المجلد الثالث - خبر اليرموك

خبر اليرموك

قال أبو جعفر: وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشأم كورة ؛ فسمى لأبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح حمص، وليزيد بن أبي سفيان دمشق ؛ ولشرحبيل بن حسنة الأردن، ولعمرو بن العاص ولعلقمة بن مجزز فلسطن، فلما فرغا منها نزل علقمة وسار إلى مصر. فلما شارفوا الششأم، دهم كل أمير منهم قوم كثير، فأجمع رأيهم أن يجتمعوا بمكان واحد، وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين.

ولما رأى خالد أن المسلمين يقاتلون متساندين قال لهم: هل لكم يا معشر الرؤساء في أمر يعز الله به الدين، ولا يدخل عليكم معه ولا منه نقيصة ولا مكروه ! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني، عن خالد وعبادة، قالا: توافى إليها مع الأمراء والجنود الأربعة سبعة وعشرون ألفاً وثلاثة آلاف من فلال خالد بن سعيد، أمر عليهم أبو بكر معاوية وشرحبيل، وعشرة آلف من أمداد أهل العراق مع خالد ابن الوليد سوى ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردءا بعد خالد بن سعيد؛ فكانوا ستة وأربيعن ألفاً، وكل قتالهم كان على تساند، كل جند وأميره ؛ لا يجمعهم أحد؛ حتى قدم عليهم خالد من العراق. وكان عسكر أبي عبيدة باليرموك مجاوراً لعسكر عمرو بن العاص، وعسكر شرجبيل مجاوراً لعسكر يزيد بن أبي سفيان ؛ فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو، وشرحبيل، وقدم خالد بن الوليد وهم على حالهم تلك؛ فعسكر على حدة ؛ فصلى بأهل العراق، ووافق خالد بن الوليدالمسلمين وهم متضايقون بمدد الروم ؛ عليهم باهان ووافق الروم وهم نشاط بمددهم ، فالتقوا فهزمهم الله حتى ألجأهم وأمدادهم إلى إلى الخنادق - والواقوصة أحد حدوده - فلزموا خندقهم عامة شهر يحضضهم القسيسون والشمامسة والرهبان وينعمون لهم النصرانية ؛ حتى استبصروا. فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله ، في جمادى الآخر.

فلما أحس المسلمون خروجهم، وأرادوا الخروج متساندة، سار فيهم خالد بن الوليد ؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إن هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي. أخلصوا جهادكم، وأريدوا الله بعملهم ؛ فإن هذا يوم له ما بعده ؛ ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية ؛ على تساند وانتشار ؛ فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي. وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا ؛ فاعلموا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته، قالوا: فهات ، فما الرأي ؟ قال: إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يلاى أنا سنتياير، ولو علم بالذي كان ويكون ؛ لقد جمعطم . إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم، وأنفع للمشركين من أمدادهم ؛ ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم، فالله الله ، فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود، ولا يزيده عليه آن دانوا له. إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم . هلموا فإن هؤلاء تهيئوا، وهذا يوم له ما بعده، إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم، وإن هزمونا لم نفلح بعدها. فهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن عليها بعضنا اليوم، والآخر غداً، والآخر بعد غد ؛ حتى يتأمر كلكم ، ودعونني أليكم اليوم .

فأمروه، وهم يرون أنها كخرجاتهم، وأن المر أطول مما صاروا إليه؛ فخرجت الروم في تعبية لم ير الرءون مثلها قط، وخرج خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك ؛ فخرج في ستة وثلاثين كردوساً إلى الأربعين، وقال: إن عدوكم قد كثر وطغى، وليس من التعبية تعبية أكثر في رأي العين من الكراديس. فجعل القلب كراديس، وأقام فيه أبا عبيدة، وجعل الميمنة كراديس وعليها عمرو بن العاص وفيها شرحبيل بن حسنة. وجعل المسيرة كراديس وعليها يزيد بن أبي سفيان. وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو، وعلى كردوس مذعور بن عدي، وعياض بن غنم على كردوس، وهاشم بن عتبة على كردوي، وزياد بن حنظلة على كردوس، وخالدفي كردوس؛ وعلى فالة خالد بن سعيد دحية بن خلفية على كردوس، وخالد في كردوس؛ وعلى فالة خالد بن سعيد دححية بن خليفة على كردوس، وأبو عبيدة على كردوس، وعكرمة على كردوس، وسهيل على كرودس وعبد الحمن بن خالد على كردوس - وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة - وحبيب بن مسلمة على كردس، وصفوان بن أمية على كردوس، وسعيد بن خالد على كردوس، وأبو الأعور بن سفيان على كردوس، وابن ذي خالد على كردوس ؛ وفي الميمنة عمارة بن مخشي ابن خويلد على كردوس ؛ وشرحبيل على كردوس ومعه خالد بن سعيد، وعبد الله بن قيس على كردوس ؛ وعمرو بن عبسة على كردوس، والسمط ب الأسود على كردوس، وذو الكلاع على كردوس، ومعاوية بن حديج على آخر ؛ وجندب بن عمرو بن حممة على كردوس، وعمرو بن فلان على كردوس، وفي المسيرة يزيد بن أبي سفيان على كردوس، والزبير على كردوس، وحوشب ذو ظليم على كردوس، وقيس ين عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن مازن بن صعصعة من هوازن - حليف لبنى النجار - على كردوس، وعصمة بن عبد الله - حليف لبني النجار من بني أسد - على كردوس، وضرار بن الأزور على كردوس، ومسروق بن فلان على كردوس وعتبة بن ربيعة بن بهز - حليف لبني عصمة - على كردوس، وجارية بن عبد الله الأشجعي - حليف لبني سلمة - على كردوس، وقباث على كردوس.
وكان القاضي أبو الدراداء، وكان القاص أبو سفيان بن حرب، وكان على الطلائع قباث بن أشيم ؛ وكان على الأقباض عبد الله بن مسعود.

