المجلد الثالث - ذكر مرض أبي بكر ووفاته

ذكر مرض أبي بكر ووفاته

حدثني أبو زيد ؛ عن على بن محمد، بإسناده الذي قد مضى ذكره ؛ قالوا: توفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة في جمادى الآخرة يوم الإثنين لثمان بقين منه. قالوا: وكان سبب وفاته أن اليهود سمته في أرزة، ويقال في جذيذة، وتناول معه الحارث بن كلدة منها، ثم كف وقال لأبي بكر: أكلتطعاماً مسموما ً سم سنة. فمات بعد سنة، ومرض خمسة عشر يوماً، فقيل له: لو أرسلت إلى الطبيب! فقال: قد رآني، قالوا فما قال لك؟ إني أفعل ما أشاء.

قال أبو جعفر : ومات عتاب بن أسيد بمكة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر - وكانا سما جميعاً - ثم مات عتاب بمكة.

وقال غير من ذكرت في سبب مرض أبي بكر الذي توفي فيه، ما حدثني الحادث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني أسامة بن يزيد الليثي، عن محمد بن حمزة، عن عمرو، عن أبيه قال . وأخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة عن عائشة، قال. وأخبرنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عمر بن الحسين مولى آل مظعون، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر، قالوا: كان أول ما بدأ مرض أبي بكر به بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرد إلى الصلاة ؛ وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس ؛ ويدخل الناس يعودونه ؛ وهو يثقل كل يوم، وهو نازل داره التي قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم في مرضه ؛ وتوفى أبو بكر مسى ليلة الثلاثاء ؛ لثمال ليال بقين من جمادى الآخر سنة ثلاث عشرة من الهجرة. وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال. قال: وكان أبو معشر يقول: كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، فتوفى سن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو ولد بعد الفيل بثلاث سنين .

حدثنا ابن حميد، قال حدثنا جرير، عن يحيى بن يعيد، قال: قال سعيد بن المسيب: استكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتوفى وهو بسن النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثنا أبو كريب، قال حدثنا أبو نعيم، عن يونس بن إسحاق، عن أبي السفر، عن عامر، عن جرير، قال كنت عند معاوية فقال: توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وحدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد ، عن جرير، قال: قال معاوية: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين.

وقال على بن محمد في خبره الذي ذكرت عنه: كانت ولاية أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً، ويقال: عشرة أيام.

ذكر الخبر عمن غسله والكفن الذي كفن فيه أبو بكر ومن صلى عليه والوقت الذي صلى عليه فيه والوقت الذي توفى فيه حدثني الحارث، عن أبن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني مالك بن أبي الرحال ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توفى أبو بكر رحمه الله بين المغرب والعشاء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن محمد بن عبد الله، عن غطاء وابن أبي نليكة، أن أسماء بنت عميس، قالت: قال لي أبو بكر: غسليني، قلت: لا أطيق ذلك، قال : يعينك عبد الرحمن ابن أبي بكر، يصب الماء.

حدثني الحارث، عن محمد بن سعد، قال: أخبرنا معاذ بن معاذ ومحمد بن عبد الله الأنصاري، قالا: حدثنا الأشعث، عن عبد الواحد بن صبرة، عن القاسم بن محمد. قال ابن سعد: قال محمد بن عمر: وهذا الحديث وهل ؛ وإنما كان لمحمدج يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، سألها أبو بكر ؛ كم كفن النبي صلى الله عليه وسلم ؟قالت: في ثلاثة أثواب، قال: اغسلوا ثوبي هذين - وكانا ممشقين - وابتاعوا لي ثوباً آخر. قلت: يا أبه، إنا موسرون، قال: أي بنية، الحي أحق بالجديد من الميت، وإنما هما للمهلة والصديد.

حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا الأوزاعي ؛ قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم ؛ أن أبا بكر توفى عشاء بعد ما غابت الشمس ليلة الثلاثاء، ودفن ليلاً ليلة الثلاثاء.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا غنام عن هشام، عن أبيه أن أبا بكر مات ليلة الثلاثاء ودفن ليلاً.

