المجلد الثالث - حديث الأنبار وهي ذات العيون وذكر كلواذى

حديث الأنبار وهي ذات العيون وذكر كلواذى

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وأصحابهما، قالوا: خرج خالد بن الوليد في تعبيته التي خرج فيها من الحيرة ، وعلى مقدمته الأقرع بن حابس فلما نزل الأقرع المنزل الذي يسلمه إلى الأنباء أنتج قوم من المسلمين إبلهم، فلم يستطيعوا العرجة ، ولم يجدوا بدا من الإقدام، ومعهم بنات مخاض ، تتبعهم. فلما نودى بالرحيل صروا الأمهات، واحتقبوا المنتوجات ؛ لأنها لم تطق السير ؛ فانتهوا ركبانا إلى الأنبار، وقد تحصن أهل الأنبار، وخندقوا عليهم، وأشرفوا من حصنهم، وعلى تلك الجنود شير زاد صاحب ساباط وكان أعقل أعجمي يومئذ من السور، وقالوا: صبح الأنبار شر ؛ جمل يحمل جميله وجمل تربه عوذ . فقال شيرزاد: ما يقولن؟ ففسر له، فقال: أما هؤلاء فقد قضوا على أنفسهم؛ وذلك أن القوم إذا القوم إذا قضوا على أنفسهم قضاء كاد يلزمهم ؛ والله لئن لم يكن خالد مجتازاً لأصالحنه ؛ فبيناهم كذلك قدم خالد على المقدمة، فأطاف بالخندق، وأنشب القتال ؛ وكان قليل الصبر عنه إذا رآه أو سمع به ؛ وتقدم إلى رماته، فأوصاهم وقال: إني أرى أقواماً لا علم لهم بالحرب، فارموا عيونهم ولا توخروا غيرها، فرموا رشقاً واحداً، ثم تابعوا ، ففقئ ألف عين يومئذ، فسميت تلك الوقعة ذات العيون ؛ وتصالح القوم: ذهبت عيون أهل الأنبار! فقال شيرزاد: ما يقولون؟ ففسر له ، فقال: آباذ آباذ . فراسل خالداً في الصلح على أمر لم يرضه خالد، فرد رسله، وأتى خالد أضيق مكان في الخندق برذابا الجيش فنحرها ؛ ثم رمى بها فيه فأفعمه ؛ ثم اقتحم الخندق والردايا جسورهم فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق. وأرز القوم إلى حصنهم، وراسل شيرازاذ خالداً في الصلح على ما أراد، فقبل منه على أن يخليه ويلحقه بمأمنه في جريدة خيل ، ليس معهم من المتاع والأموال شئ ؛ فخرج شيرزاذ، فلما قدم على بهمن جاذوبه، فأخبره الخبر لأمه ، فقال: إني كنت في قوم ليست لهم عقول، وأصلهم من العرب، فسمعتهم مقدمهم علينا يقضون على أنفسهم، وقلما قضى قوم على أنفسهم قضاء إلا وجب عليهم. ثم قاتلهم الجند، ففقئوا فيهم وفي أهل الأرض ألف عين ؛ فعرفت أن المسلمة أسلم . ولم اطمأن خالد بالأنبار والمسلمون، وأمن أهل الأنبار وظهروا، رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسألهم : فسألهم : ما انتم ؟ فقالوا: قوم من العرب، نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فكانت أوائلهم نزلوها أيام بختنصر حين أباح العرب ؛ ثم لم تزل عنها فقال: ممن تعلمتم الكتاب؟ فقالوا: تعلمنا الخجط من إياد وأنشدوه قول الشاعر:

قومي إياد لو أنـهـم أمـم                أو لو أقاموا فتهزل التعـم
قوم لهم باحة العـراق إذا              ساروا جميعاً والخط والقلم

وصالح خالد من حولهم وبدأ بأهل البروازيخ ؛ وبعث إليه أهل كلواذى ليعقد لهم، فكاتبهم فكانوا عيبته من وراء دجلة. ثم إن أهل الأنبار وما حولها نقضوا فيما كان يكون بين المسلمين والمشركين من الدول ما خلا أهل البوازيخ، فإنهم ثبتوا كما نبت أهل بانقيا.

كتب إلى السرى ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز يعني ابن سياه عن حبيب بن أبي ثابت، قال: ليس لأحد من أهل السواد عقد قبل الوقعة إلا بني صلوبا - وهم أهل الحيرة - وكلواذي، وقرى من قرى الفرات ثم غدروا حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا.

كتب إلى السرى ، عن شعيب عن سيف، عن محمد بن قيس، قاغل: قلت للشعبي: أخذ السواد عنوة؟ قال: نعم، وكل أرض إلا بعض القلاع والحصون، فإن بعضهم صالح به، وبعضهم غلب . فقلت: فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الهرب ؟ قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأحذ منهم صاروا ذمة.