كتب إلى السرى، عن شعيبن عن سيف، عن محمد وطلحة نحواً من حديث أبي عثمان ؛ وقالوا جميعاً: وكان القارئ المقداد. ومن السنة التي سن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء ؛ ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك.

كتب إلى السري، عن شعيب، عنسيف، عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني، عن عبادة وخالد ؛ قالا: شهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم نحو من مائة من أهل بدر. قالا: وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس، فيقول: الله الله ! إنكم ذادة العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك! اللهم إن هذا يوم من أيامك ؛ اللهم أنزل نصرك على عبادك! قالا: وقال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: وما أقل الروم وأكثر المسلمين! إنما الجنود بالنصر وتقل بالخذلان ؛ لا بعدد الرجال؛ والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه ؛ وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفى في مسيره - قالا: فأمر خالد عكرمة والقعقاع، وكانا على مجنبتي القلب، فأنشبا القتال، وارتجز القعقاع وقال:

يا ليتني ألقاك في الطـراد               قبل اعترام الجحفل الوراد

وأنت في حلبتك الوارد وقال عكرمة: قد علمت بهنكة الجواري أني على مكرمة أحامي

فنشب القتال، والتحم الناس، وتطارد الفرسان ؛ فإنهم على ذلك إذ قدم البريد من المدينة ؛ فأخذته الخيول ؛ وسألوه الخبر ؛ فلم يخبرهم إلا بسلامة ؛ وأخبرهم عن أمداد ؛ وإنما جاء بموت أبي بكر رحمه الله وتأمير أبي عبيدة ؛ فأبلغوه خالداً، فأخبره خبراً أبي بكر؛ أسره إليه ، وأخبره بالذي أخبر به الجند. قال: أحسنت فقف، وأخذ الكتاب وجعله في منانته ؛ وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمر الجند ؛ فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول ؛ وخرج جرجة حتى كان بين الصفين ونادي : ليخرج إلى خالد، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فوفقه بين الصفين ؛ حتىاختلف أعناق دابتيهما ، وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال جرجة: يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله ؛ هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه. فلا تله على قوم إلا هزمتهم؟ قال: لا ، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم ، فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعاً. ثم إن بعضنا صدقه وتابعه ؛ وبعضنا باعده وكذبه ؛ فكنت فيمن كذبة وباعده وقاتله. ثم أن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به، فتابعناه. فقال : أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين! ودعا لي بالنصر ؛ فسميت سيف الله بذلك ؛ فأنا من أشد المسلمين على المشركين. قال صدقني، ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد، أخبرني إلا م تدعوني؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم، قال: فإن لم يعطيها ، قال: نؤذبه بحرب، ثم نقاتله، قال : فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكن إلى هذا المر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا، وأولنا وآخرنا. ثم أعاد عليه جرجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم، وأفضل؛ قال : وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ قال" إنا دخلنا في هذا الأمر، وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج ؛ فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا. قال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني! قال : بالله ؛ لقد صدقتك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة ؛ وإن الله لولي ما سألت عنه. فقال: صدقني ؛ وقلب الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى ركعتين ؛ وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد ؛ وهم يرون أنها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة والحارث بن هشام. وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين ؛ فتنادى الناس ، فثابوا ، وتراجعت الروم إلى مواقفهم، فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضربفيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغرةوب، ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما، وصلى الناس الأولى والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم، وكان مقاتلهم واسع المطرد، ضيق المهرب ؛ فلما وجدت خيلهم مذهباً ذهبت وتركوا رجلهم في مصافهم ؛ وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء، وأخر الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح. ولما رأى المسلمون خيل الروم توجهت للهرب، أفرحوا لها، ولم يحرجوها ؛ فذهبت فتفرقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرجل ففضوهم ؛ فكأنما هدم بهم حائط ؛ فاقتحموا في خندقهم، فاقتحمه عليهم فعمدوا إلى الواقوصة، حتى هوى فيها المقترنون وغيرهم، فمن صبر من المقترنين للقتال هوى به من خشعت نفسه فيهوى الواحد بالعشرة لا يطيقونه ؛ كلما هوى اثنان كانت البقية أضعف ، فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف ؛ ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق ؛ سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل ؛ فكان سهم الفارس يومئذ ألفا وخمسمائة، وتجلل الفيقار وأشراف من أشراف الروم برانسهم، ثم جلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور ؛ وإذا لم نستطع أن نمنع النصرانية ؛ فأصيبوا في تزملهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان، عن خالد وعبادة ؛ قالا: أصبح خالد من تلك الليلة، وهو في رواق تذارق، لما دخل الخندق نزله وأحاطت به خيله، وقاتل الناس حتى أصبحوا.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان الغساني، عن أبيه، قال: قال عكرمة بن أبي جهل يومئذ: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن، وأفر منكم اليوم! ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه الحارث بن هاشم وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ؛ فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعاً جراحاً، وقتلوا إلا من برأ، ومنهم ضرار بن الأزور. قال: وأتى خالد بعدما أصبحواا بعكرمة جريحاً فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه، وجعل يمسح عن وجههما، ويقطر في حلوقهما الماء، ويقول: كلا، زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عميس، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة - وكان شهد اليرموك هو وعبادة بن الصامت - أن النساء قاتلن يوم اليرموك في جولة، فخرج-ت جوريرية ابنة أبي سفيان في جولة، وكانت مع زوجها وأصيب بعد قتال شديد، وأصيبت يومئذ عين أبي سفيان، فأخرج السهم من عينه أبو حثمة.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير بن يزيد بن أرطأة بن جهيش، قال: كان الأشتر قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية ؛ فخرج يومئذ رجل من الروم، فقال: من يبارز؟ فخرج إليه الأشتر ؛ فاختلفا شربتين، فقال للرومي: خذها وأنا الغلام الإيادي فقال: الرومي: أكثر الله في قومي مثلك! أما والله لو أنك من قومي لآزرت الروم، فأما الآن فلا أعينهم ! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان وخالد: وكان ممن أصيب في الثلاثة الآلاف الذين أصيبوا يوم اليرموك عكرمة، وعمرو بن عكرمة، وسلمة بن هشام، وعمرو بن سعيد، وأبان بن سعيد - وأثبت خالد بن سعيد فلا يدري أين مات بعد - وجندب بن عمرو بن حممة الدوسي، والطفيل بن عمرو، وضرار بن الأزور أثبت فبقي وطليب بن عمير بن وهب من بني عبد قصي، وهبار بن سفيان، وهشام بن العاصي.
كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، قال: لقي خالداً مقدمة الشأم مغيثاً لأهل اليرموك رجل من روم العرب، فقال: يا خالد، إن الروم في جمع كثير ؛ مائتي ألف أو يزيدون ؛ فإن رأيت أن ترجع على حاميتك فافعل ؛ فقال خالد: أبا لروم تخوفني! والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه، وأنهم أضعفوا ضعفهم، فهزمهم الله على يديه! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن المستنير بن يزيد، عن أرطأة بن جهيش، قال : قال خالد يومئذ: المد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلى من عمر، والحمد لله ولي عمر، وكان أبعض إلى من أبي بكر ثم ألزمني حبه! كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو بن ميمون، قالوا: وقد كان هرقل حج قبل مهزم خالد بن سعيد، فحج بيت المقدس، فبينا هو مقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه، فجمع الروم، وقال: أرى من الرأي ألا تقاتلون هؤلاء القوم، وأن نصالحوهم ؛ فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجت الشأم ؛ وتأخذوا نصفاً وتقر لكم جبال الروم ؛ خير لكم من أن يبلغوكم على الشأم، ويشاركوكم في جبال الروم ؛ فنخر أخوه ونخر ختنه ؛ وتصدع عنه من كان حوله ؛ فلما رآهم يعصونه ويردون عليه بعث أخاه، وأمر الأمراء ووجه إلى كل جند جنداً. فلما اجتمع المسلمون، أمرهم بمنزل واحد واسع جامع حصين، فنزلوا بالواقوصة، وخرج فنزل حمص، فلما بلغه أن خالداً قد طلع على سوى وانتسف أهله وأموالهم، وعمد إلى بصرى وافتتحها وأباح عذراء، قال لجلسائه: ألم أقل لكم لا تقاتلوهم ! فإنه لا قوام لكم مع هؤلاء القوم ؛ إن دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم ، فلا يقوم لهم أحد حتى يبلى. فقالوا: قاتل عن دينك ولا تجبن الناس، واقض الذي عليك ؛ قال: وأي شئ أطلب إلا توفير دينكم! ولما نزلت جنود المسلمين اليرموك، بعث إليهم المسلمون: إنا نريد كلام أميركم وملاقاته ؛ فدعونا نأته ونكلمه، فأبلغوه فأذن لهم. فأتاه أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان كالرسول، والحارث بن هشام وضرار بن الأزور وأبو جندل بن سهيل ؛ ومع أخي الملك يومئذ ثلاثون رواقاً في عسكره وثلاثون سرادقاً، كلها من ديباج ؛ فلما انتهوا إليها أبوا أن يدخلوا عليه فيها، وقالوا: لا نستحل الحرير فابرز لنا . فبرز إلى فرش ممهدة وبلغ ذلك هرقل، فقال: ألم أقل لكم إ ولم يتأت بينهم وبين المسلمين صلح، فرجع أبو عبيدة وأصحابه واتعدوا، فكان القتال ؛تى جاء الفتح.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن مطرح، عن القاسم، عن أبي أمامة وأبي عثمان، عن يزيد بن سنان، عن رجال من أهل الشأم ومن أشياخهم ؛ قالوا: لما كان اليوم الذي تأمر فيه خالد، هزم الله الروم مع الليل، وصعد المسلمون العقبة، وأصابوا ما في العسكر، وقتل الله صناديدهم ورءوسهم وفرسانهم، وقتل الله أخاً هرقل، وأخذ التذارق، وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون مدينة حمص، فارتحل فجعل حمص بينه وبينهم، وأمر عليها أميراً وخلفه فيها، كما كان أمر على دمشق، وأتبع المسلمون الروم حين هزموهم خيولاً يثفنونهم . ولما صار إلى أبي عبيدة الأمر بعد الهزيمة ؛ نادى بالرحيل، وارتحل المسلمون بزحفهم حتى وضعوا عساكرهم بمرج الصفر. قال أبو أمامة: فبعث طليعة من مرج الصفر، معي فارسان ؛ حتى دخلت الغوطة فجستها بين أبياتها وشجراتها، فقال أحد صاحبي: قد بلغت حيث أمرت فانصرف لا تهلكنا، فقلت: قف مكانك حتى تصبح أو آتيك. فسرت حتى دفعت إلى باب المدينة ؛ وليس في الأرض أحد ظاهر، فنزعت لجام فرسي وعلقت عليها مخلاتها، وركزت رمحي، ثم وضعت رأسي فلم أشعر إلا بالمفتاح يحرك عند الباب ليفتح ؛ فقمت فصليت الغداة ، ثم ركبت فرسي، فحملت عليه، فطعنت البواب فقتله، ثم انكفأت راجعاً؛ وخرجوا يطلبونني، فجعلوا يكفون عني مخافة أن يكون لي كمين، فدفعت إلى صاحبي الأدنى الذي أمرته أن يقف، فلما رأوه قالوا: هذا كمين انتهى إلى كمينه. فانصرفوا وسرت أنا وصاحبي، حتى دفعنا إلى صاحبنا الثاني، فسرنا حتى انتهينا إلى المسلمين ؛ وقد عزم أبو عبيدة ألا يبرح حتى يأتيه رأى عمر وأمره ؛ فأتاه فرحلوا حتى نزلوا على دمشق، وخلف باليرموك بشير بن كعب بن أبي الحميري في خيل.