حدثني أبو زيد، عن على بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكريه، أن أبا بكر حمل على السرير الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل قبره عمر ، وعثمان ؛ وطلحة ؛ وعبد الرحمن بن أبي بكر ؛ وأراد عبد الله أن يدخل قبره، فقال له عمر: كفيت.

قال أبو جعفر: وكان أوصى - فيما حدثني الحارث، عن ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عمر بن عبد الله - يعني ابن عروة - أنه سمع عروة والقاسم بن محمد يقولان: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي حفر له، وجعل رأسه عند كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألصقوا اللحد يلحد النبي صلى الله عليه وسلم فقير هنالك .

قال الحارث: حدثني ابن سعد، قال: وأخبرنا محمد بن عمر، يقال: حدثني ابن عثمان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، جعل رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأس عمر عند حقوى أبي بكر .

حدثني على بن مسلم الكوسي، قال: حدثنا ابن أبي فديك، قال: أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم بن محمد، قال: دخلت على عائشة رضى الله تعالى عنها، فقلت: يا أمه، اكشفى لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ؛ فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ؛ قال: فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً وقبر أبي بكر عند رأسه، وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم .

حدثني الحارث، عن ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، قال: جعل قبر أبي بكر مثل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحاً ؛ ورش عليه الماء، وأقامت عليه عائشة النوح .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب ؛ قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: لما توفى أبو بكر رحمه الله أقامت عليه عائشة النوح، فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها، فنهاهن عن البكاء على أبي بكر، فأبين أن ينتهين، فقال عمر لهشام بن الوليد: ادخل فأخرج إلى ابنة أبي قحافة ؛ أخت أبي بكر، فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر: إني أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام : ادخل فقد أذنت لك، فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبي بكر إلى عمر، فعلاها بالدرة، فضربها ضربات، فتفرق النوح حين سمعوا ذلك.

وتمثل في مرضه - فيما حدثني أبو زيد، عن علي ابن محمد بإسناده - الذي توفى فيه:

وكل ذي إبل مـوروث                وكل ذي سلب مسلوب
وكـل ذي غـيبة يئوب               وغائب الموت لا يئوب

وكان آخر ما تكلم به، رب (توفى مسلماً وألحقني بالصالحين).

ذكر الخبر عن صفة جسم أبي بكر رحمه الله حدثني الحارث، عن ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال حدثنا شعيب بن طلحة بن عبد الله بم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أبيه، عن عائشة، رضى الله تعالى عنها، أنها نظرت إلى رجل من العرب مر وهي في هودجها، فقالت: ما رأيت رجلاً أشبه بأبي بكر من هذا، فقلنا لها: صفي أبا بكر، فقالت: رجل أبيض نفيف العارضين، أجنأ لا يستمسك إزاره، يسترخي عن حقويه ، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع .

وأما على بن محمد ؛ فإنه قال في حديثه الذي ذكرت إسناده قبل: إنه كان أبيض يخالطه صفرة، حسن القامة، نحيفاً أجنأ، رقيقاً عتيقاً، أقنى، معروق الوجه، غائر العينين، حمش الساقين، ممحوص الفخذين، يخضب بالحناء والكتم.

وكان أبو قحافة حين توفي حياً بمكة، فلما نعي إليه قال: رزء جليل! ذكر نسب أبي واسمه وما كان يعرف به حدثني أبو زيد، قال: حديثنا على بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره، أنهم أجمعوا على أن إسم أبي بكر عبد الله، وأنه إنما قيل له عتيق عن عتقه قال: قال بعضهم: قيل له ذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال له : أنت عتيق من النار.

حدثني الحارث، عن ابن سعد، عن محمد بن عمر، قال: حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن معاوية بن إسحاق، عن أبيه، عن عائشة، أنها سئلت: لم سمى أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: هذا عتيق الله من النار .

واسم أبيه عثمان، وكنيته أبو قحافة، قال: فأبو بكر عبد الله بن عثمان ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى ابن غالب بن فهر بن مالك، وأمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.

