المجلد الثالث - ذكر ردة هوازن وسليم وعامر

ذكر ردة هوازن وسليم وعامر

حدثنا السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن سهل وعبد الله ، قالا : أما بنو عامر فإنهم قدموا رجلا وأخروا أخرى ، ونظروا ما تصنع أسد وغطفان ؛ فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم ، كان قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها ، وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها ؛ وقد كان علقمة أسلم ثم ارتد في أزمان النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج بعد فتح الطائف حتى لحق بالشأم ؛ فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقبل مسرعاً حتى عسكر في بني كعب ، مقدماً رجلاً ومؤخراً أخرى ؛ وبلغ ذلك أبا بكر ، فبعث إليه سرية ، وأمر عليها القعقاع بن عمرو ، وقال : يا قعقاع ، سر حتى تغير على علقمة بن علاثة ، لعلك أن تأخذه لي أو تقتله ؛ واعلم أن شفاء الشق الحوص ، فاصنع ما عندك . فخرج في تلك السرية ؛ حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة ؛ وكان لا يبرح أن يكون على رجل ؛ فسابقهم على فرسه ؛ فسبقهم مراكضة ، وأسلم أهله وولده ، فانتسف امرأته وبناته ونساءه ، ومن أقام من الرجال ؛ فاتقوه بالإسلام ، فقدم بهم على أبي بكر ، فجحد ولده وزوجته أن يكونوا مالئوا علقمة ، وكانوا مقيمين في الدار ، فلم يبلغه إلا ذلك ، وقالوا : ما ذنبنا فيما صنع علقمة من ذلك ! فأرسلهم ثم أسلم ، فقبل ذلك منه .

حدثنا السري ، عن شعيب ، عن سيف ، عن أبي عمرو وأبي ضمرة ، عن ابن سيرين مثل معانيه .

وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ؛ فبايعهم على ما بايع عليه أهل البزاخة من أسد وغطفان وطيئ قبلهم ، وأعطوه بأيديهم على الإسلام ، ولم يقبل من أحد من أسد ولا غطفان ولا هوازن ولا سليم ولا طيئ إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على أهل الإسلام في حال ردتهم . فأتوه بهم ، فقبل منهم إلا قرة بن هبيرة ونفراً معه أوثقهم ، ومثل بالذين عدوا على الإسلام ؛ فأحرقهم بالنيران ورضخهم بالحجارة ، ورمى بهم من الجبال ، ونكسهم في الآبار ، وخزق بالنبال . وبعث بقرة وبالأسارى ، وكتب إلى أبي بكر : إن بني عامر أقبلت بعد إعراض ، ودخلت في الإسلام بعد تربص ؛ وإنى لم أقبل من أحد قاتلني أو سالمني شيئاً حتى يجيئوني بمن عدا على المسلمين ؛ فقتلتهم كل قتلة ، وبعثت إليك بقرة وأصحابه .