كتب إلى السرى عن شعيب، عن سيف، عن عبد الله بن سعيد عن أبي سعيد، قال: قباث: كنت في الوفد بفتح اليرموك، وقد أصبنا خيراً ونفلاً كثيراً، فمر بنا الدليل على ماء رجل قد كنت اتبعته في الجاهلية حين أدركت وآنست من نفسي لأصيب منه ؛ كنت دللت عليه، فأتيته فأخبرته، فقال: قد أصيب، فإذا ريبال من ريابلة العرب قد كان يأكل في اليوم عجز جزور بأدمها ومقدار ذلك منغير الغجز ما يفضل عنه إلا ما يقوتني. وكان يغير على الحي ويدعني قريباً، ويقول: إذا مر بك راجز يرتجز بكذا وكذا، فأنا ذلك ؛ فشل معي . فمكثت بذلك حتى أقطعني قطيعاً من مال، وأتيت به أهلي ؛ فهو أول مال أصبته. ثم إني رأست قومي ؛ وبلغت مبلغ رجال العرب، فلما مر بنا على ذلك الماء عرفته، فسألت عن بيته فلم يعرفوه، وقالوا: هو حي، فأتيتت ببنين استفادهم بعدي، فأخبرتهم خبري، فقالوا: اغد علينا غداً، فإنه أقرب ما يكون إلى ما تحب بالغداة، فغاديتهم فأدخلت عليه، فأخرج من خدره ؛ فأجلس لي، فلم أزل أذكره حتى ذكر، وتسمع وجعل يطرب للحديث ويستطعمنيه، وكال مجلسنا وثقلنا على صبيانهم ؛ ففرقوه ببعض ما كان يفرق منه ليدخل خدره، فوافق ذلك عقله، فقال: قد كنت وما أفزع! فقلت أجل، فأعطيته ولم أدع أحداً من أهله إلا أصبته بمعروف ثم ارتحلت.

كتب إلى السرى، عن سيف، عن أبي سعيد المقبري، قال: قال مروان بن الحكم لقباث: أانت منى ، وأنا أقدم منه، قال: فما أبعد ذكرك؟ قال: حثى الفيل لسنة. قال: وما أعجب ما رأيت؟ قال: رجل من قضاعة ؛ إني لما أدركت وآنست من نفسي سألت عن رجل أكون معه وأصيب منه، فدللت عليه.... واقتص هذا الحديث.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، أن أبا بكر رحمه الله حين سار القوم خرج مع يزيد بن أبي سفيان يوصيه، وأبو بكر يمشي ويزيد راكب، فلما فرغ من وصيته قال: أقرئك السلام، وأستودعك الله. ثم انصرف ومضى يزيد، فأخذ التبوكية ثم تبعه شرحبيل بن حسنة ثم يأبو عبيدة بن الجراح مدداً لهما على ربع، فسلكوا ذلك الطريق، وخرج عمرو بن العاص حتى نزل بغمر العربات، ونزلت الروم بثنية جلق بأعلى فلسطين في سبعين ألفاً، عليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه. فكتب عمرو بن العاص ؛ وهو بمرج الصفر من أرض الشأم في يوم مطير يستمطر فيه ؛ فتعاوى عليه أعلاج الروم، فقتلوه، وقد كان عمرو بن العاص كتب إلى أبي بكر يذكر له أمر الروم ويستمده.

قال أبو جعفر: وأما أبو يزيد، فحدثني عن علي بن محمد بالإسناد الذي قد ذكرت قبل ؛ أن أبا بكر رحمه الله وجه بعد خروج يزيد بن أبي سفيان موجهاً إلى الشأم بأيام، شرحبيل بن حسنة - قال: وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عمرو، من كندة، ويقال من الأزد - فسار في سبعة آلاف، ثم أبا عبيدة بن الجراح في سبعة آلاف، فنزل يزيد البلقاء، ونزل شرحبيل الأردن - ويقال بصرى - ونزل أبو عبيدة الجابية، ثم أمدهم بعمرو بن العاص، فنزل بغمر العربات، ثم رغب الناس في الجهاد ؛ فكانوا يأتون المدينة فيوجههم أبو بكر إلى الشأمفمنهم من يصير مع أبي عبيدة، ومنهم من يصير مع يزيد، يصير كل قوم مع من أحبوا.

قالوا: فأول صلح كان بالشأم صلح مآب؛ وهي فسطاط ليست بمدينة ، مر أبو عبيدة بهم في طريقه، وهي قرية من البلقاء، فقاتلوه، ثم سألوه الصلح فصالحهم . واجتمع الروم جمعاً بالعربة من أرض فلسطين ؛ فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي ؛ ففض ذلك الجمع قالوا: فأول حرب كانت بالشأم بعد سرية أسامة بالعربة. ثم أتوا الدائية - ويقال الدائن - فهزمهم أبو أمامة الباهلي، وقتل بطريقاً منهم . ثم كانت مرج الصفر، استشهد فيها خالد بن سعيد بن العاص، أتاهم أدرنجار في أربعة آلاف وهم غارون، فاستشهد خالد وعدة من المسلمين.

قال أبو جعفر: وقيل إن المقتول في هذه الغزوة كان ابناً لخالد بن سعيد، وإن خالداً انحاز حين قتل ابنه، فوجه أبو بكر خالد بن الوليد أميراً على الأمراء الذين بالشأم، ضمهم إليه ؛ فشخص خالد من الحيرة في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة - ويقال في خمسمائة - واستخلف على عمله المثنى بن حارثة، فلقيه عدو بصندوداء، فظفر بهم، وخلف بها ابن حرام الأنصار ؛ ولقى جمعاً بالمصيخ والحصيد، عليهم ربيعة بن بجير التغلبي، فهزمهم وسبى وغنم، وسار ففوز من قراقر إلى سوى ؛ فأغار على أهل سوى ؛ واكتسح أموالهم، وقتل حرقوص ابن النعمان البهراني، ثم أتى أرك فصالحوه، وأتى تدمر فتحصنوا ، ثم صالحوه ؛ ثم أتى القريتين، فقاتلهم فظفر بهم وغنم، وأتى حوارين ؛ فقاتلهم فهزمهم وقتل وسبى، وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة، وأتى مرج راهط، فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، ووجه بسرين أبى ارطاة وحبيب بن مسلمة إلى الغوطة، فأتوا كنيسة فسبوا الرجال والنساء، وساقوا العيال إلى خالد.

قال: فوافى خالداً كتاب أبي بكر بالحيرة منصرفة من حجه: أن سر حتى تأتى جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا ، وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجي من الناس نزعك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة ؛ فأتمم يتمم الله لك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل ؛ وإياك أن تدل بعمل، فإن الله عز وجل له المن، وهو ولي الجزاء.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عطاء، عن الهيثم البكائي، قال: كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم، ويقولن: ما شاء معاوية! نحن أصحاب ذات السلاسل، ويسمون ما بينهما وبين الفراض ؛ ما يذكرون ماكان بعد ؛ احتقاراً لكا كان بعد فيما كان قبل.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن ظفر بن دهى ، ومحمد بن عبد الله عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، والمهلب بن عقبة عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري، قالوا: كان أبو بكر قد وجه خالد بن سعيد بن العاص إلى الشأم حيث وجه خالد بن الوليد إلى العراق، وأوصاه بمثل الذي أوصى به خالداً . وإن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشأم ولم يقتحك ؛ واستجلب الناس فعز ، فهابته الروم، فأحجموا عنه، فلم يصبر على أمر أبي بكر ولكن توردها فاستطردت له الروم، حتى أوردوه الصفر، ثم تعطفوا عليه بعد ما أمن ؛ فوافقوا ابنة سعيد بن خالد مسمطراً ؛ فقتلوه هو ومن معه، وأتى الخبر خالداً، فخرج هارباً حتى يأتي البر، فينزل منزلاً، واجتمعت الروم إلى اليرموك ؛ فنزلوا به، وقالوا: والله لنشعلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله.

وكتب خالد بن سعيد إلى أبي بكر بالذي كان، فكتب أبو بكر إلى عمرو ابن العاص - وكان بلاد قضاعة - بالسير إلى اليرموك، ففعل . وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وأمر كل واحد منهما بالغارة، وألا توغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم.

وقدم عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد، فسرحه نحو الشأم في جند، وسمى لكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشأم ؛ فتوافروا باليرموك، فلما رأت الروم توافيهم، ندموا على الذي ظهر منهم، ونسوا الذي كانوا يتوعدون به أبا بكر، واهتموا وهمتهم أنفسهم، وأشجوهم وشجوا بهم، ثم نزلوا الواقصة. وقال أبو بكر: والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، فكتب إليه بهذا الكتاب الذي فوق هذا الحديث، وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق في نصف الناس، فإذا فتح الله على المسلمين الشأم، فارجع إلى عملك بالعراق. وبعث خالد بالخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري وبمسيرة إلى الشأم. ودعا خالد الأدلة، فارتحل من الحيرة شائراً إلى دومة، ثم طعن في البر إلى قراقر، ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم! فإن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين، فكلهم قال : لا نعرف إلا طريقاً لا يحمل الجيوش، يأخذ الفذ الراكب، فإياك أن تغرر بالمسلمين. فعزم عليهم ولم يجبه إلى ذلك إلا رافع بن عميرة على تهيب شديد ، فقام فيهم، فقال: لا يختلفن هديكم، ولا يضعفن يقينكم، واعلموا أم المعونة تأتي على قدر النية ، والأحر على قدر الحسبة ؛ وإن المسلم لا ينبغي له أن يكترث بشئ يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا : أنت رجل قد جمع الله لك الخير ، فشأنك. فطابقوه ونووا واحتسبوا، واشتهوا مثل الذي خيل بقدر ما يستقيها، فظمأ كل قائد من الإبل الشرف الجلال ما يكتفيبه، ثم سقوها العلل بعد النهل ؛ ثم صروا آذن الإبل وكعموها، وخلوا أدبارها، ثم ركبوا من قراقر مفوزين إلى سوى - وهي على جانبيها الآخر مما يلي الشأم - فلما ساروا يوماً افتظوا لكل عدة من الخيل عشراً من تلك الإبل فمزجوا ما في كروشها بما كان من الألبان، ثن سقوا الخيل، وشربوا للشفعة جرعاً، ففعلوا ذلك أربعة أيام.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عبيد الله بن محفز ابن ثعلبة ؛ عمن حدثة من بكر بن وائل، أن محرز بن حريش المحاربي قال لخالد: اجعل كوكب الصبح على حاجبك اليمن، ثم أمه تفض إلى سوى ؛ فكان أدلهم.

قال أبو جعفر الطبري: وشاركهم محمد وطلحة، قالوا: لما نزل بسوى وخشى أن يفضحهم حر الشمس، نادى هالد رافعاً: ما عندك؟ قال: خير، أدركتم الري ، وأنتم على الماء! وشجعهم وهو متحير أرمد، وقال: أيها الماس، انظروا علمين كأنهما ثديان. فأتوا عليهما وقالوا: علمان، فقام عليهما فقال: اضربوا يمنة ويسرة - لعوسجة كعقدة الرجل - فوجدوا جذمها، فقالوا: جذم ولا نرى شجرة، فقال: احتفروا حيث شئتم، فاسشتثاروا وأحساء رواء، فقال رافع: أيها الأمير، والله ما وردت هذا الماء منذ ثلاثين سنة، وما وردته إلا مرة وأنا غلام مع أبي. فاستعدوا ثم أغاروا والقوم لا يرون أن جيشاً يقطع إليهم.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن إسحاق بن أبراهيم، عن ظفر بن دهى، قال: فأغار بنا خالد من سوى على مصيخ بهراء بالقصواني - ماء من المياه - فصبح المصيخ والنمر ؛ وإنهم لغارون، وإن رفقة لتشرب في وجه الصبح، وساقيهم يغنيهم، ويقول: ألا صبحاني قبل جيش أبي بكر فضربت عنقه، فاختلط دمه بخمره.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو بن محمد بإسنادهالذي تقدم ذكره، قال: ولما بلغ غسان خروج خالد على سوى وانتسافها، وغارته على مسيخ بهراء وانتسافها، فاجتمعوا بمرج واهط، وبلغ ذلك خالداً، وقد خلف ثغور الروم وجنودها مما يلي العراق، فصار بينهم وبين اليرموك، صمد لهم ؛ فخرج من سوى بعد مارجع إليها بسبي بهراء، فنزل الرمانتين - علمين على الطريق - ثم نزل الكثب ؛ حتى صار إلى دمشق ، ثم مرج الصفر، فلقى عليه غسام وعليهم الحارث بن الأيهم، فانتسف عسكرهم وعيالاتهم. ونزل بالمرج أياماً، وبعث إلى أبي بكر بالأخماس مع بلال بن الحارث المزني، ثم خرج من المرج حتى ينزل قناة بصرى ؛ فكانت أول مدينة افتتحت بالشأم على يدي خالد فيمن معه من جنود العراق، وخرج منها، فوافى المسلمين بالواقوصة، فنازلهم بها في تسعة آلاف.

كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب، قالوا: ولما رجع خالد من حجة وافاه كتاب أبي بكر بالخروج في شطر الناس، وأن يخلف على الشطر الباقي المثنى بن حارثة، وقال: لا تأخذن نجداً إلا خلفت له نجداً، فإذا فتح الله عليكم فارد هم إلى العراق، وأنت معهم، ثم أنت على عملك ؛ وأحضر خالد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأثر بهم على المثنى، وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة ممن لم يكن له صحبة، ثم نظر فيمن بقي، فاختلج من كان قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وافداً أو غير وافد، وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة ؛ ثم قسم الجند نصفين، فقال المثنى: والله لا أقيم إلا على إنفاذ أمر أبي بكر كله في استصحاب نصف الصحابة أو بع النصف ؛ وبالله ماأرجو النصر إلا بهم، فأنى تعريني منهم! فلما رأى ذلك خالد بعدما تلكأ عليه أعاضه منهم حتى رضى، وكان فيمن أعاضه منهم فرات بن حيان العجلي، وبشير بن الخصاصية والحارث بن حسان الذهليان، ومعبد بن أم معبد الأسلمى، وعبد الله بن أبي أوفى الأسلمى؛ والحارث بن بلال المزنى، وعاصم بن عمرو التميمي ؛ حتى إذا رضى المثنى وأخذ حاجته، انجذب خالد فمضى لوجهه وشيعه المثنى إلى قراقر، ثم رجع إلى الحيرة في المحرم ، فأقام في سلطانه، ووضع في المسلحة التي كان فيها على السيل أخاه، ومكان ضرار بن الخطاب عتيبة بن النهاس، ومكان ضرار بن الأزور مسعوداً أخاه الآخر، وسد أماكن كل من خرج من الأمراء برجال أمثالهم من أهل الغناء، ووضع مذعور بن عدي في بعض تلك الأماكن، واستقام أهل فارس - على رأس سنة من مقدم خالد الحيرة ؛ بعد خروج خالد بقليل ؛ وذلك في سنة ثلاث عشرة - على شهر براز بن أرشير بن شهريار ممن يناسب إلى كسرى، ثم إلى سابور. فوجه إلى المثنى جنداً عظيماً عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف، ومعه فيل، وكتب المسالح إلى المثنى بإقباله، فخرج المثنى من الحيرة نحوه، وضم إليه المسالح، وجعل على مجنبتيه المعنى ومسعوداً ابني حارثة، وأقام له ببابل، وأقبل هرمز جاذويه، وعلى مجنبتيه الكوكبد والخر كبذ. وكتب إلى المثنى: من شهر براز إلى المثنى ؛ إني قد بعثت إليك جنداً من وخش أهل فارس ، إنما هم رعاة الدحاج والخنازير ؛ ولست أقاتلك إلا بهم فأجابه المثنى: من المثنى إلى شهر براز ؛ إنما أنت أحد رجلين: إما باغ فذلك شر لك وخير لنا، وإما كاذب فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله في الناس الملوك. وأما الذي يدلنا عليه الرأى ؛ فإنكم إنما اضطررتم إليهم ؛ فالخمد لله الذي رد كيدطمك إلى رعاة الدجاج والخنازير. فجزع أهل فارس من كتابه، وقالوا: إنما أتى شهر براز من شؤم مولده ولؤم منشئه - وكان يسكن ميسان - وبعض البلدان شين على من يسكنه. وقالوا له : جرأت علينا عدونا بالذي كتبت به إليهم ؛ فإذا كاتبت أحداً فاستشر. فالتقوا ببابل، فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول قتالاً شديداً.

ثم إن المثنى وناساً من المسلمين اعتوروا الفيل - وقد كان يفرق بين الصفوف والكراديس - فأصابوا مقتله، فقتلوه وهزموا أهل فارس، واتبعهم المسلمون يقتلون ، حتى جازوا بهم مسالحهم، فأقاموا فيها، وتتبع الطلب الفالة ؛ حتى انتهوا إلى المدائن ؛ وفي ذلك يقول عبدة بن الطبيب السعدي، وكان عبدة قد هاجر لمهاجر حليلة له حتى شهد وقعة بابل ؛ فلما آيسته رجع إلى البادية، فقال:

هل حبل خولة بعد البين موصول              أم أنت عنها بعيد الدار مشغول!
ولـلأحـبة أيام تـذكـرهــا                         والمنوى قبل يوم البـين تـأويل
حلت خويلة في حي عهدتـهـم               دون المدائن فيها الديك والفـيل
يقارعون رءوس العجم ضاحـية                 منهم فوارس، لا عزل ولا ميل

القصيدة. وقال الفرزدق يعدد بيوتات بكر بن وائل وذكر المثنى وقتله الفيل:

وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة             ببابل إذا في فارس ملك بابل

ومات شهر براز منهزم هرمز جاذويه.