وقال الواقدي: اسمه عبد الله بن أبي قحافة - وإسمه عثمان - بن عامر. وأمه أم الخير، واسمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة.

وأما هشام، فإنه قال - فيما حدثت عنه - إن اسم أبي بكر عتيق ابن عثمان بن عامر.

وحدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، قال: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن اسم أبي بكر الصديق، فقال: عتيق ؛ وكانوا إخوة ثلاثة بني أبي قحافة: عتيق ومعتق وعتيق.

ذكر أسماء نساء أبي بكر الصديق رحمه الله حدث على بن محمد، عمن حدثه ومن ذكرت من شيوخه، قال: تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة - ووافقه على ذلك الواقدي زالكلبي - قالوا: وهي قتيلة ابنة عبد العزى بن عبد بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، فولدت له عبد الله أسماء. وتزوج أيضاً في الجاهلية أم رومان بنت عامر بن عمير بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة - وقال بعضهم : هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذنية بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة - فولدت له عبد الرحمن وعائشة فكل هؤلاء الأربعة من أولاده، ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية.

وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس؛ وكانت قبله عندج جعفر بن أبي طالب ؛ وهي أسماء بنت عميس بن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بم ربيعة بن عامر بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل - وهو خثعم - فولدت له محمد بن أبي بكر.

وتزوج أيضاً فيالإسلام حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ؛ من بني الحارث بن الخروج ؛ وكانت نشأ حين توفى أبو بكر ؛ فولدت له بعد وفاته جارية سميت أم كلثوم.

ذكر أسماء قضاته وكتابه وعماله على الصدقات حدثنا محمد بن عبد الله المخزمي، قال: حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة، قال قال سفيان - وذكره عم مسعر: لما ولى أبو بكر ؛ قال أبو عبيدة: أنا أكفيك المال - يعني الجزاء - وقال عمر: أنا أكفيك القضاء : فمكث عمر سنة لا يأتيه رجلان.

وقال علي بن محمد عن الذين سميت: قال بعضهم: جعل أبو بكر عمر قاضياً في خلافته، فمكث سنة لم يخاصم إليه أحد.

قال: قالوا: كان يكتب له زيد بن ثابت، ويكتب له الأخبار عثمان بن عفان رضى الله عنه، وكان يكتب له من حضر.

وقالوا: كان عامله على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاصي، وعلى صنعاء المهاجر بن أبي أمية، وعلى حضرموت زياد بن لبيد، وعلى خولان يعلى بن أمية ؛ وعلى زبيد ورمع أبو موسى الأشعري، وعلى الجند معاذ بن جبل، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي. وبعث جرير بن عبد الله إلى نجران، وبعث بعبد الله بن ثمر ؛ أحد بني الغوث إلى ناحية جرش، وبعث عياض بن غنم الفهري إلى دومة الجندل ؛ وكان بالشأم أبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص ؛ كل رجل منهم على جند، وعليهم خالد بن الوليد.

قال أبو جعفر: وكان رضى الله عنه سخياً ليناً، عالماً بأنساب العرب ؛ وفيه يقول خفاف بن ندبة - وندبة أمه، وأبوه عمير بن الحارث - في مرثبته أبا بكر:

أبلج ذو عرف وذو منـكـر                  مقسم المعروف رحب الفناء
للمجد في مـنـزلـه بـادياً               حوض رفيع لم يخنه الإزاء
والـلـه لا يدرك أيامـــه                    ذو مئزر حاف ولا ذو رداء
من يسع كـي يدرك ايامـه              يجتهد الشد بأرض فضـاء
وكان - فيما ذكر الحارث، عن ابن سعد، عن عمرو بن الهيثم أبي قطن ؛ قال : حدثنا الربيع عن حيان الصائغ، قال : كان نقش خاتم أبي بكر رحمه الله: نعم القادر الله.

قالوا: ولم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً ؛ وتوفى في المحرم سنة أربع عشرة بمكة ؛ وهو ابن سبع وتسعين سنة.