حدثنا السري ، قال : حدثنا شعيب ، عن سيف ، عن أبي عمرو ، عن نافع ، قال : كتب أبو بكر إلى خالد : ليزدك ما أنعم الله به عليك خيراً ، واتق الله في أمرك ؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون جد في أمر الله ولا تبنين ، ولا تظفرن بأحد قتل المسلمين إلا قتلته ونكلت به غيره ؛ ومن أحببت ممن حاد الله أو ضاده ؛ ممن ترى أن في ذلك صلاحاً فاقتله . فأقام على البزاخة شهراً يصعد عنها ويصوب ، ويرجع إليها في طلب أولئك ؛ فمنهم من أحرق ، ومنهم من قمطه ورضخه بالحجارة ؛ ومنهم من رمى به من رءوس الجبال . وقدم بقرة وأصحابه ، فلم ينزلوا ولم يقل لهم كما قيل لعيينة وأصحابه ؛ لأنهم لم يكونوا في مثل حالهم ؛ ولم يفعلوا فعلهم قال السري : حدثنا شعيب ، عن سيف ، عن سهل وأبي يعقوب ، قالا : واجتمعت فلال غطفان إلى ظفر ، وبها أم زمل سلمى ابنة مالك بن حذيفة بن بدر ؛ وهي تشبه بأمها أم قرفة بنت ربيعة بن فلان بن بدر ؛ وكانت أم قرفة عند مالك بن حذيفة ، فولدت له قرفة ، وحكمة ، وحراشة ، وزملاً ، وحصيناً ، وشريكاً ، وعبداً ، وزفر ، ومعاوية ، وحملة ، وقيساً ، ولأياً ؛ فأما حكمة فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أغار عيينة بن حصن على سرح المدينة ، قتله أبو قتادة ؛ فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمى ؛ وكانت في مثل عز أمها ، وعندها جمل أم قرفة ؛ فنزلوا إليها فذمرتهم ، وأمرتهم بالحرب ، وصعدت سائرة فيهم وصوبت ، تدعوهم إلى حرب خالد ، حتى اجتمعوا لها ، وتشجعوا على ذلك ، وتأشب إليهم الشر داء من كل جانب - وكانت قد سبيت أيام أم قرفة ، فوقعت لعائشة فأعتقتها ، فكانت تكون عندها ، ثم رجعت إلى قومها ؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهن يوماً ، فقال : إن إحداكن تستنبح كلاب الحوءب ؛ ففعلت سلمى ذلك حين ارتدت ؛ وطلبت بذلك الثأر ، فسيرت فيما بين ظفر والحوءب ؛ لتجمع إليها ، فتجمع إليها كل فل ومضيق عليه من تلك الأحياء من غطفان وهوازن وسليم وأسد وطيئ ، فلما بلغ ذلك خالداً - وهو فيما هو فيه من تتبع الثأر ، وأخذ الصدقة ودعاء الناس وتسكينهم - سار إلى المرأة وقد استكثف أمرها ، وغلط شأنها ؛ فنزل عليها وعلى جماعها ، فاقتتلوا قتالا شديداً ؛ وهي واقفة على جمل أمها ، وفي مثل عزها ، وكان يفال : من نخس جملها فله مائة من الإبل لعزها ، وأبيرت يومئذ بيوتات من جاس - قال أبو جعفر : جاس حي من غنم - وهاربة ، وغنم ، وأصيب في أناس من كاهل ، وكان قتالهم شديداً ؛ حتى اجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها . وقتل حول جملها مائة رجل ؛ وبعث بالفتح ، فقدم على أثر قرة بنحو من عشرين ليلة .

قال السري : قال شعيب ، عن سيف ، عن سهل وأبي يعقوب ، قالا : كان من حديث الجواء وناعر ، أن الفجاءة إياس بن عبد ياليل قدم على أبي بكر ، فقال : أعني بسلاح ، ومرني بمن شئت من أهل الردة ؛ فأعطاه سلاحاً ، وأمره أمره ، فخالف أمره إلى المسلمين ؛ فخرج حتى ينزل بالجواء ، وبعث نجبة بن أبي الميثاء من بني الشريد ، وأمره بالمسلمين ؛ فشنها غارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن ؛ وبلغ ذلك أبا بكر ، فأرسل إلى طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له وأن يسير إليه ؛ وبعث إليه عبد الله بن قيس الجاسي عوناً ؛ ففعل ، ثم نهضا إليه وطلباه ؛ فجعل يلوذ منهما حتى لقياه على الجواء ؛ فاقتتلوا ، فقتل نجبة ، وهرب الفجاءة ، فلحقه طريفة فأسره . ثم بعث به إلى أبي بكر ، فقدم به على أبي بكر ، فأمر فأوقد له ناراً في مصلى المدينة على حطب كثير ، ثم رمى به فيها مقموطاً .

قال أبو جعفر : وأما ابن حميد ؛ فإنه حدثنا في شأن الفجاءة عن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : قدم على أبي بكر رجل من بني سليم ، يقال له الفجاءة ؛ وهو إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف ، فقال لأبي بكر : إني مسلم ؛ وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار ، فاحملني وأعني ؛ فحمله أبو بكر على ظهر ، وأعطاه سلاحاً ، فخرج يستعرض الناس : المسلم والمرتد ، يأخذ أموالهم ، ويصيب من امتنع منهم ؛ ومعه رجل من بني الشريد ، يقال له : نجبة بن أبي الميثاء ، فلما بلغ أبا بكر خبره ، كتب إلى طريفة بن حاجز : إن عدو الله الفجاءة أتاني يزعم أنه مسلم ، ويسألني أن أقويه على من ارتد عن الإسلام ، فحملته وسلحته ، ثم انتهى إلى من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس : المسلم والمرتد يأخذ أموالهم ، ويقتل من خالفه منهم ، فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله ، أو تأخذه فتأتيني به . فسار طريفة بن حاجز ، فلما التقى الناس كانت بينهم الرميا بالنبل ، فقتل نجبة بن أبي الميثاء بسهم رمى به ، فلما رأى الفجاءة من المسلمين الجد قال لطريفة : والله ما أنت بأولى بالأمر مني ، أنت أمير لأبي بكر وأنا أميره . فقال له طريفة : إن كنت صادقاً فضع السلاح ، وانطلق معي إلى أبي بكر . فخرج معه ، فلما قد ما عليه أمر أبو بكر طريفة بن حاجز ، فقال : اخرج به إلى هذا البقيع فحرقه فيه بالنار ؛ فخرج به طريفة إلى المصلى فأوقد له ناراً ، فقذفه فيها ، فقال خفاف بن ندبة - وهو خفاف بن عمير - يذكر الفجاءة ، فيما صنع :