واختلف أهل فارس، وبقي ما دون دجلة وبرس من السواد في يدي المثنى والمسلمين.

ثم إن أهل فارس اجتمعوا بعد شهر براز على دخت زنان ابنة كسرى ؛ فلم ينقذ لها أمر فخلعت.

وملك سابور بن شهر براز. قالوا: ولما ملك سابور بن شهر براز قام بأمره الفر خزاذ بن البنوان، فسأله أن يزوجه آزرميدخت ابنة كسرى، ففعل، فغضبت من ذلك، وقالت: يا بن عم، أتزوجني عبدي!قال: استحي من هذا الكلام ولا تعيديه على ، فإنه زوجك، فبعثت إلى سياوخش الرازي - وكان من فتاك الأعاجم - فشكت إليه الذي تخاف، فقال لها: إن كنت كارهة لهذا فلا تعاوديه فيه، وأرسلى إليه وقولي له: فليقل له فليأتك ؛ فأنا أكفيكه. ففعلت وفعل؛ واستعد سياوخش، فلما كان ليلة العرس أقبل الفرخزاذ حتى دخل، فثار به سياوخش فقتله ومن معه، ثم نهد بها معه إلى سابور، فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوخه. وملكت آزر ميدخت بنت كسرى، وتشاغلوا بذلك ؛ وأبطأ خبر أبي بكر على المسليمن فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية، ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة العجلي ؛ وخرج المثنى نحو أبي بكر ليخبره خبر المسلمين والمشركين، وليستأذنه في الإستعانة بمن قد ظهرت توبته وندمه من أهل الردة ممن يستطعمه الغزو ، وليخبره أنه لم يخلف أحداً أنشط إلى قتال فارس وحربها ومعونة المهاجرين منهم. فقدم المدينة وأبو بكر مريض، وقد كان مرض أبو بكر بعد مخرج خالد إلى الشأم - مرضته التي مات فيها - بأشهر ؛ فقدم المثنى وقد أشفى، وعقد لعمر، فأخبر الخبر، فقال: على بعمر، فجاء فقال له : اسمع يا عمر ما أقول لك، ثم اعمل به ؛ إني لأرجو أن أموت من يومي هذا - وذلك يوم الإثنين - فإن أنامت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى، وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى ، ولا تشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم، ووصية ربكم ؛ وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صنعت، ولم يصب الخلق بمثله ؛ وبالله لو أني أنى عن أمر رسوله لخذلنا ولعاقبنا، فاضطرمت المدينة ناراً. وإن فتح الله على أمراء الشأم فاردد أصحاب خالد إلى العراق، فإنهم أهله وولادة أمره وحده وأهل الضراوة منهم والجراءة عليهم.

ومات أبو بكر رحمه الله مع الليل، فدفنه عمر ليلاً، وصلى عليه في المسجد، وندب الناس مع المثنى بعدما سوى على أبي بكر، وقال عمر: كان أبو بكر قد علم أنه يسوءني أن أؤمر خالداً على حرب العراق حين أمرني بصرف أصحابي، وترك ذكره.

قال أبو جعفر: وإلى آزر ميخت انتهى شأن أبي بكر، وأحد شقي السواد في سلطانه، ثم مات وتشاغل أهل فارس فيما بينهم عن إزالة المسلمين عن السواد، فيما بين ملك أبي بكر إلى قيام عمر ورجوع المثنى مع أبي عبيد إلى العراق، والجمهور من جند أهل العراق بالحيرة، والمسالح بالسيب، والغازات تنتهي بهم إلى شاطئ دجلة، ودجلة حجاز بين العرب والعجم.

فهذا حديث العراق في إمارة أبي بكر من مبتدئه إلى منهاه.

رجع الحديث إلى حديث أبن إسحاق . وكتب أبو بكر إلى خالد وهو بالحيرة، يأمره أن يمد أهل الشأم بمن معه من أهل القوة ، ويخرج فيهم، ويستخلف على ضعفه الناس رجلاً منهم ؛ فلما أتى خالداً كتاب أبي بكر بذلك، قال خالد: هذا عمل الأعسير بن أم شملة - يعني عمر بن الخطاب - حسدني أن يكون فتح العراق على يدي. فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة ؛ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر عليهم عمير بن سعد الأنصاري، واستخلف خالد على من أسلم بالعراق من ربيعة وغيرهم المثنى بن حارثة الشيباني. ثم سار حتى نزل على عين التمر، فأغار على أهلها، فأصاب منهم، ورابط حصناً بها فيه مقاتلة كان كسرى وضعهم فيه حتى استنزلهم، فضرب أعناقهم، وسبى من عين التمر ومن أبناء تلك المرابطة سبايا كثيرة فبعث بها إلى أبي بكر ؛ فكان من تلك السبايا أبو عمرة مولى شبان ؛ وهو أبو عبد الأعلى بن أبي عمرة، وأبو عبيدة مولى المعلى، من الأنصار من بني زريق، وأبو عبد الله مولى زهرة، وخير مولى أبي داود الأنصاري ثم أحد بني مازن بن النجار، ويسار وهو جد محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرومة بن المطلب بن عبد مناف، وأفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ثم أحد بني مالك بن النجار، وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان. وقتل خالد بن الوليد هلال بن عقة ابن بشر النمري وصلبة بعين التمر، ثم أراد السير مفوزا من قراقر - وهو ماء لكلب إلى سوى ، وهو ماء لبهران بينهما خمس ليال - فلم يهتد خالد الطريق، فالتمس دليلاً، فدل على رافع بن عميرة الطائي ؛ فقال له خالد: انطلق، بالناس فقال له رافع: إنك لن تطيق ذلك بالخيل والأثقال ؛ والله إن الراكب المفرد ليخافها على نفسه وما يسلطها إلا مغرراً؛ إنها لخمس ليال جياد لا يصاب فيها ماء مع مضلتها، فقال له خالد: ويحك! إنه والله إن لي بد من ذلك، إنه قد أتتني من الأمير عزمة بذلك فمر بأمرك . قال : استكبروا من الماء ؛ من استطاع منكم أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل ؛ فإنها المهالك إلا ما دفع الله؛ ابغني عشرين جزوراً عظاماً سماناً مسان . فأتاه بهن خالد، فعمد إليهن رافع فظمأهن، حتى إذا أجهدهن عطشاً أوردهن فشربن حتى إذا تملأن عمد إليهن، فقطع مشافرهن، ثم كعمهن لئلا يجتررن، ثم أخلى أدبارهن.

