المجلد الثاني - ذكر الخبر عن أصحاب الكهف

الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر الخبر عن أصحاب الكهف

وكان أصحاب الكهف فتيةً آمنوا بربهم؛ كما وصفهم الله عز وجل به من صفتهم في القرآن المجيد؛ فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ".

والرقيم هو الكتاب الذي كان القوم الذين منهم كان الفتية، كتبوه في لوحٍ بذكر خبرهم وقصصهم، ثم جعلوه على باب الكهف الذي أووا إليه، أو نقروه في الجبل الذي أووا إليه، أو كتبوه في لوح وجعلوه في صندوق خلفوه عندهم، " إذا أوى الفتية إلى الكهف ".
وكان عدد الفتية - فيما ذكر ابن عباس - سبعةً، وثامنهم كلبهم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: " ما يعلمهم إلا قليلٌ "، قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: قال ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله تعالى؛ كانوا سبعةً وثامنهم كلبهم.

قال: وكان اسم أحدهم - وهو الذي كان يلي شرا الطعام لهم، الذي ذكره الله عنهم أنهم قالوا إذهبوا من رقدتهم: " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منه ". حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: حدثنا سفيان، عن مقاتل: " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة "- اسمه يمنيخ.

وأما ابن إسحاق فإنه قال - فيما حدثنا به ابن حميد - قال حدثنا سلمة، عنه: اسمه يمليخا.

وكان ابن إسحاق يقول: كان عدد الفتية ثمانية؛ فعلى قوله كان كلبهم تاسعهم. وكان - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق - يسميهم فيقول: كان أحدهم - وهو أكبرهم والذي كلم الملك عن سائرهم - مكسملينا، والآخر محسملينا، والثالث يمليخا، والرابع مرطوس، والخامس كسوطونس، والسادس بيرونس، والسابع رسمونس، والثامن بطونس، والتاسع قالوس. وكانوا أحداثاً.

وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن إبن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: لقد حدثت أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانهم وضح الورق. وكانوا من قوم يعبدون الأوثان من الروم، فهداهم الله للإسلام، وكانت شريعتهم شريعة عيسى في قول جماعة من سلف علمائنا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو - يعني ابن قيس الملائى - في قوله: " أن أصحاب الكهف والرقيم "، كانت الفتية على دين عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وكان ملكهم كافراً. وكان بعضهم يزعم أن أمرهم ومصيرهم إلى الكهف كان قبل المسيح، وأن المسيح أخبر قومه خبرهم، فإن الله عز وجل ابتعثهم من رقدتهم بعد ما رفع المسيح، في الفترة بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم؛ والله أعلم أي ذلك كان.

فأما الذي عليه علماء أهل الإسلام فعلى أن أمرهم كان بعد المسيح. فأما أنه كان في أيام ملوك الطوائف؛ فإن ذلك مما لا يدفعه دافع من أهل العلم بأخبار الناس القديمة.

وكان لهم في ذلك الزمان ملكٌ يقال له: دقينوس، يعبد الأصنام - فيما ذكر عنه - فبلغه من الفتية خلافهم إياه في دينه، فطلبهم فهربوا منه بدينهم، حتى صاروا إلى جبل لهم يقال له - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس - نيحلوس.