لم بأخذون سلاحه لقـتـالـه             ولذاكم عـنـد الألـه أثـام
لا دينهم ديني ولا أنا منـهـم            حتى يسير إلى الصراة شمام

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : كانت سليم بن منصور قد انتقض بعضهم ، فرجعوا كفاراً وثبت بعضهم على الإسلام مع أمير كان لأبي بكر عليهم ، يقال له معن بن حاجز ، أحد بني حارثة ، فلما سار خالد بن الوليد إلى طليحة وأصحابه ، كتب إلى معن بن حاجز أن يسير بمن ثبت معه على الإسلام من بني سليم مع خالد ، فسار واستخلف على عمله أخاه طريفة ابن حاجز ، وقد كان لحق فيمن لحق من بني سليم بأهل الردة أبو شجرة ابن عبد العزي ، وهو ابن الخنساء ، فقال :

فلو سألت عـنـا غـداة مـرامـر               كما كنت عنها سائلا لو نـأيتـهـا
لقاء بني فهـر وكـان لـقـاؤهـم             غداة الجواء حاجة فقـضـيتـهـا
صبرت لهم نفسي وعرجت مهرتي        على الطعن حتى صار ورداً كميتها
إذا هي صدت عـن كـمـي أريده             عدلت إليه صدرها فـهـديتـهـا

فقال أبو شجرة حين ارتد عن الإسلام :

صحا القلب عن مي هواه وأقصـرا              وطاوع فيها العاذلـين فـأبـصـرا
وأصبح أدنى رائد الجهل والصـبـا                كما ودها عـنـا كـذاك تـغـيرا
وأصبح أدنى رائد الوصل مـنـهـم                كما حبلها من حبلنا قـد تـبـتـرا
ألا أيها المدلي بـكـثـرة قـومـه                   وحظك منهم أن تضام وتـقـهـرا
سل الناس عـنـا كـل يوم كـريهة                إذا ما التقينا : دار عين وحـسـرا
ألسنا نعاطى ذا الطماح لـجـامـه              ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا !

وعاضرة شهباء تخطر بالقـنـا            ترى البلق في حافاتها والسنورا
فرويت رمحي من كتيبة خالـد          وإني لأرجو بعدها أن أعمـرا

ثم إن أبا شجرة أسلم ، ودخل فيما دخل فيه الناس ؛ فلما كان زمن عمر بن الخطاب قدم المدينة . فحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي ، عن رجال من قومه . وحدثنا السري قال : حدثنا شعيب ، عن سيف ، عن سهل وأبي يعقوب ومحمد بن مرزوق ، وعن هشام ، عن أبي مخنف ، عن عبد الرحمن بن قيس السلمي ، قالوا : فأناح ناقته بصعيد بني قريظة . قال : ثم أتى عمر وهو يعطي المساكين من الصدقة ويقسمها بين فقراء العرب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أعطني فإني ذو حاجة ، قال : ومن أنت ؟ قال : أبو شجرة بن عبد العزي السلمي ، قال : أبو شجرة ! أي عدو الله ، ألست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد           وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

قال : ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدواً ، فرجع إلى ناقته فارتحلها ، ثم أسندها في حرة شوران راجعاً إلى أرض بني سليم ، فقال :

صن علينا أبو حـفـص بـنـائلـه             وكل مخـتـبـط يومـاً لـه ورق
ما زال يرهقني حتـى خـذيت لـه        وحال من دون بعض الرغبة الشفق
لما رهبت أبا حفص وشـرطـتـه           والشيخ يفزع أحياناً فـينـحـمـق
ثم ارعويت إليها وهـي جـانـحة            مثل الطريدة لم ينبت لـهـا ورق
أوردتها الخل من شوران صـادرة            إني لأزرى عليها وهي تنطـلـق
تطير مرو أبان عن منـاسـمـهـا               كما تنوقد عند الجـهـبـذ الـورق
إذا يعارضها خـرق تـعـارضـه                   ورهاء فيها إذا استعجلتهـا خـرق
ينوء آخرهـا مـنـهـا بـأولـهـا                    سرح اليدين بها نهاضة الـعـنـق