خبر ما بعد الحيرة
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن جميل الطائي، عن أبيه، قال: لما أعطى شويل كرامة بنت عبد المسيح قلت لعدي بن حاتم: ألا تعجب من مسألة شويل كرامة بنت المسيح على ضعفه!قال: كان يهرف بها دهره، قال وذلك أني لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما رفع له من البلدان، فذكر الحيرة فيما رفع له، وكأن شرف قصورها أضراس الكلاب ؛ عرفت أن قد أريها، وأنها ستفتح، فلقيته مسألتها.
وحدثنا عبيد الله، قال: حدثني، عن سيف، قال: قال لي عمرو والمجالد، عن الشعبي - والسري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي - قال: لما قدم شويل إلى خالد، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الحيرة، فسألته كرامة، فقال: هي لك إذا فتحت عنوة. وشهد له بذلك، وعلى ذلك صالحهم ؛ فدفعها إليه، فاشتد ذلك على أهل بيتها وأهل قريتها ما وقعت فيه، وأعظموا الخطر، فقالت": لا تخطروه، ولكن اصبروا؛ ما تخافون على امرأة بلغت ثمانين سنة! فإنما هذا أحمق رآني في شبيبتي فظن أن الشاب يدوم. فدفعوها إلى خالد ؛ فدفعها خالد إليه، فقالت: ما رأبك إلى عجوز كما ترى!فادنى، قال: لا، إلا على حكمي، قالت: فلك حكمك مرسلً. فقال: لست لأم شويل إن نقصك من ألف درهم! فاستكثرت ذلك لتخدعه، ثم أتته بها. فرجعت إلى أهلها، فتسامع الناس بذلك، فعنفوه، فقال: ما كنت أرى أن عدداً يزيد على ألف!فأبوا عليه إلا أن يخاصمهم فخاصمهم ، فقال: كانت نيتي غاية العدد، وقد ذكروا أن العدد يزيد على ألف، فقال خالد: أردت أمراً وأراد الله غيره ؛ نأخذ بما يظهر وندعك ونيتك، كاذباً كنت أو صادقاً.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن، ثم انصرف، وقال: لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف، وما لقيت قوماً كقوم لقيتهم من أهل فارس؛ وما لقيت من أهل فارس قوماً كأهل أليس! حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قال صلى خالد صلاة الفتح ، ثم انصرف . ثم ذكر مثل حديث السري.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف - والسري، عن شعيب، عن سيف - عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم - وكان قدم مع جرير على خالد - قال: أتينا خالداً بالحيرة وهو متوشح قد شد ثوبه في عنقه يصلي فيه وحده، ثم انصرف، فقال: اندق في يدي تسعة أسياف يوم مؤتة، ثم صبرت في يدي صفيحة يمانية، فما زالت معي.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف،
عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة
والغصن ابن القاسم، عن رجل من بني كنانة وسيفان الأحمري عن ماهان، قال:
ولما صالح أهل الحيرة خالداً خرج صلوباً بن نسطوناً صاحب قس الناطف، حتى
دخل على خالد عسكره؛ فصالحه على بانقياً وبسماً، وضمن له ما عليهما وعلى
أرضهما من شاطئ الفرات جميعاً، واعتقد لنفسه وأهله وقومه على عشرة آلاف
دينار سوى الخرزة، خرزة كسرى؛ وكانت على كل رأس أربعة دراهم، وكتب لهم
كتاباً فتموا وتم، ولم يتعلق عليه في حال غلبة فارس بغدر، وشاركهم المجالد
في الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلو بابن
نسطونا وقومه ؛ إني عاهدتكم على الجزية والمنعة؛ على كل ذي يد؛ بانقياً
وبسماً جميعاً، على عشر آلاف دينار سوى الخرزو، القوى على قدر قوته، والمقل
على قدر إقلاله، في كل سنة. وإن قد نقبت على قومك، وإن قومك قد رضوا بك.
وقد قبلت ومن معي من المسلمين، ورضيت ورضى قومك؛ فلك الذمة والمنعة ؛ فإن
منعناكم فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتى نمنعكم. شهد هشام بن الوليد، والقعقاع
بن عمرو، وجرير بن عبد الله الحميري، وحنطلة الربيع. وكتب سنة اثنتي عشرة
في صفر.