وكان سبب إيمانهم وخلافهم به قومهم - فيما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال حدثنا معمر، قال أخبرني إسماعيل بن سدوس، - أنه سمع وهب بن منبه يقول: جاء حوارىّ عيسى بن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنماً لا يدخلها أحد إلا سجد له، فكره أن يدخلها، فأتى حماماً، وكان فيه قريباً من تلك المدينة، فكان يعمل فيه، يؤاجر نفسه من صاحب الحمام. ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة، ودر عليه الرزق، فجعل يعرض عليه الإسلام وجعل يسترسل إليه. وعلقه فتيةٌ من أهل المدينة وجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة، حتى آمنوا به وصدقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة، وكان يشرط على صاحب الحمام أن الليل لى، لا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت. فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بإمرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحوارى، فقال: أنت ابن الملك وتدخل ومعك هذه الكذا ! فاستحيا، فذهب. فرجع مرة أخرى، فقال له مثل ذلك، وسبه وانتهره، ولم يلتفت حتى دخل، ودخلت معه المرأة فماتا في الحمام جميعاً، فأتى الملك فقيل له: قتل صاحب الحمام ابنك. فالتمس، فلم يقدر عليه فهرب. قال من كان يصحبه: فسموا الفتية، فالتمسوا فخرجوا من المدينة؛ فمروا بصاحب له في زرع له؛ وهو على مثل أمرهم فذكروا أنهم التمسوا، وانطلق معهم ومعه الكلب؛ حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه فقالوا: نبيت هاهنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله، فترون رأيكم. فضرب الله على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم، حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف؛ فكلما أراد رجل أن يدخل أرعب، فلم يطق أحد أن يدخل، فقال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم ؟ قال: بلى، قال: فابن عليهم باب الكهف، فدعهم فيه يموتوا عطشاً وجوعاً. ففعل. فغبروا - بعدما بنى عليهم باب الكهف - زماناً بعد زمان.

ثم إن راعياً أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف فأدخلته غنمى من المطر ! فلم يزل يعالجه حتى فتح ما أدخل فيه، ورد الله إليهم أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشترى لهم طعاماً، فكلما أتى باب مدينتهم رأى شيئاً ينكره، حتى دخل على رجل، فقال: بعني بهذه الدراهم طعاماً، قال: ومن أين لك هذه الدراهم ! قال: خرجت وأصحابٌ لي أمس، فآوانا الليل حتى أصبحوا، فأرسلوني، فقال: هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان فأنى لك بها ! فرفعه إلى الملك - وكان ملكاً صالحاً - فقال: من أين لك هذه الورق ؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا، ثم أمروني أن أشتري لهم طعاماً. قال: وأين أصحابك ؟ قال: في الكهف، قال: فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم، فلما رأوه ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلم يقدروا على أن يدخلوا إليهم، فبنوا عندهم كنيسة، واتخذوها مسجداً يصلون فيه .

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتفردوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب على سمخانهم. فلبثوا دهراً طويلاً، حتى هلكت أمتهم، وجاءت أمةٌ مسلمة، وكان ملكهم مسلماً، واختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: تبعث الروح والجسد جميعاً، وقال قائل: تبعث الروح، وأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئاً. فشق على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المسوح، وجلس على الرماد، ثم دعا الله عز وجل، فقال: يا رب، قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث لهم ما يبين لهم، فبعث الله أصحاب الكهف، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً، فدخل السوق، فجعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق، ويرى الإيمان بالمدينة ظاهراً، فانطلق وهو مستخفٍ، حتى أتى رجلاً يشتري منه طعاماً، فلما نظر االرجل إلى الورق أنكرها - قال: حسبت أنه قال: كأنها أخفاف الربع - يعني الإبل الصغار - قال له الفتى: أليس ملككم فلان ؟ قال: بل ملكنا فلان، فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك، فسأله فأخبره الفتى خبر أصحابه، فبعث الملك في الناس، فجمعهم فقال: إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله عز وجل قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان - يعني ملكهم الذي مضى - فقال الفتى: انطلقوا بي إلى أصحابي، فركب الملك، وركب معه الناس، حتى انتهى إلى الكهف، فقال الفتى: دعوني أدخل إلى أصحابي، فلما أبصرهم ضرب الله على أذنه وعلى آذانهم، فلما استبطئوه دخل الملك ودخل الناس معه، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئاً غير أنها لا أرواح فيها. فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم .

قال قتادة: وغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمروا بالكهف؛ فإذا فيه عظام، فقال رجل: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال ابن عباس: لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلثمائة سنة .

قال أبو جعفر: فكان منهم: