعبي، قال: قال ابن عباس: وهو إسماعيل.

وحدثي به يعقوب مرة أخرى، قال: حدثنا ابن علية، قال: سئل داود بن أبي هند: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فزعم أن الشعبي قال: قال: ابن عباس: هو إسماعيل.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن بيان، عن الشعبي، عن ابن عباس، أنه قال: في الذي، فداه الله بذبح عظيم، قال: هو إسماعيل.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ليث، عن مجاهد عن ابن عباس، قوله: "وفديناه بذبح عظيم"، قال: هو إسماعيل.
وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: المفدى إسماعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق، وكذبت اليهود.

وحدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن مبارك، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس: الذي فداه الله عز وجل قال: هو إسماعيل.

حدثني محمد بن سنان، قال: حدثنا حجاج، عن حماد، عن أبي عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس مثله. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: حدثني خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، قال: الذي أراد إبراهيم ذبحه إسماعيل.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثني عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر أنه قال في هذه الآية "وفديناه بذبح عظيم"، قال: هو إسماعيل، قال: وكان قرنا الكبش منوطين بالكعبة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، قال: رأيتُ قرني الكبش في الكعبة.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، قال: هو إسماعيل.
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: هو إسماعيل.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عون، عن الحسن: "وفديناه بذبح عظيم" قال: هو اسماعيل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول: إن الذي أمر الله عز وجل إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل، وإنا لنجدُ ذلك في كتاب الله عز وجل في قصة الخبر عن إبراهيم وما أمر به من ذبح ابنه، أنه إسماعيل، وذلك أن الله عز وجل يقول حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال: "وبشرناه بإسحاق نبياً من الصاحلين" ويقول: "فبشرناها بإسحاق من وراء إسحاقَ يعقوب"، يقول: بابن وابن ابن، فلم يكن يأمره بذبح إسحاق، وله فيه من الله من الموعود ما وعده، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن يريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز، وهو خليفة إذ كان معه بالشآم، فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما قلت، ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهودياً فأسلم، فحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علماء اليهود. فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك، قال محمد بن كعب القرظي: وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أي انبي إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل، والله يا أمير المؤمنين، إن يهود لتعلم بذلك، ولكنها يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره على ما أمر به، فهو يجحدون ذلك، ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق أبوهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول ذلك كثيراً.

وأما الدلالة من القرآن التي قلنا إنها على أن ذلك إسحاق أصح، فقوله تعالى مخبراً عن دعاء خليله إبراهيم حين فارق قومه مهاجراً إلى ربه إلى الشام مع زوجته سارة، فقال: "إني ذاهب إلى ربي سيهدين. رب هب لي من الصالحين"، وذلك قبل أن يعرف هاجر، وقبل أن تصير له أم إسماعيل، ثم أتبع ذلك ربنا عز وجل الخبر عن إجابته دعاءه، وتبشيره إياه بغلام حليم، ثم عن رؤيا إبراهيم أنه يذبح ذلك الغلام حين بلغ معه السعي، ولا يعلم في كتاب ذكر لتبشير إبراهيم بولد ذكر إلا بإسحاق، وذلك قوله: "وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" وقوله: "فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليمٍ. فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" ثم ذلك كذلك في كل موضع ذكر فيه تبشير إبراهيم بغلام، فإنما ذكر تبشير الله إياه به من زوجته سارة، فالواجب أن يكون ذلك في قوله: "فبشرناه بغلام حليم" نظير ما في سائر سور القرآن من تبشيره إياه من زوجته سارة.

وأما اعتلال من اعتل بأن الله لم يكن يأمر إبراهيم بذبح إسحاق، وقد أتته البشارة من الله قبل ولادته بولادته وولادة يعقوب منه من بعده، فإنها علة غير موجبة صحةً ما قال، وذلك أن الله إنما أمر إبراهيم بذبح إسحاق بعد إدراك إسحاق السعي. وجائز أن يكون يعقوب ولد له قبل أن يؤمر أبوه بذبحه، وكذلك لا وجه لاعتلال من اعتل في ذلك بقرن الكبش أنه رآه معلقاً في الكعبة، وذلك غيرُ مستحيل أن يكون حمل من الشأم إلى الكعبة فعلق هنالك.