ثم قال لخالد: سر؛ فسار خالد معه مغذاً بالخيول والأثقال ؛ فكلما نزل منزلاً افتظ أربعاً من تلك الشوارف ؛ فأخذ كا في أكراشها، فسقاه الخيل؛ ثم شرب الناس مما حملوا معهم من الماء ؛ فلما خشي خالد على أصحابه في آخر يوم من المفاز قال لرافع بن عميرة وهو أرمد: ويحك يا رافع! ما عندك؟ قال أدركت الري إن شاء الله فلما دنا من العلمين، قال للناس: انظروا هل ترون شجيرة من عوسج كقعدة الرجل ؟ قالوا: ما نراها. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون!هلكتم والله إذاًي وهلكت ؛ لا أباكم!انظروا فطلبوا فوجودها قد قطعت وبقيت منها بقية، فلما فحفروا فاستخرجوا عيناً، فشربوا حتى روى الناس، فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل، فقال رافع: والله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة، وردته مع أبي وأنا غلام، فقال شاعر من المسلمين:

لله عيناً رافع أنى اهـتـدى                 فوز من قراقر إلى سـوى!
خماً إذا ما سارها الجيش بكى          ما سارها قبلـك إنـي يرى

فلما انتهى خالد إلى سوى، أغار على أهله - وهم بهراء - قبيل الصبح، وناس منهم يشربون خمراً لهم في جفنة قد اجتمعوا عليها، ومغنيهم يقول:

ألا عللاني قبل جيش أبـي بـكـر             لعل منايانـا قـريب ومـا نـدري
ألا عللاني بـالـزجـاج وكـررا                    على كميتاللون صافـية تـجـري
ألا عللاني مـن سـلافة قـهـوة                 تسلى هموم النفس من جيد الخمـر
أظن خيول المسلـمـين وخـالـداً               ستطرقكم قبل الصباح من البشـر
فهل لكم في السيرقبل قـتـالـهـم            وقبل خروج المعصرات من الخدر

فيزعمون أن مغنيهم ذلك قتل تحت الغارة، فسال دمه في تلك الجفنة. ثم سار خالد على وجهه ذلك، حتى أغار على غسان بمرج راهط، ثم سار حتى نزل على قناة بصرى، وعليها عيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ؛ فاجتمعوا عليها، فرابطواها حتى صالحت بصرى على الجزية،وفتحها الله على المسلمين، فكانت أول مدينة من مدائن الشأم فتحت في خلافة أبي بكر. ثم ساروا جميعاً إلى فلسطين مدداً لعمرو العاص ، وعمرو مقيم بالعربان من غور فلسطين، وسمعت الروم بهم، فانكشفوا عن جلق إلى أجنادين ؛ وعليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه - وأجنادين بلد بين الرملة وبين جبرين من أرض فلسطين - وسار عمرو بن العاص حين سمع بأبي عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان حتى لقيهم، فاجتمعوا بأجنادين ؛ حتى عسكروا عليهم.

حدثنا بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، أنه قال: كان على الروم رجل منهم يقال له القبقلار ؛ وكان هرقل استخلفه على أمراء الشأم حين سار إلى القسطنطينية، وإليه انصرف تذارق بمن معه من الروم.قأما علماء الشأم فيزعمون أنما كان على الروم تذارق. والله أعلم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، قال: تدانى العسكران بعث القبقلا رجلاً عربياً - قال: فحدثت أن ذلك الرجل رجل من قضاعة، من تزيد بن حيدان، يقال له ابم هزارف - فقال: ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوماً وليلة، ثم ائتني بخبرهم. قال: فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر ؛ فأقام فيهم يوماً وليلة، ثن يأتاه فقال له: ما وراءك؟ قال: بالليل رهبان، وبالنهار فرسان، ولو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم ؛ لإقامة الحق فيهم. فقال له القبقلار: لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ، ولوددت أن حظى من الله أن يخلى بيني وبينهم، فلا ينصرني عليهم، ولا ينصرهم على. قال:ثم تزحف الناس، فاقتتلوا، فلما رأى القبقلار ما رأى من قتال المسلمين ؛ قال للروم: لفوا رأسي بثوب، قالوا له: لم ؟ قال: يوم البئيس، لا أحب أن أراه! ما رأيت في الدنيا يوماً أشد من هذا! قال فاحتز المسلمون رأسه، وإنه لملفف.

وكانت وقعة أجنادين في سنة ثلاث عشرة لليلتين بقيتا من جمادى الأولى. وقتل يومئذ من المسلمين جماعة ؛ منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، وهبار بن الأسود بن عبد الأسد، ونعيم بن عبد الله النحام، وهشام بن العاصي بم وائل، وجماعة أخر من قريش. قال: ولم يسم لنا من الأنصار أحد أصيب بها.

وفيها توفي أبو بكر لثمان ليال بقين - أو سبع بقين - من جمادى الآخر.

رجع الحديثإلى حديث أبي يزيد، عن على بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره. قال: وأني خالد دمشق فجمعله صاحب بصرى، حصنهم ؛ وطلبوا الصلح، فصالحهم على كل رأس دينار في كل عام وجريب حنطة. ثم رجع العدو للمسلمين، فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين، فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ؛ فظهر المسلمون، ثم رجع هرقل للمسلمين، فالتقوا بالواقوصة فقاتلوهم ؛ وقاتلهم العدو، وجاءتهم وفاة أبي بكر وهم مصافون وولاية أبي عبيدة، وكانت هذه الوقعة في رجب.