كتب إلى السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان، عن
ابن أبي مكنف، وطلحة عن المغيرة، وسيفان عن ماهان، وحدثنا عبيد الله، قال:
حدثني عمي، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان، وطلحو عن المغيرة، قال" كان
الدهاقين يتربصون بخالد وينظرون ما يصنع أهل الحيرة. فلما استقام ما بين
أهل الحيرة وبين خالد، واستقاموا له أتته دهاقين الملطاطين ، وأتاه زاذبن
بهيش دهقان فرات سرياً ، وصلوباً بن بصبهري ونسطونا - فصالحوه على ما بين
الفلاليج إلى هرمز جرد على ألفي ألف - وقال عبيد الله في حديثه: على ألف
ألف ثقيل - وأن للمسلمين ما كان لآل كسرى ومن مال معهم عن المقام في داره
فلم يدخل في الصلح. وضرب خالد رواقه في عسكره، وكتب لهم كتاباً: بسم الله
الرحمن الرحيم . هذا كتاب من خالد بن الوليد لزاد بن بهميش وصلوبا بن
نسطونا ؛ لكم الذمة وعليكم الجزية، وأنتم ضامنون لمن نقبتم عليه من أهل
البهقاباذ الأسفل والأوسط وقال عبيد الله: وأنتم ضامنون جزية من نقبتم عليه
على ألفي ثقيل في كل سنة ؛ عن كل ذي يد سوى ما على بانقاً وبسماً وإنكم قد
أرضيتموني والمسلمين؛ وإنا قد أرضيناكم وأهل البهقباذ الأسفل؛ ومن دخل معكم
من أهل البهقباذ الأوسط على أموالكم ؛ ليس فيها ما كان لآل كسرى ومن مال
ميلهم. شهد هشام بن الوليد ، والقعقاع بن عمرو، وجرير بن عبد الله الحكيري،
وبشير بن عبيد الله بن الخصاصة، وحنظلة بن الربيع. وكتب سنة اثنتي عشرة في
صفر وبعث خالد ابن الوليد عماله ومسالحه ؛ فبعث في العمالة عبد الله بن
وثيمة النصري ، فنزل في أعلى العمل بالفلاليج على المنعة وقبض الجزية ،
وجرير بن عبد الله على بانقيا وبسما، وبشير بن الخصاصية على النهرين فنزل
الكوفية ببانبورة، وسويد بن مقرن المزني إلى سنتر، فنزل العقر - فهي تسمى
عقر سويد إلى اليوم، وليست بسويد المنقري سميت - وأط بن أبي إط إلى
روذمستان، فنزل منزلاً على نهر سمى ذلك النهر به - ويقال له : نهر إط إلى
اليوم؛ وهو رجل من بن يسعد بن زيد مناة ؛ فهؤلاء كانوا عمال الخراج زمن
خالد بن الوليد .
وكانت الثغور في زمن خالد بالبسيب، بعث ضرار بن الأزور وضرار بن الخطاب والمثنى بن حارثة ضرار بن مقرن والقعقاع بن عمرو وبسر بن أبي رهم وعتيبة بن النهاس ؛ فنزلو ا على السيب في عرض سلطانه. فهؤلاء أمراء ثغور خالد. وأمرم خالد بالغارة والإلحاح، فمخروا ما رواء ذلك إلى شاطئ دجلة.
قالوا: ولما غلب خالد على أحد جانبي السواد، دعا من أهل الحيرة برجل، وكتب معه إلى أهل فارس وهم بالمدائن مختلفون متساندون لموت أردشير ؛ إلا أنهم قد أنزلوا بهمن جاذويه ببهر سير ؛ وكأنه على المقدمة، ومع بهمن جاذويه الآزاذبة في أشباه له ، ودعى صلوبا برجل ، وكتب معهما كتابين؛ فأما أحدهما فإلى الخاصة وأما الآخر فإلى العامة ؛ أحدهما حيري والآخر نبطي ولما قال خالد لرسول أهل الحيرة : ما اسمك؟ قال: مرة، قال: خذ الكتاب فأت به أهل فارس، لعل الله أن يمر عليهم عيشهم، أو يسلموا، أو ينبهوا، وقال لرسول صلوبا: ما أسمك؟ قال: هزميل ، قال: فخذ الكتاب. وقال : اللهم أزهق نفوسهم.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد وغيره، بمثله، والكتابان: بسم الله الرحمن الرحيم .من خالد بن الوليد إلى ملوك فارس ؛ أما بعد ؛ فالحمد لله الذي حل نظامكم، ووهن كيديطم، وفرق كلمتكم، ولو لم يفعل ذلك بكم كان شراً لكم ؛ فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم، ونجوزكم إلى غيركم، وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب، على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم . من خالد بن الوليد إلى مرازية فارس ؛ أما بعد فأسلموا تسلموا ؛ وإلا فاعتقدوا مني الذمة، وأدوا الجزية، وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت، كما تحبون شرب الخمر.
جدثني عبيد الله، قال: حدثني، عن سيف، عن محمد بن نوريرة، عن أبي عثمان. والسري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عثمان والمهلب بن عقبة وزياد بن سرجس، عن سياده وسيفان الأحمري، عن ماهان: أن الخراج جبي إلى خالد في خمسين ليلة، وكان الذين ضمنوه والذين هم رءوس الرساتيق رهناً في يده، فأعطى ذلك كله للمسلمين، فقووا على أمورهم. وكان أهل فارس بموت أردشير مختلفين في الملك، مجتمعين على قتال خالد، متساندين ؛ وكانوا بذلك سنة، والمسلمون يمخرون كا دون دجلة، وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر ؛ وليست لأحد منهم ذمة إلا الذين كاتبوه واكتتبوا منه، وسائر أهل السواد جلاء، ومتحصنون ، ومحاربون، واكتتب عمال الخراج، وكتبوا البراءات لأهل الخراج، من نسخة واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم .براءة لمن كان من كذا وكذا من الجزية التي صالحهم عليها الأمير خالد بن الوليد، وقد قبضت الذي صالحهم عليه خالد، يوخالد والمسلمون لكم يد على من بدل صلح خالد ؛ ما أقررتم بالجزية وكففتم. أمانكم أمان، وصلحكم صلح ؛ نحن لكم على الوفاء وأشهدوا لهم النفر من الصحابة الذين كان خالد أشهدهم: هشاما، والقعقاع، وجابر بن طارق، وجريراً، وبشيراً، وحنظلة، وأزداذ، والحجاج بن ذي العنق، ومالك بن زيد.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، سيف، عن عطية بن الحارث، عن عبد خير، قال: وخرج خالد وقد كتب أهل الحيرة عنه كتاباً: إنا قد أدينا الجزية التي عاهدنا عليها خالد العبد الصالح والمسلمون عباد الله الصالحون، على أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم.
وأما المرى ؛ فإنه قال في كتابه إلى: حدثنا شعيب، عن سيف عن عطية بن الحارث، عن عبد خير، عن هشام بن الوليد، قال: فرغ خالد....ثم سائر الحديث مثل حديث عبيد الله بن سعد.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي عن سيف والسرى، عن شعيب عن سيف عن عبد العززيز بن سياه، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن الهذيل الكاهلي نحواً منه، قالوا: وأمر الرسولين اللذين بعثهما أن يوافياه بالخبر، وأقام خالد في عمله سنة ومنزله الحيرة، يصعد ويصوب قبل خروجه إلى الشأم، وأهل فارس يخلعون ويملكون ؛ ليس إلا الدفع عن بهر سير ؛ وذلك أن شيري بن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أرشير ابنة ، فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور، فقوا لا يقدرون على من يملكون ممن يجتمعون عليه.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، قال: حدثني سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قال: أقام خالد بن الوليد فيما بين فتح الخيرة إلى خروجه إلى الشأم اكثر من سنة ، يعالج عمل عياض الذي سمى له، وقال خالد للمسلمين: لولا ما عهد إلى الخليفة لم أتنقذ عياضاً، وكان قد شجى وأشجى بدومة، وكا كان دون فتح فارس شئ ؛ إنها لسنة كأنها سنة نساء. وكان عهد إليه ألا يقتحم عليهم وخلفه نظام لهم. وكان بالعين عسكر لفارس وبالأنبار آخر وبالفراص آخر ولما وقعت كتب خالد إلى أهل المدائن تلكم نساء آل كسرى، فولى الفرخزاذين البندوان إلى أن يجتمع آل كسرى على رجل إن وجدوه.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، والمهلب عن سياه، وسفين عن ماهان، قالوا: كان أبو بكر رحمه الله قد عهد إلى خالد أن يأتي العراق من أسفل منها، وإلى عياض أن يأتي العراق من فوقها، وأيكما ما سبق إلى الحيرة فهو أمير على الحيرة ؛ فإذا اجتمعتما بالحيرة إن شاء الله وقد فضضتما مسالح ما بين العرب وفارس وأمنتم أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليم بالحيرة أحدكما، وليقتحم الآخر على القوم، وجالوهم عما في أيديهم، واستعينوا بالله واتقوه، وآثروا أمر الآخرة على الدنيا يجتمعا لكم ؛ ولا تؤثروا الدنيا فتسلبوهما. واحذروا ما حذركم الله بترك المعاصي ومعالجة التوبة ؛ وإياكم والإصرار وتأخير التوبة.
فأتى خالد على ما كان أمر به ، ونزل الحيرة، واستقام له ما بين الفلاليج إلى أسفل السواد، وفرق سواد الحيرة يومئذ على جرير بن عبد الله الحميري، وبشير بن الخصاصية، وخالد بن الواشمة، وابن ذي العنق، وأط وسويد وضرار ؛ وفرق سواد الأبلة على سويد بن مقرن، وحسحكة الحبطى، والحصين بن أبي الحر، وربيعة بن عسل، وأقر المسالح على ثغورهم، واستخلف على الحيرة القعقاع بن عمرو. وخرج خالد في عمل عياض ليقضي ما بينه ، وإغاثته، فسلك الفلوجة حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو، وعلى مقدمة خالد الأقرع بم جابس ؛ لأن المثنى كان على ثغر من الثغور التي تلى المدائن ؛ فكانوا يغارون أهل فارس، وينتهون إلى شاطئ دجلة قبل خروج خالد من الحيرة وبعد خروجه في إغاثة عياض.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي روق، عمن شهدهم بمثله، إلى أن قال: وأقام خالد على كربلاء أياماً، وشكاً إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإني إنما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا ورأيه يعدل نجدة الأمة. وقال رجل من أشجع فيما حكى ابن وثيمة:
لقد حبست في كربلاء مطيتـي
وفي العين حتى عاد غثا سمنيها
إذا زحلت من مبرك رجعت له
لعمر أبيها إننـي لأهـينـهـا
ويمنعها من ماء كـل شـريعة
رفاق من الذبان زرق عيونهـا